اهتمام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز بالحديث النبوي وأثره في العقيدة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 47 - عددالزوار : 3795 )           »          الكبائر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 3019 )           »          التحذير من قطيعة الرحم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          مفاتيح الرزق الحلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          حقيقة الزهد في الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          تأملات في آيات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 260 )           »          أمانة العامل .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          روح القميص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          ظاهرة تسلط النساء على الرجال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-04-2024, 10:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,302
الدولة : Egypt
افتراضي اهتمام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز بالحديث النبوي وأثره في العقيدة

الشيخ الدكتور علي بن عبد العزيز الشبل يتحدث لـ «الفرقان» عن:اهتمام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز بالحديث النبوي وأثره في العقيدة



نشرت مجلة الدرعية المحكمة في سنتها التاسعة ربيع الأول 1426هـ، أبريل 2006م، في مطلع عددها الثالث والثلاثين بحثاً لفضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبد العزيز الشبل –حفظه الله- بعنوان: «اهتمام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز بالحديث النبوي وأثره في العقيدة» فكان لنا هذا اللقاء مع فضيلته خلال زيارته الدعوية لجمعية إحياء التراث الإسلامي فرع سعد العبد الله بمخيمها الربيعي الثالث لسنة 1413هـ، 2012م.
- بداية ما مصادر العقيدة الصحيحة تلقياً واستدلالاً عند سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله-؟
- إن تلقِّي العقيدة الصحيحة، والاستدلال عليها عند أهل السنة والجماعة وأئمتهم، يأتي من ثلاثة مصادر أصلية، هي:
1- الكتاب العزيز:
القرآن.
2- السنة النبوية الصحيحة.
3- الإجماع المعتبَر الذي تَحرُم مخالفته، وهو الذي نوَّه عنه أبو العباس ابن تيميَّة في «العقيدة الواسطية» المتلقاة بالقبول، حيث قال بعدما نوَّه بالمصدرين السالفين: «والأصل الثالث: الإجماع، والإجماع الذي ينضبط ما كان عليه الصحابة والتابعون؛ إذ بعدهم كثرت الأمة، وانتشر الخلاف». ا هـ.
وعلى هذا درج المسلمون، وأظهر هذا علماؤهم في كل زمان وطبق، كما ظهر هذا التلقي للعقيدة الصحيحة والاستدلال عليها في منهج سماحة الشيخ ابن باز في العقيدة ودعوته إليها، من خلال تآليفه وحواشيه، ورسائله وفتاواه، وتقريراته وأماليه، ومحاضراته وأجوبته ودروسه.
فمن تآليفه ذائعة الصيت في هذا المضمار، رسائلُه الشهيرة: «العقيدة الصحيحة وما يضادها»، و«شرح نواقض الإسلام»، و«الدروس المهمة لعامة الأمة»، فضلاً عن غيرها.
وهذه دروسه الكثيرة جدا في العقيدة والتوحيد، والحديث والتفسير، والفقه والسير، مليئة بهذا التلقي للعقيدة - بل الشريعة - من مصادرها الأصلية: الكتاب، والسنة، والإجماع، والتعويل عليها تلقيًا واستدلالاً، وبسطًا وشرحًا.
وهي كذلك في محاضراته وكلماته، ورسائله وتعليقاته، وفتاواه وأجوبته، مما يشق استيعابُه، ويظهر دلالة هذه المصادر والاعتماد عليها.
ومما أظهر هذه الأصالةَ في تلقي العقيدة والاستدلال لها أيضاً ردوده ومناقشاته لمخالفي عقيدة المسلمين، أو القادحين في سلف الأئمة وعقيدتهم في الكتب والصحف والمجلات والمحاضرات وغيرها؛ حيث أنافتْ هذه الردودُ والأجوبة على سبعين ردًّا، تتناول الدفاع عن الإسلام، والشبهات المثارة عليه دينًا وعقيدة، والتعلُّق بالآثار، والدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذم الغلو فيه وفي غيره - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك من أبواب العقيدة.
- من هم أبرز الشيوخ الذين أفادوا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- ولاسيما في علوم الحديث؟
- ذكر الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- مشايخه في الترجمة التي أملاها بنفسه، فقال: بدأتُ الدراسة منذ الصغر، وحفظت القرآن الكريم قبل البلوغ، ثم بدأت في تلقِّي العلوم الشرعية والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض، من أعلامهم:
1- الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله.
2- الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قاضي الرياض، رحمهم الله.
3- الشيخ سعد بن حمد بن عتيق (قاضي الرياض)، رحمه الله.
4- الشيخ حمد بن فارس (وكيل بيت المال بالرياض)، رحمه الله.
5- الشيخ سعد وقاص البخاري (من علماء مكة المكرمة) - رحمه الله - أخذت عنه علم التجويد في عام 1355هـ.
6- سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ - رحمه الله - وقد لازمت حلقاته نحوًا من عشر سنوات، وتلقيت عنه جميع العلوم الشرعية، ابتداء من سنة 1347هـ إلى سنة 1357هـ، حيث رشحت للقضاء من قِبل سماحته.
جزى الله الجميع أفضل الجزاء وأحسنه، وتغمَّدهم جميعًا برحمته ورضوانه. هذا نص كلامه رحمه الله.
أما أبرز شيوخه الذين أفادوه -رحمه الله- في علوم الحديث: متونًا، وشروحًا، وأصولاً - فعالمان جليلان، هما:
1- الشيخ المحدِّث المسند سعد بن حمد بن عتيق (1349هـ).
وكان قد تلقى علوم الحديث عن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام، وأيضاً في رحلاته إلى الهند والحجاز؛ حيث تلقَّى أسانيدهما عمَّن أجازه من شيوخهما.
وسماحة الشيخ ابن باز أخذ عنه، ودرس عليه، واستفاد منه، لكن بعدما كبر الشيخ سعد بن عتيق وضعفتْ قواه، ومع ذلك بعث هذا التلقي في نفس الشيخ الاهتمامَ بالحديث النبوي.
2- الشيخ المحدث الفقيه محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1389هـ).
وهو الشيخ الذي طالتْ ملازمةُ سماحة شيخنا له مدة عشر سنين متواصلة، من سنة 1347-1357هـ إلى توليه القضاءَ، وتنوَّعتْ دراستُه على شيخه في فنون العلم، وفي مقدمتها علم الحديث النبوي، بحفظ متونه، وشرحها، ومطالعة شروح مطولاته، وحفظ أصول الحديث وهو «مصطلحه».
- هل كان الشيخ يحفظ الصحيحين؟
- هذا السؤال كثر في حياة الشيخ وبعد وفاته، وسمعت منه - رحمه الله - أنه لم يحفظ الصحيحين نصًّا، وإنما الظاهر لنا أنه كان يستظهرهما استظهارًا؛ بسبب كثرة المطالعة فيهما، وقراءتهما، وتَكرار الرجوع إليهما.
لكن استظهار الشيخ لـ«صحيح مسلم» أكثر وأضبط، حتى ربما يصل هذا القدر إلى حفظه بمتنه وسنده، وهذا ما لاحظته عليه - رحمه الله - عند قراءة «صحيح مسلم» عليه، أو الاستشهاد منه، أو الإحالة عليه بألفاظه وتميز رجاله.


- هل اعتنى الشيخ بالأسانيد والإجازات؟
- هذا ما لم ألحظه عليه - رحمه الله - كيف وشيخاه: الشيخ سعد بن عتيق، والشيخ محمد ابن إبراهيم، من العلماء المسندين والمجيزين، ولم يستجزهما الشيخ، فقد سألته عن ذلك!
وقد أجازه - رحمه الله - جم من العلماء، ولكن بدون طلب منه، ومنهم الشيخ الهندي محمد شفيع بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومع هذا لم يهتم - رحمه الله - بالاستجازة والإجازة، معللاً ذلك -لي لما سألته- بأن هذا يشغل الطالبَ عن الاهتمام بالعلم إلى غيره، وأن هذا لا يفيد، والمقصود هو العلم بالحديث والعمل به.
وقد يفهم بعض الناس من عدم حفاوة الشيخ ابن باز بالإجازات المعاصرة، إنكارَه لخصيصة هذه الأمة بالإسناد، و«الإسناد من الدِّين»، وهذا البتة ليس بصحيح؛ بل الإسناد المتَّصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم به رُوي كلامُ الله القرآنُ، وحديثُ النبي صلى الله عليه وسلم أوضحُ البيان.
وتحفُّظ سماحة شيخنا هو على اشتغال المعاصرين بالإجازات وتتبُّعها، والغلو في جمعها والتكاثر بها، وترك الاشتغال بمقاصد تلكم الأسانيد، بالقرآن والسنة حفظًا وتعلُّمًا، ودعوة وعملاً وجهادًا، ما صار علمًا على المبتدعة، وأهل الأهواء من الصوفية، ومتعصبة بعض المذاهب الفقهية؛ فلا بد من التنبيه لهذا التفريق ولا بد، فالإسناد وسيلة من وسائل العلم وهو بهذا الاعتبار خصيصة هذه الأمة، وليس هو بذاته غاية فلينتبه لهذا!


- كيف كانت عناية الشيخ ابن باز -رحمه الله- بكتب متون الحديث وشروحها؟
- كانت هذه العناية لها في مسلك الشيخ ابن باز العلمي جانبان بارزان:
1- جانب طلب العلم؛ حيث بدأ بمختصرات المتون الحديثية، ثم كتب الأحكام في «عمدة الأحكام»، للشيخ عبدالغني المقدسي، ثم «بلوغ المرام من أدلة الأحكام»، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ثم «منتقى الأخبار»، للمجد بن تيميَّة، ثم في «صحيح البخاري»، ومسلم، والسنن، والمسانيد، ومصنفات الحديث النبوي.
وكان حالَ الطلب يراجع هذه المتون وشروحها الشهيرة المتداولة بين أيدي طلبة العلم.
وأعظم الشروح التي كان الشيخ يبحث فيها ويراجعها، شرح الحافظ الكبير ابن حجر على «صحيح البخاري»، والمعروف «بفتح الباري شرح صحيح البخاري»، فكان الشيخ حفيًّا به وبمطالعته، معجبًا بتقريرات الحافظ ونقوله فيه، وتنوع مباحثه ومتونه، ويزيد بعمدة القاري للعيني، رحمهم الله جميعا.
2- جانب التعليم وبذل العلم: اعتنى الشيخ واحتفى في دروسه العامة المرتبة لطلاب العلم بكتب شروح الحديث، والتقرير عليها؛ ولهذا لم يخلُ درس من دروس الشيخ العلمية المرتبة فجرًا وضحًى وليلاً من القراءة في كتب المتون، ولاسيما صحيحا البخاري ومسلم، وكتب السنن: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ومسند الإمام أحمد، ومراجعة كتب شروحها.
وكان الشيخ حفيًّا بمطالعة كتب الشروح؛ للتحضير منها، ومراجعة البحوث فيها في مكتبه، ومع خواص أصحابه وطلابه، حيث ينشط لهذا نشاطًا متميزًا.
وكان يكلف الجادين من طلابه بالبحوث الحديثية، ودراسة الأحاديث وتخريجها وجمع مختلف كلام العلماء عليها، والتأليف بينها.
- ما قصة تعليقات الشيخ ابن باز -رحمه الله- على «فتح الباري»؟
- إن عناية سماحة الشيخ ابن باز بالمدونة العظمى، بل ديوان الإسلام الكبير «فتح الباري شرح صحيح البخاري»، للحافظ الكبير أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، وحفاوته الكبيرة به، إنما هي فرع من إجلاله واهتمامه بأصحِّ كتاب بعد كلام الله القرآن: صحيح الإمام الموفق أبي عبدالله البخاري، الذي كان مرجع سماحته في دروسه، وقراءاته، وجلساته العلمية المتنوعة.
ولما كان أجل شروح صحيح البخاري - التي نافت على ثلاثمائة شرح - وأعظمها، وأوسعها، وأوفرَها، شرح الحافظ ابن حجر: «فتح الباري»، اتجهتْ همةُ سماحته وعنايته إلى مطالعته والقراءة والبحث فيه، من فترة مبكرة في مسيرة الشيخ العلمية، حتى سَمَتِ الهمةُ إلى مقابلته على بعض الأصول الخطية، التي استجلبها الشيخ من جهات عدة؛ تحريًّا لضبط وتحقيق وتوثيق هذا الشرح، وسلامته من الغلط والسقط، والتحريف والتصحيف، مع ما انضاف إلى ذلك من التحشية والتعليق على مواطن كثيرة من المجلدات الثلاثة الأولى منه، في المسائل المتعلقة بالتوحيد والإيمان والعقيدة على وجه الخصوص، متعديًا إلى المباحث الفقهية، والحديثية، والعلل والنكات العلمية، على جهة العموم.
ثم توقف - رحمه الله - عن هذا العمل في نهاية المجلد الثالث؛ لانشغال سماحته بالأعمال العلمية والدعوية والقيادية والوظيفية الكثيرة جدا –غير الخافية على محبي الشيخ- حتى يسر الله إكمال عمله بالتعليق على المؤاخذات العقدية خصوصًا من العبد الفقير، وكانت هذه الصفحات بإشارة الشيخ ابن باز ومراجعته ومتابعته، وقراءته وإشرافه، حتى تم العمل على سوقه وتمامه قبل وفاته - رحمه الله - بأشهر يسيرة.
ولعلَّ ظانًّا يظن أن تعليقات الشيخ ابن باز على «فتح الباري»، كانت في العقيدة فقط! وهذا خطأ ووهم؛ بل أكثرُ التعليقات كانت في التنبيه على مخالفات في العقيدة، ولكن كثيرًا أيضًا ما تناول المباحث الحديثية من ناحية فقه الحديث، وعلله، والصناعة الحديثية، وتوثيق الكتاب على أصوله الخطية، والتنبيه على المسائل الفقهية والتاريخية، وهو ما يلحظه القارئ المنصف لهاتيكم التعليقات.
- ما المقصود بأصول الحديث؟ وما مدى عناية الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بهذه الأصول؟
- المقصود بأصول الحديث ما عُرف عند المتأخرين بـ«مصطلح الحديث»، وهو علم من علوم الآلة كأصول الفقه وعلوم العربية المتنوعة، فأصول الحديث آلة لفهم وثبوت وتعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم والتفقُّه فيه، كما أن أصول الفقه آلة لفهم الأحكام الشرعية التفصيلية من أدلتها الشرعية، المسمى بعلم الفقه الإسلامي.
وتتضح عناية سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - بهذا الفرع من فروع السنة النبوية في جانبين مهمين، هما:
1- في مراحله الأولى في طلب العلم، وتلقيه على مشايخه؛ حيث حفظ الشيخ وقرأ متن «نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر»، للحافظ ابن حجر - وقد لخصها وحررها الحافظُ من مقدمة الحافظ أبي عمرو بن الصلاح الشهيرة، التي لا يُحصى كم ناظم لها ومختصر - وهكذا كانت عناية طلاب العلم في فن المصطلح بقراءة «النخبة»، قراءةَ حفظٍ لألفاظها، وفهْم لمعانيها، وإدراك لمقاصدها، وقرأ شرح الحافظ نفسه على متن النخبة المسمى «نزهة النظر شرح نخبة الفكر».
كما سمع الشيخ شرح الحافظ ابن كثير على مقدمة ابن الصلاح المسمى «الباعث الحثيث»، واعتنى - رحمه الله - بالألفية في مصطلح الحديث، للحافظ عبد الرحيم العراقي، فحفظها نظمًا، وتفهمها لفظًا، حيث كنت أسمعه يتمثَّل بها استشهادًا عند مناسبتها.
2- في مرحلة بذل العلم بتعليمه، وعقد الدروس العلمية المرتبة لطلاب العلم، ونال علم المصطلح من ذلك حظه اللائق به من بين أنواع العلوم التي كان سماحة الشيخ يقررها على الطلبة.
فرتب دروسًا كثيرة في تدريس «نخبة الفكر»، وأحيانًا بالقراءة فيها مع شرحها «نزهة النظر شرح نخبة الفِكَر».
كما درَّس نظم البيقونية، ويرى سماحته فيه أنه نظم مختصر جدًّا لا يفي بالمقصود، وأن عناية طالب العلم بالنخبة أنفع له وأرجى لفائدته.
وبالنسبة إلى «ألفية الحديث» للحافظ العراقي، فكان سماحته يميِّزها على ألفية الجلال السيوطي، ويفضلها عليها، مع قوله: فيهما الفائدة الجليلة لطالب هذا الفن.
- هل اعتنى الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بعلم رجال الحديث؟ وكيف ظهر ذلك؟
- نعم اعتنى سماحة شيخنا ابن باز برواة الحديث ورجاله في معرفة أسمائهم وأعيانهم وأنسابهم، وشيوخهم وطلابهم، وعدالتهم وضبطهم، وكان لرجال «التقريب» من هؤلاء بالخصوص النصيب الظاهر، والحظ الوافر.
وذلك لما لكتاب «تقريب التهذيب»، للحافظ ابن حجر من الحفاوة والمكانة اللائقة به عند أهل العلم.
ولشدة عناية الشيخ ابن باز بهذا السفر الجليل «التقريب» وحفاوته به، استظهر رجاله وأحوالهم في الغالب الأعم، وكان «التقريب» حاضرًا في دروسه العلمية، ومجالسه البحثية؛ للمراجعة فيه، والتأكد من ضبط رواته، وأحوالهم.
وقد استعرت من سماحة شيخنا عام 1419هـ في آخر حياته نسخه المطبوعة في مكتبته من كتاب «تقريب التهذيب»، وهي ثلاث نسخ:
1- الطبعة الهندية في مجلد كبير.
2- الطبعة المصرية بتحقيق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف في مجلدين.
3- الطبعة الجديدة في مجلد ضخم، بتحقيق الشيخ محمد عوامة.
وكان لسماحة الشيخ تعليقات محررة على حواشي هذه الطبعات الثلاث لكتاب «التقريب» من أوائل السبعينيات من القرن الرابع عشر على مدى أكثر من أربعين سنة.
وقد صورتها، ورتبتها حسب حروف المعجم في أسماء الرواة؛ لأفيد منها عند مراجعة «التقريب».
ومنهج الشيخ في هذه التعليقات هو إحالة الباحث إلى «تهذيب التهذيب» أو أصله «تهذيب الكمال»؛ لمزيد تحرير حال الراوي، أو التنويه على من خالف الحافظ بتعديل الراوي، أو تجريحه، أو التدقيق على ضبطه.
وهذه العناية تدلنا على مظهر آخر، ينبغي أن يبرز في حفاوة الشيخ برجال الحديث، وكتب رواتهم.
- كيف كانت عناية الشيخ ابن باز بالتصحيح والتضعيف؟
- إن من أولى عناية العلماء النقاد بالحديث النبوي الشريف، والعمل بالسنة الغراء - تمحيصَها وتحقيقها، ببيان صحيحها الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الضعيف أو المنحول عليه والمدخول على دينه وحديثه وسنته، وهذا الشأن هو اهتمام أهل الحديث وهمتهم في السابق واللاحق.
وكان لسماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز عناية بهذا المظهر من مظاهر الاهتمام بالحديث؛ حيث كان يتحرى صحة الأدلة النبوية التي يستدل بها في دروسه وفتاواه، ومحاضراته ومواعظه، وكتاباته ورسائله، ونجده - رحمه الله - يعتني بعزو الحديث إلى مصادره الأصلية من كتب السنة النبوية الأصلية، ومدوناتها الشهيرة؛ فإذا كان الحديث في الصحيحين أو السنن أو المسانيد، يعزوه إليها، كما نلحظه يعتني بالحكم على إسناد ما يستدل به.
ومن أمثلة ذلك ما تَكَرَّر سماعه منه - رحمه الله - في الدروس والمحاضرات واللقاءات، عند ذكر السائلين محبتهم للشيخ في ذات الله، يجيبهم بعبارته المشهورة عنه: «أحبَّك الله الذي أحببتنا له، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتحابين فيه؛ فقد روى الإمام مالك في «موطئه» بإسناد صحيح عن ابن عمر - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله - عز وجل -: «وجبتْ محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، نسأل الله التوفيق للجميع».
- كيف اهتم سماحة الشيخ -رحمه الله بالعمل بالحديث وترجيحه؟
- ظهرت عناية الشيخ ابن باز بالحديث النبوي، واهتمامه به، عملاً ودعوة وترجيحًا له، ظهورًا بارزًا، حتى عُدَّ سماحته باعثَ مدرسة أهل الحديث في هذا القرن المتقدم: القرن الرابع عشر.
وهذا الاهتمام كان من أهم البواعث والأسباب في مقومات بلوغ الشيخ مرتبة عالية في الاجتهاد، وفي استنباط الأحكام الشرعية، والرجوع بالمسائل إلى أدلتها، والذي ما كان ليتأتى لسماحة الشيخ وأمثاله من العلماء والمجتهدين، إلا بالتأسيس أولاً على الراجح من الأقوال في مذهب من مذاهب أهل السنة الفقهية المعتبرة، وأيضًا فهم الشيخ واستعداده، وقبل ذلك حرصه وهمته في تتبع سنة النبي[ وحديثه، وتقديمه على غيره، وترجيح الأقوال والمذاهب والمسائل باعتباره.
وقد نقم متعصبو المذاهب الفقهية على سماحة الشيخ هذا المنهج، بدعوى قفل باب الاجتهاد، وانقطاع من يصل إليه من العلماء في الأزمان المتأخرة، ولكن سماحته لم يبالِ بهذا، ودرج على منهجه، وإن خالف المُفتى به من مذهب الحنابلة الذي تعلّمه ودرسه، أو خالف المشهور من المذاهب الأربعة، كما في جملة من مسائل الطلاق: طلاق الحائض، والطلاق الثلاث بلفظ واحد، وذيولهما.
ولاقى الشيخ في هذا عنتًا، لكن دروجه على العمل بالحديث، وترجيحه عند الخلاف على أقوال الجماهير ومشاهير الفتاوى، جعله لا يتراجع عن منهجه، وسماحة شيخنا في كثير من اختياراته وفتاواه يوافق اختيارات المحققين من العلماء، كشيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيم - رحمهما الله - بل أضحى ما كان يُفتي به سماحته في هذه المسائل، هو المعولَ عليه في الفتوى بعده عند جماهير المفتين في البلاد السعودية وغيرها، وهذا حصل بالتتبُّع للمجامع والهيئات والمفتين في كثير منهم.
- وأخيراً كيف كانت عناية الشيخ ابن باز -رحمه الله- بالتخريج ودراسة الأسانيد؟
- هذه العناية من سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - مظهر متقدِّم من آثار حفاوته واهتمامه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم من خلال تنقيته وتصفيته مما دخل أو نحل عليه؛ إذ سبيل ذلك هو تتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في مصادرها الأصلية، ومنحاه البارز في صحة العزو والتوثيق لها، وهو ما يعرف مدلوله ومفهومه عندهم بالتخريج.
أما دراسة الأسانيد، فمرحلة لاحقة تتلو تخريج الحديث النبوي من مصادره الأصلية المسندة؛ فأما التخريج فقد أضحى سمةً على عطاء سماحة شيخنا العلمي والدعوي، من خلال الإفتاء مباشرة بصوته، أو تحريرًا بكتابته، ومن خلال دروسه وتقريراته عليها، ومن خلال تصانيفه في رسائله ومقالاته وردوده، ومن خلال محاضراته وندواته؛ بل لا أبالغ إن قلت: إن مظهر تخريج الأحاديث القولية والفعلية، ملازم لما يصدر عن سماحته من عزو للأحاديث في المسموعات أو المكتوبات من سماحته على تنوعها.
ثم انعكس هذا المظهر على تلاميذ الشيخ ومحبِّيه، والمتأثرين بسماحته، في محاضراتهم وتآليفهم وفتاواهم.
أما دراسة الأسانيد، فكان محورها في عناية الشيخ ابن باز، أمرين:
1- تكليفه طلابه بمراجعة أسانيد بعض الأحاديث محل البحث والمراجعة، حيث يرغب سماحته إلى بعض طلابه أو الباحثين في جمع طرق ذاك الحديث، وبيان الاختلاف فيها، وعللها.
وقد اعتاد طلاب الشيخ - بتوجيه سماحته - عند التخريج سوق الحديث بإسناده من مصدره الأصلي، من الصحيحين، أو السنن، أو المسانيد، أو الصحاح، أو المعاجم، أو الأجزاء والمصنفات.
2- من خلال مراجعة كتب المخرجين من علماء الحديث «تلخيص الحبير»، و«نصب الراية»، للزيلعي، و«البدر المنير»، وكتب ابن الملقن، والبحوث في «فتح الباري»، إلى كتب المعاصرين في هذا الصدد، هذا ومن أكثرها مراجعة تصانيف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في التخريج ودراسة الأسانيد، ولا سيما: «إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل»، و«السلسلة الصحيحة»، و«السلسلة الضعيفة»، وأمثالها.


اعداد: وليد دويدار




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.20 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]