|
|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله
فقه وفتاوى وأحكام الصيام د.أحمد مصطفى متولى (11) حكمُ الرجل المعذور الذى جامع زوجه فى نهار رمضان : الصحيح أن الرجل إذا كان معذوراً بجهل، أو نسيان، أو إكراه، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة، وأن المرأة كذلك إذا كانت معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه، فليس عليها قضاء ولا كفارة. والمذهب أن عليها القضاء، وليس عليها الكفارة، وهذا من غرائب العلم أن تعذر في أحد الواجبين دون الآخر؛ لأن مقتضى العذر أن يكون مؤثراً فيهما جميعاً، أو غير مؤثر فيهما جميعاً وقد علمت الصحيح في ذلك. مسألة مهمة: وهي: أن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ، قالوا: لا يمكن الإكراه على الجماع من الرجل، أي: لا يمكن أن يكره الرجل على الجماع؛ لأن الجماع لا بد فيه من انتشار وانتصاب للذكر، والمكره لا يمكن أن يكون منه ذلك. فيقال: هذا غير صحيح؛ لأن الإنسان إذا هُدد بالقتل أو بالحبس أو ما أشبه ذلك، ثم دنا من المرأة فلا يسلم من الانتشار، وكونهم يقولون هذا غير ممكن نقول: بل هذا ممكن. فإن قال قائل: الرجل الذي جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أليس جاهلاً؟ فالجواب: هو جاهل لما يجب عليه، وليس جاهلاً أنه حرام، ولهذا يقول «هلكت»([1])، ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم، ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل، هل هو حرام أو ليس بحرام، ولهذا لو أن أحداً زنى جاهلاً بالتحريم، وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية، بأن يكون حديث عهد بالإسلام، أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنى محرّم فزنى فإنه لا حدّ عليه، لكن لو كان يعلم أنّ الزنى حرام، ولا يعلم أن حده الرجم، أو أن حده الجلد والتغريب، فإنه يحد لأنه انتهك الحرمة، فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام، هذا عذر. حكمُ مَن سافر سفراً يبيح الفطر فصام، ثم في أثناء النهار جامع زوجته: مثاله: إنسان مسافر سفراً يبيح الفطر فصام، ثم في أثناء النهار جامع زوجته، فهذا يُفطر لأنه جامع، والجماع من المفطرات وليس عليه كفارة؛ لأنه لم ينتهك حرمة الصوم حيث إن الصوم لا يجب عليه في السفر ويلزمه القضاء، وعليه فالذين يذهبون إلى العمرة في رمضان ويصومون هناك، ثم يجامع أحدهم زوجته في النهار ليس عليه كفارة؛ لأنه مسافر، والمسافر يباح له الفطر فيباح له الجماع والأكل، هذا إذا نوى أقل من أربعة أيام، أما إذا نوى أكثر من أربعة أيام، فالمسألة خلافية معروفة. والصحيح أنه مسافر حتى لو أقام الشهر كله يجوز له الفطر. ***** مسائل المسألة الأولى: إذا جامع في يومين بأن جامع في اليوم الأول من رمضان، وفي اليوم الثاني فإنه يلزمه كفارتان، وإن جامع في ثلاثة أيام فثلاث كفارات، وإن جامع في كل يوم من الشهر فثلاثون كفارة أو تسع وعشرون حسب أيام الشهر؛ وذلك لأن كل يوم عبادة مستقلة، ولهذا لا يفسد صوم اليوم الأول، بفساد صوم اليوم الثاني. وقيل: لا يلزمه إلا كفارة واحدة إذا لم يكفر عن الأول وهو وجه في مذهب الإمام أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة؛ وذلك لأنها كفارات من جنس واحد فاكتفي فيها بكفارة واحدة، كما لو حلف على أيمان متعددة ولم يكفر، فإنه إذا حنث في جميعها فعليه كفارة واحدة، وكما لو أحدث بأحداث متنوعة، فإنه يجزئه وضوء واحد، ويقال هذا أيضاً في كفارة الظهار إذا لم يكفر عن الأول. وأما قتل النفس فتتعدد الكفارة؛ لأنها عوض عن النفس، كما لو قتل المحرم صيوداً في الحرم. وهذا القول وإن كان له حظ من النظر والقوة، لكن لا تنبغي الفتيا به؛ لأنه لو أفتي به لانتهك الناس حرمات الشهر كله، لكن لو رأى المفتي الذي ترجح عنده عدم تكرر الكفارة مصلحة في ذلك، فلا بأس أن يفتي به سراً، كما يصنع بعض العلماء فيما يفتون به سراً كالطلاق الثلاث. المسألة الثانية: إذا جامع في يوم واحد مرتين، فإن كفر عن الأول لزمه كفارة عن الثاني، وإن لم يكفر عن الأول أجزأه كفارة واحدة؛ وذلك لأن الموجَب والموجِب واحد، واليوم واحد، فلا تتكرر الكفارة. ومذهب الأئمة الثلاثة وهو قول في المذهب لا يلزمه عن الثاني كفارة؛ لأن يومه فسد بالجماع الأول، فهو في الحقيقة غير صائم، وإن كان يلزمه الإمساك، لكن ليس هذا الإمساك مجزئاً عن صوم، فلا تلزمه الكفارة؛ لأن الكفارة تلزم إذا أفسد صوماً صحيحاً، وهذا القول له وجه من النظر أيضاً. مثاله: رجل جامع في أول النهار بعد طلوع الشمس بربع ساعة، ثم كفر بعتق رقبة، ثم جامع بعد الظهر، فعلى المذهب يلزمه كفارة ثانية؛ لأنه كفر عن الأولى، وهو الآن وإن كان ليس صائماً صوماً شرعياً لكنه يلزمه الإمساك، وعلى القول الثاني لا تلزمه الكفارة؛ لأن الجماع لم يرد على صوم صحيح، وإنما ورد على إمساك فقط، وإذا تأملت المسألة وجدت أن القول الثاني أرجح وأنه لا يلزمه بعد أن أفسد صومه كفارة؛ لأنه ليس صائماً الآن، أما الإمساك فيلزمه الإمساك؛ لأن كل من أفطر لغير عذر حرم عليه أن يستمر في فطره. ولا فرق بين أن يكون الجماع واقعاً على امرأة واحدة أو اثنتين؛ فلو جامع الأولى في أول النهار، والثانية في آخره، ولم يكفر عن الأول، فعليه كفارة واحدة. المسألة الثالثة: لو قامت البينة في أثناء النهار بدخول الشهر، وكان الرجل قد جامع زوجته في أول النهار قبل أن يعلم بالشهر، فيجب عليه القضاء، وتجب عليه الكفارة، لأنه لزمه الإمساك في هذا اليوم، ولذلك يقول الفقهاء: يكره للإنسان أن يجامع زوجته في يوم الثلاثين من شعبان؛ لاحتمال أن تقوم البينة أثناء النهار، ثم يلزم بالكفارة، وهذا القول ضعيف لقوله تعالى: {{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}} [البقرة: 187] ولقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا» ([2]). ومنها لو كان الرجل مسافراً وكان مفطراً فقدم إلى بلده، فالمذهب يلزمه أن يمسك، مع أن هذا الإمساك لا يعتد به، ولو جامع فيه فإن عليه الكفارة؛ لأنه يلزمه الإمساك. ومثل ذلك أيضاً إذا كان مريضاً يباح له الفطر وقد أفطر، ثم شفاه الله وزال عنه المرض الذي استباح به الفطر، فإنه على المذهب يلزمه الإمساك، فإن جامع فعليه الكفارة. وكذلك بالنسبة للمرأة لو طهرت من الحيض في أثناء النهار فيلزمها على المذهب الإمساك، فلو جامعها زوجها الذي يباح له الفطر فعليها الكفارة. والقول الثاني: أنه لا يلزمهم الإمساك؛ لأن هذا اليوم في حقهم غير محترم، إذ إنهم في أوله مفطرون بإذن من الشرع، وليس عندنا صوم يجب في أثناء النهار، إلا إذا قامت البينة، فهذا شيء آخر وعلى هذا لا تلزمهم الكفارة إذا حصل الجماع. وهذا هو القول الراجح، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «من أفطر أول النهار فليفطر آخره» ([3]) أي: من أبيح له أن يفطر في أول النهار، أبيح له أن يفطر في آخر النهار. المسألة الرابعة: مسألة: من أفسد صومه بالأكل والشرب، يجب عليه الإمساك والقضاء مع الإثم، ولو جامع زوجته فعليه الكفارة؛ لأن أكله وشربه محرم عليه. تنبيه: لا تجب الكفارة بالجماع في صيام النفل، أو في صيام كفارة اليمين، أو في صيام فدية الأذى، أو في صيام المتعة لمن لم يجد الهدي، أو في صيام النذر، ولا تجب الكفارة إذا جامع في قضاء رمضان، ولا تجب إذا جامع في رمضان وهو مسافر، ولا تجب الكفارة في الإنزال بقبلة، أو مباشرة، أو نحو ذلك؛ لأنه ليس بجماع. وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال: القول الأول: أن الفطر بالإنزال كالجماع لأنه من جنسه فيقولون: تجب الكفارة فيما إذا أفطر بالإنزال من مباشرة أو تقبيل أو ما أشبه ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد ولكنها ضعيفة. القول الثاني: أنه إذا قصد انتهاك حرمة رمضان، فإنه يلزمه القضاء والكفارة، لأن هذا لم يقصد مجرد الفطر بل قصد انتهاك الحرمة وهذا ضعيف أيضاً. حكمُ مَن جامع زوجته ثم نزع عند سماعه أذان الفجر الصادق: لو كان الرجل يجامع زوجته في آخر الليل، ثم أذن مؤذن، وهو ممن يؤذن على طلوع الفجر، القول الراجح أنه ليس جماعاً بل توبة، وأنه لا يفسد الصوم وليس عليه كفارة. حكمُ السحاق فى نهار رمضان: المساحقة تكون بين المرأتين، فلو أنزلتا فليس عليهما إلا القضاء، ولا كفارة، وإن أنزلت إحداهما فعليها القضاء فقط دون الكفارة، هذا على الصحيح. كفّارة الوطء في نهار رمضان. هْيَ عِتْقُ رَقْبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِيِّنَ مِسْكِيناً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ([4]). «عتق رقبة» أي: فكّها من الرّق، ووجه المناسبة هو أنّ هذا الرجل لمّا جامع في نهار رمضان مع وجوب الصوم عليه استحقّ أن يعاقب ففدى نفسه بعتق الرقبة. «فإن لم يجد» يعني إن لم يجد رقبة، أو لم يجد ثمنها. «فصيام شهرين متتابعين» : «فصيام» الفاء رابطة للجواب وصيام مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير فعليه صيام شهرين متتابعين بدلاً عن عتقه الرقبة. «فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً» أي: فعليه إطعام ستين مسكيناً، والمسكين هنا يشمل الفقير والمسكين؛ لأن الفقير والمسكين إذا ذكرا جميعاً كان الفقير أشد حاجة، وإذا أفرد أحدهما عن الآخر صارا بمعنى واحد، فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا. ودليل ذلك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للرجل الذي قال إنّه أتى أهله في رمضان «اعتق رقبة»، فقال: لا أجد، قال: صم شهرين متتابعين، فقال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد»([5]) فجعلها النبي صلّى الله عليه وسلّم مرتبةً، وهذه أغلظ الكفّارات، ويساويها كفّارة الظهار الذي وصفه الله بأنّه منكر من القول وزور، ويليها كفّارة القتل؛ لأن القتل ليس فيه إلاّ خصلتان، العتق والصيام وليس فيه إطعام. «صيام شهرين متتابعين» هل المعتبر الأهلّة، أو المعتبر الأهلّة في شهر كامل والأيام في الشهر المجَزَّأ؟ في هذا قولان للعلماء، والصحيح أن المعتبر الأهلّة؛ سواء في الشهر الكامل، أو في الشهر المجَزَّأ. فإن قيل: ما الفرق بين القولين؟ فالجواب: يظهر ذلك بالمثال، فإذا ابتدأ الإنسان هذين الشهرين من أول ليلة ثبت فيها الشهر ـ ولنقل إنّه شهر جُمادى الأولى ـ ابتدأه من أول يوم منه فيختمه في آخر يوم من شهر جمادى الآخرة، ولنفرض أن جُمادى الأولى تسعة وعشرون يوماً، وكذلك جمادى الآخرة ـ فيكون صومه ثمانية وخمسين يوماً، وهذا لا شك أنّه يعتبر بالهلال. لكن إذا ابتدأ الصوم من نصف شهر جمادى الأولى فجمادى الآخرة معتبرة بالهلال لأنّه سوف يدرك أوّل الشهر وآخر الشهر فيعتبر بالهلال يقيناً. أما الشهر الثاني الذي ابتدأهُ بالخامس عشر من جُمادى الأولى فيكمله ثلاثين يوماً، ويكون آخر صومه اليوم الخامس عشر من رجب على القول الثاني الذي يعتبر الشهر المجزأ ثلاثين يوماً، أمّا على القول الراجح الذي يعتبر الأهلّة مطلقاً: فإنّ آخر أيام صومه هو الرابع عشر من شهر رجب، إذا كان شهر جمادى الأولى تسعة وعشرين يوماً؛ فإذا قدرنا أن شهر جمادى الأولى ناقص، وكذلك شهر جمادى الثانية فيكون صومه ثمانية وخمسين يوماً. «متتابعين» أي: يتبع بعضهما بعضاً بحيث لا يفطر بينهما يوماً واحداً، إلاّ لعذر شرعيّ كالحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، وكالعيدين وأيام التشريق، أو حسّي كالمرض والسفر للرجل والمرأة بشرط ألا يسافر لأجل أن يفطر، فإن سافر ليفطر انقطع التتابع. «فإطعام ستين مسكيناً» : هنا قدّر الطاعم دون المُطعم فهل المطعم مقدّر؟ المشهور من المذهب أنّه مُقدّر وهو مدٌّ من البر أو نصف صاع من غيره لكل مسكين، والمد ربع الصاع، أعني صاع النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلى هذا فتكون الأصواع لستين مسكيناً خمسة عشر صاعاً بصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم، من البر، وصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم ينقص عن الصاع المعروف الآن هنا في القصيم الخمس، وعلى هذا يكون الصاع في القصيم خمسة أمداد، ويكون إطعام ستين مسكيناً اثني عشر صاعاً بأصواع القصيم. وقيل: بل يطعم نصف الصاع من البر أو غيره، واحتج هؤلاء بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لكعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ حين حلق رأسه في العمرة، قال: «أطعم ستّة مساكين لكل مسكين نصف صاع»([6]) وأطلق، ولم يقل من التمر أو من البر، وهذا يقتضي أن يكون المقدر نصف الصاع، وإذا كان كذلك فزد على ما قلنا النصف، فيكون بالنسبة لصاع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثين صاعاً، وبالنسبة لصاعنا أربعة وعشرين صاعاً. والأمر في هذا قريب، فلو أن الإنسان احتاط وأطعم لكل مسكين نصف صاع لكان حسناً. وقيل: إنه لا يتقدر بل يطعم بما يعد إطعاماً فلو أنه جمعهم وغداهم أو عشاهم أجزأ ذلك؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال للرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً([7])؟ وهذا هو الصحيح. فإن أغناه الله في المستقبل فهل يلزمه أن يكفر أو لا؟ فالجواب: لا يلزمه لأنها سقطت عنه، وكما أنّ الفقير لو أغناه الله لم يلزمه أن يؤدي الزكاة عمّا مضى من سنواته لأنّه فقير فكذلك هذا الذي لم يجد الكفارة إذا أغناه الله تعالى لم يجب عليه قضاؤها. أمّا الدليل من السنّة فهو أن الرجل لمّا قال: (لا أستطيع أن أطعم ستين مسكيناً) لم يقل النبي صلّى الله عليه وسلّم أطعمهم متى استطعت، بل أمره أن يطعم حين وجد، فقال: (خذ هذا تصدّق به، فقال: أعلى أفقر مني يا رسول الله... فقال: أطعمه أهلك)، ولم يقل: والكفارة واجبة في ذمتك، فدل هذا على أنها تسقط بالعجز. وقال بعض العلماء: إنها لا تسقط بالعجز، واستدلوا بالحديث، قالوا: لأن الرجل قال: لا أجد، فلمّا جاء النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم التمرُ، قال: خذ هذا تصدّق به، ولو كانت ساقطة بالعجز لم يقل خذ هذا تصدّق به. فيقال: الجواب: إِنَّ هذا وجده في الحال، يعني وجده في المجلس الذي أفتاه النبي صلّى الله عليه وسلّم به، فكان كالواجد قبل ذلك، ولهذا لمّا قال: أطعمه أهلك، لم يقل: وعليك كفّارة إذا اغتنيت. والقول الراجح أنّها تسقط، وهكذا أيضاً نقول في جميع الكفارات، إذا لم يكن قادراً عليها حين وجوبها فإنها تسقط عنه، إمّا بالقياس على كفارة الوطء في رمضان، وإما لدخولها في عموم قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}} [الطلاق: 7] وما أشبه ذلك، وعلى هذا فكفّارة الوطء في الحيض إذا قلنا: إن الوطء في الحيض يوجب الكفّارة، فإنّها تسقط. وفدية الأذى إذا لم يجد ولم يستطع الصوم تسقط، وهكذا جميع الكفارات بناءً على ما استدللنا به لهذه المسألة، وبناءً على القاعدة العامة الأصوليّة التي اتفق عليها الفقهاء في الجملة، وهي أنّه (لا واجب مع عجز). والغريب أن بعض العلماء سلك مسلكاً غريباً وقال: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال له: «أطعمه أهلك» أي: كفارة، لا أنه دفعٌ لحاجتهم، وهذا ليس بصواب لأمرين: أولاً: أنه لا يمكن أن يكون الرجل مصرفاً لكفارته كما لا يكون مصرفاً لزكاته، أرأيت لو أن شخصاً عنده دراهم تجب فيها الزكاة، وهو مدين فإنه لا يصرف زكاته في دينه، وهذا أيضاً لا يمكن أن يصرف كفارته لنفسه. ثانياً: أن الكفارة إطعام ستين مسكيناً، وهذا الرجل ـ الذي يظهر والله أعلم ـ أنه ليس عنده إلا زوجته أو ولد أو ولدان أو أكثر، ولو كانت كفارة لقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: هل عندك ستون شخصاً تعولهم حتى يثبت الأمر فهذا المسلك مسلك ضعيف. والمذهب لا يسقط من الكفّارات بالعجز إلاّ اثنتان: كفّارة الوطء في الحيض، وكفّارة الوطء في رمضان، وباقي الكفارات لا تسقط بالعجز بل تبقى في ذمته؛ لأن الدين لا يسقط بالعجز عنه أرأيت لو أن شخصاً يطلبك دراهم وعجزت، فلا يسقط دينه بل يبقى في ذمتك، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «دين الله أحق بالقضاء» ([8]). ([1]) سبق تخريجه ([2]) سبق تخريجه ([3]) أخرجه ابن أبي شيبة (3/54). ([4]) «فإن لم يجد سقطت» أي: الكفّارة، ودليل ذلك من الكتاب، والسنّة، أمّا من الكتاب فقوله تعالى: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}} [الطلاق: 7] ، وهذا الرجل الفقير ليس عنده شيءٌ فلا يكلّف إلاّ ما آتاه الله، والله ـ عزّ وجل ـ بحكمته لم يؤته شيئاً، ودليل آخر قوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، ودليلٌ ثالثٌ العموم، عموم القاعدة الشرعيّة، وهي أنّه لا واجب مع عجزٍ، فالواجبات تسقط بالعجز عنها، وهذا الرجل الذي جامع لا يستطيع عتق الرقبة ولا الصيام ولا الإطعام، نقول إذاً لا شيء عليك وبرئت ذمّتك. ([5]) سبق تخريجه ([6]) سبق تخريجه ([7]) سبق تخريجه ([8]) سبق تخريجه, مسألة: كلما جاءت الرقبة مطلقة فلا بد من شرط الإيمان؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما جاء معاوية بن الحكم يستفتيه في جارية غضب عليها ولطمها فأراد أن يعتقها، فدعاها الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقال: أين الله؟ فقالت: في السماء، فقال: اعتقها فإنها مؤمنة([8])؛ ولأن إعتاق الكافرة قد يستلزم ذهابها إلى الكفار؛ لأنها تحررت فتذهب إلى بلاد الكفر ولا يرجى لها إسلام. مسألة: اشتراط سلامة الرقبة من العيوب فيه خلاف: فقيل بالاشتراط، وقيل: لا نشترط سوى ما اشترط الله وهو: الإيمان، واستدل من قال بالاشتراط، أن إعتاق المعيب عيباً يخل بالعمل خللاً بيناً فإن إعتاقه يكون به عالة على غيره، وعدم إعتاقه أحسن له. وقال العلامة ابن عثيمين :والمسألة تحتاج لتحرير، لكن الذي يظهر لي أنه لا يشترط.
__________________
|
#12
|
||||
|
||||
رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله
فقه وفتاوى وأحكام الصيام د.أحمد مصطفى متولى (12) مسائل هل الاحتقان من المُفَطِّراتُ؟ الاحتقان هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر، وهو معروف، ولا يزال يعمل، فإذا احتقن فإنه يفطر بذلك، لأن العلة وصول الشيء إلى الجوف، والحقنة تصل إلى الجوف، أي: تصل إلى شيء مجوف في الإنسان، فتصل إلى الأمعاء فتكون مفطرة، فإذا وصل إلى الجوف شيء عن طريق الفم، أو الأنف، أو أي منفذ كان، فإنه يكون مفطراً، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد([1])، وعليه أكثر أهل العلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: لا فطر بالحقنة؛ لأنه لا يطلق عليها اسم الأكل والشرب لا لغة ولا عرفاً، وليس هناك دليل في الكتاب والسنة، أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف، ولو كان لقلنا: كل ما وصل إلى الجوف من أي منفذ كان فإنه مفطر، لكن الكتاب والسنة دلا على شيء معين وهو الأكل والشرب. وقال بعض العلماء المعاصرين: إن الحقنة إذا وصلت إلى الأمعاء فإن البدن يمتصها عن طريق الأمعاء الدقيقة، وإذا امتصها انتفع منها، فكان ما يصل إلى هذه الأمعاء الدقيقة كالذي يصل إلى المعدة من حيث التغذي به، وهذا من حيث المعنى قد يكون قوياً. لكن قد يقول قائل: إن العلة في تفطير الصائم بالأكل والشرب ليست مجرد التغذية، وإنما هي التغذية مع التلذذ بالأكل والشرب، فتكون العلة مركبة من جزأين: أحدهما: الأكل والشرب. الثاني: التلذذ بالأكل والشرب؛ لأن التلذذ بالأكل والشرب مما تطلبه النفوس، والدليل على هذا أن المريض إذا غذي بالإبر لمدة يومين أو ثلاثة، تجده في أشد ما يكون شوقاً إلى الطعام والشراب مع أنه متغذٍ. فإن قيل: ينتقض قولكم إن العلة مركبة من جزأين إلى آخره أن السعوط مفطر مع أنه لا يحصل به تلذذ بالأكل والشرب. فالجواب أن الأنف منفذ معتاد لتغذية الجسم، فألحق بما كان عن طريق الفم. وبناء على هذا نقول: إن الحقنة لا تفطر مطلقاً، ولو كان الجسم يتغذى بها عن طريق الأمعاء الدقيقة. فيكون القول الراجح في هذه المسألة قول شيخ الإسلام ابن تيمية مطلقاً، ولا التفات إلى ما قاله بعض المعاصرين. ومن الحقن المعروفة الآن ما يوضع في الدبر عند شدة الحمى، ومنها أيضاً ما يدخل في الدبر من أجل العلم بحرارة المريض وما أشبه ذلك، فكل هذا لا يفطر. ثم لدينا قاعدة مهمة لطالب العلم، وهي أننا إذا شككنا في الشي أمفطر هو أم لا؟ فالأصل عدم الفطر، فلا نجرؤ على أن نفسد عبادة متعبد لله إلا بدليل واضح يكون لنا حجة عند الله عزّ وجل. هل الكُحلُ من المُفَطِّراتُ؟ الكحل معروف، فإذا اكتحل بما يصل إلى الحلق فإنه يفطر؛ لأنه وصل إلى شيء مجوف في الإنسان وهو الحلق، هذا هو تعليل من قال إن الكحل يفطر ولكن في هذا التعليل نظر، ولذلك ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ إلى أن الكحل لا يفطر ولو وصل طعم الكحل إلى الحلق([2])، وقال: إن هذا لا يسمى أكلاً وشرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب، وليس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديث صحيح صريح يدل على أن الكحل مفطر، والأصل عدم التفطير، وسلامة العبادة حتى يثبت لدينا ما يفسدها، وما ذهب إليه ـ رحمه الله ـ هو الصحيح. وبناءً على هذا لو أنه قطر في عينه وهو صائم فوجد الطعم في حلقه، فإنه لا يفطر بذلك أما إذا وصل طعمها إلى الفم وابتلعها فقد صار أكلاً وشرباً. هل إدخال منظار إلى الجوف من المُفَطِّراتُ؟ الصحيح أنه لا يفطر إلا أن يكون في هذا المنظار، دهن أو نحوه يصل إلى المعدة بواسطة هذا المنظار فإنه يكون بذلك مفطراً، ولا يجوز استعماله في الصوم الواجب إلا للضرورة. ولو أن الإنسان كان له فتحة في بطنه، وأدخل إلى بطنه شيئاً عن طريق هذه الفتحة، فعلى المذهب يفطر بذلك كما لو داوى الجائفة، والصحيح أنه لا يفطر بذلك إلا أن تجعل هذه الفتحة بدلاً عن الفم بحيث يدخل الطعام والشراب منها لانسداد المرئ أو تقرحه، ونحو ذلك فيكون ما أدخل منها مفطراً كما لو أدخل من الفم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. هل يُفطِّرُ ما أدخل من طريق الإحليل؟ ما أدخل من طريق الإحليل فإنه لا يسمى أكلاً ولا شرباً، وإذا كانت الحقنة وهي التي تدخل عن طريق الدبر لا تفطر على القول الراجح، فما دخل عن طريق الإحليل من باب أولى. هل يُفطرُ الحاجم والمحجوم: هذه المسألة اختلف العلماء فيها كثيراً وهي من مفردات الإمام أحمد، فأكثر أهل العلم يرون أن الحجامة لا تفطر ويستدلون بالآثار والنظر، فالآثار يقولون إنه ثبت في البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم»([3]). واستدلوا أيضاً بأحاديث أخرى من رواية أنس وغيره وفي بعضها التفصيل بأن الحجامة كانت من أجل الضعف([4])، ثم رخص فيها، واستدل القائلون بالإفطار بحديث شداد بن أوس وغيره أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» ([5]). وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم، وقالوا: إنه لا يصح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فمن ضعفه فإنه لا يستدل به ولا يأخذ به؛ لأنه لا يجوز أن يحتج بالضعاف على أحكام الله ـ عزّ وجل ـ، ومن العلماء من صححه كالإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما من الحفاظ، وعلى هذا يكون الحديث حجة. فإذا كان حجة وقلنا: إنه يفطر بالحجامة الحاجم والمحجوم، فما هي الحكمة؟ الجواب قال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ: إن هذا من باب التعبد، والأحكام الشرعية التي لا نعرف معناها تسمى عند أهل الفقه تعبدية، بمعنى أن الواجب على الإنسان أن يتعبد لله بها سواء عَلِمَ الحكمة أم لا.([6]) فإن قيل: العلة إذا عادت على النص بالإبطال دل ذلك على فسادها، وهذا حاصل في قول شيخ الإسلام إذا حجم الشخص بآلات منفصلة؟ فالجواب أن يقال: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يتكلم عن شيء معهود في زمنه، فتكون «أل» في «الحاجم» للعهد الذهني المعروف عندهم. والقول بأن الحجامة مفطرة هو مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ، وهو منفرد به عن المذاهب، وانفراد الإمام أحمد عن المذاهب لا يعني أن قوله ضعيف؛ لأن قوة القول ليست بالأكثرية، بل تعود إلى ما دل عليه الشرع، وإذا انفرد الإمام أحمد بقول دل عليه الشرع فإنه مع الجماعة. مسألة: هل يلحق بالحجامة الفصد، والشرط، والإرعاف، وما أشبه ذلك، كالتبرع بالدم؟ الفصد: قطع العرق، والشرط: شق العرق. فإن شققته طولاً فهو شرط، وإن شققته عرضاً فهو فصد. فالمذهب لا يلحق بالحجامة؛ لأن الأحكام التعبدية لا يقاس عليها، وهذه قاعدة أصولية فقهية «الأحكام التعبدية لا يقاس عليها»؛ لأن من شرط القياس اجتماع الأصل والفرع في العلة، وإذا لم تكن معلومة فلا قياس، فيقولون: إن الفطر بالحجامة تعبدي، فلا يلحق به الفصد والشرط والإرعاف ونحوها فتكون هذه جائزة للصائم فرضاً ونفلاً. أما على ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن علة الفطر بالحجامة معلومة، فيقول: إن الفصد والشرط يفسدان الصوم، وكذلك لو أرعف نفسه حتى خرج الدم من أنفه، بأن تعمد ذلك ليخف رأسه، فإنه يفطر بذلك، وقوله ـ رحمه الله ـ أقرب إلى الصواب. وأما مغالاة العامة بحيث إن الإنسان لو استاك وأدمت لثته قالوا: أفطر، ولو حك جلده حتى خرج الدم قالوا: أفطر، ولو قلع ضرسه وخرج الدم قالوا: أفطر، ولو رعف بدون اختياره قالوا: أفطر، فكل هذه مبالغة، فقلع الضرس لا يفطر ولو خرج الدم؛ لأن قالع ضرسه لا يقصد بذلك إخراج الدم، وإنما جاء خروج الدم تبعاً، وكذلك لو حك الإنسان جلده، أو بط الجرح حتى خرجت منه المادة العفنة فكل ذلك لا يضر. حكمُ الاحتلام للصائم: لا يفطر حتى لو نام على تفكير، واحتلم في أثناء النوم؛ لأن النائم غير قاصد، وقد رفع عنه القلم، وأحياناً يستيقظ الإنسان حينما يتحرك الماء الدافق، فهل يلزمه في هذه الحال أن يمسكه؟ الجواب: لا؛ لأنه انتقل من محله ولا يمكن رده؛ لأن حبسه بالضغط على الذكر مضر، كما لو تحركت معدته ليتقيأ، فإنه لا يلزمه أن يحبسها لما في ذلك من الضرر. حكمُ استعمال الفرشة والمعجون للصائم: يجوز، لكن الأولى ألا يستعملهما؛ لما في المعجون من قوة النفوذ والنزول إلى الحلق، وبدلاً من أن يفعل ذلك في النهار يفعله في الليل، أو يستعمل الفرشة بدون المعجون. حكمُ من جمع ريقه فبلعه: قال في الروض معللاً ذلك: للخروج من الخلاف، أي: خلاف من قال إنه إذا فعل ذلك أفطر، فإن من العلماء من يقول: إن الصائم إذا جمع ريقه فابتلعه أفطر. ولكن التعليل بالخلاف ليس تعليلاً صحيحاً تثبت به الأحكام الشرعية، ولهذا كلما رأيت حكماً علل بالخروج من الخلاف، فإنه لا يكون تعليلاً صحيحاً، بل نقول: الخلاف إن كان له حظ من النظر بأن كانت النصوص تحتمله، فإنه يراعى جانب الخلاف هنا، لا من أجل أن فلاناً خالف، ولكن من أجل أن النصوص تحتمله، فيكون تجنبه من باب الاحتياط، وإلا لزم القول بالكراهية في كل مسألة فيها خلاف، خروجاً من الخلاف، ولكانت المكروهات كثيرة جداً؛ لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف، وهنا ليس فيه دليل يدل على أن جمع الريق يفطر إذا جمعه إنسان وابتلعه، وإذا لم يكن هناك دليل فإنه لا يصح التعليل بالخلاف. وعلى هذا فنقول: لو جمع ريقه فابتلعه فليس بمكروه، ولا يقال إن الصوم نقص بذلك، لأننا إذا قلنا: إنه مكروه، لزم من ذلك أن يكون الصوم ناقصاً لفعل المكروه فيه. ([1]) «الإنصاف» (3/299). ([2]) «حقيقة الصيام»، ص(37). ([3]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب الحجامة والقيء للصائم (1938). ([4]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب الحجامة والقيء للصائم (1940). ([5]) أخرجه أحمد (4/123)؛ وأبو داود في الصيام/ باب في الصائم يحتجم (2368)؛ والنسائي في «السنن الكبرى» (3126) ط/الرسالة؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في الحجامة للصائم (1681)؛ وصححه ابن حبان (3533)؛ والحاكم (1/428). وقال عبد الله بن أحمد في مسائله (682): «سمعت أبي يقول: هذا من أصح حديث يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في إفطار الحاجم والمحجوم». ونقل الحاكم عن إسحاق بن راهويه تصحيحه، وصححه علي بن المديني والبخاري كما في «التلخيص» للحافظ (2/193). وقال النووي في «شرح المهذب» (6/350): «على شرط مسلم»، وانظر في طرق هذا الحديث «السنن الكبرى» للنسائي. وصححه الألبانى فى الإرواء (931) ([6]) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ([6]): إن إفطار الصائم بالحجامة له حكمة، أما المحجوم فالحكمة هو أنه إذا خرج منه هذا الدم أصاب بدنه الضعف، الذي يحتاج معه إلى غذاء لترتد عليه قوته، لأنه لو بقي إلى آخر النهار على هذا الضعف فربما يؤثر على صحته في المستقبل، فكان من الحكمة أن يكون مفطراً، وعلى هذا فالحجامة للصائم لا تجوز في الصيام الواجب إلا عند الضرورة، فإذا جازت للضرورة جاز له أن يفطر، وإذا جاز له أن يفطر جاز له أن يأكل، وحينئذ نقول احتجم وكل واشرب من أجل أن تعود إليك قوتك وتسلم، مما يتوقع من مرض بسبب هذا الضعف. أما إذا كان الصوم نفلاً فلا بأس بها؛ لأن الصائم نفلاً له أن يخرج من صومه بدون عذر، لكنه يكره لغير غرض صحيح. وأما الحكمة بالنسبة للحاجم، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: إن الحاجم عادة يمص قارورة الحجامة، وإذا مصها فإنه سوف يصعد الدم إلى فمه، وربما من شدة الشفط ينزل الدم إلى بطنه من حيث لا يشعر، وهذا يكون شرباً للدم فيكون بذلك مفطراً، ويقول: هذا هو الغالب ولا عبرة بالنادر. وقوارير الحجامة عبارة عن قارورة من حديد يكون فيها قناة دقيقة يمصها الحاجم، ويكون في فمه قطنة إذا مصها سدها بهذه القطنة؛ لأنه إذا مصها تفرغ الهواء، وإذا تفرغ الهواء فلا بد أن يجذب الدم، وإذا جذب الدم امتلأت القارورة ثم سقطت، وما دامت لم تمتلئ فهي باقية. والحكمة إذا كانت غير منضبطة فإنه يؤخذ بعمومها، ولهذا قال: لو أنه حجم بآلات منفصلة لا تحتاج إلى مص، فإنه لا يفطر بذلك. أما الذين قالوا العلة تعبدية فيقولون: إن الحاجم يفطر، ولو حجم بآلات منفصلة لعموم اللفظ. والذي يظهر لي ـ والعلم عند الله ـ أن ما ذهب إليه شيخ الإسلام أولى، فإذا حجم بطريق غير مباشر ولا يحتاج إلى مص فلا معنى للقول بالفطر؛ لأن الأحكام الشرعية ينظر فيها إلى العلل الشرعية.
__________________
|
#13
|
||||
|
||||
رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله
__________________
|
#14
|
||||
|
||||
رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله
فقه وفتاوى وأحكام الصيام د.أحمد مصطفى متولى (14) تعريفُ الوصال وحكمه: والوصال أن يقرن الإنسان بين يومين في صوم يوم واحد، بمعنى ألا يفطر بين اليومين. وحكمه قيل: إنه حرام، وقيل: إنه مكروه، وقيل: إنه مباح لمن قدر عليه، فالأقوال فيه ثلاثة. والذي يظهر فيه التحريم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهاهم عن الوصال فأبوا أن ينتهوا فتركهم، وواصل بهم يوماً ويوماً حتى دخل الشهر، أي: شهر شوال، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم» ([1]) وهذا يدل على أنه على سبيل التحريم، فالقول بالتحريم أقواها، ولكن مع ذلك ليس عندي فيه جزم؛ لأنه لو كان حراماً كما تحرم الميتة ولحم الخنزير لمنعهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم من فعله منعاً باتاً، لكنه نهاهم عن ذلك رفقاً بهم، ولهذا ذهب بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى جواز الوصال لمن قدر عليه معللاً ذلك بأنه إنما نهي عن الوصال من أجل الرفق بالناس لأنه يشق عليهم، فكان عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ يواصل إلى خمسة عشر يوماً([2]) لكنه ـ رضي الله عنه ـ تأول. والصواب خلاف تأويله، وأن أدنى أحواله الكراهة، وأن الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر، لكن قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر»([3]). المأثور عند الفطر: معلوم أنه ورد عند الفطر وعند غيره التسمية عند الأكل أو الشرب، وهي ـ على القول الراجح ـ واجبة، أي يجب على الإنسان إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يسمي، والدليل على ذلك: 1 ـ أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك([4]). 2 ـ إخباره أن الشيطان يأكل مع الإنسان إذا لم يسم([5]). 3 ـ إمساكه بيد الجارية والأعرابي حين جاءا ليأكلا قبل أن يسميا، وأخبر أن الشيطان دفعهما، وأن يد الشيطان مع يديهما بيد النبي صلّى الله عليه وسلّم ليأكل من الطعام([6]). ولكنه لو نسي فإنه يسمي إذا ذكر، ويقول: بسم الله أوله وآخره([7]). كذلك أيضاً مما ورد عند الفطر وغيره الحمد عند الانتهاء، فإن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها([8]). وأما ما ورد قوله عند الفطور، فمنه قول: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم»([9]) ووردت آثار أخرى والجميع في أسانيدها ما فيها، لكن إذا قالها الإنسان فلا بأس. ومنها إذا كان اليوم حاراً وشرب بعد الفطور، فإنه يقول: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله»([10]) وذهاب الظمأ بالشرب واضح، وابتلال العروق بذلك واضح، فالإنسان إذا شرب وهو عطشان يحس بأن الماء من حين وصوله إلى المعدة يتفرق في البدن، ويحس به إحساساً ظاهراً، فيقول بقلبه: سبحان الله الحكيم العليم الذي فرقه بهذه السرعة، وظاهر الحديث أن هذا الذكر فيما إذا كان الصائم ظمآن والعروق يابسة. القضــــــــاء حكمُ تتابع القضاء: يُستحب التتابع في القضاء، لكان أحسن، أي: لا يفطر بين أيام الصيام، وذلك لثلاثة أوجه: أولاً: أن هذا أقرب إلى مشابهة الأداء، لأن الأداء متتابع. ثانياً: أنه أسرع في إبراء الذمة، فإنك إذا صمت يوماً وأفطرت يوماً تأخر القضاء، فإذا تابعت صار ذلك أسرع في إبراء الذمة. ثالثاً: أنه أحوط؛ لأن الإنسان لا يدري ما يحدث له، قد يكون اليوم صحيحاً وغداً مريضاً، وقد يكون اليوم حياً وغداً ميتاً، فلهذا كان الأفضل أن يكون القضاء متتابعاً. وينبغي أيضاً أن يبادر به بعد يوم العيد فيشرع فيه أي: في اليوم الثاني من شوال؛ لأن هذا أسرع في إبراء الذمة وأحوط. حكم تأخير القضاء: لو أخره إلى رمضان آخر لعذر فإنه جائز، مثل أن يكون مسافراً فيستمر به السفر أو مريضاً فيستمر به المرض، أو تكون امرأة حاملاً ويستمر بها الحمل، أو مرضعاً تحتاج إلى الإفطار كل السنة؛ لأنه إذا جاز أن يفطر بهذه الأعذار في رمضان وهو أداء، فجواز الإفطار في أيام القضاء من باب أولى. هل يجوز أن يصوم قبل القضاء، وهل يصح لو صام؟ والجواب إن كان الصوم واجباً كالفدية والكفارة فلا بأس، وإن كان تطوعاً، فالمذهب([11]) لا يصح التطوع قبل القضاء، ويأثم. وعللوا أن النافلة لا تؤدى قبل الفريضة. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك ما لم يضق الوقت، وقال: ما دام الوقت موسعاً فإنه يجوز أن يتنفل، كما لو تنفل قبل أن يصلي الفريضة مع سعة الوقت، فمثلاً الظهر يدخل وقتها من الزوال وينتهي إذا صار كل ظل شيء مثله، فله أن يؤخرها إلى آخر الوقت، وفي هذه المدة يجوز له أن يتنفل؛ لأن الوقت موسع. وهذا القول أظهر وأقرب إلى الصواب، يعني أن صومه صحيح، ولا يأثم؛ لأن القياس فيه ظاهر. ولكن هل هذا أولى أو الأولى أن يبدأ بالقضاء؟ الجواب: الأولى أن يبدأ بالقضاء، حتى لو مر عليه عشر ذي الحجة أو يوم عرفة، فإننا نقول: صم القضاء في هذه الأيام وربما تدرك أجر القضاء وأجر صيام هذه الأيام، وعلى فرض أنه لا يحصل أجر صيام هذه الأيام مع القضاء، فإن القضاء أفضل من تقديم النفل. والجواب عن التعليل الذي ذكره الأصحاب أن نقول: الفريضة وقتها في هذه الحال موسع، فلم يفرض عليَّ أن أفعلها الآن حتى أقول إنني تركت الفرض، بل هذا فرض في الذمة وسع الله ـ تعالى ـ فيه، فإذا صمت النفل فلا حرج. وهنا مسألة ينبغي التنبه لها: وهي أن الأيام الستة من شوال لا تقدم على قضاء رمضان، فلو قدمت صارت نفلاً مطلقاً، ولم يحصل على ثوابها الذي قال عنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر»([12])؛ وذلك لأن لفظ الحديث «من صام رمضان» ومن كان عليه قضاء فإنه لا يصدق عليه أنه صام رمضان، وهذا واضح، وقد ظن بعض طلبة العلم أن الخلاف في صحة صوم التطوع قبل القضاء ينطبق على هذا، وليس كذلك، بل هذا لا ينطبق عليه؛ لأن الحديث فيه واضح؛ لأنه لا ستة إلا بعد قضاء رمضان. والدليل على جواز تأخير القضاء قوله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 185]. وأما الدليل على أنه لا يؤخر إلى ما بعد رمضان الثاني فما يلي: 1 ـ حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان» ([13]) فقولها: «ما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان» دليل على أنه لا يؤخر إلى ما بعد رمضان، والاستطاعة هنا الاستطاعة الشرعية، أي: لا أستطيع شرعاً. 2 ـ أنه إذا أخره إلى بعد رمضان صار كمن أخر صلاة الفريضة إلى وقت الثانية من غير عذر، ولا يجوز أن تؤخر صلاة الفريضة إلى وقت الثانية إلا لعذر. فإن قال قائل: قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ «فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان» دليل على وجوب الفورية في القضاء لمن استطاع. فنقول: لو كان ذلك واجباً شرعاً لما مكَّنَها الرسول صلّى الله عليه وسلّم من تركه والاستطاعة هنا استطاعة شرعية؛ وذلك مراعاة للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وحسن عشرته، وليست استطاعة بدنية. حكمُ مَنْ أخَّرَ القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني بلا عذر: لو أخَّرَ القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني بلا عذر كان آثماً، وعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم. أما وجوب القضاء فلأنه دين في ذمته لم يقضه فلزمه قضاؤه. وأما الإطعام فجبراً لما أخل به من تفويت الوقت المحدد فيطعم مع كل يوم يقضيه مسكيناً، فإذا قدرنا أن عليه ستة أيام فإنه يصومها ويطعم معها ستة مساكين، وقد روي في هذا حديث مرفوع عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر بالإطعام مع القضاء فيمن أخر إلى ما بعد رمضان([14])، لكنه حديث ضعيف جداً لا تقوم به حجة، ولا تشغل به ذمة. وروي أيضاً عن ابن عباس وأبي هريرة ـ رضي الله عنهم ـ أنه يلزمه الإطعام([15]) وما ذكر عنهما فإنه محمول على أن ذلك من باب التشديد عليه، لئلا يعود لمثل هذا الفعل، فيكون حكماً اجتهادياً، لكن ظاهر القرآن يدل على أنه لا يلزمه الإطعام مع القضاء؛ لأن الله لم يوجب إلا عدة من أيام أخر، ولم يوجب أكثر من ذلك، وقول الصحابي حجة ما لم يخالف النص، وهنا خالف ظاهر النص فلا يعتد به، وعليه فلا نلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، إلا بدليل تبرأ به الذمة، على أن ما روي عن ابن عباس وأبي هريرة ـ رضي الله عنهم ـ يمكن أن يحمل على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب. فالصحيح في هذه المسألة، أنه لا يلزمه أكثر من الصيام الذي فاته إلا أنه يأثم بالتأخير. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا أخره إلى ما بعد رمضان الثاني بلا عذر وجب عليه الإطعام فقط ولا يصح منه الصيام، بناءً على أنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فيكون عمله باطلاً مردوداً لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([16])، كما لو صلى الصلاة بغير وقتها، فإنها لا تقبل منه إذا لم يكن هناك عذر يبيح تأخيرها، فتكون الأقوال ثلاثة وجوب القضاء فقط، ووجوب الإطعام فقط، والجمع، والراجح الأول. مسألة: إذا مَرَّ رمضان على إنسان مريض ففيه تفصيل: أولاً: إن كان يرجى زوال مرضه انتظر حتى يشفى لقوله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}}، فلو استمر به المرض حتى مات فهذا لا شيء عليه؛ لأن الواجب عليه القضاء ولم يدركه. مثاله: إنسان أصيب في رمضان بزكام في العشر الأواخر من رمضان مثلاً، والزكام مما يرجى زواله، وتضاعف به المرض حتى مات، فهذا ليس عليه قضاء؛ لأن الواجب عليه عدة من أيام أخر، ولم يتمكن من ذلك فصار كالذي مات قبل أن يدركه رمضان، فليس عليه شيء. الثاني: أن يرجى زوال مرضه، ثم عوفي بعد هذا، ثم مات قبل أن يقضي فهذا يُطْعم عنه كل يوم مسكين بعد موته من تركته أو من متبرع. الثالث: أن يكون المرض الذي أصابه لا يرجى زواله، فهذا عليه الإطعام ابتداءً، لا بدلاً؛ لأن من أفطر لعذر لا يرجى زواله، فالواجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم، كالكبر ومرض السرطان وغيره من الأمراض التي لا يرجى زوالها. ولو فرض أن الله عافاه، والله على كل شيء قدير، فلا يلزمه أن يصوم، لأنه يجب عليه الإطعام وقد أطعم، فبرئت ذمته وسقط عنه الصيام. حكمُ من مات وعليه صوم نذر: وإن مات وعليه صوم نذر استحب لوليه قضاؤه، ولا يجب، وإنما يستحب أن يقضيه لما يلي: 1 ـ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»([17]) وهذا خبر بمعنى الأمر. 2 ـ أن امرأة أتت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وسألته: «أن أمها ماتت وعليها صوم نذر فهل تصوم عنها؟ فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم: نعم ـ يعني صومي عنها ـ وشبه ذلك بالدين تقضيه عن أمها، فإنه تبرأ ذمتها به فكذلك الصوم»([18]). فلو قال قائل: إن قوله صلّى الله عليه وسلّم «صام عنه وليه» أمر فما الذي صرفه عن الوجوب؟ فالجواب: صرفه عن الوجوب قوله تعالى {{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}} [الأنعام: 164] ولو قلنا: بوجوب قضاء الصوم عن الميت لزم من عدم قضائه أن تحمل وازرة وزر أخرى، وهذا خلاف ما جاء به القرآن. إذاً يستحب لوليه أن يقضيه فإن لم يفعل، قلنا: أطعم عن كل يوم مسكيناً قياساً على صوم الفريضة. مسألة: إذا مات وعليه صوم فرض بأصل الشرع، فهل يُقضى عنه؟ الجواب: لا يقضى عنه؛ والعبادات لا قياس فيها، ثم لا يصح القياس هنا أيضاً؛ لأن الواجب بالنذر أخف من الواجب بأصل الشرع، فلا يقاس الأثقل على الأخف، فصار ما وجب بالنذر تدخله النيابة لخفته بخلاف الواجب بأصل الشرع، فإن الإنسان مطالب به من قبل الله ـ عزّ وجل ـ وهذا مطالب به من قبل نفسه فهو الذي ألزم نفسه به، فكان أهون ودخلته النيابة. إذاً من مات وعليه صوم رمضان أو كفارة أو غيرها فلا يقضى عنه. والقول الراجح أن من مات وعليه صيام فرض بأصل الشرع فإن وليه يقضيه عنه، لا قياساً ولكن بالنص، وهو حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ «من مات وعليه صوم صام عنه وليه»([19]) «وصوم» نكرة غير مقيدة بصوم معين، وأيضاً كيف يقال: إن المراد به صوم النذر، وصوم النذر بالنسبة لصوم الفرض قليل، يعني ربما يموت الإنسان وما نذر صوم يوم واحد قط، لكن كونه يموت وعليه صيام رمضان هذا كثير، فكيف نرفع دلالة الحديث على ما هو غالب ونحملها على ما هو نادر؟! هذا تصرف غير صحيح في الأدلة، والأدلة إنما تحمل على الغالب الأكثر، والغالب الأكثر في الذين يموتون وعليهم صيام، أن يكون صيام رمضان أو كفارة أو ما أشبه ذلك، وهم يقولون حديث المرأة خصص حديث عائشة فيقال: إن ذكر فرد من أفراد العام بحكم يوافق العام، لا يكون تخصيصاً، بل يكون تطبيقاً مبيناً للعموم، وأن العموم في حديث عائشة «من مات وعليه صوم» شامل لكل صور الواجب، وهذا هو القول الصحيح وهو مذهب الشافعي وأهل الظاهر. لكن من هو الذي إذا مات كان القضاء واجباً عليه؟ الجواب: هو الذي تمكن من القضاء فلم يفعل فإذا مات قلنا لوليه: صم عنه، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه». والولي هو الوارث، والدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر»([20]) فذكر الأولوية في الميراث، إذاً الولي هو الوارث. وقيل: الولي هو القريب مطلقاً. والأقرب أنه الوارث. وحتى على القول بأنه القريب، فيقال: أقرب الناس وأحق الناس به هم ورثته، وعلى هذا فيصوم الوارث. مسألة: هل يلزم إذا قلنا: بالقول الراجح إِنّ الصومَ يشمل الواجب بأصل الشرع والواجب بالنذر ـ أَنْ يقتصر ذلك على واحد من الورثة؛ لأن الصوم واجب على واحد. الجواب: لا يلزم؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «صام عنه وليه» ، مفرد مضاف فيعم كل ولي وارث، فلو قدر أن الرجل له خمسة عشر ابناً، وأراد كل واحد منهم أن يصوم يومين عن ثلاثين يوماً فيجزئ، ولو كانوا ثلاثين وارثاً وصاموا كلهم يوماً واحداً، فيجزئ لأنهم صاموا ثلاثين يوماً، ولا فرق بين أن يصوموها في يوم واحد أو إذا صام واحد صام الثاني اليوم الذي بعده، حتى يتموا ثلاثين يوماً. أما في كفارة الظهار ونحوها فلا يمكن أن يقتسم الورثة الصوم لاشتراط التتابع؛ ولأن كل واحد منهم لم يصم شهرين متتابعين. وقد يقول قائل: يمكن بأن يصوم واحد ثلاثة أيام، وإذا أفطر صام الثاني ثلاثة أيام وهلم جرّاً حتى تتم؟ فيجاب بأنه لا يصدق على واحد منهم أنه صام شهرين متتابعين، وعليه فنقول: إذا وجب على الميت صيام شهرين متتابعين، فإما أن ينتدب له واحد من الورثة ويصومها، وإما أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً.([21]) ([1]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب التنكيل لمن أكثر الوصال (1965)؛ ومسلم في الصيام/ باب النهي عن الوصال (1103) عن أبي هريرة رضي الله عنه. ([2]) أخرجه ابن أبي شيبة (3/84). ([3]) سبق تخريجه ([4]) لحديث عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: «سَمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» أخرجه البخاري في الأطعمة/ باب التسمية على الطعام والأكل باليمين (5376)؛ ومسلم في الأشربة/ باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (2022). ([5]) أخرجه مسلم في الأشربة/ باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (2017) عن حذيفة رضي الله عنه. ([6]) سبق تخريجه ([7]) أخرجه الإمام أحمد (6/246) وأبو داود في الأطعمة/ باب التسمية على الطعام (3767) والترمذي في الأطعمة/ باب ما جاء في التسمية على الطعام (1858) وابن ماجه في الأطعمة/ باب التسمية عند الطعام (3264) عن عائشة رضي الله عنها وقال الترمذي: «حسن صحيح» وصححه الألباني في الإرواء (7/24). ([8]) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء/ باب استحاب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب (2734) عن أنس رضي الله عنه. ([9]) أخرجه الدارقطني (2/185) وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (481) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وضعفه ابن القيم في «الزاد» (2/51)؛ والهيثمي في «المجمع» (3/156). وضعفه الألبانى فى ضعيف الجامع (1644) ([10]) حسن : الإرواء (920) ([11]) أى الحنبلى ([12]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعاً لرمضان (1164) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. ([13]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب متى يقضى قضاء رمضان (1950)؛ ومسلم في الصيام/ باب جواز تأخير قضاء رمضان ما لم يجئ رمضان آخر (1146). ([14]) أخرجه الدارقطني (2/197)؛ والبيهقي (4/253) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وضعفاه. ([15]) أما أثر ابن عباس فأخرجه الدارقطني (2/197)؛ والبيهقي (4/253). وقال النووي في «المجموع» (6/364): «إسناده صحيح». وأما أثر أبي هريرة فأخرجه الدارقطني (2/197)؛ والبيهقي (4/253)، وضعفه الدراقطني. ([16]) سبق تخريجه ([17]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب من مات وعليه صوم (1952)؛ ومسلم في الصيام/ باب قضاء الصوم عن الميت (1147) عن عائشة رضي الله عنها. ([18]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب من مات وعليه صوم (1953) ومسلم في الصيام/ باب قضاء الصوم عن الميت عن ابن عباس رضي الله عنهما (1148) (155). ([19]) سبق تخريجه ([20]) أخرجه البخاري في الفرائض/ باب ميراث الولد من أبيه وأمه (6732)؛ ومسلم في الفرائض/ باب ألحقوا الفرائض بأهلها (1615) عن ابن عباس رضي الله عنهما. ([21]) حكمُ من مات وعليه حجُ نذر: من مات وعليه حج نذر فإن وليه يحج عنه. والدليل على ذلك: أن امرأة سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن أمها نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم» وكذلك أيضاً حج الفريضة بأصل الإسلام، والدليل على ذلك: 1 ـ حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع رجلاً يقول لبيك عن شبرمة قال: «من شبرمة؟» قال: أخ لي أو قريب لي، قال: «أحججت عن نفسك»؟ قال: لا، قال: «حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة» أخرجه أبو داود في المحصر/ باب النحر قبل الحلق في الحصر (1811)؛ وابن ماجه في المناسك/ باب الحج عن الميت (2903)؛ وابن خزيمة (3039)؛ وابن حبان (3988)؛ والدارقطني (2/267)؛ والبيهقي (4/336)؛ وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وانظر: «نصب الراية» (3/155)؛ و«التلخيص» (958)؛ و«الإرواء» (4/171). 2 ـ حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده بالحج، أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «نعم» أخرجه البخاري في الحج/ باب وجوب الحج وفضله... (1513) ومسلم في الحج/ باب الحج عن العاجز لزمانة وهرمٍ ونحوهما، أو للموت (1334).، فإذا جازت النيابة عن الحي لعدم قدرته على الحج، فعن الميت من باب أولى. حكمُ من مات وعليه اعتكاف نذر: مثاله: رجل نذر أن يعتكف ثلاثة أيام من أول شهر جمادى الآخرة، ولم يعتكف ومات، فيعتكف عنه وليه؛ لأن هذا الاعتكاف صار ديناً عليه، وإذا كان ديناً فإنه يقضى، كما يقضى دين الآدمي. حكمُ من مات وعليه صلاةُ نذر: وإن مات وعليه صلاة نذر، مثاله رجل نذر أن يصلي لله ركعتين فمضى الوقت ولم يصلِّ، ثم مات فيستحب لوليه أن يصلي عنه؛ لأن هذا النذر صار ديناً في ذمته، والدين يقضى كدين الآمدي، وإن كانت فريضة بأصل الشرع لا تقضى؛ لأن ذلك لم يرد. لو قال قائل: الأصل في العبادات أنه لا قياس فيها، فكيف قلتم: إن الاعتكاف والصلاة المنذورين يفعلان عن الناذر؟ فنقول: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قاس العبادات على الأمور العاديات، فقال: «أرأيت لو كان على أمك دين...» ، وهذا الاعتكاف المنذور ـ مثلاً ـ صار ديناً على الناذر، فهو إلى الحج المنذور أقرب من الدين. وعلى هذا: ـ فالحج يقضى عن الميت فرضاً كان، أو نذراً قولاً واحداً. ـ والصوم يقضى إن كان نذراً، وإن كان فرضاً بأصل الشرع ففيه خلاف والراجح قضاؤه، فإن لم يقض الولي فإن خلف الميت تركة وجب أن يطعم عنه في الصيام لكل يوم مسكيناً. ـ والصلاة لا تقضى قولاً واحداً، إذا كانت واجبة بأصل الشرع، وإن كانت واجبة بالنذر فإنها تقضى على المذهب. والاعتكاف لا يمكن أن يكون واجباً بأصل الشرع، وإنما يجب بالنذر فيعتكف عنه وليه. وقد استدل من قال بقضاء الصلاة والاعتكاف المنذورين: بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، فقال: اقضوا الله» ,فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم النذر ديناً؛ وإذا كان النذر ديناً وقد قاس النبي صلّى الله عليه وسلّم دين الله على دين الآدمي، فنقول: لا فرق بين دين الصلاة ودين الصيام. وقال بعض العلماء: إن الصلاة والاعتكاف المنذورين لا يقضيان؛ لأنهما عبادتان بدنيتان لا يجبان بأصل الشرع.
__________________
|
#15
|
||||
|
||||
رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله
فقه وفتاوى وأحكام الصيام د.أحمد مصطفى متولى (15) مسائل الأولى: هل يصح استئجار من يصوم عنه؟ الجواب: لا يصح ذلك؛ لأن مسائل القرب لا يصح الاستئجار عليها. الثانية: لو نذر صيام شهر محرم فمات في ذي الحجة؟ فلا يقضى عنه؛ لأنه لم يدرك زمن الوجوب؛ كمن مات قبل أن يدرك رمضان. الثالثة: إذا قال الولي: أنا لن أعتكف أو قال: لن أصلي، أو قال: لن أحج؟ فله ذلك، ولا بديل عن هذه الثلاثة. أما إذا قال: لن أصوم فإنه يطعم عن الصوم لكل يوم مسكيناً، إن خلف تركة، وقياس المذهب في الاعتكاف أن يقام من يعتكف عنه، وأن يقام من يصلي عنه؛ لأن هذا عمل يجب قضاؤه وخلف تركة، فعلى مقتضى قواعد المذهب أنه يُدفع للمعتكف عنه أو يصلي عنه لكن ما رأيتهم صرحوا به. صَوْمِ التَّطوُّعِ تعريفه: «صوم» مضاف، و«التطوع» مضاف إليه، والإضافة هنا لبيان النوع، وذلك أن الصيام نوعان: فريضة وتطوع وكلاهما بالمعنى العام يسمى تطوعاً، فإن التطوع: فعل الطاعة، لكنه يطلق غالباً عند الفقهاء على الطاعة التي ليست بواجبة، ولا مشاحة في الاصطلاح، فإذا كان الفقهاء ـ رحمهم الله ـ جعلوا التطوع في مقابل الواجب فهذا اصطلاح ليس فيه محظور شرعي، إذاً فصوم التطوع هو الصوم الذي ليس بواجب. واعلم أن من رحمة الله وحكمته أن جعل للفرائض ما يماثلها من التطوع؛ وذلك من أجل ترقيع الخلل الذي يحصل في الفريضة من وجه، ومن أجل زيادة الأجر والثواب للعاملين من وجه آخر؛ لأنه لولا مشروعية هذه التطوعات لكان القيام بها بدعة وضلالة، وقد جاء في الحديث أن التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة.([1]) من فضائل الصوم: واعلم أن الصوم من أفضل الأعمال الصالحة، حتى ثبت في الحديث القدسي أن الله ـ عزّ وجل ـ يقول: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»([2]) فالعبادات ثوابها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، إلا الصوم فإن الله هو الذي يجزي به، ومعنى ذلك أن ثوابه عظيم جداً، قال أهل العلم: لأنه يجتمع في الصوم أنواع الصبر الثلاثة وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقداره، فهو صبر على طاعة الله لأن الإنسان يصبر على هذه الطاعة ويفعلها، وعن معصيته لأنه يتجنب ما يحرم على الصائم، وعلى أقدار الله لأن الصائم يصيبه ألم بالعطش والجوع والكسل وضعف النفس، فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر؛ لأنه جامع بين الأنواع الثلاثة، وقد قال الله تعالى: {{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}} [الزمر: 10] . أقسامُ الصوم: ينقسم إلى قسمين: تطوع مطلق وتطوع مقيد. والمقيد أوكد من التطوع المطلق، كالصلاة أيضاً، فإن التطوع المقيد منها أفضل من التطوع المطلق. صيام أيام البيض: أيام البيض هي اليوم الثالث عشر من الشهر، والرابع عشر، والخامس عشر. ودليل مسنونيتها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بصيامها([3]). وسميت بيضاً لابيضاض لياليها بنور القمر، ولهذا قيل أيام البيض، أي أيام الليالي البيض، فالوصف لليالي؛ لأنها بنور القمر صارت بيضاء وذكر أهل العلم بالطب أن فيها فائدة جسمية في هذه الأيام الثلاثة؛ لأنه وقت فوران الدم وزيادته، إذ إن الدم بإذن الله مقرون بالقمر، وإذا صام فإنه يخف عليه ضغط كثرة الدم فهذه فائدة طبية، لكن كما قلنا كثيراً بأن الفوائد الجسمية ينبغي أن يجعلها في ثاني الأمر بالنسبة للعبادات، حتى يكون الإنسان متعبداً الله لا للمصلحة الجسمية أو الدنيوية، ولكن من أجل التقرب إلى الله بالعبادات. وهذه الثلاثة تغني عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، التي قال فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله» ([4])؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فثلاثة أيام بثلاثين حسنة عن شهر، وكذلك الشهر الثاني والثالث، فيكون كأنما صام السنة كلها، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، تقول عائشة: «لا يبالي هل صامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره»([5]) وأمر بها النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة من أصحابه، أبو هريرة وأبو الدرداء وأبو ذر([6])، فعندنا أمران: الأمر الأول: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، سواء أكانت في أول الشهر، أم في وسطه، أم في آخره، وسواء أكانت متتابعة أم متفرقة. الأمر الثاني: أنه ينبغي أن يكون الصيام في أيام البيض الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فتعيينها في أيام البيض تعيين أفضلية كتعين الصلاة في أول وقتها، أي: أنَّ أفضل وقت للأيام الثلاثة هو أيام البيض، ولكن من صام الأيام الثلاثة في غير أيام البيض حصل على الأجر، وهو أجر صيام ثلاثة أيام من كل شهر، لا صيام أيام البيض، وحصل له صيام الدهر. صيام الاثنين والخميس: يسن صيام الاثنين والخميس. وصوم الاثنين أوكد من الخميس، فيسن للإنسان أن يصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع. وقد علل النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك: «بأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله ـ عزّ وجل ـ، قال: فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم»([7])، وهذا الحديث اختلف المحدثون فيه فمنهم من ضعفه وقال: لا تقوم به حجة، ومنهم من قال: إنه صحيح كابن خزيمة، ومنهم من سكت عنه فلم يحكم له باضطراب ولا تصحيح، وعلى كل حال فإن الفقهاء اعتبروه واستشهدوا به، واستدلوا به. وسئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويعثت فيه أو أنزل علي فيه» ([8]) فبين الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن صيام يوم الاثنين مطلوب، وعلى هذا فيسن صيام يومين من كل أسبوع، هما يوم الاثنين والخميس. حكمُ صوم الثلاثاء والأربعاء: وأما صيام يوم الثلاثاء والأربعاء فليس بسنة على التعيين، وإلا فهو سنة مطلقة، يسن للإنسان أن يكثر من الصيام، لكن لا نقول يسن أن تصوم يوم الثلاثاء، ولا يسن أن تصوم يوم الأربعاء، ولا يكره ذلك. حكمُ صوم الجمعة: وأما الجمعة فلا يسن صوم يومها، ويكره أن يفرد صومه، والدليل على ذلك: 1 ـ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده»([9]). 2 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم لإحدى أمهات المؤمنين وكانت صامت يوم جمعة: «أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري» ([10]) فدل ذلك على أن يوم الجمعة لا يفرد بصوم، بل قد ورد النهي عن ذلك. 3 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، ولا ليلتها بقيام»([11]). حكمُ صوم السبت: وأما السبت فقيل: إنه كالأربعاء والثلاثاء يباح صومه. وقيل: إنه لا يجوز إلا في الفريضة. وقيل: إنه يجوز لكن بدون إفراد. والصحيح أنه يجوز بدون إفراد، أي: إذا صمت معه الأحد، أو صمت معه الجمعة، فلا بأس، والدليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم لزوجته «أتصومين غداً؟» أي: السبت. وأما الحديث الذي رواه أبو داود: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجر»([12]) يعني فليأكله، فهذا الحديث مختلف فيه هل هو صحيح أو ضعيف؟ وهل هو منسوخ أو غير منسوخ([13])؟ وهل هو شاذ أو غير شاذ؟ وهل المراد بذلك إفراده دون جَمْعِهِ إلى الجمعة أو الأحد؟ وسبق بيان القول الصحيح أن المكروه إفراده، لكن إن أفرده لسبب فلا كراهة، مثل أن يصادف يوم عرفة أو يوم عاشوراء، إذا لم نقل بكراهة إفراد يوم عاشوراء. حكمُ صوم الأحد: وأما الأحد: فبعض العلماء استحب أن يصومه الإنسان. وكرهه بعض العلماء. أما من استحبه فقال: إنه يوم عيد للنصارى، ويوم العيد يكون يوم أكل وسرور وفرح، فالأفضل مخالفتهم، وصيام هذا اليوم فيه مخالفة لهم. وأما من كره صومه فقال: إن الصوم نوع تعظيم للزمن، وإذا كان يوم الأحد يوم عيد للكفار فصومه نوع تعظيم له، ولا يجوز أن يُعظم ما يعظمه الكفار على أنه شعيرة من شعائرهم. والخلاصة: أن الثلاثاء والأربعاء حكم صومهما الجواز، لا يسن إفرادهما ولا يكره، والجمعة والسبت والأحد يكره إفرادها، وإفراد الجمعة أشد كراهة لثبوت الأحاديث في النهي عن ذلك بدون نزاع، وأما ضمها إلى ما بعدها فلا بأس، وأما الاثنين والخميس فصومهما سنة. حكمُ صوم الست من شوال: يُسنُّ صوم ست من شوال؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله»([14]) فيسن للإنسان أن يصوم ستة أيام من شوال. فائدة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وأتبعه ستاً من شوال» والمعروف أن تذكير العدد يدل على تأنيث المعدود، والذي يصام اليوم لا الليل فلم لم يقل ستة؟ الجواب: أن الحكم في كون العدد يذكر مع المؤنث، ويؤنث مع المذكر، إذا ذُكِرَ المعدود فتقول ستة رجال وست نساء، قال تعالى: {{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}} [الحاقة: 7] . أما إذا حذف المعدود فإنه يجوز التأنيث والتذكير فتقول صمت ستاً من شوال وصمت ستة من شوال، ومنه قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}} [البقرة: 234] والمراد عشرة أيام لكنه ذكَّرها؛ لأن المعدود لم يُذْكَرْ، والظاهر أن الأفصح التذكير؛ لأن هذا هو الذي جاء بلفظ الحديث وهو أيضاً أخف على اللسان، وهذه القاعدة ما لم يحصل اشتباه، فإن حصل فإنه يجب أن يراعي الأصل، أي: لو كان اللفظ يحتمل أن يراد به المذكر أو أن يراد به المؤنث والحكم يختلف، فإن الواجب الرجوع إلى الأصل، كالقاعدة العامة في جميع ما يجوز في النحو يقيدونها بما لم يُخْشَ اللبس، فإن خيف اللبس وجب إرجاع كل شيء إلى أصله. قال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ: والأفضل أن تكون هذه الست بعد يوم العيد مباشرة؛ لما في ذلك من السبق إلى الخيرات. هل يلزمُ تتابع الست؟ والأفضل أن تكون متتابعة؛ لأن ذلك أسهل غالباً؛ ولأن فيه سبقاً لفعل هذا الأمر المشروع. فعليه يسن أن يصومها في اليوم الثاني من شوال ويتابعها حتى تنتهي، وهي ستنتهي في اليوم الثامن، من شهر شوال، وهذا اليوم الثامن يسميه العامة عيد الأبرار، أي: الذين صاموا ستة أيام من شوال. ولكن هذا بدعة فهذا اليوم ليس عيداً للأبرار، ولا للفجار. ثم إن مقتضى قولهم، أن من لم يصم ستة أيام من شوال ليس من الأبرار، وهذا خطأ، فالإنسان إذا أدى فرضه فهذا بَرُّ بلا شك، وإن كان بعض البر أكمل من بعض. ثم إن السنة أن يصومها بعد انتهاء قضاء رمضان لا قبله، فلو كان عليه قضاء ثم صام الستة قبل القضاء فإنه لا يحصل على ثوابها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من صام رمضان» ومن بقي عليه شيء منه فإنه لا يصح أن يقال إنه صام رمضان؛ بل صام بعضه، وليست هذه المسألة مبنيّة على الخلاف في صوم التطوع قبل القضاء؛ لأن هذا التطوع أعني صوم الست قيده النبي صلّى الله عليه وسلّم بقيد وهو أن يكون بعد رمضان، وقد توهم بعض الناس فظن أنه مبني على الخلاف في صحة صوم التطوع قبل قضاء رمضان، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك، وبينا أن الراجح جواز التطوع وصحته، ما لم يضق الوقت عن القضاء. تنبيه: لو أخر صيام الست من شوال عن أول الشهر ولم يبادر بها، فإنه يجوز لقوله صلّى الله عليه وسلّم «ثم أتبعه ستاً من شوال» فظاهره أنه ما دامت الست في شوال، ولو تأخرت عن بداية الشهر فلا حرج، لكن المبادرة وتتابعها أفضل من التأخير والتفريق، لما فيه من الإسراع إلى فعل الخير. ([1]) أخرجه الإمام أحمد (2/425)؛ وأبو داود في الصلاة/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه (864)؛ والترمذي في الصلاة/ باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة (413)؛ والنسائي في الصلاة/ باب المحاسبة على الصلاة (1/232)؛ وابن ماجه في الصلاة/ باب ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاة (1425)؛ والحاكم (1/262) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم :" إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح و أنجح و إن فسدت فقد خاب و خسر و إن انتقص من فريضة قال الرب : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك" والحديث صححه الألبانى فى صحيح الجامع (3783) . ([2]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب فضل الصوم (1894)؛ ومسلم في الصيام/ باب حفظ اللسان للصائم (1151) (164) عن أبي هريرة رضي الله عنه. ([3]) أخرجه أحمد (5/152)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر (761)؛ والنسائي في الصيام/ باب ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة... (4/222)؛ وابن حبان (3655) عن أبي ذر رضي الله عنه وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان. ([4]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم داود عليه السلام (1979)؛ ومسلم في الصيام/ باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به(1159) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. ([5]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1160). ([6]) أما حديث أبي هريرة فقد أخرجه البخاري في التهجد/ باب صلاة الضحى في الحضر (1178)؛ ومسلم في الصلاة/ باب استحباب صلاة الضحى (721)؛ وحديث أبي ذر أخرجه الإمام أحمد (5/173)؛ والنسائي في الصيام/ باب صوم ثلاثة أيام من الشهر (4/217)؛ وصححه ابن خزيمة (2128)؛ وحديث أبي الدرداء فقد أخرجه مسلم في الصلاة/ باب استحباب صلاة الضحى (722). ([7]) أخرجه أحمد (5/200، 204، 208)؛ وأبو داود في الصيام/ باب في صوم يوم الاثنين (2436)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في صوم يوم الاثنين والخميس (747)؛ والنسائي في الصيام/ باب صوم النبي (ص) (4/201) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وحسنه الترمذي، والمنذري في «مختصر السنن» (3/320)؛ وصححه الألبانى فى صحيح الترغيب (1041) ([8]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1162) (198) عن أبي قتادة رضي الله عنه. ([9]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم الجمعة (1985)؛ ومسلم في الصيام/ باب كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته (1144) عن أبي هريرة رضي الله عنه. ([10]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم الجمعة (1986) عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها. ([11]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب كراهة إفراد يوم الجمعة بصوم لا يوافق عادته (1144) (148) عن أبي هريرة رضي الله عنه. ([12]) أخرجه أحمد (6/368)؛ وأبو داود في الصيام/ باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم (2421)؛ والترمذي في الصوم/ باب ما جاء في صوم يوم السبت (744)؛ والنسائي في «الكبرى» (2773)؛ وابن ماجه في الصيام/ باب ما جاء في صيام يوم السبت (1726)؛ عن الصماء رضي الله عنها. وصححه الألبانى فى صحيح الترغيب (1049) ([13]) «سنن أبي داود»، و«شرح معاني الآثار» (2/80)؛ و«التلخيص الحبير» (938)؛ و«الإرواء» (4/118). ([14]) سبق تخريجه
__________________
|
#16
|
||||
|
||||
رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله
فقه وفتاوى وأحكام الصيام د.أحمد مصطفى متولى (16) مسألة: لو لم يتمكن من صيام الأيام الستة في شوال لعذر كمرض أو قضاء رمضان كاملاً حتى خرج شوال، فهل يقضيها ويكتب له أجرها أو يقال هي سنة فات محلها فلا تقضى؟ الجواب: يقضيها ويكتب له أجرها كالفرض إذا أخره عن وقته لعذر، وكالراتبة إذا أخرها لعذر حتى خرج وقتها، فإنه يقضيها كما جاءت به السنة. فائدة: كره بعض العلماء صيام الأيام الستة كل عام مخافة أن يظن العامة أن صيامها فرض، وهذا أصل ضعيف غير مستقيم لأنه لو قيل به لزم كراهة الرواتب التابعة للمكتوبات، أن تصلى كل يوم وهذا اللازم باطل وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم والمحذور الذي يخشى منه يزول بالبيان. حكمُ صوم المحرم: يُسنُّ صوم شهر المحرم، وهو الذي يلي شهر ذي الحجة، وهو الذي جعله الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أول شهور السنة، وصومه أفضل الصيام بعد رمضان، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم»([1]). واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ أيهما أفضل صوم شهر المحرم، أم صوم شهر شعبان؟ فقال بعض العلماء: شهر شعبان أفضل؛ لأن النبي كان يصومه، إلا قليلاً منه ولم يحفظ عنه أنه كان يصوم شهر المحرم؛ لكنه حث على صيامه بقوله: «إنه أفضل الصيام بعد رمضان» . قالوا: ولأن صوم شعبان ينزل منزلة الراتبة قبل الفريضة وصوم المحرم ينزل منزلة النفل المطلق، ومنزلة الراتبة أفضل من منزلة النفل المطلق، وعلى كل فهذان الشهران يسن صومهما، إلا أن شعبان لا يكمله. تنبيه: آكد صوم شهر المحرم العاشر ثم التاسع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «سئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»([2]) فهو آكد من بقية الأيام من الشهر. ثم يليه التاسع لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لئن بقيت، أو لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع» ([3]) يعني مع العاشر. وهل يكره إفراد العاشر؟ قال بعض العلماء: إنه يكره، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده خالفوا اليهود»([4]). وقال بعض العلماء: إنه لا يكره، ولكن يفوت بإفراده أجر مخالفة اليهود. والراجح أنه لا يكره إفراد عاشوراء. فإن قال قائل: ما السبب في كون يوم العاشر آكد أيام محرم؟ فالجواب أن السبب في ذلك أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي هذا الحديث دليل على أن التوقيت كان في الأمم السابقة بالأهلة، وليس بالشهور الأفرنجية، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخبر بأن اليوم العاشر من محرم هو اليوم الذي أهلك الله فيه فرعون وقومه ونجى موسى وقومه([5]). حكمُ صوم تسع ذى الحجة: يُسَنُّ صوم تسع ذي الحجة. وتسع ذي الحجة تبدأ من أول أيام ذي الحجة، وتنتهي باليوم التاسع، وهو يوم عرفة، والحجة بكسر الحاء أفصح من فتحها وعكسها القعدة. ودليل استحبابها قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر»([6]) والصوم من العمل الصالح. وقد ورد حديثان متعارضان في هذه الأيام، أحدهما أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يصوم هذه الأيام التسعة([7])، والثاني أنه كان يصومها([8])، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله في التعارض بين هذين الحديثين: إن المثبت مقدم على النافي، ورجح بعض العلماء النفي؛ لأن حديثه أصح من حديث الإثبات، لكن الإمام أحمد جعلهما ثابتين كليهما، وقال: إن المثبت مقدم على النافي، ونحن نقول: إذا تعارضا تساقطا بدون تقديم أحدهما على الآخر فعندنا الحديث الصحيح العام «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر»([9]) فالعمل الصالح في أيام عشر ذي الحجة ومن ذلك الصوم أحب إلى الله من العمل الصالح في العشر الأواخر من رمضان، ومع ذلك فالأيام العشر من ذي الحجة، الناس في غفلة عنها، تَمُرُّ والناس على عاداتهم لا تجد زيادة في قراءة القرآن، ولا العبادات الأخرى بل حتى التكبير بعضهم يشح به. حكم صوم يوم عرفة: آكد تسع ذي الحجة، صيام يوم عرفة لغير حاج بها، ويوم عرفة هو اليوم التاسع، وإنما كان آكد أيام العشر؛ لأن النبي (ص) «سئل عن صوم يوم عرفة فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده»([10]) وعلى هذا فصوم يوم عرفة أفضل من صوم عاشوراء؛ لأن صوم عاشوراء قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» فقط. هل يصومُ الحاج يوم عرفة؟ فالحاج في عرفة لا يصوم وليس مشروعاً له الصوم لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة»([11]) وهذا الحديث في صحته نظر، لكن يؤيده أن الناس شَكُّوا في صومه صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، فأرسل إليه بقدح من لبن فشربه ضحى يوم عرفة والناس ينظرون إليه([12])، ليتبين لهم أنه لم يصم؛ ولأن هذا اليوم يوم دعاء وعمل، ولا سيما أن أفضل زمن الدعاء هو آخر هذا اليوم، فإذا صام الإنسان فسوف يأتيه آخر اليوم وهو في كسل وتعب، لا سيما في أيام الصيف وطول النهار وشدة الحر، فإنه يتعب وتزول الفائدة العظيمة الحاصلة بهذا اليوم، والصوم يدرك في وقت آخر؛ ولهذا فالصواب أن صوم يوم عرفة للحاج مكروه، وأما لغير الحاج فهو سنة مؤكدة. أفضل الصيام (صوم داود): أفضل صوم التطوع صوم يوم، وفطر يوم. فإذا قال قائل: لماذا لم يفعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والرسول ينشر الأفضل وهو أخشانا لله وأتقانا له؟ قلنا: لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يشتغل بعبادات أخرى أجل من الصيام، من الدعوة إلى الله، والأعمال الأخرى الوظيفية التي تستدعي أن يفعلها، ولهذا ثبت عنه فضل الأذان، وأن المؤذنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة([13])، ومع ذلك لم يباشره؛ لأنه مشغول بعبادات أخرى جليلة لا يتمكن من مراقبة الشمس في طلوعها، وزوالها وما أشبه ذلك، وقال في الرجل الذي دخل وصلى وحده: من يتصدق على هذا؟ فقام بعض أصحابه فصلى معه([14])، فلا يقول قائل: لماذا لم يقم هو لأنها صدقة، وهو أسبق الناس إلى الخير؟ فالجواب لأنه مشتغل بما هو أهم، من تعليم الناس، والتحدث إليهم وتأليفهم وما أشبه ذلك، المهم أنه لا يُظن أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم إذا ندب إلى فعل شيء وبين أنه أفضل ولم يفعله هو، فهو قصور منه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، ولكن اشتغاله بما هو أولى وأهم، ولهذا لما سئل عن صوم يوم وإفطار يومين؟ قال: «ليت أنا نقوى على ذلك»([15])، يعني أنه ما يقوى على ذلك مع أعماله الأخرى الجليلة التي لا يقوم بها غيره. وعلى هذا إذا جاءنا طالب علم، وقال: إنني إذا صمت قصرت عن طلب العلم وصار عندي خورٌ وضعف وتعب، وإذا لم أصم نشطت على العلم، فهل الأفضل في أن أصوم يوماً وأفطر يوماً؛ لأنه أفضل الصيام، أو أن أقوم بطلب العلم؛ نقول: الأفضل أن تقوم بطلب العلم. وإذا جاءنا رجل عابد ليس له شغل، لا قيام على عائلة، ولا طلب علم، وقال: ما الأفضل لي، أن أصوم يوماً وأفطر يوماً، أو لا أصوم؟ نقول: الأفضل أن تصوم يوماً وتفطر يوماً، فالمهم أن التفاضل في العبادات وتمييز بعضها عن بعض وتفضيل بعضها على بعض، أمر ينبغي التفطن له؛ لأن بعض الناس قد يلازم طاعة معينة ويترك طاعات أهم منها وأنفع، وقد جاء وفد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فجلس يتحدث إليهم وترك راتبة الظهر ولم يصلها إلا بعد العصر([16])، فعلى هذا ينبغي للإنسان أن يعادل بين نوافل العبادات وإذا ترك شيئاً لما هو أهم منه، فلا يقال إنه تركه، بل فعل ما هو خير منه، فلا يعد ذلك قصوراً. ودليل ذلك أن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: «لأصومن النهار، ولا أفطر، ولأقومن الليل ولا أنام، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فسأله: «أنت الذي قلت كذا؟ قال: نعم، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: صم كذا، صم كذا، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، حتى قال له: صم يوماً وأفطر يوماً فذلك أفضل الصيام، وهو صيام داود، وقال له في القيام: نم نصف الليل، وقم ثلث الليل، ونم سدس الليل، فذلك أفضل القيام وهو قيام داود» ([17])؛ لأن هذا الصيام يعطي النفس بعض الحرية، والبدن بعض القوة؛ لأنه يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكذلك القيام إذا نام نصف الليل، ثم قام ثلثه، ثم نام سدسه، فإن تعبه في قيام الثلث سوف يزول بنومه السدس، فيقوم في أول النهار نشيطاً. ولكن هذا، أي: صوم يوم وفطر يوم، مشروط بما إذا لم يضيع ما أوجب الله عليه، فإن ضيع ما أوجب الله عليه كان هذا منهياً عنه؛ لأنه لا يمكن أن تضاع فريضة من أجل نافلة، فلو فرض أن هذا الرجل إذا صام يوماً وأفطر يوماً، تخلف عن الجماعة في المسجد، لأنه يتعب في آخر النهار، ولا يستطيع أن يصل إلى المسجد، فنقول له: لا تفعل؛ لأن إضاعة الواجب أعظم من إضاعة المستحب، فهذا مستحب لا تأثم بتركه فاتركه. كذلك لو انشغل بذلك عن مؤونة أهله، أي: انقطع عن البيع والشراء والعمل الذي يحتاجه لمؤونة أهله، فإننا نقول له: لا تفعل؛ لأن القيام بالواجب أهم من القيام بالتطوع، وكذلك لو أدى هذا الصيام إلى عدم القيام بواجب الوظيفة كان منهياً عنه. وقد التزم عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ بذلك حتى كبر فتمنى أنه قبل رخصة النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، حتى اجتهد ـ رضي الله عنه ـ فصار يصوم خمسة عشر يوماً متتابعة، ويفطر خمسة عشر يوماً متتابعة، ويرى أن هذا بدل عن صيام يوم وإفطار يوم. ونأخذ من هذا فائدة، وهي أن الإنسان ينبغي ألا يقيس نفسه في مستقبله على حاضره، فقد يكون الإنسان في أول العبادة نشيطاً يرى أنه قادر، ثم بعد ذلك يلحقه الملل، أو يلحقهُ ضعف وتعب، ثم يندم، لهذا ينبغي للإنسان أن يكون عمله قصداً، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم مرشداً أمته: «اكلفوا من العمل ما تطيقون»([18]) أي: لا تكلفوا أنفسكم وقال: «استعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا» ([19])، وقال «إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى»([20]) والمنبت هو الذي يسير ليلاً ونهاراً، فالإنسان ينبغي له أن يقدر المستقبل، لا يقول أنا الآن نشيط سأحفظ القرآن والسنة، وزاد المستقنع وألفية ابن مالك كلها في أيام قليلة، فهذا لا يمكن، فأعط نفسك حقها، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل» ([21]) وكثير من الناس يكون عنده رغبة إما في العبادة، أو طلب العلم أو غير ذلك، ثم بعد هذا يكسل، فالذي ينبغي للإنسان، أن ينظر للمستقبل، كما ينظر للحاضر. وفي حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ دليل على أن صوم يوم الجمعة أو السبت إذا صادف يوماً غير مقصود به التخصيص فلا بأس به، لأنه إذا صام يوماً، وأفطر يوماً فسوف يصادف الجمعة والسبت، وبذلك يتبين أن صومهما ليس بحرام، وإلا لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: صم يوماً، وأفطر يوماً، ما لم تصادف الجمعة والسبت. ([1]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب صوم المحرم (1163)؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه. ([2]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1162) عن أبي قتادة رضي الله عنه. ([3]) أخرجه مسلم من الصيام/ باب أي يوم يصام في عاشوراء (1134) عن ابن عباس رضي الله عنهما. ([4]) أخرجه أحمد في «المسند» (1/241)؛ وابن خزيمة (2095)؛ والبزار (1052) عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الهيثمي في «المجمع» (3/188) «فيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام» وضعفه الألباني في «التعليق على ابن خزيمة». وأخرجه عبد الرزاق (7839)؛ والبيهقي (4/287) موقوفاً على ابن عباس بلفظ: «صوموا اليوم التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود» وسنده صحيح كما قال الألباني في «التعليق على ابن خزيمة». ([5]) أخرجه البخاري في الصوم/ باب صوم يوم عاشوراء (2004)؛ ومسلم في الصيام/ باب صوم يوم عاشوراء (1130) (128). ([6]) أخرجه البخاري في العيدين/ باب فضل العمل في أيام التشريق (969) عن ابن عباس رضي الله عنهما. ([7]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب صوم عشر ذي الحجة (1176) عن عائشة رضي الله عنها. ([8]) أخرجه أبو داود في الصيام/ باب في صوم العشر (2437)؛ والنسائي في الصيام/ باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر (4/220)؛ وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2129). ([9]) سبق تخريجه ([10]) سبق تخريجه ([11]) أخرجه أبو داود في الصيام/ باب في صوم العشر (2437)؛ والنسائي في الصيام/ باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر (4/220)؛ وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2129). ([12]) أخرجه البخاري من الصوم/ باب صوم يوم عرفة (1988)؛ ومسلم في الصيام/ باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة (1123) عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها. ([13]) أخرجه مسلم في الصلاة/ باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه (387) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. ([14]) أخرجه الإمام أحمد (3/64)؛ وأبو داود في الصلاة/ باب في الجمع في المسجد (574)؛ والترمذي في الصلاة/ باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلي فيه مرّة (2220) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وحسنه الترمذي وصححه الألباني في «الإرواء» (2/316). ([15]) سبق تخريجه ([16]) أخرجه البخاري في الجمعة/ باب إذا كُلم وهو يصلي... (1233)؛ ومسلم في الصلاة/ باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد العصر (834). ([17]) سبق تخريجه ([18]) أخرجه البخاري في الجمعة/ باب إذا كُلم وهو يصلي... (1233)؛ ومسلم في الصلاة/ باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد العصر (834). ([19]) أخرجه البخاري في الإيمان/ باب الدين يسر (39) عن أبي هريرة رضي الله عنه. ([20]) أخرجه البزار (74) «كشف الأستار» قال الهيثمي في «المجمع» (2/62): «فيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب» وأخرجه البيهقي من طريق أخرى (3/19) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف كما في الضعيفة (1/64)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (334) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما موقوفاً. وضعفه الألبانى فى ضعيف الجامع (4832) ([21]) أخرجه البخاري في الرقاق/ باب القصد والمداومة على العمل (6464)؛ ومسلم في الصلاة/ باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره (782) عن عائشة رضي الله عنها.
__________________
|
#17
|
||||
|
||||
رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله
__________________
|
#18
|
||||
|
||||
رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله
اخْتِيَارَاتُ وَفَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ في الصِّيَامِ([1]) (18) * ذكر أصحاب الفضيلة أن صوم رمضان من أركان الإسلام . * وذكروا بأن الله سبحانه فرض صيامه لمصلحة عباده نفوسهم والارتقاء بهم إلى الكمال البشري , وفيه تمرين النفس على مخالفة هواها , وفيه إعانة النفس على التغلب على شهواتها الممنوعة في الصيام , وهو يهذب النفس إلى الأخذ بالأخلاق الفاضلة , وأنه جالب للتقوى . * واختار أصحاب الفضيلة بخبر الواحد في رؤية هلال رمضان , بشرط أن يكون مسلماً عدلاً في الظاهر . * وأفتوا بأنه لا يجوز تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن وافق عادة . * وأفتوا بأنه لا يجوز الاقتداء والاعتماد على خبر المنجمين , بل الواجب أن يعتمد على الرؤية . * وأجاز أصحاب الفضيلة استخدام الوسائل التي تعين على العين على رؤية الهلال . * وأجاز أصحاب الفضيلة الاستعانة بآلات الرصد في رؤية الهلال . * وأفتوا بمنع الاعتماد على العلوم الفلكية في إثبات بدء شهر رمضان أو انتهائه . * وأفتوا بأنه إذا رؤي الهلال في بلاد دون بلاد , فإن الصيام في البلاد التي لم ير فيها راجع إلى ولي الأمر , فإن حكم بالصيام وجب لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف , وإن لم يكن الحاكم مسلماً أخذوا بحكم مجلس المركز الإسلامي . * وذكر أصحاب الفضيلة إجماع أهل العلم على عدم اعتبار حساب النجوم في ثبوت الأهلة في المسائل الشرعية . * وأفتوا بأنه يجوز للمسلمين الموجودين في بلد غير إسلامية أن يشكلوا لجنة من المسلمين تتولى إثبات شهر رمضان وشوال وذي الحجة . * وأفتوا بوجوب الصوم في النهار كله في بلد يكون النهار فيها واحد وعشرين ساعة , ولا عبرة بطول النهار , مادام أن مجموع الليل والنار أربع وعشرون ساعة فمن شهد الشهر من المكلفين وجب عليه الصوم سواء طال النهار أو قصر فغن عجز عن الصوم وخاف على نفسه الموت أو المرض جاز له الإفطار وعليه القضاء . * وأفتوا بأن القرى البعيدة عن العاصمة تعمل برؤية العاصمة إذا كان البلد واحداً . * واختار أصحاب الفضيلة حرمة صوم يوم الشك لثبوت النهي عن صومه . * وأفتوا فيمن صام في بلد ثم انتقل إلى بلد آخر قد تأخر فيها رؤية الهلال بليلة أنه يعمل في انتهاء الشهر برؤية البلد الذي هو فيه الآن , فالإنسان إذا كان في بلد لزمه حكمهم ابتداء وانتهاء , لكن إن افطر أقل من تسعة وعشرين يوماً لزمه أن يقضي يوماً لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً ويقضي ما فاته . * وأفتوا بأن من ركب الطائرة ولا يزال يرى الشمس وبلده قد أفطر فإنه لا يفطر حتى تغيب الشمس لقوله تعالى : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " ولا عبرة بغيابها عن بلده , وأما من أفطر بعد إقلاعها ثم بعد إقلاعها رأى الشمس فإنه يستمر مفطراً لأن حكمه حكم البلد التي أقلع منها وقد انتهى النهار وهو فيها . * وأفتوا بأن تارك الصلاة لا يصح صيامه لأنه محكوم بكفره . * وأفتوا بوجوب قضاء ما ترك من رمضان عمداً مع وجوب التوبة والندم . * وأفتوا بأن من أفطر عمداً ثم جامع فإن عليه كفارة الجماع في نهار رمضان , وإن كانت زوجته مطاوعه عالمة فعليها الكفارة أيضاً . * وذكروا إجماع أهل العلم على كفر تارك الصوم جحوداً لوجوبه . * واختار أصحاب الفضيلة أن تاركه كسلاً وتهاوناً على خطر عظيم لكنه لا يكفر بل هو معدود في أصحاب الكبائر . * وذكروا بأن الصوم يجب على كل مسلم عاقل مميز بالغ مقيم خال من الموانع الشرعية وهي الحيض والنفاس . * وذكروا بأن البلوغ يعرف بعلامات : بإنزال المني بشهوة , وإكمال خمسة عشرة سنة نبات الشعر الخشن حول الفرج , أو الحيض أو الحمل بالنسبة للمرأة . فإذا ظهرت علامة من هذه العلامات فقد تحقق البلوغ . * وأفتوا باستحباب تعويد المميزين على الصوم لتألفة نفوسهم . * وأفتوا بجواز استعمال المرأة أدوية تمنع نزول الحيض في رمضان إذا قرر أهل الخبرة من الأطباء أنه لا ضرر في استعمالها . * وأفتوا بأن من أخر قضاء رمضان بلا عذر حتى أدركه رمضان آخر فإنه يجب عليه القضاء وأن يطعم عن كل يوم مسكيناً * وأفتوا بأن من حاضت قبل الغروب بلحظة فصومها فاسد وعليها القضاء . * وأفتوا بأن النفساء إذا طهرت قبل الأربعين وصامت فصومها صحيح . * وأفتوا في العاجز عن الكبر لكبر سنه بأن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من بر أو تمر أرز أو نحو ذلك مما يطعمه أهله . * وأفتوا بجواز الإفطار للحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو على ولديهما وليس عليهما إلا القضاء فقط . * وأفتوا في المريض الذي لا يرجى شفاؤه بأن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع مما هو عادة قوت البلد . * وأفتوا بأن إدخال المرهم أو التحميلة في الفرج للتداوي لا يؤثر في الصوم . * وأفتوا بأن إدخال جهاز الكشف في الفرج لا يؤثر في الصوم . * وأفتوا في المريض الـذي يرجى شفاؤه بأن يفطر إذا كان الصوم يشق عليه وليس عليه إلا القضاء فقط . * وأفتوا بأن الإبر في الوريد أو العضل تخفيفا للأزمة الصدرية لا تؤثر في الصوم . * وأفتوا مريض الكلى بلزوم طاعة الطبيب الحاذق العارف بالطب إذا أمره بشرب الماء في نهار رمضان ويقضي بعد الشفاء إن كان يرجى برؤه وإلا فيطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع . * والضابط عند أصحاب الفضيلة في المـرض المجيز للفطر هو كل مرض يزيده الصوم ألما أو يؤخر شفاءه . * وأفتوا بأن غسيل الكلى في نهار رمضان مفسد للصوم . * وأفتوا بأن كل مريض أمره الطبيب بالإفطار مراعاة لمرضه وكان الطبيب ذا خبرة وثقة وأمانة فإنه تجب طاعته في ذلك . * وأفتوا بأن الأفضل للمسافر أن يفطر أخذًا برخصة الله . * وأفتوا بأن حديث : " من صام فله أجر ومن أفطر فله أجران " لا أصل له . * وأفتوا بأنه لا شيء على من جامع أهله في السفر في نهار رمضان . * وأفتوا بأن المسافر إذا وصل إلى بلده مفطرًا نهارًا فيجب عليه إمساك بقية اليوم لأن ما جاز لعذر بطل بزواله . * وذكر أصحاب الفضيلة أن استمرار الصائم غالب النهار نائمًا يعد تفريطًا منه لاسيما وشهر رمضان زمن شريف ينبغي أن يستفيد منه المسلم فيما ينفعه من كثرة قراءة القرآن وطلب الرزق وتعلم العلم . * وأفتوا بحرمة صيام يوم العيد , كما هو إجماع العلماء . * وأفتوا بأن تخصيص اليوم الرابع عشر من رمضان بشيء من التعبد الزائد بدعة لعدم النقل . * وأفتوا بأن استئجار قارئ في ليالي رمضان ليقرأ في البيت من البدع لعدم النقل . * وأفتوا بأن الحامل إذا أسقطـت حملها مضغـة لا تخطيط فيها وخرج منها دم فهـو دم فساد ولا يمنعها من الصلاة والصوم . * وأفتوا بأن خـروج السوائل من فرج المرأة لا يضر صيامها وإنما الذي يضر هو دم الحيض والنفاس فقط . * وأفتوا بأنه يجوز للمرضع والحامل تأخير القضاء كان يشق عليهما ومتى استطاعتا بادرتا بالقضاء. * وأفتوا فيمن أخر القضاء إلى رمضان آخر بلا عذر بلزوم القضاء وأن يطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع . * وأفتوا بأن دم الاستحاضة " النـزيف " لا يؤثر في صحة الصوم . * وأفتوا رعاة الغنم والإبل بعدم جواز الفطر لمجرد المشقة إلا في حالة الاضطرار . * وأفتوا بأن المشقة في جذاذ التمر وحصاد الزرع ليس بعذر للإفطار . * وأفتوا بحرمة الإفطار لوجود المشقة في العمل إلا إن شق المشقة العظيمة وحلت به حالة الاضطرار . * وأفتوا بحرمة الإفطار لمجرد المذاكرة أو لمشقة الصوم مع الدراسة . * وأفتوا بحرمة طاعة الوالدين بأمر ولدهما بالإفطار للتقوي على المذاكرة في الامتحانات . * وأفتوا بأن النية شرط في صحة الصوم . * وأفتوا بأن المسلم إذا لم يعلم برمضان إلا في النهار وجب عليه الإمساك والقضاء . * وأفتوا بجواز صوم النفل بنية من النهار إذا لم يتقدم مفسد . * وأفتوا بأن النية محلها القلب . * وأفتوا بأنه لابد لكل يوم من رمضان نية خاصة . * وأفتوا بأن الأكـل والشرب عمدا مفسد للصوم كمـا هو إجماع أهل العلـم وعلى فاعله التوبة والقضاء . * وأفتوا بأن إبر البنسلين لا تؤثر في الصوم لكن يستحسن استعمالها ليلاً إن تيسر . * وأفتوا بأن قطرة العين لا تفسد الصوم . * وأفتوا بأن إبر التحصين ضد الحمى لا تؤثر في الصوم وفي الليل أحوط وأحسن . * واختار أصحاب الفضيلة أن الكحل لا يفسد الصوم إلا أن يرى أثره في حلقه فالأحوط له القضاء ولا يكتحل احتياطا إلا ليلاً . * وأفتوا بجواز تغسيل الرأس والاستحمام حال الصوم . * وأفتوا بأن من تقيأ عمدًا فسد صومـه ومن غلبه القيء فلا قضاء عليه ولو ابتلعه عن غير قصد فلا شيء عليه . * وأفتوا بصحة حديث : " من ذرعه القيء ... " الحديث . * وأفتوا بجواز استعمال الطيب السائل من الزجاجة للصائم على يديه ووجهه . * وأفتوا بجواز حلق الشعر وقص الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة في نهار رمضان . * وأفتوا بأن الاستمناء باليد محرم في رمضان وغيره لكنه في رمضان أعظم جرمًا وهو مفسد للصوم وموجب للتوبة والقضاء ولا كفارة فيه . * وأفتوا بفساد صوم الحاجم والمحجوم . * وأفتوا بعدم فساد صوم الطبيب بفصد عرق المريض , ولا يقاس على الحاجم . * وأفتوا بجواز أخذ الدم في نهار رمضان بقصد التحليل إذا كان المقدار المأخوذ يسيرًا عرفًا وتأخير ذلك أحوط . * وأفتوا بأن خروج الدم بغير اختيار الصائم لا يضره ولو كان كثيرًا . * وأفتوا بعدم فساد الصوم بالرعاف غير المقصود . * وأفتوا بعدم فساد من حرك أسنانه أو استاك فخرج من دم . * وأفتوا بأن خروج دم الاستحاضة لا يفسد الصوم . * وأفتوا بأن من أكل أو شرب ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة . * وأفتوا بأن ابتلاع الريق لا يفسد الصوم ولو كثر وتتابع وأما النخامة فإنه يحرم ابتلاعها ويجب لفظها لكن لو ابتلعها لم يفسد صومه . * وأفتوا بأنه يجوز للصائم شم الروائح العطرية التي لا جرم فيها . * وأفتوا بأن الاحتلام لا يفسد الصوم كما هو إجماع أهل العلم . * وأفتوا بأنه لا يجوز للصائم شم دخان البخور قصدا لأنه ذو جرم يصل للجوف . * وأفتوا بوجوب تذكير الصائم على من رآه يأكل أو يشرب . * وأفتوا بأن المذي لا يفسد الصوم . * وأفتوا بحرمة النظر للأجنبية وهو منقص للأجر لكنه لا يفسد الصوم . * وأفتوا بصحة صوم من سبق إلى حلقه شيء من ماء المضمضة أو الاستنشاق بغر قصد . * وأفتوا بأنه لا حرج في الصيد في رمضان . * وأفتوا بأن خروج المني من الصائم على وجه المرض لا يؤثر في صومه . * وأفتوا بأن خروج الودي لا يفسد الصوم . * وأفتوا بجواز السباحة في رمضان وعلى الصائم . * وأفتوا بحرمة الشتم والسب في كل زمان لكنه أعظم إثما في رمضان ولكنه لا يفسد الصوم . * وذكروا بأنه ينبغي للصائم أن يصون نفسه عن اللهو واللعب وأن يتقرب إلى الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ويتجنب كل ما من شأنه أن يبعده عن الله وعن عبادته . * وأفتوا بأن الاستعاط مفسد للصوم . * وأفتوا بصحة صوم من أكل أو شرب شاكًا في طلوع الفجر لأن الأصل بقاء الليل . * وأفتوا بأن العبرة في الإمساك هو طلوع الفجـر الثاني فمن أكل قبله فصومه صحيح سواء أذن أولم يؤذن ومن أكل بعـده فسد صومه سواء أذن أو لم يؤذن والأحوط للمسلم الإمساك مع ابتداء الأذان . * وأفتوا بأن العبرة في الفطر هو غروب قرص الشمس فإذا غربت حل الفطر سواء أذن أو لم يؤذن وسواء وافق التقويم أو خالفه . * وأفتوا بأن من أفطر شاكًا في غروب الشمس فعليه القضاء لأن الأصل بقاء النهار . * وأفتوا بوجوب القضاء على من أفطر في يوم غيم ظانًا غروب الشمس . * وأفتوا بوجوب الكفارة على المجامع في نهار رمضان وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وإلا فإطعام ستين مسكينًا . * وأفتوا بوجوب قضاء هذا اليوم الذي أفسده بالجماع . * وأفتوا بوجوب الكفارة على المرأة التي جومعت إذا كانت عالمة مطاوعة . * وأفتوا بأن من جامع زوجته ناسيًا فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة . * وأفتوا بجواز القبلة للصائم إذا كان يغلب على ظنه عدم الوقوع في المحظور . * وأفتوا بتعدد كفارة الجماع إذا تكرر في عدة أيام . * وأفتوا بجواز نوم الرجل بجواز زوجته ملاصقًا لها إذا كان ممن يملك إربه . * وأفتوا بأن الصائم إذا سافر مع زوجته وجامع فلا شيء عليه . * وأفتوا بأن من جامع في يوم القضاء فلا كفارة عليه لكن عليه التوبة والقضاء . * وأفتوا بأن تخلل شهر رمضان بين الشهرين المتتابعين لا يقطع التتابع . * وأفتوا بأن الحيض والنفاس لا يقطع التتابع . * وأفتوا باشتراط الإيمان في الرقبة المعتقة . * وأفتوا بصحة الصيام مع وجود الجنابة . * وأفتوا بأن الحائض إذا طهرت قبل الفجر وجب عليها الصوم ولو لم تغتسل إلا بعد الفجر . * وأفتوا بجواز الاستياك للصائم في النهار كله . * وأفتوا بأن من مات وعليه صوم صام عنه وليه إن كان قد تمكن من الصيام ولم يصم . * وأفتوا بجواز تذوق الطعام للصائم عند الحاجة لكن يلفظ هذا الريق ولا يبتلعه . * وأفتوا باستحباب تأخير السحور . * وأفتوا باستحبـاب تعجيل الفطر وأن يكون على رطب أو على تمر فإن لم يجد حسا حسوات من ماء . * وأفتوا بأنه لا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى حلول رمضان آخر إلا بعذر قاهر . * وأفتوا بجواز تأخير القضاء إلى شعبان . * وأفتوا بأن من عليـه قضاء أيام ونسي عددها بأن يصـوم حتى يغلب على ظنه أنه قد استوفى ما عليه . * وأفتوا بجواز التفريق بين أيام القضاء لكن التتابع أولى . * وأفتوا بأن من صام يوم عرفة ونوى به عرفة وقضاء رمضان حصل له الأمران . * وأفتوا بجواز صوم الجمعة مفردًا إذا كان بقصد قضاء يوم فاته من رمضان . * وأفتوا بأن من شرع في صوم يوم القضاء فإنه لا يجوز قطعه إلا من عذر شرعي . * وأفتوا بأن المرأة لا يلزمها استئذان زوجها في صيام أيام القضاء لأن ذلك مما يجب والاستئذان يكون في صوم النافلة . * وأفتوا بمشروعية صوم ست من شوال . * وأفتوا بلزوم قضاء ما فاته من رمضان قبل الشروع فيها إن رغب في صيامها . * وأفتوا بأن من مات وهو عاجز عن القضاء فإنه لا شيء عليه فلا قضاء ولا كفارة . * وأفتوا بجواز صوم التطوع قبل القضاء مع اتساع الوقت لكن البدء بالقضاء أهم لأنه واجب . * وأفتوا بأنه لا يجوز صوم التطوع بنيتين نية القضاء ونية السنة . * وذكر أصحاب الفضيلة أن إفراد شهر رجب بالصوم مكروه لكن لو صام بعضه وأفطر بعضه زالت الكراهة . * وذكر أصحاب الفضيلة أن الاثنين والخميس والأيام البيض وهي الثالث والرابع عشر والخامس عشر وأيام عشر ذي الحجة لاسيما يوم عرفة لغير حاج ويوم عاشوراء مع صيام يوم قبله أو يوم بعده وستة أيام من شوال هذه الأيام أفضل أيام التطوع في العام . * وأفتوا بأن المتطوع بالصوم أمير نفسه فإن شاء أتم وإن شاء أفطر والإتمام أفضل وإن قطعه فلا قضاء عليه . * وأفتوا بجواز تفريق صيام الأيام الست من شوال . * وأفتوا بجواز صوم يوم الجمعة إذا كان هو يوم عرفة بلا يوم قبله أو يوم بعده . * وأفتوا بأن حديث النهي عـن صوم يوم السبت حديـث ضعيف لاضطرابـه ومخالفته للأحاديث الصحيحة . * وأفتوا بمشروعية صوم يوم عاشوراء , وذكروا بأنه ليس فيه زكاة فطر . * وأفتوا بجواز إفراده لوحده بالصوم لكن الأكمل أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده . * وأفتوا بأن من صام ثلاثة أيام من كل شهر له الأجر المرتب على ذلك والأفضل أن تكون هي الأيام البيض . * وأفتوا بحرمة صوم العيدين , بل لا يصح صيامهما . * وأفتوا بأن الاعتكاف سنة , ويحبب بالنذر . * وأفتوا بمشروعيته في كل وقت وأفضله ما كان في العشر الأواخر . * واشترط أصحاب الفضيلة للاعتكاف أن يكون في مسجد تقام في الجماعة . * وذكروا بأن الأفضل أن يكون مما تقام فيه الجمعة . * وأفتوا بأن الاعتكاف ليس من شرطه الصوم . * وذكروا بأن السنة أن لا يزور المعتكف مريضًا أثناء اعتكافه ولا يجيب دعوة ولا يقضي حوائج أهله ولا يشهد جنازة ولا يذهب إلى عمله خارج المسجد . * وأفتوا بأن المعتكف يدخل معتكفه بعد الفجر وينتهي اعتكافه بغروب شمس آخر يوم منه . * وأفتوا بأن الغرف التي داخل المسجد وأبوابها مشرعة على المسجد أن لها حكم المسجد , وأما إن كانت خارج المسجد فليست من المسجد وإن كانت أبوابها داخل المسجد . * وأفتوا بأن حديث : " من اعتكف يومًا ابتغاء وجـه الله باعد الله بينـه وبين النـار ثلاثة خنادق ... " بأنه حديث ضعيف . ([1])جَمْعُ وَتَلْخِيصُ الشَّيْخِ وَلِيَد بِنْ رَاشِدٍ السَّعِيدَانِ
__________________
|
#19
|
||||
|
||||
رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله
__________________
|
#20
|
||||
|
||||
رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |