تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 14510 )           »          تحويل القبلة وتميز الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          التوبة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          فضل صلاة التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          خطر الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          مجازر الطحين.. إرهاصات نصر وعز وتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          ليكن زماننا كله كرمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          حديث:ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصايا نبوية مهمة للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          حديث:من رَكعَ أربعَ رَكعاتٍ قبلَ الظُّهرِ وأربعًا بعدَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 17-07-2020, 05:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (13)
الحلقة (20)




تفسير سورة البقرة (110)




من الأحكام المتعلقة بالطلاق أنه إذا أراد زوجها نكاحها بعقد جديد بعد بينونتها منه بطلاق رجعي فإنه لا يجوز لوليها منعها عنه إذا هي رضيت به، كما أن من الأحكام المرتبطة بالطلاق أحكام الرضاع، فمن كان له رضيع عند مطلقته فعليه نفقتها بالمعروف مقابل إرضاعها لابنه، وإن فقد الأب لزم الوارث للرضيع نفقة مرضعته، وإن أراد الأب استرضاع ابنه عند امرأة أخرى فله ذلك، وإن اتفق الأب والأم على فطام الرضيع قبل الحولين بما لا يضر به فلهما ذلك.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل.وقد سبق لنا أن درسنا قول الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231]. ‏

وجوب الإمساك أو التسريح بالمعروف للمطلقة الرجعية قبل تمام العدة

وقلنا في قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231]: إنهن ما بلغن الأجل، ولكن قاربن بلوغ الأجل؛ لأنها إذا بلغت الأجل المحدود ثلاثة أقراء فلا حق له أن يمسكها، انتهى أمرها، لكن هي في عدتها فأشرفت العدة على أن تنتهي، هنا إما أن تمسكها يا عبد الله، بمعنى: تراجعها بمعروف، لا أن تمسكها وتراجعها لتعذبها وتنكل بها وتنتقم منها أيضاً، أو تسرح بالمعروف، انتهت عدتك فمع السلامة يا أختاه. وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]، ولا تمسكوهن لأجل الإضرار بهن لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]: كان أحدهم في الجاهلية يطلقها حتى إذا أوشكت العدة أن تنتهي يراجعها لينكل بها وينغص حياتها، ثم يطلقها وهي في عدتها، فإذا أوشكت أن تنتهي العدة يراجعها، فأبطل الله هذا القانون الجاهلي، فأنزل هذه الآية فيصلاً في القضية.اسمع: يقول الله جل جلاله مخاطباً عباده المؤمنين والمؤمنات: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [البقرة:231] أيها الفحول فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] أي: أشرفن على نهاية العدة؛ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:231]، لا تمسكها لتنكل بها وتضايقها وتؤذيها وهي في عصمتك، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:231]: لا سب ولا شتم ولا أخذ لحق من حقوقها.


حرمة إمساك المطلقة الرجعية بقصد الضرار والعدوان

وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]، إياك أن تمسك المطلقة وتراجعها قبل أن تنتهي عدتها من أجل الإضرار بها، هذه أمة الله لا يرضى سيدها ومولاها أن تؤذيها أنت يا عبد الله. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231] أي: تعرض لنقمة الله وعذابه، وقد عرفنا أن الله لا يرضى أن يؤذى عبده ولا يرضى أن تؤذى أمته كذلك. وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة:231] وسخرية وضحكاً ولعباً، فلا تطبقوها ولا تنفذوها في حياتكم، هذا موقف لا يقفه إلا من تعرض لنقم الله وسخطه.

تذكير المؤمنين وعظتهم بإحاطة علم الله تعالى بكل شيء

وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] البشرية كلها محرومة من هذا النور، مبعدة عن هذه الهداية، تعيش في ظلام الجهل والكفر، وأنتم أنعم الله عليكم؛ بعث فيكم رسوله وأنزل كتابه وشرعه، ثم تستهزئون به، من لم يشكر نعمة الله عرضها للسلب بعد العطاء، وإن شئتم حلفت لكم، من لم يشكر نعمة الله فلينتظر زوالها طال الزمان أو قصر: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].يقول الحكماء: نعوذ بالله من السلب بعد العطاء، بعدما كنا في عز وطهر وصفاء نصبح أذلة مهانين مساقين كالأنعام، أما سلط علينا أوروبا؟ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ [البقرة:231] المراد بالحكمة السنة. يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة:231] آمراً وناهياً، وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:231] قبل كل شيء، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231] اتقوه، التزموا ما أمركم بالتزامه، أحلوا ما أحل وحرموا ما حرم، أدوا ما أوجب واتركوا ما نهى عنه، بهذا يتقى، لا يتقى بالسلاح ولا بالرجال، وَاعْلَمُوا [البقرة:231] زيادة على ذلك أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231].يا من يريد أن يحتال على هذه المؤمنة ويراجعها لينكل بها ويضر بها! لا تحسبن أنك وحدك، إن الله معك، يراك ويعلم حالك ظاهرك وباطنك، فهذه توجد المهابة في قلب المؤمنين والمؤمنة، ولهذا أهل الإيمان والتقوى هم أقرب الناس إلى الله عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ...)

والآن نسمع قوله تعالى يخاطب المؤمنين والمؤمنات؛ لأن الكافرين والكافرات أموات، ما هم بأهل لأن يخاطبوا؛ لأنهم لا يفقهون ولا يعملون، هذا الخطاب لأهل الإيمان: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232] نهاية العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] أي: تمنعوهن أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]. ‏

سبب نزول الآية الكريمة

لهذه الآية قصة أو حادثة نزلت بسببها، فهناك رجل يقال له: معقل بن يسار من أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم، وله صهر يقال له: أبو البداح ، فأخت معقل هي زوجة أبي البداح ، فطلقها في المرة الأولى وراجعها، وطلقها في المرة الثانية وبانت منه، ورغبت الزوجة في أن تعود إلى زوجها، والزوج رغب في أن يعود إلى زوجته، أبو البداح راغب وهي أيضاً راغبة، فبلغ ذلك أخاها معقل بن يسار فقال: وجهي من وجهك حرام إن تزوجته، كيف يهزأ بي ويسخر ويفعل هكذا، لن تعودي إليه.فنزلت هذه الآية فيصلاً، فربنا يسمع ويعلم ويرى حادثة وقعت في ظلام هذه الدنيا بين رجل وامرأة، يعلم وهو فوق السماوات السبع، فوق العرش، فوق الملكوت كله، كأنه معهم؟! آمنا بالله، نزلت هذه الآية لتحل هذا المشكلة وأمثالها مما قد يحدث في أمة الإسلام، فنزل قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232] انتهت العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232]، العضل: المنع، أمسكها بعضلته لئلا تتزوج، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232].ففي الآية السابقة أراد المطلق أن يراجعها لينكل بها، يتركها حتى تكاد العدة تنتهي ثم يراجعها؛ ليبقى يسب ويشتم وينكل بها، فهذه حرمها الله.ولكن هنا على خلاف تلك، فهنا تزوج الرجل هذه المؤمنة وشاء الله أن طلقها، وقبل أن تنتهي العدة راجعها، عاش معها زمناً ثم طلقها، وانتهت عدتها، فرغب أن يعود إليها ورغبت أن تعود إليه، فأخوها معقل بن يسار قال: لن يكون هذا، ما نرضى بمثل هذا الشخص يطلق مرتين ويراجع، فقال لأخته: وجهي من وجهك حرام إن تزوجته، فمن يفصل الآن؟ الله تعالى، فنزل قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232] وانتهت العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] تمنعوهن أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، إذا كانت هي راضية وكان هو راضياً وبالإحسان والمعروف لا بالحيل والمكر.فماذا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم لـمعقل بن يسار ؟ قال له: ( إن كنت مؤمناً فلا تمنع أختك من أبي البداح ، فقال: آمنت بالله، وردها إلى أبي البداح ).


دلالة الآية الكريمة على شرطية الولي في عقد النكاح

وفي هذا دليل على شرطية الولي في النكاح، فالآية تدل على أن الولي في النكاح شرط في صحته، ولا التفات إلى من يرى أن للمرأة أن تزوج نفسها، من زوجت نفسها ولها ولي فهي زانية.. زانية.. زانية.لأن هذه أخت معقل ومنعها لأنه ولي، ففي هذه الآية دليل على شرطية الولاية في النكاح، فولي المرأة أبوها، فإن مات أبوها فأخوها الراشد الرشيد، فإن مات أخوها فابن أخيها الرشيد، فعمها، فابن عمها، فإن لم يكن ولي فالقاضي وليها؛ القاضي ولي من لا ولي له، فإن عدم القاضي أفتانا عمر فقال: فوليها ذو الرأي من عشيرتها، فعشيرتها وقبيلتها إذا كان فيهم رجل فحل ذو رأي وبصيرة ووعي فهو الذي يتولى عقد نكاحها؛ فإذا كانت قرى ما فيها قضاة أبداً، فماذا يصنعون؟ هل يسافرون على الجمال عشرة أيام؟ ذو الرأي من عشيرتها يتولى عقد نكاحها.

نهي الأولياء عن عضل مولياتهم

إذاً: يقول تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232]، ما معنى بلغن أجلهن؟ انتهت العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] والعضل معروف، ومنه عضلة الإنسان التي في يديه، أي: لا تمنعها كما منع معقل بن يسار أخته. فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] عن أي شيء؟ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] بشرط أو بدون شرط؟ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، ذَلِكَ [البقرة:232] هذا الحكم المذكور يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232] فماذا قال معقل ؟ قال: آمنت بالله. ورد أخته إلى زوجها، أما الذي لا يؤمن بالله ولقائه فهو ميت، سبحان الله! فهيا نعمل على تقوية إيماننا بالله ولقائه.

مقصد التذكير بالإيمان بالله واليوم الآخر

وكثيراً ما أردد والله يشهد: أن الذي لا يؤمن بالله ولقائه ينبغي أن لا يوثق فيه، ولا يسند إليه أمر، ولا يعول عليه في قضية، بل نقول: لو أنك تنام متوسداً ثعباناً فمن الجائز أن تسلم ولا يأكلك، لكن لو تنام إلى كافر بالله ولقائه فوالله! لا تسلم إذا احتاج إليك، ما عنده مانع أبداً أن يفتك بك، وأي وازع له؟ هؤلاء هم شر الخليقة، ليس شر الخليقة القردة والخنازير والثعابين، شر الخليقة الكافرون والمشركون، لسنا الذين نسبهم بذلك، فالذي حكم بهذا الحكم عليهم هو مولاهم خالقهم سيدهم ربهم، واقرءوا لذلك قوله تعالى من سورة البينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة:6] اليهود والنصارى وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] والبريئة: الخليقة، من برأ النسمة: خلقها، وقرئت (البرية)، لا تفهم أن البرية الصحراء، فتلك البرِّية، فالبريئة استثقلت فيها الهمزة مع الياء فاستبدلت الهمزة بياء وأدغمت فيها، فصارت: البرِيَّة، بمعنى: الخليقة، فعيلة بمعنى مفعولة.من شر الخليقة؟ الكفار والمشركون، ما وجه كونهم شر الخلق؟ لأن سيدهم أوجدهم خلقهم جملهم حسنهم، خلق كل شيء من أجلهم، فصاروا يكفرونه ويعبدون غيره؟ والله! إنهم لشر الخليقة بقضائك العقلي.مثاله: كريم من الكرماء يعالجك يا مريض فتشفى، ويكسوك فتجمل بكسوتك، وينزلك في قصرٍ، ويرسل لك خدماً يخدمونك يقدمون الطعام والشراب ليل نهار طول عمرك، ثم لا تقول: جزاه الله خيراً؟! هذا شر الخلق.صدق الله العظيم: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، يقولون: لم نحن شر البرية؟ فبصرهم فقل: أيخلقكم الله جل جلاله، ويخلق أمهاتكم وآباءكم، ويخلق الأرض والسماء لكم، وكل المخلوقات من أجلكم، ثم لا تعترفون به، وتعبدون أصناماً وأوثاناً أو فروجاً وشهوات، أي عقول عندكم؟ فإن قالوا: مع الأسف: ما عرفنا؟ فقل: لم ما تسألون عنه وتعرفونه؟ ولهذا فعذابهم أبدي لا ينتهي أبداً.قال تعالى: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ [البقرة:232] أيها المؤمنون يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232] يصدق بوجود الله رباً وإلهاً، ذا جلال وكمال، لا إله إلا هو ولا رب سواه، ويؤمن بلقائه بعد باليوم الآخر من أيام الدنيا التي سوف تنتهي، ذلك هو اليوم الآخر، وننتقل إلى اليوم الخالد الأبدي.

معنى قوله تعالى: (ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون)

ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ [البقرة:232]؛ لأن هذا الزوج إذا أحب أن يعود إلى زوجته، وأحبت أن تعود إليه، ومنعتموهما وحلتم بينهما فقد ينساقان إلى الجريمة، أو يشرد بها إلى عالم آخر، ما دام يريد ابنتك أو أختك وهي تريده، وأنت تقول: لا، وجهي من وجهك حرام، فقد يترتب على هذا مفسدة عظيمة، فلهذا قال الحق عز وجل: ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:232] هو العالم بالنفسيات والضمائر والغرائز والأحوال وما يأتي به المستقبل، وأنتم لا تعلمون، إذاً: فسلموا.إذا تزوجت ابنتك وطلقها زوجها وبعد سنة أو سنوات ردها، ثم طلقها، فلا تقل: والله! لا ترجع، بل انظر هل هي راغبة في الرجوع؟ وهل هو راغب أيضاً؟ هل استوت الرغبتان؟ هل صلحت حالهما؟ هل تعاهدا بالطهر والصفا، فإن تم ذلك فزوجها، ردها عليه بعقد جديد قطعاً.


تذكير بأثر تلاوة الآيات القرآنية في المنع من الكفر

ما أجل هذه الآية وما أعظمها! هذا كلام الله، كيف نكفر بالله ونحن نتلوا آياته وفينا رسوله صلى الله عليه وسلم؟اسمع هذا النداء الإلهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، من يرد على الله؟ إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا [آل عمران:100] خاصة من اليهود والنصارى يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، وقد نبهنا وبكينا وصرخنا، وقلنا: نبعث بفلذات أكبادنا، بأعضادنا وسواعدنا ونضعهم بين يدي المعلمين من اليهود والنصارى في بلاد الكفر والشرك والباطل، فيتخرجون يحبون أساتذتهم ومربيهم ومعلميهم، ويأتوننا وقلوبهم ممسوحة، لا إيمان بالله ولا بلقائه، ثم نوليهم مناصب البلاد ومراكزها، فكيف نأمنهم؟ ويا من يريدون البرهنة والتدليل بالعقل! لقد استقلت ديارنا إقليماً بعد إقليم من إندونيسيا إلى موريتانيا، ما استطاع إقليم واحد وقد قامت فيه دولة البلاد الوطنية أن يفرضوا الصلاة فقط على الأمة، مع أن الصلاة هي عمود الدين، لو أقاموا الصلاة فوالله الذي لا إله غيره! لكان نصف البلاء كله يختفي بإقامة الصلاة، لم ما أقاموا الصلاة؟ هل طالبوا بالزكاة وفرضوا على مواطنيهم وجبوها برجالهم؟ لا، إذاً: أليسوا في حاجة إلى المال؟ هم في حاجة، ولكن استبدلوا بها الضرائب، وقالوا: لا تقولوا الزكاة فتحيوا في قلوبهم الإيمان والإسلام، قولوا: الضريبة! هل وجد في بلد من تلك البلاد من أسند إليه أمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمشي في الشوارع إذا رأى منكراً يغيره، وإن رأى معروفاً ضاع أمر به؟ والله! ما كان، فقط البوليس بالكرباج والصفارة، يسمع هذا يسب الله ورسوله فما يبالي، ما سر هذا؟ لأن الذين أسندت إليهم قيادة البلاد والأمة ما تخرجوا من مثل هذه المجالس، درسوا وتخرجوا من تحت أساتذة روسيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا ووليناهم، فكيف يقودوننا؟ ولا نلومهم؛ فقد أعموهم أصموهم قلبوا عقولهم وقلوبهم، جاءوا إلى بلدة وجدوها منتكسة، فلا من يغضب لله ولا لرسوله، فحصل هذا الذي حصل، وأيام الاستعمار كثير من البلاد -والله- أفضل منها اليوم.من القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]؟ الله. ثم قال تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] من أين يأتيكم الكفر وتأتونه والمناعة قائمة والحصانة ثابتة، وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]؟نريد علماء النفس يكونون حاضرين معنا، علماء السياسة، علماء الكون والحياة، هل ينقضون هذه؟ والله! لأن يعقدوا بين شعيرتين أيسر من أن يقضوها، والله! لمن السهل أن يبنوا قصراً بين السماء والأرض، ولن يستطيعوا أن ينقضوا كلام الله.وأين بيت القصيد؟ في قوله تعالى: وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، فلو كان المسلمون منذ أن كانوا ومن اليوم إلى غد يجتمعون بنسائهم ورجالهم وأطفالهم كل ليلة في بيوت ربهم اجتماعنا هذا، يتلقون الكتاب والحكمة، فوالله! ما طرأ الذي طرأ، ولا حصل الذي حصل؛ لأن هذا الشاب ترعرع في أنوار الله ورسوله، لما بعثناه إلى بريطانيا يدرس وقد تجاوز العشرين أو الخامسة والعشرين فهو سيهديهم، ولا يضلونه، هو سيؤثر عليهم، وقلنا لهم: إن أردتم أن تبتعثوا بعثة فاختاروا الطلبة الصالحين، لا الحشاشين ولا المدخنين، اختاروا الأذكياء الأبرار من آباء وأمهات طيبين صالحين، وألزموهم بلباسهم الذي يلبسونه، وابعثوا إماماً ومربياً، واتخذوا لهم فندقاً خاصاً أو شقة، فيدرسون دراستهم ويعودون إلى مسجدهم وبيت ربهم يتلقون الكتاب والحكمة ويقيمون الصلاة، أمثال هؤلاء هل يؤثر فيهم؟ والله! ما يستطيعون، هم الذين يؤثرون، أما أن نسلخهم فنجعلهم كالبريطانيين، نقول له: احلق وجوهك فحلقه، واعمل الكرفتات واعمل كذا وكن بريطانياً، وندمجه في أسرة بنسائها العواهر وأطفالها؛ فهل سيرجع مسلماً؟ مستحيل، إلا أن يشاء الله.يقول تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]، أما الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر فما يمكن أن ينهض بتكاليف كهذه أو يرغب فيها؛ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:232].

تفسير قوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ...)

الآن مع هذه الآية الجليلة العظيمة وهي من طوال الآيات، فاسمعوها، يقول ربي جل جلاله في كتابه العزيز القرآن العظيم من سورة البقرة؛ هذه السورة كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حفظها الشاب ولوه القضاء، ولوه ولاية في إقليم إذا حفظ سورة البقرة، هذه سورة الأحكام الشرعية، يقول تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233].لا إله إلا الله! هل هذا القرآن يقرأ على الموتى فيتوبون ويستغفرون الله؟ ماذا يصنعون؟ مضت قرون والمسلمون لا يقرءون القرآن هكذا أبداً، ولا يجتمعون عليه إلا ليلة الموت فقط لسماعه.قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ [البقرة:233] جمع والدة، وهي المرأة التي تلد، ويقال فيها: والدة. يُرْضِعْنَ [البقرة:233] الإرضاع معروف، ذاك اللبن الأبيض الحلو الذي تحول برحمة الله التي أوجدت عاطفة أم هذا الولد، يتحول من حمرة الدم إلى بياض اللبن وعسله، يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233] كم؟ حَوْلَيْنِ [البقرة:233] ما الحول؟ العام، من حال يحول: إذا تبدل، حال الحول: رجع هذا اليوم في ذاته، هذا الحول. حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] لا تقل: عاماً وعشرة أشهر، أو سنة وأحد عشر شهراً، حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] هذا لمن؟ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، فإذا أراد يكتفي بعام، أو بعام ونصف فشأنه. ‏

معنى قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)

إذاً: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة:233] من هو المولود له؟ الرجل، إذاً: هي ولدت له، ما ولدت لها، هل سمعتم من يقول: إبراهيم بن زليخة، أو سعيد بن ليلى، أو إبراهيم بن خديجة؟ بل إبراهيم بن إسماعيل خالد بن كذا، فسبحان الله! لطائف القرآن فيها العجب. وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة:233] هذه الأمة من إماء الله ولدت لك أنت إبراهيم، أنت زرعت وحصدت وهي جزاها الله خيراً. وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] هذا إذا كانت ما طلقت فلا بد من كسوتها وإطعامها بالمعروف، لا يكلف ما لا يطيق، فلا يقال: لا بد من البقلاوة والدجاج المقلي! بل حسب حالته، بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] لا ما يخالف العرف. وإن كانت مطلقة وولدت فمن يرضع هذا الولد؟ ترضعه هي إذا اتفقت مع زوجها حولين، وبعد الحولين ما بقي شيء: ( لا رضاع بعد الحولين، ولا يتم بعد الاحتلام ).إذاً: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] إذا كان ولدت وهي مطلقة قد انتهت عدتها بالوضع، فالمطلقة إذا كانت حبلى تنتهي عدتها إذا وضعت، واقرءوا لذلك قوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، فلما وضعت حملها بانت من زوجها، إن شاء قال: أعطني ولدي، لكن لا بد أن ترضعه اللبأ، لا يسمح لها الشرع بأن تعطيه لأول ساعة، فإنه ما يعيش، لا بد من اللبأ يرضعه من ثديها، وبعد ذلك إذا اختصما وما اتفقا فليرضعه عند من شاء، وإن اتفقا وأرضعته فعليه كسوتها وإطعامها ونفقتها بالمعروف.


معنى قوله تعالى: (لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)

لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:233] من قال هذا القول؟ الله. لم قال هذا؟ لأن خديجة تقول: إذا لم تعطنا خمسة آلاف ريال في الشهر فلن نرضع هذا الولد، طلقتني وكرهتني وأنا كذلك، فادفع خمسة آلاف ريال في الشهر وإلا فلن نرضعه، يقول الفحل: أنا راتبي ألف وخمسمائة ريال، فمن أين آتي بخمسة آلاف؟ كيف تكلفونني ما لا أطيق وربي يقول: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:233] ويقول: لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233]! الكل عبيد الله؛ الأطفال النساء الرجال الكل مالكهم واحد مولاهم واحد، الراحم لهم واحد، سبحان الله العظيم! اسمع كيف يسوي بينهم: لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا [البقرة:233]، لا يضر الوالدة بولدها فيلزمها أن ترضعه مجاناً وهي عاجزة، وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233] ولا هي تقول: أعطنا خمسة آلاف وإلا فلن نرضعه، لا هي تتأذى ولا هو يتأذى، والمولى هو الحاكم. لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233] فهو مولود له أو لا؟ ولهذا ما نقول: سليمان بن فاطمة، بل سليمان بن داود؛ لأنها هي ولدت له لا لها هي، سبحان الله!

معنى قوله تعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك)

قال تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]، مات الوالد وهذه المرضعة ترضع، فمن يتولى النفقة؟ هذا اللفظ صالح لعدة معان، فالقرآن حمال الوجوه، فمن فقه وعرف يجد رحمة الله متجلية، لا إله إلا الله!الوارث يتناول الورثة الذين مات والدهم، أبناؤه الكبار، إخوانه، أعمامه ورثة أو لا؟ هم الذين يعطون هذه المرضعة المطلقة نفقتها.والوارث الطفل نفسه، فهو وارث، أصبح له مال، عنده الربع أو النصف في التركة، أو كل التركة له، إذاً: ينفق على المرضع من ماله هو، لأنه هو الوارث.إذاً: حق هذه المرضعة المسكينة ما دامت ترضعه عامين أو عاماً ونصفاً يؤخذ من هذا المال الصغير؛ لأنه وارث، فإن لم يكن له مال فحينئذ ينفق عليها الأقرباء الورثة لأصالتهم، وإن لم يكن ترك الميت مالاً، والكل يدل عليه قوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233].

معنى قوله تعالى: (فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما)

قال تعالى: فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا [البقرة:233] أي: فطاماً للولد، بعد سنة قالت: يكفي، خذ ولدك، أو هو قال: يكفي، فالآن الولد لا بأس به والحمد لله، أعطونا ولدنا. فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ [البقرة:233]، وهذا يشمل أيضاً المرأة غير المطلقة هي وزوجها، قالت: يا أبا فلان! يكفني الإرضاع، لنفطم الولد، فإن رضي الزوج وقال: لا بأس فإنه يفطم، وإذا قال: لا، ما زال صغيراً، أرضعيه؛ فلا بد أن تطيع. فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ [البقرة:233] لا تستبد برأيها وتفطمه، وهو كذلك لا يقل: يكفي، فقد آذانا، فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:233] أذن المولى لهما، لا تضييق ولا حرج ولا إثم، سبحان الله!

معنى قوله تعالى: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف)

ثم قال تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ [البقرة:233]، تريد أن ترضعه عند امرأة أخرى ولا تريد تركه مع أمه، أمه طلقت، حتى ولو لم تطلق، كان العرب يرضعون أولادهم عند النساء الحسناوات أو القويات ليخرج قوياً. وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ [البقرة:233] عند نساء أخريات غير أمهات الأولاد فلا جناح عليكم، لا إثم ولا حرج، بشرط إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] أعطها حقها الذي لها وخذ الولد، هي أرضعته خمسة أشهر وما أعطيتها ريالاً، والآن تقول: أعطيني ولدي ورديه إلي يا فلانة، فأد حقها أولاً، سبحان الله! وإن كانت أمه هي، لكن أرضعته بمقابل وهو ماطلها وما أعطاها، ثم لما كثر الحق عليه قال: أعطينا ولدنا، وجدنا عمته ترضعه، يقول تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:233] بشرط إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] لا بالمماطلة، إذا سلمتم ما وجب عليكم أداؤه للمرضعة وبالمعروف؛ لأن بعض الصعاليك -كما تعرفون- يقولون: يا عمياء .. يا كذا! أعطينا ولدنا؛ لأنهم ما تربوا في حجور الصالحين، يقولون البذاءة والباطل، فلهذا قال: بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] لا بالمنكر.

معنى قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير)

وأخيراً يقول تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:233] إياكم أن تخرجوا عن هذه التعاليم، أو تعبثوا بها وتستهينوا بها. أي يا رب قد تركها المسلمون من قرون، ما سمعوا بها ولا درسوا ولا اجتمعوا عليها، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233].معاشر المستمعين! قد نعود إلى الآية إن شاء الله مرة أخرى، لكن اسمعوا: والله الذي لا إله غيره! لن نكمُل ولن نسعد، ولن نطيب ولن نطهر، ولن نسود ولن نقود البشرية إلا إذا عدنا إلى كتاب الله وحكمة رسوله. والطريقة سهلة ميسرة، وقد بلغنا وصحنا وأنتم ما بلغتم، وخاصة طلبة العلم، بل ينتقدون.أقول: أي مانع من أن نغير وضعنا بفجأة، يا أهل المسجد! يقول إمامكم: من الآن إن شاء الله إذا مالت الشمس إلى الغروب نأتي بأطفالنا ونسائنا إلى بيت ربنا، ونجلس بعد صلاة المغرب نتعلم الكتاب والحكمة، ونزكي أنفسنا، ونهذب أرواحنا، ونسموا بآدابنا، ومصدر الآداب هو قال الله وقال رسوله.تأتي القرية أو الحي بعد آذان المغرب فلا تجد أحداً، أين ذهب الناس؟ في بيت ربهم، أسألكم بالله: هل الذي يجلس في بيت مولاه مؤمناً موقناً يتلقى الكتاب والحكمة يفسق أو يفجر، أو يسيء إلى الناس أو يؤذيهم، هل يبخل أو يضن بما عنده وهم في حاجة إليه؟ والله! ما كان. أما اشتراكية، ديمقراطية، علمانية فخبط وهبوط، والله! ما يرفعكم إلا هذا الطريق السهل الميسر بلا صعوبة ولا كلفة، فقط نعلن لله أنا رجعنا إليك وتبنا إليك، وها نحن بين يديك كل ليلة نبكي. فهل عرفتم هذه؟ وستذكرونها إن شاء الله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 23-07-2020, 04:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (14)
الحلقة (21)




تفسير سورة البقرة (111)

إن عقد النكاح بين الرجل والمرأة قد ينتهي بالطلاق أو بموت أحد الزوجين، من أجل ذلك فقد شرع للمرأة التي يموت عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، فلا تتزين ولا تخرج من بيتها، فإذا انتهت عدتها جاز لها أن تتزين وأن تمس الطيب وأن تخرج من بيتها، ومتى ما كانت المرأة في عدتها فلا يجوز الحديث معها أو عنها في النكاح، إلا أن يكون الكلام من قبيل التلميح والتعريض دون التصريح، فإذا انتهت العدة جاز لها أن تخطب وتُنكح.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:فهيا بنا نتلو الآية التي درسناها بالأمس:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233].

حكم إرضاع الزوجة والمطلقة ولدها

أولاً: هل يجب على المؤمنة أن ترضع ولدها؟الجواب: نعم. وإن كانت مطلقة فإنه يجب عليها إرضاعه اللبأ فقط، فإذا أرضعته الرضعات الأولى لا يجب عليها بعد ذلك، إن شاءت أرضعته أو أخذه والده وأرضعه حيث يشاء، فإن اتفقت مع زوجها على إرضاعه بنفقة معينة أرضعته، وإلا سلمت له ولده، أما إن كانت تحته فيجب أن ترضعه كما تطبخ وتكنس البيت، فذلك خاص بالمطلقات.والحد الأعلى لمدة الإرضاع حولان كاملان، وهما عامان تامان.فإن بلغ العامين وأرضعته مرضعة شهرين أو ثلاثة فهل هذا الإرضاع بعد العامين يحرم النكاح؟الجواب: لا، فلا قيمة له، لحديث: ( لا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد احتلام )، إذا احتلم الولد هل يبقى يتيماً؟ هو يتيم قبل احتلامه، فإن احتلم وبلغ فما أصبح يتيماً، أصبح رجلاً.أما إذا أرضعت الولد قبل نهاية العامين فتصبح المرضعة أمه وبناتها أخواته، وأولادها وإخوانه، وزوجها كأبيه.. وهكذا، لكن الرضاع بعد انتهاء الحولين لا يضر.فقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ [البقرة:233] صيغة مضارع مستقبل ولكن معناها الأمر، يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، إن كانت تحت الزوج فهذا الإرضاع واجب، وإن كانت مطلقة فالرضاع الواجب هو اللبأ الذي في اليوم الأول والثاني، وبعد ذلك تتفق مع زوجها المطلق لها على النفقة وترضع.

مدة الرضاعة وحكم أخذ الأجرة عليها ومن تجب عليه


وحد الرضاع حولان؛ لقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، وإذا قال: يكفي يا أم فلان، يكفيه سنة فأعطينيه فله ذلك، وممكن لسنة ونصف، أو عشرين شهراً، فيأخذ ولده إذا ما أراد أن يتم الرضاعة.ويجوز للمرضع الأجنبية التي ترضع هذا العبد أن تأخذ الأجرة، وإذا اختلف الأب مع المرأة في النفقة، فهي قالت: ألف ريال في الشهر، وهو قال: خمسمائة؛ فإنه يرجع إلى حال الرجل: إذا كان غنياً له مال وراتب فلا بأس، وإذا كان لا يملك ذلك فينظر إلى حاله؛ نظراً إلى قول الله تعالى: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:233]. وأفاد قوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233] أنه تجب نفقة الأقارب على بعضهم في حال الفقر. كما أفادت الآية الكريمة أنه يجوز للوالد أن يرضع ولده من مرضعة غير والدته، لقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، أعطها أجرتها للأيام الماضية، وخذ ولدك وأرضعه حيث شئت.

تفسير قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ...)

والآن مع الآية الآتية:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234]، يوفون أيامهم، من الذي يوفيهم؟ الله، الله الذي يوفيهم أعمارهم وأيامهم وما كتب لهم، كما قال لعيسى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ [آل عمران:55]. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234]، ما المراد بالأزواج؟ الزوجات؛ لأن الزوجة بالتاء الأنثى والزوج بدون تاء ذكر، لكن الأصل أن الزوج الذكر والأنثى، الرجل زوج إذا كانت معه امرأة، وهي زوج أيضاً إذا كان معها رجل، فكل واحد منهما هو زوج، إذا خفت اللبس والإيهام بين الناس قلت: زوجة بالهاء، لتفرق بين الرجل والمرأة، فقوله تعالى: وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234] يعني: زوجات، مات الرجل وترك امرأة أو امرأتين أو أكثر. ‏

حكمة زيادة العشر الليالي في العدة

قال تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، ما معنى: (يتربصن)؟ ينتظرن، لا يستعجلن النكاح، يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ [البقرة:234]، لا يتزوجن أو يعرضن أنفسهن للزواج أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، عشر ليال، فلم العشر الليالي هذه؟ فالشارع حكيم، فلم زاد عشر ليال؟قالت العلماء: الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: النطفة حين يصبها الرجل في الرحم تبقى أربعين يوماً نطفة، وأربعين يوماً علقة، وأربعين يوماً مضغة، فهذه أربعة أشهر، فزاد الله العشر الليالي إذ هي التي ينفخ فيها الروح، ويكون ذكراً أو أنثى.

لطائف في قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً)

قال تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ [البقرة:234]، منكم أيها المؤمنون والمؤمنات، فهذا ما يدخل فيه كافر ولا كافرة، أنتم يا أهل القرآن. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234]، ومعنى يذرون: يتركون، وهذا الفعل -يا طلبة العلم- لا ماضي له، الفعل المضارع منه والأمر موجودان، والماضي لا وجود له، لا يقال: وَذَر، فـ(ذر): اترك، ومنه قوله تعالى: ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام:91]، فعل لا ماضي له؛ لثقله على اللسان هجره العرب، فأصبح منه مضارع وأمر دون الماضي، فيذرون بمعنى: يتركون، يذر بمعنى: يترك، ذره: اتركه.


معنى قوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف)

وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، أي: عشر ليال، فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234] هذه الآية الأولى.الآن عرفتم ما فرض الله علينا أيها المؤمنون أو لا؟قال لنا: والذين يتوفاهم ربهم منكم ويتركون نساء تحتهم على هؤلاء النسوة أن يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً، فإذا بلغن أجلهن وانتهت الأربعة أشهر وعشر ليال فما الواجب؟قال: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:234]، ماذا يفعلن بأنفسهن؟ هل ينتحرن، أو يخرجن عاريات؟إن التربص الذي سبق ذكره معناه: الانتظار، ينتظرن فلا يتعرضن للخطبة ولا للزواج ولا يتزين أو يتجملن لا بالكحل ولا بالعطر ولا بالحلي ولا بالثياب الفاخرة أبداً، يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً، هذا هو الإحداد، أحدت فلانة لموت زوجها فهي محدة، أحدت بمعنى: منعت نفسها عن التفكير في الزواج، وعن كل ما يريده منها ذلك.لو قالت لها امرأة: يا فلانة! هل تتزوجين؟ فإنها تغلق أذنيها فلا تسمع، أو تقوم من المجلس، ولا تكتحل ولا تستعمل زينة مهما كانت، حتى الحلي تسقطه، حتى تستكمل أربعة أشهر وعشر ليال. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:234] أيها المؤمنون فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:234]، وهذا أسنده إلينا نحن الفحول، فالمرأة بهلولة ضائعة، لكن أباها أو أخاها أو عمها إذا شاهدها تتعرض للرجال أو تتزين فإنه يؤدبها، ولهذا قال تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:234] أيها الرجال، ابنتك مات زوجها فهي في عدتها محدة، لا تسمح لها أن تمس طيباً أو تتجمل أو تسمع الأغاني، فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234] إذا تآمرتم معها وسكتم فعرفتموها تطل على النافذة وترغب في الزواج فيا ويلكم.

حكم الحداد على الزوج وغيره

واسمعوا هذا الحديث النبوي الشريف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )، والحديث مجمع على صحته.( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر )، أما إذا كانت يهودية أو نصرانية كافرة فشأنها، ( أن تحد ): أن تمتنع من الزينة والتعرض للرجال فوق ثلاث ليال؛ مات أبوها أخوها عمها ولدها فلا بأس لثلاث ليالٍ فهي في كرب، لا تلبس جميلاً ولا تكتحل، فهي معذورة في هذه الثلاث الليالي، وفوق الثلاث ليال حرام عليها، ( إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )، أي: عشر ليالٍ.فالسنة بينت معنى الآية، الآية مجملة؛ لأن الله تعالى قال: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] كيف يتربصن؟الرسول بين بأنه: ينتظرن حتى تنقضي هذه المدة وبعد ذلك يتطيبن، يكتحلن، يلبسن الحرير، يلبسن الحلي، ويسمحن لمن يريد أن يخطبهن، ولا يحل لمؤمن أن يخطب امرأة وهي في العدة كما سيأتي في الآية بعد هذه. إذاً: نعيد تلاوة الآية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] هذا هو الإحداد، ثم فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234] لا تخرج لترقص، فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234]، وغير المعروف أن تفعل المنكر، فتخرج تغني في الشارع.فإذا انتهت المدة فلا بأس أن تكتحل، أن تلبس سواراً، أن تلبس ثوباً جديداً، هذا هو المعروف، ولكن إذا جمعت مغنيات لترقص، تقول: انتهينا الآن من الإحداد! فهل يجوز هذا؟ ما هو بمعروف، هذا منكر.أو تخرج في الشوارع تغني وتقول: أنا انتهت عدتي فتزوجوني، فهل نسكت على هذا؟ سبحان الله العظيم! إنما قال تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234] لا جناح عليكم يا فحول فيما فعل هؤلاء النسوة بالمعروف، أما مع المنكر فلا، لا حق لهن.

تفسير قوله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم ...)


ثم يقول تعالى -والكلام كله حلقات متصلة-: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:235] أيها الفحول فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة:235]، اللهم إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235]، عجب هذا القرآن!اسمع هذا الإعلان: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:235]، أيها المؤمنون، وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:235] في أي شيء؟ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235]، التعريض غير اللفظ الصريح، يا أم فلانة! لنا رغبة عندكم، يا أم عبد الله! لنا حاجة عندكم، فأي حاجة هذه؟ هل دجاجة أو بقرة؟ لا ندري، هذا التعريض، يقول: يا فلان! أنا مسافر إن شاء الله وسأعود بعد خمسة أشهر أو ستة، وإن شاء الله سوف نتقابل، فما مراده بالمقابلة؟ ممكن أنه يريد خطبة ابنتك، هذا التعريض، رفع الله الحرج فيه لعلمه بحرصنا ورغبتنا في المرأة الصالحة، هذه كانت امرأة سيدي فلان العالم الرباني أو الغني الثري، وأموالها كثيرة، كل واحد يطمع أن يتزوجها، علم الله هذا. وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:235]، حتى ما تنطق به يعرفه، لا إله إلا الله! فالذي عرض نطق، وهناك من لا يعرض، لكن في نفسه إنه إذا انتهت عدة فلانة فسأخطبها، عرفه الله، ونهاه أن يقول كلمة غير التعريض. ‏

معنى قوله تعالى: (علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً)

وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ [البقرة:235] الله هو خالق الغرائز وطابع الطبائع؛ عرف ما يجري في نفوس البشر، فقال: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ [البقرة:235]، فلهذا منع وحرم أن تقول: زوجني فلانة. وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة:235]، اللهم إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235]، لا تواعدها بالسر أنك ستتزوجها إلا أن تقول القول المعروف كما قدمنا، كأن نقول: لنا عندكم حاجة، نحن كذا، نحن نحترمكم، نعرف كمالكم، فيفهم ذلك باللحن.

معنى قوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله)

قال تعالى: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235] وهو التعريض المعروف، ثم ختم الآية بقوله: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، أنت عرضت ولوحت، ولكن إياك أن تعقد عليها وقد وافقت ووافق أهلها قبل نهاية العدة: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235] والأجل كم؟ أربعة أشهر وعشر ليال، هذه إذا كانت مات زوجها، وإذا كانت مطلقة فقط فكذلك لا يحل أن تعزم عقدة النكاح قبل نهاية العدة.

خلاف العلماء في عقوبة العاقد على المعتدة

الإمام مالك يقول: يفرق بينهما ولا يتزوجها حتى الموت عقوبة لهما، والجمهور يقولون: يفرق بينهما، فإذا انتهت العدة فله أن يتزوجها من جديد.مالك قال: لا تحل له بعد ذلك عقوبة له؛ لتعدي حدود الله، امرأة ما زالت في حكم ذات الزوج وما انتهت عدتها وأنت تعقد عليها وتبني بها؟! إذاً: عقوبة له أولاً فإنه يتم الفصل بينهما، لا يمكن أن يرضى مؤمن بالبقاء عنده، هي حرام عليه، لكن بعد الانفصال وذهاب المدة الجمهور يقولون: لا بأس أن يتزوجها من جديد، ومالك يقول: لا، عقوبة له حتى لا يفعلها واحد آخر، يُحرم منها.

معنى قوله تعالى: (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ...)

قال تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، وأخيراً: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:235] ما هذه التعاليم؟ هل يمكن أن يكون كلام بشر؟ مستحيل، فليقنن صاحب التقنين ما يقنن، فإنه لا يعرف هذا السلوك.هل يستطيع أن يقول: إن الدولة عالمة بما في قلوبكم، فالذي يخرج عن القانون ليعبث فسوف نفعل به ونفعل؟ من يدريه ومن يطلعه؟ لكن هذا الله جل جلاله، فلهذا لن يكون هذا الكلام إلا كلام الله، مستحيل أن يكون كلام بشر.يقول تعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، حتى تنتهي عدة المطلقة أو عدة المتوفى عنها زوجها، وإذا وسوس لها وعقد عليها قبل نهاية العدة فيجب أن يفرق بينهما، وتذهب إلى أهلها ويذهب إلى أهله مع اللوم والعتاب والتأديب، وإن رفعت القضية فلا يعاودها أبداً، ما دام عصى الله وفسق وخرج عن طاعته وعقد عليها وهي ما انتهت عدتها ليحزن أهل الميت، فهذا لا تعود إليه عقوبة له؛ لأن سر كون العدة أربعة أشهر وعشراً يؤكد هذا، فإذا مات ابني أو أخي وترك هذه المرأة، فهل يسرني أن تتزوج بعد سبعة أيام أو ثمانية، هل أستطيع أن أنظر إلى وجهها، بل أعتبرها خائنة لي ولأهلي، فبرحمة الرحيم جعلها تعتد أربعة أشهر ثلث السنة، فما يبقى في الغالب حزن ولا كرب ولا هم، فحزن الموت يدوم شهراً أو شهرين ويزول.أنا حزنت على أمي أكثر من سنتين، وحزنت أيضاً على صديق لنا كذا سنة، وحزنت على صهري وعمي الذي مات في البقيع، ومنذ سنتين أو ثلاث وأنا دائماً معه في المنام، ولكن هذا عواطف خاصة، لكن الأمر العام أنه كيف يموت الرجل وتذهب امرأته تتزوج بعد شهر أو بعد عشرين يوم؟! نحن في كرب وهم وهي تزغرد وأهلها يطعمون الطعام ويزغردون، أيجوز هذا؟إذاً: قولوا: آمنا بالله، هذه الشريعة الإلهية ما أعرضت عنها أمة إلا هبطت، ولا نسيتها أو تناستها وأعرضت عنها إلا هلكت، والواقع شاهد، لا تطالبني بالدليل يا عبد الله، أين أمة الإسلام السائدة الرائدة قائدة البشرية؟ أصبحت تحت نعال اليهود والنصارى.أعرضوا عن نور الله، فماذا يصيبهم؟ ولولا أن الله وعد رسوله بأن لا يهلك أمته لكنا استوجبنا العذاب الدائم منذ سنين، ومنذ قرون، لكن لطف الله ورحمته وبركة هذا النبي صلى الله عليه وسلم.أمة أعرضت عن كتابها بالمرة لا تفقه ولا تدرس ولا تعلم، ومن يتعلمه يتعلمه ليقرأه على الموتى، وما زلنا إلى الآن نقول: كيف لا تجوز القراءة على الميت؟ يجب أن نقرأه على الأحياء لتنمو حياتهم وتزدهر، ويعرفوا ربهم والطريق إليه، لا ليدخل الميت الجنة بقراءتنا.

ملخص لما جاء في تفسير الآيات


سأتلوا الآيتين مرة أخرى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234]، ما الذي يفعلنه في أنفسهن؟ التحلي والكحل والزينة.. وما إلى ذلك، ولكن بالمعروف، مسموح لها أن تكتحل وتلبس الجديد النظيف وتلبس الحلي في يديها، لكن إذا قالت: نغني الآن؛ فهذا ما هو بمعروف عندنا هذا، أو تكشف عن رأسها وتقول: أنا خرجت من العدة! فنقول: ولكن هذا غير معروف عندنا. وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234] وخبير بما يعملن أيضاً، لكن الله دائماً يذكر الرجال ويغفل شأن النساء لأن الفحول ما يرضون أن يذكر نساؤهم بينهم، عرف الله هذه الغريزة التي غرزها في فحول الرجال، والذين هبطوا يجلس نساؤهم معهم، تجده في دار السينما وزوجته إلى جنبه، لكن أولئك أموات غير أحياء، فالله عز وجل ما يذكر النساء إلا من ضرورة، يخاطب الأمة في فحولها: (يا أيها الذين آمنوا)، ما يقول: (ويا أيتها المؤمنات)، إذ النساء تابعات للرجال.فالإسلام الحق والإيمان الصدق رجاله فحول ما يسمحون أن تذكر نساؤهم بينهم أبداً، فمن هنا يقول تعالى: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ [البقرة:234] ومن يعمل؟ من يتزين ويكتحل؟ هل الرجال أو النساء؟ وما قال: (والله بما تعملن يا مؤمنات خبير)، بل قال: (بما تعملون)، ونحن مسئولون كما قلنا، أبو البنت أو أخوها يجب أن يرعاها، ما يسمح لها أن تتعرض للنكاح وهي في العدة.والآية الثانية: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:235]؛ لعلمه تعالى بغرائزنا وطباعنا، فأحدنا قد يعلم أن فلانة امرأة كذا مات زوجها فيبدأ يتطلع، ويكن ذلك في نفسه، قطعاً هذا موجود، ولهذا قال: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ [البقرة:235]، والتعريض غير المواجهة والمصارحة، مثاله: يا فلان! إننا نرغب في صحبتكم أو في جواركم. عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ [البقرة:235]، ما تخفون على الله، والله! لقد علم أنكم ستذكرونهن، وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235] كرر هذه القضية مرتين، فلا إله إلا الله! لأن هذا عام في المحدة والمطلقة.فأنت طلقت زوجتك يا إبراهيم، فهي ما زالت في عدتها، وما طلقتها إلا لتأديبها، وتريد قبل نهاية العدة أن ترجعها، فيأتي الآخر ويتزوجها، كيف تنظر إليه؟ ترويع المسلم حرام، فكيف بأن تأخذ فلذة كبده، المطلقة تكون في عدة، وكثير من الفحول يطلقون تأديباً لها لشهر أو شهرين، وقبل أن تنتهي العدة يراجعها، فتكون قد تأدبت، فإذا كان المؤمن لا يحترم هذا ويخطبها ويتزوجها وهي في عدتها فذلك جرم كبير، بل حتى لو خطبها وهي في العدة، ولو ما تزوجها في العدة، حرام عليه أن يخطبها في عدتها حتى بالتعريض، التعريض يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها. وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، كتاب من؟ كتاب الله، كتاب العقد، كتاب الطلاق، كتاب النكاح؛ الأجل المحدد الذي هو أربعة أشهر وعشر ليالٍ أو انقضاء العدة إن كانت مطلقة. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235] في كل شيء، مادام يعلم ما في أنفسنا فكيف لا نحذره، فلا نقول الكلمة حتى نعلم أنها من رضاه، لا نمشي المشية حتى نعرف أنه أذن فيها، لا ننام النومة ولا نستيقظ حتى نعلم رضاه، هذا هو الحذر، هذه هي المراقبة، ما نعيش وكأنه لا رب لنا ولا ولي لنا ونتصرف بأهوائنا وعقولنا.كيف وهو يقول: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:235]، فمن زلت قدمه وتاب إلى الله تاب عليه وغفر له ورحمه. لهذه الجملة أثرها، فمن الجائز أن يقع الإنسان في ورطة بأن يتصل بذوي المرأة ويقول: نريد نتزوج بفلانة إذا انتهت عدتها، فإذا عرف هذا وندم واستغفر الله عز وجل فالله تعالى يغفر له، والله غفور رحيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 23-07-2020, 04:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (15)
الحلقة (22)




تفسير سورة البقرة (112)

من الأحكام التي تنبني على عقد النكاح أن من تزوج امرأة وطلقها قبل الدخول بها وقبل أن يفرض لها مهراً فله أن ينفق عليها بالمعروف حتى تتزوج، وهذا من قبيل الإحسان والمعروف، كما أن من طلق زوجه قبل الدخول بها وبعد أن حدد لها مهراً فإن لها نصف ذلك المهر، وأما إن طلقها بعد الدخول بها فإن لها كامل المهر المسمى بينهما، ولهما أن يتعافيا كل بحقه عند الآخر، فللزوج التنازل عن كامل المهر ولو لم يدخل بها، وللزوجة التنازل عن نصف المهر عند عدم الدخول، أو بالمهر كاملاً عند الدخول بها.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع سورة البقرة، وها نحن مع هذه الآيات الكريمات، إنها ثلاث آيات، وقبل الشروع فيها نستذكر ما درسناه بالأمس حول قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:234-235].

وجوب إحداد زوجة المتوفى وحكمة مشروعيته

قد ذكرنا الإحداد: وهو ملازمة المرأة البيت الذي توفي فيه الزوج، فلا تخرج إلا من ضرورة، ولا تبيت إلا فيه، وإن خافت أو ما وجدت عائلاً فلتنتقل إلى بيت آخر، وتلازمه حتى تنتهي عدتها، وتمتنع عن الخِطبة، فلا تسمح أن يخطبها رجل كائناً من كان، وعن التزين والتجمل حتى بكحل العينين وأحمر الخدين، والخضاب في الكفين، والسوار في العنق، والأسوار في اليدين، هذا الإحداد، يقال فيها: محدة؛ أحدت على زوجها.ما هي العلة، ما السر، ما الحكمة؟ لمشاركة أهل الميت في مصابهم، عاشت مع ابنهم أو أبيهم دهراً طويلاً، وما إن فقدته وأغمضوا عينيه حتى هرولت لتتزوج وتغني؟! أهذه هي الصحبة؟! فهذا تدبير الله عز وجل، تشارك الأسرة بكاملها في همها وكربها وحزنها.وهل يجوز للمؤمنة أن تحد على أخيها أو على أبيها أو على ابنها؟نعم يجوز، ولكن ثلاث ليال فقط، فإن زادت ليلة رابعة فملعونة، أما الزوج فأربعة أشهر وعشراً، لمَ العشر هذه؟ ما السر يا علماء الأسرار؟لأن في العشر هذه ينفخ روح الولد، ويكتب عمله وأجله، وشقي أو سعيد، فقولوا: آمنا بالله.

حكم خطبة المعتدة من طلاق

وهل تجوز خطبة المعتدة من طلاق؟ الجواب: لا تجوز، فإذا كانت في العدة وهي مطلقة فحرام أن يخطبها الخاطب؛ لأنها في حكم الزوجة، بدليل أنه لو مات زوجها ورثته مع أولاده، ولو ماتت ورثها زوجها مع أولادها.ولو أن أحمق أو جاهلاً أعمى خطبها وتزوجها قبل أن نهاية العدة، فبعد شهر أو شهرين تزوجها؛ فإنه يفرق بينهما، ثم بعد ذلك يرى مالك ألا يجتمعا أبداً، لم يا مالك ؟ قال: عقوبة وتأديباً له وزجراً لغيره، هذا الذي خرم الشريعة ومزقها نحرمه من هذه، نقول: اذهب، لا تتزوجها أبداً، وهذا كلام معقول جداً.وغيره قال: إذا انتهت العدة وفصلنا بينهما ومضت فترة فممكن أن يعود إليها.


وجوب مراقبة الله تعالى والحذر من نقمته

وقوله تعالى في ختام الآية الكريمة: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235]، ماذا تفيدنا هذه الجملة العظيمة؟ تفيدنا مراقبة الله تعالى، يا ابن الإسلام! إياك أن تغفل ساعة وأنت بين يدي الله في كل حالاتك، فراقب الله عز وجل؛ فارهبه وخفه، كلما حاولت نفسك أو شيطانك أن يبعدك عن رضا الله فانتبه واستغفر الله؛ لأنك لست وحدك، الله معك: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7]. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تغوط خرج إلى الصحراء ولا يكشف عن جسمه حتى يصل إلى الأرض حياء من الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ...)
والآن مع هذه الآية الكريمة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236] هذه آية، تأملوا لعلكم تفهمون كلام الله، هو أفصح من كلامنا وأوضح من كلامنا.قوله تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]، مثلاً: عقد عليها، وقالوا: البناء إن شاء الله سيكون بعد الحج، وفي شوال طلق، وما مسها، فهل حرام عليه هذا؟ كلا، بل جائز: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]. وكيف نفرض لها فريضة؟ المراد المهر تفرضه أنت، تقول: علينا لك عشرة آلاف ريال، فهنا فرض لها، أو أنهم عندما عقدوا قالوا: المهر ثلاثون ألفاً تسلم عند البناء، وأحياناً لا يفرضون لها، يعقدون ويقولون: إن شاء الله سيكون المهر عند البناء.

معنى قوله تعالى: (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين)

وقوله تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236]، الموسع صاحب السعة في المال، والمقتر صاحب الضيق في المال، هذه المتعة الواجبة لامرأة تزوجها رجل وطلقها ولم يسم لها مهراً، يجب أن يمتعها بمتعة بحسب حاله: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا [البقرة:236] واجباً عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236].هنا القرآن حمال الوجوه، فإذا كانت المطلقة قبل البناء مسمى لها مهر فسيأتي أن الله أعطاها النصف، فتأخذ النصف وترد النصف؛ أو تستلم النصف لأنها ما استلمت بعد، فإن طُلقت قبل البناء ولم يسم لها مهر فما الواجب؟ الواجب: المتعة، يقدرها القاضي أو الجماعة؛ ينظرون إلى دخله من زراعته، من تجارته، من وظيفته، عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا [البقرة:236] أي: المتعة بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:236]، ما هناك إهانة ولا عنترية ولا: يا كلبة، ولا يا كذا من ألفاظ السوء والمنكر، بل بالمعروف، ولا يعطيها كيس شعير فيه نخالة أكلها السوس أيضاً، أو يعطيها عشرين ألفاً محالة فيها على أحد في لندن، لا بد من شيء معروف، لا يخرج عن الآداب الإسلامية: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236]. لكن أكثر المسلمين لا يعملون بهذا، دلوني على رجل طلق امرأته ولا حقوق لها عليه، ثم بعث لها بجارية تخدمها، أو بعث لها بشيك فيه عشرة آلاف ريال تستأنس بها ما دامت ما تزوجت، أو حتى بتيس أو كبش، هذا معدوم، لم؟ ما عرفنا، ما قرأنا، ما فهمنا قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236] المحسن لا يكون الشيء واجباً عليه ويفعله وكأنه واجب، فمن الآن أسأل الله أن لا تطلقوا نساءكم، ومن طلق فليطبق هذه الآية، فحين تنتهي العدة يعطيها شيئاً يقول: هذه المتعة متعناك بها، فتسجل له، ويكون قد امتثل أمر الله عز وجل.نعيد الآية: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:236] أيها المؤمنون الربانيون، أهل القرآن والإيمان إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236].

تفسير قوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ...)

ثم قال تعالى في الآية الثانية: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة:237] ما معنى المس؟ هل باليد، هل المراد: مس رأسها أو كتفها؟المراد به الوطء، والقرآن كلام الله كلام عالٍ، تستطيع البنت البكر في خدرها التي لا تستطيع أن تتكلم مع الرجال أن تقرأه على أبيها وتسمعه، إذ ما فيه أبداً كلام فاحش، سبحان الله العظيم! أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة:237]، المراد بالمس الوطء، لمَ قال: المس والمسيس؟ تأدباً، حتى لا نلفظ بألفاظ السوء.فالفتاة البكر العذراء لا أحد أكثر حياء منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أشد حياءً من البكر في خدرها، هذه البكر قالت العلماء: لو تقرأ القرآن على أبيها أو أمها فلن تستحي؛ لأن هذه ألفاظ ما تثير في نفسها شيئاً، فلا إله إلا الله! فهل هذا القرآن نقرؤه على الموتى نوبخهم به؟! لا حول ولا قوة إلا بالله! وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [البقرة:237]، أي: الأزواج، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:237]، ألفاً أو عشرة أو مائة، فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237] إذاً: فعليكم نصف ما فرضتم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 23-07-2020, 04:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى)

قال تعالى: إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237]، فبعض الفحول ما يسترجع منها شيئاً، أمهرها عشرة آلاف وطلقها قبل البناء والمسيس، فمع السلامة، لا يقول لها: ردي علينا نصف الصداق، ويجوز له ذلك، ولكن أراد أن يتكرم، وخاصة إذا كان ما هو في حاجة إلى هذا المبلغ. كما أن قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237] يعني أن الأب أيضاً يقول: ما نحن في حاجة إلى مالك، خذه كله، ابنتنا ما زالت عندنا، ما مسها أحد، فخذه كله، فهذا يجوز، لا يمنع الله تعالى الإحسان بين المؤمنين، فأحسنوا، والحمد لله.وأخيراً: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، ولي الزوجة، الزوج، كلكم من يعفو منكم أحسن، كيف يدعونا الله إلى العفو؟ وأن تعفوا خير لكم، أقرب للتقوى.

معنى قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير)

وأخيراً: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:237] عجب هذا! يعني أن فلاناً صديقنا ومحبنا زوجنا ابنته، وشاء الله فطلقناها، فلا عداوة ولا بغضاء، سبحان الله العظيم!أما العامة عندنا فإذا طلقوا بنتهم فذاك البيت لا ينظرون إليه ولا يكلمونه، هذا واقع أو لا؟ يصبح عدواً، والله يقول: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237]، قبل أن يزوج بعضكم بعضاً أما كنتم تتوادون وتتحابون وتتقاربون حتى زوجتم؟ فهذا الفضل كيف ينسونه؟!وهذا أيضاً له علة، وهي أن الفحول منا من يوم هبطنا من علياء السماء لا يحسنون الطلاق، ولا يعرفون كيف يطلقون، هذه علة هذا، الطلاق الذي شرعه الله وقال فيه: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] هو أن الرجل يعيش مع المرأة العام والأعوام، فإن وجد نفسه متأذياً منها، ما أطاق الحياة معها، ما استطاع، وهو ولي الله، والله ما يرضى لوليه أن يؤذى، فحينئذ أذن الله تعالى في أن يطلقها لأجل رفع الضرر عنه، وقد تكون هي متضررة، هي التي تبكي وتتألم، ولم تصبر، فيطلقها لوجه الله، لأنها أمة الله ووليته، فما يرضى أن تعيش متألمة وهي أخته في الله والإسلام، فيعطيها حقوقها ويمتعها ويطلقها، هذا الطلاق على هذه الصورة ما يوجد عداوة بين البيتين أبداً، العداوة توجد بين البيتين حين يطلقها عناداً وظلماً، أو تطلق هي كذلك، وهكذا سلسلة الكمال حلقة حلقة، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، وهل الحية تلد غير الحية؟ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36].
تفسير قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)

مناسبة الآية الكريمة لما قبلها

يقول تعالى وقوله الحق: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238].يا عباد الله، أيها الفحول، أيها المؤمنون والمؤمنات! ما السر في الأمر الآن بالمحافظة على الصلوات؟ الجواب: لأن المحافظة على الصلوات هي التي تهذب الأخلاق وتروض النفوس وتوجد الطمأنينة والذكاء والطهر والصفاء في الإنسان، أما تارك صلاة والمتهاون بالصلاة فوالله! لا خير يرجى منه. فهو تعالى وضع أيدينا على مصدر الكمال والطهر، وإلا فما علاقة هذه الآية بسابقتها؟فإذا أردتم أن يكون مجتمعكم طاهراً نقياً متحاباً متعاوناً فحافظوا على الصلوات عامة والصلاة الوسطى خاصة؛ لأن الصلاة تنهى فاعلها عن الفحشاء في القول والفعل، وعن المنكر في ذلك، وإذا انعدم الفحش والمنكر حل محلهما الطهر والصفاء والمودة والإخاء، فحافظوا يا عباد الله على الصلوات بصورة عامة، والصلاة الوسطى بصورة خاصة.

المراد بالصلاة الوسطى

وما هي الصلاة الوسطى؟منهم من يقول: الصبح، ومنهم من يقول: العصر، ولكن نقول: الوسطى هي بين اثنين فالظهر بين الصبح وبين العصر، والعصر بين الظهر وبين المغرب، والعشاء بين المغرب وبين الصبح، إذاً: كلها وسطى، إذاً: فحافظوا عليها كلها، وورد في الحديث: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر )، في حرب الخندق، حيث المناوشة بالسهام وكذا، فما صلى العصر إلا بعد المغرب برجاله، هذا قبل أن تنزل كيفية الصلاة في الحرب، فقال صلى الله عليه وسلم: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر )، ومالك يقول: إنها صلاة الصبح، والمخرج النفيس: أننا نحافظ عليها كلها، أخذاً بقوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة:238]، وكل صلاة هي وسطى؛ ولأنها خمسة أوقات فلا بد من واحدة وسط، لكن لفظ الوسطى أيضاً يدل على الفضلى لا بمعنى الوسط، على الفضلى ذات الفضل والكمال.ومن هنا تدور الأقوال على العصر والصبح؛ لحديث: ( من صلى البردين دخل الجنة )؛ لأنكم أيها العمال تتغدون الساعة الثانية والنصف، والعصر في الثالثة، فيقول أحدكم: ننام ساعة وبعدها نصلي، فما حافظ على الصلاة، وصلاة الصبح وقت لذيذ النوم، فكيف يستيقظ، فلذا قال صلى الله عليه وسلم: ( من صلى البردين دخل الجنة )، ضمانة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تقل: كيف؟ وقد تقول: إذاً: يزني ويفجر ويكذب ويصلي البردين! فأقول: والله! ما يستطيع، لو صلى الصلوات الخمس موقناً مؤمناً فهل سيرضى بالفجور والباطل؟ مستحيل.فلهذا اعرفوا ماذا يقول الحكيم صلى الله عليه وسلم: ( من صلى البردين ) حافظ عليهما طول عمره ( دخل الجنة )، إي والله؛ لأن هذا الذي يحافظ على هاتين الصلاتين إيماناً واحتساباً وقد حافظ على غيرهما زكت نفسه وطابت وطهرت، فأنى له أن يرضى بالتلوث بالذنوب والآثام؟ وإن سقط مرة اغتسل وتنظف عشرة أعوام، فآمنا بالله وبرسوله!

معنى قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين)

يقول تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، أين نقوم لله قانتين؟ في الصلاة، وهل يصح أن نصلي صلاة الفريضة جلوساً؟ لا يصح، إلا المريض، أما الصحيح فلو صلى الفريضة جالساً فصلاته باطلة بالإجماع، ومعنى باطلة أنها لا تولد الطاقة، ما تنتج النور في النفس، وجودها كعدمها، بطل مفعولها فهي فاسدة لا تنتج.إذاً: وقوموا لله في الصلاة قانتين، والمراد من القنوت هنا السكوت، إذ كانوا قبل هذه الآية يتكلمون في الصلاة، يسلم عليه فيقول: وعليكم السلام، تقول: أين الدابة؟ فيقول: عند الباب، تقول: تعشيتم؟ فيقول: لا أو نعم، يتكلمون بالضرورة، فلما نزلت هذه الآية سكتوا، فمن تكلم بأمور الدنيا الخارجة عن الصلاة فصلاته باطلة بالإجماع فاسدة، كيف فسدت؟ ما تنتج وما تولد له الطاقة النورانية، اختل أداؤها وبطل مفعولها.فأصبح بهذا أنه لا يصح الكلام في الصلاة إلا إذا كان لإصلاحها، كما لو أن الإمام قام للخامسة فقلنا: سبحان الله، سبحان الله، فما عرف، فنقول: هذه خامسة، ويجوز هذا؛ لأن هذا الكلام لصالح الصلاة، فإن كان لصالح الصلاة فلا بأس وعلى قدر الحاجة أيضاً.أما الضحك مطلقاً والكلام لغير الصلاة فمبطل للصلاة بالإجماع، وجاز التبسم، إذا ابتسم المؤمن فلا حرج أن يظهر أسنانه بين شفتيه، لا يقول: هاه هاه أو يقهقه، فحينئذ تبطل الصلاة بالإجماع، وبعض أهل العلم يقول: وضوؤه باطل أيضاً، والصحيح أن وضوءه لا يبطل. حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] واقفين ساكتين، لا بيع ولا شراء ولا كلام في أمور الدنيا أبداً.


تفسير قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً ...)

ثم قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ [البقرة:239] هذه صلاة الخوف: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، صلوا على أرجلكم أو أنتم راكبون على الخيول والدبابات والطائرات إن خفتم من العدو، وصلاة الخوف مفسرة في سورة النساء، كيف؟ يقسم القائد الجيش فرقتين، فرقة تصلي، والأخرى تحرس، فتصلي هذه ركعة وتذهب تحل محل تلك، وتأتي الطائفة الثانية فتصلي ركعة وتعود، وتأتي الأخرى فتصلي مع الإمام ركعة وتسلم.ولها صور عدة، وإذا ما أمكن ذلك فإنهم يصلون وهم على الدبابات والخيول، أو يصلي وهو يجري على الأرض يطارد العدو والرمح بيده وهو يصلي، فعل هذا أصحاب رسول الله.وهل هذا يفعله المؤمنون؟ تستطيع أن تقول: إن (55%) من العالم الإسلامي ما يصلون أبداً، وما الدليل؟ الدليل الهبوط، كيف هبطنا من علياء السماء بعدما كنا قادة الدنيا وسادتها ومربيها ومعلميها؟ أصبحنا تحتهم، ما سبب هذا؟ انطفأت تلك الأنوار من قلوبنا، أضعنا الصلاة ومنعنا الزكاة. فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، معنى (رجالاً): على أرجلكم، ليس المعنى: ضد النساء، (رجال) تمشون وتصلون، (أو ركباناً) على أية دابة أو على أي مركوب.

معنى قوله تعالى: (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون)

فَإِذَا أَمِنتُمْ [البقرة:239] زال الخوف واستقرت الحال؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:239].فابتداءً صلوا كما علمكم الله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، بتلك الصورة الخاشعة الباكية الدامعة، ثم مع ذلك اذكروه بألسنتكم وقلوبكم، اشكروه على نعمة أن علمكم ما لم تكونوا تعلمون، فهذا العلم ما هو بهين، فبكم تقدرون هذا العلم؟ والله! لا يقدر بشيء، لو قيل لك: انس الفاتحة وسنعطيك مليار دولار فوالله لا تقبل، الفاتحة أغلى، فكيف بمعرفتك الله والملكوت الأعلى والدار الآخرة وما فيها، ومحاب الله ما هي، ومكارهه ما هي، وأولياءه من هم وأعداءه من هم، فهذه العلوم هل كانت أمك أو أبوك يعرفانها في الجاهلية؟ إذاً: علمكها الله، فاشكروا الله عز وجل على ما علمكم: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:239].
ملخص لما جاء في تفسير الآيات

الأحكام المتعلقة بالمطلقة قبل المسيس

هيا نقرأ الآيات، وتأملوا ما فهمتم:قال تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236]، هذه الآية الأولى، فماذا تحمل هذه الآية؟هذه الآية متعلقة بالمطلقة التي لم تمس، وقد بين تعالى في آية أخرى أنه لا عدة عليها، وهي آية الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ [الأحزاب:49]، فالمتعة واجبة هنا، وقلنا: المتعة للتي لم يسم لها فرض، والتي سمي لها فرض لها نصف الفرض، إن شاءت فلتأخذه كله أو تعفو.الآية الثانية: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة:237]، في هذا اللفظ تدخل المطلقة قبل المسيس، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:237] أي: سميتم لهن مهراً، فالواجب ما هو؟ فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]، إن كان عشرة آلاف فأعطها خمسة آلاف وخمسة لك، وإن أخذت هي العشرة فقل: ردي علينا خمسة آلاف؛ لأنك عدت كما كنت ما مسسناك، فهاتي الخمسة الآلاف، إلا أن يعفو الفحل الكريم، فيقول: ما نحن في حاجة إلى هذا. أو هي كذلك أو أبوها ووليها يقولون: ما نقبل منك هذا، خذه كاملاً، ما ترد علينا شيئاً، ابنتنا عندنا ما مسها شيء.من فتح هذا الباب الرحماني؟ الله، هل هذا من وضع البشر؟ مستحيل، هذا أكرم من البشر، ومع هذا ما يقرءون الكتاب، إلى الآن أود أن يقول أحدنا: يا شيخ! أنا دائماً إذا جلست في المسجد قبل الصلاة أقول لأي مؤمن: من فضلك تعال اقرأ علي شيئاً من القرآن، أو يقول: نحن في البيت نتغدى أو نتعشى فنقول لأحدنا: يا سيد! من فضلك أسمعنا شيئاً من القرآن. أو يقرأ القرآن ويأتي إلى الشيخ يبحث عنه في اليابان أو في الصين، يقول له: ما فهمت مراد الله من هذه الآية، علمني ما يريد الله منا؟ لكن فهذا لا وجود له.ودعنا من هذا، لم ما يجتمع أهل المدينة في مساجدهم بين مغرب وعشاء كل ليلة يدرسون كتاب الله؟ أم أنه ليس فيه أجر؟ حسبهم أن يذكرهم الله في الملكوت الأعلى، ومن يذكره الله هل يشقيه أو يسلط أعداءه عليه؟ فكم خلا من قرن ونحن هاربون من القرآن! ثمانية قرون أو أكثر، وقد وضعوا لنا قاعدة فقالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ، فإذا الشيخ أصاب فهو مخطئ، إذاً: حرام عليه أن يفسر كلام الله، وإن أخطأ فقد كفر! فمن يستطيع أن يقول: قال الله، فألجمونا بلجام من حديد.إذاً: ماذا نصنع بالقرآن؟ الجواب: نقرؤه في المقبرة، ما دام أننا لا نفسره ولا نفهم ما قال الله، ولا ما أمر به ولا ما نهى عنه، إذاً: ماذا نصنع بالقرآن؟ قالوا: اقرءوه على الموتى ليدخلوا الجنة، فختمة بعشرة آلاف ريال، يجمع عشرين طالباً يختمون المصحف، ويعطيهم ألفاً ألفاً حتى يدخل ميتهم الجنة، ولو كان تارك صلاة، وأيام كانت دور البغاء في العالم العربي إذا ماتت البغي فإنهم -والله- يأتون بالطلبة يقرءون القرآن عليها في بيت الزنا!لأن الأمة هبطت، كيف نقر عاهرة على الزنا ونسكت ونغمض أعيننا؟ وفوق ذلك نأتي بالقرآن يقرأ في بيت العهر! ما الدليل على هذا؟ الدليل بالبرهنة القاطعة: ألم تستعمرنا هولندا في إندونيسيا وبريطانيا في الشرق الأوسط والشرق الأقصى وممالك الهند وفرنسا في شمال إفريقيا؟ كيف لكفار يحكموننا؟ كفار حكموا العالم الإسلامي، كيف يتم هذا؟ لأن الأنوار الإلهية انطفأت من نفوسهم.أولاً: احتالوا عليهم قروناً فأبعدوهم عن هداية الله وأنواره، فلما عموا وضلوا أمسكوهم كالدجاج، فمن يطلب دليلاً بعد هذا الدليل؟ لا إله إلا الله.يقول تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]، فإن مسها أو جامعها فما الحكم؟ عليها العدة ولها المهر بكامله، لكن هنا ما جامعها ولا فرض لها فريضة، فما الحكم؟قال: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236]، ما قال: متعوهن خمسة آلاف أو ألفاً، وما قال: ألف دينار في وقت ليس فيه الدنانير، قال: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236]، ويقرر هذا القضاة إن كانوا موجودين أو جماعة المسلمين يقررون هذا.الآية الثالثة: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:237]، والحال أنكم قد فرضتم لهن فريضة، فما الحكم يا رب؟ فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]، وإذا أحببت أن تترك لها ذلك، أو أحببت هي فلا بأس: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237].وأخيراً: وأن تعفو خير لكم، تزداد المحبة والاتصال بينكم: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237]، هذا الذي انعدم في العالم الإسلامي، دلوني على رجل صاهركم وطلق ابنتكم، وتبقى المودة كما كانت يزوركم وتزورنه وتهدونه الفواكه، بل تنقطع العلاقة، ويصيرون أعداء. ولهذه علة، هي أن الطلاق ما هو الطلاق المرضي لله عز وجل والمشروع، طلاق جهل وظلام، فلهذا ما ينتج عنه الإحسان ولا البر، وهل عرفتم الطلاق المحبوب لله؟ هل قوله لها: أنت طالق بالثلاث، لا تدخلي البيت، هل هذا الطلاق الذي شرعه الله؟ إن الله تعالى يقول: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، يطلقها ويتركها في عدتها، فإن ندمت أو ندم رجع إليها، فإن انتهت العدة فإنه يستطيع أن يتزوجها من جديد، فإن طلقها أصبح لها طلقتان، فإن زاد الثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره.


ما يهدمه الزواج بالثاني من طلاق الأول

وهنا لطيفة: رجل طلق امرأته طلقتين، طلقها الأولى ثم راجعها وعاش عاماً أو عامين ثم طلقها الثانية وانتهت عدتها وتزوجت، ولما تزوجت تطلقت أو مات زوجها، فهل للزوج الأول أن يتزوجها؟ الجواب: نعم له أن يتزوجها، ولكن هل تبقى الطلقتان أو يستأنف؟الجواب: تحتسب الطلقتان، فلو زاد واحدة بانت منه بينونة كبرى، لا يقل: الحمد لله، جدد العهد الآن من جديد؟ لا، ما زلت مطالباً بالأوليين، لم تطلق مرتين تؤذي هذه المؤمنة؟ إذاً: إذا طلقت الثالثة ينكسر أنفك ولا تحل لك حتى ينكحها زوج غيرك. فالعقد الثاني يهدم الطلقات إذا كان طلقها ثلاث مرات وتزوجت بعده، لكن إذا طلقها مرة أو مرتين وتزوجت وأراد أن يتزوجها فإنه يحسب عليه الطلقة أو الطلقتان؛ لأنها في ذمته.

الأمر بالمحافظة على الصلوات وبيان كونها عصمة للمجتمع

وقوله تعالى: حَافِظُوا [البقرة:238] أيها المؤمنون والمؤمنات عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، وعصمة المجتمع من الخلط والخبط، والفجور والكفر، والفساد والشر هو في إقام الصلاة.والبرهان على ذلك أنه استقل لنا ثلاث وأربعون دولة من إندونيسيا إلى موريتانيا، فهل لما تشكلت الحكومة قالوا: الصلاة فريضة الله يجب أن نفرضها على المواطنين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، فلا يحل لمواطن ألا يقيم الصلاة، هل حصل هذا؟ فما السر؟إنها أصابع الماسونية وجماعات التنصير الموجهة القائدة للعالم تنسي هذا من قلوب المؤمنين، ومن خطر بباله ذلك فإنها تمسحه؛ لأنهم إذا أقاموا الصلاة عادوا من جديد لقيادة البشرية وسيادتها، على الأقل سادهم الأمن والطهر والصفاء.أنا أقول: لنمش في أي بلد إلى محافظ المدينة أو مدير الشرطة، ونقول: أعطنا قائمة بالجرائم التي ارتكبت في هذا الشهر، فهذا سرق، هذا سب فلاناً، هذا ضرب فلاناً، أقسم بالله! لن نجد في مرتكبي تلك الذنوب والآثام نسبة أكثر من (5%) من المقيمين للصلاة؛ والباقي من المصلين ومن تاركي الصلاة؛ لأنني أشاهد الذي يحافظ على الصلوات في أوقاتها في جماعة المسلمين خمس مرات ما يزني، ما يفجر، ما يأكل أموال الناس بالباطل، ما يسب ولا يشتم، مؤمن ملأ قلبه الإيمان، فما يقع في المهاوي والمهالك.والذي لا يصلي يركب حتى الذئاب، ويأكل حتى الكلاب، أو يصلي ويخرج من المسجد وليس له من النور جرام واحد، صلاته باطلة، ما أنتجت النور ولا ولدته أبداً، يخرج من المسجد عند الباب يسب الدين، يخرج من المسجد يلعب بالكيرم والورق ويلعب الدمنة، أين آثار الصلاة؟وصدق من قال: لو صلى ما غنى، يصلي العشاء ويمشي ليجلس أمام تلفاز، فعاهرة تغني وتلوح بيديها وهو يضحك، فهل صلى هذا؟ أين آثار الصلاة؟وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 23-07-2020, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (16)
الحلقة (23)




تفسير سورة البقرة (113)

شرع الله عز وجل لمن مات عنها زوجها أن تعتد في بيته أربعة أشهر وعشر ليال، وإن أوصى لها الزوج أن تتم الحول في بيته فلها ذلك، وهذا من الإحسان والمعروف، فيكون لها عند ذلك أن تقتصر على العدة وتخرج بعدها أو تتم الحول كما أراد لها الزوج، وأما المطلقة فإن لها متاعاً بالمعروف حسب حالها من الدخول بها أو عدمه، ومن تسمية المهر وعدمه، وكل هذا بينته الشريعة أكمل بيان.

تفسير قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عهدنا مع تفسير كتاب الله عز وجل في مثل هذه الليلة.والآيات المباركة التي ندرسها معاً إن شاء الله هي قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:240-242].أذكركم بالموعود على لسان سيد كل مولود؛ لتستبشروا خيراً، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فالحمد لله أن جعلنا من أهل هذا الموعود على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

توفي الله تعالى عباده وبعثهم بعد الموت

قول ربنا جل ذكره: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ [البقرة:240]، أي: يموتون، من يتوفاهم؟ الله، إذ قال تعالى وقوله الحق من سورة الزمر: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42]، والذي يباشر إخراج الروح من الجسد هو ملك الموت، ويستلمها ملائكة معه، فإن كانت النفس تقية طاهرة زكية عرج بها إلى الملكوت الأعلى، وسجل اسمها في كتاب يسمى: عليين، وينزل بها الملائكة في موكب عظيم لمحنة القبر، فحين يتم نجاحها تعود الروح على الملكوت الأعلى؛ لتسرح في الجنان ساكنة مطمئنة إلى أن تنتهي هذه الدورة، ويخلق الله تعالى البشر خلقاً جديداً، فحين تكتمل أجسامهم ترسل تلك الأرواح ولها دوي، فما من روح إلا وتدخل جسدها، ذلك أنه تنبت الأجساد كما ينبت البقل، والبقل كالبصل، والثوم، والخردل، فحين تكتمل الأجساد وتنبت نباتاً يرسل الله تعالى الأرواح، أرواح السعداء من عليين، وأرواح الأشقياء من سجين، فلا تخطئ روح جسداً، فينفخ إسرافيل النفخة الثانية فإذا هم كالجراد المنتشر.والشاهد في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ [البقرة:240]، أي: يموتون، ولكن من يتوفاهم ويوفي آجالهم وأعمارهم؟ الله عز وجل، قال تعالى: مِنْكُمْ [البقرة:240] يا معشر المؤمنين لا من غيركم من الكافرين والمشركين، هؤلاء ما هم بأهل للتشريع والبيان؛ لأنهم كفروا الله وجحدوه، وكفروا رسوله وأنكروه، وكذبوا بكتابه ورفضوه، ما هم بأهل لهذا، مِنْكُمْ [البقرة:240] معشر المؤمنين، فالحمد لله أن كنا أهل شأن عند الله، ينزل كتابه علينا ويبين لنا الطريق ويهدينا السبيل؛ لنكمل ونسعد، فالحمد لله.

معنى قوله تعالى: (وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج)

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:240]: يتركون زوجاتهم، ماتوا عنهن، والأزواج هنا: النساء، بمعنى: الزوجات؛ لأن الخطاب للفحول، فإذا مات الفحل فما لزوجته؟قال تعالى: وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ [البقرة:240]، يوصون وصية لأزواجهم، قبل أن يموت يوصي أبناءه، إخوانه، أعمامه، أقاربه: إن فلانة تبقى في البيت سنة كاملة إن رغبت في ذلك، لا تزعجوها، لا تقلقوها، هي زوجي وأنا زوجها، أوصيكم أن تبقى بعدي أربعة أشهر وعشرة أيام أو تبقى فوقها سبعة أشهر وعشرين يوماً، إلا إذا أحبت أن تخرج فمع السلامة. وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ [البقرة:240]، وتأكل وتشرب كما كانت، وتنام، هذا إحسان عظيم، فهل عرفه الناس؟ تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال، وتكمل السنة في بيت زوجها مع أولاده، مع بناته، مع أولادها، لا تزعجوها سنة، وإذا أرادت أن تخرج قبل السنة إذا أكملت أربعة أشهر وعشر ليال فشأنها، لكن من باب مراعاة الإحسان الذي يعيشه المسلمون، وهو شعارهم، فدعوها في بيت زوجها حتى تكمل السنة ثم مع السلامة.

خلاف أهل العلم في نسخ الآية بسابقتها

ومن أهل العلم من يقول: إن هذه الآية منسوخة، وناسختها الآية السابقة. وقد يقال: كيف تنسخ اللاحقة بالسابقة؟! نقول: لا حرج، أما قال تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ [البقرة:142] وقد قال تعالى في الآية بعدها: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] إلى آخر الآيات، فهذه الأخيرة مقررة للأولى، فقد قالوا ذلك بالفعل بعدما نزلت، ولا حاجة إلى هذا. والذي ذهب إليه إمام المفسرين ابن جرير الطبري أن الآية ليست منسوخة، وتوجيهها كما علمت، ورجح هذا ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ولم يفصح ابن القيم تلميذه.إذاً: لا بأس أيضاً أن تنزل آية ثم تنزل أخرى، والأولى تنسخ الثانية؛ لأن كتابتها يأذن جبريل فيها للرسول صلى الله عليه وسلم، يقول له: اكتب الآية الفلانية في الموضع الفلاني، وتنزل الآية وتبقى سنة وسنتين ثم تنزل الآية الأخرى وتكتب معها بعدها، إلى أن نزلت آخر آية من كتاب الله: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] هي آخر آية من كتاب الله، وآخر سورة نزلت هي سورة النصر.إذاً: نعود إلى السياق الكريم، وتهيئوا لتعملوا إن شاء الله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً [البقرة:240]، يوصون لزوجاتهم، ويمتعونهن بهذا الوصية متاعاً، بحيث تبقى المرأة مع أولادها، أو أولاد زوجها من زوجة أخرى، أو مع أبيه حتى تكمل أربعة أشهر وعشر ليال، ولا تخرج أبداً من البيت إلا لضرورة، ولا تبيت إلا في بيتها؛ مراعاة لمصيبة أهلها، هم حزينون متألمون، وهي تخرج وتتعرض للزواج؟! لا يتلاقى هذا أبداً مع المروآت والكمالات، وإنما تمكث أربعة أشهر وعشر ليال وهي في بيت زوجها مع أولادها إن كان له أولاد، فإن انتهت الأربعة أشهر والعشر فلا بأس بأن تكتحل، أن تتجمل، أن تقبل من يخطبها للزواج. ثم قال تعالى: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:240]، لا يضع الشيء إلا في موضعه، فهذا التبيين أثره، فالله تعالى عزيز قوي، لا يمانع في شيء يريده، حكيم يضع كل شيء في موضعه.إذاً قوله تعالى: مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ [البقرة:240]، أي: إلى العام، غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، أي: لا تخرجوهن، فإذا انتهت السنة فإن شئتم أخرجتموها، وإن شاءت خرجت هي.


معنى قوله تعالى: (فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف)

فَإِنْ خَرَجْنَ [البقرة:240] أثناء المدة؛ فلا حرج، إن خرجت فيها المرأة فلا بأس، لكن من الإحسان إلى هذه المؤمنة أن تبقوها في بيتكم لتكمل السنة وتخرج إن شاءت، فإن أرادت أن تخرج بعد نهاية العدة التي هي أربعة أشهر وعشر ليال فلها ذلك، فقد أذن لها سيدها: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:240] من التجمل، والتحسين، والتعرض للخطاب للتزوج.وقوله: فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة:240]، هذا القيد دائم، أذن لها في أن تتحسن، وتتزين، لكن في حدود معقولة، لا تخرج إلى الشوارع وهي متطيبة لتفتن الناس، بل بالمعروف، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:240].فهذه الآية الأولى اعلموا أن القول الراجح فيها أنها ليست منسوخة، لا بآيات المواريث ولا بالآية التي تقدمت، وإنما هي محكمة.

إرشاد الآية الكريمة إلى الإحسان بين المؤمنين

وما فائدتها؟ الإحسان بين المؤمنين والمؤمنات، لا أن تنتهي أربعة أشهر وعشر فيقال لها: اخرجي عنا، نريد أن نؤجر الغرفة، فهنا الإرشاد: أعطوها فرصة أخرى، هذه أمكم، هذه امرأة أبيكم، امرأة أخيكم، امرأة عمكم، أعطوها فرصة حتى تكمل سنة وهي تتناول الطعام والشراب معكم، فإن تمت السنة فمع السلامة إذا أرادت أن تخرج، وإن هي رغبت بأن تخرج قبل السنة فالباب مفتوح حيث أذن لها سيدها، فإن خرجن فلا جناح، لا إثم ولا حرج.ومعنى هذا: إذا أوشك الفحل أن يموت فإنه يوصي أبناءه أو إخوانه: فلانة أتركوها معكم سنة، لا تزعجوها، وإذا أرادت أن تخرج فلتخرج، فهل هذا يتنافى مع الأدب؟ مع العلم؟ مع الرحمة؟ مع الحكمة؟ هذا مظهر من مظاهر الدعوة الإسلامية ومنهجها السليم.واسمعوا الآية الكريمة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] في الأربعة الأشهر والعشر الليالي، هذه فريضة واجبة من أنكرها كفر، ومن أهملها يؤدب حتى يتوب، لكن في الزيادة على أربعة أشهر وعشر ليال، أراد الله تعالى للمؤمنين أن يعيشوا على المعروف والإحسان، إذ قد توجد امرأة غريبة، جاءت من ديار بعيدة فمات زوجها وما عندها أولاد، فيقول إخوان الزوج أو أعمامه: عودي إلى بلادك، فهنا يقول الهدي القرآني: ارحموها، لتجلس سبعة أشهر أخرى وعشرين ليلة حتى يفرج الله عنها، فإن أكملت السنة فلكم ذلك، وقبله تأكل وتشرب معكم، أما كانت مع أخيكم أو أبيكم؟ فلم تطردونها إذاً؟ وإن هي آثرت ورغبت في الخروج فلا بأس، فالآية -إذاً- محكمة، وأدت فضيلة عظيمة.

تفسير قوله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين)

ثم قال تعالى في الآية الثانية: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:241]، ما هناك عنترية، مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:241] المعتاد بين الناس، لا أن تقول هي: لا بد أن تشتري لي فلة في لندن، أو تشتري لي سيارة بمائتي ألف، بل بحسب الحال، فإذا كان ذا مال فقد يمتعها بخادمة تخدمها، بسيارة تركبها، بشقة من شقق المنزل تسكنها إحساناً إليها.

ما يجب للمطلقة قبل الدخول بها دون تسمية المهر

وهنا نعود إلى جملة المطلقات: المطلقة الأولى: هي التي لم يبن بها الفحل، أي: الرجل، عقد عليها وما أعطاها المهر بعد ولا سماه، وشاء الله أن يطلقها قبل الدخول عليها وقبل البناء بها، حيث ندم، أو هي غضبت وصاحت على أبيها أنها ما تريد أن تتزوج، يحدث هذا، ونحن -كما تعرفون- نعيش على البر والإحسان، فما دامت قد صرخت وقالت: دعني يا أبي، لن أتزوج، طلقني، فيقول: يا فلان! هذه البنت متأثرة، حزينة، ستؤلمك، فطلقها، فيقول الزوج: مرحباً، ويطلقها، وذو الإحسان والبر يفرح، يقول: كيف نزعج هذه المؤمنة؟! ما دام أنها ما أرادتني وكرهتني فإني أطلقها، فإن طلقها قبل البناء، ولم يكن قد سمى لها مهراً ولا أعطاها، إذاً: ما لها إلا المتعة، يجب أن يمتعها بسيارة، طيارة، فلة، ثياب، خاتم من ذهب، سوار، متعة واجبة، والشارع حكيم، إذاً: لا حق لي أن أقول: لم؟ لأن الله تعالى هو العليم الحكيم، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]، جربوا هذا يا معشر المؤمنين.فهذه المتعة بالمعروف لا بد منها هنا؛ لأنها طلقت وما أخذت مهراً ولا نصفه، ولا عدة عليها، لا شهر، ولا حيضة، ولا ثلاثة أقراء؛ لأن العدة خشية أن يكون في رحمها جنين، وهذه ما مسها الزوج، فتعتد لماذا؟ هذه الآية من سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:49] بالعقد، ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49]، من قبل أن يطأها ويجامعها، وعبر بالمسيس عن الجماع لأن الآداب الرفيعة تأبى ذلك، تأبى أن يقول: من قبل أن تجامعوهن. لا ينبغي هذا، وفي الحديث: ( الحياء كله خير )، ( الحياء من الإيمان )، لا خير فيمن لا حياء له، إذا رحل الحياء رحل الإيمان، فقووا الحياء ونموه في أبنائكم وبناتكم، وابدءوا بأنفسكم فإنه لا خير فيمن لا حياء له.والذين يجلسون أمام شاشة التلفاز وعاهرة تغني، وقرينها شيطان يقبلها ويحتضنها، وأهل البيت يضحكون هل يبقى فيهم حياء؟ أعوذ بالله! يرحل الحياء ويتبعه الإيمان، انظر إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم لشدة حيائه رأى رجلاً أمامه يدعو: يا رب .. يا رب .. يا رب، بدون أن يتوسل إلى الله بحمده والثناء عليه وتمجيده والصلاة على نبيه، يقول مباشرة: رب أعطني كأنه هو السيد، فاستحى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: يا عبد الله لا تقل هكذا، افعل كذا وكذا، غلبه الحياء، فالتفت إلى أصحابه عن يمينه أو عن شماله وقال: ( لقد عجل هذا ) يعني: استعجل، ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء )، أما أن يقول مباشرة: رب أعطني؛ فهذا سوء أدب.وكان صلى الله عليه وسلم إذا بلغه شيء عن أصحابه يرقى المنبر ويخطب الناس ويقول: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا )، أما نحن فنقول: يا كذاب! يا كذا! ولا لوم ولا عتاب؛ فما ربينا في حجور الصالحين، ما تربينا في بيوت الله، تربينا في بيوت الشياطين المقاهي والأسواق والملاهي والسينما، فماذا ترجو منا؟ لا تلمنا يا هذا، ولكن نبكي لحالنا.والمهم أن ذلك هو حكم المطلقة قبل البناء، لا عدة تجب عليها، لا يوم ولا عشرة، من يومها تتزوج، ويجب لها المتعة بحسب يساره وإعساره، ولا بد من المتعة لهذه المطلقة.


ما يجب للمطلقة قبل الدخول بها بعد تسمية المهر

المطلقة الثانية: طلقت قبل البناء، ولكن سمى لها مهراً، أمهرها عشرين ألف ريال، وقبل الدخول حصل ما حصل فطلقها، أو هي طلبت الطلاق، أو هو ندم، فما الحكم؟هذه لها نصف المهر، ولا متعة لها، يكفيها أنها أخذت عشرة آلاف ريال وما مسها الزوج، ولا عدة؛ لأنه ما بنى بها، فمن عقد عليها الرجل وأمهرها مهراً وسماه أو أعطاها إياه، وأراد الله ألا يتزوجها فطالبت بالطلاق، أو طلق هو لأسباب، فما الحكم؟ يعطيها نصف المهر، إلا أن تتنازل وتقول: هو لك بكامله يا فحل، أو يقول: هو لك يا فلانة، وهذا يقع من المؤمنين والمؤمنات ممن يعيشون على هذه الكمالات، لا يزعجها، لا سيما إذا كان هو ما رغب فيها، إذا لم يرغب في هذه المؤمنة فمن الأدب ألا يسترد منها شيئاً، وكذلك هي من أدبها إذا كانت هي التي رغبت عنه أن ترد إليه ما أعطاها، فسبحان الله! آمنا بالله، فهذا تشريع من؟ هل تشريع نابليون ؟ هذا تشريع الله. والمسلمون اليوم يدرسون القوانين الكافرة الملحدة البلشفية، ولا يدرسون كتاب الله، فكيف نسمو؟ كيف نرقى؟ كيف نخرج من ذلنا وهواننا ودوننا؟ ونحن مفارقون تمام المفارقة لأصول الكمال وسلالمه، لم لا يعرف المسلمون هذا؟قال تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]، اللهم إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، وقد فتح الله علينا الآن بما لم يفتح به على غيرنا، وقلنا: إذا كان هو الذي رغب عنها وما أرادها؛ فهو الذي يقول: المهر لك كاملاً، وإذا كانت هي التي رغبت عنه وما أرادته، بكت أمام أبيها وأمها تقول: ما أريده يا أبي؛ إذاً نقول لها: تنازلي عن نصف المهر له.

ما يجب للمطلقة بعد الدخول بها

المطلقة الثالثة: هي التي معنا في الآية الكريمة، بنى بها وصارت أم أولاده، وأخذت مهرها وانتهت من عشرين عاماً مثلاً، قال تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241].

فائدة قوله تعالى: (حقاً على المتقين) ونحوه

وقوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241]، حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236] استنبط منه فقهاء الملة الذين أوتوا فقهاً في كتاب الله، قالوا: هذا يدل على أن المتعة ليست واجبة لهذه، وإنما هي مستحبة، والسر من أين؟ من قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241]، وغير المتقي قد لا يفعل، فما هي بحق عليه، ما عنده عواطف ولا أحاسيس ولا شعور، وهو يتخبط بالمعاصي، ما نلزمه بهذا فهو في أمور أعظم، لكن المتقي والمحسن ذاك الذي يرغب في أن يحب ويبجل ولا يهان، ولا يذل، فيتنازل عن المال وقشوره؛ لتبقى له كرامته بين الناس.هذه المطلقة حين تنتهي عدتها يمتعها بخادم كما يقولون، أو بثياب جديدة، بشيء من الذهب، بشيء من الفلوس حسب حاله، ومع السلامة يا فلانة، ونلتقي إن شاء الله في الجنة.

هبوط المسلمين بعد إعراضهم عن آداب القرآن الرافعة لهم

هل نستطيع أن نفعل ذلك الذي ذكر؟ كلا. بل حالنا: يا فاعلة! يا كذا! ونحوه من السب والشتم والتعيير، فلا إله إلا الله! أين نحن؟ هبطنا وقد كنا في علياء السماء، أيام كان نور الله يغمرنا، وحكمة محمد تقودنا سدنا وارتفعنا، وحين تخلينا عن الكتاب والسنة هبطنا، فمن يرفعنا؟ وهل القرآن يرفع؟اسمعوا الآية التي فيها الرافعة، الرافعة عندنا الآن هذه ترفع الصخور والسيارات من الباخرة، قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ [الأعراف:175] يا رسولنا نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175]، هل تعرفون الحية حين تنسلخ من جلدها، تتركه أبيض نقياً وتخرج منه بزفرتها وسمومها.إذاً: الانسلاخ من القرآن وضعه على الرفوف فقط، أما المحاكم فلا يوجد فيها مصحف، فهل هذا انسلاخ أو لا؟ تركناه وراءنا. فَانسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175]، أي: من الآيات، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ [الأعراف:175]، لم؟ لأن المناعة زالت، كان في صيانة وحصانة بكتاب الله ووحيه، ولما تركه وراءه سهل على الشيطان أن يجري وراءه ويمسكه. فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175]، عبارة عجيبة هذه! فهل تعرفون الغي والغواية؟ إنها أوساخ، فكان من الوسخين في أرواحهم ونفوسهم وسلوكهم.قال الله تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا [الأعراف:176]، بالآيات؛ إذ هي الرافعة، وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ [الأعراف:176]، لصق بها، ما يرفع رأسه إلى السماء، كحالنا الآن: الدولة الإسلامية فيها عشر وزارات كلها تتكلم عن الدنيا، ما هناك من يتكلم عن الآخرة أبداً، فهذا خلود إلى الأرض أو لا؟ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الأعراف:176]، وهل الهوى يتبع؟ إنما يتبع هواه الهالك، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف:176] هذا كلام الله، هذا قرآن من سورة الأعراف: كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف:176]، في ماذا؟ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ [الأعراف:176] وتجري وراءه يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176]، الماء في الحوض، والظل ظل الشجرة، والكلب تحته وهو يلهث.فمنذ انسلخ المسلمون من كتاب الله بمكر أعدائهم وكيدهم وتركوه وهم يلهثون، والله! لن يستريحوا، فقولوا: صدق الله العظيم، قولوا: آمنا بالله!إذاً: المطلقة الثالثة: هي التي يكون قد بنى بها زوجها وطلقها، هذه لها مهرها كاملاً؛ وإن بقي منه شيء فلا بد منه وجوباً، ويمتعها بحدود سعته وضيقه، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7]. وإن كان صعلوكاً فقال لها: اذهبي عنا، وما أعطاها، فماذا تعمل؟ لا تحاكمه عند القاضي؛ لأن هذه من السنن والآداب، لا يحاكم عليها الشخص، لكن المتقين والمحسنين يوبخون فقط، يلقاه مؤمن فيقول له: كيف تخرج فلانة بيديها عارية، حتى الكسوة ما كسوتها؟ فيذوب من الحرج، فمثل هذا يعلم ويعطي المتعة.

صفات المتقين وحقيقة التقوى


ذلك معنى قوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241]، فمن هم المتقون يرحمكم الله؟ أشيروا إليهم؟ أين يوجدون؟ ما سماتهم؟ ما صفاتهم؟المتقون: هم الذين آمنوا بالله إيماناً يقينياً؛ حتى أثمر لهم ذلك الإيمان حبه تعالى في قلوبهم فأصبحوا يحبون الله أكثر مما يحبون أنفسهم وأموالهم وأهليهم والناس أجمعين، وأثمر لهم شيئاً آخر وهو الخوف منه، أنتج لهم الخوف منه فلا يستطيعون أن يعصوه ولا أن يخرجوا عن طاعته، بل إذا ذكر الله تعالى بين أيديهم اضطربت نفوسهم وتحركت قلوبهم، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الحج:35]، هؤلاء المؤمنون الذين آمنوا إيماناً حقيقاً يقينياً صادقا، من شأن هذا الإيمان أن ينتج لهم الخوف والحب، ومعنى هذا: أن المؤمن الصادق الإيمان ليحب الله أكثر من كل شيء، ووالله! إنه ليخاف الله، حتى الكلمة يخاف أن يقولها وهي تغضب الله، لقوة الإيمان.ثانياً: التقوى: هي معرفة محاب الله ما هي من الاعتقادات والأقوال والأعمال، يبقى طول حياته يسأل: ماذا يحب ربي؟ حتى يعرف محاب الله من أجل أن يفعلها له ويقدمها له، ثم يسأل عن مكاره الله: ماذا يكره ربي؟ فيقال: يكره كذا، كذا، كذا فيعرف ما يكره، ولا يأتيه إلا مكرهاً، ذلكم المتقي، وهؤلاء هم المتقون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهم أولياء الله تعالى.

أثر قصر الولاية على الأموات دون الأحياء

وقد عاشت أمتنا في دورها وبلادها قروناً لا يعرفون ولياً لله إلا من مات، منذ القرن السابع تقريباً لا نعرف ولياً إلا من مات وبني على قبره قبة، ووضع على قبره تابوت من خشب ووضع عليه الحرير على اختلاف ألوانه، وكان عليه السادن، هذا الولي، وقد انتشرت دعوتنا اليوم فاختلف الحال، ولكن قبل خمسين سنة لو تدخل أعظم مدينة في العالم الإسلامي، وتنزل من الطائرة أو الباخرة، وتدخل البلاد، وتستقبل أي واحد من البلاد وتقول له: يا سيد! أنا جئت زائراً لهذه البلاد، فمن فضلك دلني على ولي من أولياء هذه البلاد لأزوره، فوالله! ما يأخذ بيدك إلا إلى ضريح، ولا يفهم أن في القاهرة أو دمشق أو مكة أولياء أحياء أبداً! فما هو سر هذا؟ حجبوا الولاية عن الأحياء حتى يزني بعضهم بنساء بعض، ويأكلوا أموال بعضهم، ويضربوا وجوه بعضهم، ويغش بعضهم بعضاً كأنهم غير مسلمين، في حين أنه إذا وقف على قبر يرتعد، ويا ويحك إذا قلت: الولي الفلاني كذا، يبجلون ويعظمون الأموات تعظيماً عجيباً، حسبك أنهم ينقلون إليهم المرضى، ويعكفون حولهم بالزيارات كأنهم آلهة، وأما المؤمنون منهم فمن استطاع أن يذبح جاء يذبح من أجل الريالات.ثم قالوا -كما في حاشية الحطاب على خليل -: من قال: أنا ولي فإنه يخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة، إذاً: قل: أنا عدو الله لتسلم! أعوذ بالله، أعوذ بالله! إذاً: ماذا نقول يا شيخنا؟ قل: أنا عدو الله، فمن لم يكن ولياً فماذا يكون؟ يكون عدواً.فكل المؤمنين أولياء ولكن بينهم تفاوت كبير، وعندنا مثال حي، وهو الرتب العسكرية، فهي كثيرة، فأول ذلك الجندي، ومنها عريف، ملازم، ملازم ثان، كذا كذا.. إلى جنرال، فكذلك أولياء الله بقدر حبهم لله وخشيتهم منه يتفاوتون، والمثل الواقع: أبو بكر الصديق سيد الأولياء على الإطلاق، والناس من دونه واحداً بعد واحد إلينا، فمستوانا ليس بواحد، ونحن في الحلقة لسنا كلنا على رتبة واحد، بل نتفاوت، هذا يصوم الخميس والإثنين، ونحن نصوم ثلاثة أيام من الشهر مثلاً، هذا يزكي فقط، وهذا كل يوم يده في الريالات يوزع، فهل هم على مرتبة واحدة؟ هذا يصلي ثلاثين ركعة في اليوم، هذا يصلي سبعين ركعة، يتفاوتون، لكن اسم الولاية حق، فكل مؤمن تقي هو لله ولي.فلهذا ما نستطيع أن نسب مؤمناً أو نشتمه أو نغشه أو نخدعه أو نأخذ ماله بحيلة أو بقوة أو نضربه، لأننا أولياء الله، كيف نزني بابنته ونفسدها عليه؟! ولكن المسلمين ما عرفوا، ما بلغهم قول الله تعالى: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، لو عرف المسلمون هذه لسادهم الطهر والصفاء، وعمتهم المودة والإخاء والمحبة والولاء، وأصبحوا حقاً أولياء الله كجسم واحد، فمن يبلغهم هذا؟ أين العلماء؟ أين طلاب العلم، أين المسئولون والحكام والبصراء؟ هيا بالمؤمنين إلى سعادتهم.

طريق الوصول إلى ولاية الله تعالى

والطريق الذي نكرره حتى الموت أو نمنع ونلجم بلجام، ونقول: إنه -والله- لا طريق إلا هذا، هو أن أهل القرية إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف دولاب العمل، رمى الفلاح مسحاته من يده، والمنجل من يساره، وأغلق باب الدكان التاجر، وتوضئوا وجاءوا بنسائهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، ويوسعونه بالخشب والحطب؛ حتى يتسع لأهل القرية كلهم، وأهل المدن ذات المناطق العديدة والأحياء المتعددة، أهل كل حي لهم شيخ الحارة أو الحي، فيوسعون مسجدهم، وإذا دقت الساعة السادسة مساءً أغلقت الحياة أبوابها، وتطهر الرجال والنساء، وجاءوا بنسائهم وأطفالهم إلى بيوت ربهم، ويجلسون جلوسنا هذا، ما هناك كراسي، ولا شراب ولا أغان، يجلسون في بيوت ربهم، يجلس لهم عالم بكتاب الله وحكمة رسوله، ويلقنهم المعرفة، فليلة آية يتغنون بها، يرددونها حتى تحفظ، وتنشرح لها صدروهم، فتجد أنوارها في قلوبهم وأبصارهم، ثم تشرح لهم، يبين لهم ما أراد الله من هذه الآية، توضع أيديهم على المطلوب، يقول لهم: هل سمعتم يا أبنائي وإخواني وأخواتي؟ فعودوا بعد الصلاة إلى بيوتكم واذكروا هذا ولا تنسوه، واعملوا به ولا تهملوه. وغداً حديث من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، يتغنون به، يحفظونه، يعلمون مراد الرسول منه، وينوون العمل ويطبقون، وهكذا يوماً آية ويوم حديثاً، فبعد عام كيف يصبحون؟ ما يبقى فيهم زان ولا عاهر، ولا كذاب ولا دجال ولا لص، يصبحون أولياء الله. هذا هو الطريق، والله! لا طريق سوى هذا إن أردنا أن نكمل وأن نعود إلى كمالاتنا، أما سائر الأنظمة والقوانين والتوجيهات فهراء لا تنفع.قد تقول: يا شيخ! كيف عرفت هذا؟ فأقول: أنا قرأت ما دعا به إبراهيم وإسماعيل ربهما وهما يبنيان البيت: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129]، واستجاب الله، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2]، فالذين تخرجوا على هذه الدراسة أمثال الصديق والفاروق وذي النورين وفلان وفلان لم تكتحل عين وجود برجال مثلهم من عهد آدم إلا من كان من الأنبياء والمرسلين، فاقرأ كمالاتهم وانظر إليها كيف هي.فأين العلماء؟ أين الدعاة؟ أين المبلغون؟ لقد كتبوا وقالوا: هذا هراء، كيف نجتمع من المغرب إلى العشاء؟ فقلت: لم يجتمع اليهود والنصارى من المغرب إلى نصف الليل في المقاهي والملاهي ودور الباطل والمنكر، وأنتم ما تستطيعون أن تجلسوا ساعة ونصفاً؟ثم قال تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ [البقرة:242]، أي: كهذا التبيين، فهل هناك أعظم من هذا؟ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:242]، تنمو عقولكم وتصبحون أهلاً لأن تعرفوا عن الله عز وجل، يوماً فيوماً حتى نصبح نعرف أحكام الله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 23-07-2020, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (17)
الحلقة (24)




تفسير سورة البقرة (114)

ضرب الله عز وجل مثلاً بمن خرجوا من ديارهم من بني إسرائيل فراراً من الموت فأماتهم الله عز وجل ثم أحياهم، فكان ضرب هذا المثل في هذا السياق توطئة للأمر الإلهي للمؤمنين بالجهاد في سبيله من أجل أن يعبد وحده سبحانه، ومن أجل رفع الظلم عن المظلومين، ثم أمرهم سبحانه وتعالى أن يقرضوه قرضاً حسناً لأجل إعداد العدة والإنفاق على الجيوش التي تخرج مجاهدة في سبيل الله.

تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في دراسة كتاب الله في هذه الليلة؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا الرجاء، فأنت ربنا وولينا، ولا رب لنا ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:243-245].

ذكر حادثة إماتة الفارين من بني إسرائيل من الطاعون

معاشر المستمعين والمستمعات! هذا الاستفهام: أَلَمْ تَرَ [البقرة:243] موجه إلى من؟ إلى من أنزل الله عليه كتابه، واصطفاه ليبلغ عنه شرعه ودينه، هذا الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أي: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا حادثة مضت في التاريخ؟ هذه الحادثة كانت في بني إسرائيل على عهد حزقيل عليه السلام، ولعلهم طولبوا بالجهاد، فجبنوا وآثروا الدنيا على الآخرة، فأصابهم الله بوباء طاعون، عافانا الله وإياكم وسائر المؤمنين، ففروا هاربين من تلك المدينة، وهذه المدينة في شرق واسط، يقال لها: داوردان، عاصمة مدينة كبيرة يسمونها في الزمان الأول بالقرية، ففروا هاربين وكانوا ثلاثين ألفاً أو يزيدون، إذا قال تعالى: وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243].إذاً: فأماتهم الله عز وجل موتة واحدة، ثم سأله عبده ونبيه حزقيل إحياءهم فأحياهم أجمعين، حادثة من أحداث التاريخ، والله! لكما تسمعون: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243]، خرجوا حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ [البقرة:243] بأمر التكوين: مُوتُوا [البقرة:243]، فماتوا عن آخرهم، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243].

دلالة الآية الكريمة على تعرض القاعدين عن الجهاد للبلاء


وهذا المثل الصالح لكل أمة تجبن وتقعد عن الجهاد في سبيل الله، قد يصيبها الله بوباء، قد يصيبها بجدب وقحط، قد يصبها بمحنة مقابل عصيانها، والحامل عليه هو الخوف من الموت، مع أن الموت كتبه الله على كل نفس، وله ساعة محدودة لا تتقدم ولا تتأخر.وهذه الآية نزلت أيام كان المؤمنون يدعون إلى الجهاد، حيث أعلنت الحرب على الإسلام والمسلمين من كل جهات الدنيا، ولا بد من أن يقاتلوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ ليعلمهم ما ينبغي أن يكونوا عليه، ألا وهو الصبر والجهاد، فإن الفرار من الموت لا يقي من الموت، يفرون منه وهو ملاقيهم، فر الرجل من الموت هارباً وإذا الموت يلاقيه في طريقه، فلم إذاً؟

معنى قوله تعالى: (إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا [البقرة:243] فماتوا، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، حقاً وصدقاً إن الله لصاحب فضل عظيم على الناس: أولاً: وهبهم حياتهم، وأوجد وجودهم.ثانياً: أوجد لهم هذا الكون بكامله، ومقومات الحياة من الهواء والغذاء والماء، ثم يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يعز ويذل، هذه العطايا الإلهية لم لا تشكر؟ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [البقرة:243] فضل عظيم، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، ولم لا يشكرون؟ لأن الشياطين تمنعهم من أن يشكروا، تصرف قلوبهم وألسنتهم وجوارحهم عن طاعة الله عز وجل، وشكر الله كما يكون باللسان بأن نقول: الحمد لله معترفين بنعمه علينا؛ نشكره أيضاً بطاعته بفعل ما يأمرنا بفعله، وترك ما يأمرنا بتركه، ويكون أيضاً بصرف النعمة فيما من أجله أنعم الله تعالى بها على العبد، صرف النعم فيما وهبها الله لعبده أن تصرف فيه، هذا هو الشكر. ولهذا تقرر وبيننا وعلمنا أن الشكر أولاً يكون بالاعتراف بالقلب، اعترف بالنعمة لله عز وجل، ثم ترجم ذلك بلسانك، وقل: الحمد لله، ثم اصرف تلك النعمة فيما من أجله أنعم الله تعالى بها عليك، وإياك أن تصرفها فيما يغضبه ولا يرضيه عنك.

الإرشاد النبوي بشأن دخول أرض الطاعون والخروج منها

وهنا يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الطاعون الذي يوجد الآن في هذه الأزمنة؛ ذكر أن سببه بقية من بقايا أصيب بها طائفة من بني إسرائيل، مضى زمان على البشرية وما وجد هذا المرض، وأول ما وجد في بني إسرائيل في طائفة منهم، قد تكون هذه الجماعة التي فرت من الوباء.إذاً: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع بأرض وأنتم لستم بها فلا تقدموا عليها )، وهذا ما يعرف الآن بالحجر الصحي، أي: المنع الصحي؛ حتى لا ينتشر الوباء، هكذا يقرر النبي صلى الله عليه وسلم، يقول عن الطاعون: إنه بقية مرض أو رجس أصاب طائفة من بني إسرائيل بذنوبهم عقوبة من الله تعالى لهم. وبناء على هذا أيها المؤمنون: إذا نزل هذا الوباء في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه، فقد خرج هؤلاء فأماتهم الله، خرجوا هاربين، إذاً: فأنزل الله بهم الموت فماتوا، ثم أحياهم للعظة والعبرة، وإذا نزل ببلاد وأنتم خارجها فلا تدخلوا عليهم.

تفسير قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم)

ثم قال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:244]؛ لأن الآيات في الحث ودفع وتهييج المؤمنين ليقاتلوا في سبيل الله، فلا يمنعهم الجبن والخوف والخور من القتال، فها هي ذي أمة سبقتكم، أهل مدينة بالألوف، لما جبنوا عن القتال وخافوا من الموت أماتهم ثم أحياهم، فالآجال محدودة لا تزيد ولا تنقص، فما على المؤمنين إلا أن يطيعوا ربهم، فإذا قال إمامهم أو قال رسولهم: هلم إلى الجهاد لا يمنعهم الخوف من الموت أن يطيعوا رسولهم أو إمامهم ويجاهدوا معه.فمن هنا قال تعالى: وَقَاتِلُوا [البقرة:244] أيها المؤمنون، قاتلوا الكافرين، المشركين، والظالمين، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:244]، ما هي سبيل الله؟ نقاتل من أجل إعلاء كلمة الله، أي: من أجل أن يعبد الله تعالى وحده، فالقتال الشرعي الواجب المفروض فرض كفاية أو عين هو ما كان لإعلاء كلمة الله، وهذا يظهر في أن يعبد الله تعالى وحده، وأن يرفع الظلم عن المظلومين، فالمظلومون إذا كانوا مؤمنين أولياء لله عز وجل فعلى إمام المسلمين أن يقاتل الظالمين حتى يخلص المؤمنين من اضطهادهم وعذابهم.ويشهد لهذا قول الله تعالى من سورة الأنفال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]، قاتلوا المشركين الكافرين، وليستمر قتالكم لهم إلى غاية، وهي ألا يبقى فتنة، أي: لا يبقى من يفتن في دينه وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ [الأنفال:39]. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:244]، سميع لأقوالكم، عليم بأحوالكم، فلا يخفى عليه أمركم، فمن جبن أو خاف أو تأخر فلا يظن أن الله لا يعلمه، فهو يعلم حاله، ومن قال كلمة تثبط عن الجهاد، أو توجد فشلاً في المجاهدين فالله سميع لقوله، عليم بحاله، أي: فراقبوا الله عز وجل؛ راقبوه حتى تتمكنوا من طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه، هذه تعاليم علمها الله المؤمنين، فعملوا وفازوا وسادوا وطهروا وكملوا، وهم كذلك إلى اليوم وإلى يوم القيامة، متى وجد مؤمنون صادقون في إيمانهم فهذه الآية تتلى عليهم فينتفعون بها، وترفع من شأنهم، وتعلي من مكانتهم.

تفسير قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ...)


ثم يقول تعالى لهم: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، تهييج وإثارة، من هذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً؟ لأن الجهاد متوقف ابتداء على المال، ولهذا ما ذكر الأمر بالجهاد إلا وقدم المال على النفس، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [الصف:10-11]؛ لأن المال به تعد العدد ويحضر السلاح، وتسير به السرايا والمجاهدون، فليس من المعقول أن يخرج المجاهدون بلا مال ولا طعام ولا سلاح، فكيف يجاهدون؟ فالخطوة الأولى: هي الجهاد بالمال، ولهذا يقول تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، الحسنة هنا بسبعمائة، الدرهم بسبعمائة درهم، بخلاف الصدقات الأخرى فهي بعشر حسنات، لكن درهم الجهاد بسبعمائة، ومن هذه السورة في آخرها جاء قول الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، أي: إلى ألف ألف.إذاً: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ [البقرة:245] تعالى لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]، وقد بينها في آية في هذه السورة، ضرب لذلك مثلاً ليفهم ويفهمه الكبير والصغير: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [البقرة:261]، حبة بر غرزها في الأرض فأنبتت سبع سنابل، كل سنبلة فيها مائة حبة، وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].إذاً: هنا تعالى يقول بعدما حذر من الخور والجبن والتخلف عن الجهاد بما بين للرسول بقوله تعالى: ألم ينته إلى علمك حادثة كذا وكذا المتعلقة بأولئك الذين هربوا فارين من الموت فأنزله الله بهم؟

معنى قوله تعالى: (والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون)

ثم يقول تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ [البقرة:245]، يقبض عن العبد المال امتحاناً له وابتلاءً له أيصبر أو لا يصبر؟! فلذا لنعلم أنه ما أصاب عبداً فقر وقلة ذات يد إلا وقد ابتلي هل يصبر أو لا يصبر، فإن هو لم يصبر فسرق، وفجر، وكذب؛ فهذا في عداد الهالكين الهابطين، فإن هو صبر وثبت على عقيدته وإيمانه وصلاح نفسه وخلقه وآدابه؛ فسوف يفرج الله ما به بعد عام أو أعوام، وعد الله لا يتخلف، المهم أنها فترة يبتلى فيها هل يصبر على قضاء الله وحكمه أو يسخط ويضجر ويخرج عن آدابه وعن دينه وعقيدته. ومن أعطاه ووسع عليه رزقه وماله فوالله! إنه لممتحن هل يشكر أو يكفر؟ فإن اعترف بالنعمة للمنعم، وحمده وأثنى عليه وواصل ذلك، وأنفق المال في مرضاته ولم ينفقه ضده ولا في معصيته؛ فهذا نجح وفاز، وإن هو -والعياذ بالله- كفر تلك النعمة وصرفها ضد الله عز وجل وما شكر الله فإنه يسلبها إن شاء ويعذبه في الدنيا والأخرى.هذه قاعدة لا تتخلف: ما رأيت فقيراً إلا علمت أنه مبتلى هل يصبر أو يفجر ويسخط، فهو تحت الامتحان، فإما أن ينجح في هذه المحنة، وإما أن يخسر خسراناً كاملاً، وما رأيت غنياً ذا مال وسعة في رزقه وإلا علمت -وإن شئت أقسمت بالله- أنه متحن أيشكر المنعم فيزيده أو يكفر فيسلبه ويعذبه، وقد تدوم مدة الامتحان والابتلاء، ليست يوماً أو أسابيع، قد تدوم سنوات. وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245]، العودة إلى الله، إذاً: فيا لخيبة عبد يبتلى فلا يصبر، يا لخيبة عبد يمتحن فلا يشكر وهو عائد إلى الله، فالصابر والضجر، والشاكر والكافر، الكل عائدون إلى الله بعد موتهم، هذه الآيات التي رفع الله بها قدر المؤمنين والمؤمنات أيام كانوا يدرسونها ويعملون بما فيها.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات

يتبع‏

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 23-07-2020, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

خبر بني إسرائيل الفارين من الموت


يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ [البقرة:243]، هذه الرؤية ليست بصرية، بمعنى: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، ولو قال: آلاف لكان جمع قلة، لكن قال: ألوف، جمع كثرة، حتى قيل: إنهم ثلاثون ألفاً، فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243]. ولا ننس أن سبعين رجلاً من بني إسرائيل خرجوا مع موسى إلى جبل الطور؛ ليعلنوا عن توبتهم للمصيبة التي فعلوها، وهي شركهم -والعياذ بالله تعالى- وعبادة العجل، فأماتهم الله عن آخرهم وهم في الجبل، وبكى موسى فأحياهم الله عز وجل، والذي يميت السبعين يميت الآلاف، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].إذاً: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [البقرة:243]، عرفنا فضله في إحيائنا وإماتتنا، في إيجادنا وإعدامنا، ما منا إلا وهو يعيش في نعمة الله، فكيف ننسى هذا الفضل وننكره ونتنكر لخالقه وواهبه ومعطيه؟! فلو ذكر هؤلاء هذه الفضائل والإنعامات لما كانوا يفرون من القتال، ولما كانوا يهربون من الوباء، بل كانوا سيصبرون.

أمر المؤمنين بالقتال في سبيل الله تعالى

إذاً: ثم وجه الله الأمر إلى المؤمنين الذين نزلت فيهم هذه الآيات لتعلمهم وتربيهم فقال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:244] أيها المؤمنون.فالقتال في سبيل الله، لا في سبيل الوطن والمال والدنيا والتراب والمنصب والجاه والمراكب والسفن، لا يقاتل المؤمنون إلا من أجل أن يعبد الله تعالى وحده، وأن يرفع الظلم عن أوليائه، فإذا ظلم أولياء الله واعتدي عليهم فعلى المسلمين أن يقاتلوا الظلمة المعتدين من أجل تخليص إخوانهم أولياء الله من عذاب الكافرين والمشركين.ثم معاشر المؤمنين! هذا القتال يجب أن يكون تحت إمرة إمام بايعه المؤمنون، وأعطوه زمامهم وقادهم، هو الذي يدير هذه المعارك ويقود إليها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما كان خلفاؤه خليفة بعد خليفة، ينبغي ألا يكون القتال فوضى كل جماعة تقاتل وتدعي أنها تقاتل لإعلاء كلمة الله، أو لرفع الظلم، هذا لا يرضاه الله عز وجل؛ لأن نتاجه وثماره ما هو إلا خسران، لم لا يبايع المسلمون إمامهم على طاعة الله وطاعة رسوله؟ وحينئذٍ يجب عليه إذا أتيحت الفرصة وتهيأ الظرف للقتال أن يقاتل بهم في سبيل الله، ومن تأخر تليت عليه هذه الآية الكريمة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243] خرجوا حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة:243]، الوباء والطاعون أنزله الله بهم عقوبة لهم ففروا، ابتلاهم بالطاعون؛ لأنهم دعوا إلى الجهاد فجبنوا وخافوا، وأبوا أن يقاتلوا مع رسولهم ونبيهم، فلما أصابهم الله بالوباء هربوا خارجين، ظنوا أنهم ينجون من ذلك، فأماتهم الله، آية من آياته لعباده، ثم أحياهم بعد ذلك، وهذا من فضل الله وإنعامه عليهم، وإلا لكان يميتهم ولا يحييهم.ومن هنا قال تعالى للمسلمين المحمديين: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:244]، كيف تحاولون أن تهربوا من الجهاد وتتكلموا بضده أو تفكروا في غيره وهو سميع لأقوالكم، عليم بأحوالكم؟

الحث على الإنفاق في سبيل الله تعالى

وبعد هذا فتح باب الاكتتاب: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، إذ ما كان عند الرسول بيت مال، كان الجهاد على حساب المؤمنين، يتنافسون ويتسابقون، وحسبنا أن عثمان رضي الله عنه جهز ألف مقاتل، حسبنا أن الصديق في غزوة تبوك أخرج من كل ماله، وأن عمر خرج بنصف ماله، ما كانت الأموال كما هي الآن في دار تسمى مال الدولة، بل ينفقون من جيوبهم، فنصروا الجهاد حتى طهروا هذه الجزيرة من الشرك والمشركين، ما مات الرسول حتى لم يبق على سطح هذه الجزيرة مشرك أو كافر، ببذلهم وإنفاقهم وقتالهم.

بطلان القتال بغير بيعة إمام

أقول: لا يصح لجماعة في بلد ما بدون بيعة إمام تبايعه أمتهم أو في إقليم أن يقاتلوا في سبيل الله، هذا القتال لا يصح شرعاً، وباطل وعواقبه خسران واضح وبين، إن أردتم أن تقاتلوا في سبيل الله لإنقاذ البشرية من الشرك والكفر فبايعوا إمامكم، والتفوا حوله، فيربيكم وينمي طاقاتكم، فإذا أصبح قادراً على القتال فإنه يعسكر على حدود إقليم الكفار ويراسلهم، يقول: هل تدخلون في الإسلام؟ فإن قالوا: نعم ومرحباً بدين الله دخلوا في دين الله بلا قتال، وحكمنا شرع الله فيهم وبينهم، وسادهم الطهر والصفاء، فإن هم رفضوا الدخول في الإسلام طالبناهم بالانضمام إلينا والدخول تحت ذمتنا؛ ليسمحوا لنا أن ننشر دين الله بين أفرادهم؛ لأن الذي يمانع هو الحاكم وجيشه، والأمة المسكينة لم تبقى محرومة من دين الله؟ افتحوا لنا المجال، ادخلوا في ذمتنا وفي حمايتنا، ونحن نحميكم ونقاتل دونكم، ونحفظ أموالكم وأعراضكم ودماءكم وعقائدكم أيضاً، فإن رفضوا فلم يبق -إذاً- إلا إعلان القتال والدخول في المعركة، والله ناصر أوليائه وهازم أعدائه، هذا هو القتال الشرعي الذي ينبغي أن يكون.أما أن تخرج جماعة في أقاليمنا التي لا تحكم بالإسلام ويكفروا الحكام ثم يدخلوا في معارك فيقتل المؤمن المؤمن والمسلم المسلم؛ فهذا -والله- ما أذن الله فيه ولا هو بجهاد أبداً.الجهاد: أن نبايع إماماً بيعة شرعية على أن يسوسنا بشرع الله، ويقودنا بكتاب الله وسنة رسوله، هذه الإمام هو الذي يجاهد برجاله إن كانت الفرص متاحة، إذا رأى نفسه قادراً على أن يجاهد في سبيل الله زحف بسفنه أو دباباته أو سياراته، ويطالب أهل الإقليم المجاور لهم أن يدخلوا في الإسلام أو يدخلوا في ذمة المسلمين؛ لينشر الإسلام بينهم، أو يقاتلوا، والآية المبينة لهذه من سورة التوبة من آخر ما نزل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، هذا نظام الإسلام الرباني، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، وهكذا في ظرف خمس وعشرين سنة بلغ الإسلام إلى أقصى الشرق وأقصى الغرب تحت هذا النظام.أما جماعة تقوم على الحاكم بعد أن تعلن عن كفره وما بايعت إماماً ولا التفت الأمة حولها، ولا وافق عليها أهل الإقليم؛ فهذه هي الفتن بعينها.فالمفروض: أن نطالب الحكام بتحكيم الشريعة بالموعظة والكلمة الطيبة الحسنة، من باب تنبيههم، تعليمهم، أما أن نعلن الحرب ولا إمام ولا قيادة، ويقتل المؤمنون بعضهم بعضاً؛ فهذا ظلم وفسق وخروج عن طاعة الله ورسوله، وعواقبه لا تساوي إلا الدمار والخراب.يقول تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات:9]، أي: قاتل بعضهم بعضاً؛ فما هو موقف المسلمين؟ بينه الله تعالى فقال: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، على إمام المسلمين أن يتدخل في هذا القتال بين طائفتين، فإن كانت إحداهما ظالمة قاتلها حتى ترجع إلى الصواب وتعود إليه بالمفاوضات وبيان الحق، وبيان الهدى، وإذا كانت مظلومة رفع الظلم، وإذا كانت مضطهدة رفع اضطهادها، فإن أبت طائفة إلا القتال فليقاتلها المسلمون مجتمعين؛ حتى ترجع إلى الحق وتقول به. وأخيراً سأتلو هذه الآية الكريمة وتأملوها: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243] بعد أن ماتوا، إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، وَقَاتِلُوا [البقرة:244] أيها المؤمنون فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:244] أي: من أجل أن يعبد الله تعالى وحده، ولا يعبد معه سواه، ومن أجل رفع الظلم عن المظلومين، إذا أمة ظلمت واعتدت فعلى المسلمين أن يرفعوا هذا الظلم بقتالها، وهو في سبيل الله؛ لأن المظلومين من المؤمنين المتقين أولياء الله، فكيف يسكت المؤمنون ويرضون بالعدو الكافر أن يضطهدهم أو يعذبهم، والظالمون أنفسهم لا نرضى بظلمهم، بل نرفعه. ودعا الله تعالى المؤمنين إلى البذل والعطاء، إلى الإنفاق لأجل إعداد العدة وتسيير السرايا التي تقاتل في سبيل الله، فقال: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، والله! ما هو في حاجة إلى أموالنا، ولكن هذه الأموال من أجل إعلاء كلمة الله ورفع الظلم عن المظلومين.فالمؤمنون يبذلون أموالهم وينفقونها، وقد يخرج أحدهم من ماله كاملاً ولا حرج، وقد يخرج من نصف ماله؛ لأن الله يعوضه ويضاعف له أضعافاً كبيرة، وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245].
أحكام متعلقة بالمعتدات والمطلقات

أقسام المعتدات


نتناول هنا مراجعة وبياناً لأحكام المعتدات من النساء، وذلك أن المعتدات على أقسام:أولاً: معتدة تحيض، فعدتها ثلاثة قروء، سواء قلنا بالأطهار أو بالحيض، الكل خير، إلا أن الاعتداد بالأطهار أخف على المعتدة، فزمنها أقل، حتى تستريح وتتزوج، لكن الاعتداد بالحيض في صالح الزوج أيضاً، تبقى المدة أمامه طويلة عله يراجع، ففي ذلك فائدة لهذا ولهذا؛ ولهذا لا فرق بين أن نقول: بالأطهار أو بالحيض. هذه واحدة.الثانية: التي لا تحيض لكبر أو صغر، إما عجوز فوق الخمسين ما تحيض، أو صغيرة بنت تسع أو عشر سنوات ما تحيض، فعدتها ثلاثة أشهر: وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]، تسعون يوماً، ثم هي حرة تتزوج بمن شاءت إذا ما راجعها زوجها فيها.الثالثة: المتوفى عنها زوجها، تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، بعدها لها أن تلبس الحرير وتكتحل وتتعرض للخطبة والزواج، لكن في الأربعة أشهر وعشرة أيام تلزم بيتها لا تخرج منه إلا من ضرورة قصوى. وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، هذه الآية من أهل العلم من قال بنسخها، وأنها منسوخة بآية سبقت: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، وآثرنا القول بعدم النسخ، وقد رغب فيه كثير من الصحابة والتابعين والأئمة، فقلنا: لبثها في بيت الزوج أربعة أشهر وعشر ليال هذا هو الواجب، وبعدها يستحب لأهل الميت أن يبقوا هذه المؤمنة التي مات زوجها تأكل وتشرب حتى تكمل السنة إذا أرادوا أن يحسنوا ويعملوا بهذه الوصية الإحسانية: مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ [البقرة:240]، فتزيد سبعة أشهر وعشرين يوماً وهي في بيت زوجها الذي توفي، فإذا انتهت السنة تخرج حيث شاءت، وإن أرادت أن تخرج بعد الأربعة أشهر وعشر ليال فلها ذلك، لكن إن قالت: أنا ألفت هذا المنزل وهؤلاء أبنائي أو إخواني سنبقى معكم حتى يفرج الله، فيقال حينئذ: أكملوا لها السنة، وتبقى الآية ليست منسوخة بل محكمة، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها، تبقى في بيتها أربعة أشهر وعشر ليال لا تختضب ولا تكتحل ولا تتعرض للزواج أبداً، وإن فعلت فهي آثمة وفاسقة ويجب عليها أن تتوب؛ لأن الله قال: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:234] من التعرض للزواج أو التزوج، لكن تبقى مدة إكمال السنة من باب الإحسان، فإذا ما رغبت أن تخرج من هذا البيت، وقالت: سأبقى معكم حتى تكتمل السنة وبعد ذلك يفرج الله عني؛ فمن الإحسان أن نبقيها، تأكل مع الأسرة وتشرب وتنام حتى تكمل السنة، فهذا إحسان أمر الله به ووصى به: وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:240]، ما دامت قد أكملت أربعة أشهر وعشرة أيام فلها أن تخرج، لكن إن قالت: سأبقى معكم حتى أكمل سنة ويفرج الله عني، أليس من الإحسان والرحمة والمودة أن تبقى هذه؟ فالآية -إذاً- محكمة وليس بمنسوخة.المعتدة الرابعة: المرتابة، من الريب، هذه ليست كبيرة في السن، وما هي بصغيرة، ولكن مع الأسف ما حاضت.قال أهل العلم: تتربص وتنتظر تسعة أشهر، فإن كان هناك حمل فبها ونعمت؛ لأن عدم الحيض سببه الحمل، فإذا ما حاضت في الشهر الأول، ولا في الشهر الثاني، ولا في الثالث ولا في الرابع فلعله حمل، فإن مضت تسعة أشهر وما حملت فلا حيض ولا حمل، إذاً: حين تستوفي تسعة أشهر مدة الحمل تعتد بثلاثة أشهر، فتكمل سنة وبعد ذلك تتزوج، هذه المرتابة الشاكة، انقطع حيضها لأي شيء، أو لعلها حبلى في بطنها جنين ماكث، فما تحيض مع الجنين أبداً، وقد يتأخر الجنين سنتين، يستقر وما ينمو ويبقى في الرحم.إذاً: قالت الفقهاء -رحمة الله عليهم-: هذه هي المرتابة الشاكة، عدتها سنة، تمكث تسعة أشهر عسى أن تكون حاملاً في بطنها جنين، وبعد تسعة أشهر إذا ظهر أنه ما هناك حمل فإنها تأخذ في العدة، تعتد بثلاثة أشهر كالآيس من الحيض، فهنا أربع معتدات.

أقسام المطلقات من حيث ما يجب لهن

والمطلقات أقسام:أولاً: المطلقة إذا طلقت قبل المسيس، قبل أن يمسها زوجها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]، إذا تزوج الرجل المرأة وطلق قبل الدخول عليها فلا عدة عليها، فإن لم يسم لها صداقاً فلا صداق لها؛ لأنه ما سمى لها شيئاً، إذاً: فماذا تعطى؟ تعطى المتعة، يمتعها الزوج الذي طلقها بحسب حاله فقراً وغنى، إعساراً ويساراً.ثانياً: مطلقة طلقها قبل أن يمسها وقد سمى لها مهراً، فلها نصف المهر، إلا أن تتنازل عنه كله، أو يتنازل هو عنه كله، وقد ذكرنا اللطيفة أمس: وهي أنه إذا كانت هي التي طالبت بالطلاق فمن الخير أن تقول: تنازلنا عنه، ما دمت أنا نجوت بنفسي، فمن الخير أن تكون هي التي تعفو، وإذا كان الزوج هو الذي أراد طلاقها وما رغب وأخزاها وأذلها بين النساء فمن الخير أن يترك المهر كله لها، أما الآية فالله تعالى يقول: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، ففتح الله علينا وقلنا: يعفو الرجل إذا كان هو الذي رغب في طلاقها، أليست هي تشعر بمهانة؟ يعقد عليها وقبل أن يدخل بها يطلقها، فمن الخير أن يتنازل عن النصف، وإذا كانت هي كرهته وما أرادت أن تتزوج، وهو يكرب لهذا ويحزن؛ فمن الخير أن تتنازل هي عن النصف.ثالثاً: مطلقة كان قد بنى بها ودخل عليها وطلقها، فهذه إن سمى لها مهراً فلها مهرها كاملاً، وإن لم يسمّ لها مهراً فلها مهر مثيلاتها من الشريفات والوضيعات والغنيات والفقيرات، هذه تزوجها وما سمى لها المهر لا مليون ولا ألف، ثم طلقها بعد الدخول بها والبناء حتى بعد الولادة، فما الحكم؟ تعطى مهر مثيلاتها، القاضي ينظر إلى هذه الأسرة: هل هي أسرة فقيرة، أو غنية شريفة، أو وضيعة، فيعطيها مهر مثيلاتها من جنسها، هذه هي الرابعة.فهذه خلاصة هذه الآيات، وهذا فقهها، والله تعالى أسأل أن يحفظنا وإياكم وأن يراعانا وإياكم ما حيينا.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 23-07-2020, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (18)
الحلقة (25)




تفسير سورة البقرة (115)

يذكر الله عز وجل قصة بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام، وأنهم طلبوا من نبيهم أن يختار لهم ملكاً من بينهم ليقاتلوا تحت لوائه العمالقة، وبينوا له سبب استعدادهم للقتال وذلك لاسترداد أوطانهم وما سلب منهم، فلما عين لهم رجلاً منهم ليكون ملكاً عليهم بدءوا بالتلكؤ والتساؤل، إذ كيف يكون لطالوت الملك عليهم وليس صاحب مال وافر فيهم، فبين لهم نبيهم أن الله عز وجل هو الذي اختار لهم طالوت وميزه عليهم بمزيد من العلم والقوة.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عادتنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع هاتين الآيتين المباركتين، وإليكم تلاوتهما:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:246-247].

حث المسلمين على الجهاد بتذكيرهم بإماتة الله تعالى الفارين من الموت

أعيد إلى أذهان المستمعين من المؤمنين والمستمعات من المؤمنات ما جاء في الآيات الثلاث في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243] وما بعده، فقد عرفنا -زادنا الله معرفة- أن هذه الآيات نزلت في بداية الجهاد الإسلامي، فسورة البقرة من أوائل ما نزل بالمدينة، وهي قطعاً مدنية، والجهاد يتطلب المال والنفس، وإذا لم يكن مال ولا رجال فكيف يكون الجهاد؟ والنفس قد يعتريها الخور والخوف والضعف، وتعجز عن القتال، والجهاد قتال، والأمة مقبلة على قتال الأبيض والأصفر، وهذا الذي تم.إذاً: فقال الله تعالى لرسوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا [البقرة:243] فماتوا، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243] لِم خرجوا من ديارهم؟ لأن الوباء الطاعون -عافانا الله وإياكم والمسلمين منه- وقع، فخرجوا هاربين من الموت يظنون أنهم إذا خرجوا من مدينتهم نجوا من الموت، ولا أشك أن هذا مسبوق بطلب رفضوه، وإن لم يذكر، فلعل أحد أنبيائهم طلب منهم أمراً فرفضوا فأصابهم الله تعالى بهذا المرض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنه: إنه رجس أصيب به طائفة من بني إسرائيل، فهذا هو مرض الوباء، فلما جبنوا ابتلاهم الله بهذا الوباء ففروا هاربين منه يظنون أنهم ينجون، وما إن خرجوا حتى قال لهم: (موتوا) بكلمة التكوين فماتوا وأنبيائهم يشاهدون، ثم قال لهم: (قوموا) فحيوا عن آخرهم.فهل نفعكم الفرار من الموت؟ ما نفع، هل امتناعكم عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والجهاد كان له عاقبة حميدة؟ لقد كانت من أسوأ العواقب، إذاً: هذا من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة)!هذا حدث في بني إسرائيل وقصه الله للعبرة، يقول تعالى: ألم ينتهِ إلى علمك يا رسولنا كذا وكذا؟ ليفهم هذا المؤمنون وليعرفوا مركزهم وموقفهم.

عظيم فضل الله تعالى على الناس


إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، وتجلى فضل الله عز وجل في خلقه لهم، وفي إنجائهم وإحيائهم بعدم موتهم، أليس هذا أعظم فضل، ماتوا فأحياهم عن آخرهم، لو شاء لتركهم إلى الأبد. إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [البقرة:243] أبيضهم وأصفرهم، إذ ما منا إلا وهو يتقلب في نعم الله، من استطاع منا أن يوجد لنفسه عيناً أو أذناً، أو شفة من الشفتين، أو لساناً ينطق به، أو هواء يتنفسه، فضلاً عن الطعام والشراب؟ ففضل الله علينا عظيم، والمطلوب أننا لا نبكي بل نحمد الله عز وجل، وذكرتكم وما انتفعتم ولا انتفعنا؛ لأن قلوبنا مصابة بالغفلة، قلت: منذ فترة تغدينا مع رجل مؤمن في مدينة بريدة، فمن ساعة أن وضع الطعام والرجل يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله؛ حتى فرغ الأكلة من طعامهم، ولا يقل لنا قائل: هذا تنطع أو هذا ابتداع، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما فعل هذا! فهذا كلام ليس بصحيح، بل نحن مأمورون بذكر الله وشكره، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن أنه يتوب إلى الله ويستغفره في اليوم مائة مرة. والشاهد عندنا: أننا لو ننظر في صدق إلى ما نحن فيه من نعم ما وسعنا أن نسكت أبداً، بل لن نقول إلا: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.فماذا أراد الله بقوله: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243] أليست دعوة إلى الذكر وإلى الشكر؟

أمر المسلمين بالجهاد لعبادة الله تعالى وحده

ثم قال بعد هذه التوجيهات: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190]، هل المراد بنو إسرائيل؟ لا، بل المسلمون، إذ نزلت الآيات لهدايتهم وتربيتهم، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190] أيها المؤمنون.وعرفنا أن القتال في سبيل الله هو من أجل أن يعبد الله تعالى في الأرض وحده، يعبد بما شرع من عبادات، من أجل أن ينتقل أهل الأرض إلى السماوات؛ لأن أهل الأرض إذا لم يعبدوا الله تعالى بما شرع لهم فإنهم ينزلون إلى الدركات السفلى، ويخلدون في العذاب الأبدي في الطبقات السفلى من الكون، فإذا هم عبدوا الله تعالى عبادة شرعية حقيقية زكت أنفسهم وطابت أرواحهم، وحينئذٍ يرفعهم الله إليه إلى الملكوت الأعلى، فهذا سر العبادة، مع ما تفيضه على العابدين من مودة وإخاء وطهر وصفاء، وعدل ورحمة، وتنتهي مظاهر الخبث والظلم والشر والفساد، ولا يبقى لها أثر.
إحاطة علم الله تعالى وسمعه أقوال المرجفين
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا [البقرة:244] أيها المؤمنون أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:244]، إذ هذه الآيات الأولى في الجهاد، ولا تسأل عن الطابور الخامس وعن الإعلام في المدينة، اليهود يقولون كذا، والمشركون يقولون كذا، يقولون: هذا جاء لإيقاع الفتنة بينكم، هذا كذا، يريدكم كذا، فقال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ [البقرة:244] لأقوالكم الهابطة أقوال السوء، عَلِيمٌ [البقرة:244] بما تكنونه من مكر برسولنا وكيد لعبادنا المؤمنين، فهذه تلصقهم بالأرض، فما دام تعالى سميعاً لأقوالهم، عليماً بأعمالهم؛ فسوف ينزل بهم نقمه، أو يكشف الستار عنهم ويفضحهم؛ لأن الآيات في بداية المعركة بعد معركة بدر مباشرة.

الحث على الإنفاق في سبيل الله تعالى

ثم حثهم وحضهم وهيجهم على الإنفاق في سبيل الله، فبِم يقاتل رسول الله وهو ما يملك ديناراً ولا درهماً، فإذا قال المهاجرون: هيا يا رسولنا قال: أين طعامكم وشرابكم وسلاحكم؟ فلهذا قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، الدينار بسبعمائة دينار، بل بألف، وبالفعل أخرجوا أموالهم وأنفقوها في سبيل الله، وكم من مؤمن كان يأتي ويقول: يا رسول الله! أجاهد معك، فيقول: لا أستطيع حملك: لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [التوبة:92]، فيرجعون وهم يبكون من الحزن لأنهم ما استطاعوا أن ينفقوا.إذاً: مَنْ ذَا الَّذِي [البقرة:245]، هذا الاستفهام للتهييج والإثارة، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، والمال ماله وهبه لنا، وقال: أقرضوني أضاعف لكم القرض، وإلا فالمال -والله- ماله، ومن رحمته وإحسانه أنه يعطينا ويستقرض منا، فالناس الآن قد يفعلون هذا، يعطي لأخيه مالاً ويحتاج إليه، فيقول له: أقرضني، لكن الله عز وجل واسع الفضل عظيم، فالدينار بسبعمائة وبألف: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111] مع أن أنفسهم وأموالهم منه وله، وهبهم واشترى منهم لغناه ولفقرهم، بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111]، لا أحد، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]، هل عرف المسلمون هذه الآية؟ ما سمعوا بها؛ لأن هذه السورة ما تقرأ على الموتى أبداً، ما هي مثل يس، والواقعة، والملك، ولذا ما عرفوها، ولو عرفوا هذه ما صح لأحدهم أن يحتسي شراباً يضعف عقله أو بدنه، ولما استطاع مؤمن أن يدخل أي ضرر على نفسه؛ لأن النفس هذه ليست له، حيث باعها، وهي أمانة في عهدته لله عز وجل؛ فلهذا لا يحل لمؤمن أن يدخل على نفسه أذى، لا على عقله ولا على جسمه بعظامه ولحمه؛ لأنها أمانة مودعة عنده، ويوم يطلبها المؤتمن تقدم له.والذين يحتسون السموم ويشربون المخدرات ويهدمون بنيانهم في المعاصي والجرائم والسهرات وما إلى ذلك، هؤلاء أضاعوا أمانة الله أو لا؟ لو نادى إمام المسلمين: (حي على الجهاد)؛ قال أحدهم: مع الأسف؛ أنا مريض! لماذا تمرض، لم تدخل المرض على نفسك، أليست أمانة لله، أما بعت نفسك واشتراها الله، فكيف إذاً تعمل هذا بجسمك؟ أما المال فلا تسأل، فالذي ينفق درهماً ريالاً قرشاً في معصية الله أعوذ بالله منه، هو شر الخلق، أيعطيه مولاه ويشتري منه ثم ينفق ضده؟ فتأمل: وهبك مالك ونفسك، ثم اشتراهما منك وتركهما أمانة عندك، فحين يطلبهما تعطيه، وإذا بك تنفق ماله ضده فيما يكره، وتتحداه، والله! لو يشعر العبد المؤمن بهذا الشعور لأغمي عليه.فلهذا كل من ينفق ديناراً ودرهماً في معصية الله وقف هذا الموقف الشائن الذي هو أسوأ موقف، ونبدأ بالذين يشربون الدخان والشيشة والكوكائين والهروين، والذين ينفقون أموالهم على الزنا والعهر والباطل، والذين ينفقون أموالهم في القمار واللهو والباطل، حتى الإسراف في الأكل والشرب لا ينبغي، فالقصد.. القصد، هذا مال الله، ما هو بمالك، فلا تسرف.إذاً: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]، وبينتها سورة البقرة، إذ قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، قال ابن عباس : إلى ألف ألف، وألف الألف مليون.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 23-07-2020, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

ابتلاء الله تعالى عباده بقبض الرزق وبسطه

ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245]، أيها المؤمنون! اعلموا أن الله يقبض الرزق على من يشاء ويقلل ماله وطعامه وشرابه ابتلاءً له هل يصبر أو يسخط، ويبسط ويوسع على من يشاء امتحاناً أيشكر أم يكفر، ومن هنا: إذا طلب منك مولاك فأعطِ، فإنَّ منْعك العطاء لا يغنيك ولا يدفع الفقر عنك أبداً؛ لأن الإغناء والإفقار هو الذي يديرهما ابتلاءً وامتحاناً، وبهذا تشجع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفتم كيف كان ينفقون، فاللهم اجعلنا من محبيهم.

تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله ...)
بعد هذا جاء السياق الآتي: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246]: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا الحادثة الآتية والقصة الآتية، وهي عبرة يعبر بها المؤمنون بحور الضلال والشقاء والخسران. ثم من أين لرسول الله أن يقص هذا القصص ويأتي بهذه الأحداث كأنها الآن تقع بينهم، هذه علامة أنه رسول الله، ومن أنكر رسالته فهو أحمق مجنون لا قيمة له.هل استطاع اليهود أن يردوا كلمة واحدة من هذا؟ الآية تنزل واليهود بطوائفهم الثلاث، وهم علماء والعرب جهال، هل استطاعوا أن يردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة واحدة؟ ما استطاعوا؛ لأنه يتلقاه غضاً طرياً من الملكوت الأعلى. أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ [البقرة:246]، ما المراد بـ(الملأ)؟ الملأ: الجماعة الذين يملئون عينيك وقلبك بالمهابة، وهم أشراف الناس وساداتهم وأغنياؤهم وأهل الحل والعقد منهم، الذين يملئون العين والقلب. مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:246] أي: من أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246]، أي: من بعد وفاة موسى بقرون، متى؟ لما أغناهم الله بعبادتهم وطاعتهم وصلاحهم واستقامتهم على دين الله عز وجل، ثم دخلهم الربا والزنا والكعب العالي، كالمجتمع الإسلامي اليوم، وهو يتهيأ للنقمة الإلهية.إذاً: سلط الله عليهم البابليين، فشردوهم.. مزقوهم.. طردوهم من بلادهم.. ساموهم الخسف، لِم يا ربّ تفعل بهم هذا؟ أليسو أبناء أنبيائك؟ الجواب: نعم، ولكن عصوني وفسقوا عن أمري، خرجوا عن طاعتي وحاربوني، فأذقتهم هذا البلاء، وإن كانوا أبناء الأنبياء. أما أذاق الله أمة محمد أطهر الأمم وأصفاها البلاء والعذاب والشقاء؟ أين الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي؟ حولوهم إلى شر الخلق، أين الأندلس جنة الإسلام الخضراء؟ تحولت إلى صلبان وشياطين.وأخيراً: أما استعمرتنا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبلجيكا، أين ممالك الهند الإسلامية؟ وضعتها بريطانيا تحت حوافرها، لما فسقنا عن أمر ربنا، وخرجنا عن طاعته أمضى الله تعالى فينا سننه، ولله سنن لا تتبدل ولا تتحول، ما نحن بأشرف من بني إسرائيل، بنو إسرائيل أبناء الأنبياء سلط الله عليهم البابليين من جهة العراق وهم في فلسطين وما حواليها، فشردوهم، فعلوا بهم كما يفعل اليهود اليوم بالمسلمين في فلسطين سواء بسواء، أهذه خيالات أو حقائق؟ أما شرد إخواننا الفلسطينيون فنزلوا في كل مكان؟ بسبب ماذا؟ بسبب الخروج عن منهج الحق ومنهج الطاعة لله ورسوله، فمن أكل السم مات أحب أم كره، أليس كذلك؟قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] عليه السلام إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، أخذوا يتحمسون، طالت مدة الاستعمار، وأخذوا يفكرون، ونبتت نابتة قوية شجاعة، فقالوا لنبيهم: ابعث لنا ملكاً، وهذا النبي قيل هو: شمويل أو شمعون، والعبرة ما هي بالاسم، حسبنا أنه لو كان الاسم فيه فائدة لذكره الله تعالى، فهو نبي من أنبيائهم، الأول حزقيل الذي كان في عهد الوباء، وهذا شمويل. ‏

أهمية بيعة الإمام في الجهاد

وهنا تأمل قوله تعالى: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، ولا تقولوا: الشيخ جنّ! أقول: لو عرف هذا إخواننا الفلسطينيون معرفة يقينية وإيمانية فوالله! لأخرجوا اليهود منذ أربعين سنة، فكيف؟ يبحثون عن ملك يملكونه وإماماً يقودهم ويطيعونه، فإذا قال: صوموا صاموا، وإذا قال: هلِّلوا هلَّلوا، وإذا قال: اجلسوا جلسوا، لا يزال يترقى بهم حتى يصبح له قوة لا تقهر، لكن ما فعلنا، فما هي النتيجة؟ لا نجاح ولا فوز.وأوضح من هذا أنا قاتلنا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبلجيكا وأخرجناهم من بلادنا، فهل أقمنا دولة إسلامية؟ ما السر؟ ما بايعنا إماماً ربانياً يقودنا إلى حياض الكمال في الدنيا والجنة في الآخرة، كل يريد أن يكون هو الملك الحاكم، وحين لا يتعين إمام فالفوضى، ينجح الشعب ويستقل ويرفضون كلمة إمام وملك، بل يبحثون عن أي ملك يريدون ذبحه، حتى لا يقيموا دين الله، والهروب من بيعة إمام هو الهروب من أن يعبد الله عز وجل، ما يريدون أن تقام الصلاة ولا تجبى الزكاة، ولا يحجب النساء ولا يمنع الربا، ولا يفرض الجهاد أبداً، فيموت النساء والرجال والأطفال ويستقل الشعب من فرنسا أو إيطاليا وهم يتنكرون للإسلام.فأسألكم بالله: هل سعدوا في أي بلد؟ هل طابوا وطهروا، وتآخوا وتلاقوا؟ كلا، بل كان الخزي والعار والشنار والحرب، وما أفقنا، وآخر رمية أيام الجهاد الأفغاني، وأقول: إنه جهاد فيه دخن وتغضبون أنتم، وتقولون: ماذا فيه؟ فقولوا ما شئتم، فوالله! إن فيه لدخناً، وعاقبته عاقبة السوء، ونتائجه مرة.كنت أقول: لا يحل لمؤمن أن لا يراه الله في ذلك الجهاد، إما بنفسه إن كان أهلاً لذلك، أو بماله إن كان له مال، أو بدعوة إخوانه إلى أن يساعدوا وينفقوا، أو بدعائه صباح مساء لإخوانه، ومع هذا ذهبنا إليهم وبينا لهم، وانتدبنا شيخنا الباز حفظه الله وأطال الله عمره، وذهبنا إليهم ودخلنا معسكراتهم وقلنا: اجتمعوا على إمام وبايعوه، وحدوا كلمتكم وصفوفكم، فقال أحدهم: هذه الجبهة الفلانية صاحبها جعلها مصيدة للفلوس! ما إن سمعنا هذه الكلمة من قائد من قوادهم حتى انهارت قوانا، وعرفنا مصيرنا.وبعد أن انهزمت روسيا وتحطمت بجهاد المؤمنين والمؤمنات بالدعاء وبالإنفاق في سبيل الله، وأعظم بلاد أنفقت هي هذه البلاد، وهزم الله روسيا، بعد ذلك هل استطاع إخواننا أن يقيموا دولة إسلامية؟ هل أقيمت بينهم الصلاة؟ هل حطمت مشاهد الشرك والباطل والخرافات؟ كلا، لِم؟ ما بايعوا إماماً على قيادتهم إلى رضوان الله عز وجل.فهذه الآية عجب أو لا؟ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا [البقرة:246] لا نقاتل بدون إمام، ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] من أجل أن يعبد الله ويحكم شرعه في عباده.

معنى قوله تعالى: (قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا)


فقال لهم النبي عليه السلام: (هل عَسِيتُمْ) كما في قراءة سبعية، هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]، ومعنى هذا أنه يقول: أنا أتوقع أنكم إذا كتب عليكم القتال لا تقاتلون، عرف ظاهرهم وباطنهم، و(عسى) للترجي، وقد صدق، فقد فرض الله عليهم القتال وانهزموا، آلاف رجعوا منهزمين وما قاتل إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدة أصحاب بدر كما سيأتي بيان ذلك في الآيات.فهل عرفتم الآن أنهم يطالبون بإمام يقودهم؟ في إمكانهم أن هذا يولي هذا وهذا يبايع هذا، وتظهر الفوضى والهزيمة من أول يوم، ولكن عرفوا أنه لا بد من بيعة إمام، وهذه الانتفاضات التي يسمونها في بلاد العرب والمسلمين جماعة كذا وتطالب بالحكم وبدون بيعة أمتهم لهم؛ مآلهم التمزق والتشريد والدمار والخراب، لا بد من بيعة إمام، لِم هذه البيعة؟ ليأمر فيطاع وينهى فيطاع، لتجتمع كلمة الأمة، إذا قال: الله أكبر كبروا جميعاً، أما أنه يقول: الله أكبر وهذا يغني فكيف يقودون أمة؟

معنى قوله تعالى: (قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا)

فهؤلاء قال لنبيهم: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، فقال: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] والحال أنا أخرجنا من ديارنا وأبنائنا، ما لك يا نبي الله؟ كيف لا نقاتل؟ وهو يعرفهم ظاهراً وباطناً، فما هم بأهل لأن يقاتلوا.وصح هذا، فقد خرج يقودهم طالوت فانهزموا ورجعوا إلى ديارهم يصعقون، وما استمر مع طالوت إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر.والآن هؤلاء الذين يطالبون بالجهاد والله العظيم! ما هم بأهل، لِم؟ ما ربوا في حجور الصالحين؟ ما تكونوا تكويناً ربانياً سليماً صحيحاً، فما ينقادون، فثلاثة أنفار منا يطعن كل واحد منهم في الآخر، يسب ويشتم ويعير، ولو سمعتم ما يقال في هذا الشيخ الذي يحدثكم لسمعتم عجباً، يقولون: ذَنَب وعميل وكذا، لا إله إلا الله! والله! ما أنا بذنب، ولا بعميل إلا لله عز وجل، ويقولون كذلك، قالوا: السعودية بنت له عمارات، والله العظيم! ما بنت لي لبنة واحدة، لكن أمة هابطة هذا شأنها، ما يستحي المؤمن أن يتكلم وهو لا يعلم، وهذا سبب فتنتنا: نتكلم بدون علم، قيل وقال، وقد حرم الله هذا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.فهل عرفتم سر الإمامة أو لا؟ لتكون الكلمة واحدة والطاقة واحدة، لا أن كل واحد يقول ويعمل كما يشاء، فما نستطيع أن نجاهد حينئذ. قال تعالى: قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246].

معنى قوله تعالى: (فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين)

قال تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا [البقرة:246]، رجعوا إلى الوراء هاربين إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246]، أربعمائة من ثلاثين ألفاً أو أربعين ألفاً، وامتحنهم -كما سيأتي- بنهر الأردن، قال لهم: نحن في زمن عطش في الصيف، سوف نمر بنهر، وقد منعكم الله من الشرب منه فلا تشربوا إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ [البقرة:249]، غرفة فقط ليبرد قلبه؛ امتحاناً لهم، وما إن وصلوا إلى نهر الأردن حتى كبوا عليه كالبهائم وما نجا إلا ثلاثمائة وأربعة عشر، هذه عدة قوم طالوت وكانت عدة أهل بدر، والباقون انهزموا، وهؤلاء المؤمنون الصابرون بقيادة هذا البطل الكريم طالوت نجحوا ومزقوا جيش البابليين وهزموهم.

تفسير قوله تعالى: (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً ...)

قال تعالى: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا [البقرة:247] بعث لكم طالوت ملكاً عليكم يسوسكم ويقودكم حيث تقاتلون وتنتصرون، وتستردون دياركم ومركزكم في العالم، قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247]، قالوا: طالوت هذا لا يصلح، ما هو من أولاد لاوي ولا من أولاد يهوذا، هذا من أولاد بنيامين ، نريد ملكاً من أصالة وجدارة كأولاد يهوذا الملك فيهم، أو من أولاد الأنبياء كبني لاوي ، أما بنو بنيامين فلا.ولو كان لهم عقول فهل سيقولون هذا الكلام لنبي؟ هل يعترضون على نبي طالبوه بأن يسأل الله لهم وأعطاهم فيقولون: لا، كيف يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، نحن أبناء يهوذا وأبناء لاوي، كيف نقبل هذا؟وهل المسلمون اليوم يختلفون؟ لو كانوا مؤمنين صادقين -كما قررنا هذا منذ أربعين سنة- لاجتمعوا في هذه الروضة وبايعوا إماماً لهم وأخذوا القرآن دستوراً لهم، وأصبح العالم الإسلامي تحت راية واحدة ولا يكلفهم شيئاً أبداً.فهل بعد ذلك سيمرضون، أو يفتقرون، أو يصابون بماذا؟ والله! لترتفعن راية لا إله إلا الله في العالم، وخاصة في هذه الظروف، فما المانع أن يجتمع أربعون نفراً أو خمسون من الحكام ويقولوا: بايعنا فلاناً على كتاب الله وسنة رسوله، أنت إمام المسلمين ونحن ولاة وقادة الجيوش في العالم الإسلامي، لِم ما يفعلون؟ ما يستطيعون، فإذا كان هناك أحزاب وجماعات في كل بلد ما اتفقوا؛ فكيف تتفق الدول؟ ما السر إذاً؟ ما ربينا في حجور الصالحين، ظلم الجهل هو الذي هبط بنا. قال تعالى: قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247]، قالوا: هذا فقير ما عنده ثروة ولا مال، وما هو من أبناء الملوك ولا أبناء الأنبياء، ما هو بمعقول يا حزقيل أو يا شمعون!

معنى قوله تعالى: (قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم)

قال تعالى: قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ [البقرة:247]، المفروض أنه ما دام أن الله اختاره فهل يبقى لنا كلام؟ وإنما تكلموا لأنهم فساق وظلمة، لأنهم في وقت هبوطهم، أبعد أن يقول: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ [البقرة:247] يبقى واحد يتردد؟ آمنا بالله. قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247]، كان أطولهم قامة، وقيل: هو ابن عجوز، وهذه العجوز لما بلغت ستين سنة سألت الله أن يرزقها ولداً، فرزقها الله هذا الولد طالوت، ولعل طالوت مأخوذ من الطول باللغة العبرية، حيث كان أطولهم؛ لأن الله قال: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247]، كان أعلمهم وأقواهم بدناً، وهذا اختيار الله عز وجل للملك، فيجب أن يكون من العلماء من الأفاضل من أهل القوة البدنية والعقلية، أما ذو مناكب ضعيفة ونوليه فإنه يعجز ويشتت الأمة، هذا تدبير الله عز وجل.

لطيفة في الدلالة على جواز حب الوطن

وأذكر هنا لطيفة في قولهم: وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، قالت العلماء: حب الوطن فطري في الإنسان، واسمع هؤلاء لما قالوا: أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا [البقرة:246] يعني: الشوق إلى ديارهم والعودة إليها، ويقوي هذا ويبلوره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان خارجاً من مكة مهاجراً وغادرها استقبلها وقال: ( إنك لأحب البلاد إلى الله، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت ).وأما حديث العامة: (حب الوطن من الإيمان) فهذا حديث باطل، يكتبونه في اللوحات وكذا، وما هو بحديث، ليس بحديث أبداً، ولكن حب الوطن فطري غريزي، فالإنسان حيث وجد يتوق ويشتاق إلى ذلك المكان، أما أنه من الإيمان فليس من الإيمان.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 30-07-2020, 03:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,319
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (19)
الحلقة (26)



تفسير سورة البقرة (116)

بعد أن تبين لبني إسرائيل اصطفاء الله عز وجل لطالوت وتمليكه عليهم، وما أنزل عليه من التابوت الذي فيه ميراث موسى وهارون عليهما السلام، والسكينة التي وعدهم الله إياها، بعد ذلك خرج طالوت بجنوده حتى وصلوا إلى نهر، فابتلاهم الله عز وجل بالشرب منه، فشربوا منه جميعاً سوى نفر قليل أطاعوا أمر ملكهم ولم يشربوا، وهم الذين واجهوا العمالقة بقيادة جالوت، فهيأ الله داود عليه السلام لملاقاة جالوت فقتله ونصر الله عز وجل عباده المؤمنين على قلتهم، وهزم أعداءهم على كثرتهم وقوتهم.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في دراسة كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا هذا الموعود.

ذكر ما كان من خبر بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السلام


أعيد تلاوة الآيات السابقة التي درسناها فتفكروا وتذكروا، فلها ارتباط بالآيات الآتية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] ملأ بني إسرائيل: أشرافهم -كما عرفنا- من علماء وأخيار، مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] أي: بعد وفاة موسى بقرون، إذ يعقوب عليه السلام كان بأرض فلسطين، ثم لما أخذ ولده يوسف عليه السلام وبيع كما علمتم، واشتراه العزيز بالديار المصرية، وشاء الله عز وجل أن يجمع بين يوسف وإخوته ويعقوب، ثم كانت فترة نورانية ما غشيها ظلام الفسق والفجور والخروج عن طاعة الله ورسله، ثم بعث الله موسى عليه السلام وطالب فرعون بأن يخرج ببني إسرائيل من الديار المصرية، وامتنع فرعون وأراه الله الآيات التسع، وكسر الله فرعون وهزمه وخرج موسى ببني إسرائيل، ولما خرج بهم كان الذي وقع؛ لأنهم ما تربوا تربية إسلامية في حجور الصالحين، فكانوا جبناء وخرافيين، ما إن شاهدوا قوماً على ساحل البحر الأحمر يعبدون العجل حتى قالوا: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]، وحصل أن الله حرمهم من دخول الديار الفلسطينية وكتب عليهم التيه أربعين سنة لعصيانهم، لعدم طاعتهم لله ولرسوله، ومات موسى وهارون عليهما السلام في زمن التيه، وتولى بني إسرائيل يوشع بن نون، هذا تلميذ موسى عليه السلام.وقادهم ودخل والحمد لله الديار المقدسة، وأدب العمالقة وانتصر وكانت الدولة، فمضت فترة والناس في رخاء وطهر وصفاء، فجاءت الشهوات والأهواء والأطماع ففسقوا عن أمر الله، وخرجوا عن طاعته، وأعرضوا عن ذكره وكتابه كما هي حال المسلمين في فترات من الزمان معروفة، فسلط الله عليهم العمالقة، فشردوهم، شتتوهم، مزقوهم، أذلوهم، أهانوهم، ولما نبتت نابتة جديدة قالوا: إلى متى ونحن مشردون؟ هيا بنا نطالب نبينا شمويل بأن يعين لنا ملكاً ونقاتل تحت رايته ونسترد ديارنا وبلادنا.

طلب بني إسرائيل من نبيهم تولية ملك عليهم للقتال

اسمع القصة كما ذكرها تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] اختره لنا، وقدمه لنا وابعثه لنشاهده.قال تعالى: قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]، قال: أتوقع أنه متى فرض الله عليكم القتال لا تقاتلون؛ لعلمه بضعفهم وخورهم واختلافهم وهبوطهم، وكان حكيماً، وكيف لا وهو نبي الله؟فردوا عليه قائلين: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، قال تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا [البقرة:246] مهزومين معرضين إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246] ثلاثون ألفاً أو خمسون ألفاً ما صبر ولا رضي بالقتال منهم سوى ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، هذا الواقع. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا [البقرة:246] هاربين معرضين عن المواجهة إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246].

إخبار بني إسرائيل بتولية الله تعالى طالوت الملك عليهم

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا [البقرة:247]، طالوت هذا بعض الروايات تقول: إنه ابن عجوز، ويلقب بابن العجوز؛ لأن والدته كانت كبيرة السن وشاخت وما ولدت، وتوسلت إلى الله بأسمائه وصفاته فرزقها الله هذا الولد، فكان يعرف بابن العجوز، وكان طويل القامة؛ بحيث إذا وقفت تريد أن تمس رأسه فإنك ترفع يدك حتى تضعها على رأسه، فسمي (طالوت) من الطول، وقوله: (ملكاً) أي: إماماً يقودكم إلى الجهاد.ولا ننس أنه لا بد من قيادة رشيدة، لا بد من إمامة، لا يصح للمسلمين أن يقاتلوا متفرقين مختلفين، فينهزمون وينكسرون، لا بد من إمامة تظللهم رايتها فيأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها، هذا الذي شاءه الله، وقد قلنا لكم: لما قاتل المسلمون من إندونيسيا إلى موريتانيا المستعمرين الغربيين ما قاتلوهم تحت قيادة ربانية شرعية، فلما انتصروا على العدو الكافر ما أقاموا لله دولة ولا سلطاناً، ما أقاموا حتى الصلاة ولا جبوا الزكاة، ولا حرموا أدنى شيء مما حرم الله، لِم؟ ما السر؟ ما هناك إمام قائد رباني يأمر وينهى، بل جماعات وأحزاب ونعرات، فما استطاعوا أن يقيموا دولة إسلامية، والحبيب صلى الله عليه وسلم يعلمنا: ( إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم )، أيما جماعة لا بد لهم من أمير حتى لا يختلفوا ويلعن بعضهم بعضاً، فكلمة المسلمين يجب أن تكون واحدة؛ لأنهم يحملون راية الإنس والجن كلهم أعداء لها، ما يريدون أن يعبد الله وحده، أو تقوم شريعته أبداً، فلا بد أن تكون تلك الأمة متحدة الكلمة، متحدة الرأي، متحدة الشريعة، فالخلاف شر كله، فانظر: ما قاتل بنو إسرائيل جماعات جماعات ومنظمات كما هو الحال الآن، قالوا: ابعث لنا ملكاً نقاتل تحت رايته.فنظر نبي الله شمويل إلى ضعفهم وعدم تربيتهم وخورهم فقال: ما أنتم بقادرين. فقالوا: كيف؟! وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، وصدق الله وصدق عبده ونبيه. قال تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246]، فلهذا يجب أن يتربى المؤمنون في حجور الصالحين على الكتاب والسنة، على النور الإلهي، وإلا فهم غثاء كغثاء السيل، فأنى يقودون العالم ويسودون البشرية؟

ترفع الملأ من بني إسرائيل واعتراضهم على تمليك طالوت

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا [البقرة:247]، كان المفروض أن يقولوا: آمنا بالله، مرحباً، الحمد لله، فنبيهم ما قال: أنا بعثته، بل قال: إن الله بعثه بوحيه، قال: عين لهم فلاناً يقودهم.فلما كانوا في ذلك الهبوط الخلقي والروحي والعلمي قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا [البقرة:247]، ما هو من أبناء يهوذا الذين فيهم الملك ولا من أبناء لاوي الذين فيهم النبوة، بل هو من أولاد بنيامين أخي يوسف، فلن نقبل هذا! فهل هذا الكلام يقوله مؤمن؟ يردون على رسول الله ونبيه، لأنهم جهلة بعداء عن الأنوار الإلهية، فواجهوا نبي الله بهذه الكلمات. قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247]، نحن أحق بالملك منه؛ لأننا أبناء الملوك أو أبناء الأنبياء، وليس هو من هؤلاء ولا من هؤلاء، ولم يعطَ المال الكافي.

اصطفاء الله تعالى لطالوت وبيان ما حباه به من الشمائل

فقال نبي الله شمويل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247]، وهنا: من أراد أن يأمر أميراً فلا بد أن ينظر إلى بدنه وقوته وإلى علمه وإدراكه، العلم الذي نعني غير الثقافة الغربية الأوروبية، فتلك أوساخ، المراد العلم الرباني: العلم بالله تعالى وبمحابه ومكارهه، وكيف تؤدى تلك المحاب، وكيف تجتنب تلك المكاره، العلم بما عند الله لأوليائه، وما لدى الله لأعدائه، هذا العلم مع قوة البدن، يكون قادراً على البيان والكلام والمشي والقيام، أما المريض والضعيف فما ينفع في هذا الباب. قال: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:247] لا تعترضوا على الله، الله يعطي ملكه من يشاء، العبيد عبيده وهو الذي يملِّك من شاء من عبيده، وقد اصطفى طالوت واختاره من بينكم لأهليته للقيام بهذه المهمة: قيادة الجيش لإنقاذ البلاد من المستعمرين. وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:247]، واسع العلم والمعرفة والقدرة، عليم بكل ما يحدث في الكون قبل أن يكون، فليسلم له، فإذا اختار الله زيداً أو إبراهيم لم يبق للجهلة الحق في أن يقولوا: لا، وهو سبحانه الواسع القدرة والعلم والإحاطة بكل شيء، العليم بخفايا الأمور، والظاهر والباطن عنده سواء، فما ينبغي أن يردوا هذا عليه.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 332.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 326.01 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]