الخطاط (قصة قصيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 784 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 131 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 30 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 94 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-04-2021, 12:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي الخطاط (قصة قصيرة)

الخطاط (قصة قصيرة)
د. مصطفى عطية جمعة




أتعجب من جسده الضخم، وكرشه المتدلي أمامه، وهو يجلس على مقعد خشبي عال، ويخط بفرشاة عريضةعلى اللوحات القماشية. كيف يتحكم في الألوان الزيتية في قعدته العالية؟ أشفق على الولد الصبي الذي يقف بجواره، حاملاً علب الألوان، مناولاً"الأسطى" الذي ألقى تحذيراته:
انتبه يا ولد..، لو أعطيتني لوناً مختلفاًسيخرب الشغل كله.
حاضر يا أسطى " كمال ".


يشد القماش الأبيض المثبت على الجدار، ويبدأ في الكتابة، أتعجب من عدم انثيال الزيت على القماش. يبرع في كتابة الخط الفارسي، أشعر بيده الممتلئة تضغط على الفرشاة، وتتموج مع انحناءات الحروف. يستهويني رسم حروف الحاء والجيم والخاء عندما تسبقها " ال " التعريف. ما أروع اللام عندما يظللها البنفسجي، وهو ما يبرع فيه هذا الخطاط. أنتبه من وقفتي على نظرته، ضنين بالكلام، اعتاد على حملقة المارة إليه، أواصل سيري.
♦♦♦♦♦


عند عودتي من المدرسة، أمرّ من حارة " ربيع " المتفرعة من ميدان المبيضة، تختصر طريقي إلى البيت وأشاهد كمال الخطاط، أفارق أصحابي: إسماعيل وهاني، عند نهاية شارع المدارس. يسلك إسماعيل طريق " درب الطباخين " متخذاً شارع البحر في جانبه الأيمن، أما هاني فقد اجتاز ميدان المبيضة، ومنه إلى شارع الشط. أصل إلى الحارة، لا أحب المرور من ميدان المبيضة، حيث سوق الخضار، وطلاب المدرسة الثانوية العسكرية المتسكعون في الزوايا، في انتظار الطالبات. على ناصية الحارة بائع البطيخ " سيد "، يقف خلف عربته، وزوجته مشغولة بإطعام ابنيها سمكا مشويا، يبدو أنها اشترته من "أم علي " التي تشوي السمك وسط السوق، وتملأ الأنوف برائحة شواء السمك المغموس في الرّدة والشطة السائلة.


وسط الحارة، الباب الخلفي لفرع شركة للدخان، تقف سيارة الشركة الزرقاء، أرى صندوقها الحديدي مفتوحاً، والعمال يضعون في السيارة الكراتين وقد طُبع عليها اسم الشركة بخط الرّقعة، علت جلبة العمال لتملأ الحارة، وتغطي على نقيق الدجاج الصادر من العشش فوق الأسطح.


أتوقف أمام " كمال "، يبدو السهر في عينيه وهو يفتح دكانه في الظهيرة، ويدلف فيه، الدكان ضيق؛ كيف حوى علب الألوان والفرشات وهذا الجسد الكبير؟ يخرج حاملا لفة كبيرة من القماش، ساعده الصبي بتمزيق البلاستيك حول اللفة، يبسط القماش، يحمله إلى جدار الشركة الأصفر، يناوله الصبي – المتوقع أفعال معلمه – المسامير والشاكوش. يتثبت القماش الأبيض على الحائط. يخط كمال بقلم رصاص كبير مشطوف السن كلمات الإعلان، أتجمد مكاني، يمسك بالفرشاة، ينظفها بـ " الثنر "، ثم يغمسها في علبة اللون الأسود؛ تضايقت من السواد السائل، اللافتة دعاية لافتتاح جزارة كبيرة، وسرعان ما أنهى الكتابة، وكان اللون الأصفر ظلا للحروف، ثم وقع باسمه؛ ثلاثة ألفات، وضع الكاف على أولها، والميم وسطها، وحاءً معكوسة آخرها.
♦♦♦♦♦


في حصة الخط، أحضرت قلماً مشطوفاً، يشابه فرشاة " كمال "، ثم تلوّت أصابعي بالخط الفارسي، متجاهلا تعليمات معلمة اللغة العربية " اكتبوا بخط الرُّقعة "، الحروف الذيلية أسفل السطر: الحاء وأخواتها في آخر الكلمة، ومعها الميم والهاء. كأن أصابعي مثل أصابعه المكتنزة لحما، بأظافر مخضبة بألوان عدة. تعرف الأبلة أن خطي حسن، إذا سألتني، سأرد عليها أن الخط الفارسي يشابه خط الرقعة، ستتعب من جدالي، هل سيعجبها خطي الجديد؟، خلف الورقة، كان علي أن أتدرب على توقيع جديد، تمنيت أن يكون اسمي قليل الحروف، ليشابه إمضاء كمال.
♦♦♦♦♦


" ياه "، ما أكثر ما يطالعني التوقيع ثلاثي الأحرف! لافتات خشبية أعلى الدكاكين، كان يكتب منذ زمان بعيد بخطوط: الثلث، والرقعة، والديواني، لماذا اقتصر على الخط الفارسي الآن؟ ظل السؤال في أعماقي وفي مروري اليومي عليه، وأقرأ الجديد عنده من لافتات، وأتوقع أين ستعلق. في اليوم الثاني، أقول لزملائي هاني وإسماعيل، أن هناك إعلانا لجزارة فلان، أو محل قماش علّان..، يتعجبون، قبل أن نفترق وأذهب إلى الجسد الممتلئ، في الصيف يرتدي قميصا نصف كُم، وفي الشتاء أكماما كاملة، دون جاكت أو سترة صوفية. بتُ أكره الخط الفارسي، وأنا أذهب متعمدا إلى الخطاط " سليم " بشارع الورشة وأشاهد الخط الديواني الذي يبرع فيه، عشقت الحروف المقوسة، وهي تتراقص.. تتلوى في اتجاه واحد، صانعة مزيجا ثعبانيا عجيبا.
♦♦♦♦♦


لم أصدق عيني، أهذه زوجته! جسد نحيل في عباءة سوداء، ووجه مستكين القسمات، وملامح مكررة بين النساء، يبدو أنها ذاهبة للسوق. كنت – ساعتها - عائدا من المدرسة، نهاية العام الدراسي، وشمس الصيف تتسلط على رؤوس المارة، فتلوذ بجدران البيوت في سيرها، فك " كمال " أزرار قميصه إلا واحدا، فبان لحم صدره، وشعره الكثيف. وقفتُ بعيدا بعض الشيء، أعلم أن رأسه ثقيل فلن ينظر نحوي. يكتب بآلية، ويحدثها بوجه جامد، أو هكذا خُيّل إليّ، فتهدل خدوده، وشفاهه المكتنزة، والحاجبان الكثيفان، تمنع أية انفعالات تبدو للعيون. كان يحاورها فيما سيأكلون على الغذاء. تقول بصوت متوسط النبرة، خال من الأنوثة، وقد أمسكت شنطة بلاستيكية سميكة، صناعة منزلية:
نأكل محشي كرنب؟
كرنب الصيف بدون طعم.
هل أشتري المحشي باذنجان وفلفل؟


لم يعلق، يفكر، تعجبتُ من أصابعه التي تخط بثبات، فأكملت هي:
وأذبح فرخة من عندي.
طيب.
مدّ يده في جيب قميصه، وأخرج بعض الجنيهات، فامتدت يد زوجته، انتبهتُ إلى طفل صغير، كان يلهو أسفل قدمي والده، حملته الزوجة على كتفها فجلس بهيئة الحصان، لم يرد كمال على تحيتها.


حين وصفت لزميليَّ زوجة كمال، ضحكا، كانا يعرفانه، ويرددان ما ينعته الناس به " الخطاط الجاموسة "، وغمز إسماعيل بعينه وهو يهمس:
الله يعينها عليه.
♦♦♦♦♦


مقهى " زغلول " في ميدان المبيضة، كنا قد فرغنا من مشاهدة المباراة في التلفزيون الملون. طالعنا من بعيد، " أيوب " بائع الفاكهة، شاب " عايق " ويتبختر بشعره الغزير، تتحاشاه الصبايا، وتشتري منه ربات البيوت، يتخذ ركنا، مستندا على إحدى طاولات المقهى المصنوعة من الجريد. التف العيال حوله، كان يرسم صورة عبد الحليم حافظ على ورق مقوى. بارع في رسم الوجوه، أتذكر ما رسمه " كمال " على جدار حائط في مدخل ميدان " الروبي"، شخص يقف يصيح " قف، هنا محل اكسسوار السيارات "، كان الوجه بملامح كبيرة لا تتناسب مع الجسد الصغير، واليد ضخمة. أعجبني وجه عبد الحليم، حالما، منثال الشعر، بقميص مقلم، تصلبت عيناي على الصورة، كان أيوب يرسم بقلم فحم، يتحرّك القلم صعودا وهبوطا بحرفية، كل هذا للفكهاني العايق!؟


يكثف من الخطوط السوداء عند الشعر، ثم يمسحها بقطنة، فتصبح الخطوط سوادا صافيا، كذلك مع حواف الصورة.


صعد سلماً خشبياً، وثبت اللوحة فوق جدار، أعلى عربته الخشبية. في اليوم التالي، كان ينادى على الموز ويردد أغنية " صافيني مرة وجافيني مرة ".
♦♦♦♦♦


انتخابات البلدية بدأت، والدنيا ولّعت في البلد.
قال أبي وهو يجلس في كرسيه المعتاد، ويأخذ كوب الشاي من أمي، التي ردتضاحكة:
أرزاق! ناس تترشح وتدفع، وكمال الـ.. يكتب.
اكتست جدران حارة ربيع بالقماش الأبيض المتمدد أمتارا. أقرأ " انتخبوا مختار.. "، وعبارات أخرى، أبتسم، هذا مختار كهربائي السيارات، كما تحكي أمي، ربنا فتح عليه، وتاجر في دينامو السيارات المستعمل، والبطاريات..، يحمّلها من بورسعيد، ويبيعها في بلدنا، ولكنه رجل طيب. امتلأت شوارع ميدان المطافئ بدعاية مختار، وفي الليل، تجوب العربات والموتوسيكلات البلد، كل أحبابه من " الصنايعية والسمكرية.. "، " بيب بيب.. مختار، بيب.. بيب مختار "، كان الحاج مختار راكبا في أول عربة، ومعه ابنه الكبير، يلوّح بذراعه، بدا الحنق عليه عندما لاحقَ موكبهسياراتُ محمد القاياتي، تاجر الحديد والأسمنت، محلاته في ميدان الحواتم.


المعركة ولّعت بين مختار والقاياتي.
قال أبي، وهو يرتشف الشاي، وعيناه مثبتتان على التلفزيون ذي اللونين (الأبيض والأسود):
الكل صدّق كلام الحكومة، حتى " توبة " العجلاتي، رشّح نفسه في آخر يوم. وقال للناس: نفسي أتكلم، والحكومة تسمعني.


بعد صلاة الجمعة، رأيته، الأسطى توبة، يرتدي بذلة صيفية جديدة، يوزّع أوراقا مطبوعة بأحرف كبيرة، متباعدة المسافات، التف الناس حوله، أسمع همسات الناس وهم يقلبون النظر.. " توبة يضيّع فلوسه..، ينافس المعلمين الكبار "، ردّ عليهم: نفسي أتكلم..، بصوت عال.


رفع أحد الشباب صوته وكان متخفياً وسط زحام المصلين:
غيّر يا أسطى توبة رمزك الانتخابي من الشجرة إلى " العجلة ".
♦♦♦♦♦


الوحيد الذي لم يكتب دعاية انتخابية على أقمشة؛ تُعلَّق في الميادين والشوارع كان المعلّم " علي هندواي "، وكان رمزه الانتخابي " المركب "، ولأنه كان يمتلك نصف عربات الكارو والحناطير في بلدنا، فقد تكفل " العربجية " بالترويج له؛ بمجسم لمركب مثبت في مقدمة العربة،عليه اسم صاحبنا وصورته وهو بالجلباب البلدي رافعًا يمناه محييًا الجميع، فجابت عربات الكارو الحارات والأزقة نهاراً، أما الحناطير فقد تكفلت بالميادين والشوارع نهاراً وليلاً.


كنا في العطلة الصيفية، مررت على كمال الخطاط، كان يزفر غيظاً وهو يشتكي لزبون من الأرياف:
العربجي صاحب الكارو، منع الخير عني.


ببساطة رد الزبون:
الأرزاق يا أسطى بيد الله.


استمر كمال وصدره يرتج مع كلماته:
مختار وقاياتي ونعيم؛ صنعوا أشكالا ووضعوها على عربات النقل وفي زوايا الشوارع.


يكمل وهو يخط على لوحة خشبية للزبون:
نسوا أن القماش والزيت أرخص أشياء في الدعاية.
♦♦♦♦♦


تقلبت السنون، وهاهو كمال وقد ازداد تورّما، يجلس أمام المحل في النهار، منقلب السحنة، لاعنا محلات "السلكسكرين" التي جعلت لافتات محلات تشع ضوءًا ليلاً، وتتلألأ بألوان فسفورية نهاراً، ثم محلات الكومبيوتر.


وهاهو كمال يجلس مستنداً على طاولة خشبية صغيرة، أمام المحل، يكتب على لافتات الخشب وينتظر موسم الانتخابات لعل وعسى..


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.31 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]