المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 08-02-2022, 09:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 173 الى صـ 177
الحلقة (31)

المبحث الثالث
الترجيح بتقديم قول صاحب القصة على غيره

من ضوابط الترجيح عند العلماء بين الروايات عند اختلافها تقديم ما رواه صاحب القصة على غيره لأنه أعلم بملابساتها، وقد أشار ابن قدامة إلى هذا المعنى فقال: (الرابع: أن يكون راوي أحدهما صاحب الواقعة فقول ميمونة: تزوجني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن حلالاًن يقدم على رواية ابن عبَّاسٍ: نكحها وهو محرم). اهـ.
وهذا هو مذهب جمهور العلماء لكون ميمونة أعرف بحال العقد، ووقته، نظراً لاهتمامها ومراعاتها.
وسأذكر أمثلة من دراستي وقع الترجيح فيها لهذا الاعتبار:
1 - قال اللَّه تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)

أخرج الترمذي وأبو داود والنَّسَائِي عن أسلم أبي عمران التجيبي، قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم، أو أكثر وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله يُلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس: إنكم لتُأوِّلون هذه الآية هذا التأويل، وإنما أُنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرد علينا ما قلنا: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.
2 - قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77).
أخرج البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حلف على يمين وهو فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) قال: فقال الأشعث بن قيس: فيَّ والله كان ذلك، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألك بيّنة؟) قال: قلت: لا، قال: فقال لليهودي: (احلف). قال: قلت: يا رسول الله! إذن يحلف ويذهب بمالي قال: فأنزل الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ... ) الآية.

3 - قال الله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176).

أخرج البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: مرضت فجاءني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعودني وأبو بكر، وهما ماشيان، فأتاني وقد أُغمي علي، فتوضأ رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم صب وضوءه عليَّ فأفقت، فقلت: يا رسول الله - وربما قال سفيان: فقلت: أي رسول اللَّه - كيف أقضي في مالي، كيف أصنع في مالي؟ قال: فما أجابني بشيء حتى نزلت آية الميراث.
فجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صاحب القصة، وبهذا يعلم أن ما رواه ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: سأل عمر بن الخطاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكلالة، فقال: (أليس قد بيّن اللَّه ذلك؟) قال: فنزلت: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ).
خطأ لا يصح لأن يكون سببًا للنزول.
4 - قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91).
أخرج مسلم وأحمد عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: وأتيتُ على نفر من الأنصار والمهاجرين. فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً. وذلك قبل أن تحرم الخمر. قال: فأتيتهم في حشٍّ، والحشُّ البستان، فإذا رأس جزور مشوي عندهم، وزِقّ من خمر. قال: فأكلت وشربت معهم، قال: فذُكرت الأنصار والمهاجرون عندهم، فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، قال: فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به فجرح بأنفي. فأتيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فيَّ - يعني نفسه - شأن الخمر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ).
5 - قال اللَّه تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24).
أخرج مسلم عن سلمة بن الأكوع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قدمنا الحديبية مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها قال:فقعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جبا الركية، فإما دعا وإما بسق فيها، قال: فجاشت فسقينا واستقينا. قال: ثم إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعانا للبيعة في أصل الشجرة. قال: فبايعته أول الناس، ثم بايع وبايع، حتى إذا كان في وسط من الناس، قال: (بايع يا سلمة) قال: قلت: قد بايعتك يا رسول اللَّه في أول الناس. قال: (وأيضاً) قال: ورآني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزِلاً - يعني ليس معه سلاح -. قال: فأعطاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَفةً أو درقةً، ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال: (ألا تبايعني يا سلمة) قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وفي أوسط الناس، قال: (وأيضاً) قال: فبايعته الثالثة، ثم قال لي: (يا سلمة أين حَجَفَتُكَ أو درقتك التي أعطيتك؟) قال: قلت: يا رسول اللَّه لقيني عمي عامر عَزِلاً فأعطيته إياها، قال: فضحك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: (إنك كالذي قال الأول: اللهم أبغني حبيباً هو أحب إليَّ من نفسي) ثم إن المشركين راسلونا الصلح، حتى مشى بعضنا في بعض واصطلحنا، قال: وكنت تبيعاً لطلحة بن عبيد اللَّه أسقي فرسه، وأَحسه، وأخدمه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجرًا إلى الله ورسوله، قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها، فاضطجعت في أصلها، قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأبغضتهم فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سلاحهم، واضطجعوا، فبينما هم كذلك، إذ نادى منادٍ من أسفل الوادي: يا للمهاجرين قُتل ابن زُنيم. قال: فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذتُ سلاحهم، فجعلته ضِغثاً في يدي. قال: ثم قلت: والذي كرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربتُ الذي فيه عيناه. قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وجاء عمي عامر برجل من القَبَلات يُقال له مكرز يقوده إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فرس مُجَفف في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (دعوهم يكن لهم بدءُ الفجور وثناه) فعفا عنهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل اللَّه: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ... ) الآية.
المبحث الرابع
الترجيح بتقديم قول الشاهد للسبب على الغائب عنه

من ضوابط الترجيح بين الروايات عند اختلافها، وعدم إمكان الجمع بينها تقديم رواية من باشر القصة أو حضرها، وقد تحدث عن ذلك ابن قدامة قائلاً: (الخامس: أن يكون أحدهما باشر القصة كرواية أبي رافع تزوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ميمونة وهو حلال وكنت السفير بينهما مع رواية ابن عباس (يعني نكاحه إياها وهو محرم) فإن المباشر أحق بالمعرفة من الأجنبي ولذلك قدم الصحابة أخبار أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صحة صوم من أصبح جنبًا وفي وجوب الغسل من التقاء الختانين بدون الإنزال على خبر من روى خلاف ذلك). اهـ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 08-02-2022, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 178 الى صـ 182
الحلقة (32)

وقال السيوطي: (متى يرجح سبب على سبب. الحال الرابع: أن يستوي الإسنادان في الصحة فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر القصة ثم ذكر قصة الروح وحديث ابن مسعود). اهـ.
وسأذكر أمثلة من دراستي للأسباب تدل على ذلك:
1 - أخرج أحمد وأبو داود عن أبي أُمامة التيمي قال: قلت لابن عمر: إنا نكري فهل لنا من حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت، وتأتون المعرَّف، وترمون الجمار وتحلقون رؤوسكم؟ قال: قلنا: بلى. فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عن الذي سألتني، فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل - عليه السلام - بهذه الآية: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) فدعاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (أنتم حجاج).
2 - أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما كان يوم أُحد كُسرت رباعية رسول الله -- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشُجَّ في وجهه. قال: فجعل الدم يسيل على وجهه، فجعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله؟) قال: فأنزل الله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128).
3 - أخرج مسلم وأحمد والبخاري والترمذي والنَّسَائِي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: بلغ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أصحابه شيء فخطب فقال: (عرضت عليَّ الجنة والنار، فلم أرَ كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً) قال: فما أتى على أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أشدُّ منه. قال: غطوا رؤوسهم ولهم خنين قال: فقام عمر، فقال: رضينا باللَّه رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، قال: فقام ذاك الرجل فقال:من أبي؟ قال: (أبوك فلان) فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ).
4 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حرث بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يسمعكم ما تكرهون، فقاموا إليه فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن الروح، فقام ساعة ينظر، فعرفت أنه يُوحى إليه، فتأخرت عنه حتى صعد الوحي، ثم قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).
5 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما تزوج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زينب بنت جحش دعا الناس، طعموا ثم جلسوا يتحدثون، قال: فأخذ كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام معه من الناس، وبقي ثلاثة، وإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاء ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا قال: فجئت فأخبرت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فأرخى الحجاب بيني وبينه وأنزل اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) - إلى قوله -: (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا).
* * *
المبحث الخامس
الترجيح بدلالة السياق القرآني

المراد بسياق القرآن هنا: (الآيات التي تسبق موضع الشاهد وتتبعه) ولدلالة السياق أثر كبير في فهم المعنى المنشود من الآية من حيث الموضوع، والخطاب، والأسباب التي أدت إليه، والآثار المترتبة عليه. ذلك لأن مقتضى البلاغة ارتباط الكلام بسابقه ولاحقه ارتباطاً يحوي المعنى ويضمه دون انفصال أو تشتت، بل مع حسن انتقال وتدرج في مراقي المباني والمعاني.
ولكتاب اللَّه وكلامه من هذه المعاني أسماها وأوفاها، كيف لا واللَّه قد قال: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ... ) الآية.
وهذه الدلالة لا تختص بأسباب النزول، بل هي جوهرية لفهم أيِّ نص كان سواءٌ أكان النص إلهياً أم نبوياً أم من سائر الكلام، إلا أن دلالة السياق القرآني أبلغ أثراً من كل سياق؛ لأن القرآن العظيم لا يطرقه احتمال الخطأ والوهم بخلاف غيره فقد أصابه حظه من ذلك.
ولئن كانت دلالة سياق القرآن في فهم معنى الآية هامة، فأثرها في تحديد سبب النزول أهم؛ لأن أسباب النزول قضايا وحوادث تعلق النزول بها، فلا بد أن يكون بينهما قدر من الاشتراك في الألفاظ والمعاني، وإلا فلا معنى لتسميتها أسباب نزول.
وقد تبيّنتُ أثر السياق منذ البداية، وكان محل عنايتي حتى النهاية، وأسندتُ الحكم إليه كثيراً على الأسباب قبولاً ورداً، فكان صارماً لا ينبو، وجواداً لا يكبو، وفتح الله عليَّ بسبب إعماله خيراً كثيراً، وقادني إلى نتائج لم أرَ من أشار إليها أو نبّه عليها، فما أكثر المعضلات التي تصدى لها السياق وحلها كأن لم تكن، وما أهون المشكلات إذا نصبتها على ميزان السياق فعادت هباءً منبثاً.
ولست مبالغاً حين أقول: إن إهمال النظر في كامل السياق الذي ورد فيه الحديث قاد إلى زلل الأقدام، وضلال الأفهام في فهم النصوص الشرعية.
فكم من خطأ ينشأ في فهم المعاني، وتحديد الأسباب حين يجتث الكلام من وسطه دون نظر أو تأمل في أوله ومنتهاه.
والخطأ هنا لا يقتصر على مجرد اللفظ، بل تنسحب آثاره على الممارسة والعمل إذا كان محلُّ الخطأ نصوصَ الأعمال.

فيا ليت شعري متى ندرك أن الكلمات ليست ثمراتٍ تقطف إحداهن دون ما جاورها ولهذا كانت عناية المحققين من العلماء بالسياق كبيرة، ونصوصهم في التنبيه على دوره كثيرة، وسأنقل من أقوالهم ما يؤيد تلك الحقيقة، ثم أُتبعها بذكر أمثلة من دراستي للأسباب، وأثر السياق في نتيجتها.
فمن العلماء الذين بيّنوا أهميتها، أو جعلوها عمدة لهم في هذا الباب:
أولاً: ترجمان القرآن عبد اللَّه بن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حين اعترض على من فهم قوله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) على غير معناها لأنه لم يراع الآيات قبلها فقد أخرج مسلم وأحمد والبخاري والترمذي والنَّسَائِي أن مروان قال: اذهب يا رافع (لبوابه) إلى ابن عبَّاسٍ، فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا لنعذبن أجمعون، فقال ابن عبَّاسٍ: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أُنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عبَّاسٍ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) وتلا ابن عبَّاسٍ: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ... ).
ثانياً: إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري فقد اعتبر السياق فيصلاً في تحديد سبب النزول، وترك الحديث في سبب النزول مع صحة إسناده لما خالف السياق فقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدرًا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شراج الحرة كانا يسقيان بها كلاهما فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبير: (اسق ثم أرسل إلى جارك) فغضب الأنصاري وقال: يا رسول اللَّه، أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال للزبير: (اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر) ... الحديث. قال عروة: قال الزبير: واللَّه ما أحسب هذه الآية أُنزلت إلا في ذلك: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65).

قال الطبري: (وذكر أنها نزلت فيمن ذكرهم الله بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ... ) الآية.

وهذا القول أولى بالصواب لأن قوله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) في سياق قصة الذين أسدى الله الخبر عنهم بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ولا دلالة تدل على انقطاع قصتهم فإلحاق بعض ذلك ببعض ما لم تأتِ دلالة على انقطاعه أولى). اهـ.
ثالثاً: أبو بكر ابن العربي فقد اعتمد عند ترجيحه المراد بقوله تعالى: (لَيْسُوا سَوَاءً) على السياق فقال: (وقد اتفق المفسرون أنها نزلت فيمن أسلم من أهل الكتاب وعليه يدل ظاهر القرآن، ومفتتح الكلام نفي المساواة بين من أسلم منهم وبين من بقي منهم على الكفر). اهـ.
وأهمل ما أخرج أحمد والنَّسَائِي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أخَّر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون ْالصلاة، قال: (أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر اللَّه هذه الساعة غيركم) قال: وأنزل هؤلاء الآيات: (لَيْسُوا سَوَاءً) - حتى بلغ -: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 23-02-2022, 01:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 183 الى صـ 187
الحلقة (33)

وهذا يدل على اعتباره السياق أصلاً، ولهذا قدم دلالته على دلالة الحديث.
رابعاً: ابن عطية فإنه لما ذكر قوله تعالى: (لَيْسُوا سَوَاءً) قال: (لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب، عقَّب ذلك بتخصيص الذين هم على خير وإيمان، وذلك أن أهل الكتاب لم يزل فيهم من هو على استقامة، فمنهم من مات قبل أن يدرك الشرائع فذلك من الصالحين، ومنهم من أدرك الإسلام فدخل فيه). اهـ ثم أشار إلى حديث ابن مسعود باختصار شديد. وقوله هذا يلاحظ فيه السياق، ولو اعتبر حديث ابن مسعود ما قال هذا الكلام.
خامساً: القرطبي حيث اعتبر السياق في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ... ) الآية. وضعّف قول من قال: إنها نزلت في المشركين، فقد أخرج أبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - قال: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... ) الآية. نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه.
واستدل لتضعيف هذا القول بقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) ثم قال: قال. أبو ثور محتجاً لهذا القول: وفي الآية دليل على أنها نزلت فى غير أهل الشرك وهو قوله جل ثناؤه: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ). اهـ وهذه الآية تتلو آية الحرابة مباشرة.
سادساً: شيخ الإسلام ابن تيمية: فقد قال: (فمن تدبر القرآن، وتدبر ما قبل الآية، وما بعدها، وعرف مقصود القرآن تبين له المراد، وعرف الهدى والرسالة وعرف السداد من الانحراف والاعوجاج). اهـ.
سابعاً: ابن جزي الكلبي فقد اعتبر السياق أحد وجوه الترجيح فقال: (وأما وجوه الترجيح فهي اثنا عشر ثم قال:
السادس: أن يشهد بصحة القول سياق الكلام، ويدل عليه ما قبله أو ما بعده). اهـ.
ثامناً: أبو حيان الأندلسي حيث أعمل دلالة السياق في تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) وربطها بما قبلها وهو قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ... ) الآية حيث قال: (والذي يظهر أن انتظام هذه الآية بما قبلها هو أنه لما ذكر منع المساجد من ذكر الله، والسعي في تخريبها نبّه على أن ذلك لا يمنع من أداء الصلوات، ولا من ذكر الله إذ المشرق والمغرب للَّه تعالى فأيُّ جهة أديتم العبادة فيها فهي لله يثيب على ذلك ولا يختص مكان التأدية في المسجد).
ولم يجعل سبب نزول الآية ما أخرجه الترمذي وابن ماجه عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر في ليلة مظلمة فلم ندرِ أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزل: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).

ولو اختار الحديث سبباً للنزول لألغى دلالة السياق القرآني ولا بد لأنهما لا يجتمعان.

تاسعاً: ابن كثير فقد احتج بالسياق على رد قول ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في تفسير الدخان، ورجح أنه من الآيات المنتظرة وقال: (إن هذا ظاهر القرآن، قال اللَّه تعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) أي بيِّن واضح يراه كل أحد وعلى ما فسر به ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد وهكذا قوله: (يَغْشَى النَّاسَ) أي يتغشاهم ويعميهم، ولو كان أمراً خياليًا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه: (يَغْشَى النَّاسَ). اهـ.
عاشراً: بدر الدين الزركشي فقد قال: فصل: (ومما يعين على المعنى عند الإشكال أمور، ثم ذكر ثلاثة وقال:
الرابع: دلالة السياق فإنها ترشد إلى تبيين المجمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظيره، وغالط في مناظراته، وانظر إلى قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير). اهـ.
الحادي عشر: ابن عاشور أعمل دلالة السياق في اختياراته، ورجح بها أقوالاً ورد بها أخرى ومن ذلك دفعه لحديث عمر في نزول قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ... ) الآية. وأن ذلك نِزل في إشاعة طلاق رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه فقال: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ ... ) عطف على جملة: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ) فضمير الجمع راجع إلى الضمائر قبله العائدة إلى المنافقين وهو الملائم للسياق ... إلى أن قال: والكلام مسوق مساق التوبيخ للمنافقين، واللوم لمن يقبل مثل تلك الإذاعة من المسلمين الأغرار). اهـ والآية نازلة في سرايا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعوثه.
ومن الأمثلة التي تكشف أهمية دلالة السياق القرآني في الترجيح بين الأسباب ما يلي:
1 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حلف على يمين وهو فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي اللَّه وهو عليه غضبان) قال: فقال الأشعث بن قيس: فيَّ واللَّه كان ذلك، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألك بيّنة؟) قال: قلت: لا، قال: فقال لليهودي: (احلف) قال: قلت: يا رسول اللَّه إذن يحلف ويذهب بمالي، قال: فأنزل الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ... ) إلى آخر الآية.
فسياق الآَيات يؤيد القول بأن الحديث سبب نزولها لأن الآية التي تلت هذه الآية تتحدث عن اليهود في قوله: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ) والآية التي قبلها تتحدث عنهم أيضًا في قوله: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا). اهـ.
2 - قال الله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) وقد ذكر ابن القيم، وابن حجر - رحمهما اللَّه - أن هذه الآية نزلت في سياق الحديث عن قصة أُحد، وهذا يتفق مع ما أخرجه أحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما كان يوم أُحد كسرت رباعية رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشُج في وجهه، قال: فجعل الدم يسيل على وجهه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: (كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله؟) قال: فأنزل الله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ). اهـ.
3 - قال الله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171).
وسياق هذه الآيات يتفق مع ما رواه أحمد وأبو داود عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لما أُصيب إخوانكم بأحد جعل الله - عَزَّ وَجَلَّ - أرواحهم في أجواف طير خضرٍ ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع اللَّه لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد،ولا ينكلوا عن الحرب، فقال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (أنا أبلغهم عنكم) فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - هؤلاء الآيات عل رسوله: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا).
4 - قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91).
فقد أخرج مسلم وأحمد عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين. فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً. وذلك قبل أن تحرم الخمر. قال: فأتيتهم في حشٍّ - والحشُّ البستان - فإذا رأس جزور مشوي عندهم، وزِقٌّ من خمر. قال: فأكلت وشربت معهم. قال: فذكرت الأنصار والمهاجرون عندهم. فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، قال: فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به فجرح بأنفي، فأتيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته. فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فيَّ - يعني نفسه - شأن الخمر: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ).
وجه الموافقة بين الحديث وسياق الآية: أن الآية ذكرت وقوع العداوة والبغضاء بسبب الخمر والميسر وهذا قد وقع في قصة سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما شرب معهم الخمر فقد ضُرب وفُزِر أنفه.
5 - قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) - إلى قوله -: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ).
وقد أخرج النَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... ).
* * *





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 23-02-2022, 02:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 188 الى صـ 192
الحلقة (34)

المبحث السادس
الترجيح بدلالة الوقائع التاريخية

لتاريخ النزول القرآني قَرُبَ أم بَعُدَ دوره الحيوي في الترجيح بين الروايات الواردة في أسباب النزول وقبل أن أذكر الأمثلة الدالة على هذا الدور أود إيضاح أن الأمر هنا لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يسبق النزولُ السببَ، كأن تنزل الآية في مكة، ثم يقع السبب في المدينة، أو تنزل الآية في أوائل الهجرة، ثم تقع قضية السبب في أواخرها فهذه الحال لا صلة لها بهذا المبحث، إذ ليست من أسباب النزول؛ لأن النزول لا يتقدم السبب، ويكون هذا من نزول القرآن ابتداء. وإنما ذكرتها هنا لكمال التقسيم.

الثانية: أن يسبقَ السببُ النزولَ وهذا ينقسم إلى قسمين:

الأول: أن يقع السبب قبل الهجرة، وتنزل الآية بعدها، أو يقع السبب في أوائل الهجرة، وتنزل الآية في أواخرها، فهذا من حيث السبْق لا يمنع السببية، لكن يعكر عليه فارق الزمن بين السبب والنزول لأنه طويل، ولا يعهد أن يتباعد السؤال عن الجواب، والقضية عن نزول حكمها، كما إني لم أجد في بحثي مثالاً صحيحًا صالحًا لهذا.
الثاني: أن يقع السبب والنزول معًا قبل الهجرة أو بعدها في زمن متقارب وهذا هو الكثير الغالب، لكن قد يتأخر النزول عن السبب لأمر تقتضيه حكمة الحكيم العليم، كما وقع في قضية كعب بن مالك، وصاحبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حين تخلفوا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك، فقد نزلت توبة اللَّه عليهم بعد خمسين ليلة من اعتذارهم، وقريب من هذا قصة الإفك حيث تأخر النزول شهرًا لا يُوحى إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شأنه شيء ثم أنزل الله تعالى الآيات، ومع هذا فإن تأخير النزول في هاتين القضيتين لم يمنع السببية.
وهذا هو الضابط الزمني الدقيق عند العلماء في أسباب النزول كما وجدته في أقوالهم وتقريراتهم.
وحينئذٍ يرد السؤال الآتي: كيف وقع الخطأ الزمني في تحديد أسباب النزول؟
فيقال: من المعلوم قطعاً أن أسباب النزول مرتبطة بنزول الآيات مكيها، ومدنيها ولا أعلم أحداً قام بتحقيق نزول آيات القرآن آية آية ومواقعها وتاريخ نزولها على نحو مؤكد.
وقد قال ابن العربي عن الآيات: (ولم يحقق العلماء تعيين النازل بمكة من المدينة في الجملة). اهـ.
فإذا كان المكي والمدني لم يحقق في الجملة فما ارتبط به من أسباب النزول لا بد أن يقع فيه خطأ أيضاً.
ولهذا بعض المفسرين يرى الآية مكية، والسبب حدث في مكة، وعليه فلا مانع من القول بأنه سبب نزولها.
وآخر يرى القصة حدثت في مكة، والآية في المدينة فلا يراها سببًا لنزول الآية.
وثالث يقول: إن الآية نزلت مرتين ويذكر لكل مرة حديثاً روي أنه سبب نزولها وهكذا.
وهذا الاختلاف ناشئ من سببين:
الأول: ما ذكره ابن العربي من عدم تحقيق المكي من المدني في الجملة.
الثاني: الخطأ في الممارسة والتطبيق من قِبل بعض المفسرين.

وسأذكر من أقوال العلماء ما يبين أثر التاريخ في تقرير الأسباب:

أولاً: مسروق بن الأجدع الوادعي ففي قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أبى أن يكون الشاهد عبد الله بن سلام فقال: (واللَّه ما نزلت في عبد الله بن سلام، ما نزلت إلا بمكة، وما أسلم عبد الله إلا في المدينة، ولكنها خصومة خاصم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها قومه). اهـ موضع الشاهد.
ئانياً: سعيد بن جبير ففي قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43).
(قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) أهو عبد اللَّه بن سلام؟ فقال: وكيف يكون عبد الله بن سلام، وهذه السورة مكية). اهـ.

ثالثاً: عامر الشعبي. (قال ابن عون: ذكروا عند الشعبي قوله: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) فقيل: عبد الله بن سلام؟ فقال: كيف يكون ابن سلام وهذه السورة مكية). اهـ.

رابعاً: البغوي ففي قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) أنكر أن يكون سبب نزولها ما أخرجه أحمد عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: تشاورت قريش ليلةً بمكة فقال بعضهم: إذا أَصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه فأطلع الله نبيه على ذلك .. الحديث.
قال البغوي: (واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا، وإذ قالوا اللهم؛ لأن هذه السورة مدنية، وهذا القول والمكر إنما كانا بمكة، ولكن اللَّه ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى: (إِلَّا تنَصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرُه آللَّهُ). اهـ.
خامساً: ابن عطية الأندلسي ففي قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) أنكر أن تكون قد نزلت في بني سلمة لما أرادوا الانتقال إلى قرب المسجد فقال: (وهذه السورة مكية بإجماع إلا أن فرقة قالت إن قوله: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم، وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لهم: دياركم تكتب آثاركم، وكره رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تعروا المدينة وعلى هذا فالآية مدنية، وليس الأمر كذلك وإنما نزلت الآية في مكة، ولكنه احتج بها عليهم في المدينة، ووافقها قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المعنى فمن هنا قال من قال: إنها نزلت في بني سلمة). اهـ.

سادساً: شيخ الإسلام ابن تيمية. فقد أنكر على الرافضي دعواه أن سورة (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين وقال: (إن السورة مكية باتفاق العلماء، وعلي إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد الهجرة، ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر وولد له الحسن في السنة الثالثة من الهجرة، والحسين في السنة الرابعة من الهجرة بعد نزول (هَلْ أَتَى) بسنين كثيرة، فقول القائل: إنها نزلت فيهم، من الكذب الذي لا يخفى على من له علم بنزول القرآن، وعلم بأحوال هؤلاء السادة الأخيار). اهـ.

سابعاً: ابن كثير فقد جاء في نزول قوله تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) ما أخرجه ابن ماجه عن خباب قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعداً في ناسٍ من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حقَّروهم فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العربُ فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك فنزل جبريل فقال: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ... ) الآية. قال ابن كثير: (وهذا حديث غريب، فإن هذه الآية مكية، والأقرع بن حابس، وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر). اهـ.
ثامناً: ابن حجر العسقلاني ففي نزول قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) فقد أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حرث بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم: سلوه عن الروح فذكر الحديث وفيه ... فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن الروح ثم قام ساعة ينظر فعرفت أنه يُوحى إليه فتأخرت عنه حتى صعد الوحي ثم قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي).
قال ابن حجر: (وهذا يدل على أن نزول الآية وقع بالمدينة لكن روى الترمذي ... ثم ساق حديث ابن عبَّاسٍ ... إلى أن قال: ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك، وإن ساغ هذا وإلا فما في الصحيح أصح). اهـ.
تاسعاً: الشنقيطي ففي قوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126).
قال: (نزلت هذه الآية الكريمة من سورة النحل بالمدينة في تمثيل المشركين بحمزة ومن قتل معه يوم أُحد، فقال المسلمون: لئن أظفرنا اللَّه بهم لنمثلن بهم فنزلت الآية الكريمة فصبروا لقوله تعالى: (لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) مع أن سورة النحل مكية إلا هذه الآيات الثلاث من آخرها). اهـ.

عاشراً: ابن عاشور ففي قوله تعالى: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 23-02-2022, 02:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 193 الى صـ 197
الحلقة (35)

وقد ذكر بعض المفسرين أنها نزلت بسبب عامر بن الطفيل، لكن أبى ذلك ابن عاشور فقال: (ولما كان عامر بن الطفيل إنما جاء المدينة بعد الهجرة، وكان جدال اليهود لا يكون إلا بعد الهجرة أقدم أصحاب هذه الأخبار على القول بأن السورة مدنية أو أن هذه الآيات منها مدنية، وهي أخبار ترجع إلى قول بعض الناس بالرأي في أسباب النزول، ولم يثبت في ذلك خبر صحيح صريح فلا اعتداد بما قالوه فيها، ولا يخرج السورة عن عداد السور المكية). اهـ.
وسأذكر عددًا من الأمثلة التي قمت ببحثها خلال دراستي وأعملت فيها هذا الضابط:
1 - قال اللَّه تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) فقد أخرج البخاري وأحمد ومسلم والدارمي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف) يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: (اللهم العن فلانًا وفلانًا) لأحياء من العرب حتى أنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).

ولفظ مسلم عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: (اللهم العن لحيان ورعلاً، وذكوان، وعصية عصت اللَّه ورسوله) ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)

فهذا الحديث لا يصح أن يكون سبباً للنزول لأن الآية نزلت في سياق الحديث عن قصة أُحد، وأحد إنما كانت في السنة الثالثة، والدعاء على هؤلاء القبائل كان بعد قتلهم القراء في بئر معونة وذلك في صفر من السنة الرابعة، فكيف يتقدم النزول على السبب؟.
2 - أخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالت: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماء، فذكرت الحديث وفيه .. فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فخذي، فنام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أصبح على غير ماءٍ فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم فقال أُسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
والسؤال هنا: أيُّ آيتي التيمم نزلت في هذه القصة أهي التي في النساء أم التي في المائدة؟.
والجواب: أنها التي في النساء لأمور:
أ - أن آية النساء تقدمت في النزول على آية المائدة لأنها في سياق النهي عن قربان الصلاة حال السكر وفي هذه المرحلة لم تحرم الخمر بعد، بخلاف آية المائدة فإن الخمر حرمت فيها بعد أُحد كما قال جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: صبَّح أناس غداة أحد الخمر فقتلوا من يومهم جميعاً شهداء وذلك قبل تحريمها.
ب - أن صدر سورة المائدة قد تأخر نزوله ويدل على هذا أمران:
الأول: قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) أنها نزلت على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعرفة يوم جمعة. ومعلوم أن وقوفه بعرفة كان في السنة العاشرة.
الثاني: ما ثبت في الصحيح عن همام بن الحارث قال: رأيت جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى فسئل فقال: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صنع مثل هذا.
قال إبراهيم: فكان يعجبهم لأن جريراً كان من آخر من أسلم.
ولفظ مسلم: لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.

وجه الدلالة من هذا الحديث على تأخر نزول المائدة: أنه إذا كان يقع الاشتباه إلى هذا الحد بين إسلام جرير ونزول المائدة مع أنه من آخر من أسلم فهذا يدل على تأخر نزول آية الوضوء كثيرًا.

3 - قال اللَّه تعالى: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33).
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33).
فهذا الحديث وإن كان صحيحًا ليس سببًا لنزول الآية لأن سورة الأنفال نزلت في بدر كما قال ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وقال ابن إسحاق: (أُنزلت في أمر بدرٍ سورة الأنفال بأسرها). اهـ.
وهذا الدعاء المذكور إنما كان في مكة بدليل قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وهو إنما كان فيهم لما كان في مكة قبل الهجرة، فكيف يكون الدعاء قبل الهجرة سببًا لنزول الآيات بعدها؟.

4 - قال اللَّه تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76).

أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: جاء أبو سفيان إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز - يعني الوبر والدم - فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76).
وهذا الحديث ليس سببًا للنزول لأن سبب القحط الذي أصابهم هو دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم بقوله: (اللهم اشدد وطاتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) وهذا الدعاء إنما كان في المدينة، وسورة المؤمنون مكية بالاتفاق، وإذا كان الأمر كذلك فكيف تنزل الآية في شأن القحط في مكة مع أن سبب القحط وهو الدعاء كان بالمدينة.
5 - قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24).
أخرج البخاري وأحمد عن المسور بن مخرمة ومروان في قصة الحديبية قالا: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى كانوا ببعض الطريق فذكرا الحديث ... إلى أن قالا: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم، إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فواللَّه ما يسمعون بعيرٍ خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تناشده باللَّه والرحم لما أرسل: فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم، فأنزل اللَّه تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) - حتى بلغ - (حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ).
فهذه القصة ليست سبب نزول الآية لأن الآية نزلت في الحديبية كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، وهذه القصة بعد رجوع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة فقد جاء في الحديث: (ثم رجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فذكر الحديث وفيه: فجاء أبو بصير فقال: يا نبي اللَّه قد واللَّه - أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد) فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده، فخرج حتى أتى سِيف البحر ... الحديث وفيه: فواللَّه ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها).
* * *
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القسم الثاني
دراسة أسباب النزول
دراسةً تفسيريةً وحديثية




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 23-02-2022, 02:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 198 الى صـ 203
الحلقة (36)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القسم الثاني
دراسة أسباب النزول
دراسةً تفسيريةً وحديثية
سُورَةُ البَقَرَة
1 - قال اللَّه تعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: أقبلت يهود إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا أبا القاسم، إنَّا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتّبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه، إذ قالوا: اللَّه على ما نقول وكيل. قال: (هاتوا) قالوا: أخبرنا عن علامة النبي. قال: (تنام عيناه ولا ينام قلبه) قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تُذْكِر؟ قال: (يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماءَ المرأة أذكرت، وإذا علا ماءُ المرأة ماءَ الرجل آنثت) قالوا: أخبرنا ما حرَّم إسرائيل على نفسه؟ قال: (كان يشتكي عرق النَّسَا، فلم يجد شيئًا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا - قال أبي: قال بعضهم: يعني الإبل - فحرم لحومها) قالوا: صدقت. قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: (ملك من ملائكة الله - عَزَّ وَجَلَّ - موكل بالسحاب، بيده - أو في يده - مخراق من نار، يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمر اللَّه) قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: (صوته) قالوا: صدقت، إنما بقيت واحدة وهي التي نبايعك إن أخبرتنا بها، فإنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه لخبر، فأخبرنا من صاحبك؟ قال: (جبريل - عليه السلام -): قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر، لكان. فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ... ) إلى آخر الآية.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة، وقد ذكر هذا الحديث بعض المفسرين كالطبري وابن عطية وابن كثير.
واقتصر البغوي والقرطبي والسعدي من الحديث على عداوة اليهود لجبريل - عليه السلام - دون سائر الأسئلة.
قال الطبري: (أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً على أن هذه الآية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك، فقال بعضهم: إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمر نبوته .. ثم ساق الحديث. اهـ.
وقال البغوي: (قال ابن عبَّاسٍ: إنَّ حَبْراً من أحبار اليهود قال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ ملك يأتيك من السماء، قال: جبريل، قال: ذاك عدونا من الملائكة، ولو كان ميكائيل لآمنا بك .. فذكر الحديث إلى أن قال: فلهذا نتخذه عدواً، فأنزل الله هذه الآية)، اهـ مختصراً.
وقال ابن عطية: (أجمع أهل التفسير أن اليهود قالت: جبريل عدونا ... فذكر الحديث)، اهـ.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 23-02-2022, 02:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 204 الى صـ 208
الحلقة (37)

وقال القرطبي: (سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه ليس نبي من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي، فمن صاحبك حتى نتابعك؟ قال: جبريل. قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال، ذاك عدونا. لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك، فأنزل اللَّه الآية)، اهـ.

وقال السعدي: (قل لهؤلاء اليهود الذين زعموا أن الذي منعهم من الإيمان بك أن وليك جبريل - عليه السلام - ولو كان غيره من ملائكة اللَّه لآمنوا بك وصدقوا: إنّ هذا الزعم منكم تناقض وتهافت وتكبر على اللَّه)، اهـ.

وقد ذكر المفسرون سبباً آخر لنزولها، أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عن الشعبي قال: (نزل عمر الروحاء ثم ذكر صدر حديثه حتى قال: كنت أشهد اليهود يوم مِدْرَاسِهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان، ومن الفرقان كيف يصدق التوراة، فذكر الحديث بطوله حتى بلغ قوله: قالوا: إنّ لنا عدواً من الملائكة، وسلماً من الملائكة، وإنه قُرن به عدونا من الملائكة قال: قلت: ومن عدوكم ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل ... فذكر الحديث حتى قال: ثم قمت فاتبعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو خارج من خَرْفَة لبني فلان فقال لي: يا ابن الخطاب ألا أُقرئك آيات نزلن عليَّ فقرأ: (قُل مَن كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) حتى قرأ الآيات، قال: قلت: بأبي وأمي يا رسول اللَّه، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أُريد أن أخبرك فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر) اهـ.
وبما تقدم تبين أنه لم يصح حديث مرفوع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالخمسة المذكورة جميعاً، لكن بعضها صحت مفرقة، ولبعضها شواهد.
فمن ذلك قولهم: أخبرنا عن علامة النبي.
قالت عائشة - رضي الله عنها -: قلت: يا رسول اللَّه، أتنام قبل أن توتر؟ قال: (يا عائشة إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي).
أما قولهم: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تُذكر؟
فقد روى ثوبان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت قائماً عند رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد .. فذكر الحديث وفيه قال: جئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان. قال: (ينفعك إن حدثتك؟) قال: أسمع بأُذنيَّ. قال: جئت أسألك عن الولد؟ قال: (ماء الرجل أبيض وماءُ المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة، أَذْكَرَا بإذن اللَّه، وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل، آنثا بإذن الله)، قال اليهودي: لقد صدقتَ وإنك لنبي.
وأمّا قولهم: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه؟
فقد ثبت أنه صحيح وقفه على ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كما تقدم.
وسبب ذلك أن أعرابياً قال لابن عبَّاسٍ: إني قلت لامرأتي: هي على حرام، قال: فإنها ليست عليك بحرام. قال: وأين قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ)؟ قال: هل تدري ما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال: لا، قال: إن إسرائيل أخذته الأنساء فأضنته فجعل لِلَّهِ عليه: إن الله عافاه: أن لا يأكل عرقاً أبداً فلذلك تسلُّ اليهود العروق ولا يأكلونها.
أما قولهم: أخبرنا ما هذا الرعد؟
فهذا مما انفرد به بكير بن شهاب ولم يتابع عليه، وهو ممن لا يحتمل تفرده، فقصة الرعد لا تصح.
أما قولهم: فأخبرنا من صاحبك؟ قال: (جبريل - عليه السلام -).
فهذه الجملة من الحديث هي الأصل في سبب النزول وعليها يدور سياق القرآن وكلام المفسرين، وقد روى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في أرض يخترف فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: فما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة، وما ينزع الولد إلى أبيه أو أمه؟ قال: (أخبرني بهن جبريل آنفاً) قال: جبريل؟ قال: نعم. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ).
وإذا ضممنا الآية للحديث تبين لنا الحقائق التالية:
1 - أن جبريل عدو اليهود من الملائكة.
2 - أن المراد بالكافرين في قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) هم اليهود.
3 - أن الآية ردٌّ على اليهود في كراهتهم لجبريل - عليه السلام - لكن يبقى النظر هل هذا الرد فوري فيكون قولُ عبد الله بن سلام سببَ نزولها أو ليس فوريًا؟ الحافظ ابن حجر - رحمه الله - مال إلى الثاني، وقال: ظاهر السياق أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذي قرأ الآية رداً لقول اليهود، ولا يستلزم ذلك نزولها حيئنذٍ وهذا هو المعتمد، وإنما تلا عليه الآية مذكرًا إياه سبب نزولها.
وبناءً على هذا قوى الحديث في سؤال اليهود للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الأشياء السابقة فقال: (وهذه طرق يقوي بعضها بعضاً).
وعندي - والله أعلم - أن سبب نزولها هو قول عبد الله بن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة وإنما اخترت هذا لأمور:
أ - ما حكاه الطبري من إجماع أهل العلم بالتأويل جميعاً على أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود.
ب - أنّ المتأمل في قوله: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) يرى أنها جواب سريع نافع عن حدث واقع. وإنما لم تصدر بقوله: (يسألونك) لأن عبد اللَّه بن سلام لم يسأله بل أخبره بعداوة اليهود لجبريل بخلاف الأسئلة القرآنية التي صدرت بالسؤال والجواب جميعاً.
جـ - أنّ قول الراوي: فقرأ هذه الآية لا يمنع السببية؛ لأنه لن يقرأها إلا بعد أن تنزل فيكون اقتصار الراوي على القراءة لأنها متضمنة للنزول، وإن لم يُرِدْ نفيَ السببية. ويمكن أن يُقال أيضاً إن هذا من تصرّف الرواة في ألفاظ الحديث، وهو كثير معروف.
د - أنّ الآية لو كانت نزلت على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل حديثه مع عبد الله لما خفي ذلك على عبد الله بن سلام لأنه حبر من أحبارهم، وسيد من ساداتهم، ولم يحتج عبد الله أيضاً إلى إخبار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعداوة اليهود لجبريل لأنه سيكون علم قبل ذلك.
هـ - قول أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لما سمع عبد اللَّه بقدوم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهذا يدل على أن عبد اللَّه بن سلام بادره قبل غيره من اليهود حرصاً منه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على اتباع الحق.
وإذا كان الأمر كذلك فمتى وقعت الأسئلة الخمسة من يهود لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
و أنّ ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ممن تأخرت هجرته إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينة؛ لأنه كان صغيراً يتبع أباه، وأبوه لم يهاجر إلا قبل الفتح بقليل. قال ابن حجر: (ثم هاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح) اهـ، يعني العباس بن عبد المطلب.
وإذا كان الأمر كذلك فابن عبَّاسٍ لم يشهد القصة، بل سمعها من غيره، فلعل من أخبره سمعها متفرقة فجمعها له في سياق واحد، واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ليس سبب نزولها؛ لما تقدم من الأسباب آنفة الذكر، وإنما سبب نزولها حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قصة عبد اللَّه بن سلام، لصحة سندها، وموافقتها للفظ الآية، واتفاق المفسرين على معناها، والله أعلم.
* * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 23-02-2022, 02:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 209 الى صـ 213
الحلقة (38)

2 - قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج الترمذي وابن ماجه عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة عن أبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرٍ في ليلة مظلمة فلم ندرِ أين القبلة فصلى كل رجل منا على حيالها فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنزل: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).
ولفظ ابن ماجه: فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة فصلينا وأعلَمْنا ... لحديث.
2 - أخرج مسلم وأحمد والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد ذكر هذين الحديثين جمهور المفسرين، كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير.
فأما حديث عامر بن ربيعة الذي تضمن التصريح بالسببية فقد تبين أنه ضعيف لا يحتج به.
أما حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقوله في الحديث: وفيه نزلت: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) فلا يخلو من احتمالين:
الأول: أن يريد أن الآية نزلت على سبب فأين ذلك السبب أو الحدث أو الواقعة؟ فلم يذكر المفسرون شيئاً من هذا، وهذا خلاف المعهود في أسباب النزول، كما أني لا أظن أن هذا مراده.
الثاني: أن يريد الاستدلال بالآية على جواز التنفل في السفر على الراحلة، ويكون قوله: وفيه نزلت، أي دلت الآية على ذلك الحكم فهو استدلال صحيح عند من يوافقه، (أعني استدلاله بالآية).
ولهذا قال ابن العربي: (لا يخفى أن عموم الآية يقتضي بمطلقه جواز التوجه إلى جهتي المشرق والمغرب بكل حال، لكن الله خص من ذلك جواز التوجه إلى جهة بيت المقدس في وقتٍ، وإلى جهة الكعبة في حال الاختيار في الفرض والحضر فيها أيضاً وبقيت على النافلة في السفر).
وعندي - والله أعلم - أنه لا بد لمن أراد التحقيق والتدقيق في معرفة تفسير الآية أو الوقوف على سبب نزولها أن يتأمل السياق القرآني الذي وردت فيه الآية؛ لأن الآيات في الأعم الأغلب، لا بد أن يكون لها ارتباط بما قبلها، وعلاقة بما بعدها، أما انتزاع الآية وحدها كأنها ثمرة فلا شك أنه يوقع المفسر في الخطأ والزلل.
وهذا السياق الذي معنا ليس بعيدًا من هذا، فالآية التي قبلها هي قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ... ) الآية.
تتحدث عن المشركين الذين أخرجوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصدوه عن البيت حين قصده عام الحديبية كما هو الراجح من قولي المفسرين.
(ثم جاءت هذه الآية: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) تسلية لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه الذين أُخرجوا من مكة وفارقوا مسجدهم ومصلاهم).
وقال أبو حيان: (والذي يظهر أن انتظام هذه الآية بما قبلها هو أنه لما ذكر منع المساجد من ذكر اللَّه، والسعي في تخريبها نبَّه على أن ذلك لا يمنع من أداء الصلوات ولا من ذكر الله، إذ المشرق والمغرب لِلَّهِ تعالى، فأيُّ جهة أديتم العبادة فيها فهي لِلَّهِ يثيب على ذلك ولا يختص مكان التأدية في المسجد).
وقال الطاهر بن عاشور: (لما جاء بوعيدهم ووعد المؤمنين عطف على ذلك تسلية المؤمنين على خروجهم من مكة، ونكاية المشركين بفسخ ابتهاجهم بخروج المؤمنين منها وانفرادهم هم بمزية جوار الكعبة فبيَّن أن الأرض كلها لله تعالى وأنها ما تفاضلت جهاتها إلا بكونها مظنة للتقرب إليه تعالى، وتذكر نعمه وآياته العظيمة، فإذا كانت وجهة الإنسان نحو مرضاة الله تعالى فأينما تولى فقد صادف رضى اللَّه تعالى، وإذا كانت وجهته الكفر والغرور والظلم فما يغني عنه العياذ بالأماكن المقدسة. بل هو فيها دخيل لا يلبث أن يقلع منها) اهـ.
وهذا القول هو الصحيح، وهو أن الآية لا تتحدث عن استقبال القبلة بقدر حديثها عن توجه قلب العبد إلى ربه ومولاه، وأن الأماكن ظروف فقط لذلك التوجه، فإذا حيل بين العبد وبين ذلك التوجه في مكان فإن الأمر كما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56).
فإن قيل: ما الدليل إذن على جواز التنفل على الراحلة في السفر؟
فالجواب أن يقال: إن الدليل مجرد فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثابت في الصحيح، وهذا من أبلغ الحجج وليس بالضرورة أن يدل على الحكم آية من القرآن.
* النتيجة:
أنه لا يوجد سبب نزول صحيح صريح نزلت لأجله الآية، فالصريح المذكور غير صحيح، والصحيح غير صريح، بل راويه لم يُردْ بذكره السببية أصلاً والسياق القرآني لا يدل على ذلك كما بيّنت.
* * *

3 - قال الله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)

* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري وأحمد والدارمي والترمذي والنَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا رسول اللَّه، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) وآية الحجاب، قلت: يا رسول اللَّه، لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البرُّ والفاجر.
فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت هذه الآية.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية، وقد أورده جمهور المفسرين وجعلوه سبباً لنزولها، منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير، وغيرهم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 23-02-2022, 02:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 214 الى صـ 218
الحلقة (39)

وقوله: وافقت ربي في ثلاث، المعنى: وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه.
وقد اختلفت أقوال العلماء في المراد بمقام إبراهيم.
فقال بعضهم: الحج كله مقام إبراهيم.
وقال بعضهم: هو عرفة والمزدلفة والجمار.
وقال بعضهم: الحرم كله مقام إبراهيم.

وقال بعضهم: مقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع بناؤه وضعف عن رفع الحجارة.
وهذا القول الأخير هو الصحيح لما روى ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إن إبراهيم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإنّ الله أمرني أن أبْنِيَ هاهنا بيتًا، وأشار إلى أكمةٍ مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وفي لفظ قال: حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة، فقام على حجر المقام فجعل يناوله الحجارة ويقولان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
ومما يؤيد هذا التفسير ويرجحه على غيره فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد روى جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في صفة حج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ثم نَفَذَ إلى مقام إبراهيم - عليه السلام - فقرأ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان يقرأ في الركعتين: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ).
ولو كان المراد بالمقام أحد الأقوال الثلاثة الأولى لكان من المتعذر أو المتعسر اتخاذه مصلى - أي قبلة -. ولهذا قالوا: إن المراد بقوله: (مُصَلًّى) أي: مداعيَ تدعونني عندها. وهذا خلاف الصواب.
قال ابن كثير - رحمه الله -: (قلت: وقد كان هذا المقام ملصقاً بجدار الكعبة قديمًا ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك، وكان الخليل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أو أنه انتهى عنده البناء فتركه هناك، ولهذا واللَّه أعلم أُمر بالصلاة هناك عند الفراغ من الطواف وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناءُ الكعبة فيه، وإِنَّمَا أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أحد الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين الذين أُمِرْنَا باتباعهم، وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصلاة عنده، ولذلك لم ينكر ذلك أحد من الصحابة - رضي اللَّه عنهم أجمعين -.
ثم ساق رواية عبد الرزاق عن عطاء ومجاهد أن أول من أخّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
ثم ساق إسناد البيهقي إلى عائشة - رضي الله عنها - أن المقام كان زمان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وزمان أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ملتصقاً بالبيت ثم أخّره عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم، ثم ذكر قول سفيان بن عيينة في ذلك إلى أن قال: فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه، واللَّه أعلم.
ثم ساق إسناد الحافظ أبي بكر بن مردويه إلى مجاهد وقال فيه: فحوّله رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى موضعه هذا، فقال: وهذا مرسل عن مجاهد، وهو مخالف لما تقدم، ورواية عبد الرزاق أصح من طريق ابن مردويه، واللَّه أعلم) اهـ بتصرف.
وقال ابن حجر: (وكان عمر رأى أن إبقاعه يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع به الحرج، وتهيأ له ذلك لأنه الذي كان أشار باتخاذه مصلى وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن).
* النتيجة:
أن سبب نزول هذه الآية هو قول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت الآية لصحة سنده، وتصريحه بالنزول واحتجاج المفسرين به، وموافقته للفظ الآية، واللَّه أعلم.
* * * * *

4 - قال الله تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)

* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب أن يوجَّه إلى الكعبة، فأنزل اللَّه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ). فتوجه نحو الكعبة. وقال السفهاء من الناس، وهم اليهود: (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فصلى مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل، ثم خرج بعدما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد أنه صلى مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه توجه نحو الكعبة، فتحرّف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة.
وفي لفظ له: فداروا كما هم قِبَل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قِبَل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلما ولّى وجهه قِبَل البيت أنكروا ذلك.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورده جمهور المفسرين وجعلوه سبباً لنزولها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير.
قال الطبري: (أَعلم الله جل ثناؤه نبيَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل قبلته وقبلة أصحابه عن الشام إلى المسجد الحرام، وعلّمه ما ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب. فقال له: إذا قالوا ذلك لك يا محمد، فقل لهم: (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) اهـ.
وقال ابن كثير: (ولما وقع هذا أي (تحويل القبلة) حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب وتخبيط وشك وقالوا: (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) أي قالوا: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا فأنزل الله جوابهم في قوله: (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي الحكم والتصرف والأمر كله للَّه: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) و (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) أي الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وُجّهنا توجّهنا، فالطاعة في امتثال أمره) اهـ.
وقد صرَّح ابن حجر بذلك؛ وهو أن اليهود لما أنكروا ذلك نزلت: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ).
وفي قوله: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) قال ابن عطية: (وجعل المستقبل موضع الماضي في قوله: (سَيَقُولُ) دلالة على استدامة ذلك، وأنهم يستمرون على ذلك القول، ونص ابن عبَّاسٍ وغيره أن الآية نزلت بعد قولهم) اهـ.
أما الخلاف في المدة التي صلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بيت المقدس فقال فيها ابن حجر: (فيه تسع روايات - ثم حاول الجمع بين روايتي ستة عشر أو سبعة عشر باعتبارهما أصح الروايات - فقال: والجمع بين الروايتين سهل بأن يكون من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهراً وألغى الزائد، ومن جزم بسبعة عشر عدهما معاً، ومن شك تردد في ذلك، وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور.
وقال: تحرير المدة المذكورة ستة عشر شهراً وأيام) اهـ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 23-02-2022, 02:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سُورَةُ البَقَرَة
من صــ 219 الى صـ 223
الحلقة (40)

أما المراد بالسفهاء فقد اختلفت أقوال المفسرين فقال بعضهم: هم مشركو قريش، وقال بعضهم: هم المنافقون، وقال بعضهم: هم اليهود، وهو قول الأكثرين، ويشهد له حديث البراء المتقدم: وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قِبَل بيت المقدس فلما ولّى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك. ويؤيد هذا قول الله تعالى: (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ).
قال ابن كثير - صلى الله عليه وسلم -: (أي واليهود الذين أنكروا استقبالكم الكعبة وانصرافكم عن بيت المقدس يعلمون أن اللَّه تعالى سيوجهك إليها بما في كتبهم عن أنبيائهم من النعت والصفة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمته وما خصه اللَّه تعالى به وشرّفه من الشريعة الكاملة العظيمة، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسدًا وكفرًا وعنادًا، ولهذا تهدَّدهم بقوله تعالى: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).
قلت: ومن المعلوم أن المنافقين والذين أشركوا ليسوا من الذين أُوتوا الكتاب فلم يبق إلا اليهود.
* النتيجة:
أن هذه الآية نزلت بسبب إنكار اليهود على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه التوجه إلى الكعبة بعد أن كانوا يصلون إلى بيت المقدس، فالآية تبيّن سفههم في قولهم هذا وتُعَلِّم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يجيبهم به. وذلك لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول، وموافقته للفظ القرآن، واحتجاج المفسرين به، واللَّه أعلم.
* * * * *

5 - قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والنَّسَائِي عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت وأنه صلى، أو صلاها، صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد باللَّه لقد صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحوّل قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل اللَّه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).
ورواه ابن ماجه من حديث البراء بسياق مختلف.
2 - وأخرج أحمد والدارمي وأبو داود والترمذي من حديث ابن عبَّاسٍ نحوه.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر هذا الحديث جمهور المفسرين كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير.
قال ابن العربي: (اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس).
قال القرطبي: (اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلى إلى بيت المقدس) اهـ.
وقال السعدي: (ودخل في ذلك من مات من المؤمنين قبل تحويل القبلة، فإن اللَّه لا يضيع إيمانهم، لكونهم امتثلوا أمر الله وطاعة رسوله في وقتها) اهـ.
وقال ابن بطال: (لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت فى صلاتهم إلى بيت المقدس) اهـ.
وإذا كان قد تبين ضعف وشذوذ رواية ابن ماجه فإن الثابت فى سبب نزول الآية أن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هم الذين استشكلوا الأمر وليس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذي سأل جبريل - عليه السلام - فأنزل الله الآية. كما دلت على هذا رواية ابن ماجه.
وهنا إشكالان يحسن إيرادهما والجواب عنهما:
الأول: كيف قال البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجال قتلوا ولم يقع قبل تحويل القبلة قتال؟
فالجواب: قال ابن حجر: (ذكر القتل لم أره إلا في رواية زهير، وباقي الروايات إنما فيها ذكر الموت فقط، ولم أجد في شيء من الأخبار أن أحدًا من المسلمين قتل قبل تحويل القبلة، لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فتحمل على أن بعض المسلمين ممن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد ولم يضبط اسمه لقلة الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك) اهـ.
الثاني: كيف قال الله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) فأضاف الإيمان إلى الأحياء المخاطبين، والقوم المخاطبون إنما كانوا أشفقوا على إخوانهم الذين ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس؟.
فالجواب: قال الطبري: (إن القوم وإن كانوا أشفقوا من ذلك فإنهم أيضًا قد كانوا مشفقين من حبوط ثواب صلاتهم التي صلوها إلى بيت المقدس قبل التحويل إلى الكعبة وظنوا أن عملهم قد بطل فأنزل الله جل ثناؤه هذه الآية حينئذٍ فوجَّه الخطاب بها إلى الأحياء ودخل فيهم الموتى منهم لأن من شأن العرب إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب أن يُغَلِّبُوا المخاطب فيدخل الغائب في الخطاب فيقولوا لرجل خاطبوه على وجه الخبر عنه، وعن آخر غائب غير حاضر فعلنا بكما. وصنعنا بكما كهيئة خطابهم لهما وهما حاضران ولا يستجيزون أن يقولوا فعلنا بهما وهم يخاطبون أحدهما فيردوا المخاطب إلى عداد الغُيَّب) اهـ.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية ما ثبت في الصحيح من حديث البراء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لِلفظ الآية، واحتجاج المفسرين به والله أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 242.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 237.10 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]