تفسير سورة الفاتحة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 766 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 124 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 2 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 20 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 85 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-11-2022, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير سورة الفاتحة

- تفسير سورة الفاتحة (1)

معنى كلمة: سورة

عبد الحليم توميات


الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فإنّ من تعظيم الله تعالى لكتابه العظيم: القرآن الكريم، أنّه جعله كتابا خالف كلّ ما كان عليه شأن العرب من قبل، فأراد أن يميّزه عن غيره في كلّ شيء.

فعندما قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88]، نفى المثليّة في معانيه، وألفاظه، وحكمه، وأحكامه، وشمل ذلك أسماءه وأسماء أجزائه.


فانظر كيف سمّاه القرآن، والفرقان، وهم كانوا يسمّون كتبهم بالدّيوان ..

وسمّى أجزاء كتابه سورا، وهم كانوا يسمّون أجزاء كتبهم بالقصائد ..

وسمّى أجزاء السّورة آيات، وهم يسمّون أجزاء القصيدة أبياتا ..

وكلمة ( سورة ) تحتمل أربعة معان:

- الأوّل: هي المنزلة الرّفيعة، ومنه قول النّابغة الذّبياني يمدح النّعمان بن المنذر:

ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ترى كلّ ملك دونها يتذبذب

قال في " لسان العرب ":" أي: أعطاك رفعة وشرفا ومنزلة "، ولا شكّ أنّ السّورة من القرآن لها المنزلة العليا في الكلام.

- الثّاني: أنّها مأخوذة من السّور، وهو البناء المرتفع المحيط بالبلدة ونحوها، ومنه السّوار لإحاطته بالسّاعد، والسّورة من القرآن محيطة بمجموعة من الآيات.

وهذا قول أبي عبيدة وابن الأعرابيّ رحمهما الله، وهو اختيار الكوفيّين.

ومن أمعن النّظر في هذين القولين وجدهما يرجعان إلى معنى واحد وهو الارتفاع، بدليل أنّه يقال: تسوّرت الحائط إذا ارتفعت عليه، وفي التّنزيل العزيز:{إِذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ}.

- الثّالث: من السّؤر، فتكون بمعنى الطّائفة من الشّيء والجزء، ومنه سؤر الهرّ [1]، وهو الجزء الباقي من شربه.

وإنّما تركوا الهمزة، وقالوا: ( سورة ) للتّخفيف، وهو كثير في كلام العرب، فإنّهم تركوا الهمزة في " ملأك " وقالوا: ( ملاك وملك )، والسّورة من القرآن جزء منه، وهذا اختيار أبي الهيثم رحمه الله.

- الرّابع: التّمام، ومنه قول العرب:" هذه ناقة سورة "، أي: تامّة كاملة الخلق.

قال ابن سيده رحمه الله:" سُورُ الإبل: كرامها "، ولا شكّ أنّ هذا الوصف يصدق على السّورة من القرآن الكريم.

فهذه المعاني كلّها تصدق على السّورة من القرآن ولله الحمد.

معنى كلمة ( آية ):

أمّا الآية فللعلماء قولان في معناها:

1- العلامة، كقوله تعالى:{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُم} [البقرة: من 248]، فالآية من القرآن الكريم علامة على أنّه ليس من كلام البشر؛ ولذلك سمّّيت المعجزة آية كذلك.

2- أنّها بمعنى الجماعة، لأنّ الآية مجموعة من الكلمات، قالت العرب:" خرج القوم بآيتهم "، أي جميعهم، ومنه قول الشّاعر:

خرجنا من النّقبين لا حـيّ مثـلنا بآيتنا نُزجـي القلـوص المطـافـلا



[1]ومنه تعلم أنّ كلمة ( سائر ) بمعنى ( باقي )، من السّؤر، وليست بمعنى ( كلّ ) و( جميع ) كما اشتهر على ألسنة النّاس. وقد ذكرنا ذلك مفصّلا في الجزء الثّالث من سلسلة ( قل ولا تقل ).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21-11-2022, 12:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير سورة الفاتحة

تفسير سورة الفاتحة (2)

الكلام عن الاستعاذة.

الكاتب: عبد الحليم توميات


صيغتها معناها حكمها.

والمقصود بالاستعاذة هنا هي الاستعاذة من الشّيطان، وإلاّ فإنّ المسلم عليه أن يستعيذ من كلّ شرّ ومكروه.

1- المبحث الأوّل: صيغتها: فالمشهور منها ثلاث صيغ ثابتة كلّها:

( أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم )، و( أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم )، و( أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم من همزه ونفثه ونفخه ).

وكلّها حسان، قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (2/146): " وهذا كلّه واسع، وكيفما استعاذ فحسن ".

- أمّا الصّيغة الأولى فهي امتثال لأمر الله بها في القرآن:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النّحل:98].

- وأمّا الثّانية: فلقوله تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف:200]، وقال:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36].

- أمّا الثّالثة: فلأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يفعلها، فقد روى التّرمذي والنّسائي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: (( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ )) ثُمَّ يَقُولُ: (( اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا )) ثُمَّ يَقُولُ: (( أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ)).

والأفضل أن ينوّع المسلم بينها، كما هو الشّأن في سائر الأذكار، وإن كانت الثّانية والثّالثة أفضل لأنّهما تضمّنتا ثناءً على الله تعالى باسمين عظيمين من أسمائه، وصفتين جليلتين من صفاته، ولا شكّ أنّ الاستعاذة دعاء، ومن المندوب الثّناء على الله تعالى في الدّعاء.

2- المبحث الثّاني: معناها.

-( أعوذ ): من الاستعاذة، وهي طلب العوذ، وهو الالتجاء والاعتصام والالتصاق بالشّيء، وأصل العوذ هو اللّحم الملتصق بالعظم، فصارت العرب إذا احتمت بالشّيء والتصقت به شبّهته باللّحم الملتصق بالعظم.

ومثله وزنا ومعنى ( لاذ به يلوذ لوْذا ولِوَاذاً ولياذا ) قال في " لسان العرب ": أي لجأ إليه وعاذ به، واختفى وراءه، ومنه قوله تعالى:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً} [النور: من الآية63].

-( بالله ): الباء هنا للاستعانة.

و( الله ): علمٌ على الإله المستحقّ للعبادة، والرّاجح أنّه مشتقّ من الألوهيّة والإلهيّة، وهي العبوديّة.

وأصل لفظ الجلاة ( الله ) - كما قال الكسائي والفرّاء وأبو الهيثم -: الإله، حذفوا الهمزة وأدخلوا الألف واللاّم، ثمّ أدغمت اللاّم في الأخرى، ونظيره كلمة ( الأُناس ): حذفوا الهمزة فقالوا: النّاس.

فالله من إله بمعنى مألوه، ككتاب بمعنى مكتوب، وفراش بمعنى مفروش، وبساط بمعنى مبسوط، وإمام بمعنى مأموم يقصده النّاس.

-( الشّيطان ): وهو عَلَم على الجِنِّ إذا تمرّد، وهو مشتقّ من ( شَطَنَ ) بمعنى بَعُدَ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بنفسه عن كلّ خير.

وقيل: هو مشتقّ من ( شاط ) لأنّه مخلوق من نار، وهي تشيط بطبعها. وهذا المعنى صحيح، إلاّ أنّ الأوّل أصحّ لأمرين:

1- أنّه هو الّذي جرى عليه كلام العرب، فقد قال أميّة بن أبي الصّلت في ذكر ما أوتي سليمان عليه السّلام:

( أيّما شـاطن عصـاه عكـاه ثمّ يلقـى في السّـجـن والأغلال )

فنلاحظ أنّه قال: ( شاطن ) ولم يقل: ( شائط ).

وقال سيبويه: " العرب تقول ( تشيطن فلان ) إذا فعل فعل الشّياطين، ولو كان من ( شاط ) لقالوا: تشيّط ".[i]

2- لو كان مشتقّا من ( شاط ) لكانت الألف والنّون زائدتين في ( شيطان ) فيمنع من الصّرف للوصفيّة وزيادة الألف والنّون، ولكنّه لم يُمنع من الصّرف في القرآن، قال تعالى:{وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [الحجر:17]، {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [التّكوير:25]، فدلّ ذلك على أنّه من شطن.

-( الرّجيم ): فعيل بمعنى مفعول، فهو مرجوم، كقتيل بمعنى مقتول، لأنّه مرجوم من الله بطرده من رحمته، ومرجوم من الملائكة بالشّهب، ومرجوم من العباد بالاستعاذة.

وقيل: بمعنى ( راجم )، كقدير بمعنى قادر، وسميع بمعنى سامع، لأنّه يرجم النّاس بوساوسه، قال ابن كثير:" والأوّل أشهر وأصحّ ".

-( السّميع العليم ): تأمّل كيف علّمنا الله أن نختم استعاذتنا بهذين الاسمين المناسبين تمام المناسبة للمقام، لأنّه يحذّر من العدوّ الجنّي الّذي لا يُرى، كما قال تعالى:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُم} [الأعراف: من الآية27]، والّذي لا يسمع العبد كلامه، لكنّ الله يسمعه ويعلمه، ولمّا حذّر من العدوّ الإنسيّ الّذي يُرى قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر:56]. ذكره ابن القيّم رحمه الله في " بدائع الفوائد ".و" إغاثة اللّهفان ".

-( من همزه ونفثه ونفخه ):

أ*) الهمز: استعاذ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من همزه امتثالا لقوله تعالى:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون:97] وأصل الهمز: الدّفع، والضّرب والنّخز الّذي يشبه الطّعن، لذلك قيل للكسائيّ: أتهمز الذّيب ؟ فقال: لو همزته لأكلني. فهمزات الشّياطين: دفعهم العباد بالوساوس والإغواء.

قال ابن عبّاس رضي الله عنه والحسن:" همزات الشّياطين: نزغاتهم ووساوسهم ". وفسّرها بعضهم بالموتة وهي: الجنون والصّرع، ومنه ( الهُمَزَة ) الّذي يطعن في النّاس.

ب*) النّفث: معروف، وهو النّفخ مع الرّيق، ونفث الشّيطان فسّره السّلف بأنّه: الشّعر المذموم.

ت*) النّفخ: هو الكبر: أي داعي الكبر، والكبر نوعان: على الخلق وعلى الحقّ، لذلك فسّره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله: (( بطر الحقّ وغمط النّاس )).

3- المبحث الثّالث: حكمها.

فقد اختلف الفقهاء في حكمها:

أ- فالجمهور: الشّافعي وأبو حنيفة وأحمد - في رواية - على أنّها مستحبّة داخل الصّلاة وخارجها [" حاشية ابن عابدين " (1/328)، و" مغني المحتاج "(1/156)].

2- وذهب مالك رحمه الله تعالى إلى استحبابها خارج الصّلاة ومنعِها في الصّلاة.[" حاشية الدّسوقي " (1/251)].

3- وذهب عطاء، والثّوري، وابن سيرين، والأوزاعيّ، وداود، وابن حزم، وأحمد في رواية إلى أنّها واجبة في الصّلاة وعند قراءة القرآن.[" المحلّى " (3/247)، و" الفروع "(1/413)، و" الإنصاف "(2/120)].

وهو الصّواب- إن شاء الله – لسببين اثنين:

- للأمر بها، والأصل في الأمر الوجوب.

- ولأنّها تدفع شرّ الشّيطان، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.

فوائد ثلاث:

الأولى: استحبّها من قال باستحبابها في الرّكعة الأولى فقط، واستحبّها الشّافعيّ في كلّ ركعة.

ومن قال بوجوبها أوجبها في الرّكعة الأولى فقط، وأوجبها ابن سيرين رحمه الله في كلّ ركعة. ووجه كلامه رحمه الله أنّ الاستعاذة شرعت مع القرآن، فإذا تكرّرت القراءة وجبت الاستعاذة، والله أعلم.

الثّانية: ظاهر قوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98] أنّ محلّ الاستعاذة بعد القراءة، وإلى ذلك ذهب بعض القرّاء، قالوا: لدفع الإعجاب بعد الفراغ من العبادة.

والّذي عليه أكثر العلماء من السّلف والخلف أن يُؤتى بها قبل القراءة لدفع الوسوسة، فيكون معنى الآية: إذا أردت أن تقرأ القرآن، وهذا أسلوب عربيّ كثير في كلام العرب، فيحمل عليه، مثل قوله تعالى في آية الوضوء:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ..} [المائدة: من الآية6]، وكحديث الصّحيحين عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ )).

الثّالثة: من الأخطاء الشّائعة قول المتكلّم: قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم. وذلك لأمرين:

- لأنّه لم يكن عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومن استقرأ استشهاده وتمثّله بالقرآن لما وجده صلّى الله عليه وسلّم مرّة واحدة يقولها.

- ولأنّه كلام لو فهمته لعلمت أنّه كفر، لأنّ مقتضى ذلك أنّ الله قال: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم، وكيف يستعيذ الله ممّن طرده من رحمته، وأخرجه من جنّته ؟!

والله أعلم وأعزّ وأكرم.



[i] انظر " تفسير ابن كثير ".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-11-2022, 11:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير سورة الفاتحة

تفسير سورة الفاتحة (3)
أسماء سورة الفاتحة
الكاتب: عبد الحليم توميات

فقد ثبت لسورة الفاتحة أسماء كثيرة تدلّ على فضلها، وتبيّن منزلتها وعلوّ مرتبتها، منها:
1- الفاتحة: قال ابن كثير رحمه الله: " أي فاتحة الكتاب خطّا، وبها تفتح القراءة في الصّلوات ". وهذا ذكره من قبله أبو عبيدة في "مجاز القرآن "، وجزم به البخاري في " صحيحه ".
والدّليل على تسميتها بهذا الاسم ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ))، وعلى ذلك جرت تسميتها حتّى تواترت.
وإنّما حذفوا الكتاب لأنّها صارت علما بالغلبة، كقولنا:" المدينة " أي: مدينة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، و" يوم الفتح "، أي: فتح مكّة وغير ذلك.
2- أمّ الكتاب: وقد كره الحسن وابن سيرين رحمهما الله تسميتَها بذلك، ووافقهما بقيّ بن مخلد[1]. لماذا ؟
قال الحسن:" أمّ الكتاب هي الآيات المحكمات "، يشير رحمه الله إلى قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَات} [آل عمران: من الآية7].
وقال ابن سيرين: إنّما ذلك اللّوح المحفوظ، يشير رحمه الله إلى قوله تعالى:{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف:4]، وقوله:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرّعد:39].
والصّواب أنّ المقصود بأمّ الكتاب يختلف باختلاف السّياق، وباختلاف مراد المتكلّم، لأنّ كلمة ( أمّ ) معناها مرجع الشّيء ومجتمعه، مثل تسمية مكّة ( أمّ القرى ) لأنّها مقصد النّاس ومجتمعهم، و( الإمام ) لأنّ النّاس يرجعون إليه ويجتمعون عليه، ومنه ( أمّ الرّأس ) للجلدة الّتي تجمع الدّماغ.
فاللّوح المحفوظ يسمّى أمّ الكتاب لأنّ كلّ ما كتبه الله تعالى مجموع فيه، وما يكتب بصحف الملائكة يرجع إليه.
والآيات المحكمات تسمّى أمّ الكتاب لأنّ المتشابه يرجع إليها.
كذلك الفاتحة، تسمّى أيضا أمّ الكتاب لأنّ معاني القرآن كلّها ترجع إليها، كما سيأتي بيانه في فضلها.
وربّما كان سبب هذا القول هو حديث موضوع بلفظ: ( لا يقولنّ أحدكم أمّ الكتاب، وليقل فاتحة الكتاب ).
ثمّ إنّ الدّليل قد قام على تسمية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لها بذلك كما سيأتي، وثبت في الصّحيحين وغيرهما تسمية الصّحابة لها بأمّ الكتاب.
وممّا يدلّ على ذلك أيضا أنّ من أسمائها:
3- أمّ القرآن: روى مسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (( لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْتَرِئْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ )).
فإذا ثبتت تسميتها بأمّ القرآن، فيثبت تسميتها بأمّ الكتاب أيضا، لأنّ القرآن سمّي بذلك لأنّه مقروء، وسمّي بالكتاب لأنّه مكتوب، فجمع الله له حفظا في الصّدور وحفظا في السّطور.
4- السّبع المثاني: وإنّما سمّيت بذلك لأنّها تضمّنت سبع آيات، واختلفوا في سبب تسميتها بـ( المثاني ):
أ) فقيل: لأنّها مشتقّة من الثّناء، وذلك واضح فيها.
ب) وقيل: لأنّها مشتقّة من الثُّنيا، لأنّ الله خصّ بها هذه الأمّة واستثناها لها، بدليل ما رواه مسلم عن ابن عبّاس قال:
بينما جبرائِيلُ عليه السّلام قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ[2]، فَقَالَ:
(( هَذَا بَابٌ مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ، لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ )). فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: (( هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ، لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ )). فَسَلَّمَ وَقَالَ: (( أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا، لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ )).
ج) وقيل - وهو المشهور -: لأنّها تثنّى في كلّ ركعة أي تكرّر. وهذا رواه الطّبري عن عمر رضي الله عنه.
فالفاتحة توصف بذلك لهذا المعنى.
أمّا القرآن فيوصف بأنّه مثانيّ أيضا، فيكون المعنى أنّه يعطف فيه التّرغيب على التّرهيب، والعكس، ويعطف ذكر حال أهل النّار على ذكر حال أهل الجنّة، والعكس.
5- القرآن العظيم. وهذا يدلّ على فضلها، لأنّ تسمية الجزء باسم المجموع يدلّ على فضل هذا الجزء.
قال السّيوطي رحمه الله في " الإتقان ":" وسمّيت بذلك لاشتمالها على المعاني الّتي في القرآن ".
ويدلّ على هذين الاسمين الأخيرين قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر:87]، وجاء تفسير هذه الآية في كثير من الأحاديث، منها:
ما رواه البخاري وغيره عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. فَقَالَ:
(( أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى:{اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} ؟)) ثُمَّ قَالَ لِي: (( لَأُعَلِّمَنَّك َ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ )). فَأَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنَّكَ قُلْتَ: (( لَأُعَلِّمَنَّك َ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ )) قَالَ: (( {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ )).
ومنها ما رواه البخاري أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ )).
ومنها ما جاء في سنن التّرمذي وأبي داود بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ: أُمُّ الْقُرْآنِ، وَأُمُّ الْكِتَابِ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي )).
6- الصّلاة: ففي صحيح مسلم عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
(( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ،- وفي رواية: فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي - فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ )).
وهذا يدلّ على فضلها أيضا، وأنّ الصّلاة لا تجزئ دونها، وقد تقرّر أنّ تسمية الشّيء باسم مجموعه يدلّ أنّ ذلك الجزء ركن.
7- الرّقية: لما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ:
انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُ مْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ ؟
فأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ ! إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ، وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُم ْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا ! فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ. فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ[3]، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ[4]، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا ! فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا. فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: (( وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ؟)).
8- الحمد: وذلك تسمية لها باسم بعضها، كما يقال:" قرأت سورة تبارك "، ونحو ذلك.
وهناك أسماء أخرى يذكرها العلماء وليست عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما هي عن بعض الصّحابة والتّابعين:
فيُنقل عن ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه سمّاها " أساس القرآن "، لأنّها أصل القرآن.
وسمّاها سفيان بن عيينة بـ" الوافية " لأنّها تفي بما في القرآن من المعاني، ولأنّها تفي الصّلاة بها.
وسمّاها يحيى بن أبي كثير " الكافية " لأنّها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها.
وذكروا أنّ من أسمائها: الدّعاء، والسّؤال، وسورة المناجاة، وسورة التّفويض لقوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، و" الشّفاء " لما رواه الدّارمي بإسناد ضعيف عن أبي سعيد مرفوعا: (( فاتحة الكتاب شفاء من كل سقم )).
والحمد لله ربّ العالمين.


[1]- " تفسير ابن كثير "، و" الإتقان في علوم القرآن "، " فتح الباري ".
[2]- في رواية النّسائي (1/145): " فرفع جبريل بصره إلى السّماء". وكذا رواه ابن نصر في "قيام اللّيل" (ص65)، وإسناده صحيح، وعليه فلفظ الحديث هو لجبريل عليه السّلام، وليس للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم - كما هو ظاهر رواية مسلم - ويؤكّده قوله:" أبشر بنورين أوتيتهما ".[قاله الشّيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على " صحيح التّرغيب والتّرهيب "(2/1456)].
[3]- أي: تحرّر من رباط.
[4]- هي العلّة، سمّيت بذلك لأنّ صاحبها يتقلّب من جنب إلى جنب آخر.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26-12-2022, 09:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير سورة الفاتحة

تفسير سورة الفاتحة (4)
فضائل السّورة الكريمة
الكاتب: عبد الحليم توميات


الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فإنّ فضائل السّور من الأمور الّتي ينبغي معرفتها، وذلك من باب التّرغيب في قراءة كتاب الله أوّلا، ومن باب معرفة ما عظّمه الله تعالى فيُعظّم، وقد وقف النّاس تُجاه هذا الأمر موقفين خاطئين:
- الطّائفة الأولى: طائفة نفت أن يكون هناك تفاضل بين السّور والآيات، وهم أبو الحسن الأشعريّ، والقاضي أبو بكر الباقلاّني، وابن حبّان رحمهم الله، فقالوا: الجميع كلام الله، وربّما أوهم تفضيل شيء من كلام الله على غيره نقصًا في المفضول. وعزوا ذلك إلى الإمام مالك.
والحقّ أنّه لم يَقُل بذلك، وربّما فهموا عنه ما ذكروه من أجل أنّه رحمه الله كره أن تُعاد سورة وتردّد دون غيرها. ولا شكّ أنّ مقصوده غير ما رأوه وذهبوا إليه.
وجمهور أهل العلم على أنّ هناك تفاضلا بين السّور، كما أنّ هناك تفاضلا بين الأيّام، والأماكن، والرّسل، والنّصوص كثيرة فيها التّصريح بذلك، مثل حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه في تفضيل آية الكرسيّ وغيره، حتّى قال ابن الحصّار رحمه الله:
" العجب ممّن يذكر الاختلاف في ذلك مع النّصوص الواردة بالتّفضيل ! "، وقال العزّ بن عبد السّلام:" كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره، فـ{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} أفضل من {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}" [انظر " الإتقان في علوم القرآن " للسّيوطي].
- الطّائفة الثّانية: غلت فتساهلت في نقل فضائل السّور، فجمعت بين الغثّ والسّمين، والصّحيح والضّعيف والموضوع، وأكثر من اشتهر بوضع أحاديث فضائل السّور نوح بن أبي مريم الملقّب بـ:" نوح الجامع " وكان من الفقهاء، قال نعيم بن حمّاد: سئل ابن المبارك عنه، فقال: هو يقول: لا إله إلا الله. وقال الحاكم: وضع أبو عصمة حديث فضائل القرآن الطويل.
واعجب إن علمت أنّهلمّا سئل عن ذلك قال: رأيت النّاس مشتغلين بفقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحاق، فقلت أرغّبهم في كتاب الله!
والصّواب هو الوسط: أنّه لا يثبت في فضائل السّور والآيات إلاّ القليل، وهو ما دلّ عليه الدّليل، وقد جاء في الفاتحة ما يدلّ على فضلها، وذلك فيما يلي:
أوّلا: تسميتها بأمّ الكتاب وأمّ القرآن، والقرآن العظيم، وذلك لأنّها جمعت الدّين كلّه، قال الطّيبي رحمه الله:
" هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم الّتي هي مناط الدّين:
أحدها: علم الأصول، ومعاقده معرفة الله وصفاته، وإليها الإشارة بقوله تعالى:{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ومعرفة النّبوّة وهي المرادة بقوله:{أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، ومعرفة المعاد وهو المومَى إليه بقوله:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.
وثانيها: علم الفروع، وأسُّه العبادات، وهو المراد بقوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.
وثالثها: علم ما يحصل به الكمال وهو علم الأخلاق..وإليه الإشارة بقوله:{وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ}.
ورابعها: علم القصص والأخبار عن الأمم السّالفة، والقرون الخالية، السّعداء منهم والأشقياء..وهو المراد بقوله:{أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}." اهـ.
ثانيا: أنّها أعظم سورة في القرآن الكريم.
بدلالة حديث البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى[1]رضي الله عنه قَالَ فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَأُعَلِّمَنَّك َ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ))..ثمّ قال: (({الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ )).
وروى ابن حبّان في "صحيحه"، والحاكم، وقال: "صحيح على شرط مسلم" عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فِي مَسِيرٍ فَنَزَلَ، وَنَزَلَ رَجُلٌ إِلَى جَانِبِهِ، قَالَ: فَالْتَفَتَ النَبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: (( أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ القُرْآنِ ؟ )). قَالَ: بَلَى. فَتَلاَ {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ}.
ثالثا: أنّه لم ينزل مثلها على نبيّ من قبل:
فقد روى التّرمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( يَا أُبَيُّ ! )) - وَهُوَ يُصَلِّي، فَالْتَفَتَ أُبَيٌّ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَصَلَّى أُبَيٌّ فَخَفَّفَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، مَا مَنَعَكَ يَا أُبَيُّ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ ؟ )). فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ::
(( فَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ أَنْ:{اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ؟ )). قَالَ: بَلَى، وَلَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ:
(( أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الزَّبُورِ، وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا ؟ )). قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ ؟ )) قَالَ: فَقَرَأَ ( أُمَّ الْقُرْآنِ )، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا، وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ )).
رابعا: أنّ الله سمّاها الصّلاة.
وفي الحلقة السّابقة ذكرناحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ،- وفي رواية: فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي -...)).[رواه مسلم].
خامسا: أنّ الله يجيب كلّ دعاء تضمّنته.
فقد روى مسلمعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرَائِيلُ عليه السّلام قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ[2]، فَقَالَ:
(( هَذَا بَابٌ مِنْ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ، لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ)). فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: (( هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ، لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ )). فَسَلَّمَ وَقَالَ: (( أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا، لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ )).
(النّقيض) - بالمعجمة -: هو الصّوت.
سادسا: أنّ الصّلاة لا تصحّ دونها، وقد سبق ذكر الأحاديث في ذلك.
سابعا: أنّها رقية، لحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه في ذلك، وقد مضى ذكره.
هل سورة الفاتحة مكّية أو مدنيّة ؟
ما جاء عن أهل العلم في ذلك أربعة أقوال:
- الأوّل: أنّها مكّية، قاله ابن عبّاس رضي الله عنه، وقتادة، وأبو العالية.
- الثّاني: يُروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: إنّها مدنية، ولا يصحّ عنه ذلك، وإنّما هو من قول مجاهد وعطاء بن يسار والزّهري.
- الثّالث: أنّها نزلت مرّتين، مرّة بمكّة، ومرّة بالمدينة، ولا دليل على ذلك.
- الرّابع: نقله القرطبي عن أبي اللّيث السّمرقندي: أنّ نصفها نزل بمكّة، ونصفها الآخر نزل بالمدينة، وهو غريب جدّا.
قال ابن كثير رحمه الله: " والأوّل أشبه، لقوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ المَثَانِي} والله تعالى أعلم ". يقصد بذلك أنّ هذه الآية من سورة الحجر وهي مكّية بالإجماع، وهو تعالى يمنّ على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بإنزال الفاتحة، فتكون بالضّرورة مكّية.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.


[1]- قال الحافظ المنذري رحمه الله:" أبو سعيد هذا لا يُعرف اسمه، وقيل: اسمه: رافع بن أوس. وقيل: الحارث بن نفيع بن المعلّى، ورجّحه أبو عمر النّمري، وقيل: غير ذلك، والله أعلم ".
[2]- قال الشّيخ الألباني رحمه الله في ( صحيح التّرغيب والتّرهيب ):" قلت: في رواية النّسائي (1/145): " فرفع جبريل بصره إلى السّماء". وكذا رواه ابن نصر في "قيام اللّيل" (ص65)، وإسناده صحيح، وعليه فلفظ الحديث هو لجبريل عليه السّلام، وليس للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كما هو ظاهر رواية مسلم، ويؤكّده قوله: "أبشر بنورين أوتيتهما"".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18-01-2023, 06:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير سورة الفاتحة

تفسير سورة الفاتحة (5)
الكلام عن البسملة

الكاتب: عبد الحليم توميات




{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) }
البسملة: هي قولك: ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )، ويسمّى هذا الأسلوب بـ: " النّحت ".
والنّحت: هو جمع أوائل كلمات في كلمة واحدة، مثل " الحوقلة " في " لاَ حول ولا قوّة إلاّ بالله "، و" الحيعلة " في " حيّ على الصّلاة "، و" الطّلبقة " في قولك: " أطال الله بقاءك "، و" دمعزة " في " أدام الله عِزّك "..الخ. وهل هو سماعيّ أو قياسيّ ؟ خلاف.
ولنا فيها مسائل: 1- معناها. 2- هل هي آية من القرآن ؟ 3- ما جاء في فضلها.

- أوّلا: بيان معناها.
- ( بسم ): الباء للاستعانة والمصاحبة، وتتعلّق بحسب عمل العبد، فإن كان العمل قراءةً قدّرت: باسم الله أقرأ، وإن كان وضوءا قدّرت: بسم الله أتوضّأ، وإن كان أكلا قدّرت: بسم الله آكل .. وهكذا، فالقرينة هنا حاليّة كما قرّره الكافيجي رحمه الله في " شرح قواعد الإعراب " لابن هشام.
وكما تضمّنت البسملة الاستعانة والمصاحبة الّذين يتضمّنان التوكّل ورجاء القبول، فإنّها تضمّنت الإخلاص؛ حيث إنّ الفعل يقدّر مؤخّرا، وتأخير الفعل وتقديم الجار والمجرور يفيدان الحصر، فكأنّك تقول: بالله أستعين لا بأحد غيره.
فإن قيل: الاستعانة إنّما تكون بالله لا باسمه ؟
فالجواب: أنّ ذلك مثل قوله تعالى:{وَاذْكُرْ اِسْمَ رَبِّكَ} و{سَبِّحْ اسْمِ رَبِّكَ}، والمقصود أنّ الذّكر والتّسبيح إنّما هو لله تعالى، بدليل أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم امتثل للأمر بأن قال: (( سُبْحَانَ رَبِّي العَظِيمِ، سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى ))، ولم يقل: سبحان اسم ربّي الأعلى.
روى البخاري ومسلم عن عائشةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي )) يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ.
وإنّما أمر الله بذكر اسمه، وتسبيح اسمه، لأمر مهمّ وهو:
أنّ الذّكر الحقيقيّ محلّه القلب لأنّه ضدّ النّسيان، فلو أطلق الله وقال: " سبّح ربّك " و" اذكر ربّك " لما فهمنا إلاّ الذّكر بالقلب دون التلفّظ باللّسان، والله تعالى أراد من العباد كلا الأمرين، فصار معنى قوله تعالى:{وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ}: اذكر ربّك بقلبك متلفّظا وناطقا باسمه، و{سَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي: نزّه ربّك بقلبك متلفّظا وناطقا بالتّنزيه.
نقل هذا التّوجيه البديع العلاّمة ابن القيّم في " بدائع الفوائد " (1/24) عن شيخ الإسلام ابن تيمية وقال:" وهذه الفائدة تساوي رحلة، لكن لمن يعرف قدرها ".
فمعنى قول العبد عند مباشرة عمله: ( بسم الله ) أي: أبدأ عملي مصاحبا لاسم الله مستعينا بذكره.
- ( اسم ): خلاف عريض في أصل اشتقاق الاسم.
فقال الكوفيّون: من ( الوسم ) وهو العلامة، قال ثعلب رحمه الله:" الاسم: سمة توضع على الشّيء يعرف بها ..".
والبصريّون على أنّه مشتق من ( السموّ ) وهو العلوّ، قال المبرّد رحمه الله:" الاسم ما دلّ على مسمّى تحته ".
ولكلّ فريق حجّته، ومن شاء التوسّع في ذلك فليرجع إلى كتاب " الإنصاف في مسائل الخلاف " للأنباريّ رحمه الله.
- ( الرّحمن الرّحيم ): اسمان مشتقّان من الرّحمة على وجه المبالغة، ولكنّ الرّحمن أبلغ من الرّحيم، وذلك من وجهين اثنين:
1- أنّ ( فعلان ) يدلّ دائما على المبالغة، نحو غضبان وجوعان ونحو ذلك، بخلاف وزن ( فعيل ) فهو قد يأتي لغير المبالغة نحو: جميل ونظيف وعظيم فهو بمعنى فاعل ليس غير، بل إنّ ( فعيل ) قد يأتي أحيانا بمعنى المفعول، مثل: جريح وقتيل.
2- أنّ الرّحمن صفة ذات، والرّحيم صفة فعل، فالرّحمن يدلّ على أنّه سبحانه متّصف بالرّحمة الواسعة ولو قبل أن يخلق العباد، والرّحيم يدلّ على الصّفة المتعلّقة بالعباد فيوصلها لمن يشاء.
ولو تأمّلت لوجدت أنّ " الرّحيم " يرد في القرآن دائما متعلّقا بالعباد، مثل قوله:{إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: من الآية117]، وقوله:{بِالْمُؤْمِنِين َ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: من الآية128]. ولم يجئ قط: رحمن بهم. لذلك كان هذا الاسم مختصّا به سبحانه، فلا يوصف أحدٌ بأنّه رحمن، ويجوز وصف غير الله بأنّه رحيم.
هذا ما ذكره ابن القيّم رحمه الله أيضا في " بدائع الفوائد " (1/28)، وختم كلامه بقوله:" وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب وإن تنفست عندها مرآة قلبك لم تنجل لك صورتها ".
وهو أحسن الأقوال في بيان الفرق بينهما، وأحسن من قول من قال: إنّ الرّحمن هي لجميع الخلق، والرّحيم خاصّ بالمؤمنين.
- ثانيا: هل البسملة آية ؟
الأقوال لدى أهل العلم خمسة:
1- أنّها آية مستقلّة في أوّل كلّ سورة.
2- أنّها بعض آية من كلّ سورة.
3- أنّها آية من الفاتحة دون غيرها.
4- أنّها كتبت للفصل فقط وليست من القرآن.
5- أنّها كتبت من أجل التبرّك فقط.
والصّواب الّذي تدلّ عليه النّصوص أنّها آية مستقلّة، إلاّ مع الفاتحة فهي آية منها.
فلا بدّ من إثبات أمور ثلاثة:
- الأوّل: إثبات أنّها من القرآن.
- الثّاني: إثبات أنّها من الفاتحة.
- الثّالث: بيان أنّها آية من الفاتحة فقط وليست من باقي السّور.
المبحث الأوّل: إثبات أنّها من القرآن.
أحسن ما يُستدلّ به، هو عمل الصّحابة رضي الله عنهم، فقد كتبوها بخطّ المصحف قبل كلّ سورة إلاّ سورة التّوبة، وإليك نقول طيّبة إن شاء الله عن أهل العلم في تقرير ذلك.
- قال ابن تيمية رحمه الله – كما في "مجموع الفتاوى" (22/439)-:" فإنّ كتابتها في المصحف بقلم القرآن تدلّ على أنّها من القرآن ".
- وقال النّوويّ رحمه الله في " المجموع " (3/335-336):" والمذهب أنّها قرآن في أوائل السّور غير براءة .. واحتجّ أصحابنا بأنّ الصّحابة أجمعوا على إثباتها في المصحف جميعا في أوائل السّور جميعـاً سوى براءة بخطّ المصحف، بخلاف الأعشار وتراجم السّور، فإنّ العادة كتابتُها بحمرة ونحوها.
فلو لم تكن قرآناً لما استجازوا إثباتها بخطّ المصحف من غير تمييز، لأنّ ذلك يحمل على اعتقاد أنّها قرآن، فيكونون مغرّرين بالمسلمين، حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا، فهذا ممّا لا يجوز اعتقاده في الصّحابة رضي الله عنهم.
قال أصحابنا: هذا أقوى أدلّتنا في إثباتها، قال الحافظ أبو بكر البيهقيّ:" أحسن ما يحتجّ به أصحابنا كتابتها في المصاحف الّتي قصدوا بكتابتها نفي الخلاف عن القرآن، فكيف يتوهّم عليهم أنّهم أثبتوا مائة وثلاث عشرة آية ليست من القرآن؟ ".
- وقال الشّيخ أحمد شاكر في " هامش المحلّى " (3/252):" وما كان الصّحابة رضي الله عنهم ليزيدوا في المصاحف مائة وثلاث عشرة بسملة من غير أن تكون أنزلت في المواضع الّتي كتبت فيها، ولو شككنا في ذلك لفتحنا بابا عريضا للملاحدة المتلاعبين بالنّار، وقد كان الصّحابة أحرص على كتاب الله من أن يتطرّق إليه شكّ أو وهم، ولذلك جرّدوا المصاحف من أسماء السّور، ولم يكتبوا آمين، وامتنع عمر رضي الله عنه من كتابة شهادته هو وبعض كبار الصّحابة بالرّجم خشية أن يتوهّم أنّها زيادة على الكتاب، وصدع بذلك على المنبر ".اهـ.
- أمّا من قال إنّها كتبت للتبرّك فقط، فنعم، فإنّ التبرّك يحصل بها ولا شكّ، ولكن ليس لأجل ذلك كتبت فقط، لأنّ ذلك ضعيف من وجوه:
الأوّل: لأنّ التبرّك يحصل بأن تكتب في أوّل المصحف لا قبل كلّ سورة.
الثّاني: إنّ الاستعاذة يحصل بها التبرّك ومع ذلك لم تكتب.
الثّالث: والتبرّك ليس غرضا تكتب من أجله البسملة لأنّ في ذلك تغريرا بالمسلمين.
- وأمّا من قال إنّها لمجرّد الفصل، فيقال له: نعم، يستفيد القارئ الفصل بها، ولكن ليس ذلك فقط، وذلك من وجهين:
الأوّل: حديث أنس رضي الله عنه قال: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (( أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ )) فَقَرَأَ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}...)) الحديث.
والشّاهد أنّه لا يوجد سورة تلاها قبلها ليفصل بينها، فدلّ على أنّها ليست لمجرّد الفصل بين السّور، وإنّما كذلك الابتداء بها.
الثّاني: لو كتبها الصّحابة لمجرّد الفصل لكان الفصل ممكنا بتراجم السّور، فيُستغنى عن كتابتها.
المبحث الثّاني: إثبات أنّها من الفاتحة.
من نفى كونها آيةً من الفاتحة استدلّ بحديث مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي ..)) الحديث.
قالوا: لم يذكر البسملة منها.
ومن قال: إنّها من الفاتحة فقد استدلّ بحديثين:
1- ما أخرجه الدّارقطني والبيهقيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم : (( إِذَا قَرَأْتُمْ {الحَمْدُ لِلَّهِ}، فَاقْرَؤُوا {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، إِنَّهَا أُمُّ القُرْآنِ، وَأُمُّ الكِتَابِ، والسَّبْعُ المَثَانِي، وَ{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إِحْدَاهُنَّ )).
[صحّحه النّووي، والحافظ ابن حجر في " التّلخيص الحبير " (1/233)، والشّيخ الألباني في " السّلسلة الصّحيحة " برقم (1183)].
2- ما رواه الدّارقطني وقال:" إسناده صحيح " عن أمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ؟ فَقَالَتْ: "كَانَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً:{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}..". [وصحّحه الألباني في " الإرواء " (2/60)].
فمن صحّ لديه الحديثان كان لزاما عليه أن يجمع بينهما وبين ما يعارضه في الظّاهر.
المبحث الثّالث: بيان أنّها آية من الفاتحة فقط وليست من باقي السّور.
إذا ثبت أنّها من القرآن آية مستقلّة، وأنّها من الفاتحة، فما الدّليل على أنّها ليست من السّور الأخرى ؟
استدلّ ابن تيمية رحمه الله وغيره بما رواه أبو داود والتّرمذي وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سُورَةُ:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} )).
فلم يعدّ البسملة منها، ولو كانت منها لكان عدد آياتها إحدى وثلاثين آية.
ثمّ إنّه لو كانت البسملة آية من كلّ سورة، لما كان في تخصيصها بالفاتحة معنى، لكنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِذَا قَرَأْتُمْ {الحَمْدُ للهِفَاقْرَؤُوا {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}... )) الحديث.
فإذا ثبت كونها من الفاتحة، فـ: - هل يجهر بالبسملة في الصلاة؟
لا شكّ أنّ من لم يعتبرها آية من القرآن لا يقل بمشروعيّة قراءتها في الصّلاة فضلا عن الجهر بها، وهو مذهب الإمام مالك.
ومن قال إنّها آية من كلّ سورة قرأها وجهر بها، وهو قول الشّافعيّ.
وكان مقتضى مذهب من قال بأنّها آية من الفاتحة أن يجهر بها، لولا الآثار في منع الجهر بها، وإلاّ كان القول بالجهر بها قويّا.
فمذهب الخلفاء الرّاشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم هو قراءتها دون الجهر بها، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق بن راهويه ،والثّوري، وإبراهيم النّخعيّ، وابن المبارك.
ويتأيّد قولهم ذلك بما ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن النّصوص في ذلك:
- ما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
- وما رواه مسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أيضا قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

و في رواية قال رضي الله عنه:" صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِـ:{الْحَمْد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، لَا يَذْكُرُونَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا ".
قال الصّنعاني رحمه الله في " سبل السّلام " (1/171): " زيادة في المبالغة في النّفي، وإلاّ فإنّه ليس في آخرها بسملة، ويحتمل أن يريد آخرها: السّورة الثّانية الّتي تُقرأ بعد الفاتحة ".
قال العقيليّ رحمه الله: " ولا يصحّ في الجهر بالبسملة حديث "، وقال شيخ الإسلام في " المجموع " (22/415): " وقد اتّفق أهل المعرفة بالحديث على أنّه ليس في الجهر بها حديث صريح ".
- ثالثا: ما جاء في فضل البسملة ؟
فإنّ النّاظر في كتب الأذكار المجموعة من الأحاديث الصّحيحة ليُدرك تمام الإدراك فضل البسملة والتّسمية، فقد ثبت الأمر بها عند النّوم، والأكل، والدّخول إلى المسجد والخروج منه، وعند المعاشرة، وعند الوضوء، وعند الوجع[1]، وعند الفزع[2]، وعند الذّبح، وعند الصّيد، وعند الرّقية، وعند تلاوة القرآن، وغير ذلك من الأمور الجليلة والدّقيقة، فينبغي للمسلم أن لا يغفل عنها طرفة عين.


[1] ومن أعجب الأحاديث في ذلك ما رواه النّسائي والطّبراني (8/304)، والحاكم (4/570) بإسناد حسن كما قال الشّيخ الألباني رحمه الله حين ضربت يد طلحة رضي الله عنه، فَقُطِعَتْ أَصَابِعُهُ، فَقَالَ: حَسِّ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَوْ قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ لَرَفَعَتْكَ الْمَلَائِكَةُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ )).
[2] جاء في مسند الإمام أحمد وأبو داود عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ ! فَقَالَ: (( لَا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ ! فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي ! وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ ! فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ )).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-02-2023, 10:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير سورة الفاتحة

- تفسير سورة الفاتحة (6) {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

الكاتب: عبد الحليم توميات





قال الله تعالى:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
- أمّا ( الحمد ): فالكلام عنه يكون في نقاط أربع إن شاء الله:
أوّلا: بيان معناه: الحمد: هو وصف الممدوح بالكمال، إمّا لصفاته الذّاتية، أو لإحسان وإنعام.
فتقول:" حمِدت لفلان شجاعته وكرمه "، و" حمدته لعطائه"، فهو ضدّ الذمّ كما في " لسان العرب"، وقد عرّفه بعضُهم بتعريفين من المستحسن أن نقف معهما.

التّعريف الأوّل: أنّه بمعنى الشّكر لا فرق بينهما، وهو قول الإمام الطّبري والمبرّد.
قال القرطبيّ رحمه الله في " الكتاب الأسنى ": " وهذا غير مرضيّ ".
ووجه قول القرطبيّ أنّ التّرادف من جميع الوجوه لا وجود له في اللّغة العربيّة، فلا بدّ أن يكون هناك فرق ولو دقيقا. ورجّح جمهور المفسّرين واللّغويّين أنّ ثمّة فرقا بينهما من وجهين اثنين:
الأوّل: أنّ الشّكر لا يكون إلاّ عن إحسان وإنعام، والحمد يكون مقابل إحسان وغير مقابل لإحسان، قال الإمام ثعلب كما في " لسان العرب ":
" الشّكر لا يكون إلاّ عن يد، والحمد يكون عن يدٍ وعن غير يدٍ ".
وقال القرطبيّ:" والصّواب أنّ الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان، والشّكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان، وهذا قول علماء اللّغة، الزجّاج والقتبيّ[1] وغيرهما " اهـ.
الثّاني: أنّ الحمد لا يكون إلاّ باللّسان والقلب، والشّكر يكون بالقلب وباللّسان وبالجوارح.
ذكر ذلك ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين " حيث قال:" إنّ الشّكر يكون بالقلب خضوعا واستكانة، وباللّسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا.. والحمد يقع بالقلب واللّسان " اهـ.
لذلك يقول العلماء: إنّ الحمد أعمّ متعلّقا، وأخصّ آلة من الشّكر.
التّعريف الثّاني: ومنهم من يعرّف الحمد بقوله: " الحمد هو الثّناء الجميل ".
ولا شكّ أنّ هذا صحيح على سبيل التجوّز والتّوسّع، وإلاّ فإنّ الحمدَ - كما سبق بيانه -هو ( وصف المحمود بالكمال )، فإذا تكرّر كان ثناءً، وليس مجرّد المدح هو الثّناء كما هو شائع، ويدلّ على ذلك أمران:
1- دليل من اللّغة، وذلك لأنّ الثّناء هو التّكرار، من:ثنى الشّيء ثنيا إذا ردّ بعضه على بعض، ومنه التثنية، أي: جعل الشّيء اثنين، ومنه تسمية الفاتحة " السّبع المثاني " لأنّها تكرّر في كلّ ركعة من ركعات الصّلاة.
2- دليل من الحديث، فقد سبق أن رأينا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (( قَالَ اللهُ تَعَالَى: " قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ العَبْدُ:{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} قَالَ اللهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ العَبْدُ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي )).. رواه مسلم.
فلم يذكر الثّناء إلاّ بعد المدح.
ثمّ إنّ هناك عدّة روايات عن الصّحابة تؤيّد ذلك، إذ يعطفون الثّناء على الحمد، فيقولون:" فحمد الله وأثنى عليه ".
ممّا يدلّ على أنّ الثّناء زيادة في المدح.
النّقطة الثّانية: بيان معنى ( ال ).
( ال ) في الحمد تدلّ على الشّمول والاستغراق والكمال، كما تقول:" زيد هو الرّجل " أي الكامل في الرّجولة.
فكلّ الحمد والحمد الكامل لله تبارك وتعالى، لأنّه المنعم الحقيقيّ بكلّ النّعم دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، ولو عاش العبد عمر نوح عليه السّلام يحمد الله تعالى على نعمة واحدة من نعمها الدّينيّة أو الدّنيويّة لا يكون قد وفّى حقّها؛ لأنّه تعالى هو الّذي وفّق العبد إلى حمده.
قال داود عليه السّلام: ربّ إنّي عجزت عن حمدك، فإن وُفِّقت إليه فأنت الموفّق وتلك نعمة لا بدّ من حمدها ؟ فقال الله تعالى: الآن قد حمدت.
فالاعتراف بالتّقصير والإدراك إدراك.
النّقطة الثّالثة:لماذا حمد الله نفسه ؟
قال ابن كثير رحمه الله:
" افتتح كتابه بالحمد، فقال: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}، وافتتح خلقه بالحمد فقال تعالى:{الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}، واختتم خلقه بالحمد فقال بعد ذكر مآل أهل الجنّة وأهل النّار:{وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزّمر:75]..ولهذا قال تعالى:{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:70] "..[بتصرّف].
فلماذا قال تعالى:{الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} وحمِد نفسَه ؟
ذكر العلماء قولين اثنين في ذلك:
- الأوّل: أنّه أمر في صورة الخبر.
وهذا الأسلوب أوقع في النّفوس من الأمر أو النّهي الظّاهر، كقوله تعالى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:17] أي: سبّحوا، وقوله تعالى:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّين} [البقرة: من الآية256] أي: لا تكرِهوا، قالوا: فكأنّه قال تعالى: احمدوا الله.
- الثّاني: وهو أوجه، أنّ الله حمد نفسه لعلمه أنّ العباد عاجزون عن حمده.
من أجل ذلك اعترف سيدّ الخلق، وأعلم الخلق بالخالق بأنّه عاجز عن حمد الله، فكان يقول في دعائه: (( لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ )). [رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها].
وكان صلّى الله عليه وسلّم يستحبّ كلّ صيغ الحمد الجامعة للثّناء على الله، فكان يقول إذا رفع رأسه من الرّكوع: (( اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ )) [رواه مسلم عن ابن عبّاس رضي الله عنه].
ومرّة كان صلّى الله عليه وسلّم يصلّي بأصحابه - والحديث في صحيح البخاري - فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ: (( سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ )) قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: (( مَنْ الْمُتَكَلِّمُ ؟)) قَالَ: أَنَا. قَالَ: (( رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ )).
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )).
كلّ ذلك ليعلم المرء قدر هذه الكلمة، فليحرص على حمده سبحانه دبر الصّلوات كما هو ثابت، وليحرص على حمده عند كلّ نعمة، فقد روى مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا )).
وكيف لا، وهو ممّا يُسأل عنه العبد يوم القيامة ؟
ففي سنن التّرمذي بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيكَ الماَءَ البَارِدَ ؟ )).
ولا غرابة في أدب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فمن أسمائه أحمد.
النّقطة الرّابعة: اسم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
عُرِف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم باسمين مشتقّين من الحمد، وهما أحمد ومحمّد.
أمّا ( أحمد ) فهو المشهور به في كتب الأوّلين، ومعناه أنّه أحمد النّاس لله، أي: أكثرهم حمدا لله، وهذا واضح من سيرته عليه الصّلاة والسّلام، قال أحدهم:
وشقّ له من اسمه ليُجِلّه فذو العرش محمود وهذا أحمد
أمّا ( محمّد ) فالمحمّد كما في " الصّحاح " للجوهري و" لسان العرب " لابن منظور: هو الّذي كثرت خصاله المحمودة. وما أحسن قول من قال:
كشف الدّجى بكماله بلغ العلـى بجمـاله
كملت جميع خصـالـه صلّـوا عـليــه وآلــــه
-( ربّ ): كلمة تطلق في اللّغة على معان ثلاثة كلّها ثابتة لله تبارك وتعالى، وقد ذكرها العلماء متفرّقة، وجمعها الإمام الطّبريّ في " تفسيره "، وابن الأنباريّ رحمه الله كما في " لسان العرب ":
1- المالك للشّيء: فربّ الدّار هو مالكها.
ومنه حديث اللّقطة في الصّحيحين: (( اعْرِفْ وِكَاءَهَا - هو الخيط الّذي تربط به - وَعِفَاصَهَا -أي: وعاءها -، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ )).
قال الزّجّاجي رحمه الله في " اشتقاق أسماء الله " (ص32): " وكلّ من ملك شيئا فهو ربّه، يقال: هذا ربّ الدّار، وربّ الضّيعة، ولا يقال: الربّ معرّفا بالألف واللاّم مطلقا إلاّ لله u، لأنّه مالك كلّ شيء ".
إذن فهو لا يستعمل في حقّ غير الله تعالى إلاّ مضافا. ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم كابن الأثير، وابن كثير، والبغويّ والبيهقيّ والشّوكاني وغيرهم.
2- السيّد المطاع، ومنه قوله تعالى:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} (يوسف: من الآية41]، ومنه قولهم: ربَّ فلانٌ القومَ، أي: سادهم وساسهم، ومنه قول صفوان بن أميّة: لأن يربّني رجل من قريش أحبّ إليّ من أن يرُبَّني رجل من هوازن.
3- المصلح للشّيء، لأنّ الربّ كلمة مشتقّة من التّربية.
قال الرّاغب الأصفهانيّ في " المفردات " (ص184):" الربّ في الأصل التّربية، وهي إنشاء الشّيء حالا فحالا إلى حدّ التّمام ".
ومنه اشتُقّ لفظ الرّبيبة، لأنّ من تكون في حجره يصلحها ويدبّر أمرها إلى أن تصل حدّ التّمام.
ومنه سمّي العالم الّذي يعلّم النّاس ما يصلحهم في الدّارين شيئا فشيئا ( الربّانيّ )، قال البخاري في: " باب العلم قبل القول والعمل ": ويقال: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.
الحاصل: قال الطّبريّ رحمه الله: " فربّنا عزّ وجلّ: السيّد الّذي لا شبه له ولا مثل في سؤدده، والمصلح في أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الّذي له الخلق والأمر".
والتّربية بمعنى التّنشئة نوعان:
1- تربية عامّة، يشترك فيها المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر، والإنسان والحيوان والجماد وغير ذلك.
2- تربية خاصّة، قال السّعدي رحمه الله في " تفسيره ":
" ( الربّ ) هو المربّي جميع عباده بالتّدبير وأصناف النّعم، وأخصّ من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم، ولهذا كثُر دعاؤهم بهذا الاسم الجليل، لأنّهم يطلبون منه هذه التّربية الخاصّة "اهـ.
ومن تأمّل أدعية الرّسل عليهم السلام أدرك صحّة هذا القول.
ولقد عدّه جمهور العلماء من أسماء الله الحُسنى ؟
فأثبته الخطّابي، وابن منده، والحليميّ، والبيهقيّ، وابن حزم، وابن العربيّ، والقرطبيّ، وابن القيّم، وابن الوزير، وابن حجر، والسّعدي، وابن عثيمين، وغيرهم.
والدّليل على ذلك ما رواه مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ )).
وما رواه التّرمذي بسند صحيح عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ )).
-( العالمين ): جمع عالَم، والتّعريف الصّحيح له أنّه كلّ موجود سوى الله تعالى، فيشمل جميع العالمين، عالم الإنس، وعالم الجنّ، وعالم الملائكة، وعالم البهائم، وعالم الجماد، وعالم النّبات.
قال ابن عبّاس رضي الله عنهما:" ربّ الجنّ والإنس "، وقال قتادة: " ربّ الخلق كلّهم ". لذلك قال في " اللّسان ": " والعالمون: أصناف الخلق، والعالم الخلق كلّه".
ويصدق على العاقل وغيره، بدليل قول الله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)} [الشّعراء].
والعالم مشتقّ من العلامة، لأنّه يدلّ على وحدانيّة خالقه ومنشئه ومدبّره، كما قال ابن المعتزّ:
فيا عجبا كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجـاحد
وفي كـلّ شـيء لــه آيـــة تدلّ عـلى أنّــــه واحـــــد
-------------------------------------------
[1] القتبيّ هو أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، وقد ذكر الفرق بينهما في " أدب الكاتب " (ص37) ط ليدن.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26-02-2023, 10:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير سورة الفاتحة

تفسير سورة الفاتحة (7):{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

الكاتب: عبد الحليم توميات

قال عزّ وجلّ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

سبق أن فسّرنا هذين الاسمين الكريمين في شرح وبيان معنى " البسملة "، وذكرنا أنّ كليهما يدلّ على الرّحمة الواسعة، إلاّ أنّهما عند الاقتران يكون ( الرّحمن ) أبلغ لأنّه دالّ على الصّفة، و( الرّحيم ) يدلّ على الفعل.


ولكن، لماذا تكرّر هذان الاسمان مرّتين في السّورة ؟

لقد ذكر العلماء توجيهاتٍ لذكر هذين الاسمين والوصفين في السّورة مرّة أخرى - وخاصّة على القول الأحقّ أنّ البسملة آية -.

في حين أنّ كثيرا من المفسّرين تراهم إذا رأوا تكرارا لبعض الآيات عدّوا ذلك مجرّد توكيد للمعنى، مع أنّه قد يكون لغير التّوكيد.

* ومن الأمثلة على ذلك:

قوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28)}.

فقد يستشكل أحدنا وجه تكرار الفعل ( يريد ) في هذه الآيات، ويظنّ أنّه لمجرّد التّكرار والتّوكيد.

ولكنّ الصّحيح ما قاله ابن القيّم رحمه الله في"روضة المحبّين" (ص 203) أنّه:

" لمّا كان العبد له في هذا الباب ثلاثة أحوال: حالة جهل بما يحل له ويحرم عليه، وحالة تقصير وتفريط، وحالة ضعف وقلّة صبر، قابل سبحانه جهل عبده بالبيان والهدى، وتقصيره وتفريطه بالتّوبة، وضعفه وقلّة صبره بالتّخفيف ".

* ومن الأمثلة أيضا:

قوله تعالى:{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [آل عمران: 18]، فذهب كثيرون أنّ كلمة التّوحيد ( لا إله إلاّ الله ) تكرّرت للتّوكيد.

والصّواب: أنّها تكرّرت لغرض زائد على مجرّد التّوكيد، ذلك أنّ في الآية ذكرا لشهادة الله وملائكته وأهل العلم، وبقي القارئ للآية لم يشهد بها، وإنّما حكى شهادة غيره، فتكرّرت الشّهادة ليكون هو أيضا بتلاوته لها من الشّاهدين.[انظر "مدارج السّالكين"(3/459)].

* فكذلك الحال في تكرار ( الرّحمن ) و( الرّحيم ) مرّتين في الفاتحة، وتكمن فائدة ذكر الاسمين الكريمين مرّة أخرى من ثلاثة أوجه:

- الأوّل: أنّ ربوبيّة الله عزّ وجلّ - سيادته وملكه وتدبيره - مبنيّة على الرّحمة الواسعة للخلق؛ لأنّه تعالى لمّا قال:{رَبِّ العَالَمِينَ} كأنّ سائلاً يسأل: ما نوع هذه الرّبوبية ؟ هل هي ربوبيّة أخذ وانتقام ؟ أو ربوبية رحمة وإنعام ؟ فقال تعالى:{الرّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

- الثّاني: ما ذكره القرطبيّ وغيره أنّه لماّ كان في اتّصافه بربّ العالمين ترهيب ومهابة، قرنه بقوله: ( الرّحمن الرّحيم ) لما تضمّنه من الترّغيب.

- الثّالث: أنّ الله ذكر صفة الرّبوبيّة الّتي تدلّ على الجلال، بين صفتي الرّحمة اللّتين تدلاّن على الجمال، ليدلّ عباده على أنّ شأنه سبحانه هو الرّحمة.

لذلك أخبرنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قائلا: (( إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي )).

وقد سئل عليّ رضي الله عنه عن أرجى آية في القرآن الكريم فقال: قوله تعالى:{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيم } [الحجر: 50]؛ وذلك لأنّ الله أخبر عن صفة الرّحمة والمغفرة بأسمائه الحسنى الدالّة على الثّبوت، ولم يخبر عن العذاب باسم ولا صفة، ولم يقل: وأنّي أنا المعذّب.

فله سبحانه وحده الحمد والمنّة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 07-03-2023, 02:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير سورة الفاتحة

- تفسير سورة الفاتحة (8):{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}


الكاتب: عبد الحليم توميات


- تفسير قول الله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
ولنا في هذه الآية ثلاثة مباحث:
المبحث الأوّل: بيان معاني الكلمات.
-( مالك ) صفة لـ( الله عزّ وجلّ)، وقرئ ( ملك ) ومعناها ذو الملك، والمُلك هو: السّلطان والعظمة.
-و( يوم الدّين ) هو من أسماء يوم القيامة.
-و( الدّين ) يطلق ويراد منه معانٍ عدّة:
- يطلق على الملّة والنّحلة، وهو معروف، كقوله تعالى:{إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ}.
- ويطلق على الطّاعة والخضوع، تقول: " دانت لهم العرب والعجم "، ومنه قول الشّاعر:
( من القوم الرّسول الله منهم لهم دانت رقاب بنـي معدّ )
ويمكن أن يعود الأوّل للثّاني، لأنّ الملّة هي الّتي تطيع الله بها.
- منها العادة، تقول العرب: هذا دينه وديدنه.
- والحُكم، ومنه قوله تعالى:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [يوسف: من الآية76].
- والورع، كقولك: فلان صاحب دين صلب. وشواهد ذلك يطول ذكرها.
ومن معانيه الّتي تفسّر بها الآية:
- الجزاء، كما في المثل ( كَمَا تَدِينُ تُدَانُ ) [واشتهر لدى النّاس أنّه حديث، وليس كذلك].
- الحساب، ومنه قوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: من الآية25]، وقوله تعالى:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون:1]، وقوله تعالى حكاية عن أهل الشّرك:{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافّات:53]، أي: محاسبون.
وقد يقول قائل: أليس الجزاء والحساب شيئا واحدا ؟
فالجواب: أنّ الحساب يراد منه الجزاء غالبا، ولكن قد يطلق الدّين ويراد منه الحساب فقط، كما جاء في تفسير قوله تعالى-على قول-:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التّوبة: من الآية36]، قالوا: ذلك الحساب القيّم إشارة إلى أنّ حساب الأيّام بالأشهر القمريّة هو الحساب القيّم الّذي جعله الله مواقيت للنّاس والحجّ.
فمعنى ( الدّين ) في الآية: الجزاء والحساب.
أخرج الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه وناس من الصّحابة رضي الله عنهم في قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال: هو يوم الحساب، ويوم الجزاء، وقال البخاري في " تفسير الفاتحة ": " وَالدِّينُ الْجَزَاءُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:{بِالدِّينِ}: بِالْحِسَابِ، {مَدِينِينَ} مُحَاسَبِينَ.
ومنه اتّصافه عزّ وجلّ بوصف ( الديّان )، وهل هو من أسمائه ؟ سنراه إن شاء الله تعالى ؟
المبحث الثّاني: أيّهما أبلغ المالك أو الملك ؟
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة: ( مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) بغير ألف، وقرأ عاصم والكسائيّ ويعقوب: ( مَالِكِ ) بألف، وفي أيّهما أبلغ مذهبان:
- اختار قوم كأبي العبّاس المبرّد قراءة:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لأنّه بتأويل الفعل، كقولك: مالك الدّراهم، ومالك الثّوب، ومالك يوم الدّين: يملك إقامة يوم الدّين وتدبيره والحكم فيه.
ولأنّ الله وصف نفسه قائلا:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْك} [آل عمران: من الآية26]، فهو يملك كلّ ملك وصاحبه.
- واختار قوم ( ملك ) لأمرين:
1) أنّه سبحانه تسمّى بالملك ولم يتسمّ بـ( المالك ).
قال تعالى:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طـه: من الآية114]، وقال:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: من الآية23]، وفي الصّحيحين أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ ؟)).
2) ولأنّ الملك يملك المالك، وليس العكس.
والصّواب أن يقال: إنّ في الجمع بين القراءتين فائدةً عظيمةً:
وهو أنّ مُلكه جلّ وعلا مُلك حقيقيّ؛ لأنّ من الخلق من يكون مَلِكاً، ولكن ليس بمالك، يسمّى ملكاً اسماً، وقد يُحال بينه وبين سلطانه، وليس له من التّدبير شيء؛
ومن النّاس من يكون مالكاً ولا يكون ملكاً: كعامّة الناس.
ولكن الله تعالى عزّ وجلّ مالكٌ وملكٌ، فلا يكون في ملكه إلاّ ما يريد، ولا يريد إلاّ ما يُحمد عليه، ولذلك كثرت النّصوص في الكتاب والسنّة الإخبار عن الله بأنّ {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: من الآية1].
المبحث الثّالث: هل ( الديّان ) من أسمائه عزّ وجلّ ؟
لا شكّ أنّ من صفاته سبحانه أنّه ( الديّان ) أي: المحاسب والمُجازي، ولكنّهم اختلفوا في إثباته اسما على قولين:
1) أثبته الخطّابيّ، وابن منده، والحليميّ، والبيهقيّ، والقرطبيّ، وابن القيّم، رحمهم الله جميعا.
2) ولم يذكره ابن حزم، ولا الأصبهانيّ، ولا ابن العربيّ، ولا ابن حجر، ولا الشّيخ السّعديّ، ولا الشّيخ العثيمين، رحمهم الله تعالى.
والصّواب إثباته، لما رواه الإمام أحمد في " مسنده "، والحاكم في " المستدرك " (4/574)، وصحّحه ووافقه الذّهبيّ، وصحّحه الشّيخ الألباني في تخريجه لأحاديث "السنّّة " لابن أبي عاصم ، وأخرجه البخاري تعليقا في " كتاب التّوحيد "[13/452-فتح] عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ:
بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي، فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا، حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ الشَّامَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ رضي الله عنه،.
فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ: قُلْ لَهُ جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ ! فَقَالَ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَخَرَجَ يَطَأُ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْتُهُ ، فَقُلْتُ: حَدِيثًا بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي الْقِصَاصِ، فَخَشِيتُ أَنْ تَمُوتَ أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ ؟ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: (( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا )).
قَالَ: قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا ؟ قَالَ: (( لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ. ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ ! أَنَا الدَّيَّانُ ! وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ )).
قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ )).
المبحث الرّابع: لماذا خصّ الله تعالى ملكه بأنّه يوم الدّين ؟ مع أنّه ملك ومالك كلّ شيء في كلّ زمان ومكان ؟
من فوائد الآية: إثبات البعث والجزاء لقوله تعالى:{مالك يوم الدّين}، أمّا سبب تخصيصه الملك بيوم الدّين، فذلك لأسباب:
- الأوّل: لظهور ملكوته، وملكه، وسلطانه ذلك اليوم، فالله تعالى ينادي:{لمن الملك اليوم} [غافر: 16] فلا يجيب أحد؛ فيقول تعالى:{لله الواحد القهار} [غافر: 16]؛ أمّا في الدّنيا فقد ظهر ملوك ينازعون الله ملكه،كفرعون والنّمروذ وأمثالهم في كلّ مصر وعصر. قال تعالى:{وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [الأنعام: من الآية73]، وقال:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [الحج: من الآية56]، {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} [الفرقان:26].
- الثاني: في ذلك اليوم لا يدّعي أحد شيئا، حتّى حقّ الكلام لا يملكه، قال تعالى:{يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود:105]، وقال:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ:38].
ولتمام ملكه سبحانه فإنّه لا يملك يومئذ أحد حقّ الشّفاعة، حتّى يأذن سبحانه، قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: من الآية255].
- الثّالث: ولحثّ الإنسان على أن يعمل لذلك اليوم الذي يُدان فيه العاملون.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15-03-2023, 10:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير سورة الفاتحة

تفسير سورة الفاتحة (9):{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }.


الكاتب: عبد الحليم توميات



عشر فوائد من تفسير قوله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.



لا بدّ أن نعلم أنّ هذه الآية هي قطب رحى هذه السّورة، وإليها ترجع معاني القرآن كلّها، فحوت في طيّاتها تجريد التّوحيد لربّ العبيد، والتوكّل عليه، والثّناء عليه، والدّعاء بالإقبال إليه، والافتخار والاعتزاز بعبادته، فكان في هذه فوائد عدّة:
الفائدة الأولى:في معنى العبادة.
العبادة في اللّغة: هي الذلّة، يقال: طريق معبّد أي: مذلّل للسّير عليه.
وشرعا: هي الذلّ مع شدّة المحبّة، وعرّفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعريفا جامعا بقوله: " هي اسم جامع لما يحبّه الله تعالى من الأعمال والأقوال الظّاهرة والباطنة ".
الفائدة الثّانية: في هذه الآية تحقيق التّوحيد وتجريده لله تعالى.
ذلك لأنّ تقديم المفعول ( إيّاك ) على الفعل فيه فائدتان:
أوّلا: الحصر، فكأنّك قلت: لا نعبد إلاّ إيّاك، ولا نستعين إلاّ بك، كقوله تعالى:{ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [البقرة: من الآية40]، { وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } [البقرة: من الآية41]، وهذا هو معنى ( لا إله إلاّ الله ).
ولو قال العبد: " نعبدك " لما أفاد الحصر، إذ يمكن أن يكون العبد يعبد الله وغيره.
إلاّ أنّ الحصر في ( إيّاك نعبد ) حصر عامّ حقيقيّ، والحصر في ( إيّاك نستعين ) حصر إضافيّ، بمعنى أنّه لا يستعان إلاّ بالله في الأمور الّتي تختصّ بالرّبوبيّة، وإلاّ فإنّ الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه جائزة، من ذلك ما رواه البخاري في حديث الهجرة الطّويل عن عائشة رضي الله عنها ( أَنَّ النَبِيَّ اسْتَعَانَ فِي هِجْرَتِهِ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي الدَّيْلِ هَادِياً خِرِّيتاً )، ومنه قول جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: ( جِئْتُ أَسْتَعِينُ بِكَ فِي مُكَاتَبَتِي ).
ثانيا: الاهتمام والأدب مع الله: وشأن العرب تقديم الأهمّ فالأهمّ.
الفائدة الثّالثة: تحقيق المتابعة.
فالله أمر بعبادته ولكن بشرط الاستعانة به، ومن أعظم ما تطلب الاستعانة به لتحقيق العبوديّة هو أن تكون بما شرعه على لسان رسوله ،صلّى الله عليه وسلّم، لا بما تمليه عقول الرّجال، والعادات، والأعراف، وغير ذلك. ومن المعلوم أنّ الله لا يقبل من العمل إلاّ ما كان خالصا لوجهه، موافقا لشرعه. وهذا مقتضى قول المسلم: ( وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ).
الفائدة الرّابعة: تحقيق التوكّل على الله.
فالعبد مأمور بعبادة الله على الوجه المشروع، ولا بدّ أن يتبرّأ من حوله وقوّته، فلا يكن حاله حال من قال:{ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } [القصص: من الآية78]، بل عليه أن يفتقر إلى الله وحده لا شريك له، ويسأله الإعانة في الأمور كلّها لا سيّما الوصولُ إليه والإقبال عليه. لذلك سنّ لنا نبيّ الرّحمة أن نقول إذا سمعنا المؤذّن يقول: " حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح " أن نقول: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ "، أي: أنت من وفّقني يا ربّ بحولك وقوّتك للاستجابة لهذا النّداء.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى:{ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود: من الآية123]، وقوله تعالى:{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً } [المزمل:9].
قال ابن تيمية رحمه الله وابن القيّم - كما في " التّفسير القيّم " (ص48)- عن هذه الآية: إنّ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } تدفع الرّياء، وأنّ { إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } تدفع الكبرياء.
وقال في " مدارج السّالكين ": " ثمّ إنّ القلب يعرض له مرضان عظيمان، إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التّلف ولا بدّ، وهما الرّياء والكبر، فدواء الرّياء بـ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ )، ودواء الكبر بـ( إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )، وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدّس الله روحه يقول: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) تدفع الرّياء، و( إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) تدفع الكبرياء ".
ويظهر لك جليّا قوّة تعلّق العبد بربّه بالتّكرار، فلم يعلّمنا أن نقول:" إيّاك نعبد ونستعين "، بل أن نعيد كلمة ( إِيَّاكَ ).
الفائدة الخامسة: في الآية التفات.
صورة بلاغيّة عظيمة تكسو الكلام جمالا وكمالا، وهي الالتفات، والالتفات هو " الانتقال من أسلوب إلى آخر " فينتقل المتكلّم من الغيبة إلى الحضور أو العكس. وذلك في كلام الله كثير لنكت بديعة علمناها أو جهلناها.
فقد كان الإخبار عن الله بأسلوب الغيبة: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}، ثمّ يقول العبد:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }، وفائدة ذلك هو ما ذكره ابن كثير رحمه الله قائلا:
" إنّ العبد لمّا أثنى على ربّه تبارك وتعالى .. فكأنّه اقترب وحضر بين يدي الله تبارك وتعالى، فلهذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ". فإذا علمنا هذه النّكتة، علمنا:
الفائدة السّادسة: تحقيق الأدب في الدّعاء.
فمن أعظم أداب الدّعاء وأسباب الإجابة أن تقدّم بين يدي الدّعاء ثناءً على الله تعالى بأسمائه وصفاته.
قال النّووي رحمه الله في "الأذكار" (ص176):
" أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدّعاء بالحمد لله تعالى، والثّناء عليه، ثمّ الصّلاة على النّبيّ ، وكذلك يختم الدّعاء بهما ".
وهذا أدب رفيع يُحمد من العبد إذا فعله مع المخلوق، فكيف مع الخالق سبحانه. لذلك اشتملت أمّ الكتاب على هذا الأدب فقسمها الله تعالى بينه وبين عبده، وبدأت بالحمد لله، والثّناء عليه، وتمجيده، حتّى إذا فعل العبد ذلك دعا ربّه قائلا: (وإيّاك نستعين اهدنا ..)، فقال عزّ وجلّ: ( ولعبدي ما سأل )، ومنه تقديم الثّناء على الدّعاء في السّجود، وهذا لا يمكن أن يحصيَه مُحْصٍ في أدعية الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
وجاء في سنن النّسائي وغيره عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَدْعُو بِهِنَّ فِي صَلَاتِي ؟ قَالَ: (( سَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا، وَاحْمَدِيهِ عَشْرًا، وَكَبِّرِيهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلِيهِ حَاجَتَكِ، يَقُلْ: نَعَمْ نَعَمْ )) [قال الألباني رحمه الله: حسن الإسناد].
ومنه ما رواه أحمد وأبو داود والتّرمذي - واللّفظ له - عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: بَيْنمَا رَسُولُ اللَّهِ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ! إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ )).
الفائدة السّابعة: قدّم الله العبادة على الاستعانة من باب تقديم الغايات على الوسائل.
فما خُلِق العبد إلاّ لعبادة الله، كما قال تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذّاريات:56]، فقدّم العبادة على الاستعانة مع أنّ الاستعانة نفسها عبادة، فكيف بمن يقدّم الوسيلة الّتي هي دون ذلك ؟!
ولذلك حريّ بالعبد أن لا يُهمل الغاية بسبب الوسيلة، ومن أعظم الأحاديث في ذلك ما رواه أحمد عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَيُحَدِّثُنَا، فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: " إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ " )).
الفائدة الثّامنة: في الآية تحقيق الافتخار بالعبوديّة.
فلو سألك سائل فقال: ما معنى ( النّون ) في قولك القارئ والمصلّي: إِيَّاكَ نَعْبُدُ ؟
فإن كانت للجمع فلماذا يقولها المنفرد ؟ وإن كانت للتّعظيم فالمقام مقام ذلّ لا تناسبه نون العظمة ؟
وللعلماء أجوبة ثلاثة عن ذلك:
• الأوّل: المراد جنس العباد جميعهم، فالقارئ يخبر عن نفسه وغيره من العباد، لا سيّما إذا كان في جماعة.
الثّاني: أنّ النّون فعلا للتّعظيم، لأنّ مقام العبوديّة مقام تشريف وتعظيم، فليس لكلّ أحد أن يكون عبدا طائعا لله إلاّ من وفّقه الله إلى عبادته وطاعته، لذلك وصف الله تعالى نبيّه بالعبوديّة في أرقى المقامات، وأعظم المنازل، ولو كان هناك وصف أعظم من العبوديّة لوصفه به، قال ابن القيّم رحمه الله في " مدارج السّالكين" (1/102):
" ووصف أكرمَ خلقه عليه، وأعلاهم عنده منزلة، بالعبوديّة في أشرف مقاماته، فقال تعالى:{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } [البقرة: من الآية23]، وقال تبارك وتعالى:{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ } [الفرقان: الآية1]، وقال:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ } [الكهف: من الآية1]، فذكره بالعبوديّة في مقام إنزال الكتاب عليه، وفي مقام التّحدي بأن يأتوا بمثله.
وقال:{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } [الجـن:19]، فذكره بالعبوديّة في مقام الدّعوة إليه، وقال:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } [الإسراء: من الآية1] فذكره بالعبودية في مقام الإسراء ". اهـ.
لذلك كان كثير من السّلف لا يرضى أن يجرّد من التّعبيد لله إذا ناداه أحد، وما أحسن قول من قال:
( ومـمّا زادنـي شـرفا وتيـها وكـدت بأخمُصـيّ أطـأ الثّـريّا
دخولي تحت قولك:يَا عِبَادِي وأن صيّرت أحـمـد لـي نبـيّا )
• الثالث : قالوا: إنّ قول العبد ( إيّاك نعبد ) ألطف في الأدب من قوله ( أعبد )، لأنّ في الثّاني تعظيما لنفسه، إذ جعل نفسه وحده أهلا لعبادة الله وهو سبحانه لو أمدّنا عمرا يسع أعمار الخلق كلّهم لما وفّيناه حقّه، والملائكة الّذين { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء:20] يقولون إذا رأوا الميزان يملأ بين السّماء والأرض: (سبحانك ! ما عبدناك حقّ عبادتك ).
الفائدة التّاسعة: إذا سئلت عن أعظم العبادات وأفضلها ؟
فاعلم أنّه قد كثرت الأقوال في ذلك، وأحسنها ما ذكره ابن القيّم رحمه الله أنّ أفضل العبادات ما كان موافقا للحال والزّمان.. ففي وقت تكون الصّلاة أفضل العبادات، وعند حضور مجلس العلم يكون العلم أفضل من النّوافل، وعند دخول وقت الرّواتب يكون أداؤها أفضل من عمل آخر، وعند احتياج الأخ إليك تكون إعانته أفضل القربات. والأصل في المسلم أن لا يفرغ من عبادة الله، قال تعالى:{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) }، ولو قدّر أن يمرّ على المؤمن فراغ، فأفضل العبادات على الإطلاق هو ذكر الله: بتسبيحه، وحمده، وتهليله، وتكبيره، وتلاوة كتابه، وحضور مجالس العلم، لما رواه التّرمذي وغيره عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم :
(( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟)) قَالُوا: بَلَى ! قَالَ: (( ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى )).
الفائدة العاشرة: ( إيّاك ) تقرأ بتشديد الياء.
وشذّ من قرأ بتخفيفها - وهي قراءة عمرو بن فايد رحمه الله -، قال ابن كثير: " وهي مردودة "، لأنّ ( إيَا ) ضوء الشّمس، لذلك ذكرها الشّيخ بكر بن عبد الله في " معجم المناهي اللّفظية ".
ومنهم من يقرأها ( إِيَكَ ) فيأتي بما لم يُقرأ به لا في الصّحيح ولا الشاذّ.
والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 224.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 218.92 كيلو بايت... تم توفير 5.61 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]