تفسير سورة الفاتحة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-10-2021, 07:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير سورة الفاتحة

تفسير سورة الفاتحة
د. كامل صبحي صلاح



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، أما بعد:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 1 - 7].

سورة الفاتحة سورة مكية، ولها ثلاثة أسماء، وهي:
فاتحة الكتاب. ‏
‏أم القرآن.
‏السبع المثاني.
وسُميت سورة الفاتحة بفاتحة الكتاب، لأن الله تعالى افتتح بها القرآن الكريم.
وسُميت بأم القرآن وأم الكتاب؛ لأنها أصل القرآن الكريم منها بُدِئَ القرآن الكريم، وأم الشيء: أصله.

وقيل: لأنها مقدمة وإمام لما يتلوها من السور يُبدأ بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصلاة.

‏وسُميت بالسبع المثاني؛ لأنها سبع آيات، وسميت مثانيَ؛ لأنها تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة.

فضل سورة الفاتحة:
لقد ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة، تدل على عظيم مكانتها ورفعتها ومنزلتها، ومنها: عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله تعالى عنه قال: « كُنْتُ أُصَلي في المَسْجِدِ، فَدَعانِي رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إني كُنْتُ أُصَلي، فقالَ: ألَمْ يَقُلِ اللهُ: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلهِ ولِلرسُولِ إذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: ٢٤]، ثُم قالَ لِي: لَأُعَلمَنكَ سُورَةً هي أعْظَمُ السوَرِ في القُرْآنِ، قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ، ثُم أخَذَ بيَدِي، فَلَما أرادَ أنْ يَخْرُجَ، قُلتُ له: ألَمْ تَقُلْ لَأُعَلمَنكَ سُورَةً هي أعْظَمُ سُورَةٍ في القُرْآنِ، قالَ: ﴿ الحَمْدُ لِلهِ رَب العالَمِينَ ﴾ هي السبْعُ المَثانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ»؛ «رواه البخاري/4474».

ومن عظيم مكانة وفضل هذه السورة المباركة، أنه ما أُنزل في التوراة ولا في الإنجيل مثلها، ففي الحديث عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال:« ما أنزلَ اللهُ في التوراةِ ولاَ في الإنجيلِ، مثلَ أم القرآنِ وَهي السبعُ المثاني وَهي مقسومةٌ بيني وبينَ عبدي ولعبدي ما سألَ» «صحيح الترمذي/ ٣١٢٥».

ومن عظيم مكانتها وفضلها كذلك، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها، ففي الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: «صَلى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الغَداةِ، فثَقُلَتْ عليه القِراءةُ، فلما انصرَفَ قال: إني لأراكم تَقرَؤونَ وراء إمامِكم، قُلْنا: نعمْ، واللهِ يا رسولَ اللهِ، إنا لنَفعَلُ هذا، قال: فلا تَفعَلوا إلا بأُم القُرآنِ؛ فإنه لا صَلاةَ لمَن لم يَقرَأْ بها». «أخرجه البخاري (٧٥٦)، ومسلم (٣٩٤)»

تفسير سورة الفاتحة:
قال الله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللهِ الرحْمَنِ الرحِيمِ ﴾:
﴿ بِسْمِ اللهِ ﴾؛ أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى؛ لأن لفظ ﴿ اسم ﴾ مفرد مضاف، فيعم جميع الأسماء الحسنى.

﴿ اللهِ ﴾: هو المألوه المعبود، المستحق لإفراده بالعبادة، لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال.

﴿ الرحْمَنِ الرحِيم ﴾: اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حيٍّ.

قال الطبري: «إن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه، أدَّب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديمَ ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله، وتقدم إليه في وَصفه بها قبل جميع مُهماته، وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه، منه لجميع خلقه سُنةً يستَنون بها، وسبيلًا يتبعونه عليها، فبه افتتاح أوائل منطقهم، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم، حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل: "بسم الله"، على من بطن من مراده الذي هو محذوف».

وقوله تعالى: ﴿ الحمدُ لله ربِّ العالمين ﴾، هي أبلغ صيغ الحمد والثناء على الله جل وعلا.

و﴿ الْحَمْدُ لِلهِ ﴾؛ أي: الثناء على الله تعالى بصفات الكمال كلها، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، فله الحمد الكامل، بجميع الوجوه، فجميع أنواع المحامد من صفات الجلال والكمال هي له وحده دون من سواه؛ إذ هو ربِّ كلِّ شيءٍ وخالقه ومدبِّره، ويشمل ذلك الحمد باللسان قولًا، والشكر بالأركان فعلًا، والشكر خالصًا لله جل ثناؤه دون سائر ما يُعبد من دونه، ودون كل ما برَأَ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يُحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحدٌ، فهو المستحق الحمد له وحده، وهو سبحانه المنشئ للخلق، القائم بأمورهم.

﴿ رَب الْعَالَمِينَ ﴾: الرب هو المربي جميع العالمين - وهم من سوى الله تعالى - بخلقه إياهم، وإعداده لهم، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء، فما بهم من نعمة فمنه تعالى. و«العالمون»: جمع «عالَم» وهم كل ما سوى الله تعالى، وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا، والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربِّيهم بالإيمان والعمل الصالح، ويوفِّقهم له، ويُكمله لهم، ويدفَع عنهم الصوارف، والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكلِّ خير، والعصمة عن كل شر، ولعل هذا [المعنى] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب، فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة، فدل قوله: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ على انفراده بالخلق والتدبير والنعم، وكمال غناه، وتمام فقر العالمين إليه، بكل وجه واعتبارٍ، فهو المربي سبحانه لجميع خلقه بنعمه، ولأوليائه بالإيمان والعمل الصالح.

ولا يجوز استعمال لفظ الرب مفردًا لغير الله جل وعلا، ويجوز ذلك بإضافته لغيره، كقول: رب الدار، ورب الأسرة.

قال ابن كثير: «وَلَا يُسْتَعْمَلُ الرب لِغَيْرِ اللهِ، بَلْ بِالْإِضَافَةِ تَقُولُ: رَب الدارِ رَب كَذَا، وَأَما الرب فَلَا يُقَالُ إِلا لِلهِ عَز وَجَل، وَقَدْ قِيلَ: إِنهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ».

وقوله تعالى الرحمن الرحيم): (الرحْمَنِ)؛ أي: ذو الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق،
و(الرحِيمِ) ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين.

والرحمن الرحيم: هما اسمان من أسمائه تعالى، يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله تعالى كما يليق بجلاله، وهما اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام، فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في بيان معناهما: «هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر».

وقوله تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدينِ ﴾؛ أي: مالك يوم الحساب والجزاء، وهو يوم القيامة، وهو يوم الجزاء على الأعمال؛ حيث يحاسب كل الخلق على أعمالهم، ويجازون عليها، حيث لا تملك نفس لنفس شيئًا، وفي ذلك اليوم ينادي الله تعالى: ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ [غافر: 16]، فلا يجيب أحد مهما علت مكانته، وعندها يقول تعالى مجيبًا ذاته: ﴿ لِلهِ الْوَاحِدِ الْقَهارِ ﴾ [غافر: 16]، وإن في قراءة المصلي لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر، واثبات المعاد، وحث له على الاستعداد بالعمل الصالح، والكف عن المعاصي والسيئات.

وقوله تعالى: ﴿ إِياكَ نَعْبُدُ وَإِياكَ نَسْتَعِينُ ﴾، ﴿ إياكَ نعبُدُ ﴾؛ أي: لك اللهم نَخشعُ ونَذِل ونستكينُ، إقرارًا لك يا رَبنا بالربوبية لا لغيرك، ﴿ وَإِياكَ نَسْتَعِينُ ﴾؛ أي: وإياك رَبنا نستعين على عبادتنا إياك وطاعتنا لك، ونخصُّك ربَّنا وحدك بالعبادة والطاعة، ونستعين بك وحدك في جميع أمورنا وشؤوننا مخلصين لك العبادة، فالأمر كله بيدك، ولا مُعين سواك، ولا يملك منه أحد مثقال ذرة، ويُستدل بهذه الآية على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء، والاستغاثة، والذبح، والطواف إلا لله تعالى وحده، وفيها كذلك شفاء القلوب من داء التعلق بغير الله تعالى، ومن أمراض الرياء، والعجب، والكبرياء.

وقوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾؛ أي: وَفِّقْنا للثبات عليه، ودُلَّنا وأرشدنا، ووفِّقنا للصراط المستقيم، وثبِّتنا عليه حتى نلقاك، وهو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه الموصل إلى الله تعالى، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، وهو الإسلام الذي أرسل الله تعالى به محمدًا صلى الله عليه وسلم.

والهداية إلى الصراط تعني: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط تشمل: الهداية لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملًا، ويُعد هذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله تعالى به في كل ركعة من صلاته، لضرورته وحاجته الماسة لذلك، فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.

وقوله تعالى: ﴿ صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾؛ أي: طريق الذين أنعمت عليهم من عبادك بهدايتهم، كالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقًا، غير طريق المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه كاليهود، وغير طريق الضالين عن الحق الذين لم يهتدوا إليه على جهل وضلال، لتفريطهم في طلب الحق والاهتداء إليه كالنصارى.

وهذه إبانةٌ عن الصراط المستقيم؛ إذْ كان كل طريق من طرُق الحق صراطًا مستقيمًا، فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا محمد: اهدنا يا ربنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، بطاعتك وعبادتك، من مَلائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين.

وذلك نظير ما قال ربُّنا جل ثناؤه في تنزيله: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 66 - 69]، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «صراطَ الذين أنعمت عليهم"؛ أي: طريق من أنعمتَ عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، الذين أطاعوك وعبَدُوك».

وفي هذه الآية دليلٌ واضح على أن طاعة الله جَل ثناؤه لا ينالها المُطيعون إلا بإنعام الله تعالى بها عليهم، وتوفيقه إياهم لها، أوَ لا يسمعونه يقول: «صراط الذين أنعمت عليهم»، فأضاف كل ما كان منهم من اهتداء وطاعة وعبادة إلى أنه إنعام منه عليهم.

وتُعد هذه السورة المباركة على إيجازها، قد احتوت على ما لم تحتو عليه سورة من سور القرآن، فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله: ﴿ رَب الْعَالَمِينَ ﴾، وتوحيد الإلهية وهو إفراد الله بالعبادة، يؤخذ من لفظ: ﴿ اللهِ ﴾، ومن قوله: ﴿ إِياكَ نَعْبُدُ ﴾، وتوحيد الأسماء والصفات، وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم من غير تعطيلٍ ولا تمثيلٍ ولا تشبيهٍ، وقد دل على ذلك لفظ ﴿ الْحَمْدُ ﴾، وتضمنت إثبات النبوة في قوله: ﴿ اهْدِنَا الصرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾؛ لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة، وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدينِ ﴾، وأن الجزاء يكون بالعدل؛ لأن الدين معناه الجزاء بالعدل، وتضمَّنت إثبات القدر، وأن العبد فاعلٌ حقيقةً، خلافًا للقدرية والجبرية، بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع والضلال في قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾؛ لأنه معرفة الحق والعمل به، وكل مبتدع وضال فهو مخالف لذلك، وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى، عبادة واستعانة في قوله تعالى: ﴿ إِياكَ نَعْبُدُ وَإِياكَ نَسْتَعِينُ ﴾.

وقوله تعالى: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضالينَ ﴾، ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾: من غضب الله تعالى عليهم لكفرهم وافسادهم في الأرض، وكذلك الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم، ﴿ وَلَا الضالينَ ﴾: من أخطؤوا طريق الحق، فعبدوا الله تعالى بما لم يَشرعه، وكذلك الذين تركوا الحق على جهل وضلال، كالنصارى ونحوهم.

قال القرطبي: «وَجَاءَ ذَلِكَ مُفَسرًا عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عَدِي بْنِ حَاتِمٍ وَقِصةِ إِسْلَامِهِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطيَالِسِي فِي مُسْنَدِهِ، وَالترْمِذِي فِي جَامِعِهِ. وَشَهِدَ لهذا التفسير أيضًا قوله سبحانه في اليهود: ﴿ وَباؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ﴾ [البقرة: ٦١ وآل عمران: ١١٢]، وقال: ﴿ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفتح: ٦]، وَقَالَ فِي النصَارَى: "قَدْ ضَلوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلوا كَثِيرًا وَضَلوا عَنْ سَواءِ السبِيلِ».

المصادر والمراجع:
1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)، للإمام محمد بن جرير الطبري.
2) الجامع لأحكام القرآن، (تفسير القرطبي)، للإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر شمس الدين القرطبي.
3) تفسير القرآن العظيم، (تفسير ابن كثير)، للإمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير.
4) معالم التنزيل (تفسير البغوي)، للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي.
5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبدالرحمن السعدي.

6) 6-أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، الشيخ جابر بن موسى بن عبدالقادر المعروف بأبي بكر الجزائري.
7) المختصر في التفسير، مركز تفسير.
8) التفسير الميسر، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
9) صحيح البخاري، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري.
10) صحيح مسلم، للإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري.
11) سنن الترمذي، الحافظ أبو عيسى محمد الترمذي.


هذا ما تيسر إيراده من بيان وتفسير لهذه السورة العظيمة المباركة من كتاب الله تبارك وتعالى، نسأل الله تعالى أن ينفع بما كتب، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله رب العالمين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.49 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]