|
|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
استهلال القصيدة الأندلسية
استهلال القصيدة الأندلسية محمد حمادة إمام افتَتَح العديدُ من الشعراء الأندلسيِّين بعضَ قصائدهم بالحديث عن الشيب والشباب، مثلهم في ذلك مثل المَشارِقة القُدامَى والمحْدثين، وإنْ كان هناك مِن النقاد من لم يُعِرِ استهلالَ القصائد بالحديث عن الشيب والشباب اهتمامًا، ومنهم ابن رشيق[1]، ومن النقاد[2] مَن وَضَع شروطًا في استهلال القصائد بالحديث عن الشيب والشباب، أهمُّها ألَّا يستهل - مثلًا - قصائد المدائح والتهاني بمثل نعْي الشباب، وذمِّ الزمان. والشاهد على تخلية افتتاح قصائد الثناء، والفرح والمرح، بالحديث عن الشيب والشباب من العيب، وجودُه منذ القِدَم، تعبيرًا عما يدُور بالخلَد، وتنفيسًا عما يَعْتَمِل بالنفس، إذ إنه أمرٌ فطريٌّ، تُمليه الأحاسيس، وتسُوقه المشاعر تجاه نفسِه، أو الآخرين. ولم يكُن للقُدامَى في مواطن كثيرة. "إلا الأبيات القليلة، يقولها الرجل عند حدوث الحاجة. قال أَعصَر بن سعد بن قيس بن عيلان - واسمه منبه بن سعد - وهو مِن قديم الشعر[3]: [من الكامل]: قَاَلتْ عُمَيرةُ ما لِرأْسكَ بَعْدَما نَفِدَ الشَّبابُ أَتى بِلَوْن مُنكَرِ أعُمَيرَ إنَّ أباكِ شَيَّبَ رأسَهُ مَرُّ الليالي واختلافُ الأعْصُرِ وقال الحارث بن كعب، وكان قديمًا: [من المتقارب]: أَكَلْتُ شَبَابِي فأفنيتُهُ وأفنيتُ بعد شُهُورٍ شُهُورا ثلاثةُ أهْلين صاحبتُهم فَبَانوا وأصبحتُ شَيْخَا كَبيرا قليلَ الطعامِ عَسيرَ القيا م قَدْ تَركَ القيدُ خَطْوي قصيرَا أبيتُ أُرَاعي نُجُومَ السَّماءِ أُقَلِّبُ أمْري بُطُونا ظُهُورا وهذا الغزال يَبتَدئ مقطوعة له، أو يفردها، بتقريع وتوبيخ وعذْل الأشيب المُتَصابي اللاهي، الذي بلغ أرذل عمرِه، وما انفكَّ عن غيِّه متعرِّضًا للحِسَان الممتلئات نضارةً وفتاءةً وحسنًا ودلالًا، فالأجمل به أن يرتدع ويَرْعَوي؛ فيقول ناصحًا نفسه، أو بني جنسِه وقرنه[4]: [من السريع]: بَعْضَ تَصَابيك على زينبِ لا خيرَ في الصَّبْوة للأَشْيَبِ أَبَعْدَ خَمْسين تَقَضَّيْتَها وافيةً تَصْبو إلى الرَّبْرَبِ ... إلخ الأبيات. ولعله حديث نفس إثر نزعة إيمانية انتابتْه، فرأى أنه مِن الجهل والعيب قضاءُ عمره في السفَه والطيش. وهذا ابن هانئ الأندلسي، في مواقف متعددة[5] يَفتَتح قصائد له بالحديث عن الشباب والشيب، ففي موقف شخصي، أو ذاتي، يبتدئ إحدى قصائده - ولو تصنُّعًا - بمدْح المشيب، الذي انتشر انتشارَ البرْق في الرأس، واستبانت آثارُه على باقي عمود الجسد، وهو لا يزال في فتاءته، ومنتصف عمره، فيقول[6]: [من الكامل]: قَدْ سَار بي هَذَا الزمانُ فأوجَفا ومحَا مشيبي مِن شَبابي أَحْرُفا إلَّا أَكُنْ بَلَغتْ بي السنُّ المدَى
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: استهلال القصيدة الأندلسية
فَلَقَدْ بَلَغْتُ من الطريق المنصَفَا فأمَا وَقَدْ لاَح الصَّباحُ بِلمَّتي وانجابَ ليلُ عَمَايتي وتَكَشَّفَا فَلَئن لَهَوْتُ لألهونَّ تَصُّنعا ولَئِنْ صَبَوْتُ لأَصْبونَّ تَكَلُّفَا ولَئِنْ ذَكَرْتُ الغانياتِ فَخَطْرَةٌ تعتادُ صَبًّا بالحِسَان مُكلَّفا أبيات تكشف عن حُبِّه لذوات الجمال والدلال، وتوضح ذمَّه لترَّهات الشبان، ونزغات الشيطان، وحلول الهدى على يد المشيب. لقد جاءت جلُّ القصائد، التي افتَتَحها بنعي الشباب، والتحسُّر عليه، في المدح، مثل مدح المعزِّ لدين الله الفاطمي، أو جعفر بن علي، ولم نجد مِن الأمراء، أو النقاد مَن عاب هذا عليه. وهذا ابن دراج القسطلي (ت 421 هـ) يَستَهل قصيدة له برثاء الشباب، والتحسُّر عليه، فقد أصبح كالسكران مِن هَوْل فقْد نجومه، ولذا فإنه يتمنَّى بصيصًا مِن ضيائه وبهائه، وتنشَّق شميم ريحه، وأريجه. إنه الحنين والشوق إلى الروض، الذي شطَّ مزارُه، وغارت أعذبُ مياهه، فيقول في تصوير حاله بعد شبابه، ووصْف حسْن وجمال مَن أتى على حمى قلبه، وأقام على نحول قدِّه، وذبول غصنه[7]: [من المتقارب]: نجومَ الصِّبا، أين تلك النجومُ؟ نسيمَ الصَّبا، أين ذاك النسيمُ؟ أما في التخيُّل منها ضياءٌ أما في التنشُّقِ منها شَميمُ؟ فَيَلْحَقُها من ضُلوعي زفير ويُدْرِكُها من دُمُوعي سَجُومُ[8] لقد شطَّ رَوْضٌ إليه أَحِنُّ وغارتْ مياهُ إليها أَهيمُ أَوانسُ يُصْبِحُ عَنْها الصَّباحُ نواعم يَنْعَمُ منها النعيمُ كواكبُ تُصْغِي إليها السُّعودُ كواعِبُ تَصْبو إليها الحُلُومُ[9]
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: استهلال القصيدة الأندلسية
كواعِبُ تَصْبو إليها الحُلُومُ[9] لياليَ إذ لا حبيبٌ يَصُدُّ وعهديَ إذ لا عذولٌ يلومُ يبحث الشاعر عن جمال صِباه، ويفتِّش عن ريحه الطيِّب، فهو الذي بانت ببَيْنِه غانياتٌ كُنَّ أصلَ الضياء، والحسن، والنعيم والبهاء، إنها حِسان يصبح عنها الصباح، وتُصغي إليها النجوم، وتهفو لنسيمها قلوبُ الشباب والشيب، وهذا تصوير لتبدُّل حاله، وتقلُّب زمانه به. وهذا ابن شهيد (ت 426 هـ)، يَفتَتح قصيدة له، في مدح عبد العزيز المؤتمن، ببكاء الشباب، والتحسُّر على مَعاهده، إذ إنه مر عليها فوجدها خلاء، فذكر أيام الصبا والحِسان، فهاج وَجْدُه، ولم يقدر - عندئذ - على عينه الجادَّة في الانصباب والسيلان. فيقول[10]: [من الكامل]: هَاتيك دَارُهُمُ فَقِفْ بِمَغانها تَجِدِ الدُّمُوعَ تَجِدُّ في هَمَلانها عُجْنَا الرّكابَ بها فهيَّج وَجْدَنا دِمَنٌ ذَعَرْنَ السِّرْب من إِدْمانها ثم يقول: يا صاحبيَّ إذا وَنَى حادِيكُمَا ♦♦♦ فتنشَّقَا النَّفَحاتِ مِن ظَيَّانها[11] إلى أن يقول: فَبَكَيْتُ مِنْ زمن قطعتُ مَراحلا ♦♦♦ وشبيبةٍ أخْلَقْتُ مِن رَيْعانها لم يَبق من الديار إلا آثارها، وبَقايا عَبيرها، الذي يَحْمل جمال الشباب، وقد ولَّى بلا إياب، ويُلاحظ وجود أُلفة بين تلك الصورة، وصورة ابن دراج السابقة، وأن هذا الاستهلال جاء في قصائد مديح وثناء. أما الإلبيري، فيَتنَاول في استهلاله، قضيَّة الأشيَب المُتَصابي، والجهول اللاهي، كاشفًا عن حُمقه وسفاهته، بمقارنةٍ بَينه، وبين قرنه الفطن البصير، تُبيِّن أن زينة المرء في التُّقَى، والاستِمساك بأسباب الهدى، ومفاتيح النجاة، فيقول[12]: [من الكامل]: الشَّيْبُ نَبَّهَ ذا النُّهى فَتَنَبَّهَا ونهَى الجهُولَ فَما اسْتَفاق ولا انْتَهى بَلْ زادَ نَفْسي رَغْبةً فَتَهافَتَتْ تبغي اللُّهى وكأنْ بِها بين اللَّها فإلى مَتَى أَلْهُو وأَفْرَحُ بالمُنَى والشيخُ أقبَحُ ما يكُون إذا لَها[13] ما حُسْنُه إلَّا التُّقى لا أن يُرَى صَبًّا بأَلْحَاظِ الجآذر والمَهَا يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
رد: استهلال القصيدة الأندلسية
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
رد: استهلال القصيدة الأندلسية
إلى أن يقول: فلا تَهْوَ الفتاةَ وأَنْتَ شيخٌ ♦♦♦ فأبْعَدُ وَصْلُها مِنْ صَيْد عَنْقا وله في مثل هذا الفن والمعنى قوله - أيضًا[20]: [من المتقارب] نفَى همُّ شَيْبي سُرورَ الشَّبابِ ♦♦♦ لَقَدْ أَظْلمَ الشيبُ لَمْا أضاءَ إلى أن يقول: أَأكْسو المشيبَ سَوادَ الخِضَابِ فأجعل للصُّبح لَيلًا غِطاءَ وكيفَ أُرجِّي وَفاءَ الخِضَابِ إذا لمْ َأِجْد لِشَبابي وَفَاءَ لقد محا جمالَ وبهاءَ وبشْر الشبابِ، هَمُّ المشيب، الذي أظلم القلب بإضاءته الرأس، ولذا فإنه لا رغبه له في الخضاب، إذ لا يعود به إلى الشباب، الذي مات عنده الوفاء. ولابن خفاجة قصائد، استَهلَّها بالحديث عن الشيب والشباب، مصوِّرًا حالَ المرء في هاتين المرحلتين، منها في مضمار مدح أبي الحسن بن نعيم[21]: [من الطويل]: تَشَفَّعْ بِعلْقٍ للشَّباب خطيرِ وبِتْ تَحْتَ ليلٍ، لِلوِصال قصيرِ[22] وَنلْ نَظرةً من نُضْرةِ الحُسْنِ، وانتعِشْ بغُرَّةِ رقراقِ الشَّباب غزيرِ فما الأَنسُ، إلا في مُجَاج زُجاجةٍ ولا العيشُ إلا في صَريرِ سَريرِ[23] وإنِّي، وإنْ جِئْتُ المشيبَ لَمُولَعٌ بِطُرَّةِ ظلٍّ، فوقَ وجهِ غَديرِ فيا حَبَّذا ماءٌ بمنعرَج اللِّوى وما اهتزَّ من أيكٍ عليه مَطيرِ يصوِّر الشاعر زهوَه بالشباب، وهيامه به، وبالمجون فيه، باثًّا بين ثناياه حنينَه إلى مَعاهده، خاصَّةً اللوى، وهي دعوة إلى اغتنام أيامه قبل ذهابه، فهذه الصورة تبيِّن أنَّ "الشاعر ينظُر إلى الطبيعة نظرة محبٍّ، وهذه الأبيات تمثل نفسيَّته المحبَّة، التي يتوزَّعها جمال الطبيعة، وجمال الإنسان[24]". وهذا عبد الحق بن غالب بن عطية (481 - 546 هـ) - مِن القضاة - يَستَهلُّ إحدى قصائده بنَدْب أيام الشباب، الذي ملأت ذكْراه خاطره، آخذًا في تصوير جمالها ونضارتها، ومداهمة الخطوب، والمشيب له. فيقول[25]: [من البسيط]: سُقْيا لعهدِ شَبابِ ظَلْتُ أمرَحُ في رَيْعانه وليالي العَيشِ أسحارُ أيامَ روضُ الصِّبا لم تَذْوِ أغْصُنُه ورونقُ العمْر غضٌّ والهَوى حارُ والنفسُ تَرْكُض في تضمينَ ثرَّتها طِرفًا لهُ في زمَانِ اللهوِ إحضارُ عهدًا كريما لَبِسْنا منه أَردْيةً كانتْ عُيُونا ومُحيت فَهْيَ آثارُ[26]
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
رد: استهلال القصيدة الأندلسية
كانتْ عُيُونا ومُحيت فَهْيَ آثارُ[26] مَضَى وأبْقَى بقلبي منه نارَ أَسًى كُوني سلامًا وبَرْدًا فيه يا نارُ أَبَعْدَ أَنْ نَعِمَتْ نَفَسي وأصبح في ليل الشَّباب لصبح الشَّيب إسفار ونَازَعَتْني الليالي وانْثَنَتْ كِبَرًا عَنْ ضَيْغَمٍ ما له نابٌ وأظفارُ يدعو الشاعر بالسُّقيا لعهد الشباب، الذي جرى في حلبته زمنًا، ناضر العود، ريَّان القضيب، منعمًا جذلانَ، حتى فارقه تاركًا بقلبه نار الأسَى، لزوال النعيم، وافتراس الليالي له منصرفة متكبرة شامخة عن أسد، كسرَت أنيابه، وقلَّمت أظفاره، وقوله: "كُوني سلامًا وبردًا فيه يا نار"، مِن قوله تعالى: ï´؟ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ï´¾ [الأنبياء: 69]. وهذا أبو عبد الله بن عياض (ت 542 هـ)[27]، يصوِّر نُحُوله وسقمه، وكثرة نحيبه وبكائه - حتى ظهر جدولًا ووُرْقًا - لِبَيْنِ مَن غذى بحبه، وطيَّب عشقه، فيقول[28]: [من مخلع البسيط]: عَرْبدَ بالهَجْرِ والعِتابِ ♦♦♦نشوانَ من خَمْرةِ الشَّبابِ إلى أن يقول: أنْحلَ جِسمي هَواهُ حتىَّ لم يَبْقَ مِنِّي سوى الإِهَابِ فاعجبْ لِروحٍ بغيِر جِسْمٍ قَدْ رُكِّبَ الروحُ في الثيابِ قَصَرْتُ نفسي على هواه والماء يُغْني عن السَّراب أبْصَرْتُه جَدْولا وَوُرقا مِن دَمْعِ عَيني وانتحابي يتبع
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
رد: استهلال القصيدة الأندلسية
استهلال القصيدة الأندلسية محمد حمادة إمام وقوله: "فاعجب لروح بغير جسم" من قول المتنبي[29]: [من البسيط] كَفَى بِجِسْمي نحولا أنني رجلٌ ♦♦♦ لَولا مُخَاطَبَتي إِيَّاك لم تَرَني وهذا أحمد بن شكيل "ت. 605 هـ"، يندُب حاله في مستهلِّ قصيدة له، ويتبرَّم من المشيب، الذي توالت على يديه نكبات الهموم، وتكاثر اللوام، فسواد شعر رأسه نتاج الهموم، والأسى، والغموم، التي أخذت حظَّها مِن قلبه، ونضير غصنه، ومع هذا لم ولن يرضى بظلم، أو خيانة، فيقول[30]: [من الكامل]: يا من لُصِبْحِ الشيب كيف تنفَّسَا في لِمَّتي فَأَجابَهُ ليلُ الأَسَى لا تحسبنَّ سوادَ شَعريَ نِعْمةً لَكنْ كَسَتْهُ هُمُومُ قَلْبي حِنْدِسَا إلَّا يَكُنْ شَابَ العِذارُ ولا انْحْنَى ظَهْري فَقَدْ شَاب الفؤادُ وقَوَّسا إنّي لأُغْضِي مُقْلَتي عَنْ لائمي وأَرى ابْتسامي مِن ضَميري عَبَّسا ويَلِينُ قَلْبي للخليلِ مَوَدَّةً فإذا أَحَسَّ هَضِيمةً يَوْمًا قَسَا لم يشب العذار، ولم ينحن الظهر، بل شاب القلب، وتقوَّس القدُّ. وهذا أبو الحسن بن الفضل[31]، يَفتَتح إحدى موشَّحاته بندْب عمره، الذي أُرغِم في خواتيمه على خَتْمه منفردًا، فاتَّقَدَت بقلبه نار الحسرة، وقتَ أن هجره الحب والهوى. فيقول[32]: [من المتقارب]: فواحسرتا لِزَمانٍ مَضَى عَشِيَّةَ بانَ الهَوَى وانْقَضى وأُفْرِدْتُ بالرُّغْم لا بِالرِّضَا وبِتُّ عَلَى جَمَراتِ الغَضَى وكأن شباب الشاعر مقرون بالهوى، فإذا ما بان أحدُهما بانَ الآخر. وهذا أبو الحسن، علي بن موسى بن سعيد العنسي، يقول مصوِّرًا حنينه إلى مسقط رأسه، ومعهد شبابه وأنسه: "ولما قَدِمْتُ مصر والقاهرة أدركتْني فيهما وحشة، وأثار لي ما كنتُ أعهد بجزيرة الأندلس، من المواضع المبهِجة التي قطعتُ بها العيش غًّضا خصيبًا، وصحبتُ بها الزمان غلامًا، ولبستُ الشباب قشيبًا، فقلتُ[33]: [من الرمل]: هَذهِ مِصْرُ فَأينَ المغْرِبُ؟ مذ نَأَى عَنِّي دُمُوعي تُسْكَبُ فارقتْه النفسُ جَهْلًا إنَّما يُعْرَفُ الشيءُ إذا ما يَذْهَبُ أَيْنَ حِمْصٌ؟ أين أيامي بها؟ بَعْدَها لم ألْقَ شَيْئًا يُعْجِبُ كَمْ تقضَّى لي بها مِن لَذَّةٍ حيث لِلنَّهْر خريرٌ مُطْرِبُ
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
رد: استهلال القصيدة الأندلسية
وحَمَامُ الأَيْكِ تَشْدو حَوْلَنا والمثاني في ذَرَاها تَصْخَبُ أيَّ عَيْشٍ قَدْ قطعناهُ بها ذِكْرهُ مِنْ كُلِّ نُعْمَى أَطْيبُ وَلَكَمْ بالمرج لي مِن لَذَّةٍ بَعْدها ما العيشُ عِنْدي يَعْذُبُ إلى أن يقول: بَلْدةٌ طابت وربٌّ غَافِرُ ♦♦♦ لَيْتني مَا زِلْتُ فِيها أُذْنِبُ سكَن الشاعرُ بَلدَينِ، فأخذتْ صُوَرُ معهد شبابه تروح وتغدو أمامه، فأحَسَّ عندئذ بالوحشة والغربة، وأخذ لسانه في سرد بعض مظاهر حُسنه وجماله، معتمدًا في توشية حديثه على القرآن الكريم، فقوله: "بلدة طابت ورب غافر" من قوله تعالى:﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [سبأ: 15]، وأما قوله " ليتني ما زلتُ فيها أُذنب "، فبيانٌ بأنه بلَد الخير والحُسن والجمال، ومعهد الطيِّبات والحِسان، فهو جمال في جمال. ولأبي الحسن، علي بن الجياني (ت 708 هـ) رسالة شعرية إلى أحد أصحابه بإنكار لما هو عليه مِن لهو وتَصَابٍ، وعدم مراعاته حقوق المشيب[34]. وهذا أبو عبد الله بن خميس، يفتتح إحدى قصائده بتصوير وجْده، وحسرته، وشجنه، لفقد الشباب، إذ لم يعُد يتلذذ بطعام أو شراب، وصار يمنِّي نفسه بالمتاب، بعدما ضاع شرخ شبيبته، في خداع وخصومة وعتاب. فيقول[35]: [من الطويل]: أَنَبْتُ، ولكنْ بَعد طُولِ عِتابِ وفَرْطِ لَجَاجٍ ضاع فيهِ شَبابي وَمَا زِلْتُ والعَليا تُعنِّي غريمها أُعَلِّلُ نفسي دائما بِمَتَابِ وهيهات مِنْ بَعْد الشَّبابِ وشَرْخِه يَلذُّ طَعَامي أو يَسُوغُ شَرَابي خُدِعْتُ بهذا العيش قبْل بلائهِ كَمَا يُخْدَعُ الصَّادي بِلَمْعِ سَرابِ تقولُ هُوَ الشَّهدُ المشور جَهالةً وما هُو إلا السُّمُّ شِيبَ بِصَابِ إلى أن يقول: وما أَسَفي إلا شَبابٌ خَلَعْتُه ♦♦♦وشيبٌ أَبَى إلَّا نُصُولَ خِضَابِ أَسف على تأخير المتاب، وبيْنِ الشباب، وانكسار حدِّ الخضاب عن المشيب. وهذا يوسف الثالث - ملك غرناطة ت. 727 هـ - يَستهلُّ إحدى قصائده بتصوير ذكريات الشباب، حيث خاض فيه لُجَّ الحب، وهو فتى غرٌّ، وربما يُلتَمس له العذر، أما وقد علاه المشيب، فلا عُذر له ولا حجة، ولذا فإنه يُوبِّخ نفسًا علاها مشيب صروف الدهر من غدْر وشيب قبل الأوان، ومع هذا، فلا يزال طالبًا للمعالي والأمجاد، فيقول[36]: [من الطويل]: لَقَدْ خَاضَ لَجَّ الحُبِّ مِنِّي فَتىً غِرُّ وشِبْتُ فَشَبَّتْ في ضُلُوعي لَهُ جَمْرُ وَقَدْ كَانَ لي عذرٌ إِذ الفَوْدُ فَاحِمٌ فَمَا لي وقد لاَحَ المَشيبُ بِهِ عُذْرُ وما شِبْتُ من سِنِّ ولكنْ أَشَابَني صُرُوفُ زَمَانِ سوف يُلْفى به الجَبْرُ وإنَّ زمانًا قَدْ أَحَال شَبِيبَتي لأَجْدَرُ أن يُعْزى إلى فعلهِ الغَدْرُ
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
رد: استهلال القصيدة الأندلسية
دَع الدَّهْرَ والأيامَ وارْقَ تَكَسُّبًا لِنَيْلِ معالٍ عندها يُرْفَعُ القَدْرُ سَأثْني عناني للمعالي فَإِنَّني لِيَ الصِّيتُ في الأملاكِ والمحْتِدُ الحُرُّ[37] عَجِبْتُ من الأيَّام تَمْنَعُ مَقْصدي ومِن دُون ما تَبْغيه مِنِّي هوى النِّسْرُ تأتي صروف الدهر على البادي والحاضر، وتجُور على سَليل الملوك، والفوارس، فهذا رجل نالت منه غياهب السجن وهمومه، "فمأساة السجن بهمِّها الكبير تتجلى في الشيب، الذي غزا مفارق شَعره، ولما يُجاوز سنَّ الشباب، وبما أن المشيب علامة على مرور الزمن، وسنوات العمر، فكأن همُّ سجنِه يَأكل من حياته السنوات إثر السنوات، دون أن يشعر أو يدري...[38]". وهذا الكاتب، أبو بكر، محمد بن أحمد بن محمد بن شبرين (674 - 747 هـ) يَستهلُّ قصيدته اللامية ببكاء شبابه، وأسفه مِن غدْر الخلَّان والأصحاب باعثًا تحية إخلاص، إلى أهل الوفاء، وأخلَّاء الصفاء، وأنس ليالي الشباب متمنِّيًا قُفوله، وهو مُوقن باستحالة رجوعه، فيقول[39]: [من الكامل]: ظَعَنَ الصِّبا ومِنَ المُحال قُفولُه إنْ كُنْتَ باكيَه فَتِلك طُلُولُهُ قِفْ عِنْدَها خَبْلَ الدُّمُوع ورَجْلها وانْدُبْ شبابا شَطَّ عَنْكَ رَحيلهُ إلى أن يقول: أَسفًا عَلَى زَمَنٍ كَريمٍ عَهْدُهُ وَلَّتْ غَضَارتُهُ وغَابَ سبيلُهُ ضيَّعْتَ في طَلَب الفضول بُكُورَه لكن نَدِمْتَ وقَدْ أتاكِ أَصيلُهْ إلى آخر الأبيات، التي ينبغي على الشيب والشباب تدبرها لتفادي غدْر الأيام وخيانتها. وهذا هو الخطيب العدل "علي بن أحمد بن محمد... أبو الحسن الأحيمر (ت. 750 هـ) يَفتَتح بعض قصائده، بالحديث عن المشيب، وأهله المخدوعين بأماني الدنيا، وحديث الغواني المعسول، اللائي روَّعتْهن الشعرات البيض، والمرء يَعرف حقيقتَهن، ولكنه - عن عمد - عن الوعي يغيب، فيقول[40]: [من الكامل]: الآن تَطْلُبُ وُدَّهَا وَوِصَالها مِنْ بَعْدِ مَا شَغَلَتْ بهَجْرك بالَها وقد اسْتحالَتْ فيك سيماءُ الصِّبَا حالًا يُروِّعُ مثلُها أمثَالَها وأتيتَها مُتلبِّسًا بروائعٍ نُكْرٍ بِفَوْدِكَ أصبحتْ عُذَّالها إلى أن يقول: جزعتْ لهذا الشَّيب نَفْسي وَهْيَ مَا ♦♦♦ زالتْ تَهَوِّنُ كُلَّ صَعْبٍ نَالَها يتبع
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
رد: استهلال القصيدة الأندلسية
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |