|
|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
تأثر الأندلسيين بالمشارقة
تأثر الأندلسيين بالمشارقة محمد حمادة إمام هاجر عبدُ الرحمن الداخلُ إلى الأندلس، فرارًا من تعقُّب العباسيِّين لهم، ولما وصل إلى هناك، لم يجد الطريق مفروشًا بالورود والرياحين، بل أخَذ يُكابد في صعود سلَّم المجد، مُواجِهًا الثورات والمناوشات هنا وهناك، ليُوطِّدَ حُكمَه، ويمكِّن لِمُلكِه في تلك الديار. لم تنلْ تلك الثوراتُ من نفسِه الأبيَّة، التي لا تَرضَخ لغير الله، وتأبى إلا مضيَّ الأسد الهصُور الجسُور، كاشفًا عن ساعِد الجدِّ والدهاء والمجد، متسلِّحًا ببيانِه ولسانِه، وقوَّة جَنانِه. ومع هذه الشجاعة، وتلك الجرأة والقوة، نرى فيوضًا من الحنين والرقة، تنساب في عبارات، تصوِّر مدى أنينه وعشقه وشوقه إلى بلدٍ حُرم ظلَّه ورفْده - فيقول - مصوِّرًا ما يَعتلِج بصدره، وخاطره ولبِّه - أبياتًا إلى أختِه بالشام[1]: [من الخفيف] أيُّها الراكبُ المُيمِّمُ أرضي أَقْرِ مِنِّي بَعْضَ السَّلامِ لِبَعْضي إنَّ جِسْمي كما تراه بأرضٍ وفُؤَادي ومالكِيه بأرضِ قَدَّرَ البَيْنُ بيننا فافْترقْنَا وطَوَى البَيْنُ عن جُفُونيَ غمْضِي قَد قَضَى الدَّهْرُ بالفراق علينا فعَسَى باجْتِماعنا سَوْف يَقْضِي آهاتٌ "تُصَوِّر ظمأه إلى مجده التليد، الضائع في المشرق، وإحساسَه بالغربة والنأي، ومُصارعة الأهواء المتناحرة، إذ كانت الأهوال العاصفة مِن حوْله تُذْكي بقلبه لَوَاعِج هذا الحنين المتَّقِد..."[2]، وتُرِينا كذلك مَدى حنِينِه، وصَبابَته، وعشقه لمعهد نشأته، وتُربة شبيبته وأحبَّته، وفوق ذلك، لا نعثُر فيها على بَصيص بُغض لوطنِه الجديد - الأندلس. ولِوَفْرة وشائج الصِّلة بين الأندلسيِّين والمشارقة في الدم، والروح واللسان، نلاحظ تأثُّرًا للأندلسيِّين - خاصة شعراء العهدِ الأُمَوي، وملوك الطوائف - بالمشارقة في تناوُل بعضِ المعاني في هذا الفنِّ بالذات، وغيرِه من الفنون، ومعارضتها، ومحاكاتها، ولعلَّ هذا بسبب قُرب عهدِهم بالمشرق، ونظرتهم إليه باحترامٍ وإكْبارٍ نظرةَ التلميذِ لأستاذِه، وهذا هو شِعار الحُبِّ والودِّ لوطنٍ، أرغِموا على هَجْره، وفيه إعلانٌ عن الوحدة الإسلامية والعربية. يقول الدكتور محمد رجب البيومي: "كان المشرقُ أستاذَ الأندلس؛ تتطلَّع إليه في إخلاص ورغبة، ولا تُحاول قبْل عصرِ الناصر أن تَقيسَ نفسَها به، بل كُبرى مُناها أنْ تُحْرز نفائسَ مؤلَّفاتِه وروائعَ آثارِه، وأنْ يغذَّ أبناؤها الرحيلَ إلى الارتشافِ مِن حِياضه، والريِّ من مَوارده، فإذا وَفدَ عليهم وافدٌ من أعلام المشرق تطلَّعَت إليه العيونُ في إكْبار، واقتعد مقعدَ الأستاذ عن فخرٍ واعتداد..."، واستمرَّ الحالُ كذلك، إلى أنْ "جاء عهدُ الناصر وولدِه الحَكَم، فكانا بالأندلُس بمكان الرشيد وولدِه المأمونِ بالمشرق..، فإنهما قد رسما الطريقَ للناصر وولدِه الحكَم بالأندلس، أن يَقْفُوَا أثرَيْهما في هذا المجال المديد[3]!" ولا يَدُلُّ التأثر، أو المحاكاة والمعارضة - على التحجُّر والجمود، ولا يُنافِيان الابتكار والاختراع والإبداعَ، فدَوَرَان المعاني، أو الصوَر أمام الأعيُن وعلى الألسنة فاشٍ، وقديمٌ قِدَمَ الزمان. ومما يدل - حتى في معارضاتهم - على أصالة أشعارهم، وإبداعِهم الفنِّي وابتكارهم، وُرُودُ صوَر لهم، قَلَّما نَعْثُر على مثل حيويَّتها، وحُسنها وجمالها. يقول الدكتور/ سعد إسماعيل شلبي: "إنَّ تَشابُه الفكرة بين شاعر وشاعر لا يُنافي أصالةَ كلٍّ منهما دائمًا، فقد يَرجع السببُ في ذلك إلى تَشابُه الموضوع، أو تَوَارُد الخواطر، فضلًا عن أن اللغة بأفكارها، ومجازاتها لا إقطاعَ فيها، فهي مِلْكٌ للناطقين بها على السواء. وكثيرٌ مِن شعراء الأندلس، بحُكْم انتمائهم إلى العربية، وانتسابهم إلى آبائهم، وأجدادهم مِن المشارقة، واتِّكائهم معهم على لغة وتراثٍ واحد، يَتشابهون مع أقرانهم مِن شعراء المشرق، فهم يُصَوِّرون طَبْعَهم الأصيل، في صدق وأمانة، ولو فعلوا غيرَ ذلك لجاء أدبُهم ممسوخًا، دُونَ صدق وأصالة[4]". وهذا ابن شهيد - الأديب الناقد - يرى: أنَّ المعارَضة غيرُ مَعِيبة، بل هي أساسُ التفوُّق، ولهذا ظهر "ناقمًا على النُّقَّاد، الذين كانوا يتولَّون ديوان الشعراء؛ لأنهم أخَّروا عبدَ الرحمن بن أبي الفهد، وقدَّموا عليه عبادة بن ماء السماء؛ مع أن عبد الرحمن" غزيرُ المادَّة، واسِع الصدر، حتى إنه لم يَكَدْ يُبقي شعرًا جاهليًّا، ولا إسلاميًّا إلا عارَضه وناقَضه، وفي كل ذلك تراه مثْل الجَواد إذا استوْلى على الأمد لا يَنِي ولا يقصِّر، وكانت[5] مَرْتَبَتُه في الشعراء أيام بني أبي عامر، دُونَ مرتبة عبادة في الزمام فأعجَب[6]". وفي ركْب الدكتور شفيق... أبو سعدة، تتَّضح الرؤية والصورة أكثر وأكثر، يقول: "ونَخْلُص إلى أنَّ المعارَضات فنٌّ شعري عُرف مِن قديمٍ، واستمرَّ على عصور الأدب العربي، بدافع ذاتي؛ إذْ يعجَب الشاعرُ بقصيدةٍ فيُعارضها، ويَنسجِ على مِنْوالها، محاولًا التفوُّق على قائلها. وتختلف المعارَضات الأندلسيةُ، عن المعارَضات المشرقيةِ اختلافًا بَيِّنًا، في باعِثِها واتجاهِها وكيفيَّتها؛ إذْ فَرَضَ الانتماءُ على الشاعر الأندلسي لونًا مِن المعارَضات القاصِدة إلى محاكاة الشعر المشرقي، إعجابًا به، وإثباتًا للقدرة...[7]". وعلى سبيل المثال - في الشعر الجاهلي - يقول امرؤ القيس يصِف فرسًا[8]: [من الطويل ] ويخطو على صُمٍّ صِلابٍ كَأنَّها ♦♦♦ حِجارةُ غيْلٍ وارساتٌ بِطُحْلُبِ أخذه النابغةُ الجعدي. فقال[9]: [من المتقارب] كَأَنَّ حَوَامِيَهُ مُدْبِرًا خُضِبْنَ وإنْ كانَ لم يُخْضَبِ حجارةُ غَيْل برضْراضَةٍ كُسِينَ طِلَاءً مِن الطُّحْلُبِ ويقول امرؤ القيس أيضًا واصفًا فرسًا[10]: [من الطويل] سليم الشظا عاري الشوي شنج النَّسا ♦♦♦ له حَجَباتٌ مُشْرفاتٌ على الفالِ فأخَذَه كعبُ بن زهير فقال: [من الطويل] سليمَ الشَّظا عاري الشوي شَنْجَ النَّسا ♦♦♦ أقبَّ الحَشَا مستذرع النَّدَفانِ إذًا التأثُّر، أو المعارَضة والمحاكاة شاهِدُ الأصالة، وأمَارة الفِطنة، يقول الدكتور محمد غنيمي هلال: "وعلاقةُ المتأثِّر أو المحاكي - في هذه الحالة - ليست علاقةَ التابعِ بالمتبوع، ولا علاقة الخاضعِ المَسُود بسيِّدِه، بل علاقةُ المهتدي بنماذجَ فنية أو فكرية، يطبعها بطابعه، ويُضْفي عليها صبغة قوميَّتِه. وهذه هي الأصالة الحقُّ، فالأصالة ليست هي بقاءَ المرء في حدودِ ذاته، وليست هي إباءُ التجاوُبِ مع العالم الخارجيِّ، لكي يبقى المرء كما هو، دون تغيير أو تحوير، ولكن الأصالة الحق هي القدرةُ على الإفادة، مِن مَظَانِّ الإفادة الخارجية عن نطاق الذات؛ حتى يتسنَّى الارتقاءُ بالذات عن طريق تنمية إمكانيَّاتها، ولا يستطيع امرؤ أن يَصْقل نفسَه، ولا أن يَبْلغ أقصَى ما تيسَّر له مِن كمال، إلا بجلاء ذهنِه بأفكار الآخرين، وبالأخْذ المفيد مِن آرائهم ودعواتهم[11]". ومما وَصَل إلينا مِن شعره الأندلسي الغزير - خاصة في مجال المعارَضة، وبالذات في هذه الصورة - "الغزال "، فمِن هذا قوله[12]: [من الطويل] وكم ظاعِن قد ظَنَّ أَنْ لَيْس آيَبَا ♦♦♦ فآبَ وأَوْدَى حَاِضرُون كثيرُ إلى أن يقول: وكيف أُبَالي والزَّمانُ قَدِ انْقَضى وعَظْمِي مَهِيضٌ والمكانُ شَطيرُ وإني وإنْ أَظْهَرْتُ مِنِّي تَجَلُّدا لَذُو كَبِدٍ حَرَّى عليكِ حَسِيرُ فالغزال في هذه الأبيات - وهي في مجال التحسُّر على شبابه، وعدمِ اليأس مِن عودته إلى ديار أحبابه، والجزَع مِن ضعف المشيب، وشكوى آلامِه - يُبَيِّن - بأسلوب منطقيٍّ - كثْرة مَن ظَعَن، ثم عاد إلى إلْفِه ووطنه، وقد ظن عدَم العودة، وهلَك كثيرٌ مِن المقيمين، وهو أيضًا "يَذْكر فيها شكوى زوجتِه مِن كثرة أسفاره، ويُحاول تهدئتَها وطمْأنَتَها، ويرجو أن يعُود مِن سفَره غانمًا سالمًا موفورَ الحظ...[13]". يَعِزُّ على الشاعر هَجْرُ زوجتِه مؤقَّتًا، وانكسارُه أمامها، على إثْر انكسارِه وانهدامِ بُنيانه على يَدِ المشيب، وإنْ أظهَر التصبُّر والتجلُّد. والغزال في تلك القصيدة "يَجري على نهْج قصيدةٍ مشهورة لأبي نواس؛ أوَّلها[14]: [من الطويل] أجارةَ بَيْتَيْنَا أَبُوك غَيُورُ ♦♦♦ وَميْسُورُ ما يُرْجَى لديكِ عَسيرُ ويُلاحَظ أن الغزال، أبان عن سبب سفَره، وهو طلَب الرزقِ، وعن سُوء صنيع الحاجَة معه، وتردِّي حالِه، بعدما بان عنه شبابُه، فزوْجتُه تُريد منه البقاء، أما أبو نواس، فيشكُو ترفُّع محبوبتِه عليه، وإباءها عنه... وعزَّة جانِبِها. ولم يكُن الغزال وحده في ميدان المعارضة عامَّة، وقصيدة أبي نواس خاصَّة، بل شاركَه ابنُ دراج القسطلي، واصفًا فراق زوجِه ووليدِه، وما ألمَّ به مِن شدة الوجد، وألمِ الهجْر. فيقول أبياتًا منها[15]: [من الطويل] ولَمَّا تَدَانتْ لِلْوَدَاعِ وَقَدْ هَفَا بِصَبْري مِنْه أَنَّةٌ وزَفيرُ تُنَاشِدُني عَهْدَ المودَّة ِ والهَوَى وفي المَهْدِ مبغومُ النِّداءِ صغيرُ أعظَم وأشدُّ موقفٍ على الإنسان موقفُ توديعِه للأحباب؛ إذْ تُراودُه أفكار، وتنتابُه مشاعرُ وأحاسيس، تكاد تعصِف بكيانه وجَنانه، على رأسِها: أَيُقدَّرُ له العَوْد إلى ما يحبُّ ويَهْوَى أم لا؟ عندئذ تكُون المناشدة بذكْرَى ما مضى، وعدم التفريطِ فيما بَقِيَ. فكأن هذه المعارَضات إثباتٌ مِن الأندلسيين - لِقُدْرتهم على الإبداع، وسهامٌ في أعيُن الانتِقاصِ والازدراءِ لِمَا عدا أهل الشرق. ولذلك يقول ابن حزم[16]: [من الطويل] أنا الشمسُ في جوِّ العُلومِ مُنيرةٌ ولكنَّ عَيْبِي أنَّ مطْلعيَ الغربُ ولو أَنَّني مِن جانبِ الشَّرق طالعٌ لجدَّ على ما ضاعَ مِن ذِكْرِيَ النَّهْبُ يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: تأثر الأندلسيين بالمشارقة
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |