كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 20 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أبناؤنا والإجازات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12439 - عددالزوار : 210351 )           »          الجامع في أحكام صفة الصلاة للدبيان 3 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          دور المسجد في بناء المجتمع الإنساني المتماسك السليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          ملامح الشخصية الحضارية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          المثنى بن حارثة الشيباني فارس الفرسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          أدب الحديث على الهاتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          المدرسة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          أثر صحبة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 94 - عددالزوار : 74487 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #191  
قديم 18-11-2022, 10:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,521
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (191)
صــــــــــ 18 الى صـــــــــــ 25




قال ولو زوجها ولياها رجلين فشهد الشهود على يوم واحد ولم يثبتوا الساعة أو أثبتوها فلم يكن في إثباتهم دلالة على أي النكاحين كان أولا فالنكاح مفسوخ [ ص: 18 ] ولا شيء لها من واحد من الزوجين ولو دخل بها أحدهما على هذا فأصابها كان لها منه مهر مثلها وعليها العدة ويفرق بينهما وسواء كان الزوجان في هذا لا يعرفان أي النكاح كان قبل أو يتداعيان فيقول كل واحد منهما كان نكاحي قبل وهما يقران أنها لا تعلم أي نكاحهما كان أولا ويقران بأمر يدل على أنها لا تعلم ذلك ، مثل أن تكون غائبة عن النكاح ببلد غير البلد الذي تزوجت به أو ما أشبه هذا . ولو ادعيا عليها أنها تعلم أي نكاحهما أول وادعى كل واحد منهما أن نكاحه كان أولا كان القول قولها مع يمينها للذي زعمت أن نكاحه آخرا ، وإن قالت لا أعلم أيهما كان أولا وادعيا علمها أحلفت ما تعلم وما يلزمها نكاح واحد منهما . قال ولو كانت خرساء أو معتوهة أو صبية أو خرست بعد التزويج لم يكن عليها يمين وفسخ النكاح ، ولو زوجها أبوها ووكيل له في هذه الحال فقال الأب : إنكاحي أولا أو إنكاح وكيلي أولا كان أو قال ذلك الوكيل لم يكن إقرار واحد منهما يلزمها ولا يلزم الزوجين ولا واحدا منهما ولو كانت عاقلة بالغة فأقرت لأحدهما أن نكاحه كان أولا لزمها النكاح الذي أقرت أنه كان أولا ولم تحلف للآخر لأنها لو أقرت له بأن نكاحه أولا ثم لم يكن زوجها .

وقد لزمها أن تكون زوجة الآخر ولو كان وليها الذي هو أقرب إليها من وليها الذي يليه زوجها بإذنها ووليها الذي هو أبعد منه بإذنها فإنكاح الولي الذي دونه من هو أقرب منه باطل ولو كان على الانفراد .

وإذا كان هذا هكذا فنكاح الولي الأقرب جائز كان قبل نكاح الولي الأبعد أو بعد ، أو دخل الذي زوجه الولي الأبعد الذي لا ولاية له مع من هو أقرب .

ولو دخل بها الزوجان معا أثبت نكاح الذي زوجه الولي وآمر باجتنابها حتى تكمل عدتها من الزوج غيره ، ثم خلي بينها وبينه وكان لها على الزوج المهر الذي سمى وعلى الناكح النكاح الفاسد مهر مثلها كان أقل أو أكثر مما سمى لها ، ولو اشتملت على حمل وقفا عنها وهي في وقفهما عنها زوجة الذي زوجه الولي إن مات ورثته وإن ماتت ورثها ، ومتى جاءت بولد أريه القافة فبأيهما ألحقاه لحق وإن لم يلحقاه بواحد منهما أو ألحقاه بهما أو لم يكن قافة وقف حتى يبلغ فينتسب إلى أيهما شاء ، قال وإن انتفيا منه ولم تره القافة لاعناها معا ونفي عنهما معا فإن أقر به أحدهما نسبته إليه فإن أقر به الآخر وقفته حتى تراه القافة وكان كالمسألة على الابتداء وإن مات الآخر بعدما أقر به الأول ولم يعترف به فهو من الأول ولو زوجها وليان أحدهما قبل الآخر بإذنها فدخل بها صاحب التزويج الآخر فلها مهر مثلها وتنزع منه وهي زوجة الأول ويمسك عنها حتى تنقضي عدتها من الداخل بها .
ما جاء في نكاح الآباء

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه { عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت نكحني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست أو سبع وبنى بي وأنا ابنة تسع } الشك من الشافعي ( قال الشافعي ) فلما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجهاد يكون على ابن خمس عشرة سنة وأخذ المسلمون بذلك في الحدود وحكم الله بذلك في اليتامى فقال { حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا } ولم يكن له الأمر في نفسه إلا ابن خمس عشرة سنة أو ابنة خمس عشرة إلا أن يبلغ الحلم أو الجارية المحيض قبل ذلك فيكون لهما أمر في أنفسهما دل إنكاح أبي بكر عائشة النبي صلى الله عليه وسلم ابنة ست وبناؤه بها ابنة تسع على أن الأب أحق بالبكر من نفسها ولو [ ص: 19 ] كانت إذا بلغت بكرا كانت أحق بنفسها منه أشبه أن لا يجوز له عليها حتى تبلغ فيكون ذلك بإذنها أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها } أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني زيد بن جارية { عن خنساء بنت خذام أن أباها زوجها وهي ثيب وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها } ( قال الشافعي ) فأي ولي امرأة ثيب أو بكر زوجها بغير إذنها فالنكاح باطل إلا الآباء في الأبكار والسادة في المماليك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء بنت خدام حين زوجها أبوها كارهة ولم يقل إلا أن تشائي أن تبري أباك فتجيزي إنكاحه لو كانت إجازته إنكاحها تجيزه أشبه أن يأمرها أن تجيز إنكاح أبيها ولا يرد بقوته عليها .

( قال الشافعي ) ويشبه في دلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرق بين البكر والثيب فجعل الثيب أحق بنفسها من وليها وجعل البكر تستأذن في نفسها أن الولي الذي عنى والله تعالى أعلم الأب خاصة فجعل الأيم أحق بنفسها منه فدل ذلك على أن أمره أن تستأذن البكر في نفسها أمر اختيار لا فرض لأنها لو كانت إذا كرهت لم يكن له تزويجها كانت كالثيب وكان يشبه أن يكون الكلام فيها أن كل امرأة أحق بنفسها من وليها وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمت ولم أعلم أهل العلم اختلفوا في أنه ليس لأحد من الأولياء غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا إلا بإذنها فإذا كانوا لم يفرقوا بين البكر والثيب البالغين لم يجز إلا ما وصفت في الفرق بين البكر والثيب في الأب الولي وغير الولي ولو كان لا يجوز للأب إنكاح البكر إلا بإذنها في نفسها ما كان له أن يزوجها صغيرة لأنه لا أمر لها في نفسها في حالها تلك وما كان بين الأب وسائر الولاة فرق في البكر كما لا يكون بينهم فرق في الثيب فإن قال قائل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستأمر البكر في نفسها ؟ قيل يشبه أمره أن يكون على استطابة نفسها وأن يكون بها داء لا يعلمه غيرها فتذكره إذا استؤمرت أو تكره الخاطب لعلة فيكون استئمارها أحسن في الاحتياط وأطيب لنفسها وأجمل في الأخلاق وكذلك نأمر أباها ونأمره أيضا أن يكون المؤامر لها فيه أقرب نساء أهلها وأن يكون تفضي إليها بذات نفسها أما كانت أو غير أم ولا يعجل في إنكاحها إلا بعد إخبارها بزوج بعينه ثم يكره لأبيها أن يزوجها إن علم منها كراهة لمن يزوجها وإن فعل فزوجها من كرهت جاز ذلك عليها وإذا كان يجوز تزويجه عليها من كرهت فكذلك لو زوجها بغير استئمارها فإن قال قائل وما يدل على أنه قد يؤمر بمشاورة البكر ولا أمر لها مع أبيها الذي أمر بمشاورتها ؟ قيل قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { وشاورهم في الأمر } ولم يجعل الله لهم معه أمرا إنما فرض عليهم طاعته ولكن في المشاورة استطابة أنفسهم وأن يستن بها من ليس له على الناس ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاستدلال بأن يأتي من بعض المشاورين بالخير قد غاب عن المستشير وما أشبه هذا .
قال والجد أبو الأب وأبوه وأبو أبيه يقومون مقام الأب في تزويج البكر وولاية الثيب ما لم يكن دون واحد منهم أب أقرب منه ولو زوجت البكر أزواجا ماتوا عنها أو فارقوها وأخذت مهورا ومواريث دخل بها أزواجها أو لم يدخلوا إلا أنها لم تجامع زوجت تزويج البكر لأنه لا يفارقها اسم بكر إلا بأن تكون ثيبا وسواء بلغت سنا وخرجت الأسواق وسافرت وكانت قيم أهلها أو لم يكن من هذا شيء لأنها بكر في هذه الأحوال كلها .
( قال ) وإذا جومعت بنكاح صحيح أو فاسد أو زنا صغيرة كانت بالغا أو غير [ ص: 20 ] بالغ كانت ثيبا لا يكون للأب تزويجها إلا بإذنها ولا يكون له تزويجها إذا كانت ثيبا وإن كانت لم تبلغ إنما يزوج الصغيرة إذا كانت بكرا لأنه لا أمر لها في نفسها إذا كانت صغيرة ولا بالغا مع أبيها قال وليس لأحد غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا صغيرة لا بإذنها ولا بغير إذنها ولا يزوج واحدة منهما حتى تبلغ فتأذن في نفسها . وإن زوجها أحد غير الآباء صغيرة فالنكاح مفسوخ ولا يتوارثان ولا يقع عليها طلاق وحكمه حكم النكاح الفاسد في جميع أمره لا يقع به طلاق ولا ميراث والآباء وغيرهم من الأولياء في الثيب سواء لا يزوج أحد الثيب إلا بإذنها ، وإذنها الكلام ، وإذن البكر الصمت . وإذا زوج الأب الثيب بغير علمها فالنكاح مفسوخ رضيت بعد أو لم ترض وكذلك سائر الأولياء في البكر والثيب . .
الأب ينكح ابنته البكر غير الكفء

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يجوز أمر الأب على البكر في النكاح إذا كان النكاح حظا لها أو غير نقص عليها ولا يجوز إذا كان نقصا لها أو ضررا عليها كما يجوز شراؤه وبيعه عليها بلا ضرر عليها في البيع والشراء من غير ما لا يتغابن أهل البصر به ، وكذلك ابنه الصغير .
قال ولو زوج رجل ابنته عبدا له أو لغيره لم يجز النكاح لأن العبد غير كفء لم يجز وفي ذلك عليها نقص بضرورة ولو زوجها غير كفء لم يجز لأن في ذلك عليها نقصا ، ولو زوجها كفؤا أجذم أو أبرص أو مجنونا أو خصيا مجبوبا أو غير مجبوب لم يجز عليها لأنها لو كانت بالغا كان لها الخيار إذا علمت هي بداء من هذه الأدواء ، ولو زوجها كفؤا صحيحا ثم عرض له داء من هذه الأدواء لم يكن له أن يفرق بينه وبينها حتى تبلغ فإذا بلغت فلها الخيار .
( قال ) ولو عقد النكاح عليها لرجل به بعض الأدواء ثم ذهب عنه قبل أن تبلغ أو عند بلوغها فاختارت المقام معه لم يكن لها ذلك لأن أصل العقد مفسوخا .
( قال ) لو زوج ابنه صغيرا أو مخبولا أمة كان النكاح مفسوخا لأن الصغير لا يخاف العنت والمخبول لا يعرب عن نفسه بأنه يخاف العنت وإن كان كل واحد منهما لا يجد طولا ولو زوجه جذماء أو برصاء أو مجنونة أو رتقاء لم يجز عليه النكاح ، وكذلك لو كان زوجه امرأة في نكاحها ضرر عليه أو ليس له فيها وطر ، مثل عجوز فانية أو عمياء أو قطعاء أو ما أشبه هذا .
المرأة لا يكون لها الولي

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل } فبين فيه أن الولي رجل لا امرأة فلا تكون المرأة وليا أبدا لغيرها وإذا لم تكن وليا لنفسها كانت أبعد من أن تكون وليا لغيرها ولا تعقد عقد نكاح . أخبرنا الثقة عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال : كانت عائشة تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها زوج فإن المرأة لا تلي عقدة النكاح ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال لا تنكح المرأة المرأة فإن البغي إنما تنكح نفسها .
( قال الشافعي ) وإذا أرادت المرأة أن تزوج جاريتها لم يجز أن تزوجها هي ولا وكيلها إن لم يكن وليا [ ص: 21 ] للمرأة إذا لم تكن هي وليا لجاريتها لم يكن أحد بسببها وليا إذا لم يكن من الولاة كما لا يكون للمرأة أن توكل نفسها من يزوجها إلا وليا ويزوجها ولي المرأة السيدة الذي كان يزوجها هي أو السلطان إذا أذنت سيدتها بتزويجها كما يزوجونها هي إذا أذنت بتزويجها ولا يجوز لولي المرأة أن يولي امرأة تزوجها إذا لم تكن وليا في نفسها لم تكن وليا بوكالة ولا يزوج جاريتها إلا بإذنها ويجوز وكالة الرجل الرجل في النكاح إلا أنه لا يوكل امرأة لما وصفت ولا كافرا بتزويج مسلمة لأن واحدا من هذين لا يكون وليا بحال وكذلك لا يوكل عبدا ولا من لم تكمل فيه الحرية وكذلك لا يوكل محجورا عليه ولا مغلوبا على عقله لأن هؤلاء لا يكونون ولاة بحال .
ما جاء في الأوصياء

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ذكر الله تعالى الأولياء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل } ولم يختلف أحد أن الولاة هم العصبة ، وأن الأخوال لا يكونون ولاة ، إن لم يكونوا عصبة فبين في قولهم أن لا ولاية لوصي إن لم يكن من العصبة لأن الولاية يشبه أن تكون جعلت للعصبة للعار عليهم والوصي ممن لا عار عليه فيما أصاب غيره من عار وسواء وصى الأب بالأبكار والثيبات ووصى غيره فلا ولاية لوصي في النكاح بحال وذلك أنه ليس بوكيل الولي ولا بولي والخال أولى أن يكون عليه عار من الوصي وهو لا ولاية له إذا لم يكن له نسب من قبل الأب وهذا قول أكثر من لقيت من أهل الآثار والقياس ، وقد قال قائل يجوز نكاح وصي الأب على البكر خاصة دون الأولياء ولا يكون له أن ينكح البكر بغير إذنها وللأب أن ينكحها بغير إذنها ولا يجوز إنكاحه الثيب بأمرها وأمرها إلى الولاة ويقول ولا يجوز إنكاح وصي ولي غير وصي الأب ( قال الشافعي ) وهو يزعم أن الميت إذا مات انقطعت وكالته فإن كان الوصي وكيلا عنده كوكيل الحي فوكيل الأب والأخ ولي الأولياء ، البكر والثيب يجوز إنكاحهم عندنا وعنده بوكالة من وكلهم ما جاز لمن وكلهم بالنكاح ويقيمهم مقام من وكله وهو لا يجيز لوصي الأب ما يجيز للأب ويقول ليس بوكيل ولا أب فيقال فولي قرابة فيقول : لا فيقال ما هو ؟ فيقول وصي ولي فيقول يقوم مقامه ولا يدري ما يقول ويقال فما لغير الأب فيقول الوصي ليس بولي ولا وكيل فيجوز نكاحه وليس من النكاح بسبيل فيقول قولا متناقضا يخالف معنى القرآن والسنة والآثار . .
إنكاح الصغار والمجانين

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أحد غير الآباء وإن زوجها فالتزويج مفسوخ والأجداد آباء إذا لم يكن أب يقومون مقام الآباء في ذلك ، ولا يزوج المغلوبة على عقلها أحد غير الآباء فإن لم يكن آباء رفعت إلى السلطان وعليه أن يعلم الزوج ما اشتهر عنده أنها مغلوبة على عقلها ، فإن يقدم على ذلك زوجها إياه وإنما منعت الولاة غير الآباء تزويج المغلوبة على عقلها أنه [ ص: 22 ] لا يجوز لولي غير الآباء أن يزوج امرأة إلا برضاها فلما كانت ممن لا رضا لها لم يكن النكاح لهم تاما وإنما أجزت للسلطان أن ينكحها لأنها قد بلغت أو أن الحاجة إلى النكاح وأن في النكاح لها عفافا وغناء وربما كان لها فيه شفاء وكان إنكاحه إياها كالحكم لها وعليها ، وإن أفاقت فلا خيار لها ولا يجوز أن يزوجها إلا كفؤا ، وإذا أنكحها فنكاحه ثابت وترث وتورث ، وإن غلب على عقلها من مرض أو برسام أو غيره لم يكن له أن ينكحها حتى يتأنى بها فإن أفاقت أنكحها الولي من كان بإذنها ، وإن لم تفق حتى طال ذلك ويؤيس من إفاقتها زوجها الأب أو السلطان وإن كان بها مع ذهاب العقل جنون أو جذام أو برص أعلم ذلك الزوج قبل أن يزوجها وإن كان بها ضنى يرى أهل الخبرة بها أنها لا تريد النكاح معه لم أر له أن يزوجها وإن زوجها لم أرد تزويجه لأن التزويج ازدياد لها لا مؤنة عليها فيه ، وسواء إذا كانت مغلوبة على عقلها بكرا كانت أو ثيبا لا يزوجها إلا أب أو سلطان بلا أمرها لأنه لا أمر لها . .
نكاح الصغار والمغلوبين على عقولهم من الرجال

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في الكبير المغلوب على عقله : لأبيه أن يزوجه لأنه لا أمر له في نفسه وإن كان يجن ويفيق فليس له أن يزوجه حتى يأذن له وهو مفيق في أن يزوج فإذا أذن فيه زوجه ولا أرد إنكاحه إياه وليس لأحد غير الآباء أن يزوجوا المغلوب على عقله لأنه لا أمر له في نفسه ويرفع إلى الحاكم فيسأل عنه فإن كان يحتاج إلى التزويج ذكر للمزوجة فإن رضيت زوجه وإن لم يكن يحتاج إلى التزويج فيما يرى بزمانة أو غيرها لم يكن للحاكم أن يزوجه ولا لأبيه أن يكون تزويجه ليخدم فيجوز تزويجه لذلك ، وللآباء ما للأب في المغلوب على عقله وفي الصغيرة والمرأة البكر وللآباء تزويج الابن الصغير ولا خيار له إذا بلغ وليس ذلك لسلطان ولا ولي وإن زوجه سلطان أو ولي غير الآباء فالنكاح مفسوخ لأنا إنما نجيز عليه أمر الأب لأنه يقوم مقامه في النظر له ما لم يكن له في نفسه أمر ولا يكون له خيار إذا بلغ فأما غير الأب فليس ذلك له ولو كان الصبي مجبوبا أو مخبولا فزوجه أبوه كان نكاحه مردودا لأنه لا يحتاج إلى النكاح قال وإذا زوج المغلوب على عقله فليس لأبيه ولا للسلطان أن يخالع بينه وبين امرأته ولا أن يطلقها عليه ، ولا يزوج واحد منهما إلا بالغا وبعد ما يستدل على حاجته إلى النكاح ولو طلقها لم يكن طلاقه طلاقا ، وكذلك لو آلى منها أو تظاهر لم يكن عليه إيلاء ولا ظهار لأن القلم مرفوع عنه ، وكذلك لو قذفها وانتفى ولدها لم يكن له أن يلاعن ويلزمه الولد ولو قالت هو عنين لا يأتيني لم تضرب له أجلا وذلك أنها إن كانت ثيبا فقد يأتيها وتجحد وهو لو كان صحيحا جعل القول قوله مع يمينه وإن كانت بكرا فقد تمتنع من أن ينالها فلا يعقل أن يدفع عن نفسه بالقول أنها تمتنع ويمتنع ويؤمر إشارة بإصابتها ولو ارتد لم تحرم عليه لأن القلم مرفوع عنه ولو ارتدت هي فلم تعد إلى الإسلام حتى تنقضي العدة بانت منه وهكذا إذا نكحت المغلوبة على عقلها لم يكن لأبيها ولا لولي غيره أن يخالع عنها بدرهم من مالها ولا يبرئ زوجها من نفقتها ولا شيء وجب لها عليه فإن هربت أو امتنعت منه لم يكن لها عليه نفقة ما دامت هاربة أو ممتنعة وإن آلى منها وطلب وليها وقفه قيل له اتق الله وفئ أو طلق ولا يجبر على طلاق كما لا يجبر لو طلبته هي ، وكذلك إن كان عنينا لم يؤجل لها من قبل أن هذا شيء إن كانت صحيحة كان لها طلبه لتعطاه أو يفارق وإن تركته لم يحمل فيه الزوج على الفراق [ ص: 23 ] لأن الفراق إنما يكون برضاها وامتناعه من الفيء فلا يكون لأحد طلب أن يفارق بحكم يلزم زوجها غيرها وهي ممن لا طلب له ولو طلبت لم يكن ذلك على الزوج وهكذا الصبية التي لا تعقل في كل ما وصفت .
قال : ولو قذف المجنونة وانتفى من ولدها قيل له إن أردت أن تنفي الولد باللعان فالتعن فإذا التعن وقعت الفرقة بينهما ولا يكون له أن ينكحها أبدا ولا يرد عليه وينفى عنه الولد وإن أكذب نفسه ألحق به الولد ولا يعزر ولم ينكحها أبدا فإن أبى أن يلتعن فهي امرأته والولد ولده ولا يعزر لها ، قال وأي ولد ولدته ما كانت في ملكه لزمه إلا أن ينفيه بلعان ، وإن وجد معها ولد فقال لم تلده ولا قافة وريئت تدر عليه وترضعه وتحنوا عليه حنو الأم لم تكن أمه إلا بأن يشهد أربع نسوة أنها ولدته أو يقر هو بأنها ولدته فيلحقه ، وإن كانت قافة فألحقوه بها فهو ولده إلا أن ينفيه بلعان ، وليس للأب في الصبية والمغلوبة على عقلها أن يزوجها عبدا ولا غير كفء لها ، وأنظر كل امرأة كانت بالغا ثيبا فدعت إليه كان لأبيها ووليها منعها منه وليس للأب عليها إدخالها فيه ولا للأب ولا للسلطان في واحد منهما أن يزوجها مجبوبا وكذلك ليس له أن يكره أمته على واحد من هؤلاء بنكاح وله أن يهبها لكل واحد من هؤلاء ويبيعها منه ولا لولي الصبي أن يزوجه مجنونة ولا جذماء ولا برصاء ولا مغلوبة على عقلها ولا امرأة لا تطيق جماعا بحال ولا أمة وإن كان لا يجد طولا لحرة لأنه ممن لا يخاف العنت . .
النكاح بالشهود

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا نكاح للأب في ثيب ولا لولي غير الأب في بكر ولا ثيب غير مغلوبة على عقلها حتى يجمع النكاح أربعا أن ترضى المرأة المزوجة وهي بالغ والبلوغ أن تحيض أو تستكمل خمس عشرة سنة ويرضى الزوج البالغ وينكح المرأة ولي لا أولى منه أو السلطان ويشهد على عقد النكاح شاهدان عدلان فإن نقص النكاح واحدا من هذا كان فاسدا ، قال ولأبي البكر أن يزوجها صغيرة وكبيرة بغير أمرها وأحب إلي إن كانت بالغا أن يستأمرها وذلك لسيد الأمة في أمته وليس ذلك لسيد العبد في عبده ولا لأحد من الأولياء غير الآباء في البكر وهكذا لأبي المجنونة البالغ أن يزوجها تزويج الصغيرة البكر بكرا كانت أو ثيبا وليس ذلك لغير الآباء إلا السلطان .

النكاح بالشهود أيضا

أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد عن ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد وأحسب مسلم بن خالد قد سمعه من ابن خيثم أخبرنا مالك عن أبي الزبير قال أتي عمر بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت قال ولو شهد النكاح من لا تجوز شهادته وإن كثروا من أحرار المسلمين أو شهادة عبيد مسلمين أو أهل ذمة لم يجز النكاح حتى ينعقد بشاهدين عدلين قال : وإذا كانا الشاهدان لا يردان من جهة التعديل ولا الحرية ولا البلوغ ولا علة في أنفسهما خاصة جاز النكاح ، قال وإذا كانا عدلين عدوين للمرأة أو للرجل فتصادق الزوجان على النكاح جازت الشهادة لأنها شهادة عدلين وإن تجاحدا لم يجز النكاح لأني لا أجيز شهادتهما على عدويهما وأحلفت [ ص: 24 ] الجاحد منهما فإن حلف برئ وإن نكل رددت اليمين على صاحبه فإن حلف أثبت له النكاح وإن لم يحلف لم أثبت له نكاحا .
وإن رئي رجل يدخل على امرأة فقالت زوجي وقال زوجتي نكحتها بشاهدين عدلين ثبت النكاح وإن لم نعلم الشاهدين : قال ولو عقد النكاح بغير شهود ثم أشهد بعد ذلك على حياله وأشهدت ووليها على حيالهما لم يجز النكاح ولا نجيز نكاحا إلا نكاحا عقد بحضرة شاهدين عدلين وما وصفت معه ولا يكون أن يتكلم بالنكاح غير جائز لم يجز إلا بتجديد نكاح غيره ولو كان الشاهدان عدلين حين حضرا النكاح ثم ساءت حالهما حتى ردت شهادتهما فتصادقا أن النكاح قد كان والشاهدان عدلان أو قامت بذلك بينة جاز وإن قالا كان النكاح وهما بحالهما لم يجز وقال إنما أنظر في عقدة النكاح ولا أنظر أين يقومان هذا يخالف الشهادة على الحق غير النكاح في هذا الموضع الشهادة على الحق يوم يقع الحكم ولا ينظر إلى حال الشاهدين قبل والشهادة على النكاح يوم يقع العقد قال : ولو جهلا حال الشاهدين وتصادقا على النكاح بشاهدين جاز النكاح وكانا على العدل حتى أعرف الجرح يوم وقع النكاح وإذا وقع النكاح ثم أمره الزوجان بكتمان النكاح والشاهدين فالنكاح جائز وأكره لهما السر لئلا يرتاب بهما . .
ما جاء في النكاح إلى أجل ونكاح من لم يولد

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل للمرأة قد زوجتك حمل امرأتي وقبلت ذلك المرأة أو أول ولد تلده امرأتي وقبلت ذلك المرأة أو قال ذلك الرجل للرجل في حبل امرأته قد زوجتك أول جارية تلدها امرأتي وقبل الرجل فلا يكون شيء من هذا نكاحا أبدا ولا نكاح لمن لم يولد : ألا ترى أنها قد لا تلد جارية وقد لا تلد غلاما أبدا فإذا كان الكلام منعقدا على غير شيء لم يجز ولا يجوز النكاح إلا على عين بعينها ولو قال الرجل : إذا كان غدا فقد زوجتك ابنتي وقبل ذلك الرجل أو قال رجل لرجل إذا كان غدا فقد زوجت ابني ابنتك وقبل أبو الجارية والغلام والجارية صغيران لم يجز له لأنه قد يكون غدا وقد مات ابنه أو ابنته أو هما ، وإذا انعقد النكاح وانعقاده الكلام به فكان في وقت لا يحل له فيه الجماع ولا يتوارث الزوجان لم يجز وكان ذلك في معنى المتعة التي تكون زوجة في أيام وغير زوجة في أيام وفي أكثر من معنى المتعة ، لأنه قد جاءت مدة بعد العقد لم يوجب فيها النكاح ولا يكون هذا نكاحا عندنا ولا عند من أجاز نكاح المتعة هذا أفسد من نكاح المتعة . .
ما يجب به عقد النكاح

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا خطب الرجل على نفسه فقال زوجتي فلانة أو وكيل الرجل على من وكله فقال ذلك أو أبو الصبي المولى عليه المرأة إلى وليها بعدما أذنت في إنكاح الخاطب أو المخطوب عليه فقال الولي قد زوجتك فلانة التي سمى فقد لزم النكاح ولا احتياج إلى أن يقول الزوج أو من ولي عقد نكاحه بوكالته قد قبلت إذا بدأ فخطب فأجيب بالنكاح . قال ولو احتجت إلى هذا لم أجز نكاحا أبدا إلا بأن يولي الرجل وتولي المرأة رجلا واحدا فيزوجهما ، وذلك أني إذا احتجت إلى أن يقول الخاطب وقد بدأ بالخطبة إذا زوج قد قبلت لأني لا أدري ما بدا للخاطب احتجت إلى أن يقول [ ص: 25 ] ولي المرأة قد أجزت لأني لا أدري ما بدا له إن كان إذا زوج لم يثبت النكاح إلا بإحداث المنكح قبولا للنكاح ثم احتجت إلى أن أرد القول على الزوج ثم هكذا على ولي المرأة فلا يجوز بهذا المعنى نكاح أبدا ، ولا يجوز إلا بما وصفت من أن يلي عليهما واحد بوكالتهما . ولكن لو بدأ ولي المرأة فقال لرجل قد زوجتك ابنتي لم يكن نكاحا حتى يقول الرجل قد قبلت لأن هذا ابتداء كلام ليس جواب مخاطبة وإن خطب الرجل المرأة فلم يجبه الأب حتى يقول الخاطب قد رجعت في الخطبة فزوجه الأب بعد رجوعه كان النكاح مفسوخا لأنه زوج غير خاطب إلا أن يقول بعد تزويج الأب قد قبلت ، ولو خطب رجل إلى رجل فلم يجبه الرجل حتى غلب على عقله ثم زوجه لم يكن هذا نكاحا لأنه عقدة من قد بطل كلامه ومن لا يجوز أن يكون وليا وهكذا لو كان الخاطب المغلوب على عقله بعد أن يخطب وقبل أن يزوج ولكن لو عقد عليه ثم غلب على عقله كان النكاح جائزا إذا عقد ومعه عقله ولو كان هذا في امرأة أذنت في أن تنكح فلم تنكح حتى غلبت على عقلها ثم أنكحت بعد الغلبة على عقلها كان النكاح مفسوخا لأنه لم يلزمها شيء من النكاح حتى غلب على عقلها فبطل إذنها وهذا كما قلنا في المسألة قبلها ، قال ولو زوجت قبل أن تغلب على عقلها ثم غلبت بعد التزويج على عقلها لزمها النكاح .
ولو قال الرجل لأبي المرأة أتزوجني فلانة ؟ فقال قد زوجتكها لم يثبت النكاح حتى يقبل المزوج لأن هذا ليس خطبة وهذا استفهام ، وإذا خطبها على نفسه ولم يسم صداقا فزوجه فالنكاح ثابت ، ولها مهر مثلها . ولو سمى صداقا فزوجه بإذنها كان الصداق له ولها لازما . .
ما يحرم من النساء بالقرابة

أخبرنا الربيع بن سليمان قال : قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم } الآية ( قال الشافعي ) والأمهات أم الرجل الوالدة وأمهاتها وأمهات آبائه وإن بعدت الجدات لأنهن يلزمهن اسم الأمهات والبنات بنات الرجل لصلبه وبنات بنيه وبناتهن وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات كما لزم الجدات اسم الأمهات وإن علون وتباعدن منه وكذلك ولد الولد وإن سفلوا والأخوات من ولد أبيه لصلبه أو أمه نفسها وعماته من ولد جده الأدنى أو الأقصى ومن فوقهما من أجداده وخالاته من والدته أم أمه وأمها ومن فوقهما من جداته من قبلها وبنات الأخ كل ما ولد الأخ لأبيه أو لأمه أو لهما من ولد ولدته والدته فكلهم بنو أخيه وإن تسفلوا وهكذا بنات الأخت ( قال الشافعي ) وحرم الله تعالى الأخت من الرضاعة فاحتمل تحريمها معنيين أحدهما إذ ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرضاعة فأقامهما في التحريم مقام الأم والأخت من النسب أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام النسب فما حرم بالنسب حرم بالرضاع مثله وبهذا نقول بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس على القرآن والآخر أن يحرم من الرضاع الأم والأخت ولا يحرم سواهما ( قال الشافعي ) فإن قال قائل فأين دلالة السنة بأن الرضاعة تقوم مقام النسب ؟ قيل له إن شاء الله تعالى : أخبرنا مالك بن أنس بن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة }



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #192  
قديم 18-11-2022, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,521
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (192)
صــــــــــ 26 الى صـــــــــــ 33



أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر { عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها [ ص: 26 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة فقالت عائشة فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة فقلت يا رسول الله لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة أيدخل علي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة } أخبرنا ابن عيينة قال سمعت ابن جدعان قال سمعت ابن المسيب يحدث { عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله هل لك في ابنة عمك بنت حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش فقال أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة وأن الله تعالى حرم من الرضاعة ما حرم من النسب } ؟ أخبر الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة ؟ مثل حديث سفيان في بنت حمزة ( قال الشافعي ) وفي نفس السنة أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة وأن لبن الفحل يحرم كما يحرم ولادة الأب يحرم لبن الأب لا اختلاف في ذلك أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عمرو بن الشريد أن ابن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاما وأرضعت الأخرى جارية فقيل له هل يتزوج الغلام الجارية ؟ فقال لا ، اللقاح واحد أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن لبن الفحل أيحرم ؟ فقال نعم فقلت له أبلغك من ثبت ؟ فقال نعم قال ابن جريج قال عطاء { وأخواتكم من الرضاعة } فهي أختك من أبيك ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عمرو بن دينار أخبره أنه سمع أبا الشعثاء يرى لبن الفحل يحرم ، وقال ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال لبن الفحل يحرم .
( قال الشافعي ) وإذا تزوج الرجل المرأة فماتت أو طلقها قبل أن يدخل بها لم أر له أن ينكح أمها لأن الأم مبهمة التحريم في كتاب الله عز وجل ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب ( قال الشافعي ) وهذا قول الأكثر من المفتين وقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد ، قال سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة ففارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها ؟ فقال زيد بن ثابت لا الأم مبهمة ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب ( قال الشافعي ) وهكذا أمهاتها وإن بعدن وجداتها لأنهن من أمهات نسائه .
( قال الشافعي ) وإذا تزوج الرجل المرأة فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فكل بنت لها وإن سفلن حلال لقول الله عز وجل { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } فلو نكح امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ثم نكح ابنتها حرمت عليه أم امرأته وإن لم يدخل بامرأته لأنها صارت من أمهات نسائه وقد كانت قبل من نسائه غير أنه لم يدخل بها ولو كان دخل بالأم لم تحل له البنت ولا أحد ممن ولدته البنت أبدا لأنهن ربائبه من امرأته التي دخل بها قال الله عز وجل { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } فأي امرأة نكحها رجل حرمت على أبيه دخل بها الابن أو لم يدخل وكذلك تحرم على جميع آبائه من قبل أبيه وأمه لأن الأبوة تجمعهم معا وكذلك كل من نكح ولد ولده من قبل النساء والرجال وإن سفلوا لأن الأبوة تجمعهم معا قال الله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } فأي امرأة نكحها رجل حرمت على ولده دخل بها الأب أو لم يدخل بها وكذلك ولد ولده من قبل الرجال والنساء وإن سفلوا لأن الأبوة تجمعهم معا .
( قال الشافعي ) وكل امرأة أب أو ابن حرمتها على ابنه أو أبيه بنسب فكذلك أحرمها إذا كانت امرأة أب أو ابن من الرضاع فإن قال قائل إنما قال الله تبارك وتعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } فكيف حرمت حليلة الابن من الرضاعة ؟ قيل بما وصفت من جمع الله بين الأم والأخت من الرضاعة والأم والأخت من النسب في [ ص: 27 ] التحريم ثم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } فإن قال فهل تعلم فيم أنزلت { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } قيل الله تعالى أعلم فيم أنزلها فأما معنى ما سمعت متفرقا فجمعته فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد نكاح ابنة جحش فكانت عند زيد بن حارثة فكان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه فأمر الله تعالى في ذكره أن يدعى الأدعياء لآبائهم { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين } وقال { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } إلى قوله مواليكم وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج } الآية ( قال الشافعي ) فأشبه والله تعالى أعلم أن يكون قوله { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } دون أدعيائكم الذين تسمونهم أبناءكم ولا يكون الرضاع من هذا في شيء وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياسا عليه وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة } .

( قال الشافعي ) في قول الله عز وجل { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } وفي قوله { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه وكان الرجل يجمع بين الأختين فنهى الله عز وجل عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه ليس أنه أقر في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الإسلام كما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الإسلام بحال .

( قال الشافعي ) وما حرمنا على الآباء من نساء الأبناء وعلى الأبناء من نساء الآباء وعلى الرجل من أمهات نسائه وبنات نسائه اللاتي دخل بهن بالنكاح فأصيب فأما بالزنا فلا حكم للزنا يحرم حلالا فلو زنى رجل بامرأة لم تحرم عليه ولا على ابنه ولا على أبيه وكذلك لو زنى بأم امرأته أو بنت امرأته لم تحرم عليه امرأته وكذلك لو كانت تحته امرأة فزنى بأختها لم يجتنب امرأته ولم يكن جامعا بين الأختين وإن كانت الإصابة بنكاح فاسد احتمل أن يحرم من قبل أنه يثبت فيه النسب ويؤخذ فيه المهر ويدرأ فيه الحد وتكون فيه العدة وهذا حكم الحلال وأحب إلي أن يحرم به من غير أن يكون واضحا فلو نكح رجل امرأة نكاحا فاسدا فأصابها لم يحل له - عندي - أن ينكح أمها ولا ابنتها .

ولا ينكحها أبوه ولا ابنه وإن لم يصب الناكح نكاحا فاسدا لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئا من قبل أن حكمه لا يكون فيه صداق ولا يلحق فيه طلاق ولا شيء مما بين الزوجين .

( قال الشافعي ) وقد قال غيرنا لا يحرم النكاح الفاسد وإن كان فيه الإصابة كما لا يحرم الزنا لأنها ليست من الأزواج ألا ترى أن الطلاق لا يلحقها ولا ما بين الزوجين ، وقد قال غيرنا وغيره : كل ما حرمه الحلال فالحرام أشد له تحريما .

( قال الشافعي ) وقد وصفنا في كتاب الاختلاف ، ذكر هذا وغيره . وجماعة أن الله عز وجل إنما أثبت الحرمة بالنسب والصهر وجعل ذلك نعمة من نعمه على خلقه فمن حرم من النساء على الرجال فيحرمه الرجال عليهن ولهن على الرجال من الصهر كحرمة النسب وذلك أنه رضي النكاح وأمر به وندب إليه فلا يجوز أن تكون الحرمة التي أنعم الله تعالى بها على أن من أبى شيئا دعاه الله تعالى إليه كالزاني العاصي لله الذي حده الله وأوجب له النار إلا أن يعفوا عنه وذلك أن التحريم بالنكاح إنما هو نعمة لا نقمة فالنعمة التي تثبت بالحلال لا تثبت بالحرام الذي جعل الله فيه النقمة عاجلا وآجلا وهكذا لو زنى رجل بأخت امرأته لم يكن هذا جمعا بينهما ولم يحرم عليه أن ينكح أختها التي زنى بها مكانها .
( قال الشافعي ) وإذا حرم من الرضاع ما حرم من النسب لم يحل له أن ينكح من بنات الأم التي أرضعته وإن سفلن وبنات [ ص: 28 ] بنيها وبناتها وكل من ولدته من قبل ولد ذكر أو أنثى امرأة وكذلك أمهاتها وكل من ولد لها لأنهن بمنزلة أمهاته وأخواته وكذلك أخواتها لأنهن خالاته وكذلك عماتها وخالاتها لأنهن عمات أمه وخالات أمه وكذلك ولد الرجل الذي أرضعته لبنه وأمهاته وأخواته وخالاته وعماته وكذلك من أرضعته بلبن الرجل الذي أرضعته من الأم التي أرضعته أو غيرها وكذلك من أرضع بلبن ولد المرأة التي أرضعته من أبيه الذي أرضعه بلبنه أو زوج غيره .
( قال الشافعي ) وإذا أرضعت المرأة مولودا فلا بأس أن يتزوج المرأة المرضع أبوه ويتزوج ابنتها وأمها لأنها لم ترضعه هو كذلك إن لم يتزوجها الأب فلا بأس أن يتزوجها أخو المرضع الذي لم ترضعه هو لأنه ليس ابنها ، وكذلك يتزوج ولدها ولا بأس أن يتزوج الغلام المرضع ابنة عمه وابنة خاله من الرضاع كما لا يكون بذلك بأس من النسب ولا يجمع الرجل بين الأختين من الرضاعة بنكاح ولا وطء ملك وكذلك المرأة وعمتها من الرضاعة يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وذوات المحرم من الرضاعة مما يحرم من نكاحهن ويسافر بهن كذوات المحرم من النسب وسواء رضاعة الحرة والأمة والذمية كلهن أمهات وكلهن يحرمن كما تحرم الحرة لا فرق بينهن وسواء وطئت الأمة بملك أو نكاح كل ذلك يحرم ولا بأس أن يتزوج الرجل المرأة وامرأة أبيها من الرضاع والنسب .
( قال الشافعي ) ولو شرب غلام وجارية لبن بهيمة من شاة أو بقرة أو ناقة لم يكن هذا رضاعا إنما هذا كالطعام والشراب ولا يكون محرما بين من شربه إنما يحرم لبن الآدميات لا البهائم وقال الله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } وقال في الرضاعة { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وقال عز ذكره { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } ( قال الشافعي ) فأخبر الله عز وجل أن كمال الرضاع حولان وجعل على الرجل يرضع له ابنه أجر المرضع والأجر على الرضاع لا يكون إلا على ما له مدة معلومة .
( قال الشافعي ) والرضاع اسم جامع يقع على المصة وأكثر منها إلى كمال رضاع الحولين ويقع على كل رضاع وإن كان بعد الحولين ( قال الشافعي ) فلما كان هكذا وجب على أهل العلم طلب الدلالة هل يحرم الرضاع بأقل ما يقع عليه اسم الرضاع أو معنى من الرضاع دون غيره ؟ ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة { عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان فيما أنزل الله تعالى في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن } أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها كانت تقول نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم صيرن إلى خمس يحرمن فكان لا يدخل على عائشة إلا من استكمل خمس رضعات . أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج أظنه عن أبي هريرة قال { لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء } أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تحرم المصة والمصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان } أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالما خمس رضعات تحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه ابنا } . أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أني لم يتم لي عشر رضعات .

( قال الشافعي ) أمرت به [ ص: 29 ] عائشة أن يرضع عشرا لأنها أكثر الرضاع ولم يتم له خمس فلم يدخل عليها ولعل سالما أن يكون ذهب عليه قول عائشة في العشر الرضعات فنسخن بخمس معلومات فحدث عنها بما علم من أنه أرضع ثلاثا فلم يكن يدخل عليها وعلم أن ما أمرت أن يرضع عشرا فرأى أنه إنما يحل الدخول عليها عشر وإنما أخذنا بخمس رضعات عن النبي صلى الله عليه وسلم بحكاية عائشة أنهن يحرمن وأنهن من القرآن ( قال الشافعي ) ولا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات متفرقات ، وذلك أن يرضع المولود ثم يقطع الرضاع ثم يرضع ، ثم يقطع الرضاع فإذا رضع في واحدة منهن ما يعلم أنه قد وصل إلى جوفه ما قل منه وكثر فهي رضعة ، وإذا قطع الرضاع ثم عاد لمثلها أو أكثر فهي رضعة .
( قال الشافعي ) وإن التقم المرضع الثدي ثم لها بشيء قليلا ثم عاد كانت رضعة واحدة ولا يكون القطع إلا ما انفصل انفصالا بينا كما يكون الحالف لا يأكل بالنهار إلا مرة فيكون يأكل ويتنفس بعد الازدراد إلى أن يأكل فيكون ذلك مرة وإن طال ( قال الشافعي ) ولو قطع ذلك قطعا بينا بعد قليل أو كثير من الطعام ثم أكل كان حانثا وكان هذا أكلتين .
( قال الشافعي ) ولو أخذ ثديها الواحد فأنفد ما فيه ثم تحول إلى الآخر مكانه فأنفد ما فيه كانت هذه رضعة واحدة لأن الرضاع قد يكون بقية النفس والإرسال والعودة كما يكون الطعام والشراب بقية النفس وهو طعام واحد ولا ينظر في هذا إلى قليل رضاعه ولا كثيره إذا وصل إلى جوفه منه شيء فهو رضعة وما لم يتم خمسا لم يحرم بهن ( قال الشافعي ) والوجور كالرضاع وكذلك السعوط لأن الرأس جوف ( قال الشافعي ) فإن قال قائل : فلم لم تحرم برضعة واحدة وقد قال بعض من مضى أنها تحرم ؟ قيل بما حكينا أن عائشة تحكي أن الكتاب يحرم عشر رضعات ثم نسخن بخمس وبما حكينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان } وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرضع سالم خمس رضعات يحرم بهن فدل ما حكت عائشة في الكتاب وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرضاع لا يحرم به على أقل اسم الرضاع ولم يكن في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة وقد قال بعض من مضى بما حكت عائشة في الكتاب ثم في السنة والكفاية فيما حكت عائشة في الكتاب ثم في السنة فإن قال قائل فما يشبه هذا ؟ قيل قول الله عز وجل { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } فسن النبي صلى الله عليه وسلم القطع في ربع دينار وفي السرقة من الحرز وقال تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فرجم النبي صلى الله عليه وسلم الزانيين الثيبين ولم يجلدهما فاستدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المراد بالقطع من السارقين والمائة من الزناة بعض الزناة دون بعض وبعض السارقين دون بعض لا من لزمه اسم سرقة وزنا فهكذا استدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض لا من لزمه اسم رضاع . .
رضاعة الكبير

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد كان شهد بدرا وكان قد تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 30 ] زيد بن حارثة فأنكح أبو حذيفة سالما وهو يرى أنه ابنه فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهي يومئذ من المهاجرات الأول وهي يومئذ من أفضل أيامى قريش { فلما أنزل الله عز وجل في زيد بن حارثة ما أنزل فقال { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } رد كل واحد من أولئك من تبنى إلى أبيه ، فإن لم يعلم أباه رده إلى المولى فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة وهي من بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه ابنا من الرضاعة فأخذت عائشة بذلك فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال والنساء وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم وحده من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد } فعلى هذا من الخبر كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير ( قال الشافعي ) وهذا والله تعالى أعلم في سالم مولى أبي حذيفة خاصة ( قال الشافعي ) فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ( قال الشافعي ) فذكرت حديث سالم الذي يقال له مولى أبي حذيفة عن أم سلمة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضعه خمس رضعات يحرم بهن } ، قالت أم سلمة في الحديث وكان ذلك في سالم خاصة وإذا كان هذا لسالم خاصة فالخاص لا يكون إلا مخرجا من حكم العام وإذا كان مخرجا من حكم العام فالخاص غير العام ولا يجوز في العام إلا أن يكون رضاع الكبير لا يحرم ولا بد إذا اختلف الرضاع في الصغير والكبير من طلب الدلالة على الوقت الذي إذا صار إليه المرضع فأرضع لم يحرم .

( قال ) والدلالة على الفرق بين الصغير والكبير موجودة في كتاب الله عز وجل . قال الله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } فجعل الله عز وجل تمام الرضاع حولين كاملين . وقال { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما } يعني والله تعالى أعلم قبل الحولين فدل على أن إرخاصه عز وجل في فصال الحولين على أن ذلك إنما يكون باجتماعهما على فصاله قبل الحولين وذلك لا يكون والله تعالى أعلم إلا بالنظر للمولود من والديه أن يكونا يريان أن فصاله قبل الحولين خير له من إتمام الرضاع له لعلة تكون به أو بمرضعته وأنه لا يقبل رضاع غيرها أو ما أشبه هذا . وما جعل الله تعالى له غاية بالحكم بعد مضي الغاية فيه غيره قبل مضيها . فإن قال قائل وما ذلك ؟ قيل قال الله تعالى { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } الآية فكان لهم أن يقصروا مسافرين وكان في شرط القصر لهم بحال موصوفة دليل على أن حكمهم في غير تلك الصفة غير القصر . وقال تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فكن إذا مضت الثلاثة الأقراء فحكمهن بعد مضيها غير حكمهن فيها ( قال الشافعي ) فإن قال قائل فقد قال عروة قال غير عائشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما نرى هذا من النبي صلى الله عليه وسلم إلا رخصة في سالم . قيل : فقول عروة عن جماعة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة لا يخالف قول زينب عن أمها أن ذلك رخصة مع قول أم سلمة في الحديث هو خاصة وزيادة قول غيرها ما نراه إلا رخصة مع ما وصفت من دلالة القرآن وإني قد حفظت عن عدة ممن لقيت من أهل العلم أن رضاع سالم خاص . فإن قال [ ص: 31 ] قائل : فهل في هذا خبر عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما قلت في رضاع الكبير ؟ قيل نعم : أخبرنا مالك عن أنس عن عبد الله بن دينار قال جاء رجل إلى ابن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير فقال ابن عمر جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال كانت لي وليدة فكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت دونك فقد والله أرضعتها . فقال عمر بن الخطاب أوجعها وائت جاريتك فإنما الرضاع رضاع الصغير . أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول لا رضاع إلا لمن أرضع في الصغر أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا موسى قال رضاعة الكبير ما أراها إلا تحرم فقال ابن مسعود انظر ما يفتي به الرجل فقال أبو موسى فما تقول أنت ؟ فقال لا رضاعة إلا ما كان في الحولين فقال أبو موسى لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم .

( قال الشافعي ) فجماع فرق ما بين الصغير والكبير أن يكون الرضاع في الحولين فإذا أرضع المولود في الحولين خمس رضعات كما وصفت فقد كمل رضاعه الذي يحرم .
( قال الشافعي ) وسواء أرضع المولود أقل من حولين ثم قطع رضاعه ثم أرضع قبل الحولين أو كان رضاعه متتابعا حتى أرضعته امرأة أخرى في الحولين خمس رضعات ولو توبع رضاعه فلم يفصل ثلاثة أحوال أو حولين أو ستة أشهر أو أقل أو أكثر فأرضع بعد الحولين لم يحرم الرضاع شيئا وكان بمنزلة الطعام والشراب ، ولو أرضع في الحولين أربع رضعات وبعد الحولين الخامسة وأكثر لم يحرم ولا يحرم من الرضاع إلا ما تم خمس رضعات في الحولين ، وسواء فيما يحرم الرضاع والوجور ، وإن خلط للمولود لبن في طعام فيطعمه كان اللبن الأغلب أو الطعام إذا وصل اللبن إلى جوفه وسواء شيب له اللبن بماء كثير أو قليل إذا وصل إلى جوفه فهو كله كالرضاع ولو جبن له اللبن فأطعم جبنا كان كالرضاع ، وكذلك لو استسعطه لأن الرأس جوف ولو حقنه كان في الحقنة قولان : أحدهما أنه جوف وذلك أنها تفطر الصائم لو احتقن ، والآخر أن ما وصل إلى الدماغ كما وصل إلى المعدة لأنه يغتذى من المعدة وليست كذلك الحقنة .
( قال الشافعي ) ولو أن صبيا أطعم لبن امرأة في طعام مرة وأوجره أخرى وأسعطه أخرى ، وأرضع أخرى ، ثم أوجره وأطعم حتى يتم له خمس مرات كان هذا الرضاع الذي يحرم كل واحد من هذا يقوم مقام صاحبه وسواء لو كان من صنف هذا خمس مرارا أو كان هذا من أصناف شتى ، وإذا لم تتم له الخامسة إلا بعد استكمال سنتين لم يحرم ، وإن تمت له الخامسة حين يرضع الخامسة فيصل اللبن إلى جوفه أو ما وصفت أنه يقوم مقام الرضاع مع مضي سنتين قبل كمالها فقد حرم وإن كان ذلك قبل كمالها بطرفة عين أو مع كمالها إذا لم يتقدم كمالها . .
في لبن المرأة والرجل

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : واللبن إذا كان من حمل ولا أحسبه يكون إلا من حمل فاللبن للرجل والمرأة كما يكون الولد للرجل والمرأة فانظر إلى المرأة ذات اللبن ، فإن كان لبنها نزل بولد من رجل نسب ذلك الولد إلى والد لأن حمله من الرجل فإن رضع به مولود فالمولود أو المرضع بذلك اللبن ابن الرجل الذي الابن ابنه من النسب كما يثبت للمرأة وكما يثبت الولد منه ومنها ، وإن كان اللبن الذي أرضعت به المولود لبن ولد لا يثبت نسبه من الرجل الذي الحمل منه فأسقط اللبن فلا يكون المرضع [ ص: 32 ] ابن الذي الحمل منه إذا سقط النسب الذي هو أكبر منه سقط اللبن الذي أقيم مقام النسب في التحريم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } وبحكاية عائشة تحريمه في القرآن .
( قال الشافعي ) فإن ولدت امرأة حملت من الزنا اعترف الذي زنا بها أو لم يعترف فأرضعت مولودا فهو ابنها ولا يكون ابن الذي زنى بها وأكره له في الورع أن ينكح بنات الذي ولد له من زنا كما أكرهه للمولود من زنا وإن نكح من بناته أحدا لم أفسخه لأنه ليس بابنه في حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل : فهل من حجة فيما وصفت ؟ قيل نعم : { قضى النبي صلى الله عليه وسلم بابن أمة زمعة لزمعة وأمر سودة أن تحتجب منه لما رأى منه من شبهه بعتبة فلم يرها } وقد قضى أنه أخوها حتى لقيت الله عز وجل لأن ترك رؤيتها مباح وإن كان أخا لها وكذلك ترك رؤية المولود من نكاح أخته مباح وإنما منعني من فسخه أنه ليس بابنه إذا كان من زنا .
( قال الشافعي ) ولو أن بكرا لم تمسس بنكاح ولا غيره أو ثيبا ولم يعلم لواحدة منهما حمل نزل لهما لبن فحلب فخرج لبن فأرضعتا به مولودا خمس رضعات كان ابن كل واحدة منهما ولا أب له وكان في غير معنى ولد الزنا وإن كانت له أم ولا أب له لأن لبنه الذي أرضع به لم ينزل من جماع .
( قال الشافعي ) ولو أن امرأة أرضعت ولا يعرف لها زوج ثم جاء رجل فادعى أنه كان نكحها صحيحا وأقر بولدها وأقرت له بالنكاح فهو ابنها كما يكون الولد .
( قال الشافعي ) ولو أن امرأة نكحت نكاحا فاسدا فولدت من ذلك النكاح ولدا وكان النكاح بغير ولي أو بغير شهود عدول أو أي نكاح فاسد ما كان ما خلا أن تنكح في عدتها من زوج يلحق به النسب أو حملت فنزل لها لبن فأرضعت به مولودا كان ابن الرجل الناكح نكاحا فاسدا والمرأة المرضع كما يكون الحمل ابن الناكح نكاحا صحيحا .
( قال الشافعي ) ولو أن امرأة نكحت في عدتها - من وفاة زوج صحيح أو فاسد أو طلاقه - رجلا ودخل بها في عدتها فأصابها فجاءت بحمل فنزل لها لبن أو ولدت فأرضعت بذلك اللبن مولودا كان ابنها وكان أشبه عندي والله تعالى أعلم أن يكون موقوفا في الرجلين معا حتى يرى ابنها القافة فأي الرجلين ألحقته القافة لحق الولد وكان المرضع ابن الذي يلحق به الولد وسقطت عنه أبوة الذي سقط عنه نسب الولد .
( قال الشافعي ) ولو كان حمل المرأة سقطا لم يبن خلقه أو ولدت ولدا فمات قبل أن يراه القافة فأرضعت مولودا لم يكن المولود المرضع ابن واحد منهما دون الآخر في الحكم كما لا يكون المولود ابن واحد منهما دون الآخر في الحكم ، والورع أن لا ينكح ابنة واحد منهما وأن لا يرى واحد منهما بناته حسرا ولا المرضعة إن كانت جارية ولا يكون مع هذا محرما لهن يخلو أو يسافر بهن ولو كان المولود عاش حتى تراه القافة فقالوا هو ابنهما معا فأمر المولود موقوف فينتسب إلى أيهما شاء فإذا انتسب إلى أحدهما انقطع عنه أبوة الذي ترك الانتساب إليه ، ولا يكون له أن يترك الانتساب إلى أحدهما دون الآخر يجبر أن ينتسب إلى أحدهما ، وإن مات قبل أن ينتسب أو بلغ معتوها لم يلحق بواحد منهما حتى يموت وله ولد فيقوم ولده مقامه في أن ينتسبوا إلى أحدهما أو لا يكون له ولد فيكون ميراثه موقوفا ( قال الشافعي ) وهذا موضع فيه قولان : أحدهما أن المرضع مخالف للابن لأنه يثبت للابن على الأب وللأب على الابن حقوق الميراث والعقل والولاية للدم ونكاح البنات وغير ذلك من أحكام البنين ولا يثبت للمرضع على ابنه الذي أرضعه ولا لابنه الذي أرضعه عليه من ذلك شيء ، ولعل العلة في الامتناع من أن يكون ابنهما معا لهذا السبب ، فمن ذهب هذا المذهب جعل المرضع ابنهما معا ولم يجعل له الخيار في أن يكون ابن أحدهما دون الآخر وقال ذلك في المسائل قبله التي في معناها . والقول الثاني : أن يكون الخيار للولد فأيهما اختار الولد أن يكون أباه فهو أبوه وأبو [ ص: 33 ] المرضع ولا يكون للمرضع أن يختار غير الذي اختار المولود لأن الرضاع تبع للنسب فإن مات المولود ولم يختر كان للمرضع أن يختار أحدهما فيكون أباه وينقطع عنه أبوة الآخر والورع أن لا ينكح بنات الآخر ولا يكون لهن محرما يراهن بانقطاع أبوته عنه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #193  
قديم 18-11-2022, 11:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,521
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (193)
صــــــــــ 34 الى صـــــــــــ 41



( قال الشافعي ) وإذا أرضعت المرأة رجلا بلبن ولد فانتفى أبو المولود منه فلاعنها فنفي عنه نسبه لم يكن أبا للمرضع فإن رجع الأب ينسبه إليه ضرب الحد ولحق به الولد ورجع إليه أن يكون أبا المرضع من الرضاعة .
( قال الشافعي ) ولو أن امرأة طلقها زوجها وقد دخل بها أو مات عنها وهي ترضع وكانت تحيض في رضاعها ذلك ثلاث حيض ولبنها دائم أرضعت مولودا فالمولود ابنها وابن الزوج الذي طلق أو مات واللبن منه لأنه لم يحدث لها زوج غيره .
( قال الشافعي ) ولو تزوجت زوجا بعد انقطاع لبنها أو قبله ثم انقطع لبنها وأصابها الزوج فثاب لبنها ولم يظهر بها حمل فاللبن من الزوج الأول ومن أرضعت فهو ابنها وابن الزوج الأول ولا يكون ابن الآخر ( قال الشافعي ) ولو أحبلها الزوج الآخر بعد انقطاع لبنها من الزوج الأول فثاب لبنها سئل النساء عن الوقت الذي يثوب فيه اللبن ويبين الحمل فإن قلن الحمل لو كان من امرأة بكر أو ثيب ولم تلد قط أو امرأة قد ولدت لم يأت لها لبن في هذا الوقت إنما يأتي لبنها في الثامن من شهورها أو التاسع فاللبن للأول فإن دام فهو ابن للأول ما بينه وبين أن يبلغ الوقت الذي يكون لها فيه لبن من حملها الآخر ( قال الشافعي ) وإذا ثاب لها اللبن في الوقت الذي يكون لها فيه لبن من حملها الآخر كان اللبن من الأول بكل حال لأني على علم من لبن الأول وفي شك من أن يكون خلطه لبن الآخر فلا أحرم بالشك شيئا وأحب له أن يتوقى في بنات الزوج الآخر في هذا الوقت .
( قال الشافعي ) ولو شك رجل أن تكون امرأة أرضعته خمس رضعات قلت : الورع أن يكف عن رؤيتها حاسرا ولا يكون محرما لها بالشك ، ولو نكحها أو أحدا من بناتها لم أفسخ النكاح لأني على غير يقين من أنها أم ( قال الشافعي ) ولو كان لبنها انقطع فلم يثب حتى كان هذا الحمل الآخر في وقت يمكن أن يثوب فيه اللبن من الآخر ففيها قولان . أحدهما أن اللبن بكل حال من الأول وإن ثاب بتحريك نطفة الآخر فهو كما يثوب بأن ترحم المولود فتدر عليه وتشرب الدواء أو تأكل الطعام الذي يزيد في اللبن فتدر عليه . والقول الثاني أنه إذا انقطع انقطاعا بينا ثم ثاب فهو من الآخر وإن كان لا يثوب بحال من الآخر لبن ترضع به حتى تلد أمه فهو من الأول في جميع هذه الأقاويل وإن كان لا يثوب شيء ترضع به وإن قل فهو منهما معا فمن لم يفرق بين اللبن والولد قال هو للأول أبدا لأنه لم يحدث ولدا ولم يكن ابن لآخر إذا كان ابن الأول من الرضاعة ومن فرق بينهما قال هو منهما معا .
( قال الشافعي ) وإن طلقت امرأة فلم ينقطع لبنها وكانت تحيض وهي ترضع فحاضت ثلاث حيض ونكحت زوجا فدخل بها فأصابها فحملت فلم ينقطع اللبن حتى ولدت فالولاد قطع اللبن الأول ومن أرضعته فهو ابنها وابن الزوج الآخر لا يحل له أحد ولدته ولا ولده الزوج الآخر لأنه أبوه ويحل له ولد الأول من غير المرأة التي أرضعته لأنه ليس بأبيه .
( قال الشافعي ) ولو أرضعت امرأة صبيا أربع رضعات ثم حلب منها لبن ثم ماتت فأوجره الصبي بعد موتها كان ابنها كما يكون ابنها لو أرضعته خمسا في الحياة .

( قال الشافعي ) ولو رضعها الخامسة بعد موتها أو حلب له منها لبن بعد موتها فأوجره لم يحرم لأنه لا يكون للميت فعل له حكم بحال ولو كانت نائمة فحلبت فأوجره صبي حرم لأن لبن الحية يحل ولا يحل لبن الميتة وأن الحية النائمة يكون لها جناية بأن تنقلب على إنسان أو تسقط عليه فتقتله فيكون فيه العقل ولو تعقل إنسان بميتة أو سقطت عليه فقتلته لم يكن له عقل لأنها لا جناية لها ( قال الشافعي ) ولو كانت لم تكمل خمس رضعات فحلب لها لبن كثير فقطع ذلك اللبن [ ص: 34 ] فأوجره صبي مرتين أو ثلاثا حتى يتم خمس رضعات لم يحرم لأنه لبن واحد ولا يكون إلا رضعة واحدة وليس كاللبن يحدث في الثدي كلما خرج منه شيء حدث غيره فيفرق فيه الرضاع حتى يكون خمسا ( قال الربيع ) وفي قول آخر أنه إذا حلب منها لبن فأرضع به الصبي مرة بعد مرة فكل مرة تحسب رضعة إذا كان بين كل رضعتين قطع بين فهو مثل الغذاء إذا تغذى به ثم قطع الغذاء البين وإن كان ثم عاد له كان أكلتين وإن كان الطعام واحدا ، وكذلك إذا قطع عن الصبي الرضاع القطع البين وإن كان اللبن واحدا .
( قال الشافعي ) ولو تزوج رجل صبية ثم أرضعتها أمه التي ولدته أو أمه من الرضاعة أو ابنته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه من نسب أو رضاع بلبن ابنه حرمت عليه الصبية أبدا وكان لها عليه نصف المهر ورجع على التي أرضعتها بنصف صداق مثلها تعمدت إفساد النكاح أو لم تتعمده لأن كل من أفسد شيئا ضمن قيمة ما أفسد تعمد الفساد أو لم يتعمده وقيمته نصف صداق مثلها لأن ذلك قيمة ما أفسدت منها مما يلزم زوجها كان أكثر من نصف ما أصدقها أو أقل إن كان أصدقها شيئا أو لم يسم لها صداقا لأن ذلك أقل ما كان وجب لها عليه بكل حال إذا لم يكن هو طلقها قبل أن يسمي لها شيئا ( قال الشافعي ) وإنما منعني أن ألزمه مهرها كله أن الفرقة إذا وقعت بإرضاعها ففساد نكاحها غير جناية إلا بمعنى إفساد النكاح وإفساد النكاح كان بالرضاع الذي كان قبل نكاحه جائزا لها وبعد نكاحه إلا بمعنى أن يكون فسادا عليه فلما كان فسادا عليه ألزمتها ما كان لازما للزوج في أصل النكاح وذلك نصف مهر مثلها وإنما منعني أن ألزمها نصف المهر الذي لزمه بتسميته أنه شيء حابى به في ماله وإنما يغرم له إذا أفسد عليه ثمن ما استهلك عليه مما لزمه ولا أزيد عليها في ذلك شيئا على ما لزمه كما لو اشترى سلعة بمائة استهلكها وقيمتها خمسون لم يغرم مائة . وإنما منعني أن أغرمها الأقل من نصف مهر مثلها أو ما سمى لها أن أباها لو حاباه في صداقها كان عليه نصف مهر مثلها فلم أغرمها إلا ما يلزمه أو أقل منه إن كان قيمة نصف مهر مثلها أقل مما أصدقها وإنما منعني من أن أسقط عنها الغرم وإن كان لم يفرض لها صداقا أنه كان حقا لها عليه مثل نصف مهر مثلها إن طلقها ولأني لا أجيز لأبيها المحاباة في صداقها فإنما أغرمتها ما لزمه بكل حال وأبطلت عنها محاباته كهبته وإنما يكون للمرأة المتعة إذا طلقت ولم يسم لها إذا كانت تملك مالها كما يكون العفو لها فأما الصبية فلا تملك مالها ولا يكون لأبيها المحاباة في مالها .
( قال الشافعي ) ولو تزوج امرأة فلم يصبها حتى تزوج عليها صبية ترضع فأرضعتها حرمت عليه المرأة الأم بكل حال لأنها من أمهات نسائه ولا نصف مهر ولا متعة لها لأنها أفسدت نكاح نفسها ويفسد نكاح الصبية بلا طلاق لأنها صارت في ملكه وأمها معها ولأن التي أرضعتها لم تصر أمها وهذه ابنتها إلا في وقت فكانتا في هذا الموضع كمن ابتدأ نكاح امرأة وابنتها فلها نصف المهر بفساد النكاح فيرجع على امرأته التي أرضعتها بنصف مهر مثلها .
( قال الشافعي ) ولو كان نكح صبيتين فأرضعتهما امرأته الرضعة الخامسة جميعا معا فسد نكاح الأم كما وصفت ونكاح الصبيتين معا ولكل واحدة منهما نصف المهر الذي سمى لها ويرجع على امرأته بمثل نصف مهر كل واحدة منهما ، فإن لم يكن سمى لها مهرا كان لكل واحدة منهما نصف مهر مثلها وتحل له كل واحدة منهما على الانفراد لأنهما ابنتا امرأة لم يدخل بها ، ولو كانت له ثلاث زوجات صبايا فأرضعت اثنتين الرضعة الخامسة معا ثم أزالت الواحدة فأرضعت الثالثة لم تحرم الثالثة وحرمت الاثنتان اللتان أرضعتا الخامسة معا لأن الثالثة لم ترضع إلا بعدما حرمت هاتان وحرمت الأم عليه فكانت الثالثة غير أخت للمرأتين إلا بعد ما حرمتا عليه وغير مرضعة الرضعة الخامسة من الأم إلا بعدما بانت الأم منه ولو أرضعت إحداهن الرضعة الخامسة . ثم [ ص: 35 ] أرضعت الأخريين الرضعة الخامسة حرمت عليه الأم ساعة أرضعت الأولى الرضعة الخامسة لأنها صارت من أمهات نسائه والمرضعتان الرضعة الخامسة معا للأم ولم تكن أما إلا والابنة معقود عليها نكاح الرجل في وقت واحد والاثنتان أختان فينفسخ نكاحهما معا وحرمت الاثنتان بعد حين صارتا أختين معا ويخطب كل واحدة منهما على الانفراد وإن أرضعت الأخريين بعد متفرقين لم تحرما عليه معا لأنها لم ترضع واحدة منهما إلا بعدما بانت منه هي والأولى ولكن ثبتت عقدة التي أرضعتها بعد ما بانت الأولى ويسقط نكاح التي أرضعت بعدها لأنها أخت امرأته فكانت كامرأة نكحت على أختها ( قال الربيع ) وفيه قول آخر أنها إذا أرضعت الرابعة خمس رضعات فقد أكملت الثالثة والرابعة خمس رضعات وبهن حرمت الرابعة فكأنه جامع بين الأختين من الرضاعة فينفسخن معا ويتزوج من شاء منهن ( قال الشافعي ) ولو أرضعت واحدة خمس رضعات ثم أرضعت الأخريين خمسا معا حرمت عليه الأم بكل حال وانفسخ عليه نكاح البنت الأولى مع الأم وحرمت الأخريان لأنهما صارتا أختين في وقت معا .
( قال الشافعي ) ولو كن ثلاثا صغارا وواحدة لم يدخل بها ولها بنات مراضع فأرضعت البنات الصغار واحدة بعد أخرى فسد نكاح الأم ولم يحل بحال ولها نصف المهر ويرجع الزوج على التي أكملت أولا خمس رضعات لأي نسائه أكملت بنصف مهر مثلها ونصف مهر مثل أمها فإن كن أكملن إرضاعهن معا انفسخ نكاحهن معا ويرجع على كل واحدة منهن بنصف مهر التي أرضعت ( قال الشافعي ) ولو كانت واحدة فأكملت رضاعها خمسا قبل تبين فسخ نكاح التي أكملت رضاعها أولا ولا ينفسخ نكاح التي أكملت رضاعها بعدها لأنها لم ترضع حتى بانت أمها وأختها منه ثم يفسخ نكاح التي أكملت رضاعها بعدها ، لأنها صارت أخت امرأة له ثابتة النكاح فكانت كالأخت المنكوحة على أختها ( قال الشافعي ) وكذلك بناتها من الرضاعة وبنات بناتها كلهن يحرم من رضاعهن كما يحرم من رضاعها ( قال الشافعي ) ولو كان دخل بامرأته وكانت أرضعتهن أو أرضعهن ولدها كان لها المهر بالمسيس وحرمت عليه التي أرضعتها وأرضعها ولدها وسواء كانت أرضعت الاثنين معا أو أرضعتهن ثلاثتهن معا أو متفرقات يفسد نكاحهن على الأبد لأنهن بنات امرأة فدخل بها وكذلك كل من أرضعته تلك المرأة وولدها ( قال الشافعي ) ولو كانت المسألة بحالها ولم يدخل بامرأته فأرضعتهن أم امرأته أو جدتها أو أختها أو بنت أختها كان القول كالقول في بناتها إذا أرضعتهن ولم ترضع هي يفسد نكاحها ويكون لها نصف مهر مثلها إذا لم يكن دخل بها ويرجع به على التي أكملت أولا من نسائه خمس رضعات لأنها صيرتها أم امرأته فيفسد نكاح التي أرضعت أولا وامرأته الكبيرة معا ويرجع بنصف مهر مثل التي فسد نكاحها وإن أرضعن معا فسد نكاحهن كلهن ويرجع بأنصاف مهورهن ولا تخالف المسألة قبلها إلا في خصلة أن زوجاته الصغار لا يحرمن عليه في كل حال وله أن يبتدئ نكاح أيتهن شاء على الانفراد لأن الذي حرمن به أو حرم منهن إنما كن أخوات امرأته من الرضاعة أو بنات أختها أو أختها فحرم أن يجمع بينهن ولا يحرمن على الانفراد ( قال الشافعي ) ولو كان دخل بها حرم نكاح من أرضعته أمهاتها بكل حال ولم يحرم نكاح من أرضعته أخواتها وبنات أختها بكل حال وكان له أن يتزوج اللاتي أرضعته أخواتها إن شاء على الانفراد ويفسخ نكاح الأولى منهن وامرأته معا ولا يفسد نكاح اللاتي بعدها لأنهن أرضعن بعدما بانت امرأته فلم يكن جامعا بينهن وبين عمة لهن ولا خالة إلا أن ترضع منهن امرأة واحدة أو اثنتين معا فيفسد نكاحهما بأنهما أختان .
( قال الشافعي ) وإذا أرضعت أجنبية امرأته الصغيرة لم يفسد نكاح امرأته وحرمت الأجنبية عليه أبدا لأنها من أمهات نسائه [ ص: 36 ] وحرم عليه أن يجمع بين أحد من بناتها بنسب أو رضاع وبين امرأته التي أرضعت .
( قال الشافعي ) وإذا تزوج الرجل صبية ثم تزوج عليها عمتها وأصاب العمة فرقت بينهما ولها مهر مثلها فإن أرضعت أم العمة الصبية لم أفرق بينه وبين الصبية والعمة ذات محرم لها قبل النكاح وبعده وإنما يحرم أن يجمع بينهما فأما إحداهما بعد الأخرى فلا يحرم والله أعلم . .
باب الشهادة والإقرار بالرضاع

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لم أعلم أحدا ممن ينسبه العامة إلى العلم مخالفا في أن شهادة النساء تجوز فيما لا يحل للرجال غير ذوي المحارم أن يتعمدوا أن يروه لغير شهادة وقالوا ذلك في ولادة المرأة وعيبها الذي تحت ثيابها والرضاعة عندي مثله لا يحل لغير محرم أو زوج أن يعمد أن ينظر إلى ثديها ولا يمكنه أن يشهد على رضاعها بغير رؤية ثديها لأنه لو رأى صبيا يرضع وثديها مغطى أمكن أن يكون يرضع من وطب عمل كخلقة الثدي وله طرف كطرف الثدي ثم أدخل في كمها فتجوز شهادة النساء في الرضاع كما تجوز شهادتهن في الولادة ، ولو رأى ذلك رجلان عدلان أو رجل وامرأتان جازت شهادتهم في ذلك ولا تجوز شهادة النساء في الموضع الذي ينفردن فيه إلا بأن يكن حرائر عدولا بوالغ ويكن أربعا لأن الله عز وجل إذا أجاز شهادتهن في الدين جعل امرأتين تقومان مقام رجل بعينه ، وقول أكثر من لقيت من أهل الفتيا إن شهادة الرجلين تامة في كل شيء ما عدا الزنا فامرأتان أبدا تقومان مقام رجل إذا جازتا .

( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال لا يجوز من النساء أقل من أربع .
( قال الشافعي ) فإذا شهد أربع نسوة أن امرأة أرضعت امرأة خمس رضعات وأرضعت زوجها خمسا أو أقر زوجها بأنها أرضعته خمسا فرق بينه وبين امرأته ، فإن أصابها فلها مهر مثلها وإن لم يصبها فلا نصف مهر لها ولا متعة .

( قال الشافعي ) وكذلك إن كان في النسوة أخوات المرأة وعماتها وخالاتها لأنها لا يرد لها إلا شهادة ولد أو والد .

( قال الشافعي ) وإن كانت المرأة تنكر الرضاع فكانت فيهن ابنتها وأمها جزن عليها أنكره الزوج أو ادعاه وإن كانت المرأة تنكر الرضاع والزوج ينكر أو لا ينكر فلا يجوز فيه أمها ولا أمهاتها ولا ابنتها ولا بناتها وسواء هذا قبل عقدة النكاح وبعد عقدته قبل الدخول وبعده لا يختلف لا يفرق فيه بين المرأة والزوج إلا بشهادة أربع ممن تجوز شهادته عليه ليس فيهن عدو للمشهود عليه أو غير عدل .
( قال الشافعي ) ويجوز في ذلك شهادة التي أرضعت لأنه ليس لها في ذلك ولا عليها شيء ترد به شهادتها وكذلك تجوز شهادة ولدها وأمهاتها ويوقفن حتى يشهدن أن قد أرضع المولود خمس رضعات تخلص كلهن إلى جوفه أو يخلص من كل واحدة منهن شيء إلى جوفه وتسعهن الشهادة على هذه لأنه لا يستدرك في الشهادة فيه أبدا أكثر من رؤيتهن الرضاع وعلمهن وصوله بما يرين من ظاهر الرضاع .
( قال الشافعي ) وإذا أرضع الصبي ثم قاء فهو كرضاعه واستمساكه .
( قال الشافعي ) وإذا لم تكمل في الرضاع شهادة أربع نسوة أحببت له فراقها إن كان [ ص: 37 ] نكحها وترك نكاحها ، إن لم يكن نكحها للورع فإنه إن يدع ما له نكاحه خير من أن ينكح ما يحرم عليه .

( قال الشافعي ) ولو نكحها لم أفرق بينهما إلا بما أقطع به الشهادة على الرضاع ، فإن قال قائل فهل في هذا من خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قيل : نعم أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكة { أن عقبة بن الحارث أخبره أنه نكح أم يحيى بنت أبي أهاب فقالت أمة سوداء قد أرضعتكما قال فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأعرض فتنحيت فذكرت ذلك له فقال وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما } .

( قال الشافعي ) إعراضه عليه الصلاة والسلام يشبه أن يكون لم ير هذا شهادة تلزمه ، وقوله " وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما ؟ " يشبه أن يكون كره له أن يقيم معها وقد قيل إنها أخته من الرضاعة وهذا معنى ما قلنا من أن يتركها ورعا لا حكما . .
الإقرار بالرضاع

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أقر رجل أن امرأة أمه من الرضاعة أو ابنته من الرضاعة ولم ينكح واحدة منهما وقد ولدت المرأة التي يزعم أنها أمه أو كان لها لبن يعرف للمرضع مثله وكان لها سن يحتمل أن يرضع مثلها مثله لو ولد له وكانت له سن تحتمل أن ترضع امرأته أو أمته أو أمته التي ولدت منه مثل الذي أقر أنها ابنته لم تحلل له واحدة منهما أبدا في الحكم ولا من بناتهما ، ولو قال مكانه غلطت أو وهمت لم يقبل منه لأنه قد أقر أنهما ذواتا محرم منه قبل يلزمه لهما أو يلزمهما له شيء . وكذلك لو كانت هي المقرة بذلك وهو يكذبها ثم قالت غلطت لأنها أقرت به في حال لا يدفع بها عن نفسه ولا يجر إليها ولا تلزمه ولا نفسها بإقرار شيئا .

( قال الشافعي ) ولو كانت المسألة بحالها غير أن لم تلد التي أقر أنها أرضعته أو ولدت وهي أصغر مولودا منه فكان مثلها لا يرضع لمثله بحال أو كانت التي ذكر أنها ابنته من الرضاعة مثله في السن أو أكبر منه أو قريبا منه لا يحتمل مثله أن تكون ابنته من الرضاعة كان قوله وقولها في هذه الأحوال باطلا ولم يحرم عليه أن ينكح واحدة منهما ولا ولدا لهما إنما تقبل دعواه ويلزمه إقراره فيما يمكن مثله وسواء في ذلك كذبته المرأة أو صدقته أو كانت المدعية دونه : ألا ترى أنه لو قال لرجل أكبر منه هذا ابني وصدقه الرجل لم يكن ابنه أبدا . وكذلك لو قال رجل هو أصغر منه هذا أبي وصدقه الرجل ولا نسب لواحد منهما يعرف لم يكن أباه إنما أقبل من هذا ما يمكن أن يكون مثله ولو كانت المسألة في دعواها بحالها فقال هذه أختي من الرضاعة أو قالت هذا أخي من الرضاعة قبل أن يتزوجها وكذبته أو صدقته أو كذبها في الدعوى أو صدقها كان سواء كله ولا يحل لواحد منهما أن ينكح الآخر ولا واحدا من ولده في الحكم ويحل فيما بينه وبين الله تعالى إن علما أنهما كاذبان أن يتناكحا أو ولدهما ولو أقر أنها أخته من الرضاعة من امرأة لم يسمها قبلت ذلك منه ولم أنظر إلى سنه وسنها لأنه قد يكون أكبر منها وتعيش التي أرضعته حتى ترضعها بلبن ولد غير الولد الذي أرضعته به وكذلك إن كانت أكبر منه .
( قال الشافعي ) وإن سمى امرأة أرضعته فقال أرضعتني وإياها فلانة فكان لا يمكن بحال أن ترضعه أو لا يمكن بحال أن ترضعها لما وصفت من تفاوت السنين أو موت التي زعم أنها أرضعتهما قبل أن يولد أحدهما كان إقراره باطلا كالقول في المسائل قبل هذا إنما ألزمه إقراره وإقرارها فيما يمكن مثله ولا ألزمهما فيما لا يمكن مثله إذا كان إقرارهما لا يلزم واحدا منهما لصاحبه شيئا .
( قال الشافعي ) ولو كان ملك عقدة نكاحها ولم يدخل بها حتى أقر أنها ابنته أو أخته أو أمه وذلك يمكن فيها وفيه سألتها فإن صدقته [ ص: 38 ] فرقت بينهما ولم أجعل لها مهرا ولا متعة وإن كذبته أو كانت صبية فأكذبه أبوها أو أقر بدعواه فسواء لأنه ليس له أن يبطل حقها وفرق بينهما بكل حال وأجعل لها عليه نصف المهر الذي سمى لها لأنه إنما أقر بأنها محرم منه بعدما لزمه لها المهر إن دخل ونصفه إن طلق قبل أن يدخل فأقبل إقراره فيما يفسده على نفسه وأرده فيما يطرح به حقها الذي يلزمه ( قال الشافعي ) وإن أراد إحلافها وكانت بالغة أحلفتها له ما هي أخته من الرضاعة فإن حلفت كان لها نصف المهر وإن نكلت حلف على أنها أخته من الرضاعة وسقط عنه نصف المهر وإن نكل لزمه نصف المهر .

( قال الشافعي ) وإن كانت صبية أو معتوهة فلا يمين عليها وآخذه لها بنصف المهر الذي سمى لها فإذا كبرت الصبية أحلفتها له إن شاء ( قال الشافعي ) ولو كان لم يفرض لها وكانت صبية أو محجورا عليها كان لها نصف صداق مثلها لأنه ليس لوليها أن يزوجها بغير صداق وإن كانت بالغة غير محجور عليها فزوجت برضاها بلا مهر فلا مهر لها ولها المتعة ( قال الشافعي ) ولو كانت هي المدعية لذلك أفتيته بأن يتقي الله عز وجل ويدع نكاحها بتطليقة يوقعها عليها لتحل بها لغيره إن كانت كاذبة ولا يضره إن كانت صادقة ولا أجبره في الحكم على أن يطلقها لأنه قد لزمها نكاحه فلا أصدقها على إفساده وأحلفه لها على دعواها ما هي أخته من الرضاعة فإن حلف أثبت النكاح وإن نكل أحلفتها فإن حلفت فسخت النكاح ولا شيء لها وإن لم تحلف فهي امرأته بحالها .

( قال الشافعي ) وهذا إذا لم يقم واحد منهما أربع نسوة ولا رجلين ولا رجلا وامرأتين على ما ادعى فإن أقاما على ذلك من تجوز شهادته فلا أيمان بينهما والنكاح مفسوخ إذا شهد النسوة على رضاع أو الرجال فإن شهد على إقرار الرجل أو المرأة بالرضاع أربع نسوة لم تجز شهادتين لأن هذا مما يشهد عليه الرجال وإنما تجوز شهادة النساء منفردات فيما لا ينبغي للرجال أن يعمدوا النظر إليه لغير الشهادة ( قال الشافعي ) وإن كان هذا بعد إصابته إياها وكان هو المقر فإن كذبته فلها المهر الذي سمى لها وإن صدقته فلها مهر مثلها كان أكثر أو أقل من المهر الذي سمى لها وإن كانت هي المدعية أنها أخته لم تصدق إلا أن يصدقها فيكون لها مهر مثلها . .
الرجل يرضع من ثديه

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا أحسبه ينزل للرجل لبن فإن نزل له لبن فأرضع به مولودة كرهت له نكاحها ولولده فإن نكحها لم أفسخه لأن الله تعالى ذكر رضاع الوالدات والوالدات إناث والوالدون غير الوالدات وذكر الوالد بأن عليه مؤنة الرضاع فقال عز وجل { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } .

( قال الشافعي ) فلم يجز أن يكون حكم الآباء حكم الأمهات ولا حكم الأمهات حكم الآباء وقد فرق الله عز وجل بين أحكامهم . .
رضاع الخنثى

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أصل ما ذهب إليه في الخنثى أنه إذا كان الأغلب عليه أنه رجل نكح امرأة ولم ينزل فنكحه رجل فإذا نزل له لبن فأرضع به صبيا لم يكن رضاعا يحرم وهو مثل لبن الرجل لأني قد حكمت له أنه رجل وإذا كان الأغلب عليه أنه امرأة فنزل له لبن من نكاح وغير [ ص: 39 ] نكاح فأرضع به صبيا حرم كما تحرم المرأة إذا أرضعت .

( قال الشافعي ) فإذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء فأيهما نكح به لم أجز له غيره ولم أجعله ينكح بالآخر . .
باب التعريض بالخطبة

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله عز وجل { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم } الآية ( قال الشافعي ) وبلوغ الكتاب أجله - والله تعالى أعلم - انقضاء العدة قال فبين في كتاب الله تعالى أن الله فرق في الحكم بين خلقه بين أسباب الأمور وعقد الأمور وبين إذ فرق الله تعالى ذكره بينهما أن ليس لأحد الجمع بينهما وأن لا يفسد أمر بفساد السبب إذا كان عقد الأمر صحيحا ولا بالنية في الأمر ولا تفسد الأمور إلا بفساد إن كان في عقدها لا بغيره ألا ترى أن الله حرم أن يعقد النكاح حتى تنقضي العدة ولم يحرم التعريض بالخطبة في العدة ولا أن يذكرها وينوي نكاحها بالخطبة لها ، والذكر لها والنية في نكاحها سبب النكاح وبهذا أجزنا الأمور بعقدها إن كان جائزا ورددناها به إن كان مردودا ولم نستعمل أسباب الأمور في الأحكام بحال فأجزنا أن ينكح الرجل المرأة لا ينوي حبسها إلا يوما ولا تنوي هي إلا هو وكذلك لو تواطآ على ذلك إذا لم يكن في شرط النكاح وكذلك قلنا في الطلاق إذا قال لها : اعتدي لم يكن طلاقا إلا بنية طلاق كان ذلك من قبل غضب أو بعده وإذ أذن الله عز وجل في التعريض بالخطبة في العدة فبين أنه حظر التصريح فيها وخالف بين حكم التعريض والتصريح وبذلك قلنا لا نجعل التعريض أبدا يقوم مقام التصريح في شيء من الحكم إلا أن يريد المعرض التصريح وجعلناه فيما يشبه الطلاق من النية وغيره فقلنا لا يكون طلاقا إلا بإرادته وقلنا لا نجد أحدا في تعريض إلا بإرادة التصريح بالقذف .

( قال الشافعي ) قول الله تبارك وتعالى { ولكن لا تواعدوهن سرا } يعني والله تعالى أعلم جماعا { إلا أن تقولوا قولا معروفا } قولا حسنا لا فحش فيه ( قال الشافعي ) وذلك أن يقول : رضيتك إن عندي لجماعا حسنا يرضي من جومعه فكان هذا وإن كان تعريضا منهيا عنه لقبحه وما عرض به مما سوى هذا مما يفهم المرأة به أنه يريد نكاحها فجائز له وكذلك التعريض بالإجابة له جائز لها لا يحظر عليها من التعريض شيء يباح له ولا عليه شيء يباح لها وإن صرح لها بالخطبة وصرحت له بالإجابة أو لم تصرح ولم يعقد النكاح في الحالين حتى تنقضي العدة فالنكاح ثابت والتصريح لهما معا مكروه ولا يفسد النكاح بالسبب غير المباح من التصريح لأن النكاح حادث بعد الخطبة ليس بالخطبة ألا ترى أن امرأة مستخفة لو قالت لا أنكح رجلا حتى أراه متجردا أو حتى أخبره بالفاحشة فأرضاه في الحالين فتجرد لها أو أتى منها محرما ثم نكحته بعدما كان النكاح جائزا وما فعلاه قبله محرما لم يفسد النكاح بسبب المحرم لأن النكاح حادث بعد سببه والنكاح غير سببه ، وهذا مما وصفت من أن الأشياء إنما تحل وتحرم بعقدها لا بأسبابها ، قال والتعريض الذي أباح الله ما عدا التصريح من قول . وذلك أن يقول رب متطلع إليك وراغب فيك وحريص عليك وإنك لبحيث تحبين وما عليك أيمة وإني عليك لحريص وفيك راغب .

وما كان في هذا المعنى مما خالف التصريح أن يقول تزوجيني إذا حللت أو أنا أتزوجك إذا حللت وما أشبه هذا مما جاوز به التعريض وكان بيانا أنه خطبة لا أنه يحتمل غير الخطبة .

قال والعدة [ ص: 40 ] التي أذن الله بالتعريض بالخطبة فيها العدة من وفاة الزوج وإذا كانت الوفاة فلا زوج يرجى نكاحه بحال . ولا أحب أن يعرض الرجل للمرأة في العدة من الطلاق الذي لا يملك فيه المطلق الرجعة احتياطا . ولا يبين أن لا يجوز ذلك لأنه غير مالك أمرها في عدتها كما هو غير مالكها إذا حلت من عدتها فأما المرأة يملك زوجها رجعتها فلا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة في العدة لأنها في كثير من معاني الأزواج وقد يخاف إذا عرض لها من ترغب فيه بالخطبة أن تدعي بأن عدتها حلت وإن لم تحل وما قلت فيه لا يجوز التعريض بالخطبة أو لا يجوز التصريح بالخطبة فحلت العدة ثم نكحت المرأة فالنكاح ثابت بما وصفت . .
الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد

قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } وقال تعالى { وخلق منها زوجها } وقال { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } وقال { والذين يرمون أزواجهم } وقال { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وقال { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها } وقال { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } وقال { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ( قال الشافعي ) فسمى الله تبارك وتعالى النكاح اسمين النكاح والتزويج وقال عز وجل { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي } الآية فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون المؤمنين والهبة - والله تعالى أعلم - تجمع أن ينعقد له عليها عقدة النكاح بأن تهب نفسها له بلا مهر وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج ولا يقع بكلام غيرهما وإن كانت معه نية التزويج وأنه مخالف للطلاق الذي يقع بما يشبه الطلاق من الكلام مع نية الطلاق وذلك أن المرأة قبل أن تزوج محرمة الفرج فلا تحل إلا بما سمى الله عز وجل أنها تحل به لا بغيره وأن المرأة المنكوحة تحرم بما حرمها به زوجها مما ذكر الله تبارك اسمه في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وقد دلت سنة النبي صلى الله عليه وسلم على أن الطلاق يقع بما يشبه الطلاق إذا أراد به الزوج الطلاق ولم يجز في الكتاب ولا السنة إحلال نكاح إلا باسم نكاح أو تزويج فإذا قال سيد الأمة وأبو البكر أو الثيب أو وليها للرجل قد وهبتها لك أو أحللتها لك أو تصدقت بها عليك أو أبحت لك فرجها أو ملكتك فرجها أو صيرتها من نسائك أو صيرتها امرأتك أو أعمرتكها أو أجرتكها حياتك أو ملكتك بضعها أو ما أشبه هذا أو قالته المرأة مع الولي وقبله المخاطب به نفسه أو قال قد تزوجتها فلا نكاح بينهما ولا نكاح أبدا إلا بأن يقول قد زوجتكها أو أنكحتكها ويقول الزوج قد قبلت نكاحها أو قبلت تزويجها أو يقول الخاطب زوجنيها أو أنكحنيها فيقول الولي قد زوجتكها أو أنكحتكها ويسميانها معا باسمها ونسبها ولو قال جئتك خاطبا لفلانة فقال قد زوجتكها لم يكن نكاحا حتى يقول قد قبلت تزويجها ولو قال جئتك خاطبا لفلانة فزوجنيها فقال قد زوجتكها ثبت النكاح ولم أحتج إلى أن يقول قد قبلت تزويجها ولا نكاحها وهكذا لو قال الولي قد زوجتك فلانة فقال الزوج قد قبلت ولم يقل تزويجها لم يكن نكاحا حتى يقول قد قبلت تزويجها ولو قال الخاطب زوجني فلانة فقال الولي قد فعلت أو قد أجبتك إلى ما طلبت أو ملكتك ما طلبت لم يكن نكاحا حتى يقول قد زوجتكها أو أنكحتكها فإن قال زوجني فلانة فقال قد ملكتك نكاحها أو ملكتك بضعها أو ملكتك أمرها أو جعلت بيدك أمرها لم يكن نكاحا حتى يتكلم .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #194  
قديم 18-11-2022, 11:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,521
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (194)
صــــــــــ 41 الى صـــــــــــ 47



[ ص: 41 ] بزوجتكها أو أنكحتكها ويتكلم الخاطب بأنكحنيها أو زوجنيها فإذا اجتمع هذا انعقد النكاح وهكذا يكون نكاح الصغار والإماء لا ينعقد عليهن النكاح من قول ولاتهن إلا بما ينعقد به على البالغين ولهم إذا تكلما جميعا بإيجاب النكاح مطلقا جاز وإن كان في عقدة النكاح مثنوية لم يجز ولا يجوز في النكاح خيار بحال وذلك أن يقول قد زوجتكها إن رضي فلان أو زوجتكها على أنك بالخيار في مجلسك أو في يومك أو أكثر من يوم أو على أنها بالخيار أو زوجتكها إن أتيت بكذا أو فعلت كذا ففعله فلا يكون شيء من هذا تزويجا ولا ما أشبهه حتى يزوجه تزويجا صحيحا مطلقا لا مثنوية فيه .
ما يجوز وما لا يجوز في النكاح

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يكون التزويج إلا لامرأة بعينها ورجل بعينه وينعقد النكاح من ساعته لا يتأخر بشرط ولا غيره ويكون مطلقا فلو أن رجلا له ابنتان خطب إليه رجل فقال زوجني ابنتك فقال قد زوجتكها فتصادق الأب والبنت والزوج على أنهما لا يعرفان البنت التي زوجه إياها وقال الأب للزوج أيتهما شئت فهي التي زوجتك أو قال الزوج للأب أيتهما شئت فهي التي زوجتني لم يكن هذا نكاحا ولو قال زوجني أي ابنتيك شئت فزوجه على هذا لم يكن هذا نكاحا وهكذا لو قال زوج ابني وله ابنان فزوجه لم يكن هذا نكاحا ولو قال زوجني ابنتك فلانة غدا أو إذا جئتك أو إذا دخلت الدار أو إذا فعلت أو فعلت كذا فقال قد زوجتكها على ما شرطت ففعل ما شرط لم يكن نكاحا إذا تكلما بالنكاح معا فلم يكن منعقدا مكانه لم ينعقد بعد مدة ولا شرط . ولو قال زوجني حبل امرأتك فزوجه إياه فكان جارية لم يكن نكاحا وهكذا لو قال زوجني ما ولدت امرأتك فكانت في البلد معهما أو غائبة عنهما فتصادقا على أنهما حين انعقدت عقدة النكاح لا يعلمان أولدت امرأته جارية أو غلاما قال وهكذا لو تصادقا أنهما قد علما أنها قد ولدت جاريتين ولم يسم أيتهما زوج بعينها ومتى تكلما بنكاح امرأة بعينها جاز النكاح وذلك أن يزوجه ابنته فلانة وليست له ابنة يقال لها فلانة إلا واحدة وأحب إلي أن يقدم المرء بين يدي خطبته وكل أمر طلبه سوى الخطبة حمد الله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى ثم يخطب وأحب إلي للخاطب أن يفعل ذلك ثم يزوج ويزيد الخاطب " أنكحتك على ما أمر الله تعالى به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وإن لم يزد على عقدة النكاح جاز النكاح . أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة أن ابن عمر كان إذا أنكح قال " أنكحتك على ما أمر الله تعالى على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " . .
نهي الرجل على أن يخطب على خطبة أخيه

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن أبي الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال أخبرني ابن المسيب عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا يخطب أحدكم على [ ص: 42 ] خطبة أخيه } .

( قال الشافعي ) أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن مسلم الخياط عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك } ( قال الشافعي ) فكان الظاهر من هذه الأحاديث أن من خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يأذن الخاطب أو يدع الخطبة وكانت محتملة لأن يكون نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه في حال دون حال فوجدنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أنه صلى الله عليه وسلم إنما نهى عنها في حال دون حال .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها فبتها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت أم مكتوم وقال فإذا حللت فآذنيني فلما حللت أخبرته أن أبا جهم ومعاوية خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه . وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة فكرهته فقال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله تعالى فيه خيرا واغتبطت به } ( قال الشافعي ) فكما بينا أن الحال التي خطب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة على أسامة غير الحال التي نهى عن الخطبة ولم يكن للمخطوبة حالان مختلفي الحكم إلا بأن تأذن المخطوبة بإنكاح رجل بعينه فيكون للولي أن يزوجها جاز النكاح عليها ولا يكون لأحد أن يخطبها في هذه الحال حتى يأذن الخاطب أو يترك خطبتها وهذا بين في حديث ابن أبي ذئب . وقد أعلمت فاطمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا جهم ومعاوية خطباها ولا أشك - إن شاء الله تعالى - أن خطبة أحدهما بعد خطبة الآخر فلم ينههما ولا واحدا منهما ولم نعلمه أنها أذنت في واحد منهما فخطبها على أسامة ولم يكن ليخطبها في الحال التي نهى فيها عن الخطبة ولم أعلمه نهى معاوية ولا أبا جهم عما صنعا والأغلب أن أحدهما خطبها بعد الآخر فإذا أذنت المخطوبة في إنكاح رجل بعينه لم يجز خطبتها في تلك الحال وإذن الثيب الكلام والبكر الصمت وإن أذنت بكلام فهو إذن أكثر من الصمت قال وإذا قالت المرأة لوليها زوجني من رأيت فلا بأس أن تخطب في هذه الحال لأنها لم تأذن في أحد بعينه فإذا أومرت في رجل فأذنت فيه لم يجز أن تخطب وإذا وعد الولي رجلا أن يزوجه بعد رضا المرأة لم يجز أن تخطب في هذه الحال فإن وعده ولم ترض المرأة فلا بأس أن تخطب إذا كانت المرأة ممن لا يجوز أن تزوج إلا بأمرها وأمر البكر إلى أبيها والأمة إلى سيدها فإذا وعد أبو البكر أو سيد الأمة رجلا أن يزوجه فلا يجوز لأحد أن يخطبها ومن قلت له لا يجوز له أن يخطبها فإنما أقوله إذا علم أنها خطبت وأذنت وإذا خطب الرجل في الحال التي نهى أن يخطب فيها عالما فهي معصية يستغفر الله تعالى منها وإن تزوجته بتلك الخطبة فالنكاح ثابت لأن النكاح حادث بعد الخطبة وهو مما وصفت من أن الفساد إنما يكون بالعقد لا بشيء تقدمه وإن كان سببا له لأن الأسباب غير الحوادث بعدها . .
نكاح العنين والخصي والمجبوب

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولم أحفظ عن مفت لقيته خلافا في أن تؤجل امرأة العنين سنة فإن أصابها وإلا خيرت في المقام معه أو فراقه ومن قال هذا قال إذا نكح الرجل المرأة فكان يصيب غيرها ولا يصيبها فلم ترتفع إلى السلطان فهما على النكاح وإذا ارتفعت إلى السلطان فسألت فرقته أجله [ ص: 43 ] السلطان من يوم يرتفعان إليه سنة فإن أصابها مرة واحدة فهي امرأته وإن لم يصبها خيرها السلطان فإن شاءت فرقته فسخ نكاحها والفرقة فسخ بلا طلاق لأنه يجعل فسخ العقدة إليها دونه وإن شاءت المقام معه أقامت معه ثم لم يكن لها أن يخيرها بعد مقامها معه .

وذلك أن اختيارها المقام معه ترك لحقها في فرقته في مثل الحال التي تطلبها فيها وإن اختارت المقام معه بعد حكم السلطان بتأجيله وتخييرها بعد السنة ثم فارقها ومضت عدتها ثم نكحها نكاحا جديدا فسألت أن يؤجل لها أجل وإن علمت قبل أن تنكحه أنه عنين ثم رضيت نكاحه أو علمته بعد نكاحه ثم رضيت المقام معه ثم سألت أن يؤجل لها أجل ولا يقطع خيارها في فراقه إلا الأجل واختيارها المقام معه بعد الأجل لأنه لا يعلم أحد من نفسه أنه عنين حتى يختبر لأن الرجل قد يجامع ثم ينقطع الجماع عنه ثم يجامع وإنما قطعت خيارها أنها تركته بعد إذ كان لها لا شيء دونه قال ولو نكحها فأجل ثم خيرت فاختارت المقام معه ثم طلقها ثم راجعها في العدة ثم سألت أن يؤجل لم يكن لها ذلك لأنها عنده بالعقد الذي اختارت المقام معه فيه بعد الحكم .

( قال الربيع ) يريد إن كان ينزل فيها ماءه فله الرجعة وعليها العدة وإن لم يغيب الحشفة ( قال الشافعي ) ولو تركها حتى تنقضي عدتها ثم نكحها نكاحا جديدا ثم سألت أن يؤجل أجل لأن هذا عقد غير العقد الذي تركت حقها فيه بعد الحكم قال وإذا أصابها مرة في عقد نكاح ثم سألت أن يؤجل لم يؤجل أبدا لأنه قد أصابها في عقد النكاح وليس كالذي يصيب غيرها ولا يصيبها لأن أداءه إلى غيرها حقا ليس بأداء إليها ولو أجل العنين فاختلفا في الإصابة فقال أصبتها وقالت لم يصبني .

فإن كانت ثيبا فالقول قوله لأنها تريد فسخ نكاحه وعليه اليمين فإن حلف فهي امرأته وإن نكل لم يفرق بينهما حتى تحلف ما أصابها فإن حلفت خيرت وإن لم تحلف فهي امرأته ولو كانت بكرا أريها أربع نسوة عدول فإن قلن هي بكر فذلك دليل على صدقها أنه لم يصبها وإن شاء الزوج حلفت هي ما أصابها ثم فرق بينهما فإن لم تحلف حلف هو لقد أصابها ثم أقام معها ولم تخير هي وذلك أن العذرة قد تعود فيما زعم أهل الخبرة بها إذا لم يبالغ في الإصابة وأقل ما يخرجه من أن يؤجل أن يغيب الحشفة في الفرج وذلك يحصنها ويحللها للزوج لو طلقها ثلاثا ولو أصابها في دبرها فبلغ ما بلغ لم يخرجه ذلك من أن يؤجل أجل العنين لأن تلك غير الإصابة المعروفة حيث تحل ولو أصابها حائضا أو محرمة أو صائمة أو هو محرم أو صائم كان مسيئا فيه ولم يؤجل ولو أجل فجب ذكره
أو نكحها مجبوب الذكر خيرت حين تعلم إن شاءت المقام معه وإن شاءت فارقته ولو أجل خصي ولم يجب ذكره أو نكحها خصي غير مجبوب الذكر لم تخير حتى يؤجل أجل العنين فإن أصابها فهي امرأته وإلا صنع فيه ما صنع في العنين .
ولو نكحها وهو يقول أنا عقيم أو لا يقوله حتى ملك عقدتها ثم أقر به لم يكن لها خيار وذلك أنه لا يعلم أنه عقيم أبدا حتى يموت لأن ولد الرجل يبطئ شابا ويولد له شيخا وليس لها في الولد تخيير إنما التخيير في فقد الجماع لا الولد ألا ترى أنا لا نؤجل الخصي إذا أصاب والأغلب أنه لا يولد له ولو كان خصيا قطع بعض ذكره وبقي له منه ما يقع موقع ذكر الرجل فلم يصبها أجل أجل العنين ولم تخير قبل أجل العنين لأن هذا يجامع وإذا كان الخنثى يبول من حيث يبول الرجل فنكح على أنه رجل فالنكاح جائز ولا خيار للمرأة ويؤجل إن شاءت أجل العنين وإذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء فإن نكح بأحدهما لم يكن له أن ينكح بالآخر ويرث ويورث على ما حكمنا له بأن ينكح عليه ( قال الربيع ) وفيه قول آخر أنا لا نورثه إلا ميراث امرأة وإن تزوج على أنه رجل لأنه ليس باختياره أن يكون رجلا أعطيه المال بقوله .
( قال الشافعي ) وليس للمرأة إن استمتع بها زوجها إذا قالت لم يصبني إلا نصف المهر ولا عليها [ ص: 44 ] عدة لأنها مفارقة قبل أن تصاب .
( قال الشافعي ) وإذا نكح الرجل الخنثى على أنها امرأة وهي تبول من حيث تبول المرأة أو مشكلة ولم تنكح بأنها رجل فالنكاح جائز ولا خيار له وإذا نكح الخنثى على أنه رجل وهو يبول من حيث تبول المرأة أو على أنه امرأة وهو يبول من حيث يبول الرجل فالنكاح مفسوخ لا يجوز أن ينكح إلا من حيث يبول أو بأن يكون مشكلا فإذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء فإذا نكح بواحد لم يكن له أن ينكح بالآخر ويرث ويورث من حيث يبول . .
ما يحب من إنكاح العبيد

قال الله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } ( قال الشافعي ) ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فدلت أحكام الله تعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا ملك للأولياء آباء كانوا أو غيرهم على أياماهم وأياماهم الثيبات قال الله تعالى ذكره { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } وقال في المعتدات { فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن } الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها } مع ما سوى ذلك ودل الكتاب والسنة على أن المماليك لمن ملكهم وأنهم لا يملكون من أنفسهم شيئا ولم أعلم دليلا على إيجاب إنكاح صالحي العبيد والإماء كما وجدت الدلالة على إنكاح الحر إلا مطلقا فأحب إلي أن ينكح من بلغ من العبيد والإماء ثم صالحوهم خاصة ولا يتبين لي أن يجبر أحد عليه لأن الآية محتملة أن يكون أريد به الدلالة لا الإيجاب . .
نكاح العدد ونكاح العبيد

قال الله تبارك وتعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } إلى قوله { أن لا تعولوا } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فكما بينا في الآية والله تعالى أعلم أن المخاطبين بها الأحرار لقوله تعالى { فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } لأنه لا يملك إلا الأحرار وقوله { ذلك أدنى أن لا تعولوا } فإنما يعول من له المال ولا مال للعبيد ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن مولى طلحة وكان ثقة عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ينكح العبد امرأتين .

( قال الشافعي ) وهذا قول الأكثر من المفتين بالبلدان ولا يزيد العبد على امرأتين وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية من عبد قد عتق بعضه ومكاتب ومدبر ومعتق إلى أجل والعبد فيما زاد على اثنتين من النساء مثل الحر فيما زاد على أربع لا يختلفان فإذا جاوز الحر أربعا فقلت ينفسخ نكاح الأواخر منهن الزوائد على أربع فكذلك ينفسخ نكاح ما زاد العبد فيه على اثنتين وكل ما خفي أنه أول فما زاد الحر فيه على أربع فأبطلت النكاح أو جمعت العقدة فيه أكثر من أربع ففسخت نكاحهن كلهن ، فكذلك أصنع في العبيد فيما خفي ، وجمعت العقدة فيه أكثر من اثنتين فعلى هذا الباب كله قياسه ولا أعلم بين أحد لقيته ولا حكي لي عنه من أهل العلم اختلافا في أن لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن مالكه وسواء كان مالكه ذكرا أو أنثى إذا أذن له مالكه جاز نكاحه ولا أحتاج إلى أن يعقد مالكه عقدة نكاح ولكنه يعقدها إن شاء لنفسه إذا أذن له وإنما يجوز [ ص: 45 ] نكاح العبد بإذن مالكه إذا كان مالكه بالغا غير محجور عليه فأما إذا كان محجورا عليه فلا يجوز للعبد أن ينكح بحال ولا يجوز لوليه أن يزوجه في قول من قال إن إنكاحه دلالة لا فرض ومن قال إن إنكاحه فرض فعلى وليه أن يزوجه .
وإذا كان العبد بين اثنين فأذن له أحدهما بالتزويج فتزوج فالنكاح مفسوخ ولا يجوز نكاحه حتى يجتمعا على الإذن له به وليس للسيد أن يكره عبده على النكاح فإن فعل فالنكاح مفسوخ .
وكذلك إن زوج عبده بغير إذنه ثم رضي العبد فالنكاح مفسوخ وله أن يزوج أمته بغير إذنها بكرا كانت أو ثيبا وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح حرة فنكح أمة أو أمة فنكح حرة أو امرأة بعينها فنكح غيرها أو امرأة من أهل بلد فنكح امرأة من غير أهل ذلك البلد فالنكاح مفسوخ وإن قال له انكح من شئت فنكح حرة أو أمة نكاحا صحيحا فالنكاح جائز والعبد إذا أذن له سيده يخطب على نفسه وليس كالمرأة وكذلك المحجور عليه إذا أذن له وليه يخطب على نفسه ولو أذن له في أن ينكح امرأة أو قال من شئت فنكح التي أذن له بها أو نكح امرأة مع قوله انكح من شئت وأصدقها أكثر من مهر مثلها كان النكاح ثابتا ولها مهر مثلها لا يزاد عليه ولا يكون لها فسخ النكاح لأن النكاح لا يفسد من قبل صداق بحال ويتبع العبد بالفضل عن مهر مثلها إذا عتق ولا سبيل لها عليه في حالة رقه لأن ماله لمالكه ولو كاتب لم يكن عليه سبيل في حال كتابته لأنه ليس بتام الملك على ماله وأن ماله موقوف حتى يعجز فيرجع إلى سيده أو يعتق فيكون له فإذا عتق كان لها أن تأخذ منه الفضل عن مهر مثلها حتى تستوفي ما سمى لها ولو كان هذا في حر محجور عليه لم يكن لها اتباعه لأن ردنا أمر المملوك لأن المال لغيره وأمر المحجور للحجر والمال له .
( قال الشافعي ) ولو أذن الرجل لعبده أن ينكح امرأة ولم يسمها ولا بلدها فنكح امرأة من غير أهل بلده ثبت النكاح ولم يكن للسيد فسخه وكان له منعه الخروج إلى ذلك البلد وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح امرأة فالصداق فيما اكتسب العبد ليس للسيد منعه من أن يكتسب فيعطيها الصداق دونه وكذلك النفقة إذا وجبت نفقة الزوجة وإن كان العبد الذي أذن له سيده بالنكاح مأذونا له في التجارة فله أن يعطي الصداق مما في يديه من المال وإن كان غير مأذون له بالتجارة فلسيده أن يأخذ شيئا إن كان في يديه لأنه مال السيد وعليه أن يدعه يكتسب المهر لأن إذنه له بالنكاح إذن باكتساب المهر ودفعه ، وإذا أذن له بالنكاح فله أن يسافر به ويرسله حيث شاء وليس له إذا كان معه بالمصر أن يمنعه امرأته في الحين الذي لا خدمة له عليه فيه وله أن يمنعه إياها في الحين الذي له عليه فيه الخدمة وليس في عنق العبد ولا مال السيد من الصداق ولا النفقة شيء إلا أن يضمنه فيلزمه بالضمان كما يلزم بالضمان على الأجنبيين .
وإذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج امرأة حرة بألف فتزوجها بألف وضمن السيد لها الألف فالضمان لازم ولها أن تأخذ السيد بضمانه ولا براءة للعبد منها حتى تستوفيها فإذا باعها السيد زوجها بأمر الزوج أو غير أمره بتلك الألف بعينها قبل أن يدخل بها فالبيع باطل من قبل أن عقدة البيع وتلك الألف يقعان معا لا يتقدم أحدهما صاحبه فلما كانت لا تملك العبد أبدا بتلك الألف بعينها لأنها تبطل عنها بأن نكاحها لو ملكت زوجها ينفسخ كان شراؤها له فاسدا فالألف بحالها والعبد عبده وهما على النكاح .

( قال الربيع ) وإذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج بألف درهم فتزوج وضمن السيد الألف ثم طلبت المرأة الألف من السيد قبل أن يدخل بها الزوج فباعها زوجها بالألف التي هي صداقها فالبيع باطل والنكاح بحاله من قبل أنها إذا ملكت زوجها انفسخ نكاحها فإذا انفسخ بطل أن يكون لها صداق وإذا لم يكن لها صداق كان العبد مشترى بلا ثمن فكان البيع باطلا وكان النكاح بحاله ( قال الربيع ) وهو قول الشافعي النكاح بحاله . [ ص: 46 ]

( قال الشافعي ) وسواء كان البيع بإذن العبد أو غير إذنه لأنها لا تملكه أبدا بتلك الألف ولا بشيء منها لأنها تبطل كلها إذا ملكته ولو طلقها العبد قبل أن يدخل بها كان لها نصف الألف ولو كانت المسألة بحالها فباعها إياه بلا أمر العبد بألف أو أقل أو أكثر كان البيع جائزا وكان العبد لها وعليها الثمن الذي باعها إياه به وكان النكاح منفسخا من قبلها وقبل السيد الذي ليس له طلاقها ، ولو كان باعها إياه بيعا فاسدا كانا على النكاح .
ولو كانت امرأة العبد أمة فاشترت زوجها بإذن سيدها أو اشتراها زوجها بإذن سيده كانا على النكاح وكذلك إن وهبت له أو وهب لها أو ملكها أو ملكته بأي وجه ما كان الملك كانا على النكاح لأن ما ملك كل واحد منهما ملك لسيده لا له ، ولو كان بعض الزوج حرا فاشترى امرأته بإذن الذي له فيه الرق فسد النكاح لأنه يملك منها بقدر ما يملك من نفسه .
وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح من شاء وما شاء من عدد النساء فله أن ينكح حرتين مسلمتين أو كتابيتين أو ذميتين وينكح الحرة على الأمة والأمة على الحرة ويعقد نكاح أمة وحرة معا وليس له أن ينكح أمة كتابية ولا تحل الأمة الكتابية لمسلم إلا أن يطأها بملك اليمين .
وإذا قال الرجل لعبده قد زوجتك فلا يجوز عليه النكاح إلا أن يأذن له العبد ، وإذا أذن له أن ينكح أو سأله العبد أن ينكحه فقال المولى : قد زوجتك فلانة بأمرك وادعت ذلك ، وقال العبد : لم تزوجنيها فالقول قول العبد مع يمينه وعلى المرأة البينة . .
العبد يغر من نفسه والأمة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا خطب العبد امرأة وأعلمها أنه حر فتزوجته ثم علمت أنه عبد فلها ولأوليائها الخيار في المقام معه أو فراقه فإن اختارت فراقه قبل الدخول فلا مهر لها ولا متعة وهو فسخ بغير طلاق وإن اختارته بعد الدخول فلها مهر مثلها وإن خطبها ولم يذكر شيئا فظنته حرا فلا خيار لها ، وإذا نكح الرجل الأمة وهو يراها حرة فولده مماليك وإن شاء طلق وإن شاء أمسك وإن غرته بنفسها وقالت أنا حرة فولده أحرار وسواء كان المغرور حرا أو عبدا أو مكاتبا لأنه لم ينكح إلا على أن ولده أحرار وإن غره بها غيرها فولدت أولادا ثم علم أنها مملوكة فالأولاد أحرار ولسيدها أخذ مهر مثلها من زوجها ولا يرجع به الزوج على الغار ولا عليها ويأخذ منه قيمة أولادها يوم سقطوا ويرجع بهم الزوج على الغار في ذمته ، وإن كانت هي الغارة له رجع عليها بما أخذ منه من قيمة أولادها إذا عتقت ولا يرجع به ما كانت مملوكة وإن ألزم قيمتهم ثم لم يؤخذ منه شيء لم يرجع بشيء لم يؤخذ منه . .
تسري العبد

قال الله تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون } إلى قوله { غير ملومين } فدل كتاب الله عز وجل على أن ما أباحه من الفروج فإنما أباحه من أحد الوجهين النكاح أو ما ملكت اليمين .

وقال الله تعالى { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع } قال فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يكون مالكا مالا بحال وأن ما نسب إلى ملكه إنما هو [ ص: 47 ] إضافة اسم ملك إليه لا حقيقة كما يقال للمعلم غلمانك وللراعي غنمك وللقيم على الدار دارك إذا كان يقوم بأمرها فلا يحل - والله تعالى أعلم - للعبد أن يتسرى أذن له سيده أو لم يأذن له لأن الله تعالى إنما أحل التسري للمالكين والعبد لا يكون مالكا بحال ، وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية من عبد قد عتق بعضه أو مكاتب أو مدبر ولا يحل له أن يطأ بملك يمين بحال حتى يعتق ، والنكاح يحال له بإذن مالكه وإن تسرى العبد فلسيده نزع السرية منه وتزويجه إياها إن شاء .
ولو عتق عبد تسرى أمة أو مكاتب وقد ولدت له لم تكن له أم ولد حتى يصيبها بعد الحرية وتلد ، ولو تسرى عبد قد عتق بعضه أمة ملكه إياها سيده فولدت له ثم عتق فهي أم ولد له لأنه كان مالكا ، وإن أراد سيده أخذ منه من قيمة المملوكة بقدر ما له فيه من الرق كأنه كان وهبها له قبل أن يعتق وهو يملك نصفه فالنصف له بالحرية وللسيد أن يرجع في النصف الثاني لأن ملك ما يملك منه لسيده .
قال : وإذا وطئ عبد أو من لم تكمل فيه الحرية أو مكاتب جارية بملك اليمين لحق به الولد ودرئ عنه الحد بالشبهة فإن عتق وملكها كان له بيعها ولا تكون له أم ولد يمنعه بيعها من لم يبع أم الولد إلا بأن يصيبها بعدما يصير حرا مالكا ، فإن قيل قد روي عن ابن عمر تسرى العبد قيل نعم وخلافه قال ابن عمر لا يطأ الرجل وليدة إلا وليدة إن شاء باعها وإن شاء وهبها وإن شاء صنع بها ما شاء ، فإن قيل فقد روي عن ابن عباس ؟ قلت ابن عباس إنما قال ذلك لعبد طلق امرأته قال ليس لك طلاق وأمره أن يمسكها فأبى فقال فهي لك فاستحلها بملك اليمين يريد أنها له حلال بالنكاح ولا طلاق لك والحجة فيه ما وصفت لك من دلالة الكتاب والسنة وأنت تزعم أن من طلق من العبيد لزمه الطلاق ولم تحل له امرأته بعد طلقتين أو ثلاث .
فسخ نكاح الزوجين يسلم أحدهما

قال الله تبارك وتعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } إلى قوله { ولا هم يحلون لهن } وقال تبارك وتعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ( قال الشافعي ) نزلت في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة وهم أهل أوثان وعن قول الله عز وجل { فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات } فاعرضوا عليهن الإيمان فإن قبلن وأقررن به فقد علمتموهن مؤمنات . وكذلك علم بني آدم الظاهر : وقال تبارك وتعالى { الله أعلم بإيمانهن } يعني بسرائرهن في إيمانهن ، وهذا يدل على أن لم يعط أحد من بني آدم أن يحكم على غير ظاهر ومعنى الآيتين واحد فإذا كان الزوجان وثنيين فأيهما أسلم أولا فالجماع ممنوع حتى يسلم المتخلف عن الإسلام منهما لقوله تعالى { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقوله { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فاحتملت العقدة أن تكون منفسخة إذا كان الجماع ممنوعا بعد إسلام أحدهما فإنه لا يصلح لواحد منهما إذا كان أحدهما مسلما والآخر مشركا أن يبتدئ النكاح ، واحتملت العقدة أن لا تنفسخ إلا أن يثبت المتخلف عن الإسلام منهما على التخلف عنه مدة من المدد فيفسخ النكاح إذا جاءت تلك المدة قبل أن يسلم ولم يكن يجوز أن يقال لا تنقطع العصمة بين الزوجين حتى يأتي على المتخلف منهما عن الإسلام مدة قبل أن يسلم إلا بخبر لازم ( قال الشافعي ) وأخبرنا جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد قبلهم { أن أبا سفيان بن حرب أسلم بمر ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر عليها فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار الإسلام ، وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة . ومكة يومئذ دار الحرب .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #195  
قديم 18-11-2022, 11:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,521
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (195)
صــــــــــ 48 الى صـــــــــــ 54


ثم قدم عليها يدعوها [ ص: 48 ] إلى الإسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال فأقامت أياما قبل أن تسلم ثم أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وثبتا على النكاح
} ( قال الشافعي ) وأخبرنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة فأسلم أكثر أهلها وصارت دار الإسلام وأسلمت امرأة عكرمة بن أبي جهل وامرأة صفوان بن أمية وهرب زوجاهما ناحية البحر من طريق اليمن كافرين إلى بلد كفر ثم جاءا فأسلما بعد مدة وشهد صفوان حنينا كافرا فاستقرا على النكاح وكان ذلك كله ونساؤهن مدخول بهن لم تنقض عددهن } ولم أعلم مخالفا في أن المتخلف عن الإسلام منهما إذا انقضت عدة المرأة قبل أن يسلم انقطعت العصمة بينهما وسواء خرج المسلم منهما من دار الحرب وأقام المتخلف فيها أو خرج المتخلف عن الإسلام أو خرجا معا أو أقاما معا لا تصنع الدار في التحريم والتحليل شيئا إنما يصنعه اختلاف الدينين .
تفريع إسلام أحد الزوجين قبل الآخر في العدة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا كان الزوجان مشركين وثنيين أو مجوسيين عربيين أو أعجميين من غير بني إسرائيل ودانا دين اليهود والنصارى أو أي دين دانا من الشرك إذا لم يكونا من بني إسرائيل أو يدينان دين اليهود والنصارى فأسلم أحد الزوجين قبل الآخر وقد دخل الزوج بالمرأة فلا يحل للزوج الوطء والنكاح موقوف على العدة فإن أسلم المتخلف عن الإسلام منهما قبل انقضاء العدة فالنكاح ثابت وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فالعصمة منقطعة بينهما وانقطاعها فسخ بلا طلاق وتنكح المرأة من ساعتها من شاءت ويتزوج أختها وأربعا سواها وعدتها عدة المطلقة فإن نكحت المرأة قبل أن تنقضي العدة فالنكاح مفسوخ فإن أصابها الزوج الذي نكحته فلها مهر مثلها وإن أسلم المتخلف عن الإسلام منهما قبل انقضاء عدتها فهي امرأته ويجتنبها حتى تنقضي عدتها من النكاح الفاسد وسواء كانت هي المسلمة قبل الزوج أو الزوج قبلها فإن كان الزوج المسلم منهما لم يكن له أن ينكح أخت المرأة في العدة فإن فعل فالنكاح مفسوخ وكذلك لا ينكح أربعا سواها وإن كانت هي المسلمة وهو المتخلف عن الإسلام فنكح أختها أو أربعا سواها ثم أسلم وأسلمن قبل انقضاء عدتها أمسك أربعا أيهن شاء وفارق سائرهن قال والنصرانيان واليهوديان في هذا كالوثنيين إذا أسلمت المرأة قبل الرجل ( قال الشافعي ) فإن أسلم الرجل قبل المرأة فهما على النكاح لأنه يجوز للمسلم أن يبتدئ نكاح يهودية ونصرانية قال : والأزواج في هذا الأحرار والمماليك سواء وإن كان أحد من بني إسرائيل مشركا يدين بغير دين اليهود والنصارى فهو كمن وصفنا من أهل الأوثان .
الإصابة والطلاق والموت والخرس

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا دخل الوثني بامرأته ثم أسلم أحدهما ثم مات أحد الزوجين لم يتوارثا فإن كان الزوج الميت أكملت عدتها من انقطاع العصمة عدة الطلاق ولم تعتد عدة وفاة ، وإن خرس المتخلف عن الإسلام منهما أو عته حتى تنقضي عدة المرأة فقد انقطعت العصمة بينهما ، ولو وصف الإسلام وهو لا يعقله فقد انقطعت العصمة بينهما . لا تثبت العصمة إلا بأن يسلم وهو يعقل [ ص: 49 ] الإسلام ، وكذلك لو كان المتخلف منهما عن الإسلام صبيا لم يبلغ فوصف الإسلام كانت العصمة بينهما منقطعة . ولو وصفه سكران كانا على النكاح لأني ألزم السكران إسلامه وأقتله إن لم يثبت عليه ولا ألزم ذلك المغلوب على عقله بغير السكر ولا ألزمه الصبي ولا أقتله إن لم يثبت عليه . ولو كان الزوج هو المسلم والمرأة هي المتخلفة وهي مغلوبة على عقلها أو غير بالغ فوصفت الإسلام قطعت العصمة بينهما . ولو أسلمت بالغة غير مغلوبة على عقلها إلا من سكر خمر أو نبيذ مسكر أثبت النكاح لأني أجبرها على الإسلام وأقتلها إن لم تفعل ، ولو شربت دواء فيه بعض السموم فأذهب عقلها فارتدت أو فعل هو فارتد أو كان أحدهما مشركا فأسلم ثم أفاق فأقام على أصل دينه لم أجعل لردتهما وإسلامهما في أوان ذهاب عقلهما حكما وهما كما كانا أولا على أي دين كانا حتى يحدثا غيره وهما يعقلان .
أجل الطلاق في العدة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسلم أحد الزوجين فوقفنا النكاح على العدة فطلق الزوج المرأة فالطلاق موقوف . فإن أسلم المتخلف عن الإسلام منهما في العدة وقع الطلاق وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فالطلاق ساقط لأنا قد علمنا أنه لم يسلم المتخلف منهما حتى انقطعت العصمة وأنه طلق غير زوجة قال : وهكذا لو آلى منهما أو تظاهر وقف فلزمه إن أسلم المتخلف منهما في العدة وسقط إن انقطعت العصمة : وإذا أسلم أحد الزوجين فخالعته كان الخلع موقوفا فإن أسلم المتخلف منهما فالخلع جائز ، وإن لم يسلم حتى تنقطع العصمة فالخلع باطل وما أخذ فيه مردود وكذلك لو خيرها فاختارت طلاقا أو جعل أمرها بيد رجل فطلقها كان موقوفا كما وصفت ، ولو أبرأته من صداق بلا طلاق أو وهب لها شيئا جازت براءتها وهبته كما يجوز للأزواج والمطلقات ومن الأزواج والمطلقات .
الإصابة في العدة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أسلم الرجل ولم تسلم امرأته في العدة فأصابها كانت الإصابة محرمة عليه لاختلاف الدينين ويمنع منها حتى تسلم أو تبين : فإن أسلمت في العدة لم يكن لها مهر لأنا علمنا أنه أصابها وهي امرأته وإن كان جماعهما محرما كما يكون محرما عليه بحيضها وإحرامها وغير ذلك فيصيبها فلا يكون لها عليه صداق : وإن لم تسلم حتى تنقضي عدتها من يوم أسلم فقد انقطعت عصمتها منه ولها عليه مهر مثلها وتكمل عدتها من يوم كانت الإصابة تعتد فيها بما مضى من عدتها يوم أسلم وهكذا لو كانت هي المسلمة وهو الثابت على الكفر إذا حاكمت إلينا .
النفقة في العدة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أسلمت المرأة قبل الزوج ثم أسلم الزوج وهي في العدة فهما [ ص: 50 ] على النكاح وإن أسلم الزوج بعد العدة انقطعت العصمة بينهما ولها عليه النفقة في العدة في الوجهين جميعا لأنها كانت محبوسة عليه وكان له متى شاء أن يسلم فيكونان على النكاح ولو كان الزوج هو المسلم وهي المتخلفة عن الإسلام ثم أسلمت في العدة أو لم تسلم حتى تنقضي لم يكن لها نفقة في أيام كفرها لأنها هي المانعة لنفسها منه ولو كان الزوج دفع إليها النفقة في العدة ثم لم تسلم فأراد الرجوع عليها بها لم يكن ذلك له لأنه تطوع لها بشيء ودفعه إليها ولو كان إنما دفعه إليها على أن تسلم فأسلمت أو لم تسلم كان له الرجوع به ولا جعل لأحد على الإسلام إلا أن يشاء الجاعل أن يسلمه لها متطوعا ولو اختلفا في الإسلام فقالت أسلمت يوم أسلمت أنت ولم تعطني نفقة ، وقال بل أسلمت اليوم فالقول قوله مع يمينه ولا نفقة عليه إلا أن تأتي ببينة على ما قالت فتؤخذ لها نفقتها منه من يوم قامت البينة أنها أسلمت .
الزوج لا يدخل بامرأته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كان الزوجان وثنيين ولم يصب الزوج امرأته وإن خلا بها وقفتهما فإن أسلم الرجل قبل المرأة فقد انقطعت العصمة بينهما ولها نصف المهر إن كان فرض لها صداقا حلالا وإن كان فرض صداقا حراما فنصف مهر مثلها وإن لم يكن فرض المتعة لأن فسخ النكاح كان من قبله فإن أسلمت المرأة قبله فقد انقطعت العصمة ولا شيء لها من صداق ولا متعة لأن فسخ النكاح من قبلها ولو أسلما جميعا معا فهما على النكاح وإن جاءا مسلمين معا وقد علمنا أن أحدهما أسلم أولا ولا ندري أيهما هو فالعصمة منقطعة ولا نصف مهر حتى نعلم أن الزوج أسلم أولا ولو ادعت المرأة أن الزوج أسلم أولا وقال هو بل أسلمت أولا فالقول قولها مع يمينها وعلى الزوج البينة لأن العقد ثابت فلا يبطل نصف المهر إلا بأن تسلم قبله ولو جاءنا مسلمين فقال الزوج أسلمنا معا وقالت المرأة أسلم أحدنا قبل الآخر كان القول قول الزوج مع يمينه ولا تصدق المرأة على فسخ النكاح ( قال الشافعي ) وفيها قول آخر أن النكاح منفسخ حتى يتصادقا أو تقوم بينة على أن إسلامهما كان معا لأن الإسلام فسخ العقدة إلا أن يكون معهما فأيهما ادعى فسخها كان القول قوله مع يمينه ولو كانت المرأة التي قالت أسلمنا معا وقال الزوج بل أسلم أحدنا قبل الآخر انفسخ النكاح بإقراره بأنه منفسخ ولم يصدق هو على المهر وأغرم لها نصف المهر بعد أن تحلف بالله أن إسلامهما لمعا ولو شهد على إسلام المرأة ثم جاء الزوج فقال قد أسلمت معها كلف البينة فإن جاء بها كانت امرأته وإن لم يأت بها فقد علمنا إسلامها قبل أن نعلم إسلامه فتحلف له ما أسلم إلا قبلها أو بعدها وتنقطع العصمة بينهما وأيهما كلفناه البينة على أن إسلامهما كان معا أو على وقت إسلامه ليدل على أن إسلامهما كان معا لم تقبل بينته حتى يقطعوا على أنهما أسلما جميعا معا فإن شهدوا لأحدهما دون الآخر فشهدوا أنه أسلم يوم كذا من شهر كذا حين غابت الشمس لم يتقدم ذلك ولم يتأخر أو طلعت الشمس لم يتقدم ذلك ولم يتأخر وعلم أن إسلام الآخر كان في ذلك الوقت أثبتنا النكاح وإن قالوا مع مغيب الشمس أو زوالها أو طلوع الشمس لم يثبت النكاح لأنه يمكن أن يقع هذا على وقتين أحدهما قبل الآخر .
[ ص: 51 ] اختلاف الزوجين

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن رجلا دخل بامرأته وأصابها ثم أتيانا معا مسلمين فقالت المرأة كنا مشركين فأسلمت قبله أو أسلم قبلي وانقضت عدتي قبل أن يسلم المتأخر منا وقال الزوج ما كنا قط إلا مسلمين أو قال كنا مشركين فأسلمنا معا ، أو أسلم أحدنا قبل الآخر ولم تنقض عدة المرأة حتى أسلم المتخلف عن الإسلام منا فإن قامت بينة أخذت بها وإن لم تقم بينة فالقول قول الزوج ولا تصدق المرأة على إفساد النكاح لأنهما يتصادقان على عقده وتدعي المرأة فسخه ولو كان الرجل هو المدعي فسخه لزمه فسخه بإقراره ولم يصدق على نصف الصداق لو كان لم يدخل بها وتحلف وتأخذه منه ولو أن امرأة ورجلا كافرين أتيانا مسلمين فتصادقا على النكاح في الكفر وهي ممن تحل له بحال كانت زوجته ولو تناكرا لم تكن زوجته إلا ببينة تقوم على نكاح أو إقرار من كل واحد منهما بالناكح أو إقرار من المنكر منهما للنكاح ثم تكون زوجته .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا تناكح الزوجان المشركان بصداق يجوز لمسلم أن ينكح به ودخل بها الزوج ثم انقطعت العصمة بينهما وأسلما فالمهر للمرأة ما كان فإن كانت قبضته فقد استوفت وإن لم تكن قبضته أخذته من الزوج وإن تناكرا فيه فقال الزوج قد قبضته وقالت المرأة لم أقبضه فالقول قول المرأة وعلى الزوج البينة وهكذا لو لم يكن النكاح انفسخ أو أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر وإن كان الصداق فاسدا فلها مهر مثلها وإن كان الصداق محرما مثل الخمر وما أشبهه فلم تقبضه فلها مهر مثلها وإن قبضته بعدما أسلم أحد الزوجين فلها مهر مثلها وليس لمسلم أن يعطي خمرا ولا لمسلم أن يأخذه وإن قبضته وهما مشركان فقد مضى وليس لها غيره لأن الله عز وجل يقول { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } فأبطل ما أدرك الإسلام ولم يأمرهم برد ما كان قبله من الربا فإن كان أرطال خمر فأخذت نصفه في الشرك وبقي نصفه أخذت منه نصف صداق مثلها وكذلك إن كان الباقي منه الثلث أو الثلثين أو أقل أو أكثر رجعت بعده بما يبقى منه من صداق مثلها ولم يكن لواحد منهما أخذ الخمر في الإسلام إذا كان المسلم يعطيه مشركا أو المشرك يعطيه مسلما وإن أخذه أحدهما في الإسلام أهراقه ولم يرده على الذي أخذه منه بحال إلا أن يعود خلا من غير صنعة آدمي فيرد الخل إلى دافعه لأن عين ماله صارت خلا وترجع بمهر مثلها ولو صارت خلا من صنعة آدمي أهراقها ولم يكن لها الاستمتاع بها ولا ردها وترجع بما بقي من الصداق وإن كان الزوجان مسلمين في أي دار كانا في دار الإسلام أو دار الحرب فارتد أحدهما فالقول فيه كالقول في الزوجين الوثنيين يسلم أحدهما لا يختلف في حرف من فسخ النكاح وغيره من التحريم لأنه في مثل معنى ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزوجين الحربيين يسلم أحدهما قبل الآخر أنه يثبت النكاح إذا أسلم آخرهما إسلاما قبل مضي العدة فوجدت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إثبات عقد النكاح في الشرك وعقد نكاح الإسلام ثابت ووجدت في حكم الله تبارك وتعالى تحريم المسلمات على المشركين وتحريم المشركات من أهل الأوثان على المسلمين

[ ص: 52 ] ووجدت أحد الزوجين إذا ارتد حرم الجماع أيهما كان المسلم المرأة أولا أو الزوج فلا يحل وطء كافرة لمسلم أو الزوجة فلا يحل وطء مسلمة لكافر فكان في جميع معاني حكم النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالفه حرفا واحدا في التحريم والتحليل فإن ارتد الزوج بعد الوطء حيل بينه وبين الزوجة فإن انقضت عدتها قبل أن يرجع الزوج إلى الإسلام انفسخ النكاح وإن ارتدت المرأة أو ارتدا جميعا أو أحدهما بعد الآخر فهكذا أنظر أبدا إلى العدة فإن انقضت قبل أن يصيرا مسلمين فسختها وإذا أسلما قبل أن تنقضي العدة فهي ثابتة ( قال الشافعي ) في المسلمين يرتد أحدهما والحربيين يسلم أحدهما ثم يخرس المرتد منهما قبل أن يسلم أو يغلب على عقله إذا مضت العدة قبل أن يسلم المتخلف عن الإسلام منهما انقطعت العصمة والعقدة فإذا لم تثبت إلا بأن يكونا مسلمين قبل انقضاء العدة فقد انقضت العدة قبل أن يكونا مسلمين ولو خرس المرتد منهما وقد أصابها الزوج قبل الردة ولم يذهب عقله فأشار بالإسلام إشارة تعرف وصلى قبل انقضاء العدة أثبتنا النكاح فإن كان هو الزوج فنطق فقال كانت إشارتي بغير إسلام وصلاتي بغير إيمان إنما كانت لمعنى يذكره جعلنا عليه الصداق وفرقنا بينهما إن كانت العدة مضت وإن لم تكن مضت حلنا بينه وبينها حتى تنقضي العدة الأولى وإن كان أصابها بعد الردة جعلنا صداقا آخر وتستقبل العدة من الجماع الآخر وتكمل عدتها من الأول وتعتد بها في الآخر وإن كان أسلم في العدة الآخرة لم يكن له أن يثبت النكاح فيها لأنها إنما تعتد من نكاح فاسد ولو أسلم في بقية العدة الأولى ثبت النكاح ( قال الشافعي ) وإذا كانت الزوجة المرتدة فأشارت بالإسلام إشارة تعرف وصلت فخلي بينها وبين زوجها فأصابها فقالت كانت إشارتي بغير الإسلام وصلاتي في غير الإسلام لم تصدق على فسخ النكاح وجعلت الآن مرتدة تستتاب وإلا تقتل فإن رجعت في عدتها إلى الإسلام ثبتا على النكاح ( قال الشافعي ) وإن كان الزوج المرتد فهرب واعتدت المرأة فجاء مسلما وزعم أن إسلامه كان قبل إتيانه بشهر وذلك الوقت قبل مضي عدة زوجته وقد انقضت عدتها فأنكرت إسلامه إلا في وقت خرجت فيه من العدة فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة وإذا انفسخت العقدة بين الكافرين يسلم أحدهما أو المسلمين يرتد أحدهما بانقضاء العدة تزوجت المرأة مكانها وتزوج الرجل أختها وأربعا سواها .
الفسخ بين الزوجين بالكفر ولا يكون إلا بعد انقضاء العدة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن نصرانيين أو يهوديين من بني إسرائيل كانا زوجين فأسلم الزوج كان النكاح كما هو لأن اليهودية والنصرانية حلال للمسلم لا يحرم عليه ابتداء نكاحها ولو كانت المرأة المسلمة كانت المسألة فيها كالمسألة في الوثنيين تسلم المرأة فيحال بين زوج هذه وبينها فإن أسلم وهي في العدة فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة انقطعت العصمة بينهما وإن لم يكن دخل بها انقطعت العصمة بسبقها إياه إلى الإسلام لأنها لا عدة عليها ولو أن مسلما تحته يهودية أو نصرانية فارتدت فتمجست أو تزندقت فصارت في حال من لا تحل له كانت في فسخ النكاح كالمسلمة ترتد إن

[ ص: 53 ] عادت إلى الدين الذي خرجت منه من اليهودية أو النصرانية قبل مضي العدة حلت له وإن لم تعد حتى تنقضي العدة فقد انقطعت العصمة بينهما فأما من دان دين اليهود والنصارى من العرب والعجم غير بني إسرائيل في فسخ النكاح وما يحرم منه ويحل فكأهل الأوثان وعدة الحرة سواء مسلمة كانت أو كتابية أو وثنية تحت وثني أسلم ولم يسلم إذا حكمنا عليه وعدة كل أمة سواء مسلمة أو كتابية ولا يحل نكاح أمة من أهل الكتاب لمسلم أو أمة حربية لحر حربي كل من حكمنا عليه فإنما نحكم عليه حكم الإسلام ولو كان الزوجان حربيين كتابيين فأسلم الزوج كانا على النكاح وأكره نكاح أهل الحرب ولو نكح وهو مسلم حربية كتابية لم أفسخه وإنما كرهته لأني أخاف عليه هو أن يفتنه أهل الحرب على دينه أو يظلموه وأخاف على ولده أن يسترق أو يفتن عن دينه فأما أن تكون الدار تحرم شيئا أو تحله فلا ولو حرم عليه وحل بالدار لزمه أن يحرم عليه نكاح مسلمة مقيمة في دار الحرب وهذا لا يحرم عليه الدار لا تحل شيئا من النكاح ولا تحرمه إنما يحله ويحرمه الدين لا الدار .
الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة

قال الله تبارك وتعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن ابن شهاب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن } أخبرني الثقة ابن علية أو غيره عن معمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه { أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أمسك أربعا وفارق أو دع سائرهن } أخبرني من سمع محمد بن عبد الرحمن يخبر عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن نوفل بن معاوية ( قال الشافعي ) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن انتهاء الله عز وجل في العدد بالنكاح إلى أربع تحريم أن يجمع رجل بنكاح بين أكثر من أربع ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الخيار فيما زاد على أربع إلى الزوج فيختار إن شاء الأقدم نكاحا أو الأحدث وأي الأختين شاء كان العقد واحدا أو في عقود متفرقة لأنه عفا لهم عن سالف العقد ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل غيلان عن أيهن نكح أولا ثم جعل له حين أسلم وأسلمن أن يمسك أربعا ولم يقل الأوائل أو لا ترى أن نوفل بن معاوية يخبر أنه طلق أقدمهن صحبة ويروى { عن الديلمي أو ابن الديلمي أنه أسلم وعنده أختان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك أيتهما شاء ويطلق الأخرى } فدل ما وصفت على أنه يجوز كل عقد نكاح في الجاهلية كان عندهم نكاحا إذا كان يجوز مبتدؤه في الإسلام بحال وأن في العقد شيئين أحدهما العقد الفائت في الجاهلية والآخر المرأة التي تبقى بالعقد فالفائت لا يرد إذا كان الباقي بالفائت يصلح بحال وكان ذلك كحكم الله تعالى في الربا قال الله تعالى { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } ولم يجز أن يقال إذا أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أمسك الأوائل لأن عقدهن صحيح وذلك أنه ليس من عقد الجاهلية صحيح لمسلم لأنه بشهادة أهل الشرك ولكنه كما وصفت معفو لهم عنه كما عفي عما مضى من الربا فسواء ما كان عندهم لا يختلف فكان في أمر الله عز وجل برد ما بقي من الربا دليل على أن ما قبض منه في الجاهلية لا يرد لأنه تم في الجاهلية وأن ما عقد ولم يتم بالقبض حتى جاء الإسلام يرد فكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمام العقد عندهم وإن كان لا يصلح أن يعقد مثله في الإسلام بحال فإذا

[ ص: 54 ] كان يصلح أن يعقد نكاح المنكوحة في الإسلام بحال تمت وأمر أن يمسك بالعقد في الجاهلية وإذا كان لا يصلح أن يبتدأ في الإسلام بحال كان الاستمتاع بها لأنها عين قائمة لا يجوز كما لا يجوز أخذ الربا في الإسلام لأنه عين قائمة لم تفت .
نكاح المشرك

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فأي مشرك عقد في الشرك نكاحا بأي وجه ما كان العقد وأي امرأة كانت المنكوحة فأسلم متأخر الإسلام من الزوجين والمرأة في عدتها حتى لا تكون العدة منقضية إلا وهما مسلمان فإن كان يصلح للزوج ابتداء نكاحها ساعة اجتمع إسلامهما بحال فالنكاح ثابت ولا يكون للزوج فسخه إلا بإحداث طلاق وإن كان لا يصلح للزوج ابتداء نكاحها حين يجتمع إسلامهما بحال فالنكاح في الشرك منفسخ فلو جاءت عليها بعد اجتماع إسلامهما مدة يحل بها ابتداء نكاحها لم يحل نكاح الشرك ويحل بابتداء نكاح غيره في الإسلام إلا ما ذكرنا أنه يزيد على أربع من النساء فإن ذلك معنى غير هذا ولا ينظر إلى عقده في الشرك بولي أو غير ولي أو شهود أو غير شهود وبأي حال كان يفسد فيها في الإسلام أو نكاح محرم أو غيره مما عقد إلى غير مدة تنقطع بغير الموت وسواء في هذا نكاح الحربي والذمي والموادع وكذلك هم سواء في المهور والطلاق والظهار والإيلاء ويختلف المعاهد وغيره في أشياء نبينها إن شاء الله تعالى .
تفريع نكاح أهل الشرك

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا نكح الرجل المرأة في عدتها في دار الحرب مشركين فأنظر إذا اجتمع إسلامهما فإن كانت خارجة من العدة فالنكاح ثابت لأنه يصلح له حينئذ ابتداء نكاحها وإن كانت في شيء من العدة فالنكاح مفسوخ وليس لها أن تنكحه ولا غيره حتى تكمل العدة لأنه ليس له حينئذ أن يبتدئ نكاحها فإن كان أصابها في العدة أكملت العدة منه وتدخل فيها العدة من الذي قبله لأنهما لو لم يجتمع إسلامهما إلا بعد مضي عدتها من الأول أثبت النكاح ولم أرده بالعدة كما أرده في الإسلام بالعدة مكانه وبعد مدة طويلة ولو اجتمع إسلام الأزواج وعنده أربع إماء فإن كان موسرا فنكاحهن كلهن منفسخ وكذلك إن كان معسرا لا يخاف العنت فإن كان معسرا لا يجد ما ينكح به حرة ويخاف العنت أمسك أيتهن شاء وانفسخ نكاح البواقي وإن أسلم بعضهن بعده فسواء ينتظر إسلام البواقي فمن اجتمع إسلامه وإسلام الزوج قبل مضي عدة المسلمة كان له الخيار فيه
ولو أسلم رجل وعنده أم وابنتها فإن كان دخل بواحدة منهما فنكاحهما عليه محرم على الأبد إن كان دخل بالأم فالبنت ربيبته من امرأة قد دخل بها وإن كان دخل بالبنت فالأم أم امرأة قد دخل بها فإن لم يكن دخل بواحدة منهن كان له أن يمسك البنت إن شاء ولم يكن له أن يمسك الأم أولا كانت أو آخرا إذا ثبت له العقدان في الشرك إذا جاز أحدهما في الإسلام بحال جاز نكاح البنت بعد الأم إذا لم يدخل بالأم ولا يجوز نكاح الأم وإن لم يدخل بالبنت لأنها مبهمة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #196  
قديم 18-11-2022, 11:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,521
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (196)
صــــــــــ 55 الى صـــــــــــ 61


ولو أسلم رجل وعنده أم وابنتها قد وطئهما [ ص: 55 ] بملك اليمين

حرم عليه وطؤهما إلى الأبد . ولو كان وطئ الأم حرم عليه وطء البنت ، ولو كان وطئ البنت حرم عليه وطء الأم ويمسكهن في ملكه وإن حرمت عليه فروجهن أو فرج من حرم فرجه منهن .
ولو أسلم وعنده امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها قد دخل بهما أو لم يدخل أو دخل بإحداهما ولم يدخل بالأخرى كان ذلك كله سواء ويمسك أيتهما شاء ويفارق الأخرى ولا يكره من هاتين إلا ما يكره من الجمع بين الأختين وكل واحدة منهما حلال على الانفراد بعد صاحبتها وهكذا الأختان إذا أسلم وهما عنده لا يخالفان المرأة وعمتها والمرأة وخالتها
( قال الشافعي ) ولو أسلم وعنده أمة وحرة أو إماء وحرة فاجتمع إسلامهن في العدة فنكاح الإماء مفسوخ والحرة ثابت معسرا يخاف العنت كان أو غير معسر ولا بخائف للعنت لأن عنده حرة فلا يكون له ابتداء نكاح أمة بحال ولو كانت المسألة بحالها فطلق الحرة قبل أن تسلم أو بعدما أسلمت وقد أسلم أو لم يسلم ثلاثا وكان معسرا يخاف العنت ثم اجتمع إسلامه وإسلام الإماء وقف نكاحهن فإن اجتمع إسلامه وإسلام الحرة في عدتها فنكاح الإماء مفسوخ والحرة طالق ثلاثا لأنا قد علمنا أنها زوجة ولها المهر الذي سمي لها إن كان دخل بها ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن لم يجتمع إسلامهما حتى تنقضي عدتها فنكاح الحرة مفسوخ بغير طلاق والطلاق غير واقع عليها لأنا قد علمنا إذا مضت العدة قبل أن يجتمع إسلامهما أنه طلق غير زوجة ويختار من الإماء واحدة إذا كان له أن يبتدئ نكاح أمة فإذا اجتمع إسلامه وإسلامهن وهو ممن ليس له أن يبتدئ نكاح أمة انفسخ نكاحهن معا
ولو كان عنده إماء أو أمة فأسلم وهو ممن له أن يبتدئ نكاح أمة فاجتمع إسلامه وإسلام الأمة في حال يكون له فيها ابتداء نكاح أمة كان له أن يمسك من الإماء اللاتي اجتمع إسلامهن وإسلامه وله نكاح أمة ، وإن أسلم بعضهن قبل بعض وأيسر بعد عسر بحرة لم يحرم عليه إمساك واحدة منهن لأني أنظر إلى حاله حين اجتمع إسلامه وإسلامهن ، وإن اختلف وقت إسلامهن فأيهن كان إسلامه وهو يحل له ابتداء نكاحه كان له أن يمسك واحدة من الإماء ولم يجز له أن يمسك واحدة من اللاتي أسلمن وهو لا يحل له إمساك واحدة منهن ، وإذا كانت عنده أمة وحرائر أو حرائر وإماء وهو ممن له أن ينكح أمة فاجتمع إسلامه وإسلام أمة أو أكثر من الإماء وقف عنهن ، فإن أسلمت حرة في عدتها فقد انفسخ نكاح الإماء كلهن اللاتي أسلمن وتخلفن وإن لم تسلم واحدة من الحرائر حتى تنقضي عددهن اختار من الإماء واحدة إن كن أكثر من واحدة وثبتت عنده واحدة إن لم يكن غيرها ولو اجتمع إسلامه وإسلام أمة أو إماء فعتقن بعد اجتماع إسلامه وإسلام حرة وقفناهن فإن أسلمت الحرة في العدة فنكاحهن منفسخ وإن لم يجتمع إسلامه وإسلام حرة في عدة اختار من الإماء واحدة إذا كان ممن يحل له نكاح الإماء لأني إنما أنظر إلى يوم يجتمع إسلامه وإسلامها فإن كان يجوز له في ذلك الوقت ابتداء نكاحها جعلت له إمساكها إن شاء وإن كان ممن لا يجوز له ابتداء نكاحها لم أثبت نكاحها معه بالعقد الأول بمدة تأتي بعدها ولو عتقن قبل أن يسلمن كن كمن ابتدأ نكاحه وهن حرائر وكذلك لو أسلمن هن وهو كافر فلم يجتمع إسلامه وإسلامهن حتى يعتقن كان كمن ابتدأ نكاحه وهن حرائر
ولو كان عند عبد أربع إماء فأسلم وأسلمن قيل له أمسك اثنتين وفارق سائرهن ، ولو كان عنده حرائر فاجتمع إسلامه وإسلامهن ولم ترد واحدة منهن فراقه قيل له أمسك اثنتين وفارق سائرهن ، وكذلك إن كن إماء وحرائر مسلمات أو كتابيات ولو كن إماء فعتقن قبل إسلامه فاخترن فراقه كان ذلك لهن لأنه يكون لهن بعد إسلامه وعددهن عدد حرائر فيحصين من يوم اخترن فراقه فإذا اجتمع إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر ومن يوم اخترن فراقه وإن لم يجتمع [ ص: 56 ] إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر من يوم أسلم متقدم الإسلام منهما لأن الفسخ كان من يومئذ إذا لم يجتمع إسلامهما في العدة وعددهن عدد حرائر بكل حال لأن العدة لم تنقض حتى صرن حرائر وإن لم يكن اخترن فراقه ولا المقام معه خيرن إذا اجتمع إسلامه وإسلامهن معا . وإن تقدم إسلامهن قبل إسلامه فاخترن المقام معه ثم أسلم خيرن حين يسلم وكان لهن أن يفارقنه وذلك أنهن اخترن المقام معه ولا خيار لهن إنما يكون لهن الخيار إذا اجتمع إسلامهن وإسلامه ولو اجتمع إسلامه وإسلامهن وهن إماء ثم عتقن من ساعتهن ثم اخترن فراقه لم يكن ذلك لهن إذا أتى عليهن أقل أوقات الدنيا وإسلامهن وإسلامه مجتمع . ولو اجتمع إسلامهن وإسلامه وعتقهن وعتقه معا لم يكن لهن خيار ، وكذلك لو اجتمع إسلامهن وإسلامه فعتقن فلم يخترن حتى يعتق الزوج لم يكن لهن خيار .
ولو كان عند عبد أربع حرائر فاجتمع إسلامه وإسلام الأربع معا كأنهن أسلمن معه في كلمة واحدة أو متفرقات ثم عتقن قيل له اختر اثنتين وفارق اثنتين ، وسواء أعتق في العدة أو بعد ما تنقضي عددهن لأنه كان يوم اجتمع إسلامه وإسلامهن مملوكا ليس له أن يجاوز اثنتين : قال وكذلك لو اجتمع إسلامه وإسلام اثنتين في العدة ثم عتق ثم أسلمت الاثنتان الباقيتان في العدة لم يكن له أن يمسك إلا اثنتين ، أي الاثنتين شاء ، اللتين أسلمتا أولا أو آخرا لأنه عقد في العبودية وإنما يثبت له عقد العبودية مع اجتماع إسلامه وإسلام أزواجه قبل مضي العدة فلا يثبت له بعقد العبودية إلا اثنتان ، وإذا اختار اثنتين فهو ترك للاثنتين اللتين اختار غيرهما وله أن ينكحهما مكانه إن شاءتا وذلك أن هذا ابتداء نكاح بعد إذ صار حرا فله في الحرية الجمع بين أربع
وإذا نكح المملوك المملوكة في الشرك ثم أعتق فملكها أو بعضها أو أعتقت فملكته أو بعضه ثم اجتمع إسلامهما معا في العدة وقد أقام في الكفر على النكاح فلا نكاح بينهما
وإذا تزوج الرجل في الشرك فأصاب امرأته ثم أسلم الزوج قبل المرأة أو المرأة قبل الزوج فسواء والنكاح موقوف على العدة فإذا أسلم المتأخر الإسلام منهما قبل أن تنقضي عدة المرأة والنكاح مما يصلح ابتداؤه في الإسلام ولم يكن فيهن من لا يصلح الجمع بينه فالنكاح ثابت ، وهكذا إن كن حرائر ما بين واحدة إلى أربع ولا يقال للزوج اختر وهن أزواجه فإن شاء أمسك وإن شاء طلق وإن مات ورثنه وإن متن ورثهن فإن قال قد فسخت نكاحهن أو نكاح واحدة منهن وقف ، فإن قال أردت إيقاع طلاق وقع عليه الطلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق ، وإن قال عنيت أن نكاحهن كان فاسدا لم يكن طلاقا ويحلف ما كانت إرادته إحداث طلاق وإن كانت عنده أكثر من أربع فأسلم وأسلمت واحدة في العدة فقال قد اخترت حبسها ثم أسلمت أخرى فقال قد اخترت حبسها حتى يقول ذلك في أربع كان ذلك له وثبت نكاحهن باختياره لهن وكان نكاح الزوائد على الأربع منفسخا ولو قال كلما أسلمت واحدة قد اخترت فسخ نكاحها وقف فسخه فإن أسلمن معا أو لم يقل من هذا شيئا حتى أسلمن معا أو بعضهن قبل بعض غير أن كل واحدة منهن أسلمت قبل أن تنقضي عدتها خير فقيل أمسك أربعا أيتهن شئت وفارق سائرهن لأن اختيارك فسخ لمن فسخت ولم يكن لك فسخهن إلا بأن تريد طلاقا ولا عليك فسخ نكاحهن فإذا أمسك أربعا فقد انفسخ نكاح من زاد عليهن بلا طلاق لأنه يجبر على أن يفارق ما زاد على أربع فلا يكون طلاقا ما جبر عليه وإنما أثبتنا له العقد باختياره فإن السنة جعلت له الخيار في إمساك أيتهن شاء فاتبعنا السنة قال والاختيار أن يقول قد أمسكت فلانة أو قد أمسكت بعقد فلانة أو قد أثبت عقد فلانة أو ما أشبه هذا فإذا قال هذا في أربع انفسخ عقد من زاد عليهن ، ولو قال رجعت فيمن اخترت إمساكه منهن واخترت البواقي كان البواقي براء منه لا سبيل له [ ص: 57 ] عليهن إلا بنكاح جديد ووقفناه عند قوله : رجعت فيمن اخترت فإن قال أردت به طلاقا فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق وإن قال لم أرد به طلاقا أردت أني رأيت الخيار لي أو غير ذلك حلف ما أراد به طلاقا ولم يكن طلاقا ( قال الشافعي ) وعلى اللاتي فسخ نكاحهن باختيار غيرهن عدة مستقبلة من يوم انفسخ نكاحهن لأنهن مدخول بهن انفسخ نكاحهن ، وإن قال ما أردت بقولي قد أثبت عقد فلانة واللاتي قال ذلك لهن معا أو اخترت فلانة أو ما قاله مما يشبه هذا الكلام إثبات عقدهن دون البواقي انفسخ عقد البواقي في الحكم ولم يدن فيه ويثبت عقد اللواتي أظهر اختيارهن ووسعه إصابتهن لأن نكاحهن ثابت لا يزول إلا بأن يفسخه وهو لم يفسخه إنما يفسخه اختيار غيرهن وهو لم يختر غيرهن ، وأحب إلي أن يحدث لهن اختيارا فيكون ذلك فسخا للبواقي اللاتي فسخ عقدهن في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل فيسعه حبس اللاتي فسخناهن عليه بأن يحدث لهن اختيارا أو يفسخ فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى نكاح اللاتي حكمنا له بهن ( قال الشافعي ) والحكم كما وصفت فلو اختار أربعا ثم قال لم أرد اختيارهن وقد اخترت الأربع البواقي ألزمناه الأربع اللاتي اختار أولا وجعلنا اختياره الآخر باطلا كما لو نكح امرأة فقال ما أردت بنكاحها عقد نكاح ألزمناه إياه لأنه الظاهر من قوله وهو أبين أنه له حلال من المرأة يبتدئ نكاحها لأن نكاحهن ثابت إلا بأن يفسخه وهو لم يفسخه
قال ولو أسلم وثمان نسوة له فقال قد فسخت عقد أربع بأعيانهن ثبت عقد اللاتي لم يفسخ عقدهن ، ولم أحتج إلى أن يقول قد أثبت عقد البواقي ولا اخترت البواقي كما لا أحتاج إذا كن أربعا فأسلم وأسلمن إلى أن يقول قد أثبت عقدهن وهن ثوابت بالعقد الأول واجتماع إسلام الزوجين في العدة .
قال وإذا أسلم وعنده أربع منهن أختان وامرأة وعمتها قيل له أمسك أي الأختين شئت وإحدى المرأتين بنت الأخ أو العمة وفارق اثنتين ( قال الشافعي ) وإن كان معه أربع نسوة سواهن قيل له أمسك أربعا ليس لك أن يكون فيهن أختان معا أو المرأة وعمتها معا
قال ولو أسلم وعنده حرائر يهوديات أو نصرانيات من بني إسرائيل كن كالحرائر المسلمات لأنه يصلح له أن يبتدئ نكاحهن كلهن ، ولو كن يهوديات أو نصرانيات من غير بني إسرائيل من العرب أو العجم انفسخ نكاحهن كلهن وكن كالمشركات الوثنيات إلا أن يسلمن في العدة ولو كن منبني إسرائيل يدن غير دين اليهود والنصارى من عبادة وثن أو حجر أو مجوسية لم يكن له إمساك واحدة منهن لأنه لا يكون له ابتداء نكاحهن قال وكذلك لو كن إماء يهوديات أو نصرانيات من بني إسرائيل انفسخ نكاحهن لأنه لا يصلح له أن يبتدئ نكاحهن في الإسلام
( قال الشافعي ) ولو أسلم رجل وعنده أكثر من أربع نسوة قد أصاب منهن أربعا ولم يصب أربعا وأسلمن قبله أو بعده غير أن إسلام اللاتي لم يدخل بهن كلهن كان قبله أو بعده فالعصمة بينه وبين اللاتي لم يدخل بهن منقطعة ونكاح اللاتي دخل بهن ثابت وهو كرجل أسلم وعنده أربع نسوة ليس عنده غيرهن ( قال الشافعي ) ولو كانت المسألة بحالها فأسلمن قبله أو أسلم قبلهن ثم أصاب واحدة من اللاتي لم يدخل بهن كانت إصابته إياها محرمة وعليه لها مهر مثلها للشبهة وذلك أنها بعد انقطاع العصمة بينهما ولم يكن له أن يمسكها وكان له أن يبتدئ نكاحها إذا لم يكن عنده أربع سواها ولا من يحرم أن يجمع بينها وبينه ولها عليه صداق مثلها بالإصابة وعليها العدة والولد لاحق إن كان ولد ولا حد على واحد منهما للشبهة .
[ ص: 58 ] ترك الاختيار والفدية فيه

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسلم الرجل وعنده أربع نسوة أو أكثر فأسلم بعضهن فسأل أن يخير فيهن وفي البواقي لم نقفه في التخيير حتى يسلم البواقي في عددهن أو تنقضي عددهن قبل أن يسلمن ثم يخير إذا اجتمع إسلامه وإسلام أكثر من أربع فيهن وله أن يختار إمساك أربع من اللاتي أسلمن فيكون ذلك فسخا لنكاح البواقي المتخلفات عن الإسلام أسلمن أو لم يسلمن ، وكذلك لو اختار واحدة أو اثنتين ينتظر من بقي ويكون له الخيار فيمن بقي حتى يكمل أربعا ، وإن كن ثمانيا فأسلم أربع فقال قد اخترت فسخ نكاحهن وحبس البواقي غيرهن وقفت الفسخ فإن أسلم الأربع البواقي في عددهن فعقد الأوائل منفسخ بالفسخ المتقدم وإن مضت عددهن قبل أن يسلمن فهي كالمسألة قبلها فإن كان أراد به إيقاع طلاق فهو طلاق وإن لم يرد به إيقاع طلاق حلف وكن نساءه
[ ص: 59 ] من ينفسخ نكاحه من قبل العقد ومن لا ينفسخ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أسلم وعنده امرأة عقد نكاحها غير مطلق وأسلمت لم يكن له أن يثبت على نكاحها لأنها لم يعقد عليها عقد نكاح وذلك أن يكون نكاحها متعة والناكح متعة لم يملك أمرا لامرأة على الأبد إنما ملكها مدة دون مدة أو نكحها على أنها بالخيار أو أن رجلا أو امرأة غيرها بالخيار أو أنه هو بالخيار لأن هذا كله في معنى أنه لم يملك أمرها بالعقد مطلقا ولو أبطلت الناكحة متعة شرطها على الزوج قبل أن يسلم واحد منهما ثم أسلما لم تكن امرأته لأنه لم يعقد لها على الأبد ولم يكن شرطه عليها في العقد ولو اجتمعت هي وهو فأبطلا الشرط قبل أن يسلم واحد منهما ثم أسلما معا فالنكاح مفسوخ إلا أن يبتدئا نكاحا في الشرك غيره قال وهكذا كل ما ذكرت معه من شرط الخيار له أو لها أو لهما معا أو لغيرهما منفردا أو معهما لم يكن النكاح مطلقا إذا أبطلاه وإذا لم يبطلاه لم يثبت ولا يخالف نكاح المتعة في شيء ولو أن رجلا نكح امرأة في الشرك بغير شهود أو بغير ولي محرم لها فأسلما أو أي نكاح أفسدناه في الإسلام بحال غير ما وصفت من النكاح الذي لا نملكه فيه أمرها على الأبد وكان ذلك عندهم نكاحا جائزا وإن كانوا ينكحون أجوز منه ثم اجتمع إسلامهما في العدة ثبتا على النكاح ولو أن رجلا غلب على امرأة بأي غلبة كانت أو طاوعته فأصابها وأقام معها أو ولدت منه أو لم تلد منه ولم يكن ذلك نكاحا عندهم ثم أسلما في العدة لم يكن ذلك نكاحا عندهم وفرق بينهما عندهم ولا مهر لها عليه إلا أن يصيبها بعدما يسلم على وجه شبهة فلها عليه مهر مثلها لأني لا أقضي لها عليه بشيء فائت في الشرك لم يلزمه إياه نكاحها إذا لم يكن عندهم أو عنده إذا لم يكونا معاهدين يجري عليهما الحكم وهذا كله إذا نكح مشركة وهو مشرك ( قال الشافعي ) فإن كان مسلما فنكح مشركة وثنية أو مشركا فنكح مسلمة فأصابها ثم اجتمع إسلامهما في العدة فالنكاح ينفسخ بكل حال لأن العقد محرم باختلاف الدينين ولا يثبت إلا بنكاح مستقبل . ولو كان طلقها في الشرك في المسألتين معا لم يلزمها الطلاق
( قال الشافعي ) وإذا أسلم الرجل من أهل الحرب وامرأته كافرة ثم ارتد عن الإسلام قبل أن تسلم امرأته فإن أسلمت امرأته قبل أن تنقضي عدتها وعاد إلى الإسلام قبل انقضاء عدتها حتى يكونا في العدة مسلمين معا فهما على النكاح . وإن أسلم قبلها ثم ارتد ثم أسلم ولم تنقض العدة ثم أسلمت في العدة فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فقد انفسخ النكاح ، ولو أسلمت وهو مرتد فمضت عدتها وهو على ردته انفسخ ولو عاد بعد انقضاء عدتها إلى الإسلام فقد انفسخ نكاحها وانقضت عدتها وتنكح من شاءت والعدة من يوم أسلم وهكذا إن كانت هي المسلمة أو لا فارتدت لا يختلفان وسواء أقام المرتد منهما في دار الإسلام أو لحق بدار الشرك أو عرض عليه الإسلام أو لم يعرض إذا أسلم المرتد عن الإسلام قبل انقضاء عدة المرأة فهما على النكاح ، قال وتصدق المرأة المرتدة على انقضاء عدتها في كل ما أمكن مثله كما تصدق المسلمة عليها في كل ما أمكن كانت هي المرتدة أو الزوج فإن كان الزوج لم يصبها فارتد أو ارتدت انفسخ النكاح بينهما بردة أيهما كان لأنه لا عدة فإن كان هو المرتد فلها نصف الصداق لأن فساد النكاح كان من قبله ، ولو كانت هي المرتدة فلا [ ص: 60 ] صداق لها لأن فساد النكاح كان من قبلها وسواء في هذا كل زوجين
( قال الشافعي ) وردة السكران من الخمر والنبيذ المسكر في فسخ نكاح امرأته كردة المصحي وردة المغلوب على عقله من غير المسكر لا تفسخ نكاحا .
طلاق المشرك

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد نكاح الشرك وأقر أهله عليه في الإسلام لم يجز - والله تعالى أعلم - إلا أن يثبت طلاق الشرك لأن الطلاق يثبت بثبوت النكاح ويسقط بسقوطه فلو أن زوجين أسلما وقد طلق الزوج امرأته في الشرك ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن أصابها بعد الطلاق ثلاثا في الشرك لم يكن لها صداق لأنا نبطل عنه ما استهلكه لها في الشرك ( قال الشافعي ) ولو أسلم ثم أصابها بعد طلاق ثلاث كانت عليها العدة ولحق الولد وفرق بينهما ولها مهر مثلها ( قال الربيع ) إذا كان يعذر بالجهالة ( قال الشافعي ) وإن طلقها واحدة أو اثنتين ثم أسلما حسب عليه ما طلقها في الشرك وبنى عليها في الإسلام ، ولو طلقها ثلاثا في الشرك ثم نكحت زوجا غيره فإن أصابها ثم طلقها أو مات عنها ثم نكحها زوجها الذي طلقها كانت عنده على ثلاث كما تكون في الإسلام إذا كان النكاح صحيحا عندهم نثبته في الإسلام وذلك أن لا تنكح محرما ولا متعة ولا في معناها . قال ولو آلى منها في الشرك ثم أسلما قبل مضي الأربعة الأشهر فإذا استكمل أربعة أشهر من إيلائه وقف كما يوقف من آلى في الإسلام ( قال الشافعي ) ولو مضت الأربعة الأشهر قبل أن يسلما ثم أسلما ثم طلبت أن يوقف وقف مكانه لأن أجل الإيلاء قد مضى ولو تظاهر منها في الشرك ثم أسلما وقد أصابها قبل الإسلام أو بعده أو لم يصبها أمرته باجتنابها حتى يكفر كفارة الظهار ، قال ولو قذفها في الشرك ثم أسلما ثم ترافعا قلت له التعن ولا أجبره على اللعان ولا أحده إن لم يلتعن ولا أعزره فإن التعن فرقت بينهما مكاني ولم آمرها بالالتعان لأنه لا حد عليها لو أقرت بالزنا في الشرك وليس لها معنى في الفرقة إنما الفرقة بالتعانه وإن لم يلتعن فسواء أكذب نفسه أو لم يكذبها لم أجبره عليه ولم أحده ولم أعزره لأنه قذفها في الشرك حيث لا حد عليه ولا تعزير ، ولو قال لها في الشرك أنت طالق إن دخلت الدار ثم دخلتها في الشرك أو الإسلام طلقت ويلزمه ما قال في الشرك كما يلزمه ما قال في الإسلام لا يختلف ذلك .
ولو تزوج امرأة في الشرك بصداق فلم يدفعه إليها أو بلا صداق فأصابها في الحالين ثم ماتت قبل أن يسلم ثم أسلم زوجها وطلب ورثتها صداقها الذي سمي لها أو صداق مثلها لم يكن لهم منه شيء لأني لا أقضي لبعضهم على بعض بما فات في الشرك والحرب .
نكاح أهل الذمة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وعقد نكاح أهل الذمة فيما بينهم ما لم يترافعوا إلينا كنكاح أهل الحرب ما استجازوه نكاحا ثم أسلموا لم نفسخه بينهم إذا جاز ابتداؤه في الإسلام بحال ، وسواء كان بولي أو غير ولي وشهود أو غير شهود ، وكل نكاح عندهم جائز أجزته إذا صلح ابتداؤه في الإسلام [ ص: 61 ] بحال قال وهكذا إن نكحها في العدة وذلك جائز عندهم ثم لم يسلما حتى تمضي العدة وإن أسلما في العدة فسخت نكاحهما لأنه لا يصلح ابتداء هذا في الإسلام بحال وإن نكح محرما له أو امرأة أبيه ثم أسلما فسخته لأنه لا يصلح ابتداؤه في الإسلام بحال وكذلك إن نكح امرأة طلقها ثلاثا قبل أن تتزوج زوجا غيره يصيبها ، وإذا أسلم أحدهم وعنده أكثر من أربع نسوة قيل له أمسك أي الأربع شئت وفارق سائرهن ( قال الشافعي ) وكذلك مهورهن فإذا أمهرها خمرا أو خنزيرا أو شيئا مما يتمول عندهم ميتة أو غيرها مما له ثمن فيهم فدفعه إليها ثم أسلم فطلبت الصداق لم يكن لها غير ما قبضت إذا عفيت العقدة التي يفسد بها النكاح فالصداق الذي لا يفسد به النكاح أولى أن يعفى فإذا لم تقبض من ذلك شيئا ثم أسلما فإن كان الصداق مما يحل في الإسلام فهو لها لا تزاد عليه وإن كان مما لا يحل فلها مهر مثلها ، وإن كانت قبضته وهو مما لا يحل ثم طلقها قبل الدخول أو بعد إسلامهما لم يرجع عليها بشيء وهكذا إن كانت هي المسلمة وهو المتخلف عن الإسلام لا يأخذ مسلم حراما ولا يعطيه . قال وإن كانت لم تقبضه ثم أسلما وطلقها رجعت عليه بنصف مهر مثلها . وإذا أسلم هو وهي كتابية فهما على النكاح .
وإذا تناكح المشركون ثم أسلموا لم أفسخ نكاح واحد منهم
وإن نكح يهودي نصرانية أو نصراني مجوسية أو مجوسي يهودية أو نصرانية أو وثني كتابية أو كتابي وثنية لم أفسخ منه شيئا إذا أسلموا ( قال الشافعي ) وكذلك لو كان بعضهم أفضل من بعض نسبا فتناكحوا في الشرك نكاحا صحيحا عندهم ثم أسلموا لم أفسخه بتفاضل النسب ما كان التفاضل إذا عفي لهم عما يفسد العقدة في الإسلام فهذا أقل من فسادها .
وإذا كانت نصرانية تحت وثني أو وثنية تحت نصراني فلا ينكح الولد ولا تؤكل ذبيحة الولد ولا ينكحها مسلم لأنها غير كتابية خالصة ولا تسبى لذمة أحد أبويها ولو تحاكم أهل الكتاب إلينا قبل أن يسلموا وجب علينا الحكم بينهم كان الزوج الجائي إلينا أو الزوجة فإن كان النكاح لم يمض لم نزوجهم إلا بشهود مسلمين وصداق حلال وولي جائز الأمر أب أو أخ لا أقرب منه وعلى دين المزوجة وإذا اختلف دين الولي والمزوجة لم يكن لها وليا إن كان مسلما وهي مشركة لم يكن لها وليا ويزوجها أقرب الناس بها من أهل دينها فإن لم يكن لها قريب زوجها الحاكم لأن تزويجه حكم عليها ثم نصنع في ولاتهم ما نصنع في ولاة المسلمات وإن تحاكموا بعد النكاح فإن كان يجوز ابتداء نكاح المرأة حين تحاكمهم إلينا بحال أجزناه لأن عقده قد مضى في الشرك وقبل تحاكمهم إلينا وإن كان لا يجوز بحال فسخناه وإن كان المهر محرما وقد دفعه بعد النكاح لم يجعل لها عليه غيره وإن لم يدفعه جعلنا لها مهر مثلها لازما له قال ولو طلبت أن تنكح غير كفء وأبى ذلك ولاتها منعت نكاحه وإن نكحته قبل التحاكم إلينا لم نرده إذا كان مثل ذلك عندهم نكاحا لمضي العقد ( قال الشافعي ) وإذا تحاكموا إلينا وقد طلقها ثلاثا أو واحدة أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها حكمنا عليه حكمنا على المسلم عنده المسلمة وألزمناه ما نلزم المسلم ولا يجزيه في كفارة الظهار إلا رقبة مؤمنة وإن أطعم لم يجزه إلا إطعام المؤمنين ولا يجزيه الصوم بحال لأن الصوم لا يكتب له ولا ينفع غيره ولا حد على من قذف مشركة وإن لم يلتعن ويعزر ولو تحاكموا إلينا وقد طلقها ثلاثا ثم أمسكها فأصابها فإن كان ذلك جائزا عندهم جعلنا لها مهر مثلها بالإصابة وإن كان ذلك غير جائز عندهم فاستكرهها جعلنا لها مهر مثلها بالإصابة وإن كان [ ص: 62 ] عندهم زنا ولم يستكرها لم نجعل لها مهر مثلها وفرقنا بينهما في جميع الأحوال




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #197  
قديم 18-11-2022, 11:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,521
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (197)
صــــــــــ 62 الى صـــــــــــ 68



( قال الشافعي ) وإذا زوج الذمي ابنه الصغير أو ابنته الصغيرة فهما على النكاح يجوز لهم من ذلك ما يجوز لأهل الإسلام
( قال الشافعي ) وإذا تزوجت المسلمة ذميا فالنكاح مفسوخ ويؤدبان ولا يبلغ بهما حد وإن أصابها فلها مهر مثلها وإذا تزوج المسلم كافرة غير كتابية كان النكاح مفسوخا ويؤدب المسلم إلا أن يكون ممن يعذر بجهالة وإن نكح كتابية من أهل الحرب كرهت ذلك له والنكاح جائز .
نكاح المرتد

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ارتد المسلم فنكح مسلمة أو مرتدة أو مشركة أو وثنية فالنكاح باطل أسلما أو أحدهما أو لم يسلما ولا أحدهما فإن أصابها فلها مهر مثلها والولد لا حق ولا حد وإن كان لم يصبها فلا مهر ولا نصف ولا متعة وإذا أصابها فلها مهر مثلها ولا يحصنها ذلك ولا تحل به لزوج لو طلقها ثلاثا لأن النكاح فاسد وإنما أفسدته لأنه مشرك لا يحل له نكاح مسلمة أو مشرك ولا يترك على دينه بحال ليس كالذمي الآمن على ذمة للجزية يؤديها ويترك على حكمه ما لم يتحاكم إلينا ولا مشرك حربي يحل تركه على دينه والمن عليه بعدما يقدر عليه وهو مشرك عليه أن يقتل وليس لأحد المن عليه ولا ترك قتله ولا أخذ ماله ( قال الشافعي ) ولا يجوز نكاح المرتدة وإن نكحت فأصيبت فلها مهر مثلها ونكاحها مفسوخ والعلة في فسخ نكاحها العلة في فسخ نكاح المرتد .
كتاب الصداق

أخبرنا الربيع بن سلمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي المطلبي قال : قال الله عز وجل { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وقال عز وجل { فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف } وقال { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } وقال { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } وقال عز ذكره { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } وقال { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } وقال { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } ( قال الشافعي ) فأمر الله الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن والأجر هو الصداق والصداق هو الأجر والمهر وهي كلمة عربية تسمى بعدد أسماء فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بصداق من فرضه دون من لم يفرضه دخل أو لم يدخل لأنه حق ألزمه المرء نفسه فلا يكون له حبس شيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله تعالى له وهو أن يطلق قبل الدخول قال الله تبارك وتعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } ويحتمل أن يكون يجب بالعقدة وإن لم يسم مهرا ولم يدخل ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم أبدا إلا بأن يلزمه المرء نفسه ويدخل بالمرأة وإن لم يسم مهرا فلما احتمل المعاني الثلاث كان أولاه يقال به ما كانت عليه الدلالة من كتاب أو سنة أو إجماع واستدللنا بقول الله عز وجل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } [ ص: 63 ] أن عقد النكاح يصح بغير فريضة صداق وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من عقد نكاحه وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت فهذا دليل على الخلاف بين النكاح والبيوع والبيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم والنكاح ينعقد بغير مهر استدللنا على أن العقد يصح بالكلام به وأن الصداق لا يفسد عقده أبدا فإذا كان هكذا فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام فثبتت العقدة بالكلام وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت وعلى أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسم مهرا ولم يدخل وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس وإن لم يسم مهرا بالآية لقول الله عز وجل { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } يريد - والله تعالى أعلم - النكاح والمسيس بغير مهر ودل قول الله عز وجل { وآتيتم إحداهن قنطارا } على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهي عن القنطار وهو كثير وتركه حد القليل ودلت عليه السنة والقياس على الإجماع فيه فأقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس وما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قيل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أدوا العلائق قيل : وما العلائق يا رسول الله ؟ قال ما تراضى به الأهلون } .

( قال الشافعي ) ولا يقع اسم علق إلا على شيء مما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال ولا علق إلا على ما له قيمة يتبايع بها ويكون إذا استهلكها ` مستهلك أدى قيمتها وإن قلت وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس وما يشبه ذلك والثاني كل منفعة ملكت وحل ثمنها ، مثل كراء الدار وما في معناها مما تحل أجرته .

( قال الشافعي ) والقصد في الصداق أحب إلينا وأستحب أن لا يزاد في المهر على ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم طلبا للبركة في موافقة كل أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي { عن أبي سلمة قال سألت عائشة كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش ؟ قلت لا قالت نصف أوقية } أخبرنا سفيان بن عيينة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أسهم الناس المنازل فطار سهم عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع فقال له سعد تعال حتى أقاسمك مالي وأنزل لك عن أي امرأتي شئت وأكفيك العمل فقال له عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فخرج إليه فأصاب شيئا فخطب امرأة فتزوجها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على كم تزوجتها يا عبد الرحمن ؟ قال على نواة من ذهب فقال أولم ولو بشاة } .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك قال حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك { أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كم سقت إليها ؟ قال زنة نواة من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة } ( قال الشافعي ) فكان بينا في كتاب الله عز وجل أن على الناكح الواطئ صداقا لما ذكرت ففرض الله في الإماء أن ينكحن بإذن أهلهن ويؤتين أجورهن والأجر الصداق وبقوله { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } وقال عز وجل { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } الآية ( قال الشافعي ) خالصة بهبة ولا مهر فاعلم أنها للنبي صلى الله عليه وسلم دون المؤمنين قال فأي نكاح وقع بلا مهر فهو ثابت ومتى قامت المرأة بمهرها فلها أن يفرض لها مهر مثلها وكذلك إن دخل بها الزوج ولم يفرض لها فلها مهر مثلها ولا يخرج الزوج من أن [ ص: 64 ] ينكحها بلا مهر ثم يطلق قبل الدخول فيكون لها المتعة وذلك الموضع الذي أخرج الله تعالى به الزوج من نصف المهر المسمى إذا طلق قبل أن يدخل بها وسواء في ذلك كل زوجة حرة مسلمة أو ذمية وأمة مسلمة ومدبرة ومكاتبة وكل من لم يكمل فيه العتق قال الله عز وجل { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فجعل الله تعالى الفرض في ذلك إلى الأزواج فدل على أنه برضا الزوجة لأن الفرض على الزوج للمرأة ولا يلزم الزوج والمرأة إلا باجتماعهما ولم يحدد فيه شيء فدل كتاب الله عز وجل على أن الصداق ما تراضى به المتناكحان كما يكون البيع ما تراضى به المتبايعان وكذلك دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجز في كل صداق مسمى إلا أن يكون ثمنا من الأثمان .
( قال الشافعي ) وكل ما جاز أن يكون مبيعا أو مستأجرا بثمن جاز أن يكون صداقا وما لم يجز فيهما لم يجز في الصداق فلا يجوز الصداق إلا معلوما ومن عين يحل بيعها نقدا أو إلى أجل وسواء قل ذلك أو كثر فيجوز أن ينكح الرجل المرأة على الدرهم وعلى أقل من الدرهم وعلى الشيء يراه بأقل من قيمة الدرهم وأقل ما له ثمن إذا رضيت المرأة المنكوحة وكانت ممن يجوز أمرها في مالها ( قال الشافعي ) يجوز أن تنكحه على أن يخيط لها ثوبا أو يبني لها دارا أو يخدمها شهرا أو يعمل لها عملا ما كان أو يعلمها قرآنا مسمى أو يعلم لها عبدا وما أشبه هذا ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد { أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل ، فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال ما عندي إلا إزاري هذا قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس لها شيئا فقال ما أجد شيئا فقال التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال ما أجد شيئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل معك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجتكها بما معك من القرآن } ( قال الشافعي ) وخاتم الحديد لا يسوى قريبا من الدراهم ولكن له ثمن يتبايع به ( قال الشافعي ) وبلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أدوا العلائق فقالوا وما العلائق ؟ قال ما تراضى به الأهلون } وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من استحل بدرهم فقد استحل } .

( قال الشافعي ) وبلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز نكاحا على نعلين } وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال في ثلاث قبضات من زبيب مهر ، أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال تسرى رجل بجارية فقال رجل هبها لي فذكر ذلك لسعيد بن المسيب فقال لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطا فما فوقه جوز ، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال سألت ربيعة عما يجوز في النكاح فقال درهم فقلت فأقل ؟ قال ونصف قلت فأقل ؟ قال نعم وحبة حنطة أو قبضة حنطة .
في الصداق بعينه يتلف قبل دفعه

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا تزوجها على شيء مسمى فذلك لازم له إن مات أو ماتت قبل أن يدخل بها أو دخل بها إن كان نقدا فالنقد وإن كان دينا فالدين أو كيلا موصوفا فالكيل أو عرضا موصوفا فالعرض ، وإن كان عرضا بعينه مثل عبد أو أمة أو بعير أو بقرة فهلك ذلك في يديه [ ص: 65 ] قبل أن يدفعه ثم طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف قيمته يوم وقع عليه النكاح وذلك يوم ملكته ما لم يحدث لها منعا فإن طلبته فمنعها منه فهو غاصب ولها قيمته أكثر ما كانت قيمته " .

قال الربيع " وللشافعي قول آخر أنه إذا أصدقها شيئا فتلف قبل أن تقبضه كان لها صداق مثلها كما لو اشترت منه شيئا فتلف قبل أن تقبضه رجعت بالثمن الذي أعطته وهكذا ترجع ببضعها وهو ثمن الشيء الذي أصدقها إياه وهو صداق المثل ( قال الربيع ) وهذا آخر قول الشافعي قال فإن نكحته على خياطة ثوب بعينه فهلك فلها عليه مثل أجر خياطة ذلك الثوب وتقوم خياطته يوم نكحها فيكون عليه مثل أجره ( قال الربيع ) رجع الشافعي عن هذا القول وقال لها صداق مثلها ( قال الربيع ) ( قال الشافعي ) وإذا أصدقها شيئا فلم يدفعه إليها حتى تلف في يده فإن دخل بها فلها صداق مثلها وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف صداق مثلها وإنما ترجع في الشيء الذي ملكته ببضعها فترجع بثمن البضع كما لو اشترت شيئا بدرهم فتلف الشيء رجعت بالذي أعطته لأنه لم يعطها العوض من ثمن الدرهم فكذلك ترجع بما أعطت وهو البضع . وهو صداق المثل وهو آخر قول الشافعي قال وإن نكحته على شيء لا يصلح عليه الجعل ، مثل أن تقول نكحتك على أن تأتيني بعبدي الآبق أو جملي الشارد فلا يجوز الشرط والنكاح ثابت ولها مهر مثلها لأن إتيانه بالضالة ليس بإجارة تلزمه ولا شيء له غاية تعرف وتمليكها إياه بضعها فهو مثل أن تعطيه دينارا على أن يفعل أحد هذين فإذا جاءها لما جعلت له عليه فله الدينار وإن لم يأتها به فلا دينار له ولا يملك الدينار إلا بأن يأتيها بما جعلت له عليه وهي هناك ملكته بضعها قبل أن يأتيها بما جعلت له قال وما جعلت لها فيه عليه الصداق إذا مات أو ماتت قبل إصابتها أو بعد إصابتها صداق مثلها فطلقها فيه قبل أن يدخل بها فلها نصف المسمى الذي جعل لها ونصف العين التي أصدقها إن كان قائما وإن فات فنصف صداق مثلها وذلك مثل أن يتزوجها على خياطة ثوب فيهلك فيكون لها نصف صداق مثلها لأن بضعها الثمن وإن انتقصت الإجارة بهلاكه كان لها نصف الذي كان ثمنا للإجارة كما يكون في البيوع قال وإذا أوفاها ما أصدقها فأعطاها ذلك دنانير أو دراهم ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصفه وإن هلك فنصف مثله ، وكذلك الطعام المكيل والموزون فإن لم يوجد له مثل فمثل نصف قيمته .
فيمن دفع الصداق ثم طلق قبل الدخول

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أصدق الرجل المرأة دنانير أو دراهم فدفعها إليها ثم طلقها قبل أن يدخل بها والدنانير والدراهم قائمة بأعيانها لم تغير وهما يتصادقان على أنها هي بأعيانها رجع عليها بنصفها وهكذا إن كانت تبرا من فضة أو ذهب فإن تغير شيء من ذلك في يدها إما بأن تدفن الورق فيبلى فينقص أو تدخل الذهب النار فينقص أو تصوغ الذهب والورق فتزيد قيمته أو تنقص في النار فكل هذا سواء ويرجع عليها بمثل نصفه يوم دفعه إليها لأنها ملكته بالعقدة وضمنته بالدفع فلها زيادته وعليها نقصانه فإن قال الزوج في النقصان أنا آخذه ناقصا فليس لها دفعه عنه إلا في وجه واحد إن كان نقصانه في الوزن وزاد في العين فليس له أخذه في الزيادة في العين وإنما زيادته في مالها أو تشاء [ ص: 66 ] هي في الزيادة أن تدفعه إليه زائدا غير متغير عن حاله فليس له إلا ذلك قال ولو كان أصدقها حليا مصوغا أو إناء من فضة أو ذهب فانكسر كان كما وصفت لها وعليها أن ترد عليه نصف قيمته يوم دفعه مصوغا ولو كان إناءين فانكسر أحدهما وبقي الآخر صحيحا كان فيها قولان أحدهما أن له أن يرجع بنصف قيمتهما إلا أن يشاء أن يكون شريكا لها في الإناء الباقي ويضمنها نصف قيمة المستهلك والآخر أنه شريك في الباقي ويضمنها نصف قيمة المستهلك لا شيء له غير ذلك وهذا أصح القولين .

ولو زادت هي فيهما صناعة أو شيئا أدخلته كان عليها أن تعطيه نصف قيمتهما يوم دفعهما إليها وإن كان الإناءان من فضة فانكسرا ثم طلقها رجع عليها بنصف قيمتهما مصوغين من الذهب وإن كانا من ذهب رجع عليها بنصف قيمتهما مصوغين من فضة لأنه لا يصلح له أن يأخذ ورقا بورق أكثر وزنا منها ولا يتفرقان حتى يتقابضا قال ولو كان الصداق فلوسا أو إناء من نحاس أو حديد أو رصاص لا يختلف هذا إلا في أن قيمة هذا كله على الأغلب من نقد البلد دنانير إن كان أو دراهم ويفارق الرجل فيه صاحبه قبل أن يقبض قيمتها لأنه لا يشبه الصرف ولا ما فيه الربا في النسيئة وكذلك لو أصدقها خشبة فلم تغير حتى طلقها كان شريكا لها بنصفها ولو تغيرت ببلاء أو عفن أو نقص ما كان النقص كان عليها أن تعطيه نصف قيمتها صحيحة إلا أن يشاء هو أن يكون شريكا لها بنصف جميع ما نقص من ذلك كله فلا يكون لها دفعه عن ذلك ناقصا والقول في الخشبة ، والخشبة معها كالقول في الإناء الذهب والآنية إذا هلك بعض وبقي بعض وكذلك إذا زادت قيمتها بأن تعمل أبوابا أو توابيت أو غير ذلك كانت لها ورجع عليها بنصف قيمتها يوم دفعها وإذا أرادت أن تدفع إليه نصفها أبوابا وتجعله شريكا في نصفها توابيت لم يكن ذلك عليه إلا أن يتطوع وإن كانت التوابيت والأبواب أكثر قيمة من الخشب لأن الخشب يصلح لما لا تصلح له التوابيت والأبواب وليس عليه أن يحول حقه في غيره وإن كان أكثر ثمنا منه ولا يشبه في هذا الدنانير والدراهم التي هي قائمة بأعيانها لا يصلح منها شيء لما لا يصلح له غيرها وهكذا لو أصدقها ثيابا فبليت رجع عليها بنصف قيمتها إلا أن يشاء أن يكون شريكا لها بالنصف بالية فلا يكون لها دفعه عنه لأن ماله ناقص ولو أصدقها ثيابا فقطعتها أو صبغتها فزادت في التقطيع أو الصبغ أو نقصها كان سواء ويرجع بنصف قيمتها ولو أراد أن يكون شريكا لها في الثياب المقطعة أو المصبوغة ناقصة أو أرادت أن يكون شريكا لها في الثياب زائدة لم يجبر واحد منهما على ذلك إلا أن يكون يشاء لأن الثياب غير المتقطعة وغير المصبوغة تصلح وتراد لما لا تصلح له المصبوغة ولا تراد فقد تغيرت عن حالها التي أعطاها إياها وكذا لو أصدقها غزلا فنسجته رجع عليها بمثل نصف الغزل إن كان له مثل وإن لم يكن له مثل رجع بمثل نصف قيمته يوم دفعه .

وكل ما قلت يرجع بمثل نصف قيمته فإنما هو يوم يدفعه لا ينظر إلى نقصانه بعد ولا زيادته لأنها كانت مالكة له يوم وقع العقد وضامنة يوم وقع القبض إن طلقها فنصفه قائما أو قيمة نصفه مستهلكا ( قال الشافعي ) ولو أصدقها آجرا فبنت به أو خشبا فأدخلته في بنيان أو حجارة فأدخلتها في بنيان وهي قائمة بأعيانها فهي لها ويرجع عليها بنصف قيمتها يوم دفعها إليها لأنها بنت ما تملك وإنما صار له النصف بالطلاق وقد استعملت هذا وهي تملكه فلا يخرج من موضعه إلا أن تشاء هي وإن خرج بحاله كان شريكا فيه وإن خرج ناقصا لم يجبر على أخذه إلا أن يشاء وله نصف قيمته ، وإذا نكح الرجل المرأة على أن يخدم فلانا شهرا فخدمه نصف شهر ثم مات كان لها في ماله نصف مهر مثلها ولو نكحته على أن يحملها على بعير بعينه إلى بلد فحملها إلى نصف الطريق ثم مات البعير كان لها في ماله نصف مهر مثلها ونصف مهر مثلها كالثمن يستوجبه به ألا [ ص: 67 ] ترى أنها لو تكارت معه بعيره بعشرة فمات البعير في نصف الطريق رجعت بخمسة .
صداق ما يزيد ببدنه

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أصدقها أمة وعبدا صغيرين ودفعهما إليها فكبرا أو غير عالمين ولا عاملين فعلما أو عملا أو أعميين فأبصرا أو أبرصين فبرئا أو مضرورين أي ضرر كان فذهب ضررهما أو صحيحين فمرضا أو شابين فكبرا أو اعورا أو نقصا في أبدانهما والنقص والزيادة إنما هي ما كان قائما في البدن لا في السوق بغير ما في البدن ثم طلقها قبل أن يدخل بها كانا لها وكان عليها أن تعطيه أنصاف قيمتهما يوم قبضتهما إلا أن تشاء أن تدفعهما إليه زائدين فلا يكون له إلا ذلك إلا أن تكون الزيادة غيرتهما بأن يكونا صغيرين فكبرا كبرا بعيدا من الصغر فالصغير يصلح لما لا يصلح له الكبير فيكون له نصف القيمة وإن كانا ناقصين دفعت إليه أنصاف قيمتهما إلا أن يشاء أن يأخذهما ناقصين فليس لها منعه إياهما لأنها إنما لها منعه الزيادة فأما النقص عما دفع إليها فليس لها ولها إن كانا صغيرين فكبرا أن تمنعه إياهما وإن كانا ناقصين لأن الصغير غير الكبير وأنه يصلح كل واحد منهما لما يصلح له الآخر ( قال الشافعي ) ولو كانا بحالهما إلا أنهما اعورا لم يكن لها منعه أن يأخذهما أعورين لأن ذلك ليس بتحول من صغر ولا كبر الكبير بحاله والصحيح خير من الأعور ، وهذا كله ما لم يقض له القاضي بأن يرجع بنصف العبد فإذا قضى له بأن يرجع بنصف العبد فمنعته فهي ضامنة لما أصاب العبد في يديها إن مات ضمنت نصف قيمته أو اعور أخذ نصفه وضمنها نصف العور فعلى هذا الباب كله وقياسه .

( قال الشافعي ) والنخل والشجر الذي يزيد وينقص في هذا كله كالعبيد والإماء لا تخالفها في شيء ولو كان الصداق أمة فدفعها إليها فولدت أو ماشية فنتجت في يديها ثم طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها كان لها النتاج كله وولد الأمة إن كانت الأمة والماشية زائدة أو ناقصة فهي لها ويرجع عليها بنصف قيمة الأمة والماشية يوم دفعها إليها إلا أن يشاء أن يأخذ نصف الأمهات التي دفعها إليها ناقصة فيكون ذلك له إلا أن يكون نقصها مع تغير من صغر إلى كبر فيكون نصفها بالعيب أو تغير البدن وإن كان نقصا من وجه بلوغ سن كبر زائد فيه من وجه غيره ولا يكون له أخذ الزيادة وإنما زادت في مالها لها وإن كان دفعها كبارا فكان نقصها من كبر أو هرم كان ذلك له لأن الهرم نقص كله لا زيادة ولا يجبر على أخذ الناقص إلا أن يشاءه . وهكذا الأمة إذا ولدت فنقصتها الولادة فاختار أخذ نصفها ناقصة لا يختلفان في شيء إلا أن أولاد الأمة إن كانوا معها صغارا رجع بنصف قيمتها لئلا يفرق بينها وبين ولدها في اليوم الذي يستخدمها فيه لأني لا أجبره في يومه على أن ترضع مملوك غيره ولا تحضنه فتشتغل به عن خدمته ولا أمنع المولود الرضاع فأضر به فلذلك لم أجعل له إلا نصف قيمتها ، وإن كانوا كبارا كان له أن يرجع بنصف الأم ولا يجبر على ذلك لأنها والدا على غير حالها قبل أن تلد وإن زادت بعد الولادة لم تجبر المرأة على أن تعطيه نصفها وتعطيه نصف قيمتها ، وإذا أعطته نصفها متطوعة أو كانت غير زائدة فرق بينها وبين ولدها في اليوم الذي يستخدمها فيه ، فإذا صار إليه نصفها فما ولدت بعد من ولد فبينه وبينها .

( قال الشافعي ) وهكذا إن كانت الجارية والماشية والعبيد الذين أصدقها أغلوا لها غلة أو كان الصداق نخلا فأثمر لها فما أصابته من ثمره كان لها كله دونه لأنه في ملكها ، ولو كانت الجارية حبلى أو [ ص: 68 ] الماشية مخاضا ثم طلقها كان له نصف قيمتها يوم دفعها لأنه حادث في ملكها ولا أجبره أيضا إن أرادت المرأة على أخذ الجارية حبلى أو الماشية مخاضا من قبل الخوف على الحبل وأن غير المخاض يصلح لما يصلح له المخاض ولا نجبرها إن أراد على أن تعطيه جارية حبلى وماشية مخاضا وهي أزيد منها غير حبلى ولا ماخض في حال والجارية أنقص في حال وأزيد في أخرى ، قال : ولو كان الصداق نخلا فدفعها إليها لا تمر فيها فأثمرت فالثمرة كلها لها كما يكون لها نتاج الماشية وغلة الرقيق وولد الأمة ، فإن طلقها قبل أن يدخل بها والنخل زائدة رجع بنصف قيمة النخل يوم دفعها إليها إلا أن تشاء أن تعطيه نصفها زائدة بالحال التي أخذتها به في الشباب لا يكون لها إلا نصفها وإن كانت زائدة وقد ذبلت وذهب شبابها لم يكن ذلك عليه لأنها وإن زادت يومها ذلك بثمرتها فهي متغيرة إلى النقص في شبابها فلا يجبر على ذلك إلا أن يشاء وإنما يجبر على ذلك إذا دفعتها مثل حالها حين قبضتها في الشباب أو أحسن ولم تكن ناقصة من قبل الترقيل للنقص فيه ، وإن طلقها ولم يتغير شبابها أو قد نقصت وهي مطلعة فأراد أخذ نصفها بالطلع لم يكن ذلك له وكانت مطلعة كالجارية الحبلى والماشية الماخض لا يكون له أخذها لزيادة الحبل والماخض مخالفة لها في أن الإطلاع لا يكون مغيرا للنخل عن حال أبدا إلا بالزيادة ولا تصلح النخل غير المطلعة لشيء لا تصلح له مطلعة فإن شاءت أن تدفع إليه نصفها مطلعة فليس له إلا ذلك لما وصفت من خلاف النخيل للنتاج والحمل في أن ليس في الطلع إلا زائد وليس مغيرا قال وإن كان النخل قد أثمر وبدا صلاحه فهكذا وكذلك كل شجر أصدقها إياه فأثمر لا يختلف يكون لها وله نصف قيمته إلا أن تشاء هي أن تسلم له نصفه ونصف الثمرة فلا يكون له إلا ذلك إن لم يتغير الشجر بأن يرقل ويصير فحاما فإذا صار فحاما أو نقص بعيب دخله لم يكن عليه أن يأخذه بتلك الحال .

ولو شاءت هي إذا طلقها والشجر مثمر أن تقول أقطع الثمرة ويأخذ نصف الشجر كان لها إذا لم يكن في قطع الثمرة فساد للشجر فيما يستقبل فإن كان فيها فساد لها فيما يستقبل فليس عليه أن يأخذها معيبة إلا أن يشاء ، ولو شاءت أن تترك الشجرة حتى تستجنيها وتجدها ثم تدفع إليه نصف الشجر لم يكن ذلك عليه لأن الشجر قد يهلك إلى ذلك ولا يكون عليه أن يكون حقه حالا فيؤخره إلا أن يشاء ويأخذها بنصف قيمتها في هذه الأحوال كلها إذا لم يتراضيا بغير ذلك ، ولو شاء أن يؤخرها حتى تجد الثمرة ثم يأخذ نصف الشجر والنخل لم يكن ذلك عليها من وجهين . أحدهما : أن الشجر والنخل يزيد إلى الجداد ، والآخر أنه لما طلقها وفيها الزيادة وكان محولا دونها كانت مالكة لها دونه وكان حقه قد تحول في قيمته فليس عليها أن يحول إلى غير ما وقع له عند الطلاق ولا حق له فيه .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #198  
قديم 18-11-2022, 11:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,521
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (198)
صــــــــــ 69 الى صـــــــــــ 75



صداق الشيء بعينه لا يدفع حتى يزيد أو ينقص ( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) ولو أصدقها أمة أو ماشية فلم يدفعها إليها حتى تناتجت في يديه ثم طلقها قبل أن يدخل بها كان لها النتاج كله دونه لأنه نتج في ملكها ونظر إلى الماشية فإن كانت بحالها يوم أصدقها إياها وأزيد فهي لها ويرجع عليها بنصف الماشية دون النتاج ، وإن كانت ناقصة عن حالها يوم أصدقها إياها كان لها الخيار فإن شاءت أخذت منه أنصاف قيمتها يوم أصدقها إياها وإن [ ص: 69 ] شاءت أخذت أنصافها ناقصة ، وهكذا لو كانت أمة فولدت أو عبيدا فأغلوا ( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر أنها إن شاءت أخذت نصفها ناقصة وإن شاءت رجعت بنصف مهر مثلها وهو أصح قوليه وآخر قوليه ( قال الشافعي ) وإن كان النتاج أو ولد الجارية هلك في يديه أو نقص وقد سألته دفعه فمنعها منه فهو ضامن لقيمته في أكثر ما كانت قيمة قط وضامن لنقصه ويدفعه كضمان الغاصب لأنه كان عليه أن يدفعه فمنعه ولم يدفعه ( قال الشافعي ) ولو عرض عليها أن يدفع إليها الأمة فأقرتها في يديه قبل أن تقبضها منه أو لم يمنعها دفعها ولم تسأله إياها كان فيها قولان أحدهما أنه لا يضمن الجارية إن نقصت وتكون بالخيار في أن تأخذها ناقصة أو تدعها فإن ماتت رجعت بمهر مثلها والآخر أن يكون كالغاصب ولكنه لا يأثم إثم الغاصب لأنه ضامن له ولا يخرجه من الضمان إلا أن يدفعه إليها أو إلى وكيل لها بإذنها فإن دفعه إليها أو إلى وكيل لها بإذنها ثم ردته إليه بعد فهو عنده أمانة لا يضمن شيئا منه بحال .

( قال الشافعي ) وإذا لم يدفعه إليها فترده إليه فما أنفق عليه لم يرجع به وهو متطوع به ومتى جنى عليه في يديه إنسان فأخذ له أرشا فلها الخيار إن أحبت فلها الأرش لأنه ملك بمالها وإن أحبت تركته عليه لأنه ناقص عما ملكته عليه وإن كان منعها منه فأحبت ضمنت الزوج ما نقص في يديه قال وما باع الزوج منه أو من نتاج الماشية فوجد بعينه فالبيع مردود وإن فات فلها عليه قيمته لأنه كان مضمونا عليه ولا يكون له أن يأخذ الثمن الذي باع به لأنه متعد فيه وأن الشيء بعينه لو وجد كان البيع فيه مردودا ولو أرادت إجازة البيع فيه إن كان قائما لم يجز البيع ولا يحل له هو أن يملكه لأنه ما لم يكن له فلا يخرجه منه إلا رده على صاحبه الذي باعه أو أن يهبه له صاحبه الذي ابتاعه منه .

( قال الشافعي ) وإذا لقي صاحبه وقد فاتت السلعة في يديه فالمشتري ضامن لقيمتها يقاصه بها من الثمن الذي تبايعا به ويترادان الفضل عند أيهما كأن كان ثمنها مائة دينار وقيمتها ثمانون فيرجع المشتري على البائع بعشرين وكذلك لو كان ثمنها ثمانين وقيمتها مائة رجع البائع على المشتري الذي هلكت في يديه بعشرين قال وإنما فرقت بين ثمن ما باع من مالها وبين أرش ما أخذ فيما جنى على مالها من قبل أنها هي لم يكن لها فيما جنى على مالها إلا الأرش أو تركه ولها فيما بيع من مالها أن ترده بعينه وإن فات فلها عليه قيمته ولا يكون لها أن تملك ثمنه إن كان أكثر من ثمنه لأنه لم يكن لها إجازة بيعه ، والفضل عن ثمنه لمبتاعه البيع الذي لا يجوز لأنه ضامن له بالقيمة قال ولو أصدقها نخلا أو شجرا فلم يدفعه إليها حتى أثمرت في يديه فجعل الثمر في قوارير جعل عليه صقرا من صقر نخلها أو جعله في قرب كان لها أخذ الثمر بالصقر وأخذه محشوا وله نزعه من القوارير والقرب لأنها له إن كان نزعه لا يضر بالثمر فإن كان إذا نزع من القرب فسد ولم يكن سقي بشيء عمل به كان لها أن تأخذه وتنزع عنه قربه وتأخذ منه ما نقصه لأنه أفسده إلا أن يتطوع بتركها وهكذا كل ثمرة رببها أو حشاها على ما وصفت وإن كان ربب الثمرة برب من عنده كان لها أن تأخذ الثمرة وتنزع عنها الرب إن كان ذلك لا يضر بها ولا ينقصها شيئا وإن كان ينقصها شيئا نزعت عنها الرب وأخذت قيمة ما نقصها بالغة ما بلغت وأجرة نزعها من الرب لأنه المتعدي فيه .

( قال الشافعي ) وكل ما أصيبت به الثمرة في يديه من حريق أو جراد أو غيره فهو ضامن له إن كان له مثل [ ص: 70 ] فمثله وإن لم يكن له مثل فمثل قيمته وإن بقي منه شيء فقيمة ما نقصه وهو كالغاصب فيما لا يضمن لا يخالف حاله في شيء إلا في شيء واحد يعذر فيه بالشبهة إن كان ممن يجهل أو تأول فأخطأ ذلك ولو كان أصدقها جارية فأصابها فولدت له ثم طلقها قبل الدخول وقال كنت أراها لا تملك إلا نصفها حتى تدخل فأصبتها وأنا أرى أن لي نصفها قوم الولد عليه يوم يسقط ويلحق به نسبه وكان لها مهر مثل الجارية وإن شاءت أن تسترق الجارية فهي لها وإن شاءت أخذت قيمتها أكثر مما كانت قيمتها يوم أصدقها أو يوم أحبلها وكانت الجارية له ولا تكون أم ولد بذلك الولد ولا تكون أم ولد له إلا بوطء صحيح وإنما جعلت لها الخيار لأن الولادة تغيرها عن حالها يوم أصدقها إياها قبل أن تلد ( قال الشافعي ) ولو أصدقها أرضا فدفعها إليها فزرعتها أو أزرعتها أو وضعت فيها حبابا ثم طلقها قبل أن يدخل بها وفيها زرع قائم رجع عليها بنصف قيمة الأرض لا أجعل حقه في الأرض مستأخرا وهو حال ولا أجعل عليه أن ينتظر الأرض حتى تفرغ ثم يأخذ نصفها لأنها إن كانت مشغولة في ملكها فصار حقه في قيمة لم يتحول في غيرها إلا أن يجتمعا على ذلك جميعا فيجوز ما اجتمعا عليه فيه وكذلك إن كانت حرثتها ولم تزرعها ولو كانت غرستها أو بنت فيها كان له قيمتها يوم دفعها إليها .

( قال الشافعي ) ولو كانت زرعتها وحصدتها ثم طلقها وهي محصودة فله نصف هذه الأرض إلا أن يكون الزرع فيها زائدا لها فلا يكون له أن يأخذها زائدة إلا أن تشاء هي فلا يكون له غيرها وإن كان الزرع نقصها فله نصف قيمتها ولا يكون عليه أن يأخذها ناقصة إلا أن يشاء هو أخذها فإذا شاء هو أخذها وهي ناقصة لم يكن لها منعه من نصفها .
المهر والبيع

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو نكحها بألف على أن تعطيه عبدا يسوى ألفا فدفعت إليه ودفع إليها الألف ثم طلقها قبل أن يدخل بها ففيها قولان أحدهما أن المهر المسمى كالبيع فلا يختلف في هذا الموضع ومن قال هذا قال لأنه يجوز في شرطه مسمى ما يجوز في البيع ويرد فيه ما يرد في البيع فبهذا أجزنا أن يكون مع النكاح مبيع غيره ولم نرده لأنه يملك كله فإن انتقض الملك في الصداق بالطلاق فقد ينتقض في البيع بالشفعة ثم لا نمنع ما فيه الشفعة أن يكون كالبيوع فيما سوى هذا قال وهذا جائز لا نفسخ صداقها ولا نرده إلى صداق مثلها وهو على ما تراضيا عليه والثاني أنه لا يكون مع الصداق بيع وإذا وقع مثل هذا أثبتنا النكاح وكان لها صداق مثلها ورد البيع إن كان قائما .

وإذا كان مستهلكا فقيمته وبه يقول الشافعي قال وأصل معرفة هذا أن تعرف قيمة العبد الذي ملكته هي زوجها مع تمليكها إياه عقد نكاحها فإن كان قيمة العبد ألفا وصداق مثلها ألفا فأقسم المهر وهو ألف على قيمة العبد وعلى صداق مثلها فيكون العبد مبيعا بخمسمائة ويكون صداقها خمسمائة فينفذ العبد مبيعا بخمسمائة فإن قبض العبد ودفع إليها الألف ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها من الصداق بمائتين وخمسين وذلك نصف ما أصدقها ولو مات العبد في يدها قبل يقبضه انتقض فيه البيع ورجع عليها بقيمة خمسمائة وكان الباقي صداقها فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها من الصداق بمائتين وخمسين وإن لم يكن دفع الصداق دفع إليها مائتين وخمسين ولو لم يمت العبد ولكنه دخله العيب كان له الخيار في أخذه معيبا بجميع الثمن أو نقض البيع فيه .

قال ولو كان أصدقها عبدا بعينه على أن زادته [ ص: 71 ] ألف درهم كانت كالمسألة الأولى ينظر فإن كانت قيمة العبد ألفا ومهر مثلها ألفا وزيادتها إياه ألفا فلها نصف العبد بالصداق ونصفه الآخر بالألف فإن طلقها قبل الدخول بها رجع عليها ربع العبد وكان لها ثلاثة أرباعه نصفه بالألف وربعه بنصف المهر قال ومن أجاز هذا قال إنما منعني أن أنقض البيع كله إذا انتقض بعضه بالطلاق أني جعلت ما أعطاها مقسوما على الصداق والبيع فما أصاب الصداق ونصف الصداق كالمستهلك لأن النكاح لا يرد كما ترد البيوع فلم يكن لي أن أرد البيع كله وبعضه مستهلك إنما أرد البيع كله إذا كان المبيع قائما بعينه فإذا ذهب بعضه لم أرد الباقي منه بحال فأكون قد نقضت البيعة ورددت بعضها دون بعض .

قال ولو تزوجها بعبد بعينه وألف درهم على أن تعطيه عبدا بعينه ومائة دينار وتقابضا قبل أن يتفرقا كان النكاح جائزا وينظر إلى قيمة العبد الذي تزوجها عليه مع الألف فإن كان ألفا فالصداق ألفان فيقسم الألفان على مهر مثلها والعبد الذي أعطته والمائة الدينار فإن كان صداق مثلها ألفا وقيمة العبد الذي أعطته ألفا وقيمة المائة الدينار ألفين فالعبد الذي أعطته مبيع بخمسمائة والمائة الدينار مبيعة بألف وصداقها خمسمائة لأن ذلك كله في العبد الذي أصدقها والدراهم الألف يملك بكل شيء فما أعطته من عقدتها والعبد والمائة الدينار بقدر قيمته من العبد والألف فإن طلقها قبل أن يدخل بها سلمت له المائة والعبد ورجع عليها بمائتين وخمسين في كل ما أعطاها من العبد بحصته ومن الألف بحصتها ، فيكون له من الألف التي أعطاها مائة وخمسة وعشرين ، ومن العبد قيمة مائة وخمسة وعشرين وذلك ثمنه ، وإن كانا لم يتقابضا قبل أن يتفرقا فسد الصداق لأن فيه صرفا مستأخرا وما كان فيه صرف لم يصلح أن يتفرقا حتى يتقابضا ولها صداق مثلها ، قال : ولو أصدقها ألفا على أن ردت إليه ألفا أو خمسمائة كان النكاح ثابتا والصداق باطلا ولها مهر مثلها لا تجوز الدراهم بالدراهم إلا معلومة ومثلا بمثل ، وأقل ما في هذا أن الخمسمائة وقعت من الألف بما لا يعرف عند عقد البيع ألا ترى أن مهر مثلها يكون ألفا فتكون الخمسمائة بثلث الألف ويكون مائة فتكون الخمسمائة بتسعمائة ، ولو كان مهر مثلها خمسمائة لم يجز من قبل أن الصفقة وقعت ولا يدرى كم حصة الدراهم التي أعطته من الدراهم التي أعطاها ولا يصلح فيهما حتى يفرق فيه عقد الصرف من عقد البيع فتكون الدراهم بدراهم مثلها وزنا بوزن ويكون الصداق معلوما غيرها .

قال وإذا كانت الدنانير بدراهم فكانت نقدا يتقابضان قبل أن يتفرقا فلا بأس بذلك لأنه لا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد ، قال : ولو تزوجها على ثياب تسوى ألفا على أن زادته ألفا وكان صداق مثلها ألفا فكان نصف الثياب بيعا لها بالألف ونصفها صداقها فإن طلقها قبل الدخول فلها ثلاثة أرباع الثياب نصفها بالبيع ونصف النصف بنصف المهر ( قال الربيع ) هذا كله متروك لأن الشافعي رجع عنه إلى قول آخر .

قال : ولو طلقها قبل الدخول ولم يكن دفع الثياب إليها حتى هلكت في يديه ورد عليها الألف التي قبض منها إن كان قبضها وإن لم يكن قبضها لم يدفع إلي منها شيء لأنه قد هلك ما اشترت منه قبل قبضه فلا يلزمها ثمنه وأعطاها نصف مهر مثلها من قيمة الثياب وذلك ربع قيمة الثياب مائتان وخمسون درهما فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه . قال : ولو تزوجها على أبيها وأبوها يسوى ألفا أو على ابنها وابنها يسوى ألفا على أن زادته ألفا ومهر مثلها ألف فدفع إليها أباها أو لم يدفعه فسواء والنكاح ثابت والمهر جائز وأبوها ساعة ملكته حر لأن ملكها إياه ساعة ملك عقدة نكاحها وكذلك ابنها إن كان هو [ ص: 72 ] الصداق ويلزمها أن تعطيه الألف التي زادته فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بمائتين وخمسين وذلك نصف صداقها لأن أباها كان بيع بخمسمائة فسلم لها حين عتق فصار صداقها خمسمائة فرجع عليها بنصفها وهو مائتان وخمسون .

فإن قال قائل : فأراك أنزلت صدقات النكاح منزلة البيوع وأنت تقول المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا فيكون المرأة والرجل بالخيار في الصداق ما لم يتفرقا ، قيل لا ، فإن قال قائل : فما فرق بينهما ؟ قيل إنا لما جعلنا - ولم يخالفنا أحد علمناه - النكاح كالبيوع المستهلكة فقلنا إذا كان الصداق مجهولا فللمرأة مهر مثلها ولا يرد النكاح كما قلنا في البيع بالشيء المجهول يهلك في يدي المشتري وفي البيع المعلوم فيه الخيار لصاحبه فيه قيمته حكمنا في النكاح إذا كان حكمه لا يرد عقده أنه كبيع قد استهلك في يد مشتريه ، ألا ترى لو أن رجلا اشترى من رجل عبدا على أنه بالخيار يومه أو ساعته فمات قبل مضي وقت الخيار لزمه بالثمن لأنه ليس ثم عين ترد والنكاح ليس بعين ولا يكون للمتناكحين خيار لما وصفت .

قال : ولو تزوج الرجل المرأة فأصدقها ألفا وردت عليه خمسمائة درهم فالنكاح ثابت والصداق باطل ولها مهر مثلها تقابضا قبل أن يتفرقا أو لم يتقابضا لأن حصة الخمسمائة درهم من الألف مجهولة لأنها مقسومة على ألف وصداق مثلها . وهكذا لو تزوجها بألف على إن ردت عليه ألفا كان الصداق باطلا وهي مثل المسألة قبلها وزيادة أنها لو كانت ألفا بألف وزيادة كان الربا في الزيادة أو النكاح بلا حصة من المهر فيكون لها صداق مثلها ويبطل البيع في الألف .

وهكذا لو نكحها بمائة إردب حنطة على أن ردت عليه مائة إردب حنطة أو أقل أو أكثر . وهكذا كل شيء أصدقها إياه وردت عليه شيئا منه مما في الفضل في بعضه على بعض الربا لم يجز فلا يجوز من هذا شيء حتى يسمي حصة مهرها مما أصدقها وحصة ما أخذ منها ، فإذا أصدقها ألفا على أن حصة مهرها خمسمائة وردت عليه خمسمائة بخمسمائة وكان هذا فيما في بعضه على بعض الربا ففيها قولان أحدهما : أن هذا جائز . ومن قال هذا القول قال لو أصدق امرأتين ألفا كان النكاح ثابتا وقسمت الألف بينهما على مهور مثلهما فكان لكل واحدة منهما فيها بقدر مهر مثلها كان مهر مثل إحداهما ألفا ومهر الأخرى ألفين فيكون لصاحبة الألف ثلث الألف ولصاحبة الألفين ثلثا الألف ، ولو أصدقها أباها عتق ساعة عقد عليها عقد النكاح ولم يحتج إلى أن يتفرقا كما يحتاج إليه في البيع ويتم تملكها الصداق بالعقد ، وإن كان به عيب ينقصه عشر قيمته رجعت عليه بعشر مهر مثلها ، ولو طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمة أبيها يوم قبضته منه .

وكذا لو مات أبوها رجع بنصف قيمته يوم قبضته منه ولا يرد عتقه ، وكذلك لو أفلست أو أصدقها أباها وهي مفلسة ثم طلقها لم يكن له نصفه ولا للغرماء منه شيء لأنه يعتق ساعة يتم ملكه بالعقد ، ولو أصدقها أباها وهي محجورة كان النكاح ثابتا وصداق أبيها باطلا لأنه لا يثبت لها عليه ملك وكان لها عليه مهر مثلها .

وكذلك لو كانت محجورة فأمهرها أمها بأمر أبيها وهو وليها أو ولي لها غيره لأنه ليس لأبيها ولا لولي غيره أن يعتق عنها ولا يشتري لها ما يعتق عليها من ولد ولا والد ، قال ولو كانت غير محجورة فأصدقها أباها وقيمته ألف أو ألفان ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمة أبيها وهي خمسمائة وخمسمائة نصف الألف ، ولو أصدقها أباها وهو يسوى ألفا على أن تعطيه أباه وهو يسوى ألفا وصداق مثلها ألف فأبوه بيع له بصداق مثلها وبأبيها ونصف أبيها لها [ ص: 73 ] بالصداق ونصفه بأبيه فيعتق أبواهما معا ، وإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بربع قيمة أبيها وذلك مائتان وخمسون وهو نصف حصة صداق مثلها ، قال ولو أصدقها عبدا يسوى ألفا وصداق مثلها ألف على أن زادته عبدا يسوى ألفا فوجد بالعبد الذي أعطته عيبا كان فيها قولان .

أحدهما : يرده بنصف عبده الذي أعطاها لأنه مبيع بنصفه وكان لها نصف العبد الذي أعطاها فإن طلقها رجع عليها بربع العبد الذي أصدقها وهو نصف صداقه إياها وكان لها ربعه لأنه نصف صداقها . والقول الثاني : أنه إذا جاز أن يكون بيعا أو نكاحا أو بيعا أو إجارة لم يجز لو انتقص الملك في العبد الذي أصدقها بعيب يرد به أو بأن يستحق أو بأن يطلقها فيكون له بعضه إلا أن تنتقض الصفقة كلها فترد عليه ما أخذت منه ويرد عليها ما أخذ منها ويكون لها مهر مثلها ، كما لو اشترى رجل عبدين فاستحق أحدهما انتقض البيع في الثاني أو وجد بأحدهما عيبا فأبى إلا أن يرد انتقض البيع في الثاني إذا لم يرد أن يحبس العبد على العيب .

والقول الثاني أنه لا يجوز أن يعقد الرجل نكاحا بصداق على أن تعطيه المرأة شيئا قل ولا كثر من بيع ولا كراء ولا إجارة ولا براءة من شيء كان لها عليه من قبل أنه إذا أصدقها ألفين ومهر مثلها ألف فأعطته عبدا يسوى ألفا ثم طلقها قبل أن يدخل بها انتقض نصف حصة مهر مثلها وثبت نصفها ، فإن جعلت البيع منها نقضت نصفه ولم أجد شيئا جمعته صفقة ينتقض إلا معا ولا يجوز إلا معا فإن جعلته ينتقض كله فقد انتقض بغير عيب ولا انتقاض لنصف حصة عقدة النكاح فدخله ما وصفت أولى من أن ينتقض بعض الصفقة دون بعض .

وإن لم أجعله ينتقض بحال فقد أجزت بيعا معه بغير ملك قد انتقض بعضه ووقع البيع عليه بحصة من الثمن غير معلومة لأن مهر مثلها ليس بمعلوم حتى يسأل عنه ويعتبر بغيرها . فإن قال قائل : قد تجمع الصفقة بيع عبدين معا ؟ قيل نعم : يرقان فيسترقان معا وتنتقض الصفقة في أحدهما فتنتقض في الآخر حين لم يتم البيع وليس هكذا النكاح ( قال الربيع ) وبهذا يأخذ الشافعي وبه أخذنا . قال ومن قال هذا القول لم يجز أن ينكح الرجل امرأتين بألف ولا يبين كم لكل واحدة منهما من الألف ، وأثبت النكاح في كل ما وصفت وأجعل لكل منكوحة على هذا صداق مثلها إن مات أو دخل بها ونصف صداق مثلها إن طلقها قبل أن يدخل بها .

وكذلك لا يجوز أن ينكح الرجل المرأة بألف على أن تبرئه من شيء كان لها عليه قبل النكاح ولا ينكحها بالألف على أن تعمل له عملا ولا ينكحها بالألف على أن يعمل لها عملا لأن هذا نكاح وإجارة لا تعرف حصة النكاح من حصة الإجارة ونكاح وبراءة لا تعرف حصة النكاح من حصة البراءة . فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه ( قال الربيع ) وبه يقول الشافعي ( قال الشافعي ) وإذا أصدقت المرأة العبد أو الأمة فكاتبتهما أو أعتقتهما أو وهبتهما أو باعتهما أو دبرتهما أو خرجا من ملكها ثم طلقت قبل أن يدخل بها لم ترد من ذلك شيئا إذا طلقها الزوج قبل أن يدخل بها ويرجع عليها بنصف قيمة أي ذلك أصدقها يوم دفعه إليها ، ولو دبرت العبد أو الأمة فرجعت في التدبير ثم طلقها والعبد بحاله رجع في نصفه .

وإن طلقها قبل أن ترجع في التدبير لم يجبر على أخذه وإن نقضت التدبير لأن نصف المهر صار له والعبد أو الجارية محول دونه بالتدبير لا يجبر مالكه على نقض التدبير فلما لم يكن يجبر عليه كان حقه مكانه في نصف قيمته فلا يتحول إلى عبد قد كان في ثمن بمشيئتها إذا لم تكن مشيئته في أن يأخذ العبد أو الأمة ويقال له انقض التدبير .
[ ص: 74 ] التفويض

أخبرنا الربيع قال : قال الشافعي رحمه الله تعالى : التفويض الذي إذا عقد الزوج النكاح به عرف أنه تفويض في النكاح أن يتزوج الرجل المرأة الثيب المالكة لأمرها برضاها ولا يسمي مهرا أو يقول لها أتزوجك على غير مهر فالنكاح في هذا ثابت فإن أصابها فلها مهر مثلها وإن لم يصبها حتى طلقها فلا متعة ولا نصف مهر لها وكذلك أن يقول أتزوجك ولك علي مائة دينار مهر فيكون هذا تفويضا وأكثر من التفويض ولا يلزمه المائة فإن أخذتها منه كان عليها ردها بكل حال وإن مات قبل أن يسمي لها مهرا أو ماتت فسواء وقد روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في بروع بنت واشق ونكحت بغير مهر فمات زوجها فقضى لها بمهر نسائها وقضى لها بالميراث } فإن كان ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أولى الأمور بنا ولا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم وإن كثروا ولا في قياس فلا شيء في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له وإن كان لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لأحد أن يثبت عنه ما لم يثبت ولم أحفظه بعد من وجه يثبت مثله وهو مرة يقال عن معقل بن يسار ومرة عن معقل بن سنان ومرة عن بعض أشجع لا يسمى وإن لم يثبت فإذا مات أو ماتت فلا مهر لها وله منها الميراث إن ماتت ولها منه الميراث إن مات ولا متعة لها في الموت لأنها غير مطلقة وإنما جعلت المتعة للمطلقة .

قال وإن كان عقد عليها عقدة النكاح بمهر مسمى أوبغير مهر فسمى لها مهرا فرضيته أو رفعته إلى السلطان ففرض لها مهرا فهو لها ولها الميراث ( قال الشافعي ) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس يسأل عن المرأة يموت عنها زوجها وقد فرض صداقها قال لها الصداق والميراث أخبرنا مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر وأمها ابنة زيد بن الخطاب وكانت تحت ابن لعبد الله بن عمر فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا فابتغت أمها صداقها فقال لها ابن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمنعكموه ولم نظلمها فأبت أن تقبل ذلك فجعلوا بينهم زيد بن ثابت فقضى أن لا صداق لها ولها الميراث أخبرنا سفيان عن عطاء بن السائب قال سألت عبد خير عن رجل فوض إليه فمات ولم يفرض فقال ليس لها إلا الميراث ولا نشك أنه قول علي .

( قال الشافعي ) قال سفيان لا أدري لا نشك أنه من قول علي أم من قول عطاء أم من قول عبد خير ( قال الشافعي ) وفي النكاح وجه آخر قد يدخل في اسم التفويض وليس بالتفويض المعروف نفسه وهو مخالف للباب قبله وذلك أن تقول المرأة للرجل أتزوجك على أن تفرض لي ما شئت أو ما شئت أنا أو ما حكمت أنت أو ما حكمت أنا أو ما شاء فلان أو ما رضي أو ما حكم فلان لرجل آخر فهذا كله وقع بشرط صداق ولكنه شرط مجهول فهو كالصداق الفاسد ، مثل الثمرة التي لم يبد صلاحها على أن تترك إلى أن تبلغ .

ومثل الميتة والخمر وما أشبهه مما لا يحل ملكه ولا يحل بيعه في حاله تلك أو على الأبد فلها في هذا كله مهر مثلها وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف مهر مثلها ولا متعة لها في قول من ذهب إلى أن لا متعة للتي فرض لها إذا طلقت قبل أن تمس ولها المتعة في قول من قال المتعة لكل مطلقة .

( قال الشافعي ) وإذا كان الصداق تسمية بوجه لا يجوز إلى أجل أو غير أجل ، أو يذكر فيه شيء فهو صداق فاسد لها فيه مهر مثلها ونصفه إن طلقت قبل الدخول ولو أصدقها بيتا أو خادما لم يصفه ولم تعرفه بعينه كان لها صداق مثلها لا يكون الصداق لازما إلا بما تلزم به البيوع ألا ترى لو أن رجلا باع بيتا غير موصوف أو خادما غير موصوف . ولا يرى واحدا منهما ولا يعرفه بعينه لم يجز وهكذا لو قال [ ص: 75 ] أصدقتك خادما بأربعين دينارا لم يجز لأن الخادم بأربعين دينارا قد يكون صبيا وكبيرا وأسود وأحمر فلا يجوز في الصداق إلا ما جاز في البيوع .

ولو قال أصدقتك خادما خماسيا من جنس كذا أو صفة كذا جاز كما يجوز في البيوع قال ولو أصدقها دارا لا يملكها أو عبدا لا يملكه أو حرا فقال هذا عبدي أصدقتكه فنكحته على هذا ثم علم أن الدار والعبد لم يكونا في ملكه يوم عقد عليها فعقدة النكاح جائزة ولها مهر مثلها ولا يكون لها قيمة العبد ولا الدار ولو ملكهما بعد فأعطاها إياهما لم يكونا لها إلا بتجديد بيع فيهما لأن العقدة انعقدت وهو لا يملكهما كما لو انعقدت عليهما عقدة بيع لم يجز البيع ولو ملكهما بعد البيع أو سلمهما مالكهما للبائع بذلك الثمن لم يجز حتى يحدث فيهما بيعا وإنما جعلت لها مهر مثلها لأن النكاح لا يرد كما لا ترد البيوع الفائتة النكاح كالبيوع الفائتة قال وسيد الأمة في تزويج الرجل بغير مهر مثل المرأة البالغ في نفسها إذا زوجها بغير أن يسمي مهرا أو زوجها على أن لا مهر لها فطلقها الزوج قبل المسيس فلها المتعة وليس لها نصف المهر فإن مسها فلها مهر مثلها وإذا زوج الأمة سيدها وأذنت الحرة في نفسها بلا مهر ثم أرادت الحرة وأراد سيد الأمة أن يفرض الزوج لها مهرا فرض لها المهر .

وإن قامت عليه قبل أن يطلقها فطلبته فطلقها قبل أن يفرض لها أو يحكم عليه الحاكم بمهر مثلها فليس لها إلا المتاع لا يجب لها نصف المهر إلا أن يفرض الحاكم أو بأن يفرضه هو لها بعد علمها صداق مثلها فترضى كما وقع عليه العقد فيلزمهما جميعا .

( قال الشافعي ) وإن نكحها بغير مهر ففرض لها مهرا فلم ترضه حتى فارقها كانت لها المتعة ولم يكن لها مما فرض لها شيء حتى يجتمعا على الرضا فإذا اجتمعا على الرضا به لزم كل واحد منهما ولم يكن لواحد منهما نقض شيء منه كما لا يكون لواحد منهما نقض ما وقعت عليه العقدة من المهر إلا باجتماعهما على نقضها أو يطلق قبل المسيس فينتقض نصف المهر ولا يلزمها ما فرض لها بحال حتى يعلما كم مهر مثلها لأن لها مهر مثلها بالعقد ما لم ينتقض بطلاق فإذا فرض وهما لا يعلمان مهر مثلها كان هو كالمشتري وهي كالبائع ما لم يعلم أو يعلم أحدهما ( قال الشافعي ) وليس أبو الجارية الصغيرة ولا الكبيرة البكر كسيد الأمة في أن يضع من مهرها ولا يزوجها بغير مهر فإن قيل فما فرق بينهما فهو يزوجهما معا بلا رضاهما ؟ قيل ما يملك من الجارية من المهر فلنفسه يملكه لا لها فأمره يجوز في ملك نفسه وما ملك لابنته من مهرها فلها يملكه لا لنفسه ومهرها مال من مالها فكما لا يجوز له أن يهب مالها فكذلك لا يجوز له أن يهب صداقها ولا يزوجها بغير صداق كما لا يجوز له إتلاف ما سواه من مالها .

وإذا زوجها أبوها ولم يسم لها مهرا أو قال لزوجها أزوجكها على أن لا مهر عليك فالنكاح ثابت لها ولها على الزوج مهر مثلها لا يرجع به على الأب فإن ضمن له الأب البراءة من مهرها وسماه فللزوجة على الزوج صداقها في ماله عاش أو مات أو عاشت أو ماتت وإن طلقها فلها عليه نصف مهر مثلها ولا يرجع به الزوج على الأب لأنه لم يضمن له في ماله شيئا فيلزمه ضمانه إنما ضمن له أن يبطل عنه حقا لغيره فإن قال قائل وكيف جعلت عليه مهر مثل الصبية إنما زوجه إياها أبوها وهو لم يرض بالنكاح إلا بغير مهر ؟ قيل له أرأيت إن كانت المرأة الثيب المالك لأمرها التي لو وهبت مالها جاز تنكح الرجل على أن لا مهر لها ثم تسأل المهر فأفرض لها مهر مثلها ولا أبطل النكاح كما أبطل البيع ولا أجعل للزوج الخيار بأن طلبت الصداق وقد نكحت بلا صداق وكيف ينبغي أن أقول في الصبية ؟ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #199  
قديم 18-11-2022, 11:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,521
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (199)
صــــــــــ 76 الى صـــــــــــ 82


فإن قال هكذا لأنهما منكوحتان وأكثر ما في الصبية أن يجوز أمر أبيها عليها في مهرها كما يجوز أمر الكبيرة في نفسها في مهرها فإذا لم يبرأ زوج الكبيرة من المهر بأن لم يرض أن ينكحها إلا بلا مهر ونكحته على ذلك فلزمه المهر ولم نفسخ النكاح ولم نجعل له الخيار ولو أصابها كان لها المهر كله فهكذا الصبية فإن قال نعم ولكن لم جعلت على زوج الصبية يطلقها نصف [ ص: 76 ] مهر مثلها وأنت لا تجعل على زوج الكبيرة إذا نكحها بلا مهر فطلقها قبل أن تطلب الفرض أو يفرض أو تصاب إلا المتعة ؟ قيل له إن شاء الله تعالى لما وصفت من أن النكاح ثابت بمهر إلا على من أجاز أمره من النساء في ماله فيرضى أن لا يكون له فهو مطلق قبل أن يفرض لها مهرا فكان لهن المتعة لأنهن عفون عن المهر حتى طلقن كما لو عفون عنه وقد فرض جاز عفوهن لقول الله عز وجل { إلا أن يعفون } والصغيرة لم تعف عن مهر ولو عفت لم يجز عفوها وإنما عفا عنها أبوها الذي لا عفو له في مالها فألزمنا الزوج نصف مهر مثلها بالطلاق وفرقنا بينهما لافتراق حالهما في مالهما ، ولأن الزوج لم يرض بصداق إلا أن يبرأ منه فكان كمن سمى صداقا فاسدا ولو كان سمى لها صداقا فعفاه الأب كان لها الصداق الذي سمى وعفو الأب بعد وجوب الصداق باطل وهكذا المحجورة إذا زوجت بلا مهر لا تخالف الصبية في شيء .

أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا زوج ابنته على أربعة آلاف وترك لزوجها ألفا فجاءت المرأة وزوجها وأبوها ثلاثتهم يختصمون إلى شريح فقال شريح : تجوز صدقتك ومعروفك وهي أحق بثمن رقبتها ( قال الشافعي ) وسواء في هذا البكر والثيب لأن ذلك ملك للبنت دون الأب ولا حق للأب فيه وقول شريح " تجوز صدقتك ومعروفك قد أحسنت وإحسانك حسن ولكنك أحسنت فيما لا يجوز لك فهي أحق بثمن رقبتها " يعني صداقها .
المهر الفاسد

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في عقد النكاح شيئان أحدهما العقدة والآخر المهر الذي يجب بالعقد فلا يفسد العقد إلا بما وصفنا العقد يفسد به من أن يعقد منهيا عنه وليس المهر من إفساد العقد ولا إصلاحه بسبيل ألا ترى أن عقد النكاح بغير مهر مسمى صحيح فإذا كان العقد منهيا عنه لم يصح أن يكون عقد بمهر صحيح أو لا ترى أن عقد النكاح يكون بلا مهر فيثبت النكاح ولا يفسد بأن لم يكن مهر ويكون للمرأة إذا وطئت مهر مثلها .

( قال الشافعي ) وهذا الموضع الذي يخالف فيه النكاح البيع لأن البيع إذا وقع بغير ثمن لم يجب وذلك أن يقول قد بعتك بحكمك فلا يكون بيعا وهذا في النكاح صحيح فإن قال قائل من أين أجزت هذا في النكاح ورددته في البيوع وأنت تحكم في عامة النكاح أحكام البيوع ؟ قيل قال الله عز وجل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء } إلى { ومتعوهن } وقال تبارك وتعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فأعلم الله تعالى في المفروض لها أن الطلاق يقع عليها كما أعلم في التي لم يفرض لها أن الطلاق يقع عليها والطلاق لا يقع إلا على زوجة والزوجة لا تكون إلا ونكاحها ثابت قال ولم أعلم مخالفا مضى ولا أدركته في أن النكاح يثبت وإن لم يسم مهرا وأن لها إن طلقت وقد نكحت ولم يسم مهرا المتعة وإن أصيبت فلها مهر مثلها فلما كان هذا كما وصفت لم يجز أبدا أن يفسد النكاح من جهة المهر بحال أبدا فإذا نكحها بمهر مجهول أو مهر حرام البيع في حاله التي نكحها فيها أو حرام بكل حال قال فذلك كله سواء وعقد النكاح ثابت والمهر باطل فلها مهر مثلها إن طلقها قبل أن يدخل بها لأنها سمت مهرا وإن لم يجز بأنه معلوم حلال ولم يحل لأنها لم ترد نكاحه بلا مهر .

وذلك مثل أن ينكح بثمرة لم يبد صلاحها على أن يدعها إلى أن تبلغ فيكون لها مهر مثلها وتكون الثمرة لصاحبها لأن بيعها في هذه الحال لا يحل على هذا الشرط ولو نكحت بها على أن تقطعها حينئذ كان النكاح جائزا فإن تركها حتى يبدو صلاحها فهي لها [ ص: 77 ] وهو متطوع ومتى قام عليها بقطعها فعليها أن تقطعها في أي حال قام عليها فيها قال ولو نكحها بخمر أو خنزير فالنكاح ثابت والمهر باطل ولها مهر مثلها وكذلك إن نكحته بحكمها أو حكمه فلها مهر مثلها وإن حكمت حكما أو حكمه فرضيا به فلهما ما تراضيا عليه وإنما يكون لهما ما تراضيا عليه بعدما يعرفان مهر مثلها ولا يجوز ما تراضيا عليه أبدا إلا بعدما يعرفان مهر مثلها .

ولو فرض لها فتراضيا على غيره أو لم يفرض لها فتراضيا فكما يكون ذلك لهما لو ابتدأ بالفرض لها ولا أقول لها أبدا احكمي ولكن أقول لها مهر مثلها إلا أن تشاء أن تتراضيا فلا أعرض لكما فيما تراضيتم عليه أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن الأشعث بن قيس صحب رجلا فرأى امرأته فأعجبته قال فتوفي في الطريق فخطبها الأشعث بن قيس فأبت أن تتزوجه إلا على حكمها فتزوجها على حكمها ثم طلقها قبل أن تحكم فقال احكمي فقالت أحكم فلانا وفلانا رقيقين كانوا لأبيه من بلاده فقال احكمي غير هؤلاء فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين عجزت ثلاث مرات فقال ما هن ؟ قال عشقت امرأة قال هذا ما لا تملك قال ثم تزوجتها على حكمها ثم طلقتها قبل أن تحكم قال عمر امرأة من المسلمين ؟ .

( قال الشافعي ) يعني عمر لها مهر امرأة من المسلمين ويعني من نسائها والله تعالى أعلم وما قلت أن لها مهر امرأة من نسائها ما لا أعلم فيه اختلافا ويشبه أن يكون الذي أراد عمر والله تعالى أعلم .

ومتى قلت لها مهر نسائها فإنما أعني أخواتها وعماتها وبنات أعمامها نساء عصبتها وليس أمها من نسائها وأعني مهر نساء بلدها لأن مهور البلدان تختلف وأعني مهر من هو في مثل شبابها وعقلها وأدبها لأن المهور تختلف بالشباب والهيئة والعقل وأعني مهر من هو في مثل يسرها لأن المهور تختلف باليسر وأعني مهر من هو في جمالها لأن المهور تختلف بالجمال وأعني مهر من هو في صراحتها لأن المهور تختلف بالصراحة والهجنة وبكرا كانت أو ثيبا لأن المهور تختلف في الأبكار والثيب قال وإن كان من نسائها من تنكح بنقد أو دين أو بعرض أو بنقد وعرض جعلت صداقها نقدا كله لأن الحكم بالقيمة لا يكون بدين لأنه لا يعرف قدر النقد من الدين وإن الدين إنما يكون برضا من يكون له الدين فإن كانت لا نساء لها فمهر أقرب النساء منها شبها بها فيما وصفت بالنسب فإن المهور تختلف بالنسب ولو كان نساؤها ينكحن إذا نكحن في عشائرهن خففن المهر وإذا نكحن في الغرباء كانت مهورهن أكثر فرضت عليه المهر إن كان من عشيرتها كمهور نسائها في عشيرتها وإن كان غريبا كمهور الغرباء .
الاختلاف في المهر

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا اختلف الرجل والمرأة في المهر قبل الدخول أو بعده وقبل الطلاق أو بعده فقال نكحتك على ألف وقالت بل نكحتني على ألفين أو قال نكحتك على عبد وقالت بل نكحتني على دار بعينها ولا بينة بينهما تحالفا .

وأبدأ بالرجل في اليمين فإن حلف حلفت المرأة فإن حلفت جعلت لها مهر مثلها فإن دخل بها فلها مهر مثلها كاملا وإن كان طلقها ولم يدخل بها فلها نصف مهر مثلها وهكذا إذا اختلف الزوج وأبو الصبية البكر أو سيد الأمة وهكذا إن اختلف ورثة المرأة وورثة الزوج بعد موتهما أو ورثة أحدهما والآخر بعد موته قال ولو اختلف في دفعه فقال قد دفعت إليك صداقك وقالت ما دفعت إلي شيئا أو اختلف أبو البكر الذي يلي مالها أو سيد الأمة فقال الزوج قد [ ص: 78 ] دفعت إليك صداق ابنتك قال الأب لم تدفعه فالقول قول المرأة وقول أبي البكر وسيد الأمة مع أيمانهم وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها أو ماتت المرأة أو الرجل أو كانا حيين لورثتهما في ذلك ما لهما في حياتهما وسواء عرف الصداق أو لم يعرف إن عرف فلها الصداق الذي يتصادقان عليه أو تقوم به بينة فإن لم يعرف ولم يتصادقا ولا بينة تقوم تحالفا إن كانا حيين وورثتهما على العلم إن كانا ميتين وكان لها ميتين وكان لها صداق مثلها لأن الصداق حق من الحقوق فلا يزول إلا بإقرار الذي له الحق أو الذي إليه الحق من ولي البكر الصبية وسيد الأمة بما يبرئ الزوج منه .

قال ولو اختلفا فيه فأقامت المرأة البينة بأنه أصدقها ألفين وأقام الزوج البينة أنه أصدقها ألفا لم تكن واحدة من البينتين أولى من الأخرى لأن بينة المرأة تشهد بألفين وبينة الرجل تشهد له بألف قد ملك بها العقد فلا يجوز - والله تعالى أعلم - عندي فيها إلا أن يتحالفا ويكون لها مهر مثلها فيكون هذا كتصادقهما على المبيع الهالك واختلافهما في الثمن أو القرعة فأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق وأخذ بيمينه ( قال الشافعي ) بعض الشهادة متضادة ولها صداق مثلها كان أكثر من ألفين أو أقل من ألف وبه يأخذ الشافعي قال ولو تصادقا على الصداق أنه ألف فقال دفعت إليها خمسمائة من صداقها فأقرت بذلك أو قامت عليها بها بينة وقالت أعطيتنيها هدية وقال بل صداق فالقول قوله مع يمينه وهكذا لو دفع إليها عبدا فقال قد أخذتيه مني بيعا بصداقك وقالت بل أخذته منك هبة فالقول قوله مع يمينه ويحلف على البيع وترد العبد إن كان حيا أو قيمته إن كان ميتا ولو تصادقا أن الصداق ألف فدفع إليها ألفين فقال ألف صداق وألف وديعة وقالت ألف صداق وألف هدية فالقول قوله مع يمينه وله عندها ألف وديعة وإذا أقرت أن قد قبضت منه شيئا فقد أقرت بمال له وادعت ملكه بغير ما قال فالقول قوله في ماله قال .

وإذا نكح الصغيرة أو الكبيرة البكر التي يلي أبوهما بضعهما ومالهما فدفع إلى أبيهما صداقهما فهو براءة له من الصداق وهكذا الثيب التي يلي أبوها مالها وهكذا إذا دفع صداقها إلى من يلي مالها من غير الآباء فهو براءة له من الصداق وإذا دفع ذلك إلى الأب لابنته الثيب التي تلي نفسها أو البكر الرشيدة البالغ التي تلي مالها دون أبيها أو إلى أحد من الأولياء لا يلي المال فلا براءة له من صداقها والصداق لازم بحاله ويتبع من دفعه إليه بالصداق بما دفع إليه وإذا وكلت المرأة التي تلي مالها رجلا من كان يدفع صداقها إليه فدفعه إليه الزوج فهو بريء منه .
الشرط في النكاح

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا عقد الرجل النكاح على البكر أو الثيب التي تلي مال نفسها أو لا تليه فإذنها في النكاح غير إذنها في الصداق فلو نكحها بألف على أن لأبيها ألفا .

فالنكاح ثابت ولها مهر مثلها كان أقل من ألف أو أكثر من ألفين من قبل أنه نكاح جائز عقد فيه صداق فاسد وجب في أصل العقد ليس من العقد ولا يجب بالعقد ما لم يجعله الزوج للمرأة فيكون صداقا لها فإذا أعطاه الأب فإنما أعطاه بحق غيره فلا يكون له أن يأخذ بحق غيره وليس بهبة ولو كان هبة لم تجز إلا مقبوضة .

وليس للمرأة إلا مهر مثلها ولو كانت البنت ثيبا أو بكرا بالغا فرضيت قبل النكاح أن ينكحها بألفين على أن يعطي أباها أو أخاها منهما ألفا كان النكاح جائزا وكان هذا توكيلا منها لأبيها بالألف التي أمرت بدفعها إليه وكانت الألفان لها ولها الخيار في أن تعطيها أباها وأخاها هبة لهما أو منعها لهما لأنها هبة لم [ ص: 79 ] تقبض أو وكالة بقبض ألف فيكون لها الرجعة في الوكالة وإنما فرقت بين البكر والثيب إذا كانتا يليان أموالهما أو لا يليانها أن التي تلي مالها منهما يجوز لها ما صنعت في مالها من توكيل وهبة ألا ترى أن رجلا لو باع من رجل عبدا بألف على أن يعطيه خمسمائة وآخر خمسمائة كان جائزا وكانت الخمسمائة إحالة منه للآخر بها أو وكالة والبكر الصغيرة والثيب التي لا تلي مالها لا يجوز لها في مالها ما صنعت قال ولو انعقدت عقدة النكاح بأمر التي تلي أمرها بمهر رضيته ثم شرط لها بعد عقدة النكاح شيئا كان له الرجوع فيه .

وكان الوفاء به أحسن لو رضيت ولو كان هذا في التي لا تلي مالها كان هكذا إلا أنه إن كان نقص التي لا تلي مالها شيئا من مهر مثلها بلغ بها مهر مثلها ولو حابى أبو التي لا تلي مالها في مهرها أو وضع منه كان على زوجها أن يلحقها بمهر مثلها ولا يرجع به على الأب وكان وضع الأب من مهرها باطلا كما يكون هبته مالها سوى المهر باطلا وهكذا سائر الأولياء .

وهكذا لو كانت تلي مالها فكان ما صنع بغير أمرها ولو نكح بكرا أو ثيبا بأمرها على ألف على أن لها أن تخرج متى شاءت من منزله وعلى أن لا تخرج من بلدها وعلى أن لا ينكح عليها ولا يتسرى عليها أو أي شرط ما شرطته عليه مما كان له إذا انعقد النكاح أن يفعله ويمنعها منه فالنكاح جائز والشرط باطل وإن كان انتقصها بالشرط شيئا من مهر مثلها فلها مهر مثلها وإن كان لم ينقصها من مهر مثلها بالشرط أو كان قد زادها عليه وزادها على الشرط أبطلت الشرط ولم أجعل لها الزيادة على مهر مثلها ولم يزدها على مهر مثلها لفساد عقد المهر بالشرط الذي دخل معه ألا ترى لو أن رجلا اشترى عبدا بمائة دينار وزق خمر فرضي رب العبد أن يأخذ المائة ويبطل الزق الخمر لم يكن ذلك له لأن الثمن انعقد على ما يجوز وعلى ما لا يجوز فبطل ما لا يجوز .

وما يجوز وكان له قيمة العبد إن مات في يدي المشتري ولو أصدقها ألفا على أن لا ينفق عليها أو على أن لا يقسم لها أو على أنه في حل مما صنع بها كان الشرط باطلا وكان له إن كان صداق مثلها أقل من الألف أن يرجع عليها حتى يصيرها إلى صداق مثلها لأنها شرطت له ما ليس له فزادها مما طرح عن نفسه من حقها فأبطلت حصة الزيادة من مهرها ورددتها إلى مهر مثلها فإن قال قائل فلم لا تجيز عليه ما شرط لها وعليها ما شرطت له ؟ قيل رددت شرطهما إذا أبطلا به ما جعل الله لكل واحد ثم ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ولو كان مائة شرط ، قضاء الله أحق وشرطه أوثق فإنما الولاء لمن أعتق } فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله جل ثناؤه إذا كان في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه فإن قال قائل ما الشرط للرجل على المرأة والمرأة على الرجل مما إبطاله بالشرط خلاف لكتاب الله أو السنة أو أمر اجتمع الناس عليه ؟ قيل له إن شاء الله تعالى أحل الله عز وجل للرجل أن ينكح أربعا وما ملكت يمينه فإذا شرطت عليه أن لا ينكح ولا يتسرى حظرت عليه ما وسع الله تعالى عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل للمرأة أن تصوم يوما تطوعا وزوجها شاهد إلا بإذنه } .

فجعل له منعها ما يقربها إلى الله إذا لم يكن فرضا عليها لعظيم حقه عليها وأوجب الله عز وجل له الفضيلة عليها ولم يختلف أحد علمته في أن له أن يخرجها من بلد إلى بلد ويمنعها من الخروج فإذا شرطت عليه أن لا يمنعها من الخروج ولا يخرجها شرطت عليه إبطال ماله عليها قال الله تبارك وتعالى { فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا } فدل كتاب الله تعالى على أن على الرجل أن يعول امرأته دلت عليه السنة فإذا شرط عليها أن لا ينفق عليها أبطل ما جعل لها وأمر بعشرتها بالمعروف ولم يبح له ضربها إلا بحال فإذا [ ص: 80 ] شرط عليها أن له أن يعاشرها كيف شاء وأن لا شيء عليه فيما نال منها فقد شرط أن له أن يأتي منها ما ليس له فبهذا أبطلنا هذه الشروط وما في معناها وجعلنا لها مهر مثلها فإن قال قائل فقد يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج } فهكذا نقول في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه إنما يوفى من الشروط ما يبين أنه جائز ولم تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه غير جائز وقد يروى عنه عليه الصلاة والسلام { المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا } ومفسر حديثه يدل على جملته .
ما جاء في عفو المهر

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة } الآية ( قال الشافعي ) فجعل الله تعالى للمرأة فيما أوجب لها من نصف المهر أن تعفو وجعل للذي يلي عقدة النكاح أن يعفو وذلك أن يتم لها الصداق فيدفعه إن لم يكن دفعه كاملا ولا يرجع بنصفه إن كان دفعه وبين عندي في الآية أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج وذلك إنه إنما يعفوه من له ما يعفوه فلما ذكر الله جل وعز عفوها مما ملكت من نصف المهر أشبه أن يكون ذكر عفوه لما له من جنس نصف المهر والله تعالى أعلم وحض الله تعالى على العفو والفضل فقال عز وجل { وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم } وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال " الذي بيده عقدة النكاح الزوج " .

( قال الشافعي ) وأخبرنا ابن أبي فديك أخبرنا سعيد بن سالم عن عبد الله بن جعفر بن المسور عن واصل بن أبي سعيد عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه تزوج امرأة ولم يدخل بها حتى طلقها فأرسل إليها بالصداق تاما فقيل له في ذلك فقال أنا أولى بالعفو أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين قال الذي بيده عقدة النكاح الزوج أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن جبير أنه قال الذي بيده عقدة النكاح الزوج أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه عن ابن المسيب أنه قال " هو الزوج " ( قال الشافعي ) والمخاطبون بأن يعفوا ، فيجوز عفوهم والله تعالى أعلم الأحرار وذلك أن العبيد لا يملكون شيئا فلو كانت أمة عند حر فعفت له عن بعض المهر أو المهر لم يجز عفوها وذلك أنها لا تملك شيئا إنما يملك مولاها ما ملك بسببها ولو عفاه المولى جاز وكذلك العبد إن عفا المهر كله وله أن يرجع بنصفه لم يجز عفوه .

وإذا عفاه مولاه جاز عفوه لأن مولاه المالك للمال ( قال الشافعي ) فأما أبو البكر يعفو عن نصف المهر فلا يجوز ذلك له من قبل أنه عفا عما لا يملك وما يملكه تملكه ابنته ألا ترى أنه لو وهب مالا لبنته غير الصداق لم تجز هبته فكذلك إذا وهب الصداق لم تجز هبته لأنه مال من مالها وكذلك أبو الزوج لو كان الزوج محجورا عليه فعفا عن نصف المهر الذي له أن يرجع به لم يجز عفو أبيه لأنه مال من ماله يهبه وليس له هبة ماله قال ولا يجوز العفو إلا لبالغ حر رشيد يلي مال نفسه فإن كان الزوج بالغا حرا محجورا عليه فدفع الصداق ثم طلقها قبل المسيس فعفا نصف المهر الذي له أن يرجع كان عفوه باطلا كما تكون هبة ماله سوى الصداق .

وكذلك لو كانت المرأة بكرا لا يجوز لها هبة مالها ولا لأوليائها هبة أموالها ولو كانت بكرا بالغة رشيدة غير محجور عليها فعفت جاز عفوها إنما ينظر في هذا إلى من يجوز أمره في ماله وأجيز عفوه وأرد عفو من لا يجوز أمره في ماله والعفو هبة كما وصفت وهو إبراء فإذا لم تقبض المرأة شيئا من صداقها فعفته جاز [ ص: 81 ] عفوها لأنه قابض لما عليه فيبرأ منه ولو قبضت الصداق أو نصفه فقالت قد عفوت لك عما أصدقتني فإن ردته إليه جاز العفو وإن لم ترده حتى ترجع فيه كان لها الرجوع لأنه غير قابض ما وهبته له ولا معنى لبراءتها إياه من شيء ليس لها عليه ولو كانت على التمام على عفوه فهلك في يدها لم يكن عليها غرمه إلا أن تشاء ولو ماتت قبل أن تدفعه إليه لم يكن على ورثتها أن يعطوه إياه وكان مالا من مالها يرثونه قال وما كان في يد كل واحد منهما فعفا الذي هو له كان عفوه جائزا وما لم يكن له في يده فعفا له الذي هو له فهو بالخيار في إتمامه والرجعة فيه وحبسه وإتمامه ودفعه أحب إلي من حبسه وكل عطية لا تجب على أحد فهي بفضل وكلها محمود مرغوب فيه والفضل في المهر لأنه منصوص حض الله تعالى عليه قال وإذا نكح الرجل المرأة بصداق فوهبته له قبل القبض أو بعده أو قبل الطلاق أو بعده فذلك كله سواء والهبة جائزة .

وإن كانت الهبة قبل الطلاق ثم طلقها فأراد أن يرجع عليها بنصف الصداق فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون العفو إبراء له مما لها عليها فلا يرجع عليها بشيء قد ملكه عليها ومن قال هذا قال لم يجب عليها شيء إلا من قبل ما كان لها عليه بإبرائه منه قبل القبض أو بعد القبض والدفع إليه والثاني أن له أن يرجع عليها بنصفه كان عفوها قبل القبض أو بعد القبض والدفع إليه وذلك أنه قد ملكه عليها بغير الوجه الذي وجب لها عليه .

وإذا نكح الرجل المرأة التي يجوز أمرها في مالها بصداق غير مسمى أو بصداق فاسد فأبرأته من الصداق قبل أن تقبضه فالبراءة باطلة من قبل أنها أبرأته مما لا تعلم كم وجب لها منه ولو سمى لها مهرا جائزا فرضيته ثم أبرأته منه فالبراءة جائزة من قبل أنها أبرأته مما عرفت ولو سمى لها مهرا فاسدا فقبضته أو لم تقبضه فأبرأته منه أو ردته عليه إن كانت قبضته كانت البراءة باطلة وترده بكل حال ولها صداق مثلها فإذا علمته فأبرأته منه كانت براءتها جائزة ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل قد صار لك في يدي مال من وجه فقال أنت منه بريء لم يبرأ حتى يعلم المالك المال لأنه قد يبرئه منه على أنه درهم ولا يبرئه لو كان أكثر قال : ولو كان المهر صحيحا معلوما ولم تقبضه حتى طلقها فأبرأته من نصف المهر الذي وجب لها عليه كانت البراءة جائزة ولم يكن لها أن ترجع بشيء بعد البراءة ولو كانت لم تقبضه ولكنها أحالت عليه ثم أبرأته كانت البراءة باطلة لأنها أبرأته مما ليس لها وما ملكه لغيرها ولو كانت أحالت عليه بأقل من نصف المهر ثم أبرأته من نصف المهر جازت البراءة مما بقي عليه ولم تجز مما أحالت به عليه لأنه قد خرج منها إلى غيرها فأبرأته مما ليس لها عليه ولا تملكه فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه .
صداق الشيء بعينه فيوجد معيبا

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أصدق الرجل المرأة عبدا بعينه فوجدت به عيبا صغيرا أو كبيرا يرد من مثله كالبيوع كان لها رده بذلك العيب وكذلك لو أصدقها إياه سالما فلم يدفعه إليها حتى حدث به عيب وكذلك كل ما أصدقها إياه فوجدت به عيبا أو حدث به في يد الزوج قبل قبضها إياه عيب كان لها رده بالعيب وأخذه معيبا إن شاءت فإن أخذته معيبا فلا شيء لها في العيب وإن ردته رجعت عليه بمهر مثلها لأنها إنما باعته بضعها بعبد فلما انتقض البيع فيه باختيارها الرد كان لها مهر مثلها كما يكون لها لو اشترته منه بثمن الرجوع بالثمن الذي قبض منها وهكذا لو أصدقها إياه ولم تره فاختارت [ ص: 82 ] عند رؤيته رده كان الجواب فيها هكذا لا يختلفان قال وإن أصدقها عبدا لا يملكه أو مكاتبا أو حرا على أنه عبد له أو دارا ثم ملك الدار والعبد فلها في هذا كله مهر مثلها قال وكذلك المكاتب لا يباع والحر لا ثمن له فلم يملك واحدا من هذين بحال والعبد لا يملكه والدار وقع النكاح ولا سبيل له عليه ولو سلمه سيده أو سلم الدار لم يكن لها كما لو باعها عبدا أو دارا لا يملكها ثم سلمها مالكها لم يجز البيع ولو أصدقها عبدا بصفة جاز الصداق وجبرتها إذا جاءها بأقل ما تقع عليه الصفة على قبضه منه قال وهكذا لو أصدقها حنطة أو زبيبا أو خلا بصفة أو إلى أجل كان جائزا وكان عليها إذا جاءها بأقل ما يقع عليه اسم الصفة أن تقبله .

ولو قال أصدقتك ملء هذه الجرة خلا والخل غير حاضر لم يجز وكان لها مهر مثلها كما لو اشترى ملء هذه الجرة خلا والخل غائب لم يجز من قبل أن الجرة قد تنكسر فلا يدرى كم قدر الخل وإنما يجوز بيع العين ترى أو الغائب المكيل أو الموزون بكيل أوميزان يدرك علمه فيجبر عليه المتبايعان قال ولو أصدقها جرارا فقال هذه مملوءة خلا فنكحته على الجرار بما فيها أو على ما في الجرة فإذا فيها خل كان لها الخيار إذا رأته وافيا أو ناقصا لأنها لم تره فإن اختارته فهو لها إن ثبت حديث خيار الرؤية ، وإن اختارت رده فلها عليه مهر مثلها ولو وجدته خمرا رجعت عليه بمهر مثلها لأنه لا يكون لها أن تملك الخمر وهذا بيع عين لا تحل كما لو أصدقها خمرا كان لها مهر مثلها قال ولو أصدقها دارا لم ترها على أنها بالخيار فيما أصدقها إن شاءت أخذته وإن شاءت ردته أو شرط الخيار لنفسه كان النكاح جائزا لأن الخيار إنما هو في الصداق لا في النكاح وكان لها مهر مثلها ولم يكن لها أن تملك العبد ولا الدار .

ولو اصطلحا بعد على العبد والدار لم يجز الصلح حتى يعلم كم مهر مثلها فتأخذه به أو ترضى أن يفرض لها مهرا فتأخذ بالفرض لا قيمة مهر مثلها الذي لا تعرفه لأنه لا يجوز البيع إلا بثمن يعرفه البائع والمشتري معا لا أحدهما دون الآخر ولا يشبه هذا أن تنكحه بعبد نكاحا صحيحا فيهلك العبد لأن العقد وقع وليس لها مهر مثلها فيكون العبد مبيعا به مجهولا وإنما وقع بالعبد وليس لها غيره إذا صح ملكه قال ولوأصدقها عبدا فقبضته فوجدت به عيبا وحدث به عندها عيب لم يكن لها رده إلا أن يشاء الزوج أن يأخذه بالعيب الذي حدث به عندها ولا يكون له في العيب الحادث عندها شيء ولها أن ترجع عليه بما نقصه العيب وكذلك لو أعتقته أو كاتبته رجعت عليه بما نقصه العيب .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #200  
قديم 18-11-2022, 11:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,521
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (200)
صــــــــــ 82 الى صـــــــــــ 89



كتاب الشغار

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار } والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته وليس بينهما صداق ( قال الشافعي ) لا أدري تفسير الشغار في الحديث أو من ابن عمر أو نافع أو مالك وهكذا كما قال الشغار فكل من زوج رجلا امرأة يلي أمرها بولاية نفس الأب البكر أو الأب وغيره من الأولياء لامرأة على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى فهو الشغار أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { إن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 83 ] نهى عن الشغار } ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا شغار في الإسلام } ( قال الشافعي ) فإذا أنكح الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن ينكحه ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ولم يسم لواحدة منهما صداق فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل النكاح وهو مفسوخ وإن أصاب كل واحد منهما فلكل واحدة منهما مهر مثلها وعليها العدة وهو كالنكاح الفاسد في جميع أحكامه لا يختلفان ( قال الشافعي ) وإذا زوج الرجل ابنته الرجل أو المرأة يلي أمرها على أن يزوجه الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها على أن صداق إحداهما كذا لشيء يسميه وصداق الأخرى كذا لشيء يسميه أقل أو أكثر أو على أن يسمي لإحداهما صداقا ولم يسم للأخرى صداقا أو قال لا صداق لها فليس هذا بالشغار المنهي عنه والنكاح ثابت والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثلها إذا دخل بها أو ماتت أو مات عنها ونصف مهر مثلها إن طلقت قبل أن يدخل بها .

( قال الشافعي ) فإن قال قائل فإن عطاء وغيره يقولون يثبت النكاح ويؤخذ لكل واحدة منهما مهر مثلها فلم لم تقله وأنت تقول يثبت النكاح بغير مهر ويثبت بالمهر الفاسد وتأخذ مهر مثلها ؟ فأكثر ما في الشغار أن يكون المهر فيه فاسدا أو يكون بغير مهر ؟ قيل له أبان الله عز وجل أن النساء محرمات إلا بما أحل الله من نكاح أو ملك يمين فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل كيف النكاح الذي يحل فمن عقد نكاحا كما أمره الله تعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أو عقد نكاحا لم يحرمه الله سبحانه وتعالى ولم ينه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فالنكاح ثابت ، ومن نكح كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فهو عاص بالنكاح إلا أنه غير مؤاخذ إن شاء الله تعالى بالمعصية إن أتاها على جهالة فلا يحل المحرم من النساء بالمحرم من النكاح والشغار محرم بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وهكذا كل ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من نكاح لم يحل به المحرم وبهذا قلنا في المتعة ونكاح المحرم وما نهى عنه من نكاح ولهذا قلنا في البيع الفاسد لا يحل به فرج الأمة فإذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النكاح في حال فعقد على نهيه كان مفسوخا لأن العقد لهما كان بالنهي ولا يحل العقد المنهي عنه محرما .

( قال الشافعي ) ويقال له إنما أجزنا النكاح بغير مهر لقول الله عز وجل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } الآية فلما أثبت الله عز وجل الطلاق دل ذلك على أن النكاح ثابت لأن الطلاق لا يقع إلا من نكاح ثابت فأجزنا النكاح بلا مهر ولما أجازه الله سبحانه وتعالى بلا مهر كان عقد النكاح على شيئين أحدهما نكاح والآخر ما يملك بالنكاح من المهر فلما جاز النكاح بلا ملك مهر فخالف البيوع وكان فيه مهر مثل المرأة إذا دخل بها وكان كالبيوع الفاسدة المستهلكة يكون فيها قيمتها كان المهر إذا كان فاسدا لا يفسد النكاح ولم يكن في النكاح بلا مهر ولا في النكاح بالمهر الفاسد نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرمه بنهيه كما كان في الشغار فأجزنا ما أجاز الله عز وجل وما كان في معناه إذا لم ينه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه عن شيء علمناه ورددنا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هذا الواجب علينا الذي ليس لنا ولا لأحد أن يعقل عن الله جل وعلا شيئا علمنا غيره .

أخبرنا الربيع : قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا نكح امرأة على حكمها ثم طلقها فاحتكمت رقيقا من بلاده فأبى فذكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال امرأة من المسلمين .

( قال الشافعي ) أحسبه قال يعني مهر امرأة من المسلمين .
[ ص: 84 ] نكاح المحرم

أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير فأرسل إلى أبان بن عثمان ليحضر ذلك وهما محرمان فأنكر ذلك عليه أبان وقال سمعت عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب } وأخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه ( قال الشافعي ) وأخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث وهو بالمدينة قبل أن يخرج } .

أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الأصم وهو ابن أخت ميمونة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو حلال } . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سلمة الأموي عن إسماعيل بن أمية عن ابن المسيب : قال وهم الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم ما نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو حلال : أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المزني أنه أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نكاحه . أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره .

( قال الشافعي ) لا يلي محرم عقدة نكاح لنفسه ولا لغيره فإن تزوج المحرم في إحرامه وكان هو الخاطب لنفسه أو خطب عليه حلال بأمره فسواء لأنه هو الناكح ونكاحه مفسوخ . وهكذا المحرمة لا يزوجها حرام ولا حلال لأنها هي المتزوجة ، وكذلك لو زوج المحرم امرأة حلالا أو وليها حلال فوكل وليها حراما فزوجها كان النكاح مفسوخا لأن المحرم عقد النكاح قال : ولا بأس أن يشهد المحرمون على عقد النكاح لأن الشاهد ليس بناكح ولا منكح ولو توقى رجل أن يخطب امرأة محرمة كان أحب إلي ولا أعلمه يضيق عليه خطبتها في إحرامها لأنها ليست بمعتدة ولا في معناها ومتى خرجت من إحرامها جاز لها أن تنكح وقد تكون معتمرة فيكون لها الخروج من إحرامها بأن تعجل الطواف وحاجة فيكون لها ذلك بأن تعجل الزيارة يوم النحر فتطوف . والمعتدة ليس لها أن تقدم الخروج من عدتها ساعة .

( قال الشافعي ) فأي نكاح عقده محرم لنفسه أو محرم لغيره فالنكاح مفسوخ فإذا دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها إلا ما سمى لها ويفرق بينهما وله أن يخطبها إذا حلت من إحرامها في عدتها منه ولو توقى كان ذلك أحب إلي لأنها وإن كانت تعتد من مائه فإنها تعتد من ماء فاسد . قال وليس لغيره أن يخطبها حتى تنقضي عدتها منه فإن نكحها هو فهي عنده على ثلاث تطليقات لأن الفسخ ليس بطلاق ، وإن خطب المحرم على رجل وولي عقدة نكاحه حلال فالناكح جائز إنما أجزنا النكاح بالعقد وأكره للمحرم أن يخطب على غيره كما أكره له أن يخطب على نفسه ولا تفسد معصيته بالخطبة إنكاح الحلال وإنكاحه طاعة فإن كانت معتمرة أو كان معتمرا لم ينكح واحد منهما حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ويأخذ من شعره فإن نكح قبل ذلك فنكاحه مفسوخ فإن كانت أو كانا حاجين لم ينكح واحد منهما حتى يرمي ويحلق ويطوف يوم النحر أو بعده فأيهما نكح قبل هذا فنكاحه مفسوخ وذلك أن عقد النكاح كالجماع فمتى لم يحل للمحرم الجماع [ ص: 85 ] من الإحرام لم يحل له عقد النكاح وإذا كان الناكح في إحرام فاسد لم يجز له النكاح فيه كما لا يجوز له في الإحرام الصحيح وإن كان الناكح محصرا بعد ولم ينكح حتى يحل وذلك أن يحلق وينحر فإن كان محصرا بمرض لم ينكح حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة وأصل هذا أن ينظر إلى عقد النكاح فإن كان قد حل للمحرم منهما الجماع فأجيزه ، وإن كان الجماع لم يحل للمحرم منهما لحرمة الإحرام فأبطله .

( قال الشافعي ) ويراجع المحرم امرأته وتراجع المحرمة زوجها لأن الرجعة ليست بابتداء نكاح إنما هي إصلاح شيء أفسد من نكاح كان صحيحا إلى الزوج إصلاحه دون المرأة والولاة وليس فيه مهر ولا عوض ولا يقال للمراجع ناكحا .

( قال الشافعي ) ويشتري المحرم الجارية للجماع والخدمة لأن الشراء ليس كالنكاح المنهي عنه كما يشتري المرأة وولدها وأمها وأخواتها ولا ينكح هؤلاء معا لأن الشراء ملك فإن كان يحل به الجماع بحال فليس حكمه حكم النكاح فننهاه عن الشراء لأنه في معنى النكاح ( قال الشافعي ) ولو وكل رجل قبل أن يحرم رجلا أن يزوجه امرأة ثم أحرم فزوجه وهو ببلده أو غائب عنه يعلم بإحرامه أو لا يعلم فالنكاح مفسوخ إذا عقده والمعقود له محرم ، قال ولو عقد وهو غائب في وقت فقال لم أكن في ذلك الوقت محرما كان القول قوله مع يمينه إلا أن تقوم عليه بينة بإحرامه في ذلك الوقت فيفسخ النكاح ، ولو زوجه في وقت فقال الزوج لا أدري كنت في ذلك الوقت محرما أو حلالا أو لم أعلم متى كان النكاح كان الورع أن يدع النكاح ويعطي نصف الصداق إن كان سمى والمتعة إن لم يكن سمى ويفرق في ذلك بتطليقة ويقول إن لم أكن كنت محرما فقد أوقعت عليها تطليقة ولا يلزمه في الحكم من هذا شيء لأنه على إحلال النكاح حتى يعلم فسخه وهذا كله إذا صدقته المرأة بما يقول في أن النكاح كان وهو محرم فإن كذبته ألزمته لها نصف الصداق إن لم يكن دخل بها إلا أن يقيم بينة بأنه كان محرما حين تزوج وفسخت النكاح عليه بإقراره أن نكاحه كان فاسدا .

وإن قالت لا أعرف أصدق أم كذب قلنا نحن نفسخ النكاح بإقراره وإن قلت كذب أخذنا لك نصف المهر لأنك لا تدرين ثم تدرين وإن لم تقولي هذا لم نأخذ لك شيئا ولا نأخذ لمن لا يدعي شيئا . وإن قالت المرأة أنكحت وأنا محرمة فصدقها أو أقامت بينة فالنكاح مفسوخ وإن لم يصدقها فالقول قوله والنكاح ثابت وعليه اليمين وإن نكح أمة فقال سيدها أنكحتها وهي محرمة وقالت ذلك الأمة أو لم تقله فإن صدقه الزوج فلا مهر لها وإن كذبه وكذبها فالنكاح ثابت إذا حلف الزوج .
نكاح المحلل ونكاح المتعة

أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي قال وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما عن علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية } ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة } .

( قال الشافعي ) وجماع نكاح المتعة المنهي عنه كل نكاح كان إلى أجل من الآجال قرب أو بعد وذلك أن يقول الرجل للمرأة نكحتك يوما أو عشرا أو شهرا أو نكحتك حتى أخرج من هذا البلد أو نكحتك حتى أصيبك فتحلين لزوج فارقك ثلاثا أو ما أشبه هذا مما لا يكون فيه النكاح مطلقا لازما على الأبد أو [ ص: 86 ] يحدث لها فرقة ، ونكاح المحلل الذي يروى أن رسوله صلى الله عليه وسلم لعنه عندنا - والله تعالى أعلم - ضرب من نكاح المتعة لأنه غير مطلق إذا شرط أن ينكحها حتى تكون الإصابة فقد يستأخر ذلك أو يتقدم ، وأصل ذلك أنه عقد عليها النكاح إلى أن يصيبها فإذا أصابها فلا نكاح له عليها ، مثل أنكحك عشرا ففي عقد أنكحك عشرا أن لا نكاح بيني وبينك بعد عشر كما في عقد أنكحك لأحللك أني إذا أصبتك فلا نكاح بيني وبينك بعد أن أصبتك كما يقال أتكارى منك هذا المنزل عشرا أو أستأجر هذا العبد شهرا ، وفي عقد شهر أنه إذا مضى فلا كراء ولا إجارة لي عليك ، وكما يقال أتكارى هذا المنزل مقامي في البلد ، وفي هذا العقد أنه إذا خرج من هذا البلد فلا كراء له ، وهذا يفسد في الكراء فإذا عقد النكاح على واحد مما وصفت فهو داخل في نكاح المتعة ، وكذلك كل نكاح إلى وقت معلوم أو مجهول فالنكاح مفسوخ لا ميراث بين الزوجين وليس بين الزوجين شيء من أحكام الأزواج طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا لعان إلا بولد ، وإن كان لم يصبها فلا مهر لها وإن كان أصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى لها وعليها العدة ولا نفقة لها في العدة وإن كانت حاملا ، وإن نكحها بعد هذا نكاحا صحيحا فهي عنده على ثلاث .

( قال الشافعي ) وإن قدم رجل بلدا وأحب أن ينكح امرأة ونيته ونيتها أن لا يمسكها إلا مقامه بالبلد أو يوما أو اثنين أو ثلاثة كانت على هذا نيته دون نيتها أو نيتها دون نيته أو نيتهما معا ونية الولي غير أنهما إذا عقدا النكاح مطلقا لا شرط فيه فالنكاح ثابت ولا تفسد النية من النكاح شيئا لأن النية حديث نفس وقد وضع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم وقد ينوي الشيء ولا يفعله وينويه ويفعله فيكون الفعل حادثا غير النية ، وكذلك لو نكحها ونيته ونيتها أو نية أحدهما دون الآخر أن لا يمسكها إلا قدر ما يصيبها فيحللها لزوجها ثبت النكاح وسواء نوى ذلك الولي معهما أو نوى غيره أو لم ينوه ولا غيره والوالي والولي في هذا لا معنى له أن يفسد شيئا ما لم يقع النكاح بشرط يفسده ( قال الشافعي ) ولو كانت بينهما مراوضة فوعدها إن نكحها أن لا يمسكها إلا أياما أو إلا مقامه بالبلد أو إلا قدر ما يصيبها كان ذلك بيمين أو غير يمين فسواء وأكره له المراوضة على هذا ونظرت إلى العقد فإن كان العقد مطلقا لا شرط فيه فهو ثابت لأنه انعقد لكل واحد منهما على صاحبه ما للزوجين وإن انعقد على ذلك الشرط فسد وكان كنكاح المتعة ، وأي نكاح كان صحيحا وكانت فيه الإصابة أحصنت الرجل والمرأة إذا كانت حرة وأحلت المرأة للزوج الذي طلقها ثلاثا وأوجبت المهر كله وأقل ما يكون من الإصابة حتى تكون هذه الأحكام أن تغيب الحشفة في القبل نفسه .

( قال الشافعي ) وأي نكاح كان فاسدا لم يحصن الرجل ولا المرأة ولم يحللها لزوجها فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها .

( قال الشافعي ) فإن قال قائل : فهل فيما ذكرت من أن الرجل ينكح ينوي التحليل مراوضة أو غير مراوضة فإذا لم ينعقد النكاح على شرط كان النكاح ثابتا خبر عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من دونهم ؟ قيل فيما ذكرنا من النهي عن المتعة وأن المتعة هي النكاح إلى أجل كفاية وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن سيف بن سليمان عن مجاهد قال طلق رجل من قريش امرأة له فبتها فمر بشيخ وابن له من الأعراب في السوق قدما بتجارة لهما فقال للفتى هل فيك من خير ؟ ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها . قال نعم : قال فأرني يدك فانطلق به فأخبره الخبر وأمره بنكاحها فنكحها فبات معها فلما أصبح استأذن فأذن له فإذا هو قد ولاها الدبر فقالت : والله لئن طلقني لا أنكحك أبدا فذكر ذلك لعمر فدعاه فقال لو نكحتها لفعلت بك كذا وكذا وتوعده ودعا زوجها فقال الزمها . أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن مجاهد عن عمر مثله [ ص: 87 ] أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرت عن ابن سيرين أن امرأة طلقها زوجها ثلاثا وكان مسكين أعرابي يقعد بباب المسجد فجاءته امرأة فقالت له هل لك في امرأة تنكحها فتبيت معها الليلة فتصبح فتفارقها ؟ فقال نعم وكان ذلك فقالت له امرأته إنك إذا أصبحت فإنهم سيقولون لك فارقها فلا تفعل فإني مقيمة لك ما ترى واذهب إلى عمر فلما أصبحت أتوه وأتوها فقالت كلموه فأنتم جئتم به فكلموه فأبى وانطلق إلى عمر فقال : الزم امرأتك فإن رابوك بريب فائتني وأرسل إلى المرأة التي مشت بذلك فنكل بها . ثم كان يغدو إلى عمر . ويروح في حلة فيقول الحمد لله الذي كساك يا ذا الرقعتين حلة تغدو فيها وتروح .

( قال الشافعي ) وقد سمعت هذا الحديث مسندا متصلا عن ابن سيرين يوصله عن عمر بمثل هذا المعنى .
باب الخيار في النكاح

وإذا نكح الرجل المرأة على أنه بالخيار في نكاحها يوما أو أقل أو أكثر أو على أنه بالخيار ولم يذكر مدة ينتهي إليها إن شاء أجاز النكاح وإن شاء رده أو قال على أني بالخيار يعني من كان له الخيار أنه إن شاء أجاز النكاح وإن شاء رده فالنكاح فاسد ، وكذلك إن كان الخيار للمرأة دونه أو لهما معا أو شرطاه أو أحدهما لغيرهما فالنكاح باطل في هذا كله فإن لم يدخل بها فهو مفسوخ وإن أصابها فلها مهر مثلها بما أصاب منها ولا نكاح بينهما ويخطبها مع الخطاب وهي تعتد من مائه ولو تركها حتى تستبرئ كان أحب إلي ( قال الشافعي ) وإنما أبطلته بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة فلما كان نكاح المتعة مفسوخا لم يكن للنهي عنه معنى أكثر من أن النكاح إنما يجوز على إحلال المنكوحة مطلقا لا إلى غاية وذلك أنها إذا كانت إلى غاية فقد أباحت نفسها بحال ومنعتها في أخرى فلم يجز أن يكون النكاح إلا مطلقا من قبلها كان الشرط أن تكون منكوحة إلى غاية أو قبله أو قبلهما معا ، ولما كان النكاح بالخيار في أكثر من المعنى الذي له فيما نرى فسدت المتعة في أنه لم ينعقد والجماع حلال فيه على ما وصفت من الأبد ولا بحال حتى يحدث له اختيارا حادثا فتكون العقدة انعقدت على النكاح والجماع لا يحل فيها بكل حال فالنكاح في العقدة غير ثابت لم يثبت النكاح بشيء حدث بعدها ليس هو هي فيكون متقدم النكاح غير ثابت في حال وثابتا في أخرى وهذا أقبح من نكاح المتعة لأن نكاح المتعة وقع على ثابت أولا إلى مدة وغير ثابت إذا انقطعت المدة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولم أعلم مخالفا في جملة أن النكاح لا يجوز على الخيار كما تجوز البيوع ، فإذا كان الخيار فيه لا يجوز لزم من أعطى هذه الجملة - والله تعالى أعلم - أن لا يجيز النكاح إذا كان بشرط الخيار .
ما يدخل في نكاح الخيار

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كانت المرأة الحرة مالكة لأمرها فزوجها وليها رجلا بغير علمها فأجازت النكاح أو ردته فهو غير جائز ولا يجوز نكاح المرأة بحال أبدا حتى تأذن في أن تنكح قبل أن تنكح ، فإذا أذنت في ذلك في رجل بعينه فزوجها ولي جاز .

( قال الشافعي ) وكذلك إذا أذنت للولي أن يزوجها من رأى فزوجها كفئا فالنكاح جائز وهكذا الزوج يزوجه الرجل بغير إذنه [ ص: 88 ] فالنكاح باطل أجازه الرجل أو رده وأصل معرفة هذا أن ينظر إلى كل عقد نكاح كان الجماع فيه والنظر إلى المرأة مجردة محرما إلى مدة تأتي بعده فالنكاح فيه مفسوخ وهو في معنى ما وصفت قبل من نكاح الخيار ونكاح المتعة ولا يجوز إنكاح الصبي ولا الصبية ولا البكر غير الصبية إلا بعد تقدم رضاها أو البكر البالغ لولي غير الآباء خاصة بما وصفنا قبله من دلالة السنة في إنكاح الأب ولو أن امرأة حرة أذنت لوليها أن يزوجها برجل فزوجها رجل غير وليها ذلك الرجل وأجاز الولي نكاحها لم يجز لأنها كان لها وللولي أن يرد نكاحه لعلة أن المزوج غير المأذون له بالتزوج فلم يجز النكاح وهكذا المرأة تنكح بغير إذن وليها فيجيز وليها النكاح أو العبد ينكح بغير إذن سيده فيجيز سيده النكاح أو الأمة تنكح بغير إذن سيدها فيجيز سيدها النكاح فهذا كله نكاح مفسوخ لا يجوز بإجازة من أجازه لأنه انعقد منهيا عنه وهكذا الحر البالغ المحجور عليه ينكح بغير إذن وليه ووليه ولي ماله لا ولاية على البالغ في النكاح في النسب إنما الولي عليه ولي ماله كما يقع عليه في الشراء والبيع ولا يشبه المرأة التي وليها ولي نسبها للعار عليها والرجل لا عار عليه في النكاح فإذا أذن وليه بعد النكاح فالنكاح مفسوخ وكل نكاح مفسوخ قبل الجماع فهو مفسوخ بعد الجماع .

( قال الشافعي ) وإذا زوج الولي رجلا غائبا بخطبة غيره وقال الخاطب لم يرسلني ولم يوكلني فالنكاح باطل وإذا قال الرجل قد أرسلني فلان فزوجه الولي أو كتب الخاطب كتابا فزوجه الولي وجاءه بعلم التزويج فإن مات الزوج قبل أن يقر بالرسالة أو الكتاب لم ترثه المرأة وإن لم يمت فقال لم أرسل ولم أكتب فالقول قوله مع يمينه فإن قامت عليه بينة برسالة بخطبتها أو كتاب بخطبتها ثبت عليه النكاح وهكذا لو مات ولم يقر بالنكاح أو جحده فقامت عليه بينة ثبت عليه النكاح وكان لها عليه المهر الذي سمى لها ولها منه الميراث فإن قال الرجل قد وكلني فلان أزوجه فزوجته فأنكر المزوج فالقول قوله مع يمينه إن لم يكن عليه بينة ولا صداق ولا نصف على المزوج المدعي الوكالة إلا أن يضمن الصداق فيكون عليه نصفه بالضمان فإن الزوج لم يمسس وليس هذا كالرجل يشتري للرجل الشيء فينكر المشترى له الوكالة فيكون الشراء للمشتري وعليه الثمن هذا لا يكون له النكاح وإن ولى عقده لغيره والله تعالى الموفق .
باب ما يكون خيارا قبل الصداق

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا وكل الرجل أن يزوجه امرأة بصداق فزادها عليه أو أصدق عنه غير الذي يأمره أو أمرت المرأة الولي أن يزوجها بصداق فنقص من صداقها أو زوجها بعرض فلا خيار في واحد من هذين للمرأة ولا للرجل ولا يرد النكاح من قبل تعدي الوكيل في الصداق وللمرأة على الزوج في كل حال من هذه الأحوال مهر مثلها وإن كان وكيل الرجل ضمن للمرأة ما زادها فعلى الوكيل الزيادة على مهر مثلها وإن كان ضمن الصداق كله أخذت المرأة الوكيل بجميع الصداق الذي ضمن ورجع على الزوج بصداق مثلها ولم يرجع عليه بما ضمن عنه مما زاد على صداق مثلها لأنه متطوع بالزيادة على صداق مثلها وإن كان ما سمى مثل صداق مثلها رجع به عليه ولو كان الوكيل لم يضمن لها شيئا لم يضمن الوكيل شيئا وليس هذا كالبيوع التي يشتري الرجل منها الشيء للرجل فيزيد في ثمنه فلا يلزم الآمر إلا أن يشاء ( قال الربيع ) إلا أن يشاء أن يحدث شراء من المشتري لأن العقد كان صحيحا ( قال الشافعي ) ويلزم المشتري لأنه ولي صفقة البيع وأنه يجوز أن يملك [ ص: 89 ] ما اشترى بذلك العقد وإن سماه لغيره وهو لا يجوز له أن يملك امرأة بعقد عقده لغيره ولا يكون للزوج ولا للمرأة خيار من قبل أنه لا يجوز أن يكون في النكاح خيار من هذا الوجه ويثبت النكاح فيكون لها صداق مثلها فإن قال قائل فكيف يجعل لها صداق مثلها ولم يرض الزوج أن يتزوجها إلا بصداق مسمى هو أقل من صداق مثلها ؟ قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت إذا لم يرض الزوج أن يتزوج إلا بلا مهر فلم أرد النكاح ولم أجعل فيه خيارا للزوجين ولا لواحد منهما وأثبت النكاح وأخذت منه مهر مثلها من قبل أن عقدة النكاح لا تفسخ بصداق وأنه كالبيوع الفاسدة المستهلكة التي فيها قيمتها فأعطاها الزوج صداقها وولي عقدة النكاح غيره فزادها عليه فأبلغتها صداق مثلها فما أخذت منه من إبلاغها صداق مثلها وإن لم يبلغه أقل من أخذي منه مبتدأ صداق مثلها فهو لم يبذله ولم ينكح عليه وهكذا لو وكل رجل رجلا يزوجه امرأة بعينها ولم يسم لها صداقا فأصدقها أكثر من صداق مثلها ولم يضمنه الوكيل فلها صداق مثلها لا يجعل على الزوج ما جاوزه إذا لم يسمه ولا تنقص المرأة منه .

ولو وكله بأن يزوجه إياها بمائة فزوجه إياها بخمسين كان النكاح جائزا وكانت لها الخمسون لأنها رضيت بها ولو وكل أن يزوجه إياها بمائة فزوجه إياها بعبد أو دراهم أو طعام أو غيره كان لها صداق مثلها إلا أن يصدقه الزوج أنه أمره أن يعمل برأيه أن يزوجه بما زوجه به ، وهكذا المرأة لو أذنت لوليها أن يزوجها فتعدى في صداقها .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 426.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 420.88 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]