المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد - الصفحة 12 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 572 - عددالزوار : 92950 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 118 - عددالزوار : 56999 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 81 - عددالزوار : 26305 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 745 )           »          كلام جرايد د حسام عقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 41 )           »          تأمل في قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          بيان معجزة القرآن بعظيم أثره وتنوع أدلته وهداياته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          { ويحذركم الله نفسه } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #111  
قديم 01-11-2022, 10:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,670
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة النور

من صــ 713 الى صـ 742
الحلقة (111)




وإذا صرنا إلى الترجيح فرواة حديث ابن عمر وسهل بن سعد أحفظ وأوثق ومع روايتهم رواية القاسم بن محمد عن ابن عباس التي جمع فيها بين تسميته الرامي والمرمي به فالاعتماد على روايتهم في اسم القاذف.
وعلى رواية عكرمة وهشام بن حسان في اسم المرمي به.
ثم على رواية القاسم بن محمد عن ابن عباس في اسمهما جميعا، وقول الشافعي في الإملاء صحيح على ما ذكرناه والله أعلم) اهـ بتصرف.

وقال ابن العربي: (السابعة وهو عويمر وقد روى ما قدمنا هلال بن أمية قال الناس هو وهم من هشام بن حسان، وعليه دار الحديث لابن عباس بذلك وحديث أنس وقد رواه القاسم عن ابن عباس كما رواه الناس فيهن فيه الصواب) اهـ.
وقال القاضي عياض: (جاء في هذه الأحاديث هلال بن أمية وهو خطأ، والصحيح أنه عويمر) اهـ.
وقال القرطبي: ((قوله: أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان) هو - والله أعلم - عويمر العجلاني المتقدم الذكر) اهـ
وقال في موضع آخر: (وقوله في هلال بن أمية إنه كان أول من لاعن في الإسلام، هذا يقتضي أن آية اللعان نزلت بسبب هلال بن أمية، وكذلك ذكره البخاري، وهو مخالف لما تقدم: أنها نزلت بسبب عويمر العجلاني. وهذا يحتمل أن تكون القضيتان متقاربتي الزمان فنزلت بسببهما معا. ويحتمل أن تكون الآية أنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين. أي كرر نزولها عليه - وهذه الاحتمالات - وإن بعدت - فهي أولى من أن يطرق الوهم للرواة الأئمة الحفاظ) اهـ باختصار يسير.
وقال النووي: (واختلف العلماء في نزول آية اللعات هل هو بسبب عويمر العجلاني أم بسبب هلال بن أمية فقال بعضهم. بسبب عويمر العجلاني واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك، وقال جمهور العلماء: سبب نزولها قصة هلال بن أمية واستدلوا بالحديث الذي ذكره مسلم في قصة هلال قال وكان أول رجل لاعن في الإسلام، قال الماوردي من أصحابنا في كتابه الحاوي: قال الأكثرون قصة هلال بن أمية أسبق من قصة العجلاني قال والنقل فيهما مشتبه ومختلف وقال ابن الصباغ من أصحابنا في كتابه الشامل: قصة هلال تبين أن الآية نزلت فيه أولا قال وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - لعويمر إن الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك فمعناه ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس.
قلت: ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما وسبق هلال باللعان فيصدق أنها نزلت في ذا وفي ذاك وأن هلالا أول من لاعن والله أعلم) اهـ
وقد تكرر كلام ابن حجر في عدة مواضع فقال مرة: (ولا مانع أن تتعدد القصص ويتحد النزول).
وقال أيضا: (ويحتمل أن النزول سبق بسب هلال، فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحكم، ولهذا قال في قصة هلال (فنزل جبريل) وفي قصة عويمر (قد أنزل الله فيك) فيؤول قوله قد أنزل الله فيك أي وفيمن كان مثلك).
وقال مرة: (ولا مانع أن يروي ابن عاس القصتين معا، ويؤيد التعدد اختلاف السياقين وخلو أحدهما عما وقع في الآخر، وما وقع بين القصتين من المغايرة) اهـ.
وقال أيضا: (وقد قدمت اختلاف أهل العلم في الراجح من ذلك وبينت كيفية الجمع بينهما بأن يكون هلال سأل أولا، ثم سأل عويمر فنزلت في شأنهما معا، وظهر لي الآن احتمال أن يكون عاصم سأل قبل النزول ثم جاء هلال بعده فنزلت عند سؤاله فجاء عويمر في المرة الثانية التي قال فيها: (إن الذي سألك عنه قد ابتليت به) فوجد الآية نزلت في شأن هلال فأعلمه - صلى الله عليه وسلم - بأنها نزلت فيه، يعني أنها نزلت في كل من وقع له ذلك لأن ذلك لا يختص بهلال) اهـ.
وقال أيضا: (ولا يمتنع أن يتهم شريك بن سحماء بالمرأتين معا) اهـ
وبعد استقراء أقوال المفسرين والمحدثين في المسألة تبين اقتصارها على أربعة أقوال:
الأول: أن الآية نزلت بسبب عويمر العجلاني، واختار هذا الكلبي والشافعي والطبري وأبو عبد الله بن أبي صفرة وابن بطال والبيهقي وابن العربي والقاضي عياض وأبو العباس القرطبي، والنووي احتمالا، وكذا ابن عاشور.
وحجتهم ما يلي:
1 - كثرة ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين العجلاني وامرأته وهو ما يصدق على عويمر دون هلال بن آمية.
2 - توقف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحكم فيها حتى أنزل الله فيها الآية ولو أنهما قضيتان لم يتوقف عن الحكم فيها، ولحكم في الثانية بما أنزل الله في الأولى.
3 - أن الأحاديث خبر عن قصة واحدة لاتفاقهم على ذكر نزول الآية، والنزول يكون مرة واحدة واتفاقهم على أنه رماها وهي حامل وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن جاءت به على نعت كذا فهو كذا وقل أن يتفق جميع ذلك في قصتين مختلفتين.
4 - أن حديث سهل وإن لم يسم فيه المقذوف فإنه كان معروفا بعينه ولهذا ذكر أوصافه.
5 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعويمر: (قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك).
6 - أنه قد روى المغيرة بن عبد الرحمن وابن أبي الزناد عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد عن ابن عباس قال: لاعن بين العجلاني وامرأته وكان الذي رميت به ابن السحماء.
7 - أن عكرمة وهشاما قد خالفا القاسم بن محمد وسهلا وابن عمر في تسميتهما القاذف بهلال بن أمية، ثم إن رواة حديث ابن عمر وسهل بن سعد أحفظ وأوثق ومع روايتهم رواية القاسم عن ابن عباس.
8 - أن هشام بن حسان قد غلط في الحديث ووهم.
9 - أن أهل الأخبار كانوا يقولون: إن القضية في عويمر العجلاني.
القول الثاني: أن الآية نزلت بسبب هلال بن أمية واختار هذا الماوردي وعزاه إلى الأكثرين وابن الصباغ، ونسبه النووي إلى جمهور العلماء ومال إليه بعض الشافعية وذكره ابن حجر احتمالا.
وحجتهم ما يلي:

1 - لما روى البخاري عن عكرمة عن ابن عباس، ومسلم عن هشام عن ابن سيرين عن أنس.
2 - أن المقذوف في قصة هلال قد سمي بخلاف قصة عويمر.
3 - لما روي مسلم في قصة هلال (وكان أول رجل لاعن في الإسلام).
4 - أنه جاء في قصة هلال (فنزل جبريل).
القول الثالث: أن تكون القصتان وقعتا في وقت واحد أو متقارب فسألا فنزلت الآية فيهما معا، واختاره ابن حجر وابن عاشور، وذكره القرطبي والنووي احتمالا.
والحجة فيه: اختلاف السياقين وخلو أحدهما مما وقع في الآخر، وما وقع بين القصتين من المغايرة.
القول الرابع: أن تكون الآية أنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين. وذكر هذا أبو العباس القرطبي احتمالا.
وليس لهذا القول حجة إلا الخوف من توهيم الرواة.
وهذان القولان الثالث والرابع متلازمان يؤولان إلى تعدد الواقعة لأن تكرر النزول نتيجة لتكرر الحدث.
وقبل مناقشة هذه الأقوال يحسن عقد مقارنة بين صفات القاذفين وأخرى بين صفات المقذوفين فلعل نتيجة المقارنة تجيب على الكثير من الأسئلة التي تدور في الذهن. ثم المقارنة بين صفات القاذف والمقذوف.
وقد قمت بجمع الأوصاف الخلقية من مصادر السنة التي روت القصة برواياتها المختلفة، وسأشرح الألفاظ الغريبة منها وإن كان قد تقدم شرحها لما في ذلك من الإيضاح والبيان.
دلت الروايات على أن صفة القاذف في قصة عويمر العجلاني ما يلي:
1 - عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها.
ب - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: وكان ذلك الرجل مصفرا، قليل اللحم، سبط الشعر.
جـ - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: وكان زوجها حمش الساقين والذراعين، أصهب الشعرة.
فاجتمع من هذه الأحاديث الأوصاف التالية: أحمر، قصيرا، وحرة، مصفرا، قليل اللحم، سبط الشعر، حمش الساقين والذراعين، أصهب الشعرة.
دلت الروايات على أن صفة القاذف في قصة هلال بن أمية ما يلي:
1 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبصروها فإن جاءت به أبيض سبطا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية.
ب - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن جاءت به أصيهب، أريصح، أثيبج، حمش الساقين فهو لهلال.
فاجتمع من هذين الحديثين الأوصاف التالية: أبيض، سبطا، قضيء العينين، أصيهب، أريصح، أثيبج، حمش الساقين.
وهنا يحسن أيضا النظر في صفات القاذفين ليتبين هل بينها توافق أو تعارض؟.

1 - أما اللون: فقد جاء فيه أبيض، أحمر، مصفرا.
2 - أما حال الشعر: فإنه سبط.
3 - أما لون الشعر: فأشقر.
4 - أما العينان: فإنه قضيء العينين.
5 - أما الإليتان: فإنه أريصح.
6 - أما الساقان: فإنه حمش الساقين.
7 - أما القامة: فإنه قصير.
8 - أما اللحم: فإنه قليل اللحم.
9 - أما حال ما بين الكتفين والكاهل فإنه أثيبج.
10 - أما الحجم: فإنه كالوحرة صغير الحجم.
ولونه الأبيض لا يعارض الأحمر لأن الأحمر يراد به الأبيض أحيانا، والصفرة لا تعارض البياض، ومن المشاهد أن لون الإنسان يتبدل ويتشكل بحسب ما يعتريه من العوارض الحياتية كالمرض، والهزال، والحزن، ونحو ذلك.
ويمكن أن يقال أيضا إن وصفه بالصفرة ليس وصفا نبويا سالما من الخطأ بل هو وصف ابن عباس - رضي الله عنهما - حيث قال: وكان ذلك الرجل مصفرا.
وربما رآه ابن عباس كذلك بعدما نزلت به تلك المصيبة فيكون الاصفرار عارضا بسبب الحزن، وحينئذ يلغى الوصف إن كان يعارض وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - ويظل وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه بالحمرة والبياض أصلا.
أما سائر الأوصاف فليس فيها اختلاف أو تناقض بل هي مكملة لبعضها. والله أعلم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #112  
قديم 01-11-2022, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,670
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة النور

من صــ 713 الى صـ 742
الحلقة (112)



دلت الروايات على أن صفة المقذوف في قصة عويمر العجلاني ما يلي:
(أ) عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (انظروا فإن جاءت به أسحم، أدعج العينين، عظيم الإليتين، خدلج الساقين فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها) فجاءت به على النعت الذي نعت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تصديق عويمر، فكان بعد ينسب إلى أمه.

(ب) عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وإن جاءت به أسود أعين، ذا إليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها) فجاءت به على المكروه من ذلك.
(جـ) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: وكان الدي وجد عند أهله آدم، خدلا، كثير اللحم، جعدا، قططا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم بين) فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجد عندها.
(د) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: فولدت غلاما أسود، أجلى،جعدا، عبل الذراعين.
دلت الروايات على أن صفة المقذوف في قصة هلال بن أمية ما يلي:
(أ) - عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أبصروهها فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الإليتين، خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء) فجاءت به كذلك.
(ب) - عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وإن جاءت به أكحل جعدا، حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء) فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعدا، حمش الساقين.
(جـ) - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فإن جاءت به أورق، جعدا، جماليا، خدلج الساقين، سابغ الإليتين فهو للذي رميت به فجاءت به أورق، جعدا، جماليا، خدلج الساقين سابغ الإليتين) والقاذف هنا هلال فيكون المقذوف شريكا.
د - عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وإن جاءت به آدم، جعدا، ربعا، حمش الساقين، فهو لشريك بن سحماء) فجاءت به آدم، جعدا.
هـ - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعلها أن تجيء به أسود، جعدا) فجاءت به أسود، جعدا.
وهنا يحسن النظر في صفات المقذوفين ليتبين ما بينها من التوافق والتعارض.
1 - أما اللون: فقد جاء فيه أسحم، أسود، آدم، أورق.
2 - أما حال الشعر: فقد جاء فيه جعدا، قططا.
3 - أما العينان: فإنه أكحل العينين، أدعج العينين، أعين.
4 - أما الذراعان: فإنه عبل الذراعين.
5 - أما الإليتان: عظيم الإليتين، ذا إليتين، سابغ الإليتين.
6 - أما الساقان: فإنه خدلج الساقين، خدل، حمش الساقين.
7 - أما الطول: فإنه ربع.
8 - أما اللحم: فإنه كثير اللحم.
9 - أما الحجم: فإنه جمالي.
10 - أما كثافة الشعر: فإنه أجلى.
وبناء على تلك الأوصاف المتقدمة فلونه الأسود والأسحم معناهما واحد، والآدم والأورق معناهما السمرة، والسمرة لا تنافي السواد لأنها سواد خفيف. وقد وصف كل واحد منهما بأنه آدم وأسود.
أما الشعر: فالجعودة لا تنافي القطط لأنه أشد الجعودة أو أحسنها. وقد وصف كل واحد منهما بأنه جعد الشعر.
أما العينان: فالأدعج لا ينافي الأكحل فهما دائران على سواب في العين وغيرها كالجفن. والأعين، وإن كان ليس بمعناهما، لكنه لا يخالفهما بل يجتمع معهما.
أما الساقان: فقد تقدم أن وصفهما بالحموشة وهم، ولعل مما يؤكد هذا أن الحموشة لا تتفق مع كثرة اللحم، وعظم الإليتين، وضخامة الأعضاء لأن العادة أن السمن والضخامة يشمل البدن كله، كما أن النحافة والنحول كذلك.
أما بقية الأوصاف فليس بينها تعارض بل هي مكملة لبعضها. والله أعلم.
وإذا أردنا أن نعقد مقارنة بين خلاصة أوصاف القاذف والمقذوف تبين الآتي:
* * * [القاذف] * * * * * * * [المقذوف]
1 - أبيض اللون - * * * * * أسود
2 - سبط الشعر - * * * * * جعد قطط
3 - قضيء العينين * * * * * أدعج العينين
4 - خفيف لحم الإليتين * * عظيمهما
5 - حمش الساقين * * * * خدلج الساقين
6 - قصير القامة * * * * * ربع في طوله
7 - قليل اللحم * * * * * كثير اللحم
8 - صغير الحجم كالوحرة * * * كبير الحجم كالجمل
وقبل الوصول إلى نتيجة بحث التعدد سأذكر بعض الاحتمالات في المقذوف والقاذف فأقول: الأوصاف المذكورة في المقذوف متفقة ومتطابقة تماما وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من حالين اثنين لا ثالث لهما:
الأولى: أن تكون هذه الأوصاف لموصوفين اثنين، يحمل كل واحد منهما نفس الأوصاف التي يحملها الآخر، ثم يقع أحد الرجلين على امرأة عويمر والآخر على امرأة هلال في زمن متقارب جدا، ثم تحملان ثم تضعان ذكرين، وهذان الذكران يشبهان هذين المقذوفين الشبه الذي ذكرنا، والوصف الذي سردنا، ونتيجة هذا أربعة متشابهون.
وهذا الاحتمال بعيد جدا، حتى إن مجرد تصوره كاف في اطراحه.
الثانية: أن تكون هذه الأوصاف لموصوف واحد وعلى هذا يرد احتمالان:
الأول: أن يقع الفعل منه بالمرأتين جميعا في زمن متقارب ثم يذهب الزوجان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبراه الخبر، ثم يقع لعان المرأتين ثم تلدان ذكرين، كل منهما يشبه المقذوف هذا من البعيد أيضا وإن كان أقرب من الأول.
ومن العجيب أن الحافظ ابن حجر قال: (ولا يمتنع أن يتهم شريك بن سحماء بالمرأتين معا). ونتيجة ذلك ثلاثة يتطابقون في الشبه.
الثاني: أن يقع الفعل منه بامرأة واحدة فتحمل منه وتنجب ذكرا يشبهه وهذا ممكن وواقع وليس بغريب ولا بعيد.

وإذا كان المقذوف واحدا فمن يكون؟
فالجواب: أنه شريك بن سحماء لأمرين:
الأول: أن كل الروايات التي تسمي لا تذكر إلا شريك بن سحماء باسمه.
الثاني: أن كل الروايات التي لم تسم المقذوف ذكرت أوصافا تطابق أوصاف شريك بن سحماء.
بقي سؤال أخير هنا وهو هل وقع الفعل من شريك بامرأة واحدة أو اثنتين؟
والجواب: يحدد هذا حال القاذف هل هو واحد أو متعدد؟ وسيأتي إن شاء الله.
أما القاذف فالأوصاف المذكورة فيه متفقة ومتكاملة وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من حالين اثنين لا ثالث لهما:
الأولى: أن تكون هذه الأوصاف لموصوفين اثنين وعلى هذا يرد احتمالان:
الأول: أن يحمل كل واحد منهما نفس الصفات التي يحملها الآخر، ثم يقع الفعل من زوجتيهما في زمن متقارب جدا ثم تحملان ثم تضعان ذكرين وهذان الذكران يشبهان المقذوف وهذا الاحتمال بعيد ومتكلف.
الثاني: أن يحمل كل واحد من القاذفين بعض الصفات الواردة، ثم يقع الفعل من زوجتيهما في زمن متقارب جدا ثم تحملان وتضعان ذكرين يشبهان المقذوف وهذا لا يمكن لسببين:
1 - إنه من البعيد أن تكون صفات القاذفين بمجموعهما تقابل صفات المقذوف تماما، كما هو حاصل معنا حيث تقابلت الصفات تماما.
ب - أن المقابلة بين القاذف والمقذوف كما أرادها النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تتحقق من كل وجه، لأن القاذف ناقص الصفات، والمقذوف كامل الصفات فالناقص لا يقابل الكامل إلا في بعضها.
الثانية: أن تكون هذه الأوصاف لموصوف واحد قذف أهله بفاحشة الزنى، وهذا هو الصحيح لا ريب أنه ليس ثم إلا قاذف واحد.
وبناء على ما تقدم يتبين جواب السؤال السابق هل وقع الفعل من شريك بامرأة واحدة أو اثنتين؟
فيقال: بل بامرأة واحدة فقط.
وحينئذ يرد السؤال الأخير من هو القاذف؟

والجواب: أنه قد تبين فيما تقدم من دراسة حديثي أنس بن مالك وابن عباس - رضي الله عنهما - والنظر في طرقهما أن ذكر هلال بن أمية وامرأته - رضي الله عنهما - خطأ، وأن الصواب في قضية اللعان التي وقعت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن القاذف فيها عويمر العجلاني وأن المقذوف فيها شريك ابن سحماء العجلاني وأنه لم يقع معها قضية أخرى، وتفصيل ذلك في موضعه من الحاشية.
ولعل مناقشة الأقوال الأربعة تكشف المزيد من الأدلة لهذه النتيجة.
وسأبدأ بالقول الرابع: وهو أن الآية أنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين.
وهذا القول ضعيف إذ قد تبين مما تقدم أن القصة واحدة فلماذا تنزل الآية مرتين، وإذا كان قائله قد جعله احتمالا بعيدا ألجأه إليه الخوف من توهيم الرواة فكيف يقبله غيره؟.
أما القول الثالث: وهو أن تكون القصتان وقعتا في وقت واحد أو متقارب فسألا فنزلت الآية فيهما، واحتجاجهم باختلاف السياقين.
فالجواب: أنه قد تقرر أن القصة واحدة لم تتكرر، واختلاف السياقين ليس دليلا على اختلاف القصة. وإذا كان قد وقع من الرواة خطأ إقحام هلال وزوجه في قضية ليس لهما فيها ناقة ولا جمل مع عظم ذلك فوقوع الأقل من باب أولى.
أما القول الثاني: وهو أن الآية نزلت بسبب هلال بن أمية فالجواب عن أدلتهم بما يلي:
1 - حديث ابن عباس عند البخاري، وأنس عند مسلم قد تقدم جوابه.
2 - أن المقذوف في قصة هلال قد سمي بخلاف قصة عويمر فهذا حق، لكن المقذوف في قصة عويمر قد وصف وصفا يعرف به بعينه، وربما كان الوصف أبلغ؛ لأن الاشتراك في الأسماء أكثر من الاشتراك في الأوصاف، ولهذا لما اشتركا في الأوصاف قلنا هي لرجل واحد.
3 - أن قول أنس: (وكان أول رجل لاعن في الإسلام) لا حجة فيه لأنه مقابل بغيره وذلك في حديث ابن عمر: (إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان) وجاء في حديثه (فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان) وهو ما يصدق على عويمر دون هلال لأنه واقفي وليس عجلانيا.
4 - أنه جاء في قصة هلال: (فنزل جبريل) وهذا لا حجة فيه لأنه مقابل بمثله وأكثر منه ومن ذلك: (قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك) وفيه (قد أنزل الله فيكم قرآنا) وفي حديث ابن عمر: (فأنزل الله - عز وجل - هؤلاء الآيات في سورة النور (والذين يرمون أزواجهم) وهذه الألفاظ ليس لأحد أن يحتج بها لأن بعضها من أقوال الصحابة، والمنسوب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا واحد لا يتعدد.
أما القول الأول: فقد ذكروا عددا من الحجج على قولهم إنها في عويمر وأعتقد أن جميع ما ذكر هو الصحيح باستثناء قولهم: إن أهل الأخبار كانوا يقولون إن القضية في عويمر العجلاني فإني لم أجد من قال هذا من الأخباريين.
أما قولهم: إنه قد روى المغيرة بن عبد الرحمن وابن أبي الزناد عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد عن ابن عباس فسأذكر هذا الحديث لأهميته إذ اجتمع فيه ذكر القاذف والمقذوف تصريحا. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين العجلاني وامرأته، قال: وكانت حبلى، فقال: والله ما قربتها منذ عفرنا. - قال: والعفر: أن يسقى النخل بعد أن يترك من السقي، بعد الإبار بشهرين - قال: وكان زوجها حمش الساقين والذراعين، أصهب الشعرة، وكان الذي رميت به ابن السحماء، قال: فولدت غلاما أسود، أجلى، جعدا، عبل الذراعين، قال: فقال ابن شداد بن الهاد لابن عباس: أهي المرأة التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو كنت راجما بغير بينة لرجمتها)؟ قال: لا تلك امرأة كانت قد أعلنت في الإسلام.
وبهذا يتبين أن أصح الأقوال وأسعدها بصحيح المنقول وصريح المعقول هو القول الأول وأن القصة نزلت بسبب عويمر العجلانى حين قذف امرأته بالزنى مع شريك بن سحماء العجلاني.
* النتيجة:
أن سبب نزول آيات اللعان أن عويمرا العجلاني قذف امرأته بشريك بن سحماء وذلك لصحة الأحاديث في ذلك وخلوها من معارض راجح والله أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #113  
قديم 17-11-2022, 08:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,670
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة النور

من صــ 743 الى صـ 751
الحلقة (113)





125 - قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدما نزل الحجاب فأنا أُحمل في هودجي وأُنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جَزْع ظَفَار قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه،وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه.
وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلهن اللحم، إنما تأكل العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها دلّ ولا مجيب، فأممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ.
فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يَرِيبُنِي في وجعي أني لا أعرف من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي. إنما يدخل عليَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيسلم ثم يقول: (كيف تيكم). ثم ينصرف، فذاك الذي يريبني ولا أشعر، حتى خرجت بعدما نقهت، فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا.
فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً. قالت: أي هنتاه، أو لم تسمعي ما قال؟ قالت: قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً على مرضي.
فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعني - سلم ثم قال: (كيف تيكم). فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، قالت: فأذن لي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك، فواللَّه لقلما كانت امرأة قط وضيئة، عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثرن عليها. قالت: فقلت: سبحان اللَّه، ولقد تحدث الناس بهذا؟
قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، فدعا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد فأشار على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود. فقال: يا رسول اللَّه، أهلك وما نعلم إلا خيراً. وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول اللَّه لم يضيق اللَّه عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بريرة فقال: (أي بريرة،هل رأيت من شيء يريبك؟). قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمراً أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله.
فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستغدر يومئذ من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على المنبر: (يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي).
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج، أمرتنا ففعلنا أمرك.
قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا، ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى همو أن يقتتلوا، ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخفضهم حتى سكتوا وسكت.
قالت: فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، قالت: فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويومًا، لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع، يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، فاستأذنت عليَّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي.
قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني. قالت: فتشهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين جلس، ثم قال: (أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اللَّه وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى اللَّه تاب اللَّه عليه).
قالت: (فلما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقالته قلص دمعي، حتى ما أحسن منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما قال: قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت لأمي: أجيبي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: ما أدري ما أقول لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قالت: فقلت، وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: إني واللَّه لقد علمت: لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة، واللَّه يعلم أني بريئة، لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، واللَّه يعلم أني منه بريئة لتصدقني، واللَّه ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ). قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة، وأن اللَّه مبرئي ببراءتي، ولكن واللَّه ما كنت أظن أن اللَّه منزل في شأني وحيًا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم اللَّه فيَّ بأمر يُتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النوم رؤيا يبرئني اللَّه بها.
قالت: فواللَّه ما رام رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي ينزل عليه. قالت: فلما سري عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سري عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: (يا عائشة، أما اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فقد برأك). فقالت أمي: قومي إليه، قالت: فقلت: واللَّه لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وأنزل اللَّهإِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ) العشر الآيات كلها.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سببًا لنزول الآيات الكريمات كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.
قال ابن عطية: (هذه الآية وما بعدها إلى ست عشرة آية أُنزلت في عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - وما اتصل بذلك من أمر الإفك). اهـ.
وقال القرطبي: (وسبب نزولها ما رواه الأئمة من حديث الإفك الطويل في قصة عائشة - رضوان اللَّه عليها - وهو خبر صحيح مشهور أغنى اشتهاره عن ذكره). اهـ.
وقال ابن كثير: (هذه العشر الآيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لها ولنبيه - صلوات اللَّه وسلامه عليه - فأنزل الله تعالى براءتها صيانة لعرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ.
وقال السعدي: (وهذه الآيات نزلت في قصة الإفك المشهورة الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد). اهـ.
وقول ابن عطية: (هذه الآية وما بعدها إلى ست عشرة آية) لا يعارض ما جاء في الحديث وأقوال بعض المفسرين أن ما نزل في شأنها عشر آيات؛ لأن هذه العشر تخص عائشة - رضي الله عنها - مباشرة، وما زاد يتعلق بأطراف القصة.
* فائدة:
قد أفاد الحديث فائدة جليلة وهي أن طول الأمد بين الواقعة والحدث وبين نزول الآيات لا يمنع السببية، قالت عائشة: (وقد لبث شهراً لا يُوحى إليه في شأني) ومع هذا فقد أجمع المفسرون على أن واقعة الإفك هي سبب نزول هذه الآيات.
* النتيجة:
أن هذا الحديث سبب لنزول الآيات لصحة سنده وموافقته لسياق القرآن وإجماع المفسرين على ذلك.
* * * * *

126 - قال اللَّه تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا، فقال أبو بكر الصديق، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه: واللَّه لا أُنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة فأنزل الله: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى .. ) الآية قال أبو بكر: بلى والله إني لأُحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أَنزعها عنه أبداً.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي والشنقيطي وابن عاشور.
قال الطبري: (وإنما عُني بذلك أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في حلفه بالله لا ينفق على مسطح فقال جل ثناؤه: ولا يحلف من كان ذا فضل من مال وسعة منكم أيها المؤمنون باللَّه ألا يُعطوا ذوي قرابتهم فيصلوا به أرحامهم كمسطح وهو ابن خالة أبي بكر). اهـ.
قال ابن العربي: (قد بينا أن ذلك نزل في أبي بكر، قالت عائشة في حديثها فحلف أبو بكر ألا ينفع مسطحاً بنافعة أبداً فأنزل الله الآية: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ) قال أبو بكر: بلى والله يا ربنا إنا لنحب أن يغفر لنا وعاد لما كان يصنع له). اهـ.
قال ابن عطية: (المشهور من الروايات أن هذه الآية نزلت في قصة أبي بكر ومسطح بن أُثاثة وذكر كلامًا حتى قال: وكان أبو بكر ينفق عليه لمسكنته فلما وقع أمر الإفك وقال فيه مسطح ما قاله حلف أبو بكر أن لا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعةٍ أبداً). اهـ.
وقال ابن كثير: (وهذه الآية نزلت في الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حين حلف أن لا ينفع مسطح بن أُثاثة بنافعةٍ أبداً بعدما قال في عائشة ما قال). اهـ.
وقال السعدي: (كان من جملة الخائضين في الإفك (مسطح بن أثاثة) وهو قريب لأبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكان مسطح فقيراً من المهاجرين في سبيل اللَّه، فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه لقوله الذي قال، فنزلت هذه الآية ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه ويحثه على العفو والصفح ويعده بمغفرة الله إن غفر له). اهـ.
وقال الشنقيطي: (نزلت هذه الآية في أبي بكر ومسطح بن أثاثة ابن عباد بن عبد المطلب، وكان مسطح المذكور من المهاجرين وهو فقير، وكانت أمه ابنةَ خالة أبي بكر، وكان أبو بكر ينفق عليه لفقره وقرابته وهجرته وكان ممن تكلم في أم المؤمنين عائشة بالإفك المذكور فلما نزلت براءة عائشة حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح ولا ينفعه بنافعةٍ بعدما رمى عائشة بالإفك ظلماً وافتراءً فأنزل اللَّه في ذلك: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ... ) الآية اهـ بتصرف يسير.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة الحديث المذكور لصحة سنده وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن واحتجاج المفسرين به والله أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #114  
قديم 17-11-2022, 08:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,670
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة النور

من صــ 752 الى صـ 757
الحلقة 114)


127 - قال الله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج مسلم وأبو داود والنَّسَائِي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إن جارية لعبد اللُّه بن أبى ابن سلول يُقال لها مسيكة. وأخرى يُقال لها أُميمة فكان يكرههما على الزنا. فشكتا ذلك إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل اللَّه: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ) إلى قوله (غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وفي لفظ آخر لمسلم عنه - رضي الله عنه - قال: كان عبد اللُّه بن أُبي ابنُ سلول يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئاً فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وقد أورد جمهور المفسرين هذه القصة مع اختلاف بينهم في لفظها.
فالطبري وابن عطية والقرطبي وابن كثير ذكروا اللفظ الذي معنا.
قال الطبري: (لا تكرهوا إماءكم على البغاء وهو الزنا إن أردن تعففاً عن الزنا لتلتمسوا بإكراهكم إياهن على الزنا عَرَض الحياة، وذلك ما تعرض لهم إليه الحاجة من رياشها وزينتها وأموالها ... وذكر كلامًا إلى أن قال: وذكر أن هذه الآية أُنزلت في عبد اللَّه بن أبيّ ابن سلول حين أكره أمته مسيكة على الزنا). اهـ مختصراً.
قال ابن كثير: (كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت فلما جاء الإسلام نهى اللَّه المؤمنين عن ذلك. وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة فيما ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف في شأن عبد الله بن أبي ابن سلول، فإنه كان له إماء فكان يكرههن على البغاء طلبًا لخراجهن ورغبةً في أولادهن ورياسةً منه فيما يزعم) اهـ.
أما البغوي وابن العربي وابن عاشور فقد ذكروا ألفاظًا مقاربة.
قال البغوي: (نزلت في عبد اللَّه بن أبي ابن سلول المنافق كانت له جاريتان معاذة ومسيكة، وكان يكرههما على الزنا بالضريبة يأخذها منهما، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤجرون إماءهم، فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة: إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين فإن يك خيرًا فقد استكثرنا منه، وإن يك شرًا فقد آن لنا أن ندعه، فأنزل اللَّه هذه الآية) اهـ.
وقال ابن العربي: (وروى الزهري أنه كان لعبد اللَّه بن أُبَيّ جارية يقال لها معاذة، وكان رجل من قريش أُسر يوم بدر، فكان عنده، وكان القرشي يريد الجارية على نفسها، وكانت الجاربة تمتنع منه لإسلامها، وكان عبد اللَّه بن أبي يضربها على امتناعها من القرشي، رجاء أن تحمل منه فيطلب فداء ولده فأنزل الله الآية) اهـ.
قال السعدي: (وإنما نهى عن هذا لما كانوا يستعملونه في الجاهلية من كون السيد يجبر أمته على البغاء ليأخذ منها أجرة ذلك ولهذا قال: (لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فلا يليق بكم أن تكون إماؤكم خيرًا منكم وأعف عن الزنا، وأنتم تفعلون بهن ذلك لأجل عرض الحياة، متاع قليل يعرض ثم يزول.
فكسبكم النزاهة والنظافة والمروءة - بقطع النظر عن ثواب الآخرة وعقابها - أفضل من كسبكم العرض القليل، الذي يكسبكم الرذالة والخسة) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، واتفاق المفسرين عليه والله أعلم.
* * * * *

128 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أبو داود عن عكرمة أن نفراً من أهل العراق قالوا: يا ابن عبَّاسٍ كيف ترى في هذه الآية التي أُمرنا فيها بما أُمرنا ولا يعمل بها أحد قول اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) قرأ القعنبي إلى (عَلِيمٌ حَكِيمٌ) قال ابن عبَّاسٍ: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حِجال، فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل. والرجل على أهله، فأمرهم اللَّه بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم اللَّه بالستور والخير، فلم أر أحداً يعمل بذلك بعد.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد هذا الحديث ابن العربي والقرطبي وابن كثير.
قال ابن العربي: (وقال ابن عبَّاسٍ: قد ذهب حكمها. ثم ساق الحديث، ثم قال: وهذا ضعيف جداً بما بيناه في غير موضع من أن شروط النسخ لم تجتمع فيه من المعارضة، ومن التقدم والتأخر فكيف يصح لناظر أن يحكم به؟) اهـ.
قال القرطبي: (قلت: هذا متن حسن، وهو يرد قول سعيد وابن جبير، فإنه ليس فيه دليل على نسخ الآية ولكن على أنها كانت على حال ثم زالت، فإن كان مثل ذلك الحال فحكمها قائم كما كان، بل حكمها لليوم ثابت في كثير من مساكن المسلمين في البوادي والصحاري ونحوها). اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث المذكور ليس سببًا لنزول الآية الكريمة للأسباب التالية:
أولاً: أن أكثر المفسرين عنايةً بالأسباب أعرضوا عنه فلم يذكروه ولو كان مما يحتج به عندهم لما تركوه.
ثانياً: أن الحديث ضعيف كما تبين من دراسة إسناده.
ثالثاً: أن الذين ذكروا الحديث لم يذكروه محتجين به على السببية، بل يذكرون الإحكام والنسخ كما هو ظاهر من أقوالهم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا لنزول الآية الكريمة لضعف سنده، وخلوه من التصريح بالسببية وإعراض المفسرين عنه. واللَّه أعلم.
* * * * *


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #115  
قديم 17-11-2022, 08:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,670
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الفرقان

من صــ 758 الى صـ 769
الحلقة 115)


سورة الفرقان
129 - قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا فأتوا محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارةً فنزل: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ) ونزل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ).
وفي لفظ لمسلم والبخاري وأبي داود عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت هذه الآية بمكة: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) إلى قوله (مُهَانًا) فقال المشركون: وما يغني عنا الإسلامُ وقد عدلنا باللَّه، وقد قتلنا النفس التي حرم الله وأتينا الفواحش؟ فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا .. ) إلى آخر الآية.
2 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والنَّسَائِي عن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال سألت أو سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ الذنب عند الله أكبر؟ قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) قلت: ثم أيٌّ؟ قال: (ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قلت: ثم أيٌّ؟ قال: (أن تزاني بحليلة جارك) قال: ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ).
وفي لفظ للترمذي وأحمد عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وتلا هذه الآية: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ... ) ولم يقل: ونزلت.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذين الحديثين عند تفسيرها، واقتصروا على ذلك منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (وقد ذُكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أجل قوم من المشركين أرادوا الدخول في الإسلام ممن كان منه في شركه هذه الذنوب، فخافوا أن لا ينفعهم مع ما سلف منهم من ذلك إسلام فاستفتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، يعلمهم أن اللَّه قابلٌ توبة من تاب منهم). اهـ ثم ساق الحديثين.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا صلة له بالنزول.
قال أبو العباس القرطبي: (ظاهر هذا أن هذه الآية نزلت بسبب هذا الذنب الذي ذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس كذلك؛ لأن الترمذي قد روى هذا الحديث وقال فيه: وتلا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الآية (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) بدل فأنزل اللَّه وظاهره: أنه - عليه الصلاة والسلام - قرأ بعد ذكر هذا الحديث ما قد كان أُنزل منها، على أن الآية تضمنت ما ذكره في حديثه بحكم عمومها) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن قول القرطبي صحيح ويؤيده أمران:
الأول: أن السورة مكية عند جمهور العلماء، والشرك كان واسعاً في الناس ذلك الوقت، وهذا يوافق قول ابن عبَّاسٍ: إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا ... الحديث.
فبين الحديث وسياق الآيات قدر من التطابق والمماثلة.
أما حديث ابن مسعود فليس كذلك لأنه حصر القتل في الولد خشية الطعام وحصر الزنا بحليلة الجار، وهذا الحصر لا يوافق العموم في الآية.
الثاني: أنه جاء في حديث ابن مسعود: (ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وبيان ذلك:
أن يقال: إن القرآن إما أن ينزل ابتداءً أو على سبب وليس ثمةَ قسم ثالث اسمه نزول القرآن لتصديق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينطق عن اللَّه، كما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4). فكيف يُصدِّق هذا بهذا؟
فإن قال قائل: الفائدة من هذا النزول هو التوكيد.
فالجواب: أن يقال: الأصل في الكلام الشرعي، إذا كان دائراً بين التوكيد والتأسيس أن يحمل على التأسيس لأنه يحمل معنى زائداً على مجرد التوكيد.
وهذا بعينه يتحقق في حديث ابن عبَّاسٍ، دون ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. الذي لا يُفيد جديداً.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآيات الكريمة حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لموافقته سياق القرآن وصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لأقوال المفسرين. والله أعلم.
* * * * *
سورة القصص
130 - قال الله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري وأحمد ومسلم والنَّسَائِي عن المسيب قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد عنده أبا جهل وعبد اللَّه بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: (أيّ عمِّ، قل لا إله إلا اللَّه كلمةً أُحاجُّ لك بها عند الله) فقال أبو جهل وعبد اللَّه بن أبي أُمية: أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (والله لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك) فأنزل الله: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ)، وأنزل اللَّه في أبي طالب: فقال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
وأخرجه مسلم وأحمد والترمذي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بلفظ قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمه: (قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة) قال لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل اللَّه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي والشنقيطي وابن عاشور.
قال الطبري: (وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أجل امتناع أبي طالب عمه من إجابته إذ دعاه إلى الإيمان باللَّه إلى ما دعاه إليه من ذلك) اهـ.
وقال ابن عطية: (أجمع جل المفسرين على أن قوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) إنما نزلت في شأن أبي طالب عم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ.
وقال القرطبي: (قال الزجاج: أجمع المسلمون على أنها نزلت في أبي طالب. قلت: والصواب أن يقال: أجمع جلّ المفسرين على أنها نزلت في شأن أبي طالب عم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو نص حديث البخاري ومسلم) اهـ.
وقال ابن كثير: (وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد كان يحوطه وينصره ويقوم في صفه ويحبه حبًا شديدًا طبعيًا لا شرعيًا، فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الإيمان والدخول في الإسلام فسبق القدر فيه واختطف من يده فاستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحكمة التامة) اهـ.
وقال الشنقيطي: (ونزول قوله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) في أبي طالب مشهور معروف). اهـ.
وقال ابن عاشور: (وقد تضافرت الروايات على أن من أول المراد بذلك أبا طالب عم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد اغتم لموته على غير الإسلام كما في الأحاديث الصحيحة) اهـ.
وبذكر أقوال المفسرين المتقدمة تبين أن سبب نزول الآية الكريمة قصة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أبي طالب حين دعاه إلى الإيمان باللَّه قبل الوفاة لكنَّ قدر الله سابق أنه لا يكون من المهتدين.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآية لصحة سنده وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن، واتفاق المفسرين عليه والله أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #116  
قديم 18-11-2022, 08:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,670
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد





المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة العنكبوت

من صــ 770 الى صـ 777
الحلقة 116)


سورة العنكبوت

131 - قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج مسلم والترمذي عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدًا حتى يكفر بدينه ولا تأكلَ ولا تشربَ. قالت: زَعَمْتَ أن اللَّه وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا. قال: مَكَثَتْ ثلاثًا حتى غُشي عليها من الجهد. فقام ابن لها يُقال له عُمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعد فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - في القرآن هذه الآية: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)، (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي) وفيها: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث لنزولها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسبب سعد بن أبي وقاص) اهـ.
قال ابن عطية: (روي عن قتادة وغيره أنها نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص وذلك أنه هاجر فحلفت أمه أن لا تستظل بظل حتى يرجع إليها ويكفر بمحمد فلج هو في هجرته ونزلت الآية) اهـ.
وقال القرطبي: (نزلت في سعد بن أبي وقاص) اهـ.
أما قوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) فليست في سياق الآية التي معنا بل هي في سورة لقمان. فهل نزلت في ذلك الآيتان؟
البغوي قال: (نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان والأحزاب في سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما أسلم وكان من السابقين الأولين وكان باراً بأُمِّه) اهـ.
ولا أدري ما يعني بالتي نزلت في سورة الأحزاب؟ فسورة الأحزاب ليس فيها شيء من هذا.
والظاهر - والله أعلم - أن ذكر قوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لا يصح لأمور:
1 - أن الترمذي الذي روى الحديث مع مسلم لم يذكرها، واقتصر على آية العنكبوت.
2 - أن سياق آيات العنكبوت السابقة واللاحقة تتحدث عن الابتلاء والفتنة. ففي السابقة يقول اللَّه: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3).
وفي اللاحقة يقول الله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ .. ).
وهذا يتفق مع قصة سعد بن أبي وقاص لأن فعل أمه نوع من الابتلاء والامتحان لإيمانه لأنه كان باراً بها محبًا لها، أما آية لقمان فليس في سياقها مثل هذا.
3 - أن المفسرين لم يذكروا آية لقمان في موضع نزول آية العنكبوت إلا البغوي، وإن كان بعضهم قد ذكر حديث سعد في موضع نزول آية لقمان، لكن ما دلّ عليه الحديث هو الراجح. والله أعلم.
* تنبيه:
ما ذُكر عن قوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) ينسحب على قوله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي) لأن هذه الآية أيضاً في سورة لقمان وليس العنكبوت.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية قصة سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع أمه لصحة سندها وتصريحها بالنزول، وموافقتها لسياق القرآن، واحتجاج المفسرين بها. والله أعلم.
* * * * *

132 - قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الدارمي عن يحيى بن جعدة قال: أُتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكتف فيه كتاب فقال: كفى بقوم ضلالاً أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ) الآية.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر بعض المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها كالطبري وابن عطية والقرطبي.
قال الطبري: (وذُكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن قوماً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انتسخوا شيئاً من بعض كتب أهل الكتاب). اهـ ثم ذكر الحديث.
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية لأن سياق الآيات يتحدث عن قوم كافرين جاحدين مرتابين. وقد قال اللَّه قبل هذه الآية: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50).
وقال بعدها: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52).
فالضمير في قوله: (يَكْفِهِمْ) يعود على الذين قالوا: (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ) هذا الظاهر من سياق الآيات.
أما ما دلَّ عليه الحديث فإن عدم الاكتفاء واقع من بعض المؤمنين ولهذا قال فيه: كفى بقوم ضلالاً أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم، مما يدل على أن لهؤلاء نبياً وكتاباً.
وبناءً على هذا فإنه ليس بين سياق الآيات والحديث موافقة مما يجعل القول بأنه سبب نزولها قولاً بعيداً من الصواب.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية لأنه ضعيف السند، ولا يتفق مع السياق، مع إعراض أكثر المفسرين عن ذكره واللَّه أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #117  
قديم 18-11-2022, 08:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,670
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد





المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الروم

من صــ 778 الى صـ 788
(الحلقة 117)

سورة الروم
133 - قال الله تعالى: (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن أبي سعيد قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ) - إلى قوله -: (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة، وقد ذكر هذا الحديث ومعه غيره الطبري وابن العربي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
أما البغوي وابن عطية فلم يذكرا الحديث.
فأما الطبري والقرطبي فقد اقتصرا على سياق الأحاديث والمرويات في القصة.
وأما ابن العربي فإنه لما ساق الحديث الذي معنا أضاف إليه حديث ابن عباس، وحديث نِيار بن مكرم الأسلمي ثم قال: (فهذه أحاديث صحاح حسان غراب) اهـ.
وأما ابن كثير فقال: (نزلت هذه الآيات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم فاضطر هرقل ملك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينة، وحاصره فيها مدة طويلة ثم عادت الدولة لهرقل) اهـ.
وأما ابن عاشور فقال: (واتفقت الروايات على أن غلب الروم للفرس وقع بعد مضي سبع سنين من غلب الفرس على الروم الذي نزلت عنده هذه السورة .. ثم ذكر كلامًا قال بعده: أول أغراض هذه السورة سبب نزولها على ما سرَّ المشركين من تغلب الفرس على الروم، فقمع الله تعالى تطاول المشركين به وتحداهم بأن العاقبة للروم في الغلب على الفرس بعد سنين قليلة) اهـ.
وقال البغوي: (سبب نزول هذه الآية على ما ذكره المفسرون أنه كان بين فارس والروم قتال وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم لأن أهل فارس كانوا مجوساً أميين، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب فبعث كسرى جيشاً إلى الروم فذكر كلامًا ... حتى قال: فغلبت فارس الروم فبلغ ذلك المسلمين بمكة فشق عليهم، وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله تعالى هذه الآيات) اهـ.
والظاهر - واللَّه أعلم - أن الحديث الذي معنا لا يصح أن يكون سبباً للنزول لأمور:
1 - أن إسناده ضعيف، ومضطرب فلا ينهض للاحتجاج به على السببية.
2 - أن سورة الروم مكية بكاملها.
قال ابن عطية: (هذه السورة مكية ولا خلاف أحفظه في ذلك) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وهي مكية كلها بالاتفاق، حكاه ابن عطية والقرطبي، ولم يذكرها صاحب الإتقان في السور المختلف في مكيتها ولا في بعض آيها) اهـ.
وإذا كانت مكية بالكامل، فكيف تنزل في يوم بدر كما يدل هذا الحديث؟
3 - أن سياق القرآن يأبى ذلك. وجه ذلك: أن الحديث نص على أن ظهور الروم على فارس كان في يوم بدر فنزلت هذه الآية.
فإذا كان الأمر كذلك فكيف يبشر اللَّه المؤمنين بانتصار الروم على الفرس في بضع سنين، والنصر قد تم للروم في يوم بدر - حسبما يدل عليه الحديث -.
4 - أني لم أجد في أقوال المفسرين من اعتمد الحديث الذي معنا سبباً للنزول بل أقوالهم تدل على خلافه.
فابن كثير يقول: إن الآيات نزلت حين غلب ملك الفرس على بلاد الشام.
وابن عاشور يذكر: أن السورة نزلت عندما غلب الفرسُ الرومَ.
وكلام البغوي وابن عطية يدل على هذا وهو أن القضية وقعت قبل الهجرة ونزل فيها القرآن حينذاك.
5 - أن الطبري ذكر جملة من الآثار عن السلف كابن مسعود وابن عبَّاسٍ وعكرمة وغيرهم تعارض ما دلّ عليه حديث أبي سعيد من نزولها ببدر والله أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا للنزول لضعف سنده، وكون السورة بكاملها مكية، مع مخالفته للسياق القرآني وأقوال المفسرين من السلف والخلف، وإنما الآية نزلت في مكة بعد أن غلبت الفرسُ الرومَ فحزن لذلك المؤمنون وفرح الكافرون فبشر الله المؤمنين بأن الدائرة للروم على الفرس في بضع سنين فتم ما أخبر الله به واللَّه أعلم.
* * * * *
سورة لقمان
134 - قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن أبي أُمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام)، في مثل هذا أُنزلت هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند نزولها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن العربي بعد ذكر هذا الحديث وغيره: (هذه الأحاديث التي أوردناها لا يصح منها شيء بحال لعدم ثقة ناقليها إلى من ذكر من الأعيان فيها) اهـ.
قال ابن كثير: (علي وشيخه والراوي عنه كلهم ضعفاء والله أعلم).
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث ليس سبباً لنزول الآية ليس بسبب إسناده فحسب، بل هو أيضاً ليس صريحاً في النزول لقوله: (في مثل هذا أُنزلت).
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية لضعف سنده، ولأنه ليس صريحًا في النزول والله أعلم.
* * * * *


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #118  
قديم 18-11-2022, 08:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,670
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد






المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة لقمان

من صــ 789 الى صـ 792
(الحلقة 118)

135 - قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج البخاري والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما نزلت: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) قال أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّنا لم يظلم؟ فأنزل الله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عنه بلفظ: لما نزلت: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول اللَّه، أيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: (ليس ذلك إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). ولفظ مسلم: (فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في تفسير هذه الآية وقد ذكر بعض المفسرين هذا الحديث لكن منهم من ذكر التصريح بالنزول كابن عطية والقرطبي.
ومنهم من لم يذكر ذلك كابن كثير وابن عاشور.
وقال ابن حجر لما ذكر التصريح بالنزول: (واقتضت رواية شعبة هذه أن هذا السؤال سبب نزول الآية الأخرى التي في لقمان، لكن رواه البخاري ومسلم من طريق أخرى عن الأعمش وهو سليمان المذكور في حديث الباب. ففي رواية جرير عنه (فقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال: ليس بذلك ألا تسمعون إلى قول لقمان).
وفي رواية وكيع عنه: (فقال: ليس كما تظنون). وفي رواية عيسى بن يونس: (إنما هو الشرك، ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان) وظاهر هذا أن الآية التي في لقمان كانت معلومةً عندهم، ولذلك ينبههم عليها، ويحتمل أن يكون نزولها وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث ليس سبباً للنزول وأن التصريح بالنزول لا يصح لما يلي:
1 - أن أكثر الروايات خلت من التصريح بالنزول، ليس هذا فقط بل صرحت بخلافه: (ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه) وهذا يدل على أن هذا معلوم عندهم.
2 - أن آية لقمان في سياق النصيحة، ومثل هذا لا يناسب السببية، إذ لو كانت الآية نزلت جواباً لاستشكال الصحابة كما قال الله - عَزَّ وَجَلَّ - فيها: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) إذ لا فائدة من ذلك.
3 - أن احتمال نزول آية لقمان بعد سؤالهم. وقبل جواب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم بعيد عادةً.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية الكريمة لعدم الدليل على ذلك، مع إعراض جمهور المفسرين عن ذكره والله أعلم.
***************

136 - قال اللَّه تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج مسلم وأحمد عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدًا حتى يكفر بدينه، ولا تأكلَ ولا تشربَ قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا.
قال: مكثت ثلاثًا حتى غُشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يُقال له عُمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعد فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - في القرآن هذه الآية: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)، (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي) وفيها (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).
ولفظ أحمد: فأنزلت: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) وقرأ حتى بلغ: (بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر بعض المفسرين حديث سعد هذا عند تفسيرها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير.
قال الطبري: (وذكر أن هذه الآية نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص وأمه) اهـ ثم قال: ذكر الرواية الواردة في ذلك.
وقال البغوي: (وقيل: نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقاص وأمه، وقد مضت القصة) اهـ.
وقال ابن عطية: (ففي هذه القصة نزلت الآيات قاله سعد بن أبي وقاص والجماعة من المفسرين) اهـ.
وقال القرطبي: (والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص كما تقدم في (العنكبوت) وعليه جماعة المفسرين) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وعلى كلا الاعتبارين - يعني أكانت الوصية بالوالدين من الله أو من حكمة لقمان لا يحسن ما ذهب إليه جمع من المفسرين أن هذه الآية نزلت في قضية إسلام سعد بن أبي وقاص وامتعاض أمه، لعدم مناسبته السياق ولأنه قد تقدم أن نظير هذه الآية في سورة العنكبوت نزل في ذلك، وأنها المناسبة لسبب النزول، فإنها أُخلِيت عن الأوصاف التي فيها ترقيق على الأم بخلاف هذه، ولا وجه لنزول آيتين في غرض واحد ووقت مختلف) اهـ.
وعندي - والله أعلم - أن ما ذكره ابن عاشور هو الصحيح، وأن الآيتين في سورة لقمان لا صلة لهما بقضية سعد، ومن الغريب حقاً أن يذكر بعض المفسرين النزول في الموضعين إذ لا فائدة من ذلك، ولعل إضافة آية لقمان للحديث جاءت من باب أن موضوع الآيتين واحد، ومن هنا أدرجها بعض الرواة في الحديث. وقد أشار ابن عاشور هنا إلى علة لطيفة وهي أن آية العنكبوت ليس فيها ترقيق على الأم بخلاف هذه.
وهذا صحيح فإن الله لو رقق قلبه على أمه بتعداد أفضالها لربما تعسر عليه مخالفتها، لكن الله أمره بالإحسان عموماً، ونهاه عن الشرك.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآيتين هنا لعدم المناسبة بين سياقه وسياقها والله أعلم.
* * * * *




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #119  
قديم 15-12-2022, 11:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,670
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الاحزاب

من صــ 793 الى صـ 800
(الحلقة 119)





سورة الأحزاب
137 - قال الله تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أحمد والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - أنه قيل له: أرأيت قول اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) ما عنى بذلك؟ قال: قام نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً يصلي، قال: فخطر خطرةً فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترون له قلبين، قال: قلباً معكم، وقلبًا معهم؟ فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر بعض المفسرين هذا الحديث بنصه كالطبري وابن العربي وابن كثير.
وذكر بعضهم الحديث بمعناه كابن عطية والقرطبي.
قال ابن عطية: (قال ابن عبَّاسٍ سببها أن بعض المنافقين قال: إن محمداً له قلبان؛ لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعةً ثم عاد إلى شأنه فقالوا ذلك عنه فنفاه اللَّه تعالى عنه) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث المذكور ليس سبب نزول الآية لأمرين:
الأول: أن الحديث ضعيف فلا ينهض للاحتجاج به على السببية.
الثاني: أن سياقه فيه غرابة لأن قوله: (فخطر خطرة) معناه الوسوسة فكيف علم المنافقون، الوسوسة مع أن مكانها الصدر لقوله تعالى: (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ).
ثم قوله في الحديث: (قلباً معكم وقلباً معهم) هذا مشكل لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُعلت الصلاة قرة عينه وهو أتقى الخلق وأخشاهم للَّه فكيف يقال: (قلباً معكم)؛ لأن الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حال الصلاة. ثم قوله: (وقلباً معهم) من هم هؤلاء؟
فإن قيل: ما سبب نزولها إذن؟
فالجواب: قال ابن عطية: (ويظهر من الآية أنها بجملتها نفي لأشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك، وإعلام بحقيقة الأمر فمنها أن بعض العرب كانت تقول إن الإنسان له قلبان قلب يأمره وقلب ينهاه وكان تضاد الخواطر يحملها على ذلك. وذكر كلامًا إلى أن قال: وكانت العرب تعتقد الزوجة إذا ظوهر منها بمنزلة الأم وتراه طلاقاً وكانت تعتقد الدعي المتبنى ابناً فأعلمَ الله تعالى أنه لا أحد بقلبين) اهـ.
وبناءً عليه فليس للآية سبب معين يعول عليه بل نزلت ابتداءً لهدم بعض المعتقدات الباطلة والله أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سببًا للنزول لضعف سنده وغرابة سياقه وأن الآية قد نزلت ابتداءً لإبطال ما كان يعتقده بعض الكافرين من أمر الجاهلية. واللَّه أعلم.
* * * * *

138 - قال اللَّه تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج البخاري وأحمد والدارمي، والترمذي، والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها - أن أبا حذيفة، وكان ممن شهد بدراً مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبنى سالماً وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زيداً، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه، حتى أنزل الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) فجاءت سهلةُ النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت الحديث.
ولفظ الدارمي: فأنزل الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ).
2 - وأخرج مسلم وأحمد والترمذي والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه قال: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن:
(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في تفسير هذه الآية الكريمة. وقد ذكر بعض المفسرين أحد هذين الحديثين بلفظه كالبغوي وابن العربي والقرطبي.
وبعضهم ذكره بمعناه كالطبري وابن عطية وابن كثير.
قال النووي: (قال العلماء كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تبنى زيداً ودعاه ابنه، وكانت العرب تفعل ذلك يتبني الرجل مولاه أو غيره فيكون ابناً له يوارثه وينتسب إليه حتى نزلت الآية فرجع كل إنسان إلى نسبه) اهـ.
وقال ابن حجر عن حديث عائشة: (أن أبا حذيفة تبنى سالماً أي ادعى أنه ابنه وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) فإنها لما نزلت صار يدعى مولى أبي حذيفة) اهـ.
والظاهر - واللَّه أعلم - أن الحديثين المذكورين ليسا سبباً لنزول الآية الكريمة للأسباب التالية:
1 - أن المصطلح عليه عند العلماء في أسباب النزول أن تقع حادثة أو سؤال فتأتي الآية مجيبة عن السؤال ومعالجةً للحادثة، وهو ما لم يحدث معنا هنا؛ لأن التبني كان قديمًا في العرب، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تبنى زيدًا قبل الهجرة بزمن، ولم تنزل آية الأحزاب إلا في المدينة لأن سورة الأحزاب مدنية بالاتفاق، وإذا كان الأمر كذلك، فليس التبني سببًا للنزول لطول الزمن، وبعد الأمد.
2 - سياق الحديث لا يشير إلى السببية لقوله: (حتى أنزل الله) والمعنى أن التبني قد استمر حتى الغاية التي أنزل الله فيها إبطاله، بخلاف قولهم: فأنزل الله فإن فاء التعقيب تدل على تعقب النزول للحدث.
3 - أن العلماء في كلامهم لا يشيرون إلى السببية، وربما كان هذا لأنهم لا يرون للآية سبباً.
وبناءً على ما تقدم فإن الآية نزلت ابتدءًا لعلاج بعض الأمور الجاهلية التي كانت منتشرة بين العرب ومنها التبني، كما نفت من قبل أن يكون للرجل قلبان أو التسوية بين الأم والزوجة عند المظاهرة منها. واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الآية لم تنزل على السبب المذكور لعدم الدليل على ذلك واللَّه أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #120  
قديم 15-12-2022, 11:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,670
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن

المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى

سورة الاحزاب

من صــ 801 الى صـ 806
(الحلقة 120)



139 - قال اللَّه تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن أنس بن النضر تغيب عن قتال بدر، فقال: تغيبتُ عن أول مشهد شهده النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لئن رأيت قتالاً ليريَن اللَّه ما أصنع. فلما كان يوم أحد انهزم أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقبل أنس، فرأى سعد بن معاذ منهزمًا، فقال: يا أبا عمرو، أين؟ أين؟ قم، فوالذي نفسي بيده، إني لأجد ريح الجنة دون أُحد فحمل حتى قتل. فقال سعد بن معاذ: فوالذي نفسي بيده ما استطعت ما استطاع. فقالت أُخته: فما عرفتُ أخي إلا ببنانه ولقد كانت فيه بضع وثمانون ضربة، من بين ضربة بسيف، ورمية بسهم، وطعنةٍ برمح، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فيه: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) إلى قوله: (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر ذلك جمهور المفسرين كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (وقيل إن هذه الآية نزلت في قوم لم يشهدوا بدراً، فعاهدوا الله أن يفوا قتالاً للمشركين مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمنهم من أوفى فقضى نحبه ومنهم من بدل، ومنهم من أوفى ولم يقض نحبه وكان منتظراً على ما وصفهم الله به من صفاتهم في هذه الآية) اهـ.
وقال ابن عطية: (فممن سمى المفسرون أنه أشير إليه بذلك أنس بن النضر عم أنس بن مالك وذلك أنه غاب عن بدر فساءه ذلك ... ثم ذكر الحديث) اهـ.
وقال ابن عاشور: (فإن كانت هذه الآية نزلت مع بقية آي السورة بعد غزوة الخندق فهي تذكير بما حصل من المؤمنين من قبل، وإن كانت نزلت يوم أحد فموضعها في هذه السورة إنما هو بتوقيف من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو تنبيه على المعنى الذي ذكرناه على تقدير: أنها نزلت مع سورة الأحزاب. وأيّاً ما كان وقت نزول الآية فإن المراد منها رجال من المؤمنين ثبتوا في وجه العدو يوم أحد وهم عثمان بن عفان وأنس بن النضر وطلحة بن عبيد اللَّه وحمزة وسعيد بن زيد ومصعب بن عمير، فأما أنس بن النضر وحمزة ومصعب بن عمير فقد استشهدوا يوم أحد وأما طلحة فقد قطعت يده يومئذٍ وهو يدافع عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأما بقيتهم فقد قاتلوا ونجوا) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الآية نزلت بعد أحد وليس بعد الخندق لأنه إن كان المراد بها الذين استشهدوا وأبلوا بلاءً حسناً في أحد كما هو الواقع فلماذا يتأخر الثناء عليهم إلى ما بعد الخندق؟ هذا بعيد.
وبناءً على ما تقدم فإن الراجح من قول ابن عاشور أنها نزلت يوم أحد ووضعت هنا بتوقيف من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإذا عدنا إلى سبب النزول خصوصًا إلى قول أنس بن النضر (لئن رأيت قتالاً ليرين الله ما أصنع). وجدنا هذا مطابقاً تماماً لقوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ... ) الآية.
ولا يعكر على هذا ما في لفظ البخاري: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه. فقد ذكر ابن حجر أن التردد فيه من حميد وأن الجزم وقع في رواية ثابت عند مسلم وأحمد.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة، لصحة سنده وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن، واحتجاج المفسرين به واللَّه أعلم.
* * * * *

140 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج مسلم وأحمد والبخاري عن جابر بن عبد اللَّه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فوجد الناس جلوساً ببابه. لم يؤذن لأحدٍ منهم، قال: فأُذن لأبي بكر فدخل. ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالساً، حوله نساؤه واجماً ساكتاً. قال: فقال: لأقولن شيئاً أضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها. فضحك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: (هن حولي كما ترى يسألنني النفقة). فقام أبو بكر إلى عائشة يجأُ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأُ عنقها. كلاهما يقول: تسألن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ليس عنده فقلن: والله لا نسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً أبداً ليس عنده ثم اعتزلهن شهراً أو تسعًا وعشرين ثم نزلت عليه هذه الآية: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ) حتى بلغ (لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) قال: فبدأ بعائشة، فقال: (يا عائشة إني أُريد أن أعرض عليك أمراً أُحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك) قالت: وما هو يا رسول اللَّه؟ فتلا عليها الآية. قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبويَّ؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة. وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت. قال: (لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها. إن اللَّه لم يبعثني مُعَنِّتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلمًا ميسراً).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد هذا جمهور المفسرين كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.
قال الطبري: (وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أجل أن عائشة سألت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً من عرض الدنيا، إما زيادة في النفقة، أو غير ذلك فاعتزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نساءه شهراً فيما ذكر، ثم أمره الله أن يخيرهن بين الصبر عليه، والرضا بما قُسم لهن، والعمل بطاعة اللَّه، وبين أن يمتعهن ويفارقهن إن لم يرضين بالذي يقسم لهن) اهـ.
وقال ابن العربي لما ذكر بعض الأسباب: (والصحيح ما في صحيح مسلم عن جابر بن عبد اللَّه قال: جاء أبو بكر ... ثم ساق الحديث) اهـ.
قال ابن كثير: (هذا أمر من اللَّه تبارك وتعالى لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند اللَّه تعالى في ذلك الثواب الجزيل فاخترن - رضي اللَّه عنه وأرضاهن - اللَّه ورسوله والدار الآخرة فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة) اهـ.
وقال السعدي: الما اجتمع نساء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغيرة وطلبن منه أمراً لا يقدر عليه في كل وقت، ولم يزلن في طلبهن متفقات وفي مرادهن متعنتات شق ذلك على الرسول حتى وصلت به الحال إلى أنه آلى منهن شهراً، فأراد اللَّه أن يسهل الأمر على رسوله، وأن يرفع درجة زوجاته ويذهب عنهن كل أمر ينقص أجرهن فأمر رسوله أن يخيرهن فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا).
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة حديث جابر هذا، لصحة سنده وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن وتعويل المفسرين عليه والله أعلم.
* * * * *





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 335.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 329.07 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]