الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله - الصفحة 30 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 22 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          البلاء في حقك: نعمةٌ أو نقمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #291  
قديم 13-11-2022, 01:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 66 الى صــــــــ
76

الحلقة (246)

مبحث رأي المعتزلة والخوارج

-ولم يخالف في هذا الحد إلا بعض المعتزلة، والخوارج، فإنهم قالوا: إن عقوبة الرجم كانت موجودة في صدر الإسلام، ثم نسخت بقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} فالزانيان يستحقان الجلد سواء كلنا محصنين أو لا. ولكن دليلهم هذا لا يتم إلا إذا ثبت أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لم يرجم أحداً بعد نزول هذه الآية.
ولكن الجمهور قالوا: إن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قد رجم بعد نزول هذه الأية، بدليل أن أبا هريرة حضر الرجم، وهو لم يسلم ب سنة سبع، وسورة النور نزلت سنة ست أو خمس، وقد رجم الخلفاء الراشدون بعد النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، وصرجوا بأن الرجم حد، وقد نازع هؤلاء بأن الكتاب لا يصح نسخه بالسنة.
وأجيب بأن السنة المشهورة تخصص الكتاب بلا خلاف، وهنا خصصت السنة. الزاني، بغير المحصن، وهذا الخلاف لا يترتب عليه فائدة كبيرة عملية (1)
مبحث الشهادة في الزنا
-لأن حد الزنا منوط في الوقع بلإقرار الزاني، فإذا لم يقر الزاني، فإنه لا يمكن إثباته عليه بالبينة، لأنه لا يثبت إلا بأربعة شهود عدول، يرون الإيلاج بالفعل، وذلك إن لم يكن محالاً، فهو متعذر (2) .
__________
(1) (حكي في البحر عن الخوارج أن الرجم غير واجب عندهم، وكذلك حكاه عنهم أيضاً ابن العربي رحمه اللَّه تعالى، وحكاه أيضاً عن بعض المعتزلة، كالنظام وأصحابه، ولا مستند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن الكريم، وهذا باطل، فإن الرجم قد ثبت بالسنة المتواترة المجمع عليها، وأيضاً هو ثابت بنص القرآن لحديث عمر بن الخطاب عند الجماعة أنه قَالَ: (كان مما أنزل على رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم آية الرجم، فقرأناها، وحفظناها، ووعيناها، ورجم رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم ورجمنا بعده) ونسخ التلاوة لا يستلزم نسخ الحكم، كما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُما، وقد أخرج أحمد والطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة بن سهل عن خالته العجماء: أن فيما أنزل اللَّه من القرآن (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة) .
وعن ابي هريرة، وزيد بن خالد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنمها قالا: (إن رجلاً من الأعراب أتى رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه الا قضيت لي بكتاب اللَّه، وقال الخصم الآخر، وهو أفقه منه نعم، فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَم قل، قَالَ: إن ابني كان عسيفاً عند هذا فزنى بامرأته - وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها قَالَ: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فرجمت) رواه الجماعة.
وعن عبادة بن الصامت قَالَ: (قال رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم خذوا عني خذوا عني قد جعل اللَّه لهن سيبلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي، وعن جابر بن عبد سمرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم ماعز بن مالك رواه أحمد. وقد أجمعت الأمة على وجوب حد الرجم على الزاني المحصن) .
(2) (اتفقت كلمة الفقهاء على أن جريمة الزنا تثبت بالشهادة، أو الإقرار، واتفقوا على أن عدد الشهود في هذه الجريمة المنكرة، أربعة، بخلاف سائر الحقوق، لقوله تعالى: {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} وقوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} وقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم للذي قذف امرأته (ائت بأربعة يشهدون على صدق مقالتك - وإلا فحد في ظهرك) واجماع الأمة على ذلك.
وافق الأئمة على أن صفة الشهود أن يكونوا عدولاً، وأن يكونوا ذكوراً، غير محدودين.
واتفقوا على أن من شروط هذه الشهادة أن تكون بمعاينة فرجه في فرجها، وأن تكون الشهادة بالتصريح، لا بالكناية لأن في اشتراط العدد بالأربعة يتحقق معنى الستر على عباد اللَّه تعالى، الذي دعا إليه الشارع، ولأن الشيء كلما كثرت شروطه قل وجوده، وذلك قصد الشارع.
واختلف الفقهاء في اشتراط عدم تعدد المجلس.
الحنفية والمالكية، والحنابلة - قالوا: إنه يشترط في أداء الشهادة. أن يشهدوا بالزنا في مجلس واحد، وإلا فهم فسقة، ويقام عليهم حد القذف، وذلك لأن الشارع طلب التحقيق في إقامة الحدود، وأداء الشهادة في مجالس متفرقة شبهة تمنع قبول شهادة الشهود وتقبل شهادتهم إذا ادوها في مجالس متفرقة، وذلك للمبادرة إلى تطهير المسلم من الذنوب إذا كمل النصاب في الشهود بحسب اجتهاد الحاكم، وما يراه من المصلحة للمسلمين في دينهم ودنياهم.
اتحاد المكان والزمان

واختلف الفقهاء في اشتراط أن تكون الشهادة من الأربعة في مكان واحد، وفي زمان واحد.
الحنفية، والمالكية - قالوا: يشترط أن تكون شهادة الأربعة في مجلس واحد، واشترطوا كذلك أن يحضر الشهود الأربعة مجتمعين في زمان واحد. فإن جاؤوا متفرقين واجتمعوا في مجلس واحد، لا تقبل شهادتهم، ويقام عليهم حد القذف لوجود شبهة في أداء الشهادة. وهي عدم اتحادهم في الحضور، لأن الشاهد الأول لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة من الشهداء فوجب عليه الحد.
الشافعية - قالوا: لا يشترط اتحاد الشهود في الزمان، ولا في المكان، بل متى شهدوا بالزنا، ولو كانوا متفرقين واحداً بعد واحد، قبلت شهادتهم، ويقام الحد عليهما لهذه الشاهدة.
وذلك لأن الإتيان بأربعة شهداء قدر مشترك بين الإتيان بهم مجتمعين أو متفرقين، فالآتي بهم متفرقين يكون عاملاً بالنص. ولأن كل حكم يثبت بشهادة الشهود إذا جاؤوا مجتمعين، يثبت إذا جاؤوا متفرقين كسائر الأحكام، بل هذا أولى لأنهم إذا جاؤوا متفرقين كان أبعد عن التهمة، وعن أن يتلقن بعضهم من بعض، ولأنه لا يشترط أن يشهدوا معاً في حالة واحدة.
الحنابلة - قالو: المجلس الواحد شرط في اجتماع الشهود، وفي أداء الشهادة. فإذا جمعهم مجلس واحد، وأدوا الشهادة سمعت شهادتهم، وإن جاؤوا متفرقينـ قبل أداء الشهادة، لأن الشبهة إنما تظهر في اختلاف المكان فقط.
اختلاف الشهود في مكان الحادث

واختلف الفقهاء في اشتراط عدم اختلاف اغلشهود في تحديد الماكن الذي وقعت فيه الفاحشة. كأن شهد اثنان من الشهود أنه زنا بها في هذه الزاوية من المنزل. وشهد اثنان آخران أنه زنا بها في زاوية أخرى من نفس المنزل.

الحنفية، والحنابلة - قالوا: إن هذا الخلاف لا يضر في أداء الشهادة. بل تقبل ويقام الحد.
المالكية، والشافعية - قالوا: لا تقبل الشهادة في هذه المسألة، ولا تجب إقامة الحد لأن اختلاف الشهود في تحديد المكان شبهة تدرأ الحد عن الزنا، فيشترط أن يأتي الأربعة في وقت واحد، يشهدون على وطء واحد، في موضع واحد، بصفة واحدة، بهذا تتم الشهادة.
اختلافهم في البلد
وإن شهد اثنان على رجل بأنه زنى بها في الكوفة، وشهد آخران بأنه زنى بها في البصرة مثلاً، فلا تقبل الشهادة، ولا يقام عليهما الحد بالإجماع، ويحد الشهود حد القذف.

إذا ظهر أن الزانية بكر

وإن شهد أربعة من الرجال العدول على امرأة بالزنا بآخر ثم وجدت بعد ذلك بكراً. فإن الشهادة ترد ولا تقبل بالإجماع، ويدرأ الحد عنها لوجود الشبهة، ولا يحد الشهود. فإن وجود البكارة دليل على عدم وقوع الزنا.
عدم التقادم في أداء الشهادة
وإذا شهد الشهود بحد متقادم لم يمنعهم من إقامته بعدهم عن الإمام الحاكم اختلف فيه الفقهاء.
الحنفية - قالوا: إنه لا تقبل شهادتهم في هذه الحالة لوجود شبهة التقادم في أداء الشهادة لأن الأصل عندهم أن الحدود الخالصة للَّه تعالى تبطل بالتقادم، لأن الشاهد مخير بين حسبتين إحداهما أداء الشهادة، وثانيتهما: التسر على المسلم، فالتأخير في أداء الشهادة لاختيار الستر، فالاقدام على الأداء بعد ذلك لوجود ضعينة هجيتهم، أ, لعداوة حركتهم بعد السكوت، فيتهمون في شهادتهم - إلا إذا وجد عذر لهم.
أما إذا كان التأخير لغير سبب يصير الشاهد فاسقاً، فترد شهادته لتيقنا بالمانع.
المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: إن الشهادة في الزنا، وفي حد القذف، وشرب الخمر، تسمع بعد مضي زمان طويل من الواقعة. وذلك لأن الحد بعد الشهادة أصبح حقاً. ولم يثبت لنا ما يبطله، وقد يكون عندهم عذر، منعهم من أداء الشهادة في وقت وقوع الفاحشة. بأن الفتنة كانت قائمة لم تخمد إللا ذلك الوقت الذي يقام الحد فيه، فيعذرون في تأخيرهم.
اختلاف الشهود في الاستكراه
إذا شهد اثنان على رجل بالزنا، وقالا: استكراهاً، وقال آخران: بل كان الزنا طواعية. فقد اختلف الفقهاء في ذلك.

الإمام أبو حنيفة، والمالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: لا حد عليهما في هذه الحالة وترد شهادة الشهود لوجود شبهة تدرأ الحد، وهي تضارب الشهود في أقوالهم.

وقال الصاحبان رحمهما اللَّه تعالى: يحد الرجل خاصة، لأن الشهود الأربعة شهدوا، واتفقوا على أنه زنى، ولكن اختلفوا في هل هو مكره، أم لا؟ فيقام الحد عليه. أما المرأة فلا يقام عليها الحد لأنها في هذه الحالة مكرهة، بشهادة الشهود، والمكرهة على الزنا لا تحد إجماعاً. ويجب على الزاني دفع صداقها، ويلحق به ولدها إن حملت منه.
شهادة الزوج
وهل يجوز أن يكون الزوج من الشهود الأربعة في شهادة الزنا على زوجته؟
المالكية - قالوا: يجوز كون الزوج من الشهود على زوجته بالزنا، لأن الزوج يلحقه العار من هذا الأمر، خصوصاً إذا كان له منها أولد، فلا يكون متهماً في أداء الشهادة. فتقبل شهادته وتحد الزوجة.
الحنفية، والشافعية والحنابلة - قالوا: لا يجوز شهادة الزوج مع شهود الزنا على زوجته لأنه متهم في أداء هذه الشهادة. فلا تقبل شهادته.
سؤال الشهود
وإذا حضر الشهود في مجلس الحاكم لأداء الشهادة على حصول الزنا، سألهم الحاكم عن الزنا ماهو؟، وكيف هو؟، وأين زنا؟، وبمن زنا؟، وكيف زنا؟، فإن اتفقوا جميعاً في هذه الأمور وقالوا: رأينا إيلاج الذكر في الفرج، كالميل في المكحلة، بالتفصيل لأنه لا يكفي الإجمال في هذه الحالة فيجب على الحاكم لإقامة الحد على الزانيين، فربما يكون لمسها، أو يكون النى في دار الحرب، أو في الصبا، أو في زمان متقادم.
المالكية - قالوا: إنما تصح الشهادة إذا اتحد الزنا عندهم في صفته. من اضطجاع، أو قيام، أو قعود، أو هو فوقها، أو تحتها، في مكان كذا، في وقت كذا، ولا بد من ذكر ذلك كله للحاكم على انفرادهم بعد تفرقهم قبل الأداء بأمكنة، ور, يا، في وقت واحد لا متفرقين في أوقات، ولا بد في التشديد عليهم، وطلباً للستر ما أمكن، فإن تخلخل واحد منهم في أداء الشهادة، أو لم يوافق غيره ردت شهادتهم، وحدوا للقذف.
شهادة الأعمى على الزنا
المالكية - قالوا:
تقبل شهادة المسلم العدل وإن كان في الأقوال فقط سواء تحملها قبل العمى، أم بعده، وذلك لضبط الأقوال بسمعه، وكذلك بالحس، كما إذا تحسس على الفاعلين.
الحنفية - قالوا: لا تقبل شهادة الأعمى على الزنا، لنه لا يتمكن من تمييز الزاني والزانية.
والحدود لا بد فيها من التحقيق واليقين.
الحنابلة والشافعية - قالوا: إذا تحمل الشهادة قبل العمى. بأن رأى الفعل وهو مبصر ثم طرأ عليه العمى قبلت شهادته، أما إذا كانت بعد العمى فلا تقبل شهادته.
إنكار الإحصان
إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فأنكر أنه محصن، وله زوجة قد ولدت منه، فإنه يرجم ولا يقبل قوله، لبيان كذبه، بوجود الزوجة والولد.
وإن شهد أربعة على رجل بالزنا، فأنكر الاحصان، فشهد عليه رجلان بأنه تزوج امرأة ودخل بها في نكاح صحيح، ثبت الاحصان عليه، ويرجم.
اعتراض ما يخرج الشاهد عن أهليته للشهادة

أجمع العلماء على أنه يسقط الحد باعتراض ما يخرج الشاهد عن أهليته للشهادة. كما لو ارتد عن الإسلام - والعياذ باللَّه تعالى - أو عمي أحد الشهود، أو خرس، أو فسق، أو أقيم عليه حد القذف، لا فرق في ذلك بين كونه قبل القضاء أو بعده قبل إقامة الحد، وكذلك موت الشهود أو موت أحدهم مسقط للحد.

اشتراط أن يبدأ الشهود بالرجم
الحنفية - قالوا:
يجب أن يبدئ الشهود برجم الزاني أولاً ويجبرهم الإمام على ذلك، ثم الإمام، أو نائبه، ثم الناس بعد وهذا شرط لا بد منه في إقامة الحد، حتى لو امتنع الشهود عن رجم الزني يسقط الحد عن المشهود عليهما، ولا يحد الشهود حد القذف، لأن امتناعهم ليس صريحاً في رجوعهم، ولكنه شبهة في درء الحد. لأن امتناع الشهود عن رجم الزاني دليل على الرجوع في أقوالهم، فإن الشاهد ربما يتساهل في الأداء أولاً. ولكن عند مباشرة الفعل يتعاظم ذلك عليه، ويرق قلبه، ويرجع عن شهادته. فيرتفع الحد عن المتهمين، وفيه تثبيت وزجر، لما روي من حديث أبي بكرة أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم امرأة، وكان هو أول من رماها بحصاة مثل الحمصة، ثم قَالَ: (ارموها واتقوا الوجه) .
روي عن عامر الشعبي قَالَ: كان لشرحة زوج غائب بالشام، وأنها حملت فجاء بها مولاها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ، فقال: إن هذه زنت واعترفت فجلدها يوم الخميس مائة، ورجمها يوم الجمعة، وحفر لها إلى السرة، وأنا شاهد، ثم قَالَ: إن الرجم سنة سنها رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، ولو شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد، يشهد ثم يتبع شهادته حجره، ولكنها أقرت فأنا أول من رماها بحجر، ثم رمى الناس وأنا منهم، فكنت واللَّه فيمن قتلها.
أبو يوسف من علماء الحنفية - قال: إن بداءة الشهود مستحبة، وليست مستحقة، فإذا امتنعوا أو غابوا، أو ماتوا - يقيم الإمام الحد، ولا يتركه، لأنه ثبت بالشهادة. فيجب إقامته.
الشافعية - قالوا: يبدأ بالرجم الإمام، أو نائبه، ولا يشترط أن يبدأ الشهود، وليس له أن يرجم نفسه لأن من فعل موجب القتل لا يصح له أن يقتل نفسه - بل ذلك للإمام، أو نائبه -.
الحنابلة - قالوا: يجوز للإمام أن يحضر رجمه وأن لا يحضر. وكذا الشهود لأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أمر برجم ماعز، ولم يحضر رجمه.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #292  
قديم 13-11-2022, 01:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

رجوع الشهود
إذا شهد أربعة على رجل بالزنا بفلانة، وأربعة غيرهم شهدوا بالزنا بامرأة أخرى، فرجم، ثم رجع الفريقان. في شهادتهم ضمنوا ديته إجماعاً، وحدوا للقذف جميعاً، عند الإمام أبي حنيفة، وأبي يوسف.
والإمام مُحَمَّد بن الحسن - قال: يضمنون الدية، ولكن لا يقام عليه حد القذف.
الحنفية - قالوا: إذا رجع الشهود بعد الرجم حد الراجع وحده وغرم ربع الدية، وإذا رجع واحد منهم قبل إقامة الحد حدوا جميعاً، لأنه كان سبباً في قتل المتهم ظلماً.
إذا تبين عدم عدالة الشهود

اختلف الفقهاء فيما إذا حكم القاضي على الزاني بالجلد فمات أو جرح ثم تبين له أن الشهود غير عدول. بل هم ممجرحون. أو تبين أنهم فسقة، أو عبيد، أو غير مسلمين. أو أحدهم محدود في قذف أو أعمى: فإنهم يحدون باتفاق العلماء:

أبو حنيفة - قال: لا ضمان على القاضي فيما حكم به، ولا على الشهود ولا على بيت المال، وقال الصاحبان: الأرش والدية على بيت المال.
المالكية - قالوا: إن قامت البينة على فسقهم لا يضمن القاضي، وإن قامت البينة على الرق والكفر يضمن، وعليه الدية لعائلة الذي أقيم عليه الحد، لتفريطه. في التأكد من عدالة الشهود.
الشافعية، والحنابلة - قالوا: يجب على القاضي ضمان الدية فيما يحصل من أثر الضرب في حالة الجلد، أو الأرش في حالة الجرح.
واتفق العلماء على أنه إذا كان الحد الرجم. فرجم ثم ظهر أحد الشهود على ما ذكرنا. فديته على بيت المال، ويقام الحد على الشهود.
إذا مات الجاني من الجلد
المالكية - قالوا:
إذا سرى الموت إلى الجاني بسبب الجلد أو الضرب. إن كان الحاكم قد ظن السلامة من فعله فلا إثم ولا دية عليه. وإذا شك في السلامة ضمن ما سرى على نفس، أو عضو، أي ضمن الدية، وهي على العلاقة وهو يدفع كواحد منهم، فإن ظن عدم السلامة، فعليه القصاص، ويعلم ظن السلامة، أو عدمها، أو الشك، من إقرار الحاكم، ومن قرائن الأحوال، وذلك في حالة التأديب على المعاصي التي ليست فيها حدود، أما المعاصي التي يجب فيها إقامة الحد مثل جلد البكر بالزنا،أو شرب الخمر، أو حد القذف، وضربه ضرباً عادياً غير منفذ فلا يجب عليه شيء إذا مات من أثر ذلك.
فقد روي أن سيدنا عمر بن الخطاب بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها ففزعت منه فأسقطت فاستشار سيدنا عمر علياً كرم اللَّه وجهه في سقطها، فقال علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عليه الدية للجنين الذي مات من السقط. فأمر علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أن يضرب بها على قومه. ففعل.
فقد ذهب الصحابة رضوان اللَّه عليهم إلى أن الإمام وإن كانت له الرسالة العظمى، فعليه أن لا يتلف بها أحداً من غير إقامة حد، فإن تلف ضمن. وكان المأثم مرفوعاً عنه. لأنه مأذون في التأديب على الذنوب التي لا حد فيها، وفي حالة إقامة الحد يكون الضرب مؤلماً غير جارح ولا مهلك.
الحنفية - قالوا: لا ضمان على الشهود لأن الواجب بشهاداتهم هو الضرب غير المهلك، ولا على القاضي لأنه لم يقض بالضرب المهلك، بل يقتصر على الجلاد إلا إنه لا يجب عليه الضمان في الصحيح، لأنه لم يتعمده، وإذا لا يجب الضمان أصلاً.
خطأ الإمام في إقامة الحدود
واختلف العلماء فيما إذا حصل خطاء في حكم القاضي في الحدود والقصاص.
الحنفية - قالوا: ارش الخطأ والدية تكون في بيت مال المسلمين في حالة الخطأ، ولا غرامة على القاضي لأنه اجتهد فأخطأ، فلا ذنب عليه - روي أن الإمام علياً كرم اللَّه وجهه قَالَ: ما أحد يوت في حد فأجد في نفسي منه شيئاً، لأن الحق قتله، إلا من مات في حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، فمن مات فيه فديته إما على بيت المال، وأما على الإمام - شك من الرواي -.
المالكية - قالوا: إذا مات الشخص في حد من حدود اللَّه فدمه هدر، ولا ضمان فيه على أحد.
الشافعية والحنابلة - قالوا: روايتان عنهما - إحداهما - أن الضمان في هذه الحالة على بين المال ولا شيء على عائلة القاضي. والرواية الثانية: أن ضمان الدية تكون على القاضي وعائلته، ولا يذهب ماله هدراً، لأن القاضي مكلف بالمحافظة على أرواح الناس في حالة إقامة الحد، مثل قطع اليد في السرقة، فيجب عليه ألا يتعدى المكان، وأن يحسم الدم بأن يغمس في الزيت المغلي، ولا يضرب المجلود ضرباً مبرحاً يفضي إلى التلف، ولذلك يجب عليه الدية. لأن عمله أفضى إلى الموت فهو متسبب كالذي ضرب صيداً، فأصاب إنساناً. فتجب عليه الدية لأنه أخطأ في ضرب سهمه.
رجوع شهود الزنا والإحصان
إذا شهد أربعة بالزنا على رجل، وشهد اثنان بالإحصان، فأقام الحاكم الحد عليه ثم رجع الجميع في شهادتهم، شهود الزنا - وشهود الإحصان.
الحنفية - قالوا: تجب الدية على شهود الزنا الأربعة فقط، ولا ضمان على شهود الإحصان.
الشافعية - قالوا: الدية تجب أثلاثاً - الثلثان على شهود الزنا، والثلث على شهود الإحصان.
الحنابلة - قالوا: الدية تجب عليهم نصفان، على شهود الزنا النصف، وعلى شاهدي اٌحصان النصف الآخر لأن الحد إنما تم بشهادتهم جميعاً، فلو شهدوا بالزنا ولم يشهد عليه بالإحصان جلد، فشهادة الإحصان هي التي تسببت في قتله ظلماً من غير وجه حق. فيضمون معاً مناصفة.
المالكية - قالوا: فيه روايتان - أظهرهما أن الدية على شهود الزنا فقط، مثل الحنفية، وفي رواية عنهم: الدية مناصفة مثل قول الحنابلة.
فائدة
اتفقت كلمة العلماء على أن غير الإمام لا يجوز له أن يقيم الحد لقوله تعالى: {فاجلدوهم} فقد أجمعت الأمة على أن المخاطب بذلك هو الإمام، ثم احتجوا بهذا على وجوب نصب الإمام، لأنه سبحانه أمر بإقامة الحد، وأجمعوا على أنه لا يتولى إقامته إلا الإمام واجباً.

وإذا فقد الإمام فليس لآحد الناس إقامة هذه الحدود، بل الأولى أن يعينوا واحداً من الصالحين للحكم، يقوم به.
الشهادة على الشهادة
الحنفية والمالكية والحنابلة، وفي رأي عند الشافعية - قالوا:
إذا شهد أربعة على شهادة أربعة رجل بالزنا لم يحد لما فيها من زيادة شبهة لتحققها في موضعين، تحميل الأصول، وفي نقل الفروع، وإن كان الشرع اعتبر الشهادة على الشهادة، وألزم القضاء بموجبها في المال لكنها ضعيفة، ولا يلزم من اعتبارها في الجملة، اعتبارها في كل موضع كشهادة النساء، فإنها معتبرة صحيحة في ذلك وليست معتبرة في الحدود ولزيادة شبهة فيها، فالشهادة مع زيادة مثل تلك الشبهة معتبرة إلا في الحدود، وسببه أن يحتاط في درئها، فكان الاحتياط رد ما كان كذلك ولأنها بدل، واعتبار البدل في موضع يحتاط في إثباته، لا فيما يحتاط في إبطاله.
الشافعية، وفي رأي آخر - قالوا: إن الشهادة على الشهادة تقبل ويقام الحد بها، إذا تكاملت شروطها.
مبحث رجوع أحد الشهود بعد الشهادة
الحنفية - قالوا:
إذا رجع واحد من الشهود بعد القضاء، وقبل إقامة الحد حدوا جميعاً حد القذف، لن الامضاء من القضاء، فكان رجوعه قبل الإمضاء كرجوعه قبل القضاء، وتظهر ثمرة كون الإمضاء من الإمضاء من القضاء، فيما إذا اعترضت أسباب الجرح في الشهود، أو سقوط إحصان المقذوف، أو عزل القاضي يمتنع استيفاء حد القذف وغيره.
ولو رجع واحد من الشهود في شهادته قبل القضاء حدوا جميعاً، لأن كلامهم قذف في الأصل، وإنما يصير شهادة باتصال القضاء به، ولم يتصل به لأن رجوعهم منع من ذلك فبقي قذفاً، فيحدون حد القذف.
أما إذا امتنع الرابع عن أداء الشهادة فإنه يحد الثلاثة ولا يحد الرابع، ولا يكون الحد بسبب سكوت الرابع بل يقول الثلاثة انه زنى ولا ننظر إلى سكوت الرابع، فكل واحد يؤاخذ بذنبه لا بذنب غيره، لأنهم قذفة.
إذا كان الشهود خمسة
الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا:
إذا كان عدد الشهود خمسة فرجع أحدهم بعد رجم الزاني المشهود عليه لا شيء عليه من الحد والغرامة، لأنه بقي بعد رجوعه من يبقى بشهادته كل الحق، وهو شهادة الأربعة.
الشافعية - قالوا: عليه الغرامة، أي خمس الدية.
رجوع اثنين من الشهود

الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا: إذا كان الشهود في حد الزنا خمسة ورجم المشهود عليه ثم رجع اثنان من الشهود حد كل منهما حد القذف وغرما ربع الدية لورثة المرجوم، أما الرجم فلأن الشهادة تنقلب قذفاً للحال، لعدم بقاء تمام الحجة من رجوع الثاني، وأما الغرامة فلأنه بقي من يبقى بشهادته ثلاثة أرباع الحق، والمعتبر في قدر لزوم الغرامة، بقاء من بقي لا رجوع من رجع.
الشاقعية - قالوا: إن قَالَ الشهادان اللذان رجعا في شهادتهما أخطأنا، وجب عليهما قسطهما من الدية، وفيه وجهان، في وجه خمساها وفي وجه آخر ربعها، كما قَالَ الأئمة الثلاثة.
أما إذا قالا: تعمدنا الكذب والشهادة فإنهما يبطلان بالرجوع، حداً.
رجوع المزكين للشهود
اتفق الأئمة على أنه: إن شهد أربعة على رجل بالزنا وزكوا، بأن قَالَ المزكون هم أحرار مسلمون عدول، أما لو اقتصروا على قولهم عدول، فلا ضمان على المزكين إن ظهروا عبيداً، فإذا زكوا كما ذكرنا فرجم ثم ظهر بعضهم كافراً أو عبداً فإما أن يستمر المزكون على تزكيتهم قائلين هم أحرار مسلمون فلا شيء عليهم اتفاقاً، وإن قالوا: أخطأنا في ذلك فلا يضمنون لظهور كفر أحدهم، فربما طرأ الكفر بعد أداء التزكية.

الحنفية - قالوا: إذا قَالَ المذكون: تعمدنا فقلنا هم أحرار مسلمون مع علمنا بخلاف ذلك منهم فيضمنون، وتكون الدية على المزكين، وخالف الصاحبان في ذلك فقالا على بيت المال.
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا: في هذه الصورة السابقة لا ضمان على المذكين بل الدية على بيت المال، لأنهم لو ضمنوا لكل ضمان عدوان، والضمان يكون بالمباشرة أو التثبت، وعدم المباشرة ظاهر، وكذلك التسبب، لآن سبب الإتلاف الزنا وهم لم يثبتوه، وإنما اثنوا على الشهود خيراً، فصار كما لو أثنوا على المشهود عليه بالإحصان فكما لا يضمن شهود الإحصان بعد رجم المشهود عليه به، إذ ظهر أنه غير محصن لأنه لم يثبت السبب، كذلك لا يضمن المذكون.
وحجة الإمام أبي حنيفة في وجوب الضمان عليهم، أن الشهادة بالزنا إنما تصير حجة موجبة للحكم بالرجم على الحاكم، بالتزكية، فكانت التزكية في معنى علة العلة للإتفلاف وعلة العلة كالعلة في إضافة الحكم إليها، على ما عرف بخلاف الإحصان فإنه ليس موجباً للعقوبة، ولا لتغليظها، بل الزنا هو الموجب، فعند الإحصان يوجبها غليظة لأن كفران نعمة اللَّه، فلم تضف العقوبة إلى نفس الإحصان الذي هو النعمة، بل إلى كفران النعمة، فكانت الشهادة به شهادة بثبوت علامة على إستحقاق تغليظ العقوبة، والسبب هو وضع الكفران في موضع الشكر.
وقالوا: لا يسقط لفظ الشهادة في التزكية، ولا يشترط مجلس القضاء، ولا يشترط العدد عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال الإمام محمد: يشترط في التزكية الإثنين في سائر الحقوق، والأربعة في الزنا، ويجوز شهادة رجل وامرأتين، في الإحصان، ثم لا يحد الشهود حد القذف، لأنه قذفوا حياً فمات، ولا يورث استحقاق حد القذف، وإذا ظهروا عبيداً ورجعوا وجب تعزيزهم بالإتفاق.

من قتل المحكموم عليه بالرجم

الحنفية - قالوا: إذا شهد أربعة على رجل بالزنا، فأمر القاضي برجمه فقتله رجل عمداً، أو خطأ بعد الشهادة قلب التعديل، يجب القود على القاتل في العمد، والدية في الخطأ على عاقلته، وكذا إذا قتله بعد التزكية قبل بالرجم، أما إذا حكم القاضي برجمه فقتله رجل عمداً، أو خطأ فلا شيء عليه، وإن قتله بعد القضاء ثم وجد الشهود عبيداً، أو كفاراً، أو محدودين في قذف، فالقياس أن يجب القصاص، لأن قتل نفساً محقونة الدم عمداً، لكنه لما ظهر أن الشهود عبيد تبين أن القضاء لم يصح، ولم يصر مباح الدم، وقد قتله بفعل لم يؤمر به، إذ المأمور به الرجم، وقد حزر رقبته، فلم يوافق أمر القاضي ليصير قتله منقولاً إليه مقصوراً عليه.
وفي الإستحسان تجب الدية لأن قضاء القاضي بالرجم نفذ من حيث الظاهر، وحين قتله كان القضاء صحيحاً. فأورث شبهة الإباحة، وهذا لأنه لو نفذ ظاهراً وباطناً تثبت حقيقة الإباحة، فإذا نفذ من وجه دون وجه تثبت شبهة الإباحة بخلاف ما لو قتله قبل القضاء لأن الشهادة لم تصر حجة فيقتص منه في العمد، فصار كمن قتل إنساناً على ظن أنه حربي وعليه علامتهم، ثم ظهر أنه مسلم فعليه الدية في ماله لأنه عمد، والعاقلة لا تعقل العمد، وتجب في ثلاث سنين، لأنه وجب بنفس القتل، وما يجب بنفس القتل يجب مؤجلاً كالدية، بخلاف ما وجب بالصلح عن القود حيث يجب حالاً، لأنه مال وجب بالعقد لا بنفس القتل، أم إذا رجمه ذلك الرجل حتى قتله رجماً، ثم وجدوا أن الشهود عبيد تجب الدية في بيت المال لأنه نفذ حكم القضاء.

حكم نظر الشهود إلى فرجي الزانين

اتفق الأئمة الأربعة على أنه إذا شهد أربعة بالزنا، وقالوا: تعمدنا النظر إلى فرجيهما قبلت شهادتهم لأنه لضرورة ثبوت القدرة على إقامة الحسبة، والنظر إلى العورة عند الحاجة لا توجب فسقاً، كنظر القابلة والحاضنة والختلن والطبيب والإحتقان والبكارة في العنة والرد بالعيب، والمرأة في حق المرأة أولى، وإن لم توجب ستر ما وراء موضع الضرورة.
أما إذا قَالَ الشهود: تعمدنا النظر إلى فرجيهما للتلذذ بالنظر، فإنه لا تقبل شهادتهم بالإجماع.
إذا كان الشهود أقل من أربعة
وإذا شهد على الزنا أقل من أربعة لا يثبت الزنا، ولا يجب إقامة الحد، واختلفوا في حد الشهود، قَالَ بعضهم: لا يجب على الشهود حد القذف، لأنه جاؤوا مجيء الشهود، قَالَ ولآنا لو حددنا لانسد باب الشهادة على الزنا، لأن كل واحد لا يأمن أن لا يوافقه صاحبه فيلزمه الحد.
الحنفية - قالوا: يجب حد القذف على الشهود، إذا كانوا أقل من أربعة، لأن الشاهد الواحد لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة من الشهداء فوجب عليه الحد لقوله تعالى {والذين يومون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} ، ولما روي أن المغيرة بن شعبة شهد عليه بالزنا عند عمر بن الخطاب أربعة: أبو بكرة، ونافع ونفبع، وقال زياد وهو رابعهم رأيت استاً تنبو ونفساً يعلو ورجلاها على عاتقه كأذني حمار، ولا أدري ما وراء ذلك، فجلد عمر الثلاثة ولم يسأل هل معهم شاهد آخر؟ لأنه تبين أنه كان نأئماً مع زوجته.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #293  
قديم 13-11-2022, 03:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 76 الى صــــــــ
81

الحلقة (247)


مبحث الإقرار بالزنى

-ومن يتبع أحاديث الرجم الذي وقع في زمن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، وزمن الخلفاء الراشدين، فإنه يجد أن مرتكب الجريمة هو الذي كان يذهب بنفسه ويعترف بأنه زنى، وكان مع هذا يناقش مناقشة تذل على عدم الرغبة في توقيع العقوبة، فكأن هذه العقوبة لا تنفذ إلا على من أراد أن يطهر نفسه من هذه الفاحشة، ومن إثم الإعتداء على عرض غيره (1)
__________

(1) (اتفق الأئمة الأربعة: على أن الزنا يثبت بالإقرار، سواء أكان المقر ذكراً أم أنثى، وسواء أكان محصناً، أم غير محصن، وسواء أكان حراً أم عبداً، بشرط أن يكون بالغاً عاقلاً مميزاً، غير مستكره على إقراره.
اشتراط العدد في الإقرار
الحنفية والحنابلة، وابن أبي ليلى - قالوا: يشترط العدد في الإقرار بالزنا، ولا يثبت إلا بإقراره أربع مرات على نفسه، مرة بعد مرة، مع وجود العقل والبلوغ، لأن الشرط طلب التثبيت في إقامة الحدود، فإن اللَّه تعالى يحب بقاء العالم أكثر من ذهابه، كما أشار إليه بقوله تعالى {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على اللَّه} أي اترك القتل، إذا ركن أعدائك إلى السألة وعدم الحروب، وقال اللَّه تبارك وتعالى {من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً} ولأن إزهاق الأرواح من الكبائر لا يصح الإقدام عليه إلا بعد التثبت والتأكد من الأسباب الدافعة عليه.
ولأنهم اعتبروا الإقرار مثل الشهادة، فكأنما أوجب الشارع في الشهادة على الزنا أربعاً على خلاف المعتاد في جميع الحقوق، فكذلك يعتبر إقراره أربعاً، إنزالاً بكل لإقرار بمنزلة شهادة واحدة، وقد ورد الإقرار أربعاً في حديث ماعز وغيره.
المالكية والشافعية - قالوا: يكفي في وجوب الحد عليه إقراره بالزنا مرة واحدة، ولا يشترط العدد، كغيره من سائر الأحكام كالقتل والسرقة وشرب الخمر وغيرهم، وبه قَالَ داود والحسن البصري والطبري وجماعة من العلماء المحققين في الفقه، وحجتهم ما جاء في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وزيد بن خالد من قول النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم في حديث العسيف (واغد يأنس على امرأة هذا، فإذا اعترفت فارجمها) فغدا عليها أنيس فاعترفت فأمر النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم بها فرجمت، ولم يذكر العدد ولأن الإنسان إذا أقر على نفسه بما يوجب الجلد أو الرجم دل هذا على صدقه في قوله، فلا يحتاج إلى التكرار عدة مرات، بل يكفي مرة واحدة فإن هذا الإعتراف، لا يقع إلا من أهل الإخلاص في اليقين، وأصحاب الإيمان الصادق، وقليل ماهم.
فلما رأيناه شهد على نفسه، حملناه على كمال الإيمان وصدق اليقين بالعذاب وأنه ما طلب التطهير بلإقامة الحد عليه إلا لتحققه في نفسه أنه وقع في الزنا، وخاف من عذاب اللَّه يوم القيامة، فيقبل اعترافه، ولو مرة واحدة، ولا حاجة للتكرار والعدد وإنما رد النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم ماعزاً عدة مرات، لأنه شك في أمره، لذلك قَالَ له: (أبك جنون) ، وسأل أهله عنه.
الإقرار في مجالس مختلفة
والذين قالوا باشتراط العدد في الإقرار اختلفوا في كونه في أربعة مجالس.
الحنابلة وابن ليلى - قالوا: يكتفي بالإقرار أربع مرات ولو في مجلس واحد.
الحنفية - قالوا: يشترط كون الإقرار أربع مرات في أربعة مجالس من مجالس المقر واستدلوا على مذهبهم بما روي في صحيح مسلم عن أبي بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن ماعز بن مالك أتى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فرده، ثم أتاه الثانية من الغد فرده، ثم أرسل إلى قومه فسألهم هل تعلمون بعقله بأساً؟ فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحنا، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضاً فأخبروه بأنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابة حفر له حفرة فرجمه.
وما روي عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جاء الأسلمي النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مرات كل ذلك يعرض عنه، فأقبل في الخامسة، فقال: (أنكتها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: كما يغيب المرود في المكحلة وكما يغيب الرشاء في البئر؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فهل تدري ما الزنا؟ قَالَ: نعم، أتيت منها حراماً مثل ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً قَالَ: فما تريد بهذا القول؟ قَالَ: أريد أن تطهرني. فأمر به فرجم فسمع النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر اللَّه عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما ثم سار ساعة، حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا نحن ذان يَا رَسُولَ اللَّه فقال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: ومن يأكل من هذا يَا رَسُولَ اللَّه؟ فقال: فما نلتما آنفاً أشد من الأكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها) .
فقد صرح الحديث بتعداد المجيء في مجالس متفرقة، وتعدد الافراد كل مرة بعد رده.
ويؤيده ما روي من أحاديث أخرى بأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لم يقبل من المقر بالزنا إقراره مرة واحدة بل طلب تكرار الإقرار منه حتى يتأكد له أنه صادق في إقراره، مصر على إقامة الحد، روي البخاري رحمه اللَّه تعالى عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أتى رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجل من الناس وهو في المسجد فناداه يَا رَسُولَ اللَّه إني زنيت، فأعرض عنه النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال: يَا رَسُولَ اللَّه إني زنيت، فأعرض عنه فجاء لشق وجه النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: (أبك جنون؟ قَالَ: لا يَا رَسُولَ اللَّه، فقال: أحصنت؟ قَالَ: نعم يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: اذهبوا به فارجموه) .
فهذا نص صريح على تعداد الإقرار أربع مرات، عسى أن يرجع المقر عن إقراره ستراً له.
وروي في مسند الإمام أحمد رحمه اللَّه تعالى عن أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ لماعز بن مالك بحضرته صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: إن اعترفت الرابعة رجمك.
وما روي عن أبي داود والنسائي أنه قَالَ: كان أصحاب رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم يتحدثون أن الغامدية، وماعز بن مالك، لو رجعا عن اعترافهما لم يطلبهما بعد الرابعة.
وأجابوا عن حجة الشافعية والمالكية بأن ما ورد في بعض الروايات أنه أقر مرة ومرتين وثلاثاً، فهو تقصير من الراوي، ومن قصر فليس بحجة على من حفظ.
وأما قولهم في حديث العسيف، فإن اعترفت فارجمها، فمعناه الاعتراف المعهود في حد الزنا، بناء على لأنه كان معلوماً بين الصحابة، خصوصاً لمن كان قريباً من خاصته صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، وعلم أن حكم الإقرار أربعاً مثل "أنيس" رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ.
مناقشة المقر
وإذا أقر الزاني، أربع مرات، سأله القاضي عن الزنا ما هو؟ وكيف هو؟ وأين الزنا،؟ وبمن زنى؟ فإذا بين ذلك كله وصرح به لزمه الحد، لتمام الحجة عليه، ولم يشترط السؤال عن الزمان، كما اشترط في شهادة الشهود لأن تقادم العهد يمنع قبول الشهادة دون الإقرار.
وقيل: لو سأله عن الزمان لجاز، لاحتمال أن يكون قد وقع في الزنا في صباه، أو قبل إسلامه.
إقرار الرجل بأنه زنا بامرأة لا يعرفها
ومن أقر أربع مرات في أنه زنى بامرأة لا يعرفها يقام عليه الحد بإجماع العلماء.
وكذا إذا أقر أنه زنى بفلانة، وهي غائبة عن البلد الذي يقيم فيه، يجب عليه الحد لحديث العسيف، لأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أقام عليه الحد حين اعترف أمامه بالزنا ثم أرسل إلى المرأة بعد ذلك، ولأنه أقر بالزنا ولم يذكر ما يسقط كون فعله زنا، ولم توجد شبهة ترد عنه الحد، بل إن إقراره قد تضمن أنه لا ملك له في المرأة المزنى بها، لأنه لو كان له ملك فيها لعرفها، ولو كان عنده شبهة لذكرها، لأن الإنسان لا يجهل زوجته، أو أمته.

الإقرار بالزنا لا يتعدى صاحبه

ومن أقر أنه زنى بفلانة، وكذبته، وقالت: لا أعرفه اختلف العلماء في حكمه.
الإمام أبو حنيفة - قال: لا يقام الحد على الرجل، ولا على المرأة، لوجود شبهة تدرأ الحد، وهو الإنكار، ويقام عليه حد الفرية فقط "ثمانين جلدة" وأجيب عن ذلك بأنه لا يبطل إقراره.
المالكية، والشافعية، والحنابلة، والصاحبان - قالوا: يقام الحد على الرجل فقط وهو حد الزنا، ولا يؤخذ إقراره حجة على المرأة التي زنى بها، ولا يقام عليه حد القذف.
فقد روى الإمام أحمد في صحيحه، وأبو داود، عن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن رجلاً جاء إلى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فأقر بالزنا بامرأة سماها، فأرسل رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم في طلبها، فسألها عما قال: فأنكرت، فأقام الحد عليه، وتركها، ولم يقم عليها الحد.
وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما (أن رجلاً من بكر بن ليث أتى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فأقر أربع مرات أنه زنى بامرأة، فجلده مائة جلدة وكان بكراً، ثم سأله البينة على المرأة فقالت: كذب يا رسول اللَّه، فجلده حد القذف ثمانين) .
وهذا من يسر الدين الإسلامي، وسماحته ودقته في تحري الحقائق، ودرء الحدود.
وقال بعضهم: يحد الرجل حد القذف، وحد الزنا، وفاء بحق الخالق، والمخلوق.

إقرار المرأة بالزنا

إذا أقرت المرأة بالزنا أربع مرات عند الحاكم، وقالت: مع فلان وذكرت اسمه، وكذبها الرجل. وقال: ما زنيت بها، ولا أعرفها.
الإمام أبو حنيفة رحمه اللَّه - قال: لا يقام الحد على المرأة، ولا على الرجل، وذلك لأن الحد انتفى في حق المنكر بدليل موجب للنفي عنه، فأوردت شبهة الانتفاء في حق المقرة. حيث إن الزنا فعل واحد فيما بينهما، فإن تمكنت فيه الشبهة تعدت إلى طرفيه.
المالكية، والشافعية، والحنابلة، والصاحبان - قالوا: يقام الحد على المرأة المقرة بالزنا لأن الإقرار حجة فيما في حق المقر، وعدم ثبوت الزنا في حق الغير، لا يورث شبهة العذم في حق المقر، كما لو كان غائباً عن البلد وسمته، وادعت عليه، وهو الراجح.
الإقرار على الأخرس أو الخرساء
ومن أقر بأنه زنى بامرأة خرساء، لا تنطق، أو أقرت بأنها زنت برجل أخرس.

الإمام أبو حنيفة رحمه اللَّه - قال: لا يقام الحد على واحد منهما لوجود الشبهة التي تعدت إلى طرفه الآخر.

الأئمة الثلاثة والصاحبان - قالوا: يقام الحد على المقر، دون الأخرس، أو الخرساء وذلك لإتمام الإقرار على نفسه، فيثبت الحد عليه، دون الآخر، لعدم إقراره.

مبحث إقرار الأخرس

اتفق الأئمة على أن الأخرس إذا أقر بالزنا بكتابة، أو إشارة، ولو كانت مفهومة، لا يقام عليه الحد، للشبهة بعدم الصراحة في الإقرار، وهي تدرأ الحد عن الزاني.
واتفقوا كذلك: على أن الشهادة على الأخرس بالزنا لا تقبل، لاحتمال أن يدعي شبهة على الشهادة. بخلاف الأعمى.
فقد اتفق العلماء: على أنه يصحإقرار الأعمى بالزنا، ويقام عليه الحد، وتصح الشهادة عليه وتقبل.
الرجوع في الإقرار
ومن أقر بالزنا ثم رجع في إقراره اختلف الأئمة في حكمه.
الحنفية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: إذا رجع المقر بالزنا في قوله، يقبل رجوعه ولا يقام عليه الحد. ويترك سواء وقع عليع بعض الحد، أو لم يقع، لأنه ثبت أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قرر ماعزاً، ورده مرة بعد مرة، لعلهيرجع في إقراره، ولا يعود إليه، وفي ذلك ستر عليه وهو خير، وورد أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَالَ للغامدية بعد إقرارها، لعله قبلك أو كذا، وفيه إشارة إلى قبول رجوعها بعد الإعتراف، وقول الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه (ادرؤوا الحدود بالشبهات) ورجوع المقر فيه شبهة.
وخالفهم في ذلك ابن ليلى، وعثمان البتي وقالا: لا يقبل رجوعه، ويقام عليه الحد.
المالكية - قالوا: إن رجع عن الإقرار بشبهة قبل رجوعه، ولا يقام عليه الحد، أما إذا رجع في إقراره من غير وجود شبهة، فلا يقبل لإقراره. وقيل: يقبل وهو الراجح.
ورى الخمسة والترمذي واللفظ له قَالَ: جاء ماعز رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: انه قد زنى فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر، فقال إنه زنى فأعرض عنه، ثم جاء من شقه الآخر، فقال: إنه قد زنى، فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة، فلما وجد مس الحجارة فر يشتد، فلقيه رجل معه لحي جمل فضربه به، وضربه الناس حتى مات، فذكروا ذلك للنَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فقال: (هلا تركتموه، وفي رواية قَالَ له: أبك جنون؟ قَالَ: لا - وفي أخرى، ليعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت؟ فقال: لا. قَالَ: أحصنت؟ قَالَ: نعم، فأمر برجمه) .
وقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (هلا تركتموه يشير إلى يقوط الحد بالفرار، وقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم في الرواية الثالثة لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت، تعريض من رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم له بالرجوع عن الإعتراف، والستر على نفسه، ولكنه لم يرجع حتى قَالَ له تبكيتاً، هلا نكتها؟ قَالَ: نعم. فأمر برجمه) .
فكل هذه الروايات وغيرها تفيد بأن المقر بالزنا إذا رجع في إقراره قبل منه، وكان ذلك توبة له، ولا يقام عليه الحد، حيث ان الإسلام يحب الستر، ويكره إشاعة الفاحشة) .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #294  
قديم 13-11-2022, 03:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 81 الى صــــــــ
94

الحلقة (248)


مبحث الشبهات في الزنى

-على أنه إذا وجد مع امرأة لا زوج لها فإن له أن يدعي أنه تزوجها، وذلك شبهة تدرأ الحد في بعض المذاهب (1) .
__________
(1) (الشبهة: هي ما يشبه الثابت وليس بثابت، وقد وقع خلاف بين الفقهاء في بعض الأفعال: هي شبهة صالحة للدرء أم لا؟ وكون الحد يحتال في درئه بالاستفسار عنه حتى يتضح قصد الزاني. أأخطأ في التهم أم لا، أكانت عنده شبهة الحل وقت أن وقع في الخطأ أم لا؟ ومن المعلوم أن هذه المناقشات وهذه الاستفسارات المفيدة لقصد الاحتيال للدرء كانت بعد الثبوت، لأنه كان بعد صريح الإقرار لقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (ادرؤوا الحدود بالشبهات) .
الحنفية قالوا: الشبهة عندهم قسمان، شبهة الفعل، وهي واقعة في ثمانية مواضع وهي:
- 1 - أن يطأ جارية أبيه، وأمه، أو جده، أو جدته، وإن علا، لشبهة الملك.
- 2 - أن يطأ جارية زوجته، لشبهة أن مال الزوجة ملك للزوج.
- 3 - أن يطأ المطلقة ثلاثاً وهي في العدة، لزوال الملك المحلل من كل وجه فتكون الشبهة منطقية لقوله تعالى {وإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} ولإجماع الأمة على حرمة الزوجة بعد الطلاق الثلاث.
ولكن يرفع الحد إذا قَالَ ظنت أنها تحل له لأن الظن في موضعه حيث أن أثر الملك قائم له في حق النسب، فإن ولدها يثبت له إذا جاءت به لأقل من سنتين. وله حسبها عن الخروج، ويجب عليه نفقتها، ويحرم نكاح أختها في هذه العدة، ويحرم عليه زواج أربعة سواها، وتمنع شهادة كل منهما لصاحبه. فأمكن أن نقيس حل الوطء على بعض هذه الأحكام فنجعل الاشياء عليه عذراً في سقوط الحد عنه.

- 4 - أن يطأ المطلقة طلاقاً بائناً على مال. لثبوت الحرمة بالإجماع.
- 5 - أن يطأ زوجته "المنخلعة" أي التي خلعت نفسها من زوجها، وردت إليه المهر الذي دفعه لها. وذلك لوقوع الخلاف بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم، في كون الخلع، يكون فسخاً للعقد، أم طلاقاً بائناً.
- 6 - أن يطأ أم ولده التي أعتقها، وهي في العدة، لشبهة بقاء ملكه لها، ولثبوت نسب ولدها منه.
- 7 - أن يطأ العبد جارية مولاه، لأن بين العبد وبين سيده انبساطاً في الانتفاع فيظن أن من هذا الانبساط جواز الاستمتاع بجواريه. فكان شبهة.
- 8 - والمرتهن يطأ الجارية المرهونة عنده، لأن عقد الرهن لا يفيد ملك المتعة بحال، فقيامه لا يورث شبهة حكمية قياساً على الإجارة، فإنها لا تفيد ملك المتعة بحال. فما أورث قيامها في المحل شبهة حكمية، وعلى هذا كان يجب عليه الحد اشتبه أو لم يشتبه، كما في الجارية المستأجرة للخدمة، إلا أنه لا يجب عليه الحد إذا اشتبه عليه، وقال ظننت الحل، لأنه موضع اشباه، لأن ملك المال في الجملة سبب لملك المتعة، وإن لم يكن سبب ملك المتعة بحال. فقد اشتبه عليه ما لا يشتبه، فيجب عليه الحد ظن الحل أم لا؟
ففي هذه المواضع وما أشبهها لا يقام الحد على الزاني إذا قَالَ: إني فعلت ذلك العفل وأنا أعتقد في قرارة نفسي أنها حلال لي، ولا حرمة في هذا العمل - ولو علمت حرمته لما فعلته.

أما إذا قَالَ: عملت هذا العمل وأنا أعلم أنها علي حرام، وأنها لا تحل لي، فيجب أن يقام عليه الحد - أما إذا ادعى أحدهما ظن الحل، والآخر لم يدع، فلا حد عليهما أيضاً حتى يقرا معاً أنهما كانا يعلمان الحرمة، وذلك لأن الشبهة إذا ثبتت من أحد الجانين تعدت إلى الآخر بالضرورة.
والشبهة الثانية عند الأحناف - تكون في المحل - وهي ست مواضع:

- 1 - إذا وطأ جارية ابنه، أو ابن ابنه، وإن سفل وإن كان حياً، وذلك لقول الرسول صلوات اللَّه عليه وعلى آله وسلم للولد الذي شكا إليه أباه (أنت ومالك لأبيك) ولأنه يثبت نسب ولد الجارية من سيدها، ومن والد سيدها وجده، وإن كان الولد الذي هو سيد الأمة حياً.
- 2 - إذا وطأ زوجته المطلقة بائناً بالكنايات كأن قَالَ لها: أنت خلية، أو أمرك بيدك، فاختارت نفسها، ونحوها، ثم وطئها في العدة. وذلك لاختلاف الصحابة رضوان اللَّه عليهم في الكناية، فمذهب سيدنا عمر أن الكنايات رجعية، وكذا مذهب ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما. ففي مصنف عبد الرزاق، حدثنا الثوري عن منصور حدثني إبراهيم عن علقمة، والأسود، أن ابن مسعود جاء إليه رجل، فقال: كان بيني وبين امرأتي كلام فقالت: لو كان الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع، قَالَ: فقلت لها، قد جعلت أمرك بيدك. فقالت أنا طالقة ثلاثاً، قَالَ ابن مسعود: أراها واحدة، وأنت أحق بالرجعة. وسألنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال: ماذا قلت؟ قَالَ: قلت أراها واحدة، وهو أحق بها قَالَ: وأنا أرى ذلك، وزاد من طريق آخر ولو رأيت غير ذلك لم تصب.

وأخرج ابن أبي شيبة عنهما في مصنفه أنهما قالا: في البرية، والخلية، هي تطليقة واحدة، وهو أملك برجعتها.
ومن مذهب الإمام علي كرم اللَّه وجهه في خلية، وبرية، أنها ثلاث على ما أخرجه عنه ابن أبي شيبة.
- 3 - والجارية المرهونة في حق المرتهن، وفي رواية، لأنه انعقد له فيها سبب الملك، لأنه بالهلاك يصير مستوفياً حقه من وقت الرهن، وإذا كان كذلك فقد انعقد له فيها سبب الملك في الحال، ويحصل حقيقة الملك عند الهلاك.

- 4 - إذا وطأ الجارية المشتركة بينه وبين غيره. لأنه وطأ جارية انعقد له فيها سبب الملك لأن الشراء سبب لملك المتعة، فقد دفع له فيها شبهة تمنع عنه وجوب الحد.
- 5 - إذا وطأ البائع جاريته المبيعة قبل تسليمها إلى المشتري.
- 6 - إذا وطأ الجارية المجعولة مهراً قبل أن يسلمها إلى زوجته، لأن الملك فيها لم يستقر للزوجة ولا للمشتري. والمالك كان مسلطاً على وطئها بتلك اليد مع الملك.
وملك اليد ثابت، والملك الزائل مزلزل، فهي شبهة في حقيقة الملك بحكم الشرع.
ففي جميع هذه المواضع التي ذكرناها لا يجب إقامة الحد على الواطئ، وإن قَالَ: علمت أنها علي حرام. لأن المانع من إقامة الحد هو الشبهة، وهي هنا قائمة في نفس الحكم، أي الحرمة القائمة فيها شبهة أنها ليست بثابتة نظراً إلى دليل المحل. والزنا أمر محظور، فلا يثبت بالظن، ولا مع الشبهة القوية، بل لابد فيه من التحقيق، والتثبت من غير شك ولا ريبة، وقد أوصانا رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم بالتثبت في هذا الحكم، حتى لا تزهق الأرواح البريئة بغير حق فقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (ادرؤوا الحدود بالشبهات) وقد قَالَ بعض الفقهاء هذا الحديث متفق عليه، وقد تلقته الأمة بالقبول.
واسند ابن أبي شيبة عن ابراهيم النخعي قَالَ: قَالَ عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (لأن أعطل الحدود بالبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات) . وهو الحريص على إقامة شعائر الإسلام.
وأخرج عن معاذ بن جبل، وعبد اللَّه بن مسعود، وعقبة بن عامر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم قالوا: إذا اشتبه عليك الحد فادرأه.
وبما روي في البخاري من قول رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (ومن اجترأ على ما يشك فيه من الاثم، أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى اللَّه تعالى، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه) ومعناه أن من جهل حرمة شيء وحله، فالورع أن يمسك عنه، ومن جهل وجوب أمر وعدمه، فلا يوجبه، ومن جهل أوجب الحد أم لا؟ وجب أن يقمه، وسواء أكان هذا قبل ثبوت الحد، أم بعد ثبوته، لأن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَالَ لماعز، لما أقر بالزنا: (لعلك قبلت، لعلك لمست، لعلك غمزت) كل ذلك يلقنه أن يقول: نعم بعد إقراره بالزنا بين يديه. وشؤال أهله عنه أهو عاقل أم به جنون؟ وسؤاله عن كيفية الفعل، حتى قال: أنكتها؟ قَالَ نعم كما يكون الميل في المكحلة: وليس لذلك فائدة إلا كونه إذا قالها تركه، وإلا فلا فائدة ولم يقل لم أعترف عنده بدين - لعله كان وديعة عندك فضاعت. ونحو ذلك.

وكذلك قوله للسارق الذي جيء به إليه أسرقت؟ ما أخاله سرق، وقوله للغامدية حينما جاءت واعترفت له بالزنا وهي حامل مثل ذلك، وردها من مجلسه حتى تلد، عسى أن لا ترجع إليه بعد طول هذه المدة، وأن لا تطالبه بإقامة الحد عليها.
وطذلط ما روي عن الصحابة رضوان اللَّه عليهمفي درء الحدود، فقد روي أن الإمام علياً كرم اللَّه وجهه قَالَ لشراحة التي أقرت بالزنا وظهر الحمل عليها لعله وقع عليك وأنت نائمة، لعله استكرهك، لعل مولاك زوجك منه، وأنت تكتمينه، الخ..
وذكلك قول سيدنا عمر بن الخطاب للمرأة، التي جاءت إلى الراعي وطلبت منه لبناً، فلم يعطها حتى مكنته من نفسها، فلم يقم عليها الحد، بل قَالَ: دفع إليها مهرها واعتبر ذلك شبهة تدرأ الحد عنها وعنه.

ولم يكن من سنة رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أن يأخذ بالظنة، ولا يقيم الحد إلا بعد التأكد.
فقد روي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما (أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لاعن بين العجلاني وامرأته، فقال شداد بن الهاد، هي المرأة التي قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: لو راجماً أحداً بغير بينة لرجمتها، قَالَ: لا. تلك مرأة كانت قد أعلنت في الإسلام) متفق عليه.
والمعنى أنها كانت تعلن بالفاحشة بين المسلمين، ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا إقرار. فلم يقم عليها الحد، بالاشاعة.
وروي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (لو كنت راجماً أحداً بغير بينة رجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها، وهيئتها، ومن يدخل عليها) رواه ابن ماجة وقد احتج به من لم يحد المرأة بنوكها عن اللعان.
وقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (لو كنت راجماً بغير بينة لرجمتها) فيه دليل واضح وصريح على أنه لا يجب إقامة الحد بالتهم، لأن إقامة الحد إضرار كبير بمن لا يجوز الإضرار به، وإلحاق العار والفضيحة به وبأهله. وهذا قبيح عقلاً وشرعاً، فلا يجوز إلا ما أجازه الشارع الحكيم كالحدود والقصاص. وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين، ورفع الشك والشبهة، من قلب الحاكم، لأن مجرد الحدس والتخمين لا ينفع في إقامة الحدود وإزهاق الأرواح، والتهمة، والشك مظنة الخطأ والغلط. وما كان كذلك فلا يستباح به إيذاء المسلم، وإلحاق الضرر به وإيلامه، وتشويه سمعته، وإهدار كرامته.
عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين، ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العقو، خير من أن يخطئ في العقوبة) رواه الترمذي.
وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم.
وروي عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قبل عذر رجل زنى في بلاد الشام، وادعى الجهل بتحريم الزنا، ولم يقم عليه الحد لهذه الشبهة، التي يستطيع أن يتذرع بها كل أحد.
وروي أيضاً عنه وعن سيدنا عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنهما عذرا جارية زنت وهي أعجمية، وادعت أنها لم تكن تعلم تحريمه.
وقد روي عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، لما لاعن بين هلال بن أمية وبين زوجته حين اتهمها بشريك بن السحماء قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (اللهم بين) .
قَالَ أنس: فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها، ومع هذا الدليل لم يقم رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم الحد، لأن البينة لم تقم. ولم يحصل منها اعتراف، ومجرد ظهور الحمل عليها لا يقوم دليلاً على إقامة الحد، وقد درأ عنها وقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (لولا الإيمان لكان لي ولها شأن) . ولم يلحق الولد بالرجل الذي اتهم بأنه كان عندها.
فهذا الأمر الخطير الذي يفضي إلى هلاك النفوس لابد فيه من البينة أو الإقرار حتى يثبت على فاعله.
اتفق الأئمة الأربعة: على أن الحدود تدرأ بالشبهات، ولكنهم اختلفوا في هذه الشبهات.
من وجد على فراشه امرأة فوطئها
الحنفية قالوا:
إذا وجد الرجل على فراشه امرأة فظن أنها امرأته فوطئها ثم تبين له أنها أجنبية عنه، يحد الرجل في هذه الحال، لأنها ليست بشبهة حيث أنه يمكن معرفة زوجته بكلامها، وجسمها،وحركتها، ولمسها، ومس جلدها، فلا تكون هناك شبهة تدرأ عنه الحد، وإذا ادعى أنه ظن ذلك صدق بيمينه.
وكذلك الأعمى إذا دعا زوجته إلى فراشه فأجايته امرأة أجنبية، ولم تقل له أنا فلانة ثم جامعها، وتبين له بعد ذلك أنها أجنبية عنه، يقام عليه الحد، ولا يعتبر هذا شبهة فقد يكون الأعمى، والظان فطناً، حاذقاً، لا يخفى عليه زوجته من غيرها.
فأراد علماء الأحناف سد هذا الباب، حتى لا يكون وسيلة إلى انتشار الفساد في المجتمع. شفقة على دين الأمة حتى لا يتجرأ المفسدون على فعل ذلك عمداً، ويزعمون أنه لا يجب عليهم الحد، لوقوع هذه الشبهة عندهم، فمجرد وجود امرأة على فراشه لا يكون دليل الحل ليستند إلى الظن.
المالكية، والشافعية، والحنابلة، قالوا: لا يقام الحد في هاتين الحالتين، لوجود شبهة لهما، وقيام العذر المجوز للإقدام على الوطئ في الجملة، لوجودها على فراشه، وإجابة طلبه وقياسه على "المزفوفة" لجامع الحل في كل.
إذا وعد جاريته فأتته غيرها
الحنفية، والمالكية، والحنابلة، قالوا:
إذا تواعد رجل مع جاريته، فجائته جارية أجنبية في المكان والموعد المحدد، فوطئها من غير علم بها، ثم ظهر له أنها أجنبية بعد جماعها. فلا يقام عليهما الحد لوقوع هذه الشبهة، حيث سبق أن ضرب لها موعداً، وحدد لها مكاناً.
الشافعية - قالوا: يقام الحد على المرأة في هذه الحال لأنها زنت وهي تعلم، وكذلك الرجل، لما روي أن رجلاً كان قد واعد جارية له مكاناً في خلاء، فعملت جارية أخرى بذلك، فأتته فحسبها جاريته فوطئها ثم علم بها بعد ذلك. فأتى عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقال له: ائت علي بن أبي طالب فسأل علياً كرم اللَّه وجهه، فقال له: أى أن تضرب الحد في خلاء، وتعتق رقبة، وعلى المرأة حد الزنا.
من زفت إليه غير امرأته
اتفق الأئمة الأربعة:
على أن الرجل إذا زفت إليه، غير امرأته ليلة الدخول بها، وقال له النسوة: هي امرأتك. فوطئها ثم تبين له أنها ليست زوجته، وأنه غرر به عليه الحد لوجود هذه الشبهة، ويجب عليه المهر، وعلى المزفوفة العدة ويثبت النسب، ولا يحد قاذفه، بذلك حكم سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ولأن الرجل لا يرف امرأته أول مرة إلا بإخبار النساء له، فقد اعتمد دليلاً شرعياً، مبيحاً للوطء، ولأن الملك ثابت له من حيث الظاهر بإخبارهن، ولأن قول الشاهد الواحد مقبول ويعمل به المعاملات.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #295  
قديم 13-11-2022, 03:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 81 الى صــــــــ
94

الحلقة (249)


ظهور الحمل على امرأة لا زوج لها
الحنفية - قالوا:
إذا ظهر على المرأة الحرة حمل، ولا زوج لها، أو كانت أمة لا زوج لها ولا سيد. يسألونها، فإذا قالت: استكرهت على الزنا، أو وطئت بشبهة، يقبل قولها ولا يقام عليها الحد، لأنها بمنزلة من أقر ثم ادعى الاستكراه.
واحتجوا على ذلك بما جاء في حديث شراحة، أن الإمام علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لها: لعله استكرهك؟ قالت: لا. قَالَ لعل رجلاً أتاك في نومك؟ وهكذا.
ولأن الشرع يحب الستر في الحدود.
وروي أن سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قيل له: إن امأة ادعت أنها ثقيلة النوم وأن رجلاً استكرهها ثم تركها فمضى عنها، ولم تدر من هو بعد. فلم يقم عليها الحد، وقبل عذرها، لهذه الشبهة.
ولا خلاف بين أهل الإسلام في أن المستكرهة، لاحد عليها، وإنما اختلفوا في وجوب الصداق لها.
وسبب الخلاف هو: هل الصداق عوض عن البضع، أو نحلة؟
فمن قَالَ: هو عوض عن البضع أوجبه في البضع الحلال والحرام.
ومن قَالَ: إنه نحلة خص اللَّه به الأزواج، لم يوجبه إلا على الزوج خاصة.

الشافعية - عندهم روايتان أظهرهما، أنها لا تجب عليها الحد، وإن لم تأت في دعوى الاستكراه بأمارة تدل على صدقها، ولم تأت في دعوى الزوجية ببينة، لأن الحد لا يثبت إلا بشهود أو لإقرار، ولم يثبت هنا، ولأن الحدود تقسط بالشبهات، وهذه شبهة فمجرد الحنل لا يثبت به الحد. بل لا بد من الاعتراف، أو البينة.

المالكية - قالوا: إن كانت المرأة مقيمة بالحي، وليست طارئة، فإنه يقام عليها الحد، ولا يقبل قولها إلا ان يظهر ذلك، بأن تأتي بأمارة على استكراهها أو تقيم البينة على زواجها، أو شيء مما يظهر به صداقها، لأن الحد ثبت بالحمل، فلا يرفع إلا ببينة.
أما إذا كانت المرأة طارئة، قبل قولها، لوجود شبهة، وعدم التوثق في ثبوت حدها.
زنا المحصن بغير المحصنة
إذا زنا رجل محصن، حر، ببكر، أو بأمة، أو بمستكرهة.
قَالَ جمهور جمهور العلماء:
على المحصن في هذا كله الرجم، لعدم وجود شبهة تدرأ الحد، وعلى المرأة البكر الجلد، مائة جلدة، وعلى الأمة، خمسون جلدة. وليس على المستكرهة شيء.
إكراه السلطان
ومن أكرهه السلطان حتى زنا بامرأة، فلا حد عليه، لأن السبب الملجئ إلى الفعل قائم، وهو قيام السيف، وكذا المرأة المكرهة، لا تحد بالإجماع.
فإن حصل الإكراه من غير السلطان. اختلف فيه.

الحنفية - قالوا: يقام عليه الحد، لأن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بعد انتشار الآلة فيه، وهذه علامة الطواعية، والرضا.
الشافعية، والمالكية، والحنابلة، - والصاحبان - قالوا: لا يقام الحد على المكره بغير السلطان.

استكراه الرجل المرأة على الزنا
الشافعية - قالوا:
إذا استكره الرجل المرأة على الزنا، أقيم عليه الحد، ولا يقام عليها، لأنها مستكرهة، مغلوبة على أمرها، ولها مهر مثلها، حرة كانت أو أمة، ويثبت النسب منه إذا حملت المرأة وعليها العدة.
فإذا كانت أمة نقصت الإصابة من ثمنها شيئاً، قضى عليه مع المهر بما نقص من ثمنها.
وأما إذا كانت حرة فجرحها جرحاً له أرش، قضي عليه بأرش الجرح.
وكذلك لو ماتت من وطئه كانت عليه دية الحرة. وقيمة الأمة، والمهر.
استئجار المرأة للزنا
الحنفية - قالوا:
إذا استأجر الرجل امرأة للزنا - قبلت، ووطئها، فلا يقام الحد عليهما ويعزران بما يرى الإمام، وعليهما إثم الزنا يوم القيامة. لما روي أن امرأة طلبت من راعي غنم في الصحراء أن يسقيها، لبناً - فأبى أن يعطيها اللبن حتى تمكنه من نفسها، ونظراً لضرورتها وحاجتها إلى الطعام قبلت المرأة. ووطئها الراعي - ثم رفع الأمر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فدرأ الحد عنهما وقال: ذلك مهرها، وعد هذا استئجار لها. ولأن الإجارة تمليك المنافع، فأوردت شبهة عندهما. ولأن اللَّه تبارك وتعلى قد سمى المهر أجراً في كتابه العزيز فقال تعالى: {فأوتوهن أجورهن فريضة} فهو كمن قَالَ: أمهرك كذا فهو نكاح فاسد.
وسواء كان المؤجر لها، وليها، أم سيدها، حرة كانت، أو أمة، إذا لم تكن في عصمة رجل.
ولأن عقد الإجارة عنده شبهة تدرأ الحد عنه، مع أنه يحرم الإقدام على ذلك.
الصاحبان قالا: يجب إقامة الحد عليهما. لأن منافع البضع لا تملك بالإجارة فأصبح وجود الإجازة، وعدمها سواء، فلا تعد شبهة تدرأ الحد عنهما. وصار الرجل كأنه وطأها، من غير شرط، وذلك الرأي هو الراجح المعمول به في المذاهب.
المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا: يقام الحد عليهما، ولا يصير الاستئجار شبهة تدرأ الحد عنهما، لأن حد الإجارة لا يستباح به الفرج شرعاً، وعرفاً، فصار كما لو استأجرها، للطبخ ونحوه من الأعمال، ثم زنا بها، فإنه يقام عليه الحد في هذه الحال. من غير خلاف من أحد من العلماء.
من زنا بكراً ومحصناً
الحنفية، والمالكية، والشافعية - وفي رواية عن الحنابلة - قالوا:
لو زنا رجل وهو بكر، ثم زنا بعد ذلك، وهو محصن، قبل إقامة الحد عليه فلا يجمع عليه الجلد والرجم وإنما يجب عليه إقامة حد الرجم خاصة، لأنه لا فائدة في الجلد مع وجوب قتله ورجمه، حيث لا يحصل منه الانزجار.
الحنابلة - قالوا: في رواية عنهم: إنه يجب الجمع بين الجلد أولاً، والرجم بعد ذلك تنفيذاً للحدين، حتى يكون عبرة لغيره. وحتى نأخذ لكل فعل حده.
العقد على المرأة في عدتها
المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا:
إذا عقد رجل على امرأة وهي في عدة زوجها الأول ودخل عليها، فإنه يجب عليه إقامة الحد. فإن كان بكراً جلد مائة جلدة وإن كان محصناً رجم بالحجارة.
ولا يكون هذا العقد شبهة تدرأ الحد عنهما.
الحنفية - قالوا:
لا يجب عليهما إقامة الحد، وإنما يجب عليهما التعزير حيث ان العقد شبهة مقبولة تدرأ الحد عنها، والحدود تدرأ بالشبهات.
العقد على الخامسة
المالكية - قالوا:
إذا عقد رجل على امرأة خامسة ومعه أربع نسوة. فإن كان يعلم بحرمتها أقيم عليه الحد، أما إذا جرى العقد ولم يعلم بتحريمها فلا يقام عليه الحد، ويكون عدم علمه شبهة تدرأ الحد عنه.
ولا يعمل بقول الخوارج الذين قالوا: إنه بجوز العقد على تسع نسوة، مستدلين، بجمع النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لثمان نسوة ولا يكون ذلك خصوصية له، لأنه قدوة لنا نقتدي به، ويحتجون بقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} .
والرد عليهم، بأن الزيادة على الأربع من خصوصيات الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه وبأن حرف "الواو" في الآية بمعنى "أو" التي للتخير لا للجمع.
وبما روي أن رجلاً أسلم وتحته عشر نسوة، فأمره النبي أن يمسك أربعاً ويفارق الباقي.
العقد على المحارم
المالكية، والشافعية، والخنابلة، وأبو يوسف، والإمام محمد من الحنفية - قالوا:
إذا عقد رجل على امرأة لا يحل له نكاحها، بأن كانت من ذوي محارمه، كأمه وأخته، مثلاً، أو محرمة من نسب أو رضاع، ثم وطأها في هذا القعد، وهو عالم بالتحريم، فإنه يجب عليه إقامة الحد، لأن هذا العقد لم يصادف محله، لأنه لا شبهة فيه عنده، ويلحق به الولد.
الإمام أبو حنفية - قال: لا يجب عليه إقامة الحد، وإن قَالَ: علمت أنها علي حرام، لكن يجب عليه بذلك المهر، ويلحق به الولد، ويعاقب عقوبة هي أشد ما يكون من أنواع النعزير سياسياً لا حد مقدراً شرعاً، إذا كان عالماً بذلك.
فإذا كان يجهل الحكم ولم يعلم بالحرمة، فلا حد، ولا عقوبة، تعزير. والقول الراجح قول الجمهور.
وعلى هذا الخلاف كل محرمة برضاع أو مصاهرة. ومحل الخلاف أن هذا العقد يوجب شبهة أم لا؟.
فعند الجمهور لا. وعند الإمام أبي حنيفة وسفيان الثوري وزفر نعم، يوجب شبهة. ومدار كونه يوجب شبهة على أنه ورد على ما هو محله أولا. فعند الجمهور لم يرد على محله، لأن محل العقد لا يقبل حكمه، وحكمه الحل، وهذه من المحرمات في سائر الحالات فكان الثابت صورة العقد، لا انعقاده، لأنه لا انعقاد في غير المحل، كما لو عقد على ذطر مثلاً.
والفتوى على قول الأئمة الثلاث والصالحين، لأنه الراجح.
قَالَ العلماء: والعقد ليس شبهة وإنما هو جناية توجب العقوبة، انضمت إلى الزنا.
الزنا بالمحارم
ومن زنا بالمحارم سواء أكان بالمصاهرة، أو بالقرابة، أو بالرضاع، قَالَ سيدنا جابر بن عبد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: يضرب عنقه، ويضم ماله إلى بيت المال عقوبة له على ما فعل وزجراً لغيره، عن الوقوع في هذه الجناية الخطيرة.

ونقل عن الإمام أحمد وإسحاق: وجوب قتله سواء أكان بكراً أم محصناً، إذا كانت المفعول بها امرأة أبيه، لحديث البراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حيث قَالَ: لقيت خالي ومعه راية. فقلت له: (أين تريد؟ فقال: بعثني رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم إلى رجل نكح امرأة أبيه، أن أضرب عنقه، وآخذ ماله) رواه أبو داود والترمذي. وقال حديث حسن.
وروى ابن ماجة عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَالَ: (من وقع على ذات محرم منه، فاقتلوه) لأنه اعتبر مسنحلاً لما حرم اللَّه، مرتداً عن الإسلام فحل قتله، وضم ماله إلى بيت مال المسلمين. وذلك لازم للكفر.
والحديث الشريف يشمل كل ناكح، وكل زان بمحرمه، وقد أجمع العلماء على أن من نكح محرماً، بأي نوع من أنواع المحارم المؤبدة، فإنه يقتل حيث انه خرج عن الفطرة الإنسانية وانحط إلى درجة الحيوان الأعظم. وأصبح ساقط فاقد الكرامة عديم الشرف والشعور فيقتل جزاء هذا الفعل الشنيع الذي تنفر منه العقول السليمة.
وقد روي عن معاوية بن قرة عن أبي أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم بعث جدَّ "معاوية" إلى رجل عرس بامرأة ابنه. (أن يضرب عنقه ويخمس ماله) وهذا دليل على أنه استحل ذلك الفعل. فارتد بسببه عن الإسلام، ولأنه وطئ في فرج محرم، مجمع على تحريمه من غير ملك، ولا شبهة ملك. والواطئ أهل للحد، عالم بالتحريم، فيجب إقامة الحد عليه.
إذا وطئ السيد أمته المتزوجة
الحنفية، والمالكية، والشاقعية - قالوا:
إذا وطئ السيد أمته المتزوجة برجل آخر، فإنه لا يجب عليه إقامة الحد، لوجود شبهة الملك السابق، فيدرأ عنه الحد.
الحنابلة - قالوا: يجب إقامة الحد عليه، ولا يقبل عذره، لعدم قيام شبهة الملك. حيث أنها تزوجت، وخرجت عن ملكه، وأصبحت في عصمة غيره، وصارت محرمة عليه بيقين، ولا قيام بشبهة عنده بعد أن خرجت من ملكه، وحرمت عليه بالإجماع من غير خلاف.
جهل الرجل بحالة المرأة
الشافعية - قالوا:
لو أن رجلاً أخذ مع امرأة أجنبية عنه، وكانا في خلوة فاعترف أنه نكحها، وقال انه لا يعلم أن لها زوجاً، أو أنها في عدة من زوج، أو أنها قريبة له ذات محرم، أو أنها أخته من الرضاع، أو أنها أم زوجته، فإنه يحلف على ذلك، فإذا حلف اليمين يدرأ عنه الحد، ولا يقام عليه لوجود هذه الشبهة التي ادعاها، ويلزمه دفع المهر. وكذلك المرأة إذا ادعت الجهالة بأن لها زوج، أنها في عدة، أحلفت وبعد اليمين تقبل دعواها، ويدرأ عنها الحد وإن نكلت عن حلف اليمين حدت.
أما إذا قَالَ الرجل: أنا أعلم أن لها زوجاً، أو أنها في عدة من زوج، أو أنها ذات محرم وأعلم أنها محرمة علي، ففي هذه الحالة يجب أن يقام عليه حد الزنا، ويلزمه مهرها، وإذا اعترفت المرأة بأنها تعلم أنها متزوجة، وفي عصمة زوجها، أو أنها لم تنقض عدتها، وغير ذلك أقيم عليها حد الزنا لعدم وجود الشبهة.

المالكية - قالوا: يجب الحد عليه إذا وطئ معتدة منه بعد العدة، أو في عدة من غيره، وإذا وطئ أختاً تزوجها على أختها فإنه يؤدب إلا إذا قَالَ: لا أعلم الحكم فإنه يعذر بجهله، واختلف في إقامة الحد عليه إذا أكره على الزنا بامرأة وكانت طائعة ولا زوج لها ولا سيد، والشمهور أنه يحد، أما إذا كان لها زوج أو سيد فإنه يحد انفاقاً لحق الزوج والسيد.
من وطئ جارية زوجته
الحنفية - قالوا:
إذا وطئ الرجل جارية زوجته بإذان منها: فإن قَالَ: ظننت أنها علي حلال قبل قوله، وصار شبهة فلا يقام الحد عليه، لأن مال الزوجة فيه شبهة الملك للزوج خصوصاً إذا اذنت له الزوجة في نكاحها. فكأنها أعطته حق الملك.
أما إذا قَالَ الرجل علمت التحريم، فإنه يقام عليه الحد، لعدم وجود شبهة تدرأ الحد عنه.
المالكية، والشافعية - قالوا: يقام الحد عليه فيجلد إن كان غير محصن، ويرجم إن كان محصناً. لأنه وطء دون ملك تام، ولا شركة ملك، ولا شبهة نكاح، فوجب عليه الحد.
الحنابلة - قالوا: يجلد مائة جلدة وإن كان محصناً، ولا يرجم لوجود الشبهة، فيخفف عنه الحد ولكن لا يرفع الحد كما قَالَ الأحناف، لما رواه أصحاب السنن بسند حسن: أن رجلاً وقع على جارية امرأته فرفع إلى النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهو أمير على الكوفة، فقال: لأقضين فيك بقضية رسول اللَّه (إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة. وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك) .
زنا الحربي
الحنفية - قالوا
: إذا زنى الحربي - غير المسلم - بذمية، والمكره إذا زنا بمطاوعة، تحد الذمية والمطاوعة، ولايحد الحربي، ولا المكره، لحديث (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) . وإذا دخل الحربي دار الإسلام، فأسلم ثم زنى، وقال: ظننت أن الزنا حلال فلا يلتفت إلى قوله، ويقام عليه الحد، وإن كان قد فعله في أول يوم دخل فيه الدار، لأن الزنا محرم في جميع المذاهب والأديان.
زنا المجاهد
إذا وطئ الجندي المسلم المجاهد جارية من إماء المغنم قبل القسمة فلا يقام عليه الحد لوجود شبهة حيث لا يقام حد في أرض الحرب، ولا في حال الغزو، حتى لا يلحق بالعدو.

زنا أهل الكتاب

إذا زنا المشركان وهما ثيبان وثيت الزنا بالشهود أو الإقرار اختلف رأي الفقهاء فيه.
الحنفية، والمالكية - قالوا: لا يرجم واحد منها لعدم وجود الإحصان في المشرك، وإنما يعزران.
الشافعية، والحنابلة - قالوا: إذا تحاكم إلينا أهل الكتاب، وقبلوا أن نحكم بينهم في قضاياهم التي عرضوها علينا، وثبت الزنا على أحدهم يقام عليه الحد، ويرجم إن اكن محصناً، ويجلد البكر مائة جلدة، وينفى سنة كاملة بعيداً عن وطنه مسافة قصر، فقد روى نافع عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أنه رجم يهودياً، ويهودية بالمدينة المنورة - وقعا في الزنا - ثم احتكما اليه، وهذا معنى قول اللَّه تبارك وتعالى للنَبِيه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم {وإذا حكمت فاحكم بينهم بالقسط} وقوله تعالى {وإن احكم بينهم بما أنزل اللَّه} فلا يجوز أن يحكم بينهم في شيء من أمور الدنيا إلا بحكم المسلمين، لأن حكم اللَّه واحد بين عباده جميعاً لا يتغير.
عدم العلم بحرمة الزنا
الحنفية، والشافعية، والحنابلة - قالوا:

يشترط في إقامة حد الزنا أن يكون الزاني عالماً بحرمة الزنا، فلو قَالَ الشهود عليه بالزنا، وقت إقامة الحد عليه: إنه لا يعلم بتحريم الزنا، ولا علم له بحكمه، وحلف اليمين على ذلك، قبل قوله، لا يقام عليه الحد، لوجود شبهة تدرأ الحد عنه، لما روي أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم سأل الذي أقر عنده بالزنا، بقوله (فهل تدري ما الزنا؟) .
المالكية - قالوا: من قَالَ حين أقيم عليه الحد: لا أعلم تحريم الزنا شرعاً ولا دراية لي بحكمه وكان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء، لا يقام الحد عليه، لاحتمال صدقه في ذلك القول، وهو شبهة تدرأ الحد عنه.
وإن لم يكن كذلك، بأن كان قد مضى عليه زمن في الإسلام، يمكنه من التعليم والمعرفة أو نشأ ببادية قريبة من أهل العلم، واختلط بأهل الحضر المسلمين وسمع منهم عليه الحد حينئذ، ولا يقبل عذره بالجهل لظهور كذبه فيما ادعاه بعد إقراره بالزنا أمام المحاكم، أو بعد ثبوت الزنا عليه بشهادة الشهود.

وطء الأجنبية فيما دون الفرج

اتفق الأئمة على أن من وطئ امرأة أجنبية فيما دون الفرج بأن أولج ذكره في مغابن بطنها، ونحوه، بعيداً عن القبل، والدبر، لا يقام عليه الحد، ولكنه يعزر، لأنه أتى فعلاً منكراً يحرمه الشرع، وقد حكم الإمام علي كرم اللَّه وجهه على من وجد مع امرأة أجنبية مختلياً بها، ولم يقع عليها، بأن يضرب مائة جلدة تعزيراً له، لأنه من الأسباب التي توقع في الزنا ومن زنا بامرأة ميتة لا يقام عليه الحد، وإنما يعزر حسب ما يراه الإمام رادعاً له لأن النفوس البشرية تنفر منه لبشاعته، وهي لذة ناقصة فلا يقام عليه الحد.
إفساد المرأة على زوجها
إن الدين الإسلامي يحرم السعي بالفساد بين الزوجين، ويعتبره من أكبر الكبائر عند اللَّه وقد اختلف الفقهاء في حكم من أفسد امرأة على زوجها حتى طلقها.
المالكية - قالوا: إن من أفسد زوجة غيره ليتزوجها بعده، تحرم عليه تحريماً مؤبداً، معاملة له بنقيض قصده. وقد روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أنه قَالَ (من خبب على امرئ زوجته، أو مملوكه فليس منا) ومعنى - خبب - أي خدع، وأفسد.
الحنفية، والشافعية - قالوا: إن إفساد الزوجة على زوجها لا يحرمها على من أفسدها، بل يحل له زواجها، ولكن هذا الإنسان يكون من أفسق الفساق وعمله يكون من أنكر أنواع العصيان، وأفحش الذنوب عند الله عز وجل يوم القيامة.
روى الطبراني في الصغير والأوسط من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أفسد امرأة على زوجها فليس منا" أي ليس على هدينا، ولا على شريعتنا لأنه ارتكتب عملا مشينا، لا يقره الإسلام) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #296  
قديم 13-11-2022, 04:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 94 الى صــــــــ
101

الحلقة (250)

تشديد الشريعة في إثبات جريمة الزنا

-ولعل قائلا يقول: إن هذا لا يجعل للحد كبير فائدة لأن إثباته منوط بأربعة شهداء، والشهود الذين يعلمون أن من ورائهم حد القذف، وهل ترى أنه إذا وجد الزوج أجنبياً مع امرأته يتركها على هذه الحالة، ويخرج يتلمس الشهود، حتى إذا جاؤوا وجدوا الرجل قد قضى وطره من المرأة، وضاع حق الزوج؟.
والجواب: أن هذه الجريمة الشنيعة، والفاحشة المنكرة، لم يقتصر ضررها على الزانية والزاني وحدهما، بل يتعداهما إلى الأسرة بتمامها، فتهدم شرف قوم غافلين لا ذنب لهم ويعرضهم للمهانة والعار، وتسقطهم عن مرتبتهم المحترمة بين الناس.
فحرصا على كرامة الأسرة وصيانة لأعراض الناس شددت الشريعة الإسلامية في إثبات هده الجريمة، كي لا يجرؤ الناس على اتهام بعضهم بعضا بدون مبالاة.
وفي الوقت نقسه جعل لها أقصى عقوبة (إذا كان فاعلها محصنا) تقديرا لفظاعتها، وإشعارا للناس بأنها تساوي جريمة القتل.
وبذلك يزدجر المؤمنون الذين يخافون الله تعالى، ويخشون غضبه وبطشه ويحسبون لغيرته على عباده حساباً.
فالمؤمن الذي يقرأ قول الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه كجهنم خالدا فيها، وغضب الله علي ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} .
ويعلم أن حد الزنا يساوي القتل، فإنه يدرك عظم المسؤولية إذ افلت من عقوبة الزنا.
ولهذا ذهب بعض المؤمنين حقا" إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه واعترف بجريمة الزنا الموجبة للقتل، لينجو من عذاب الآخرة بالحد الدنيوي (1)
مبحث اللعان
-أم حق الزوج فإن الشارع لم يهمله في هذه الحالة بل جعل له حداً معقولاً، يدفع عنه أذى الغضب والغيظ من جهة، ويشكك الناس في أمر الزوجة فلا تتأذى أسرتها بشرها من جهة أخرى.
وبيان ذلك أن الأجنبي إذا رمى امرأة عفيفة، أو رجلا عفيفا بالزنا، ولم يأت بأربعة شهداء كان جزاؤه أن يحد حد القذف، (ثمانين جلدة) .
أما الزوج فإنه إذا ادعى أن امرأته قد زنت، فان الشارع لم يكلفه الإثبات كالأجنبي إذ لا مصلحة للزوج العاقل في قذف زوجته واتهامها بالزنا جزافا"، فان عار ذلك - وان لم يلحقه هو دائما لإمكانه أن يتخلص منها - لكنه يلحق أبناءه فانه، فإنه لم يكن له منها أبناء وبنات، فانه يضن بكرامته عن الامتحان بين الناس مؤقتا، ولهذا لم يسو الله عز وجل بين الزوج وبين الأجنبي، إذا اتهم زوجته، فشرع لهما في هذا الحالة (اللعان) وهو أن يقول الزوج أما القاضي: اشهد بالله أنني صادق فيما رمينها به من الزنا، ويكرر ذلك أربع مرات، ثم يقول بعد ذلك: لعنة الله عليه، إن كان من الكاذبين.
وتقول الزوجة: اشهد بالله بأنه لكاذب فيما يرميها به من الزنا، وتكرر ذلك أربع مرات، ثم تقول: أن غضب الله عليها أن كان من الصادقين (2) .

__________
(1) (أخرج أبو داود والنسائي وعبد الرزاق في مصنفه عن آبي هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: جاء الأسلمي، نبي الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه انه أصاب امرأة حراما، أربع مرات كل ذلك يعرض عنه، فأقبل في الخامسة فقال انكحتها؟ قال: نعم. قال حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم. قال: كما يغيب المرود في المكحلة، وكما يغيب الرشاء في بئر؟ قال: نعم، قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من امرأته حلالا، قال: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر به رجم. وكذلك جاء إليه ماعز بن مالك واعترف بالزنا وجاءت إليه الغامدية واعترفت بالزنا - وذلك يدل على خوفها من الله تعالى ومن عذابه) .
(2) (قال الفقهاء: يسن للإمام أن يقوم بوعظ المتلاعنين قبل اللعان تحذيراً لهما من الكذب، وتخويفا لهما من الوقوع في المعصية، كما فعل النبّي صلى الله عليه وسلم حينما قذف هلال بن أمية زوجته بالزنا مع شريك بن السحماء، فتلا عليه آيات الله تعالى، ووعظه، وذكره بعقاب الله تعالى، واخبره بأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال الرجل: لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعا المرأة فوعظها وخوفها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قالت: لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب، ثم تلاعنا بعد ذلك وكان هذا أول لعان وقع في الإسلام.
واتفق الأئمة على أن من السنة أن يبدأ الإمام بالرجل في اللعان كما حكاه الإمام المهدي في البحر ولكنهم اختلفوا في الوجوب.
الشافعية، وأشهب من المالكية، والحنابلة - قالوا: يجب على الإمام أن يبدأ في اللعان بالرجل، ولا يصح له أن يبدأ بالمرأة لأنه هو الذي اتهمها، ورفع الأمر إلى الحاكم، وطلب وقوع اللعان، فهو صاحب الدعوة.
وقد بدأ الله تعالى، بذكر الزوج في آيات اللعان قبل الزوجة، فقال تعالى: {والذين يرمون أزواجهم، ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} الآيات. ولان اللعان شرع لدفع الحد عن الرجل الذي قذفها بالزنا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للهلال بن أمية: (البينة وإلا حد في ظهرك) ، فلو بدأ اللعان بالمرأة لكان دفعا لأمر لم يثبت بعد.
الحنفية والمالكية وابن القاسم - قالوا: يسن الابتداء في اللعان بالرجل، ولكن لا يجب فلو وقع الابتداء بالمرأة قبل الزوج صح اللعان، واعتد به كالابتداء بالرجل، لأنه لم يترك واجبا، ولأن الله تعالى عطف آيات اللعان في القرآن بحرف الواو وهو لا يقتضي الترتيب، وصفة اللعان أن يبدأ الإمام بأزواج فيشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنا، ويقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتك به من الزنا، وإن كان القذف بالزنا ونفي الولد يقول: فيما رميتك به من الزنا ونفي الولد، وإن كان اللعان بنفي الولد فقط يقول فيما رميتك به من نفي الولد، لأنه المقصود باليمين، ثم تشهد المرأة أربع مرات تقول في كل مرة: أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، أو من نفي الولد، وتقول في الخامسة، غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا، وفي نفي الولد تذكره كذلك.
أول لعان في الإسلام
ذكر الجمهور أن قصة هلال بن أمية هي السبب في مشروعية اللعان في الدين الإسلامي لأنه أول رجل لاعن في الإسلام.
وقد حكى الماوردي أن قصة هلال بن أمية أسبق من قصة عويمر العجلاني وزوجته خولة بنت عاصم.

وقال الخطيب، والنووي، وتبعهما الحافظ، يحتمل أن يكون هلال قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا،ثم سأل بعده عويمر العجلاني فنزلت الآيات في شأنهما معا وقال أبن الصباغ في الشامل، قصة هلال بن أمية نزلت فيها الآيات الكريمة.
واختلف العلماء في الوقت الذي وقع فيه اللعان، فجزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان أنه كان في شهر شعبان سنة تسع من الهجرة.
وقيل: كان في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما وقع في البخاري عن سهل بن سعد أنه شهد قصة الملاعنة وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: كانت القصة سنة عشر ووفاته صلوات الله وسلامه عليه كانت في سنة إحدى عشر وروي عن ابن عمر قال: (فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني عجلان وقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب ثلاث) متفق عليه.
والمراد بقول: أخوي - الرجل وامرأته، قال ابن منده في كتاب الصحابة: واسم الرجل عويمر من بني بكر واسم المرأة: خولة بنت قيس، وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم.
تعريف اللعان
اللعان في اللغة:
الأبعاد، يقال: لعنه الله أي أبعده من رحمته، وهو مصدر لاعن يلاعن ملاعنة، وفي الشرع هو مختص بملاعنة تجري بين الزوجين بسبب مخصوص، بصفة مخصوصة.
واللعان شعيرة من شعائر الإسلام، وهو في حقه كحد القذف، فإن كان الزوج كاذباً التحق به كالحج، حتى لا تقبل شهادته بعد اللعان أبدا، وهو في حق الزوجة كحد الزنا وبهذا لا يثبت اللعان بالشهادة على الشهادة ولا بكتاب القاضي ولا بشهادة النساء كالحدود سواء بسواء، ولابد من طلبها، لأن الحق لها كما في حد القذف.
واللعان: خصلة من خصال الدين الحنيف، وحكم من أحكام الشريعة، ومن خصوصيات الأمة المحمدية، وقد كان موجب القذف الحد في الأجنبية والزوجة معا"، بقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة ابد" وأولئك هم الفاسقون} [آية 4 من سورة النور] .
ثم نسخ هذا الحكم في شأن الزوجات، ونقل إلى اللعان بقوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [آيات 6، 7، 8، 9 من سورة النور] .
وسبب نزول هذه الآيات الشريفة ما روي عن ابن عباس رحمهما الله تعالى أنه قال: لما نزل قول الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} قال عاصم بن عدي الأنصاري رضي الله تعالى عنه: (إن دخل منا رجل بيته فوجد رجلا على بطن امرأته، فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وخرج، وإن قتله قتل به، وإن قال: وجدت فلانا مع تلك المرأة ضرب، وإن سكت سكت على غيظ) ، اللهم افتح وكان لعاصم هذا ابن عم يقال عويمر، وله امرأة يقال لها: خولة بنت قيس، فأتى عويمر عاصما فقال لقد رأيت شريك بن السحماء على بطن امرأتي خولة، فاسترجع وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بهذا في أهل بيتي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ذاك؟) فقال: أخبرني عويمر ابن عمي بأنه رأى شريك بن السحماء على بطن امرأته خولة، وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بنو عاصم.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعا وقال لعويمر: اتق الله في زوجتك وابنة عمك ولا تقذفها، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسم بالله أني رأيت شريكا على بطنها وأني ما قربتها منذ أربعة أشهر، وأنها حبلى من غيري، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقي الله، ولا تخبري إلا بما صنعت) ، فقالت: يا رسول الله إن عويمرا رجل غيور، وإنه رأى شريكا يطيل النظر إلي ويتحدث معي، فحملته الغيرة على ما قال، فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودي الصلاة جامعة فصلى العصر ثم قال لعويمر: (قم وقل أشهد بالله أن خولة لزانية، وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثانية قل: أشهد بالله أني رأيت شريكا على بطنها، وإني لمن الصادقين، ثم قال في الثالثة قل: أشهد بالله أنها حبلى من غيري وإني لمن الصادقين، ثم قال في الرابعة قل: أشهد بالله أنها زانية وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين، ثم قال في الخامسة قل: لعنة الله على عويمر - يعني نفسه - إن كان من الكاذبين فيما قال، ثم قال اقعد، وقال لخولة قومي فأقمت وقال: أشهد بالله ما أنا زانية، وإن زوجي عويمرا لمن الكاذبين، وقالت في الثانية: أشهد بالله ما رأى شريكا على بطني وإنه لمن الكاذبين، وقالت في الثالثة: أشهد بالله أني حبلى منه وإنه لمن الكاذبين وقالت في الخامسة: غضب الله على خولة إن كان عويمر من الصادقين في قوله. ففرق رسول الله بينهما) .
واعلم أنه إذا رمى الرجل امرأته بالزنا يجب عليه الحد إن كانت محصنة والتغرير إن لم تكن محصنة كما في رمي الأجنبية لا يختلف موجبهما، غير أنهكا يختلفان في المخلص، ففي قذف الأجنبي لا يسقط الحمد عن القاذف إلا بإقرار المقذوف، أو ببينة تقوم على الزنا وفي قذف الزوجة يسقط عنه الحد بأحد هذين الأمرين أو باللعان، وإنما اعتبر الشرع اللعان على هذه الصورة دون الأجنبيات لوجهين:
الأول: أنه لا معرة عليه في زنا الأجنبية والأولى له الستر عليها، أما إذا وقع الزنا على زوجته فيلحقه العار والنسب الفاسد، فلا يمكنه الصبر عليه، وتوقيفه على البينة كالمعتذر، فلا جرم خص الشرع هذه الصورة باللعان.
الثاني: أن الغالب في المتعارف من أحوال الرجل مع امرأته أنه لا يقصدها بالقذف إلا عن حقيقة، فإذا رماها نفس الرمي يشهد بكونه صادقاً، إلا أن شهادة الحال ليست بكاملة قضم إليها ما يقومها من الإيمان، كشهادة المرأة لما ضعفت قويت بزيادة العدد والشاهد الواحد يتقوى باليمين على قول كثير من الفقهاء.
إذا نكل الزوج أو الزوجة عن اللعان
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا:
إذا قذف الزوج زوجته، فالواجب هو الحد، ولكن المخلص منه باللعان، كما أن الواجب في قذف الأجنبية الحد، والمخلص منه بالشهود، فإذا امتنع الزوج عن اللعان يلزمه الحد للقذف، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأهل بن أمية حين قذف زوجته: (إما البينة وإما إقامة الحد عليك) ، فإذا لاعن الزوج وامتنعت الزوجة عن اللعان يلزمها حد الزنا، وإذا صدقته يقام عليها حد الزنا أيضا، لأن الزاني يحد عندهم بالإقرار مرة واحدة، وإن القرآن الكريم ذكر أن مقتضى قذف الأجنبيات الإتيان بالشهود أو الجلد، فكذا موجب قذف الزوجات الإتيان باللعان أو الجلد، فكذا موجب قذف الزوجات الإتيان باللعان أو الحد ولإن قوله تعالى: {ويدرأ عنها العذاب} يدل على أنه الحد، ثبت أنها لو لم تلاعن لحدت وأنها بالإتيان باللعان دفعت عنها الحد، وهو العذاب، وكأن المرأة تقول: إن كان الرجل صادقاً فحدوني، وإن كان كاذباً فخلوني، فما بالي والحبس وليس حبسي في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله ص، ولا في إجماع الأمة ولا في القياس.
ولأن الزوج قذفها ولم يأت بالمخرج من شهادة غيره أو شهادة نفسه، فوجب عليه الحد لقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم} وإذا ثبت ذلك في حق الرجل ثبت في حق المرأة، لأنه لا قائل بالفرق، ولأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال لخولة حينما رماها زوجها بالزنا: (فالرجم أهون عليك من غضب الله تعالى) .
الحنفية - قالوا: إذا امتنع الرجل عن اللعان حبس حتى يلاعن، لأنه إذا كذب نفسه فيما رماها به من الزنا، سقط اللعان، وإذا سقط اللعان وجب عليه الحد، لأن القذف لا يخلو من موجب، فإذا سقط اللعان صرنا إلى حد القذف، إذا هو الأصل في الباب.
وإذا لاعن الرجل وجب على المرأة اللعان بنص القرآن الكريم، فإذا امتنعت عن اللعان وعن الإقرار حبست حتى تلاعنه، أو تصدقه فلا حاجة إلى اللعان، ولا يجب عليها حد الزنا، لأن من شرطه أن يقر الزاني أربع مرات مثل الشهادة، ولأنها ما فقلت شيئا" سوى أنها تركت اللعان، وهذا الترك ليس ببينة على الزنا، ولا إقراراً منها به، فوجب ألا يجوز رجمها لقول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل رجم امرئ إلا بإحدى ثلاث) الحديث. وإذا لم يجب الرجم إذا كانت محصنة لم يجب الجلد في غير المحصنة لأنه لا قائل بالفرق، ولأن النكول ليس بصريح في الإقرار فلم يجز إثبات الحد به كاللفظ المحتمل للزنا ولغيره.
من يصح لعانه
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا:
من صح يمينه صح لعانه، فيجري اللعان بين الحرين، والعبدين، والعادلين، والفاسقين، والذميين، والمحدودين، أو أحدهما رقيقاً، أو كان الزوج مسلماً والمرأة ذمية!.
وحجة الأئمة الثلاثة في ذلك قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} فهو يتناول الكل، ولا معنى للتخصيص ولأن القياس طاهر من وجهين:
الأول: أن المقصود من اللعان دفع العار عن النفس ومدفع ولد الزنا عن النفس، وكما يحتاج غير المحدود - أي العدل - إليه، فيجوز له اللعان.
والثاني: أجمعنا على أنه يصح لعان الفاسق والأعمى وإن لم يكونا من أهل الشهادة فكذلك أقول في غيرهما، والجامع هو الحاجة إلى دفع عار الزنا.
الحنفية - قالوا: إذا لم يكن الزوج من أهل الشهادة بأن كان عبداً، أو محدوداً في قذف، أو كافراً، لا يصح لعانه، وكذلك الزوجة إذا كانت ممن لا يجب على قاذفها الحد إذا كان أجنبيا"، نحو أن تكون الزوجة مملوكة، أو ذمية، أو محدودة في قذف، أو صبية، أو مجنونة، أو زانية، فلا حد عليه ولا لعان لان المانع من جهتها، فصار كما إذا صدقته في قوله الذي رماها به.
وعلى الحاكم أن يعزر الزوج في هذه الحالة لأنه ألحق الشين بها، ولم يجب الحد عليه لذا العذر فوجب عليه التعذير حسما لهذا الباب، وحفظا للأعراض.
وإذا لم يكن الزوج من أهل الشهادة كما ذكرنا، ورمى زوجته بالزنا، فيجب أن يقام عليه حد القذف لآن اللعان امتنع من جهته فيرجع إلى الموجب الأصلي.
وان لم يكونا من أهل الشهادة، بأن كانا محدودين في قذف حد الزوج لأن اللعان امتنع من جهته.
واحتج الأحناف بما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من النساء ليس بينهن وبين أزواجهن ملاعنة: اليهودية والنصرانية تحت المسلم، والحرة تحت المملوك، والمملوكة تحت الحر) .
ولأن الواجب على الذي يقذف الزوجة أو الأجنبية الحد بقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات} ثم نسخ ذلك الحكم عن الأزواج قائما مقام الحد في الأجنبيات لم يجب اللعان على من لا يجب عليه الحد لو قذفها أجنبي.
ولأن اللعان شهادة، فوجب أن لا يصح إلا من أهل الشهادة، إنما قال الأحناف: إن اللعان شهادة لوجهين: الأول قوله تعالى: {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} فسمى الله تعالى لعانهما شهادة، كما قال تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} ، وقال تعالى: {فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} .
الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام حين لاعن بين زوجين آمرهما باللعان بلفظ الشهادة، ولم يقتصر على لفظ اليمين، إذا ثبت ذلك في المحدود ثبت في العبد والكافر، أما الإجماع على أنهما ليسا من أهل الشهادة أو لأنه لا قائل بالفرق فقد أجاب الشافعية بأن اللعان ليس شهادة في الحقيقة، بل هو يمين لأنه لا يجوز أن يشهد الإنسان لنفسهن ولأنه لو كان اللعان شهادة كما قال الأحناف لكانت المرأة تأتي في اللعان بثمان شهادات لأنها على النصف من الرجل، ولأنه يصح اللعان من الأعمى والفاسق بالإجماع ولا تجوز شهادتهما، فإن قيل: الفاسق والفاسقة قد يتوبان قلنا وكذلك العبد قد يعتق فتجوز شهادته، ثم أكد الشافعي رحمه الله ذلك الرأي بأن العبد إذا عتق تقبل شهادته في الحال، أما الفاسق إذا تاب فلا تقبل شهادته في الحال، ثم ألزم أبا حنيفة رحمه الله بأن شهادة أهل الذمة مقبولة بعضهم على بعض، فينبغي أن يجوز اللعان بين الذمي والذمية.
الشافعية - قالوا: إن الحدود تختلف بمن وقعت له، ومعناه أن الزوج إن لم يلاعن فنصف حد القذف عليه لرقه، وإن لاعن ولم تلاعن اختلف حدها بإحصانها وعدم إحصانها، وحريتها ورقها.
الشافعية - قالوا: يتعلق باللعان خمسة أحكام: درء الحد، ونفي الولد، والفرقة، والتحريم المؤبد، ووجوب الحد عليهما، وكلها تثبت بمجرد لعانه، ولا يفتقر فيه إلى لعان الزوجة، ولا إلى حكم الحاكم، فإن حكم الحاكم به كان تنفيذا منه لا إيقاعا للفرقة لأن الفرقة حصلت بمجرد أن انتهى الزوج من شهادته وقسمه، ولا يتوقف ذلك على صدور حكم الحاكم بالفرقة، فأن اللعان طلاق بائن لما رواه الجماعة عن نافع عن ابن عمر (أن رجلاً لاعن بامرأته، وانتفى من ولدها ففرق النبّي بينهما وألحق الولد بالمرأة) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #297  
قديم 13-11-2022, 04:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 101 الى صــــــــ
110

الحلقة (251)


وقوع الفرقة باللعان

-وبذلك تبين منه مؤبداً - أي تطلق منه - وهذا المعنى يسجل غضب الله ولعنته على الكاذب حقاً (1)
__________
(1) (اختلف الفقهاء في وقوع الفرقة باللعان.
الحنفية والحنابلة - قالوا:
لا تقع الفرقة بفراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما، ولا تقع الفرقة قبل صدور الحكم.
الشافعية - قالوا: إذا اكمل الزوج الشهادة والا لتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبداً التعنت أو لم تلتعن وذلك لقوله تعالى: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين} فدل هذا على أنه لا تأثير للعان المرأة إلا في دفع العذاب عن نفسها، وأن كل ما يجب باللعان من الأحكام فقد وقع بلعان الزوج، ولأن لعان الزوج وحده مستقل بنفي الولد، فوجب أن يكون الاعتبار بقوله في الإلحاق لا بقولها، ألا ترى أنها في لعانها تلحق الولد به ونحن ننفيه عنه فيعتبر نفي الزوج لا إلحاق المرأة، ولهذا إذا أكذب الزوج نفسه ألحق به الولد، وما دام يبقى مصراً على اللعان فالولد منفي عنه وإذا ثبت أن لعانه مستقل بنفي الولد وجب أن يكون مستقلاً بوقوع الفرقة، لأن الفرقة لو لم تقع لم ينتف الولد وجب أن يكون مستقى بوقع الفرقة، لآن الفرقة لو لم تقع لم ينتف الولد لقوله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش) فما دام يبقى الفراش التحق به، فلما انتفى الولد عنه بمجرد لعانه وجب أن يزول الفراش عنه بمجرد لعانه.
المالكية، والليث، وزفر - قالوا: إذا فرغا من اللعان وقعت الفرقة بعد لعانها خاصة وإن لم يفرق الحاكم بينهما، وقد احتج الحنفية على مذهبهم بما روى سهل بن سعد في قصة العجلاني، مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً، وبما روي في قصة عويمر أنهما لما فرغا (قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، هي طالق ثلاثاً) فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله الله صلى اللله عليه وسلم، والاستدلال بهذا الخبر من وجوه:
(أحدها) : أنه لو وقعت الفرقة باللعان لبطل قوله (كذبت عليها إن أمسكتها) لأن إمساكها غير ممكن.
(وثانيها) : ما روي في هذا الخبر أنه طلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله الله صلى اللله عليه وسلم، وتنفيذ الطلاق إنما يمكن إذا لم تقع الفرقة بنفس اللعان.
(وثالثها) : ما قال سهل بن سعد في هذا الخبر (مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبداً) ولو كانت الفرقة واقعة باللعان استحال التفريق بعدها، وعن ابن عباس أن النبّي صلى الله عليه وسلم قال: (المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً) .
وقد قال أبو بكر الرازي: قول الشافعي خلاف الآية لأن الله تعالى إنما أوجب اللعان بين الزوجين.

ولأن اللعان شهادة لا يثبت حكمه إلا عند الحاكم فوجب ألا يوجب الفرقة إلا بحكم الحاكم، كما لا يثبت المشهود به إلا بحكم الحاكم، ولأن اللعان تستحق به المرأة نفسها كما يستحق المدعي بالبينة، فلما لم يجز أن يستحق المدعي ما ادعاه إلا بحكم الحاكم وجب مثله في استحقاق المرأة نفسها. ولأن أكثر ما فيه أنها زنت، ولو قامت البينة على زناها، أو هي أقرت بذلك فذلك لا يوجب التحريم، فكذا اللعان، وإذا لم يوجد فيها دلالة على التحريم وجب ألا تقع الفرقة به، فلا بد من إحداث التفريق بين الزوجين إما من قبل الزوج أو من قبل الحاكم.

وأما حجة المالكية فلأنهما لو تراضيا على البقاء على النكاح بعد اللعان لم يخليا، بل يفرق بينهما، فدل ذلك على أن اللعان قد أوجب الفرقة إن لم يفرق الحاكم بينهما.
اجتماع الزوجين بعد اللعان
الشافعية، والمالكية، والحنابلة، وأبو يوسف والثوري - قالوا:
المتلاعنان لا يجتمعان أبداً بعد الفرقة، وهو قول علي وعمر وأبن مسعود لما روي عن النبّي صلى الله عليه وسلم أنه قال للملاعن بعد اللعان: (لا سبيل لك عليها) ولم يقل حتى تكذب نفسك ولو كان الإكذاب غاية لهذه الحرمة لردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغاية، كما قال في المطلقة بالثلاث (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره) .
ولآن اللعان فسخ فيكون التحريم مؤبداً كالرضاع، فلا تحل له أبداً وفي الحديث (المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً) . ولما روي عن الإمام علي كرم الله وجهه، وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهم أنهم قالوا: لا يجتمع المتلاعنان أبداً.
وما رواه الزهري عن سهل بن سعد في قصة العجلاني (مضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً، فدلت هذه الروايات كلها على أن تحريم الزوجة على زوجها مؤبد.
الحنفية - قالوا: إذا أكذب الرجل نفسه وأقيم عليه الحد، زال تحريم العقد، وحلت له بنكاح جديد، فهو تحريم مؤقت احتجوا على ذلك بقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} وقوله تعالى: {فأنكحوا ما طاب لكم من النساء} فاللعان طلاق ثلاثا، لا يتأبد به التحريم.
إذا أتى أحدهما ببعض كلمات اللعان
الحنفية - قالوا: أكثر كلمات اللعان تعمل عمل الكل إذا حكم به الحاكم.
الشافعية - قالوا:
لو أتى أحدهما ببعض كلمات اللعان لا يتعلق به الحكم فإنها لا تدرأ العذاب عن نفسها إلا بتمام ما ذكره الله تعالى.
اتفق الفقهاء: على أن اللعان كالشهادة فلا يثبت إلا عند الحاكم. وقالوا: يشترط في اللعان أن يكون من الزوج سواء دخل بها أم لا، وأن يكون بالغاً عاقلاً، مسلماً.

وقالوا: يشترط حضور جماعة للعان لا تقل عن أربعة عدول ذكور، لا احتمال نكول الزوج، أو إقرارها. ويشترط أن تكون الزوجة في عصمته، بنكاح صحيح، دون الفاسد أو تكون في العدة. ويصح لعان الأخرس إذا كان يحسن الكتابة، ويشترط أن يكرر الكتابة خمس مرات قبل الشهادة.

الشافعية، والحنابلة - قالوا: أن اللعان يمين.
الحنفية، والمالكية - قالوا:
أن اللعان شهادة مؤكدة بالأيمان، موثقة باللعن، والغضب، وذلك لقوله تعالى: {فشهادة أحدهما أربع شهادات بالله} ولقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه (فجاء هلال فشهد ثم جاءت فشهدت) كما رواه أبن عباس رضي الله عنهما.
وقيل: أن اللعان شهادة شائبة بيمين.
اللعان على الحمل
الشافعية والمالكية - قالوا:
يصح اللعان على الحمل قبل الوضع مطلقاً، ويصح كذلك نفي الحمل.
إلا أن المالكية اشترطوا أن يكون استبراؤها بثلاث حيضات أو بحيضة واحدة على خلاف بينهم. واستدلوا بالحديث السابق، وأن اللعان وقع والزوجة حامل، ولأن الحمل قرينة قوية يتأكد منها وجوده، ولحصول الريبة بمجرد الحمل، فيصح اللعان لأجله مبادرة للخلوص من العار الذي يلحقه من جراء ذلك.
الحنفية والحنابلة - قالوا: لا يصح اللعان، النفي قبل الوضع لعدم التيقن لاحتمال أن يكون الحمل ريحاً.
الحنفية - قالوا: لا يصح نفي الولد بعد الإقرار بهن لأنه لو صح الرجوع بعد الإقرار لصح في كل إقرار، لا يمكن أن يتقرر حق من الحقوق، والثاني باطل بالإجماع وقد روي أن رجلاً اعترف بولده في بطنها ثم أنكره بعد ولاجتها فجلده عمر رضي الله تعالى عنه وألحق به الولد.
اتفق الفقهاء على أن المرأة المفسوخة باللعان لا تستحق في مدة العدة. نفقة ولا سكنى، لأن النفقة إنما تستحق في عدة الطلاق، لا في عدة الفسخ، وكذلك السكنى ومن قال أن اللعان طلاق كأبي حنيفة يقول بوجوب النفقة والسكنى.
حكم الأخرس
الحنفية - قالوا: لا يصح قذف الأخرس، ولا لعانه، لوجود شبهة تذرا الحد عنه.
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا: يصح قذف الأخرس، ويصح لعانه لزوجته، إذا كانت له إشارة مفهومة توضح قصده ويعلم ما يقوله أو كان يحسن الكتابة، ويلزمه الحد في هذه الحال، لأن من كتب أو أشار إلى القذف إشارة يفهمها الناس فقد رمى المحصنة وألحق العار بها، فوجب أدراجه تحت الظاهر، وعول معاملة الناطق.
ولد المتلاعنين
ذكر الفقهاء أن ولد المتلاعنين ينسب إلى أمه، فيرث منها إذا ماتت، وترثه إذا مات قبلها، ولا يصح لأحد أن يرمي المرأة بالزنا، بالرجل الذي اتهمها به زوجها، ومن قذفها بالزنا يحد حد القذف، وذلك لأنه لم يتبين صدق ما قاله الزوج فهي محصنة، والأصل عدم الوقوع في المحرم،ومجرد وقوع اللعان لا يخرجها من العفاف، والأعراض محمية عن الثلب ما لم يحصل اليقين، ولا يصح لأحد أن يرمي ولد المتلاعنين بأنه أبن زنا، ومن دعاه ولد الزنا يجلد ثمانين جلدة، وقرابة الولد المنفي قرابة أمه، لما روي عن أبن عباس رضي الله عنهما (وقضى أنه ليس عليه قوت ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها) وقول (وألحق الولد بالمرأة) وفي رواية (فكان الولد ينسب إلى أمه) أي صيره لها وحدها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما، وعصبة أمه تصبر عصبة له، وروي أن النبّي صلى الله عليه وسلم قال في حديث اللعان (ومن رماها به جلد ثمانين جلد) وفي رواية (وقضى أن لا يدعى ولدها لأب، ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولها فعليه الحد) .
لا يصح للملاعن أن يسترد مهره
قال الفقهاء:
إذا تم اللعان فإن الزوجة يفسخ عقدها، وتستحق المال الذي صار إليها من المهر بما استحل الزوج من فرجها في المدة السابقة للعان فقد روي أن هلال بن أمية بعدما لاعن امرأته قال: يا رسول الله (مالي) أي الصداق الذي سلمه أتليها يزيد أن يرجع به عليها فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا سبيل لك عليها) وإنها قد استحقته بذلك السبب وأوضح له استحقاقها له على فرض صدقه وعلى فرض كذبه، لأنه مع الصدق قد استوفى منها ما يوجب استحقاقها له، وعلى فرض كذبه كذلك مع كونه قد ظلمها برميها بما رماها به، وهذا الرأي مجمع عليه في المدخول بها عن أبن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله للمتلاعنين: حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي، قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها متفق عليه.
أما في الزوجة التي لم يدخل بها زوجها فذهب الجمهور إلى أنها تستحق نصف الصداق كغيرها من المطلقات قبل الدخول، وقال حماد والحكم أنها تستحق جميعه، وقال الزهري ومالك: لاشيء لها.
مخالفة لون الابن لأبيه
الحنفية والمالكية - قالوا:
لا يجوز للأب أن ينفي ولده بمجرد كونه مخالفاً له في اللون.
الشافعية - قالوا: إذا لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا لم يجز النفي، فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح.
الحنابلة - قالوا: يجوز نفي الولد الذي جاء لونه مخالفاً للون أبيه مع القرينة مطلقاً، وأما بدون القرينة فلا. فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل من بني فزارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ولدت امرأتي غلاماً أسود وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه، فقال له النبّي الله صلى اللله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فما لونها؟ قال لونها؟ قال: حمر، قال هل فيها أورق؟ قال: إن فيها لورقاً، قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعة عرق، قال: فهذا عسى أن يكون نزعة عرق، ولم يرخص له في الانتفاء منه، رواه الجماعة. ولأبي داود في رواية (إن امرأتي ولدت غلاماً اسود وإني أنكره) .

وروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تري أن مجزراً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض) . رواه الجماعة وذلك أن الناس كانوا قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة - وكان زيد ابيض وأسامة اسود، فتكلم في ذلك بقول كان يسوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع قول المدلجي فرح به، وسري عنه، لأنه رفع التهمة عن سيدنا زيد، وأثبت صدق نسب أسامة منه، وذلك حق، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده، وأسامة قد ثبت فراش أبيه شرعاً، ولما وقعت القالة بسبب اختلاف اللون، كان قول المدلجي دافعاً لمقالة السوء.
حكم طلاقها بعد القذف
الحنفية - قالوا:
لو طلق الرجل زوجته التي رماها بالزنا، بعد القذف ثلاثاً، أو بائناً فلا لعان بينهما، ولا حد بذلك القذف، ولو قال لها: أنت طالق ثلاثاً (يا زانية) فعليه الحد دون اللعان، لأنه قذف امرأة أجنبية عنه ولو قال: يا زانية أنت طالق ثلاثاً، فلا حد ولا لعان، لأنه طلقها ثلاثاً بعد وجود اللعان، فسقط عنه بالبينونة.
ولو قذف أربع نسوة له لاعن مع كل زوجة منهن، ولو قذف أربع أجنبيات حد لهن حداً واحداً، والفرق في ذلك أن المقصود في المسألة الثانية الزجر، وهو يحصل بحد واحد أما الأول فالمقصود باللعان هو دفع العار عن المرأة المتهمة، وإبطال نكاحها عليه، وذلك لا يحصل بلعان واحد، ولو قال لها: ليس حملك مني، فلا لعان، لأنه لم يتيقن بقيام الحمل، لم يعد قاذفاً، ولو نفى ولد زوجه الحرة فصدقته، فلا حد ولا لعان، لأنه لم يتيقن بقيام الحمل، فلم يعد قاذفاً، ولو ننفى ولد زوجه الحرة فصدقته، فلا حد ولا لعان، وهو ابنهما لا يصدقان على نفيه، لأن النسب حق الولد، والأم لا تملك إسقاط حق ولدها، فلا ينتفي بتصديقها، وإنما لم يحسب الحد واللعان لتصديقها، لأنه لا يجوز لها أن تشهد إنه لمن الكاذبين بعد ذلك، وقد قالت إنه لمن الصادقين، وإذا تعذر اللعان لا ينتفي النسب ولو طلقها بعد القذف طلاقاً رجعياً وجب اللعان لقيام الزوجية، ولو تزوجها بعد الطلاق البائن فلا لعان ولا حد بذلك القذف.
نفي الولد بعد الولادة
واتفق العلماء على أن الزوج لو نفى الولد عقب الولادة انتفى، وإذا لم ينفه حتى حالت المدة بعد الوضع لم يكن له نفيه، لأنه قبل التهاني بالولادة وابتاع حاجات الولادة، وقبل هدايا الأصدقاء، فإذا فعل ذلك، ومضت مدة عليه وهو ممسك كان فعله اعترافاً ظاهراً بالولد، فلا يصح نفيه بعده وقد روي عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال (قضى عمر بن الخطاب في رجل أنكر ولد امرأته وهو في بطنها، ثم اعترف به وهو في بطنها حتى إذا ولج أنكره، ف - أمر به عمر فجلد ثمانين جلدة لفريته عليها ثم ألحق به ولدها) . وورد في حديث أبن عباس رضي الله عنهما (أن النبّي صلى الله عليه وسلم لاعن بين هلال بن أمية وامرأته،وفرق بينهما، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب، ويرمى ولدها، ورماها، أو رمى ولدها فعليه الحد) قال عكرمة رضي الله عنه: (فكان ذلك الولد بعد ذلك أميراً على مصر من الأمصار، وما يدعى لأب) رواه أحمد وإذا كان الزوج غائباً في بلد نائية، علم بولادة زوجته عند حضوره من سفره، فكأنها ولدت حال علمه. فيصح له نفيه عقب علمه بولادته، فإذا مكث مدة بعد العلم، فلا يصح له أن ينفيه، لأنه رضي به.
واتفق الفقهاء: على أنه لا ينفى نسب الحمل قبل الولادة لأنه حكم عليه، ولا حكم على الجنين قبل الولادة، كالإرث، الوصية، وإنما يؤجل الحكم عليه حتى تلد.
الحنفية - قالوا: من ولدت ولدين في بطن واحد فاعترف بالأول ونفى الثاني، ثبت نسبهما، ولاعن وإن عكس فنفى الأول، واعترف بالثاني ثبت نسبهما وأقيم عليه الحد، أما ثبوت النسب فلأنهما توأمان خلقا من ماء واحد فمتى ثبت نسب أحدهما باعترافه ثبت نسب الآخر ضرورة، ولأنه لما نفى الثاني لم يكن مكذباً نفسه فيلاعن، ولما نفى الأول صار مكذباً نفسه باعترافه بالثاني، فيحد.

من قذف زوجته برجل سماه
الحنفية والمالكية رحمهم الله -
قالوا لو قذف رجل زوجته برجل بعينه وسماه، فقال: زنى بك فلان، لاعن للزوجة، وحد للرجل الذي قذفه إن طلب الحد، ولا يسقط حد القذف باللعان.
الشافعية في أرجح أقوالهم - قالوا: أنه يجب عليه حد واحد لهما، والرأي الثاني - لكل منهما حد عليه، فإن ذكر القذف في لعانه، سقط الحد عنه.
الحنابلة - قالوا: عليه حد واحد لهما، ويسقط بلعانها.
روي عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه (أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعن في الإسلام قال: فلاعنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبصروها فإن جاءت به ابيض سبطاً، فضيء العينين فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به أكحل، جعداً، حمش الساقين، فهو لشريك بن سحماء، قال: فأنبئت أنها جاءت به أكحل، جعداً، حمش الساقين) رواه أحمد، ومسلم، والنسائي والسبط - هو المسترسل من الشعر: وقوله (فضيء العينين) هو فاسد العينين - والأكحل الذي في عينيه سواد - والجعد من الشعر خلاف السبط. أو القصير منه، وقوله (حمش الساقين) أي رقيق الساقين، وفي رواية فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذلك الرجل، مصفراً، قليل الشعر، سبطه، وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلاً، آدم، كثير اللحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بين) فوضعت شبيهاً بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما.
حكم اللعان من غير رؤية
المالكية - قالوا:
لو قال لزوجته - يا زانية - وجب عليه الحد إن لم يثبته، وليس له أن يلاعن حتى يدعي رؤيته بعينه، لأن الرؤية شرط في اللعان عندهم.
الحنفية، والشافعية - قالوا: إن للزوج أن يلاعن زوجته، ولو لم يذكر رؤيته، لأنها ليست بشرط عندهم.
إذا رآها في العدة تزني
المالكية - قالوا: إذا بانت زوجته منه، ثم رآها تزني في أيام العدة، فله أن يلاعنها، ولو ظهر بها حمل بعد طلاقه، وقال: كنت استبرأتها بحيضة فله أن يلاعنها أيضاً.
الشافعية - قالوا: إن كان هناك حمل، أو ولد فله أن يلاعن، وإلا فلا حق له.
الحنفية، والحنابلة - قالوا: ليس له أن يلاعن أصلاً، لأنها صارت أجنبية له بعد طلاقها.
من طلق امرأته عقب العقد وأتت بولد
المالكية، والشافعية، والحنابلة - قالوا:
لو تزوج امرأة ثم طلقها عقب العقد مباشرة من غير أماكن وطئها وأتت بولد لستة أشهر من العقد، لم يلحق به، كما لو أتت به لأقل من ستة أشهر، للتأكد من أنه حملت به قبل إجراء العقد.
الحنفية - قالوا: إنه يلحقه إذا عقد عليها بحضرة الحكم، ثم طلقها عقب العقد، وأتت به لستة أشهر لا قل ولا أكثر منها، فإن الولد حينئذ يلحقه لحدوثه قبل الطلاق وبعد العقد.
من تزوج بامرأة وغاب عنها
الحنيفية - قالوا:
لو تزوج رجل بامرأة، وغاب عنها سنتين، فأتاها خبر وفاته، فاعتدت منه، ثم تزوجت وأتت بأولاد من الزوج الثاني، ثم قدم الأول. وحجتهم في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) رواه الجماعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وفي لفظ للبخاري (الولد لصاحب الفراش) فقد صارت فراشاً له بالعقد، فأولده بنص الشارع، إذ الإحكام يرجع وضعها إليه ولو لم يقبلها بعض العقول.
وقد اختلف العلماء في معنى (الفراش) .
الحنفية - قالوا: إن الفراش في الحديث الشريف اسم للزوج وأنشد أبن الأعرابي مستلا على هذا المعنى قول جرير: باتت تعانقه، وبات فراشها.
وقوله (وللعاهر الحجر) العاهر الزاني - يقال: عهر أي زنى - قيل، ويختص ذلك بالليل، ومعنى له الحجر، الخيبة، أي لاشيء له في الولد، وقيل: أن المراد بالحجر، أنه يرجم بالحجارة إذا زنى وكان محصناً.

روى الجماعة عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (اختصم سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يا رسول الله أبن أخي عتبة بن أبي وقاس، عهد إلي أنه ابنه، اظهر إلى شبهه، وقال عبد الله بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولج على فارش أبي فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه، فرأى شبهاً بيناً بعتبة، فقال: هو لك يا عبد الله بن زمعة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قال: لم ير سودة قط) رواه الجماعة، وسودة هي أم المؤمنين رضي الله عنها.

فالحنفية يثبتون النسب بمجرد العقد، وقالوا: إن مجرد المظنة كافية، بل قالوا: لو أن رجلاً تزوج امرأة بالمغرب وهو بالمشرق لستة اشهر كان الولد ملحقاً به، ورد بمنع حصولها بمجرد العقد، بل لابد من إمكان الوطء، ولا شك أن اعتبار مجرد العقد في ثبوت الفراش مجرد ظاهر، وذهب أبن تيمية إلى أنه لابد من معرفة الدخول المحقق: وكيف تأتي الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بامرأته، ولا دخل بها، ولا اجتمع بها، بمجرد إمكان ذلك؟
أجاب الأحناف على ذلك بأن معرفة الوطء المحقق متعسرة، فاعتبارها يؤدي إلى بطلان كثير من الأنساب وهو يحتاط فيها، واعتبار مجرد الإمكان يناسب ذلك الاحتياط.
الشافعية، والمالكية، والحنابلة - قالوا: في هذه المسألة أن الأولاد يكونون للزوج الثاني للتأكد من أنه تزوج المرأة ووطأها، وهي فارشه وذلك هو المعقول.
ولابد في ثبوت الولد أن تأتي المرأة به بعد مضى أقل مدة الحمل وهو ستة اشهر من وقت إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد عند الأئمة الثلاثة أو تأتي به من وقت العقد وإن لم يجتمع لها عند الحناف، أو معرفة الوطء المحقق عند أبن تيمية، وهذا مجمع عليه فولدت قبل مضي المدة لقطعنا بأن الولد من قبل العقد، فلا يلحق بأحد. وقالوا: لا يجوز إلحاق الولد بأكثر من رجل واحد.

رأي الخوارج
قال الخوارج:
إن الزنا والقذف كفر، ورد عليهم أهل السنة بقوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} الآيات واحتجوا بالآية من وجهين:
الأول - أن الرامي إن صدق فهي زانية وإن كذب فهو قاذف فلا بد على قولهم من وقوع الكفر من أحدهما، وذلك يكون ردة: فيجب على هذا أن تقع الفرقة، ولا لعان أصلاً. وأن تكون فرقة الردة حتى لا يتعلق بذلك توارث البتة.
الثاني - أن الكفر إذا ثبت عليها لعانه - كما قالوا - فالواجب أن تقتل، لا أن تجلد، أو ترجم، لأن عقوبة المرتد مباينة للحد في الزنا.
وقال أهل السنة: إن الآية دالة على بطلان قول من يقول: إن وقوع الزنا يفسد النكاح. وذلك لأنه يجب إذا رماها بالزنا أن يكون قوله هذا كأنه معترف بفساد النكاح حتى يكون سبيله سبيل من يقر بأنها أخته من الرضاع، أو بأنها كافرة، ولو كان كذلك لوجب أن تقع الفرقة بنفس الرمي، من قبل اللعان، وقد ثبت بالإجماع فساد ذلك الرأي.

رأي المعتزلة
المعتزلة - قالوا:
دلت آية اللعان على أن القاذف مستحق للعن الله تعالى إذا كان كاذبا، وأنه قد فسق، وكذلك الزاني والزانية، يستحقان غضب الله تعالى وعقابه، وإلا لم يحسن منهما أن يلعنا أنفسهما. كما لا يجوز أن يدعو أحد ربه أن يلعن الأطفال، والمجانين، وإذا صح ذلك فقد استحق العقاب، والعقاب يكون دائما كالثواب، ولا يجتمعان، فثوابهما أيضا محبط، فلا يجوز إذا لم يتوبا أن يدخلا الجنة، لأن الأمة مجمعة على أن من دخل الجنة من المكلفين فهو مثاب على طاعاته، وذلك يدل على خلود الفساق في نار جهنم.
الأئمة - قالوا: لا نسلم أنه كونه مغضوبا عليه بفسقه يتأتى كونه مرضيا عنه لجهة إيمانه، ثم لو سلمناه، لم نسلم أن الجنة لا يدخلها إلا مستحق الثواب، والإجماع ممنوع، وقيل: إنما خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله تغليظا عليها لأنها هي أصل الفجور ومنبعه بخيلائها وأطماعها، ولذلك كانت في مقدمة آية الجلد) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #298  
قديم 14-12-2022, 03:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 57 الى صــــــــ
61

الحلقة (252)




مبحث حرص الشريعة على محو الرذائل الخلقية
- لأن الشريعة الإسلامية حريصة على محو الرذائل الخلقية والضرب على أيدي العابثين بالأخلاق التي عليها قوام الأمم وسعادتها . حريصة على كرامة الناس وأنسابهم فلم يبق أمام الأمة إلا أن تمسك بالصيانة والحياء ولا تجاهر بالفواحش وإلا أوشك الله أن سلط عليها من لا يرحمها ( 1 )
------------------------------
( 1 ) لقد نهى الشارع الحكيم عن الزنا ونفر من النكاح الحرام وجعله من الذنوب التي تحبط الأعمال وتدخل فاعلها النار فقال تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } الآية 22 من النساء

وقال تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق إثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } فقد قرنه الله تعالى بالشرك وقتل النفس التي حرم الله وهما من أفحش الذنوب وأكبر الكبائر التي حرمها الله تعالى فدل ذلك على عظم حرمة الزنا وأنه من أعظم الذنوب وأفحشها حيث عقب الله تعالى على ذكر هذا الذنب بأن فاعله يرتكب إثما عظيما ويضاعف الله له العذاب في نار جهنم ويمكث فيه مدة طويلة محتقرا مهانا كأنه مخلد فيها . وقال الله تعالى : { قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن }
الآية 33 من سورة الأعراف . وقال تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } آية 2 و 3 من سورة النور
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه والمفارق للجماعة ) . رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي رحمهم الله تعالى
وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( يا بغايا العرب يا بغايا العرب إن أخوف عليكم الزنا والشهوة الخفية ) رواه الطبراني
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان ) رواه أبو داود واللفظ له
وفي رواية للبيهقي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان فإن تاب رد عليه )
وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر ) رواه مسلم والنسائي - ورواه الطبراني في الأوسط ولفظه : ( لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني ولا العجوز الزانية )
وروي عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إن السموات السبع والأرضيين السبع ليلعن الشيخ الزانين وإن فروج الزناة ليؤذي أهل لنار نتن ريحها ) رواه البزار
حد العبد
اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى : على أن العبد والأئمة إذا زنيا فلا يكمل حدهما وأن حد كل واحد منهما خمسون جلدة وأنه لا فرق بين الذكر والأنثى منهم
واتفقوا على أنهما لا يرجمان وإن أحصنا بل يجلدان لأنهم اشترطوا في شروط الإحصان الحرية فإن العبد ليس بمحصن وإن كان متزوجا واحتجوا على ذلك بقوله تعالى { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) والحد لا يمكن أن ينصف

الشافعية والمالكية - قالوا :
إن الرقيق إذا زنى يجلد خمسين جلدة ويغرب نصف سنة لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( إذا زنت أمة أحدكما فتبين زناها فليجلها الحد ولا يثرب عليها - أي لا يوبخها - ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فلبيعها ولو بحبل من شعر ) رواه الخمسة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
وروي عن عبد الله بن أحمد في المسند عن أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه . قال : أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أمة سوداء زنت لأجلدها الحد قال : فوجدتها في دمها فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته بذلك فقال لي : إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين )
وروي عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال : ( أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد المارة خمسين خمسين في الزنا ) رواه الإمام مالك في كاتبه الموطأ
فالذكر من العبيد إذا زنى يجلد مائة جلدة والأمة إذا ثبت عليها الزنا تجلد خمسين جلدة . واحتج الأئمة الأربعة على أن الأمة غير المتزوجة يقام عليها الحد بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهم ( أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الأمة زنت ولم تحصن فقال : ( إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو يضفير - أي بحبل مضفور - قال أبن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة متفق عليه )

وقال أبن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير :
إن العبد والأمة إذا لم يحصنا فلا يقام عليهما الحد وإنما يجب عليهما التعزير بحسب ما يرى الحاكم وإذا أحصنا فحدهما خمسون جلدة بالتساوي . وسبب اختلافهم - الاشتراط الذي في اسم الإحصان في قوله تعالى : { فإذا أحصن } فمن فهم من الإحصان التزوج والإسلام وقال بدليل الخطاب قال لا يجلد غير المتزوجة ومن فهم من لفظ الإحصان الإسلام جعله عاما في المتزوجة وغير المتزوجة وهو الرجح
الحنفية والمالكية والحنابلة - قالوا : لا يجب التغريب في زنا العبد والأمة لأن العبد دنيء فلا يتأثر بالتغبير من الناس مثل الحر ولا العار بعظم الشرف والنسب والعبد مجرد منهما
الشافعية - قالوا في أصح أقوالهم : أن العبد والأمة إذا ثبت الزنا على واحد منهما يغرب نصف عام لأنه على النصف من الحر في كثير من الأحكام

حق السيد في إقامة الحد على عبيده
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : للسيد أن يقيم الحد على عبده وأمته إذا قامت البينة عنده أو أقر بين يديه لا فرق في ذلك بين الزنان والقذف وشرب الخمر وغير ذلك . لن العبد معدود من مال السيد فله تفويت المنفعة فيه على نفسه . إيثارا لحق الله تعالى
المالكية في بعض آرائهم والحنابلة - قالوا : يستثنى من ذلك حد السرقة فلا يجوز للسيد أن يقطع في حد
السرقة بدون إذن الإمام أو نائبه
الحنفية - قالوا : ليس للسيد إقامة الحد على إمائه في كل الأحول التي يجب فيها الحد بل يجب أن يرده إلى الإمام لأن إقامة الحدود بالأصالة من منصب الإمام الأعظم ومن خصوصياته وإنما جعل الشارع إقامة الحدود إلى الإمام الأعظم أو نائبه دون كل من قدر على إقامتها من المتغلبة ونحوهم دفعا للفساد في الأرض وعدم إشاعة الفوضى في المجتمع لغلبة عدم قدرة الرعية على رد نفوسهم عن تنفيذ غضبهم في بعضهم بعضا حمية جاهلية لا نصرة للإسلام ولا شريعة بخلاف الإمام الأعظم فإنه ليس له غرض عند أحد دون أحد في غالب الأحوال لقوة إرادته . ولأنه يقدر على تنفيذ حكمه في غيره ولا عكس فإذا قتل الإمام شخصا في حد ولو ظلما فلا يقدر عصبته أن يقتلوا الإمام لأجله عادة لأنه متحصن بالقانون ولأن قوة الجند والشرطة في يده
حد الذمي
الشافعية والحنابلة - قالوا : إذا زنى الذمي يقام عليه الحد مثل المسلم
المالكية - قالوا : لا يقام الحد عليه لأنه غير محصن لأن الإحصان شرف يختص به المسلم فقط

حد اليهودي
الشافعية والحنابلة - قالوا : يقام الحد على اليهودي كغيره من النصارى والذميين والمستأمنين وذلك لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة خصوصا إذا رفعت دعواهم إلينا ولأن إقامة الحد يخفف عنهم العذاب يوم القيامة ولأن السنة أثبتت أن النبي صلى الله عليه و سلم قد أقام حد الزنا على اليهودي واليهودية التي رفع يهود المدينة أمرهما إليه صلوات الله وسلامه عليه . فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ( أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه و سلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال : ما تجدون في كتابكم ؟ قالوا : تسخم وجوههما - أي تسود - ويخزيان . قال : كذبتم : ( إن فيهما الرجم فأتوا التوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) فجاؤوا بالتوراة وجاؤوا بقارئ لهم فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه فقيل له : ارفع يدك فرفع يده فإذا هي تلوح فقال أو قالوا : يا محمد إن فيها الرجم ولكننا كنا نتكاتم بيننا فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجما قال : فلقد رأيته يجنأ عليها ويقيها الحجارة بنفسه ) ومعنى يجيأ ( ينحني )
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( رجم رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة )
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ( مر على النبي صلى الله عليه و سلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم ؟ قالوا : نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال : أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم ؟ قال : لا ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم ولكن كثر في أشرافنا وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحريم والجلد مكان الرجم . فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( اللهم إني أول من أحيا أمك إذ أماتوه ) فأمر به فرجم فأنزل الله عز و جل : { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا : آمنا بأفواههم إلى قوله : إن أوتيتم هذا فخذوه } يقولون : ائتوا محمدا فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله تبارك وتعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } وقلوه تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } قال : هي في الكفار كلهم رواه أحمد مسلم وأبو داود فهذه الحاديث تدل على أنه يحد الذمي كما يحد المسلم
الحنفية والمالكية - قالوا : لا يقام الحد على اليهودي ولا المسيحي ولا الذمي ولا المستأمن لأنهم اشترطوا في الإحصان الإسلام فغير المسلم لأي يكون محصنا فلا يرجم وإنما يجلد ولأن الرجم تطهير من الذنب والذمي وغير المسلم ليس من أهل التطهير بل لا يطهر أبدا إلا بحرقه بنار جهنم ولأنه ليس مخاطبا بفروع الشريعة بل هم مخاطبون بأصولها أولا وقبل كل شيء وما روي من حديث أبن عمر مرفوعا وموقوفا ( من أشرك بالله فليس بمحصن ) ورجح الدر قطني وغيره الوقوف وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده على الوجهين
وقد أجاب الحنفية والمالكية عن الحاديث التي تدل على جواز رجم غير المسلم بأنه صلى الله عليه و سلم إنما أمضى حكم التوراة على أهلها ولم يحكم عليهم بحكم الإسلام . وقد كان ذلك عند مقدمة المدينة وكان إذ ذاك مأمورا بأتباع حكم التوراة ثم نسخ ذلك الحكم بقوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } فقد شرع الله هذا الحكم الوارد في الآية الشريفة بالنسبة إلى نساء المسلمين فقط
قال الشوكاني : - ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف ونصب فعله في مقابلة أحاديث الباب من الغرائب وكونه صلى الله عليه و سلم فعل ذلك عند معدمه المدينة لا ينافي ثبوت الرعية فإن هذا حكم شرعه الله لهل الكتاب وقرره رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا طريق لنا إلى ثبوت الحكام التي توافق أحكام الإسلام إلا بمثل هذا الطريق ولم يتعقب ذلك في شرعنا ما يبطله ولا سيما وهو مأمور بأن يحكم بينهم بما أنزل الله ومنهي عن اتباع أهوائهم كما صرح بذلك القرآن الكريم . وقد أوه صلى الله عليه و سلم يسألونه عن الحكم ولم يأتوه ليعرفهم شرعهم فحكم بينهم بشرعه ونبههم على أن ذلك ثابت في شرعهم كثبوته في شرعه ولا يجوز أن يقال : إنه حكم بينهم بشرعهم مع مخالفته لشرعه لأن الحكم منه عليهم بما هو منسوخ عنده لا يجوز على مثله وإنما أراد إلزامهم الحجة
غيرة المسلم على عرضه
إن الإسلام قد حارب الزنا من أول وهلة فدعا الناس إلى العفاف والتمسك بالطهر والفضيلة وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( عفوا تعف نساؤكم ) ورغب في التزوج بالنساء المصونات الصالحات العفيفات الحافظات لفروجهن فقال تعالى : { فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله } وقال تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } وقال صلى الله عليه و سلم : ( خير النساء الودود الولود التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنه حفظتك في مالك وعرضها )
ولما ظهرت حادثة الإفك واتهم الناس السيدة عائشة رضي الله عنها وهي الطاهرة البريئة أنزل الله تبارك وتعالى براءتها في الفران الكريم ودافع عنها بخمسة عشرة آية في سورة النور حتى يطهر ساحتها ويظهر للعالم براءتها من هذه الفاحشة المنكرة ودافع الله عز و جل عن السيدة مريم أم سيدنا عيسى من تهمة الزنا في عدة آيات من كتاب الله تعالى : { ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها } وقال تعالى : { والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا } وقال تعالى : { يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } ودافع الله تعالى عن التهمة التي قالها بنو إسرائيل على سيدنا موسى فقال تعالى : { فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها } حتى تظل ساحتها طاهرة وشرفه محفوظا أمام قومه
وقد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن السكوت عن المنكر إذا علم به المرء في زوجته أو أهل بيته أو شك في سلوكهن فإن السكوت على المنكر من أفظع الأمور التي تضيع كرامة المرء في الدنيا وتوجب العقاب الشديد في الآخرة . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يدخل الجنة ديوث ) والديوث هو الذي انعدمت شهامته وغيرته على عرضه فأصبح لا يبالي بمن يدخل على أهل بيته ومن يخرج ولا يهمه سلوك نسائه وبناته بك يسكت على المهانة ويرضى بالدون ويقر الخطيئة في أهله فهذا من أبغض الناس عند الله يوم القيامة ولن تنفعه عبادة ولا طاعة ولا قربة يتقرب بها إلى الله ما دام فيه هذا الداء الخطير
روى الإمام أحمد واللفظ له والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال : ( ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق لوالديه والديوث الذي يقر في آهل الخبث ) . وروى الطبراني بسند صحيح قال الحافظ المنذذري : لا أعلم فيه مجرحا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر قالوا : يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث ؟ قال : الذي لا يبالي بمن يدخل على أهله . قيل : فما الرجلة من النساء ؟ قال : التي تشبه بالرجال )
كل هذه القضايا التي ذكرناها في هذا الباب والتي تركناها ولم نذكرها خوفا من الإطالة والملل لنقيم الدليل على أن جريمة الزنا من أفحش الأمور ومن أخطر الجرائم على الأفراد والأسر والجماعات وعلى أنها سبب في ضياع الأموال وانتشار الخمور وقتل الأنفس وفساد المجتمع وأنها توقع العداوة والبغضاء بين صفوف المؤمنين وتوهن من قوتهم وتضعف من عزيمتهم وتسلبهم العزة والكرامة والمروءة أركانه فلا تتعجب من اهتمام الشارع بهذه الجناية وتحريم مقدماتها من النظرة المريبة ولمس المرأة الأجنبية وسماع صوتها والخلوة بها وغير ذلك حتى يسد الباب عن الوقوع في الزنا
ولا تتعجب من سن الشارع هذا الحد الرادع من جلد مائة جلدة وضرب المحصن بالحجارة حتى يموت وعدم الشفقة والرحمة بهم وتشريع اللعان وتحريم القذف وإقامة الحد على القاذف حتى تحفظ على الناس أعراضهم ويبقى المجتمع في أمن وسلام وسعادة واطمئنان ولا تنس أن أول جناية قتل حصلت في الوجود بعد أن خلق الله الأرض وعمرها سيدنا آدم إنما هي من جراء شهوة الفرج ومن أجل النساء وهي قضية قابيل وهابيل
فائدة
قال الله تعالى : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } قال المفسرون : يحتمل أن يكون المراد أن لا تأخذكم رأفة بأن يعطل الحد أو ينقص منه والمعنى لا تعطلوا حدود الله ولا تتركوا إقامتها للشفقة والرحمة وهذا قول مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير

وقيل : يحتمل أن لا تأخذكم رأفة بأن يخفف الجلد ويحتمل كلا الأمرين والأول أولى لأن الذي تقدم ذكره في الآية الشريفة الأمر بنفس الجلد ولم يذكر صفته فما يعقبه يجب أن يكون راجعا إليه وكفى برسول الله أسوة في ذلك حيث قال : ( لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ) . ونبه بقوله : ( في دين الله ) على أن الدين إذا أوجب أمرا لم يصح استعمال الرأفة في خلافه
وأما قوله تعالى : { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } فهو من باب التهييج والتهاب الغضب لله تعالى ولدينه . قال الجبائي تقدير الآية : { إن كنتم مؤمنين فلا تتركوا إقامة الحدود } وهذا يدل على أن الاشتغال بأداء الوجبات من الإيمان بخلاف ما تقوله المرجئة . والجواب عليهم : أن الرأفة لا تحصل إلا إذا حكم الإنسان بطبعه أن الأولى أن لا تقام تلك الحدود - كما ظن بعض الجهلة - وحينئذ يكون منكرا للدين فيخرج عن الإيمان بهذا الفهم الخاطىء ورد في الحديث ( يؤتى بوال نقص من الحد سوطا فيقال له : لم فعلت ذاك ؟ فيقول : رحمة لعبادك فيقال له : أنت أرحم بهم مني فيؤمر به إلى النار ويؤتى بمن زاد سوطا فيقال له : لم فعلت ذلك ؟ فيقول : لينتهوا عن معاصيك فيقول أنت أحكم بهم مني فيؤمر به إلى النار )
وجوب الستر على من وقع في هذه الجريمة
اتفقت كلمة العلماء على أن الجريمة التي لم يصل خبرها إلى الحاكم لا يقام من أجلها حد وأن الجريمة التي علم بها الحاكم ولم تثبت لديه بالإقرار او بشهادة الشهود لا يقام الحد عليها لما روي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمت فلانة فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها ) رواه أبن ماجة ومعنى ( ظهر منها الريبة ) أي أنها كانت تعلن بالفاحشة ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة أو إقرار
وفي قصة هلال بن أمية حين لاعن زوجته قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن أتت به على الصفة الفلانية فهو لشريك بن السحماء وإن أتت به على الصفة الفلانية فهو لزوجها هلال بن أمية ) ولما أتت بالولد على الوجه المكروه قال صلى الله عليه و سلم : ( لولا الإيمان لكان لي ولها شأن )

واتفقت كلمة الأئمة على أن من أقر بحد من الحدود أمام الحاكم ولم يفسرهن فلا يطالب بتفسيره وبيانه ولا يقام عليه الحد إن لم يثبت ويتعين لما روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال : ( كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فجاءه رجل فقال : يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي فلم يسأله قال : وحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه و سلم فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم قام إليه الرجل فقال : يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله قال : أليس قد صليت معنا ؟ قال : نعم . قال فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك ) قال النووي في شرح مسلم هذا الحديث معنا أنه فعل معصية من المعاصي الموجبة للتعذير وهي هنا من الصغائر لأنها كفرتها الصلاة ولو أنها موجبة لحد أو غيره لم تسقط بالصلاة فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الوجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة . وحكى القاضي عياض عن بعضهم أن المراد الحد المعروف قال : وإنما لم يحده لأنه لمس يفسر موجب الحد ولم يستفسره النبي صلى الله عليه و سلم إيثارا للستر بل استحب تلقين الرجل صريحا . لأن الإسلام أمر بالستر على الأعراض حتى لا تشيع الفاحشة بين المجتمع لقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( من ستر عورة مسلم ستر الله عورته يوم القيامة ) وقال : ( من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا مؤودة ) رواه أبو داود . وقد جاء ماعز إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأقر عنده بالزنا واعترف بجنايته فرده النبي ( أربع مرات عسى أن يتوب ويستر نفسه ولا يرجع إليه ) . وروي عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أنه قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لرجل من أسلم يقال له : هزال - وقد جاء يشكو رجلا بالزنا - وذلك قبل نزول حج القذف - : ( يا هزال لو سترته بردائك كان خيرا لك ) وذلك كناية عن عدم إذاعة هذه الفاحشة فإن الرسول صلى الله عليه و سلم يقول : ( ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة )
أخرج الحاكم والبيهقي في صحيحيهما : أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه ارتحل من المدينة المنورة إلى عقبة بن عامر - أمير مصر - في ذلك الوقت فخرج إليه فعانقه ثم قال : ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ قال : حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( من ستر مؤمنا في الدنيا على عورة ستره الله يوم القيامة ) فقال له أبو أيوب : صدقت ثم قفل راجعا إلى المدينة . والشاهد إذا رأى الجريمة بعينه فهو مخير في أداء الشهادة حسبة لله تعالى وغيرة على حدوده ومحارمه أن تنتهك فقد ورد في الحديث الشريف ( الحد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا ) أو ترك الشهادة رغبة في الستر على أخيه الممن وعدم إشاعة الفاحشة لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( ومن ستر على أخيه المسلم ستر الله عليه في الآخرة ) ولآن الله يحب الستر على عباده ويكره إشاعة الفاحشة وفضيحة المسلمين بل نفر من شيوع خبرها والحديث عنها والميل إلى إشاعتها فقال تعالى : { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة }

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #299  
قديم 14-12-2022, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 57 الى صــــــــ
61

الحلقة (253)





ستر المسلم على نفسه
إن الإسلام قد أوجب على المسلم إذا وقع في ذنب من هذه الكبائر أن يقلع عن الذنب ويتوب إلى الله تعالى ويستر على نفسه ولا يفضحها بالتحدث بالذنب أما الناس والتجاهر بالمعصية . وقد روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى ) ذلك لأن المجاهرة بهذه الفاحشة تبجح في عصيان الله تعالى واستهتار بمحارمه وجليل على انهيار المجتمع وانحلالهن وضياع الحياء من أفراده لأن المخطئ لابد أن يكون عنده بقية من حياء يمنعه من الإعلان عن خطئه بين الناس وحجبه عن المجاهرة بذنبه في المجتمع الذي يعيش فيه وخلع برقع الحياء مع الله عز و جل فالإنسان إذا فقد الحياء من الله وأما الرأي العام كان خطرا على نفسه وعلى الناس جميعا لأنه فقد أعز شيء لديه ولن في المجاهرة بالمعصية إشاعة للفساد وتحرضا عليه وحملا للغير على اقترافه كالمريض الذي يخالط الصحيح فلا شك أن يعديه وينقل أثر المرض إليه ولهذا ندبنا الشارع الحكيم وعلمنا رسوله الأمين صلوات الله وسلامه عله أن الواحد منا إذا وقع في معصية أن يكتم على الخبر ويعتصم بالستر ويطلب من الله المغفرة ولا يحدث أحدا عما وقع منه كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( من أتى من هذه القاذورات ( المنكرات ) فليستتر بستر الله عز و جل ) وقد شدد الإسلام النكير على المتجاهرين بالمعصية وجعلهم من المحرومين من مغفرة الله وعفوه ورحمته . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل العبد عملا بالليل ثم يصبح وقد ستره الله تعالى فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا
قد بات ستره الله عز و جلن ويصبح يكشف ستر الله عليه عنه ) . أما أرباب الحياء والدب من الله تعالى الذين يتركون الذنوب ويكتمون على أنفسهم ولا يحدثون الناس بهفواتهم ويندمون عما حدث منهم من المعاصي ( إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره من الناس وقرره بذنوبه فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) رواه الإمام أحمد
الحدود كفارات لأصحابها
اتفقت كلمة العلماء على أن الحدود كفارات لأربابها لأن في إقامتها كسرا لشوكة الظالمين وإخافة لهل الشر والمفسدين وحفظا للمجتمع من الدمار والهلاك والفساد والضياع لما روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا استحلت أمتي خمسا فعليهم الدمار إذا ظهر التلاعن وشربوا الخمر ولبسوا الحرير واتخذوا القيان واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ) رواه الترمذي والبيهقي
فإقامة الحدود على من وقع فيها تكفر ذنبهن وترفع عنه العقاب في الدار الآخرة لأن الله تعالى لا يجمع على عبده عقابين على ذنب واجد فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في شأن المرأة الغامدية التي وقعت في الزنا ثم ندمت واعترفت بين يديهن وأقيم الحد عليها ( لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أنها جادت بنفسها لله تعالى )
وكما روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه أقسم على ماعز بن مالك السلمي الذي أقر بالزنا وندم على ذنبه وأقيم عليه الحد وجم بالحجارة بأن الله غفر له ذنبهن وأدخله الجنة وتاب عليه توبة صادقة وان إقامة الحد عليه كان فارة له فقال صلى الله عليه و سلم لمن اعترض عليه ( والذي نفس بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ) . وروى عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم فقال : بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه
إن شاء عذبه ) زاد في رواية ( فبايعناه على ذلك ) رواه الخمسة إلا أبا داود
فقول النبي صلى الله عليه و سلم ( فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ) صريح في أن الحدود كفارة الذنوب . وجوابر للمحدود لا زاجرات فقط وقد ورد في رواية للترمدذي رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة ) قال الإمام الشافعي رحمه الله لم أسمع في الحدود حديثا أبين من هذا وقد روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( وما يدريك لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب ) فهذه الرواية تشبه الحديث السابق وتؤيده في معناه . فإقامة الحدود مطهرات للنفوس من الذنوب والخطايا وللمجتمع من الفساد والضياع وهذا هو رأي جمهور العلماء من السلف وعليه الأئمة الأربعة رحمهم الله تبارك وتعالى وذهب بعضهم إلى أن الحدود زواجر فقط وعليه العقاب يوم القيامة . ولكن الراجح هو الرأي الأول وهو اللائق بالكرم الإلهي والفيض الرباني وهو الذي أخبر به الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم
التحريم بالمصاهرة
الحنفية - قالوا : إن حرمة المصاهرة تثبت بواحد من الأمور الآتية وهي :
- 1 - العقد الصحيح
- 2 - الوطء الحلال
- 3 - الوطء بالنكاح الفاسد وكذا الوطء بشبهة
- 4 - اللمس بينهما بشهوة
( تابع . . . 2 ) : - لأن الشريعة الإسلامية حريصة على محو الرذائل الخلقية والضرب على
- 5 - النظر إلى بشهوة ولا يثبت بالنظر إلى سائر الأعضاء أو الشعر ولو بشهوة
- 6 - وتثبت الحرمة بالزنا أو اللمس أو النظر بشهوة بدون نكاح والمراد بالشهوة هو يشتهي بقلبه ويعرف ذلك بإقراره وقيل : يصحب ذلك تحرك الآلة وانتشارها والدليل على ذلك ما روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( من نظر إلى فرج امرأة لم تحل أمها ولا بنتها ) وفي رواية ( حرمت عليه أمها وبنتها ) . وبما روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( ملعون ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها ) فمن زنا بامرأة أو وطئها بشبهة حرمت عليه أصولها وفروعها وتحرم الموطوءة على أصول الواطىء وفروعه وكذلك اللمس بشهوة من الجانبين والنظر إلى الفرج من الجانبين والمعتبر إنما هو لنظر إلى فرجها الباطن دون الظاهر والأصل في ذلك قول الله تعالى : { ولاتنكحوا لما نكح آباؤكم من النساء } والحمل على الوطء أولى وقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( من نظر إلى فرج امرأة بشهوة أو لمسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وحرمت على ابنه وأبيه ) وحرمة ماء الزنا كحرمة الماء الحلال سواء بسواء في النكاح . المالكية - قالوا : إن الزنا بالبنت لا يحرم أمها على الزاني كما أن الزنا في الأم لا يحرم بنتها عليه والبنت المخلوقة من ماء الزنان لا تحرم على من خلقت من مائه ولا على أصوله وفرعه سواء كانت أمها المزني بها مطاوعة أم كرها وسواء تحقق الرجل أنها من مائه أم لا فهي أجنبية عنه ولا حرمة لماء الزنا ولكن يكره للزاني أن يتزوجها من باب الاحتياط فقط وتحري الحلال في النكاح وإنجاب الذرية الصالحة . الحنابلة - قالوا : إن الوطء الحرام كالوطء الحلال كلاهما تثبت به حرمة المصاهرة فمن زنى بامرأة حرمت على أبويه وحرمت عليه أمها وبناتها ولو وطئ أم امرأته حرمت عليه ابنتها ووجب مفارقتا وكذلك لو وطئ بنت زوجته حرمت عليه أمها ( وهي زوجته ) وقالوا : بحرمة نكاح الرجل ابنته من الزنا مثل الحنفية . روي أن رجلا سأل النبي عن امرأة كان زنا بها في الجاهلية : أينكح الآن ابنتها ؟ فقال : ( لا أرى ذلك ولا يصلح لك أن تنكح امرأة تتطلع على ابنتها على ما اطلعت عليه منها ) فقد حرم الرسول صلى الله عليه و سلم زواجها وهذا نص في الباب
فالذكر من العبيد إذا زنى يجلد مائة جلدة والأمة إذا ثبت عليها الزنا تجلد خمسين جلدة . واحتج الأئمة الأربعة على أن الأمة غير المتزوجة يقام عليها الحد بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهم ( أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الأمة زنت ولم تحصن فقال : ( إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو يضفير - أي بحبل مضفور - قال أبن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة متفق عليه )
أحكام بنت الزنا
قال العلماء : البنت المتولدة من الزنا أجنبية عن الزانين فلا ترثه إن مات قبلها ولا تنسب إليه ولا يجب عليه الإنفاق عليها ولا يجوز له أن يختلي بها ولا يملك عليها ولاية التزوج أي لا يكون وليا عليها ولا يصح له أن يرثها إن ماتت قبله وتركت مالا فهي في المحرمات والميراث أجنبية عنه وفي حكم الزواج والمصاهرة قريبة منه لا يصح زواجها ولا مصاهرتها ولا نكاح أصولها وفروعها ولا يصح لها أن تتزوج منه ولا من أصوله وفرعه وذلك هو القول الراجح وساء تأكد إنا من مائه أو شك في ذلك ما دام قد زنى بأمها وجاء الحمل بها في أثناء الاتصال بالزنا فترجح كفة أنها خلقت من ماء الزنا
أضرار الزنا
لقد لخص العلماء أضرار الزنا بعد فهم الآيات والأحاديث الواردة في هذا الشأن بما يأتي :
أولا : أن الزنا يذهب نور الإيمان من قلب الزاني ( حين يزني ) ومات ولم يتب من ذنبه
ثانيا : أن فاحشة الزنا اشد من القتل والسرقة وغيرهما ولذلك أبيح قتل مرتكبها إن كان محصنا
ثالثا الزنا نذير الرعب والفزع - ولا يستجيب الله دعاء الزاني المدمن على الزنا
رابعا : تشتعل نار جهنم في وجهه يوم القيامة عقوبة له
خامسا : يرمي الله الزاني في داخل فرن مشتعلة في وسط نار جهنم يصهر جسمه ويحرق بدنه
سادسا : رائحتهم في وسط نار جهنم تكون نتنة قذرة مثل المراحيض - حتى يتأذى منها أهل النار
سابعا : يمحو الله اسم الزاني من سجل الطاهرين الأبرار ويطرد من حظيرة المؤمنين الخيار
ثامنا : لا ينظر الله عز و جل يوم القيامة إلى الزناة نظرة رحمة ورضا وإنما ينظر إليهم نظرة غضب
تاسعا : يحرم الله الجنة على الزاني الذي استحل الزنا ومرن عليهن واستمرأه ولم يتب منه فلا يشم رائحة الجنة
عاشرا : انتشار الزنا يسبب وجود ذرية فاسدة مخزية تؤذي المجتمع وتهدمه وتجلب له الدمار
الحادي عشر : إذا ظهر الزنا في قرية فإن الله تعالى أنذرهم بالخراب والهلاك والدمار كما فعل بقوم لوط
الثاني عشر : الزنا يكون سببا في الفضيحة والعار في الدنيا والآخرة
الثالث عشر : الممتنع عن الزنا خوفا من عذاب الله تعالى يظلله الله في ظله يوم القيامة ويعفو عنه ويسامحه وينجيه من الأهوال
الرابع عشر : البعد عن ارتكاب فاحشة الزنا خشية من الله تعالى يزيد في الرزق ويجلب الخير ويجعل في وجه المؤمن مهابة وبهاء ونورا والله تعالى أعلم

حكم المخنث
المخنث : هو الذي يشبه في كلامه النساء تكسرا وتعطفا أو الذي يتشبه بالنساء في ثيابهن وزينتهن كما يفعل بعض الشبان في هذا العصر من ترك الشعور وإرخاء السوالف ولبس حلي النساء وبعض ثيابهن وترقيق أصواتهم في التحدث وغير ذلك وقد اتفقت كلمة العلماء على أن المخنث يجب نفيه من بلاد المسلمين إلى مناطق نائية مسيرة قصر عقابا لهم حتى يشعر الواحد بالوحشة والحسرة لبعده عن أهله وقرناء السوء فقد قال العلماء : لا ينفى إلا ثلاثة بكر زان ومخنث ومحارب . أما إذا كان المخنث يؤتى من الخلف فإنه يحد رجما بالحجارة حتى يموت . ولا ينفع فيه النفي إذا ثبت عليه فقد روي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لعن النبي صلى الله عليه و سلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء . وقال : أخرجوهم من بيوتكم واخرج فلانا واخرج عمر بن الخطاب فلانا رواه البخاري رحمه الله
وأتي النبي صلى الله عليه و سلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( ما بال هذا ؟ فقالوا يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى البقيع قالوا : يا رسول الله ألا نقتله ؟ قال : إن نهيت عن قتل المصلين ) رواه أبو داود
فقال العلماء : يجوز للإمام أن يعزر المخنث بما يراه رادعا له وزاجرا عن الوقوع في الذنب ويجوز له نفيه إلى بلج لآخر مسيرة سفر وذلك إذا لم يثبت عليه اللواطة باعتراف أو شهادة شهود كما ثبت في الحديث النبوي الشريف . وروي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كتب إلى أبي بكر أني وجت رجلا في تبعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة فجمع أبو بكر رضي الله عنه الصحابة رضوان الله عليهم وسألهم في هذا الشأن فكان من أشدهم في ذلك قولا سيدنا على بن أبي طالب كرم الله وجهه وbه . فقال : هذا ذنب لم يعص به إلا أمة واحدة صنع الله بها ما علمتم نرى أن نحرقه بالنار . فاجتمع رأي الصحابة على ذلك فأمر سيدنا أبو بكر خالد بن الوليد أن يحرقه بالنار وذلك بعد رجمه وإقامة الحد عليه وموته لأن التحريق بالنار لا يجوز لمخلوق . والنبي صلى الله عليه و سلم حرم التعذيب بالنار حتى في الحيوان الأعجم . روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعث فقال : ( إن وجدتم فلانا وفلانا لرجلين من قريش سماهما فأحرقوهما بالنار ثم قال رسول الله ين أردنا الخروج : إن كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما ) . رواه البخاري رحمه الله
حكم نكاح الزانية
الحنفية والشافعية - قالوا : إذا زنى رجل بامرأة يجوز له أن يتزوجها بعد ذلك بعقد صحيح وذلك لآن ماء الزنا لا حرمة له ولما روي أن رجلا زنى بامرأة في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فجلدهما مائة جلدة لأنهما كانا غير مصنين ثم زوج أحدهما من الآخر ونفاهما سنة وروي مثل ذلك عن عمر وأبن مسعود وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم وقال أبن عباس رضي الله عنهما في هذا الحكم : أوله سفاح وآخره نكاح والنكاح مباح فلا يحرم السفاح النكاح ذلك مثل رجل سرق من حائط ثمرة ثم أتى صاحب البستان فاشترى منه ثمرة فما سرق حرام وما اشترى حلال
المالكية - قالوا : إذا زنى الرجل بالمرأة فلا يصح له أن ينكحها حتى يستبرئها من مائه الفاسد لأن النكاح له حرمة ومن حرمته ألا يصب على ماء السفاح فيختلط الحلال بالحرام ويمتزج ماء المهانة بما بماء العزة ولأن الله تعالى يقول : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } ثم قال { وحرم ذلك على المؤمنين } . وقد وري عن أبن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبدا ) فإن الله تعالى يقول : { وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } فأباح نكاح غير المسافحين وأبطل نكاح غيرهما . واتفقوا على أنه إذا عقد عليها ولم يدخل بها حتى أستبراها من مائه الحرام فإن ذلك جائز وروي عن عائشة رضي الله عنهما أنها سئلت عن رجل زنى بامرأة ثم تزوجا فكرهته
الحكم إذا زنت الزوجة أو الزوج
احتج جماعة من العلماء بقول الله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } . فقالوا : من زنى فسد النكاح بينه وبين زوجته وإذا زنت الزوجة فسد النكاح بينها وبين زوجها ووجب عليه أن يفارقها . وقال بعضهم : لا يفسد النكاح بذل ولا ينفسخ العقد بالزنى من أحدهما ولكن يؤمر الرجل بطلاقها إذا وقعت الزوجة في الزنا ولو أمسكها أثم ولا يجوز التزوج بالزانية التي اشتهرت بذلك ولا يجوز التزوج من الزاني الذي يتظاهر بالفاحشة واشتهر بها إلا إذا ظهرت التوبة الصادقة عليه . وقالوا : من كان معروفا بالزنى أو بغيره ن الفسوق معلنا به مستهترا بمحارم الإسلام فتزوج من أهل بيت محافظين وغرهم من نفسه ثم علموا بذلك فلهم الخيار في البقاء معه أو فراقه وأصبح ذلك كعيب من العيوب التي تفسخ العقد واحتجوا بقول صلى الله عليه و سلم ( لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ) أما من لم يشتهر بالفسق فلا يصح أن يفرق بينه وبين زوجه . وقال بعضهم : إذا زنت زوجة الرجل لم يفسد النكاح وإذا زنى الرجل لم فسد نكاحه مع زوجته . وقالوا إن الآية منسوخة - وروي أن رجلا سأل الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن امرأتي لا ترد يد لامس فقال : طلقها فقال : إني أحبها فقال : أمسكها )
حكم نكاح المتعة
المتعة - كما في كتب الإمامية - هي النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول وغايتا إلى خمسة وأربعين يوما ويرتفع النكاح بانقضاء المؤقت في المنقطعة الحيض وبحيضتين في الحائض وبأربعة أشهر وعشر في المتوفى عنها زوجها وحكمه : أنه لا يثبت لها مهر غير المشروط ولا يثبت لها نفقة ولا توارث ولا عدة إلا الاستبراء بما ذكر ولا يثبت به نسب إلا أن يشترط وتحرم بسببه المصاهرة . وقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن النبي صلى الله عليه و سلم رخص في نكاح المتعة في صدر الإسلام للضرورة ثم نهى عنها واستمر النهي ونسخت الرخصة وإلى نسخها ذهب الجماهير من السلف والخلف . قال النووي : الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت المتعة مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريما مؤبدا والى هذا التحريم ذهب أكثر الأمة . روي عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : ( رخص رسول الله صلى الله عليه و سلم عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنها ) . رواه مسلم . وعن علي رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المتعة عام خيبر ) متفق عليه . قال الإمام البخاري : بين على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه منسوخ وأخرج أبن ماجة عن عمر بإسناد صحيح أنه خطب فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة وقال أبن عمر : ( نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم وما كنا مسافحين ) إسناده قوي
وقال الصنعاني : والقول بأن إباحتها قطعي ونسخها ظني غير صحيح لأن الراوين لإباحتها رووا نسخها وذلك إما قطعي في الطرفين أو ظني في الطرفين جمعيا وفي نهاية المجتهد : إنها تواترت الأخبار بالتحريم اه )
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #300  
قديم 14-12-2022, 03:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 62 الى صــــــــ
65

الحلقة (254)





مبحث حد اللواط
- أما اللواط فإنه من الجرائم الخلقية التي لا تليق بالنوع الإنساني وفطرته التي فطره الله عليها . فاللواط فيه عدوان ظاهر على الإنسانية وخروج عن سنن الله الطبيعية ولهذا سماه الله فاحشة كالزنى قال تعالى : { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } : فمن ارتكب هذا الفعل الشائن فقد اختلفت فيه آراء الأئمة : فمنهم من قال : إنه يعاقب عقوبة الزاني وهي الإعدام . إن كان محصنا أما الموطوء فعقوبته الجلد كالبكر لأنه لا يتصور فيه إحصان . ومنهم من يقول : إن عقاب اللائط من باب التعزير لا من باب الحد فعلى القاضي أن يحبسه أو يجلده بما يراه رادعا له عن الجريمة فإذا تكررت منه ولم يزدجر عزر بالإعدام ( 1 )
-----------------------------
( 1 ) ( اتفق الأئمة عليهم رضوان الله تعالى على تحريم اللواط في نظر الشرع وعلى أنه من الفواحش العظام بل إنه لأفحش من جريمة الزنا وإنه كبيرة من الكبائر وذلك للأحاديث المتواترة في تحريمه ولعن فاعله . ولكنهم اختلفوا في تحديد البينة على إثبات جريمته

المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إن البينة على اللواط مثل البينة على إثبات الزنا فلا يثبت إلا بشهادة أربعة من الرجال العدول ليس فيهم امرأة يرون الميل في المكحلة
الحنفية - قالوا : إن بينة اللوط غير بينة الزنا لأن ضرره أخف منه وجنايته اقل من جنايته حيث لا يترتب على اللواط اختلاط النساب ولا هتك الأعراض . . فثبتت البينة بشاهدين فقط فلا يلحق بالزنا إلا بدليل ولم يوجد دليل من الكتاب ولا من السنة فبقي الحكم على الأصل مثل باقي الأحكام والشهادات
واختلف الأئمة في اللواط هل يوجب الحد أم التعزيز ؟
المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا :
إن اللواط إذا ثبت يوجب الحد لكنهم اختلفوا في صفة الحد قياسا على حكم الزنا بجامع إيلاج فرج محرم في فرج محرم
المالكية والحنابلة وفي رواية عند الشافعية - قالوا : إن حد اللوط الرجم بالحجارة حتى يموت الفاعل والمفعول به بكرا كان أو ثيبا ولا يعتد فيه بالإحصان وشرائطه المذكورة في حد الزنا أو يقتلان بالسيف حدا واحتجوا على رأيهم بأن التلوط نوع من أنواع الزنا لأنه إيلاج فرج في فرج بشهوة ولذة فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزاني المحصن والبكر الزاني . ولقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه ( اقتلوا الفاعل والمفعول به ) وقول صلى الله عليه و سلم ( اقتلوا الأعلى والأسفل ) وبما أخرجه البيهقي من حديث سعيد بن جبير ومجاهد عن أبن عباس رضي الله عنهم أنه سئل عن البكر يوجد في اللواط قال : ( يرجم ) وقال صلى الله عليه و سلم ( اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أم لم يحصنا ) رواه أبو هريرة رضي الله عنه وروى حماد بن إبراهيم عن إبراهيم - يعني النخعي - قال : لو كان يستقيم أن يرجم مرتين لرجم اللوطي ) وعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا أتى الرجل الرجل فهم زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان )
وقالوا : إن هذا الفعل زنا يتعلق به حد الزنا بالنص فأما من حيث الاسم فلأن الزنا فاحشة وهذا الفعل فاحشة بنص القرآن الكريم قال الله تعالى في شأن قوم لوط { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } ومن حيث المعنى - إن الزنا فعل معنوي له غرض وهو إيلاج الفرج في الفرج على وجه محظور لا شبهة فيه لقصد اللذة وسفح الماء وقد وجد ذلك كله في اللواطه فإن القبل والدبر كل واحد منهما فرج يجب ستره شرعا وهو عورة في الصلاة وخارجها ويحرم النظر إلى واحد منهما ولك واحد منهما مشتهى طبعا متلذذ بلمسه ورؤيته ونكاحه حتى إن من لا يعرف الشرع لا يفصل بينهما . وقد نشرت الجرائد في العام الماضي أن مجلس الشيوخ الإنكليزي أصدر قانون يجيز زواج الرجل بالرجل وإجراء العقد عليه ومعاشرته معاشرة الزوجة ونشرت صورة تثبت عقدا أجري في الكنيسة لذلك وهذا من سخرية القدر وانحطاط النفوس - والعياذ بالله تعالى - . والمحل إنما يصير مشتهى طلبا لمعنى الحرارة واللين وذلك لا يختلف بلا قبل والدبر ولهذا أوجب الشارع الاغتسال بنفس الإيلاج في الموضعين ولا شبهة في تمحيص الحرمة هنا لأن المحل باعتبار الملك ويتصور هذا الفعل مملوكا في القبل ولا يتصور الملك في الدبر فكان تمحيص الحرمة هنا أبين وأظهر حيث لا توجد شبهة ملك بحال وكذلك معنى سفح الماء هنا أبلغ منه في قبل المرأة لأن المحل هناك ينبت الولد فيتوهم أن يكون الفعل حرثا وإن لم يقصد الزاني ذلك ولا توهم في اللواطة فكان تضييع الماء هنا أبين وليس هذا القول على سبيل القياس فالحد في القياس لا يثبت ولكن هذا إيجاب الحج بالنص وما كان اختلاف اسم المحل إلا كاختلاف اسم الفاعل
الشافعية في رواية - قالوا : حده مثل حد الزنا فيعتبر فيه الإحصان وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وقتادة والنخعي والثوري والأوزاعي وأبو طالب والإمام يحيى رحمهم الله قالوا يجلد البكر ويغرب ويرجم المحصن منهما حتى يموت لأنه نوع من الزنا
الحنفية - قالوا : لا حد في اللواط ولكن يجب التعزير حسب ما يراه الإمام رادعا للمجرم فإذا تكرر منه الفعل ولم يرتدع أعدم بالسيف تعزيرا لا حدا حيث لم يرد فيه نص صريح . قال الشوكاني رحمه الله في التعليق على هذا الرأي : ولا يخفى ما في هذا المذهب من المخالفة للأدلة المذكورة في خصوص اللواط والدلة الواردة في الزاني على العموم من الآيات والحاديث المتواترة في ذلك . أبو يوسف والإمام محمد من الحنفية - خالفوا الإمام الأعظم في هذا الرأي فقالوا : إن اللواطه فضاء للشهوة . وربما وصلت عند تعض الرجال إلى شهوة النساء من غير تفريق فهي شهوة في محل مشتهى على وجه الكمال . لذلك يجب إقامة حد الزنا عليهما فيجلد البكر ويرجم الثيب المحصن المستوفي لشروط الإحصان وأن الله تعالى سمى قوم لوط لارتكابهم هذه الفعلة الشنيعة ( مفسدين ) والمفسد عقابه القتل والعذاب الأليم قال تعالى : { قال رب انصرني على القوم المفسدين } آية 30 من سورة العنكبوت . قال الصاحبان : اتفق الصحابة رضوان الله عليهم أنه لا يسلم لهما أنفسهما وإنما اختلفوا في كيفية تغليط عقوبتهما فأخذنا بقولهم فيما اتفقوا عليه رجحنا قول الإمام علي رضي الله عنه بما يوجب عليهما من الحد
رأي الصحابة في عقوبة اللواط
لقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في كيفية حد اللواط بعد اتفاقهم على إقامته . أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - قال : يقتلان بالسيف حدا ثم يحرقان بالنار زجرا لهما وتخويفا لغيرهما وهو رأي الإمام علي كرم الله وجهه وكثير من السحابة رضي الله عنهم . قال الحافظ المنذري : حرق اللوطية بالنار أبو بكر وعلي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وهشام بن عبد الملك وذلك بعد قتلهما بالسيف أو الرجم بالحجارة . وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلي من العقوبة بما يكون في اشدن والشناعة مشابها لعقوبتهم وقد خسق الله بهم القرى وجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل واستأصل بذلك العذاب بكرهم ومحصنهم وصغيرهم وكبيرهم ونسائهم وجالهم جزاء ارتكابهم هذه الفاحشة وسماهم القرآن ظلمة ظلموا أنفسهم وظلموا الإنسانية كلها بهذا العمل الشنيع فقال تعالى في كتابه العزيز : { فما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عنند ربك وما هي من الظالمين ببعيد } . آية 81 ، 83 من هود . وروي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ينكان من مان مرتفع مثل جبل شاهق أو بناء مرتفع ويهدم عليهما الجدار ويتبعان بالأحجار حتى يموتا كما حصل لقوم لوط . وروي عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه أنه قال : يحبسان في أنتن الواضع حت يموتا . ولكن الراجح من هذه الآراء أن حده الرجم مطلقا بكرا أو ثبا . فإن الله تعالى شرع فيه الرجم على الأمم السابقة فقال تعالى في شأن قوم لوط : { لنرسل عليهم حجارة من طين } ولأن القرآن الكريم سماهم فسقة خارجين عن حدود الدين وتعاليم الشارع الحكيم فقال تعالى : { بل أنتم قوم مسرفون } وقال تبارك وتعالى : { إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } آية 33 من العنكبوت ولأن الرسول صلى الله عليه و سلم لعن اللائط وأخبر عنه بأنه مطرود من رحمة الله تعالى فقد روى النسائي رحمه الله تعالى في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط ) واللعن هو الطرد من رحمته ولأن هذا المنكر من الفواحش التي تقوض دعائم الأمم وتعلك المجتمع وتفسد شبابه ونساءه ولهذا كان الحد فيه مشددا عن غيره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( مانقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت ) وروى الترمدذي بسند صحيح أن غريب وروي عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا استحلت أمتي خمسا ععليهم الدمار : إذا ظهر التلاعن وشربوا الخمر ولبسوا الحرير واتخذوا القيان والكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ) رواه البيهقي في صحيحه ومثل هذا الحد ينطبق على من أى امرأة اجنبية في دبرها روى أبو هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( الذي عمل عمل قوم لوط فارجموا العلى والأسفل وارجموهما جميعا ) . ولأن الله تعالى بين في قوم لوط أنهم خرجوا عن مقتضى الفطرة الإنسانية وما اشتملت عيه من الغريزة الجنسية من الحكمة التي يثصدها الإنسان العاقلن والحيوان العجم فسجل عليهم أنهم يتقون من عملهم هذا الشهون ويقصدون اللذة وحدها بل إنهم أخس درجة من العجماوات وأصل سبيلا فإن ذكورها تطلب أناثها بدافع الشهوة لأجل النسل الذي يحفظ به نوع كل منه فهو قصد شريف فإذا حملت النثى فلا يقربهان ولا ينزو الذكر على الذكر ابدا . ولهذا وصفهم الله تعالى بأنهم مسرفون وأنهم مجرمونن وأنهم ظالمون وانهم مرنوا على عمل السيئاتن قال تعالى : رأتأتون الذكران من العالمينن وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } آية 165 ، 166 نت الشعراء وقال تعالى : { قال رب انصرني على القوم المفسدين ولماجاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين } آية 30 و 31 من العنكبوت وقال تعالى : رإنانزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } آية 34 من العنكبوت وقال تعالى : { ولوطا اذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } [ آيات 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 48 ، من سورة الأعراف ]
فإن عاقبة المجرمين لا تكون إلا وبالا عليهم ويستحقون أشد العذاب جزاء ما ارتكبوا هذه الفاحشة الشنيعة روى الطبراني في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( إذا ظلم أهل الذمة كانت الدولة دولة العدو وإذا كثر الزنا كثر السباء واذاكثر اللواط رفع الله يده عن الخلق فلا يبالي في أي واد هلكوا ) رواه جابر بن عبد الله النصاري رضي الله عنهما . فاللواط من السباب التي تودي بالأمم وتهلك الشعوب وتجعل أهلها محرمين من معونة الله وعنايته لآنه يدعهم إلى انفسهم ويتركهم في شهواتهم يعمهون ويرفع عنهم ولايته ومعونته وتأييده ونصره . وروى الترمذي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا ينظر الله عز و جل إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في دبرها ) رواه النسائي . وروى الطبراني في الوسط عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ثلاثة لاتقبل لهم شهادة أن لا إله إلا لله : الراكب والمركوب والراكبة والمركوبة والإمام الجائر )
اللواط يستوجب لعنة الله حقا إن اللواط يستوجب لعنة الله وغضبه ولعنة الملائكة والناس أجمعين لآنه فعل شاذ ينتافى مع العقل السليم والذوق المستقيم ويدل على أن صاحبه قد خلع جلباب الحياء والمروءة وتخلى عن سائر صفات أهل الشهامة وتجرد حتى من عادات البهائم بل أقبح وأفظع من العجماوات فناهيك برذيلة تتعفف عنها الكلاب والحمر والخنازوير فكيف يليق فعلها ممن هو في صورة كبيرة أو غني أو عظيمن كلان بل هو اسف من قدره وأشأم من خبةه
انت من الجيفة القذرة وأحق بالشرور وأولى بالفضيحة من غيره وأهل للخزي والعار فإن القاتل والسارق والزاني لا يكون في نظر المجتمع مثل الائط بل يكونون أحسن منه حالا واشرف بالنسبة له لأنه خائن لعهد الله تعالى وما له من المانة فبعدا وسحقا وهلاكا في جهنم ورئس المصير ولهذا شدد علماء الإسلام في البعد عن هذه الجريمةن من إطالة النظر إلى الغلام الأمرد ولا سيما إن كان صاحب صورة جميلة . وبعضهم اشترط في تحريمها أن تكون بشهوة لأنها ذريعة للفاحشة ومهيجة للشهوة الكامنة . عن الحسن بن ذكوان رحمه الله أنه قال : لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا جميلة كصورة النساء وهم أشد فتنة من النساء . وعن النجيب بن السدي رحمه الله أه قال : كان يقال : ( لايبيت الرجل في بيت مع الأمرد ) وعن أبن سهل أنه قال : سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم اللوطيون وهم على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون وصنف يصافحون وصنف يعملون ذلك العمل
وعن مجاهد أنه قال : لو أن الذي يعمل ذلك العمل ( يعني عمل قوم لوط ) اغتسل بكل قطرة نزلت من السماء وكل قطرة في باطن الأرض لم يزل نجسا حتى يتوب من ذنبه . وجاء رجل إلى مجلس الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومعه صبي حسن الوجهن جميل الصورة فقال له الإمام من هذا منك ؟ قال : أبن أختي قال له لا تجىء به هنا مرة ثانية ولا تمشي معه في الطريق لئلا يظن بك من لا يعرفك ويعرفه . وجخل سفيان الثوري رحمه الله الحمام العام فدخل عليه صبي حسن الوجه عاري الجسد فصرخ أغمض عينيه وقال : أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطانا وأرى مع كل صبي أرد بضعة عشر شيطانا . وذلك كله لأن ضرر هذه الفعلة الشنيعة من أخطر الأضارار على الرجال والنساء بل على الفرد والمجتمتع والإنسانية كلها فنسأل الله الحفظ والعصمة أنه سميع الدعاء

حرمة المصاهرة باللواط

الحنفية والشافعية المالكية - قالوا : بعدم تحريم المصاهرة بسبب اللواطة
الحنابلة - قالوا : تثبت حرمة المصاهرة باللواطة مثل الزنان فمن لاط بولد يطيق الجماع أو لاط برجل حرم كل منهما على أم الآخر وابنته نصا لأنه وطء في فرج مشتهى ينشر الحرمة كوطء المرأة فتثبت حرمة المصاهرة عقابا لهما . وقد لخص العلماء مضار اللواط فيما يأتي
أولا - جناية على الفطرة البشرية السليمة لآن النفوس السليمة تستفحشه وتراه أقبح من الزنا لقذارة المحل
ثانيا - مفسدة للشبان بالإسراف في الشهوة لأنها تنال بسهولة
ثالثا - تذل الرجال بما تحدثه فيهم من داء - الأبنة - ولا يستطيع أن يرفع رأسه بعد أن وضع نفسه
رابعا - تفسد النساء اللواتي تنصرف أزواجهن عنهن بسبب حبهم للواطة فيقصورا فيما يجب عليهم من إحصانهن وإشباع شهواتهن فيعرضهن ذلك للتهاون في أعراضهن
خامسا - قلة النسل بانتشار هذه الفاحشة لأن من لوازمها الرغبة عن الزواج والإعراض عن النساء
سادسا - الرغبة في إتيان النساء في أدبارهن وفي ذلك الفساد كل الفساد
سابعا - من يتعود هذه الفاحشة يميل إلى استمناء اليد وإتيان البهائم وهما جريمتان فبيحتان شديدتا الضرر في الأبدان مفسدتان للأخلاق مضعيتان للصحة البدنية وهما محرمتان كاللواطة والزنا في جميع الملل والأديان لما لهما من الأضرار الخطيرة المهلكة
ثامنا - إفساد الحياة الزوجية وتفكك العائلات والأسر وغرس العداوة والبغضاء
تاسعا - يحمل الشبان على الإضراب عن الزواج وتحمل مسؤولية الأسرة وفي ذلك ما فيه من المفاسد المقوضة لدعائم المجتمع لأن الحيان الزوجية فيها إحصان كل من الزوجين
عاشرا - تسبب أضرارا خطيرة للفاعل مثل مرض الزهري والسيلان وغيرهما وأضرارا للمفعول به فتنزل منه الأشياء الكريهة من غير أن يستطيع إمساكها . وعلى العموم فإن أضرار هذه الفاحشة لا نستطيع حصرها لكثرتها وشناعتها وخطورتها على الفرد والمجتمع

فإنها نذير الرعب وداعي الخيبة ودليل السقوط وسبب الدناءةن وفقدان الشهامة والنجدة وتدعو إلى انتشار الأوبئة والأمراض الخبيثة الفتاكةن وتجلب السل والصفرة وترفع رحنة الله وتحل غضبه وتوجب اللعنة والعقاب على الفاعلين والمفعولين وتوجد الصغار في نفس اللائط وترفع الحياء من الوجوه وترد شهادة الفاعل والمفعول به وتوجب عليهما اشد العقاب في الدنيا والدار الآخرة . ولهذا أمر النبي صلى الله عليه و سلم بنفي المخنث من المدينة حتى لا يفسد مجتمعها واهتم الشارع الحكيم بالنهي عنها وفرض العقاب الرادع لها . ووردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم تنفر المسلمين من الوقوع فيها وتحذرهم من عواقبها الوخيمةن وتهول من شناعتهان وتبين لهم فظاعتها وخطرها الجسيم . عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال : ( لعن الله سبعة من خلقه من فوق سبع سمواته وردد اللعنة على كل واحد منهم ثلاثا ولعن كل واحد منهم لعنة تكفيه قال : ملعةن من عمل عمل قوم لوط ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من عمل عمل قوم لوط ملعون من ذبح لغير الله ملعون من أتى شيئا من البهائم ملعون من عق والديه ملعون من جمع بين امرأة وابنتها ملعون من غير حدود الأرض ملعون من ادعى إلى غير مواليه )

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 433.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 427.74 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]