وصف بلاغة الرسول - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-11-2022, 03:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي وصف بلاغة الرسول

وصف بلاغة الرسول
محمود حسن عمر

الحمدُ لله هادي الورى طُرقَ الهُدى، وزاجِرِهم عن أسباب التهلكة والرَّدَى، وصلاته وسلامُه على عباده الذين اصطفَى؛ مِن ملَك ونبي مرتضى، وعبدٍ صالح اتبع ما شرَعه فاهْتدَى.


وإياه نسأل بمنِّه وفضله أن يَنفعَنا بالعلم وأن يجعلَنا من أهله، وأن يوفِّقنا للعمل بما علَّمنا وتعلُّم ما جَهِلنا، وإليه نرغَب في أن يُعيذنا من اتِّباع الهوى، وركوب ما لا يُرتضَى، وأن نشرع في دِينه ما لم يَشرَع، أو أن نقول عليه ما لم يصحَّ أو يُسمَع، وأن يَعصِمنا في الأقوال والأفعال مِن تزيين الشيطان لنا سوءَ الأعمال، وأن يقيَنا زلَّةَ العالِم، وأن يُبصِّرنا بعيوبنا؛ فما خَلْق من العيب بسالِم، وأن يرشدنا لقَبول نُصْح الناصِح، وسلوك الطريق الواضِح، فما أسعدَ مَن ذُكِّر فتذكَّر، وبُصِّر بعيوبه فتبصَّر.


وصلَّى الله على مَن بعثه بالدِّين القويم، والصِّراط المستقيم، فأكْمل به الدين، وأوضح به الحقَّ المستبين، محمَّد بن عبدالله أبي القاسِم المصطفى الأمين، صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحْبه أجمعين، ورضِي الله عن الأئمَّة التابعين، والعلماءِ مِن بعدهم العاملين الذين بلَّغوا إلينا سُنَّته، وشرَحوا لنا هديَه وطريقته، وأصَّلوا لنا أصولاً نرجِع إليها فيمَا أَشْكل علينا، ونستضيء بها ما استبهم علينا، وميَّزوا ما نقلوا إلينا عنه مِن بين ما يجب الرُّجوع إليه مِن ذلك، وما يُطرح وما يُوضع عليه مما قدْ تبيَّن أمره واتَّضح، فالواجب على العالِم فيما يرِد عليه مِن الوقائع، وما يسأل عنه مِن الشرائع، الرجوعُ إلى ما دلَّ عليه كتاب الله المنزل، وما صحَّ عن نبيِّه المرسَل، وما كان عليه الصحابة، ومَن بعدهم مِن الصدر الأوَّل.
أما بعدُ:
فأتحدَّث في هذا المقال عن وصْف بعض أعلام الإسلام لبلاغةِ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قُدَامَى ومُحْدَثين، منهم مَن كان له باعٌ طويل في الأدب والبلاغة كالجاحِظ، ومنهم من اشتَهر بالحديث والفِقه وأصوله والنحو واللُّغة، وكلام العرَب وأنسابهم وأيامهم، كالقاضِي عِياض، ومنهم مَن كان أديبًا ذا ذوقٍ خاصٍّ، كالرافعي أديب الإسلام.

أبدأ بالجاحظ حيث قال واصفًا بلاغةَ الرسول:
"هو الكلامُ الذي قلَّ عددُ حروفه، وكثرُ عدد معانيه، وجلَّ عن الصنعة، ونزّه عن التكلُّف، استعمل المبسوط في موضِع البسط؛ والمقصور في موضِع القصر، وهجر الغريب الوحْشي، ورَغِب عن الهجين السُّوقي؛ فلمْ ينطق عن ميراث حكمه، ولم يتكلَّمْ إلا بكلام قد حُفَّ بالعِصمة، وشُدَّ بالتأييد، ويُسِّر بالتوفيق، وهذا الكلام الذي ألقى الله المحبَّة عليه وغشاه بالقَبول، وجمع بين المهابة والحلاوة، وبين حُسن الإفهام وقلَّة عدد الكلام.


وهو مع استغنائه عن إعادتِه، وقلَّة حاجة السامِع إلى معاودته، لَم تسقطْ له كلمة، ولا زلَّت له قدَم، ولا بارتْ له حُجَّة، ولم يقم له خَصْم، ولا أفْحَمه خطيب، بل يبذُّ الخُطب الطوال بالكلام القَصير، ولا يلتمس إسكاتَ الخَصْم إلا بما يعرِفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصِّدْق، ولا يطلب الفلج - الفوزَ والظَّفَر - إلا بالحق، ولا يستعين بالخلابة، ولا يستعمل المواربة، ولا يهمِز ولا يلمِز، ولا يبطئ ولا يعجل، ولا يُسهِب ولا يحصر؛ ثم لم يسمعِ الناس بكلام قط أعمَّ نفعًا ولا أصدق لفظًا، ولا أعدل وزنًا، ولا أجمل مذهبًا، ولا أكرم مطلبًا، ولا أحسن موقعًا، ولا أسهل مخرجًا، ولا أفصح عن معناه، ولا أبين عن فحْواه من كلامه - صلَّى الله عليه وسلَّم -"؛ انظر "البيان والتبيين" للجاحظ، و"تاريخ آداب العرب"؛ للرافعي.

وها هو القاضي عِياض يصِف بلاغةَ الرسول وصفًا جميلاً، فيقول:
"وأمَّا فصاحةُ اللِّسان وبلاغة القول، فقدْ كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - من ذلك بالمحلِّ الأفضل، والموضع الذي لا يُجهل؛ سلاسة طبْع، وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، ونصاعة لفظ، وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف، أُوتي جوامعَ الكلِم، وخُصَّ ببدائع الحِكم، وعُلِّم ألسنة العرب، فكان يخاطب كلَّ أمة منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثيرٌ مِن أصحابه يسألونه في غير موطِن عن شرْح كلامه وتفسير قوله.


مَن تأمَّل حديثه وسيره عَلِم ذلك وتحقَّقه، وليس كلامه مع قريش والأنصار وأهل الحجاز ونجد ككلامه مع ذِي المشعار الهمداني وطهفة النهدي، وقطن بن حارثة العليمي والأشعث بن قيس ووائل بن حجر الكندي، وغيرهم مِن أقيال حضرموت[1] وملوك اليمن، وانظر كتابه إلى همدان: ((إنَّ لكم فراعَها ووهاطَها وعزازها، تأكلون علافها، وترعون عفاءَها، لنا مِن دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والأمانة، ولهم مِن الصدقة الثلب والناب، والفصيل والفارِض الداجن، والكبش الحواري، وعليهم فيها الصالِغ والقارح))؛ انظر: "المصباح المضي في كتاب النبيِّ الأُمي ورُسله إلى ملوك الأرض مِن عربي وعجمي"؛ لمحمد بن علي بن أحمد بن عبدالرحمن بن حسن الأنصاري، أبي عبدالله، جمال الدين ابن حديدة المتوفى: 783هـ.


وقوله لنهد: ((اللهم بارِكْ لهم في محضها ومخضها ومذقها، وابعثْ راعيَها في الدثر، وافجرْ له الثمد، وباركْ لهم في المال والولد، مَن أقام الصلاة كان مسلمًا، ومَن آتى الزكاة كان محسِنًا، ومَن شهد أن لا إله إلا الله كان مخلِصًا، لكم يا بني نهد ودائع الشرك ووضائِع الملك، لا نلطط في الزكاة، ولا نلحد في الحياة، ولا تتثاقل عن الصلاة))، وكتب لهم في الوظيفة الفريضة: ((ولكم الفارِض والقريش، وذو العِنان الرَّكوب والفلو الضبيس، لا يُمنع سرحكم، ولا يُعضد طلحكم، ولا يُحبس درُّكم ما لَم تضمروا الرماق، وتأكلوا الرباق، مَن أقرَّ فله الوفاء بالعهد والذمَّة، ومَن أبَى فعليه الربوة))؛ انظر كَنز العُمَّال؛ لعلاء الدين علي بن حسام الدين المتَّقي الهندي البرهان فوري (المتوفى: 975هـ)، و"المصباح المضي في كتاب النبي الأُمي ورُسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي".


ثم يقول أيضًا: "وأما كلامه المعتاد، وفصاحته المعلومة، وجوامِع كلِمه وحِكمه المأثورة، فقد ألَّف الناسُ فيها الدواوين، وجُمعت في ألفاظها ومعانيها الكُتُب، ومنها ما لا يُوازى فصاحةً ولا يُبارى بلاغةً، كقوله: ((المسلمون تتكافَأ دِماؤُهم، ويسعى بذِمَّتهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سواهم))؛ أخرجه أبو داود وابن ماجه، وقوله: ((الناس كأسنانِ المُشْط))؛ انظر "الكُنى والأسماء"؛ للدولابي، و"مسند الشهاب" للقضاعي، و"ترتيب الأمالي الخميسية" للشجري.


و((المرءُ مع مَن أحب))؛ أخرجه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي.


و((لا خيرَ في صُحْبَة مَن لا يَرَى لك ما ترَى له))؛ "أمثال الحديث"؛ لابن أبي الشيخ، و"أمالي ابن سمعون الواعظ"، و"مسند الشهاب"؛ للقضاعي، و"وصف طريق المريد إلى مقام التوحيد"؛ لأبي طالب المكي (المتوفَّى: 386هـ).


و((الناس معادن))؛ أخرَجه البخاري ومسلم، ومعمر بن راشد في جامِعه.


و((ما هلَك امرؤ عَرَف قدرَه))؛ أورده عبدالرحمن بن محمَّد بن عبدالرحمن الكزبري الشافعي (المتوفى: 1262هـ في كتابه"انتخاب العوالي والشيوخ مِن فهارس شيخنا الإمام المسند العطَّار أحمد بن عبيدالله العطار"، وانظر: "العجالة في الأحاديث المسلسلة"؛ عَلَم الدين أبو الفيض محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (المتوفى: 1411هـ).


و((المُسْتَشار مؤتَمن))؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه.


و((رحِمَ الله عبدًا قال خيرًا فغنِم، أو سكَت فسلِم))؛ أورده ابنُ المبارك في "الزهد والرقائق".


وقوله: ((أسْلِم تَسْلَم، وأسلِم يُؤتِك الله أجْرَك مرَّتين))؛ أخرَجه البخاريُّ ومسلم، وابنُ ماجه، وابن أبي شَيْبة في مصنَّفه، وأحمد في مسنده، واللفظ لمسلِم.


و((إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي مجلسًا يومَ القيامة أحاسنكم أخلاقًا، الموطَّؤُون أكنافًا، الذين يأْلَفون ويُؤْلَفون))؛ أورده محمَّد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"، والطبراني في المعجَم الصغير.


وقوله: ((لعلَّه كان يتكلَّم بما لا يَعنيه، ويبخل بما لا يَنقُصه))؛ أورده أبو يعلَى في "مسنده"، وأورده ابن بطَّة في "الإبانة" برواية: ((أو يَبْخَل بما لا يَنْفَعُه))، وأورده البيهقيُّ في "شعب الإيمان" برواية: ((ويَبْخَلُ بما لا يَعنيه)).


وقوله: ((ذو الوجْهَين لا يكون عندَ الله وجيهًا))؛ انظر "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"؛ لبدر الدِّين العيني.


وقوله: ((وكان ينهَى عن قِيل وقال، وكثرة السُّؤال، وإضاعَة المال، ومنْع وهات، وعقوقِ الأمهات، ووأدِ البنات))؛ أخرجه البخاريُّ في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده"، ومالك في "موطئه"، والدارمي في "سننه".


وقوله: ((اتَّقِ الله حيثما كنتَ، وأتْبِع السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالقِ الناس بخُلُق حسَن))؛ أخرجه الترمذيُّ، وأحمد في "مسنده"، والدارمي في "سننه".


و((خيرُ الأمور أوساطُها))؛ أخرجَه ابنُ أبي شَيبة في "مصنَّفه"، وانظر: "فتح الباري شرْح صحيح البخاري"؛ لابن حجر.


وقوله: ((أحْبِبْ حبيبَك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما))؛ أخرجه الترمذي، وابنُ وهب في كتابه "الجامع في الحديث"، وابن أبي شيبة في "المصنَّف"، وأحمد بن حنبل في "فضائل الصحابة".


وقوله: ((الظُّلم ظلماتٌ يومَ القِيامة))؛ أخرجه البخاريُّ ومسلم، والترمذي، وأحمد في "مسنده".


وقوله في بعض دعائه: ((اللهمَّ إني أسألك رحمةً مِن عندك تَهدي بها قلبي، وتجْمَع بها أمري، وتلم بها شعثي، وتصلح بها غائبي، وترفَع بها شاهِدي، وتزكِّي بها عمَلي، وتلهمني بها رشدي، وتردُّ بها ألفتي، وتعصمني بها مِن كلِّ سوء، اللهمَّ إني أسألك الفوزَ عند القضاء، ونُزل الشهداء، وعيشَ السعداء، والنصر على الأعداء))؛ أخرجه الترمذي، والطبراني في "المعجم الكبير" و"الأوسط"، والبزَّار في "مسنده"، وابن خزيمة في "صحيحه".


إلى ما روتْه الكافَّةُ عن الكافَّة من مقاماته ومحاضراته، وخُطبه وأدعيته، ومخاطباته وعهودِه، ممَّا لا خلافَ أنه نزَل من ذلك مرتبةً لا يُقاس بها غيرُه، وحاز فيها سبقًا لا يُقدر قدرُه، وقد جمعت مِن كلماته التي لَم يسبقإليها ولا قدَرَ أحدٌ أن يفرغ في قالبه عليها، كقوله: ((حمِي الوطيس) جزءٌ مِن حديث أخرَجه مسلم، وأحمد في "مسنده".


و((ماتَ حتْفَ أنفه) جزءٌ من حديث أخرجه أحمد في "المسند"، وابنُ أبي شيبة.


و((لا يُلْدَغ المؤمِنُ مِن جُحر مرَّتين) أخرجه البخاري ومسلم، وأحمد في "المسند"، وابن ماجه، وإسحاق بن راهويه في "مسنده".

و((السَّعيدُ مَن وُعِظ بغيرِه) جزءٌ مِن حديث أخرجه مسلم موقوفًا على ابن مسعود، وابن ماجه مرفوعًا، ومعمر بن راشد في "جامع الحديث".

يُدرك الناظرُ العجبَ في مضامِينها، ويذهب به الفِكر في أداني حِكَمها، وقد قال له أصحابه: ما رأينا الذي هو أفصح منك، فقال: ((حُقَّ لي، وإنما أُنْزِل القرآن بلِساني، والله يقول: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]))؛ انظر: "تفسير ابن كثير".

وقال مرة أخرى: ((أنا أفصحُ العرَب، بَيْد أنِّي مِن قريش، ونشأتُ في بني سعد))؛ أورده الطبراني في "المعجم الكبير"، والبغوي في "شرح السُّنة".

فجُمِع له بذلك - صلَّى الله عليه وسلَّم - قوَّة عارِضة البادية وجزالتها، ونصاعَة ألفاظ الحاضِرة، ورَوْنق كلامها إلى التأييدِ الإلهي الذي مَدَدُه الوحي الذي لا يُحيط بعِلْمه بشري.

وقالت أمُّ معبد في وصفها له: حلوُ المنطِق؛ فصل لا نزر ولا هذر، كأنَّ منطقه خرزات نُظمْن، وكان جهيرَ الصوت، حسنَ النغمة - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ انظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"؛ للقاضي عِياض.

وها هو أديبُ الإسلام في العصر الحديث يقولُ في وصْفه لبلاغة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "هذه هي البلاغةُ الإنسانيَّة التي سجَدتِ الأفكار لآيتها، وحسرتِ العقول دون غايتها، لم تُصنعْ وهي مِن الإحكام كأنَّها مصنوعة، ولم يتكلَّف لها وهي على السُّهولة بعيدة ممنوعة، ألفاظ النبوَّة يعمرها قلبٌ متَّصل بجلال خالقِه، ويصقلها لسانٌ نزَل عليه القرآن بحقائقه، فهي إن لَم تكنْ مِن الوحي؛ولكنَّها جاءتْ مِن سبيله، وإنْ لم يكن لها منه دليلٌ فقدْ كانت هي مِن دليله، مُحْكَمة الفصول، حتى ليس فيها عُروةٌ مفصولة، محذوفة الفُضول، حتى ليس فيها كلمةٌ مفصولة، وكأنَّما هي في اختصارها وإفادتها نبضُ قلب يتكلَّم، وإنما هي في سموِّها وإجادتها مظهرٌ مِن خواطره - صلَّى الله عليه وسلَّم.

إنْ خرجت في الموعظة قلت: أنين مِن فؤاد مقروح، وإن راعتْ بالحكمة قلت: صورة بشريَّة مِن الرُّوح في منزع يَلين فينفر بالدموع، ويشتدُّ فينزو بالدِّماء، وإن أراك القرآن أنَّه خطابُ السماء للأرض، أراك هذا أنَّه كلامُ الأرْض بعدَ السماء.

وهي البلاغة النبويَّة، تعرف الحقيقة فيها كأنَّها فِكر صريح مِن أفكار الخليفة؛ وتجيء بالمجاز الغريب فترَى مِن غرابته أنَّه مجاز في حقيقة، وهي مِن البيان في إيجاز تتردَّد فيه عين البليغ فتعرِفه مع إعجاز القرآن فرعين؛ فمَن رآه غير قريب مِن ذلك الإعجاز، فليعلم أنَّه لم يلحقْ به هذه "العين".

على أنَّه سواءٌ في سُهولة إطماعه، وفي صُعوبة امتناعه، إنْ أخَذ أبلغ الناس في ناحيته، لَم يأخُذْ بناصيته، وإن أقْدم على غير نظَر فيه رجع مبصرًا، وإنْ جرى في معارضته انتهى مقصرًا".

ويتحدَّث عن فصاحته فيقول: "أما فصاحتُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهي مِن السَّمت الذي لا يُؤخذ فيه على حقِّه، ولا يتعلَّق بأسبابه متعلِّق، فإنَّ العرَب وإن هذَّبوا الكلام وحذقوه وبالغوا في إحْكامه وتجويده، إلا أنَّ ذلك قد كان منهم عن نظَر متقدِّم، وروية مقصودة، وكان عن تكلُّف يُستعان له بأسباب الإجادة التي تسمو إليها الفِطرة اللُّغوية فيهم، فيشبه أن يكونَ القول مصنوعًا مقدرًا على أنهم مع ذلك لا يسلمون مِن عيوب الاستكراه والزَّلَل والاضطراب، ومن حذف في موضع إطناب، وإطناب في موضع الحذْف، ومِن كلمة غيرها أليق، ومعنى غيره أرد، ثم هم في باب المعاني ليس لهم إلا حِكمة التجرِبة، وإلا فضل ما يأخذ بعضهم عن بعض، قل ذلك أو كثُر، والمعاني هي التي تعمر الكلام وتستتبع ألفاظه، وبحسبها يكون ماؤه ورونقه، وعلى مقدارها وعلى وجه تأديتها يكون مقدار الرأي فيه ووجه القطْع به.

بيد أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أفصحَ العرَب، على أنَّه لا يتكلَّف القول، ولا يقصد إلى تزيينه، ولا يَبغي إليه وسيلة مِن وسائل الصنْعة، ولا يجاوز به مقدار الإبلاغ في المعنى الذي يُريده، ثم لا يعرض له في ذلك سقط ولا استكراه؛ ولا تستزلُّه الفجاءة وما يبده مِن أغراض الكلام عن الأسلوب الرائع، وعن النَّمَط الغريب والطريقة المحكَمة، بحيث لا يجد النظر إلى كلامه طريقًا يتصفَّح منه صاعدًا أو منحدِرًا، ثم أنتَ لا تعرف له إلا المعاني التي هي إلهام النبوَّة، ونتاج الحِكمة، وغاية العقل، وما إلى ذلك مما يخرُج به الكلام، وليس فوقَه مقدار إنساني مِن البَلاغة والتسديد وبراعة القَصْد".

ويقول أيضًا: فلسْنا نعرِف في هذه العربية أسلوبًا يجتمع له مِن تلك الحالة العصبية هذه الصِّفة، ويكون سواء في الحِدَّة والرَّصانة، مبنيًّا من الفِكرة بناء الجسم من اللَّحْم، متوازنًا في أعصابِ الألْفاظ وأعصاب المعاني، يثور وعليه مسحةٌ هادئة، فكأنَّه في ثورته على استقرار، وتراه في ظاهِره وحقيقته كالنَّجْم المتَّقد، يكون في نفسِك نورًا وهو في نفسه نار.

لسنا نعرِف أسلوبًا لأحدِ البُلغاء هذه صِفته، على كثرة ما قرأْنا وتدبرْنا واستخرجنا، وعلى أنَّه لَم يَفُتنا مِن أقوال الفُصحاء قولٌ مأثور، أو كلام مشهور إلا ما يُمكن أن يجزئ بعضه مِن بعضه في هذه الدلالة، فإنا لََم نقرأْ كلَّ ما كَتَب عبدالحميد، وابن المقفَّع، والجاحظ، وهذه الطبقة العصبية، ولكنَّا قرأنا لهم كثيرًا أو قليلاً، وبعض ذلك في حِكم سائرة؛ لأنَّ الأسلوب واحدٌ والطريقة واحدة، ومذهب الموجود هو مذهبُ المفقود، ولَم نجدِ ألبتَّةَ في هذا الباب غيرَ أسلوب أفصحِ العرَب - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنَّ هذا الكلامَ النبويَّ لا يعتريه شيءٌ مما سمَّينا لك آنفًا، بل تجِده قصْدًا محكمًا متسايرًا يشدُّ بعضه بعضًا، وكأنَّه صورةٌ رُوحية لأشدِّ خلق الله طبيعةً، وأقواهم نفسًا وأصوبهم رأيًا، وأبلغهم معنًى، وأبعدهم نظرًا، وأكرمهم خُلقًا؛ وهذا وشِبهه لا يتأتَّى إلا بعنايةٍ مِن الله تأخُذ على النفس مذاهبَها الطبيعيَّة، وتتصرَّف بشدَّتها على غير ما يَبعث عليها الطبعُ الحديدُ والخلق الشديد، ويخرجها مِن كل أمر متكافِئة متوازنة، بحيث يظهر أثر النَّفْس في كلِّ عمل، فيأتي وكأنَّه مِن ذلك نفس على حِدَة، ومِن أولى بهذه العناية ممَّن يُخاطبه الله - تعالى - بقوله: ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء: 113].

وعلى هذه الجِهة، لا على غيرِها، يحمل قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأبي بكر حين قال له - رضي الله عنه -: لقد طُفتُ في العرَب وسمعتُ فصحاءَهم فما سمعتُ أفصحَ منك، فمَن أدَّبَك؛ أي: علَّمك؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((أدَّبَني ربِّي، فأحْسَن تأديبي))؛ أورده الحنفيُّ المكيُّ في "الفوائد الجليلة".

وقوله مِثل ذلك لعليٍّ أيضًا، ثم قوله: ((أنا أفْصَحُ العرَب))؛ أورده الطبرانيُّ في "المعجم الكبير"، والبغوي في "شرح السُّنة".


وما كان مِن هذا المعنى؛ لأنَّه يستحيلُ أن يكونَ مع أحد مِن ذلك الذي بيَّنَّاه ما خصَّ الله به نبيَّه - عليه الصلاة والسلام - إذ الاستحالةُ راجعةٌ إلى الطبع والجِبلَّة وخلق الفِطرة، مما لا يتغيَّر في الناس إلا أن يخرِقَ الله به العادةَ على وجه المعجزة؛ ليقضي أمرًا مِن أمره، وأنَّى لامرئ بذلك من العرَب غير النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!


وهذا الذي أشرْنا إليه آنفًا، وإنما هو الأصلُ في أنَّ الكلامَ النبويَّ جامع مجتمع، لا يذهب في الأعمِّ الأغلب إلى الإطالة، بل كالتِّمْثال، يأتي مقدرًا في مادته ومعانيه وأسلوب الجمع بينها وربط الصورة بالمعنى".
والحمد لله ربِّ العالَمين.

[1] الأقيال: بفتح الهمزة وفتح المثناة من تحت ثم ألف ولام: جمع قيل بفتح القاف وسكون المثناة، وهو الملك من ملوك حمير، وحضرموت اسم لبلد باليمن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.93 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]