إشكاليات متعلم اللغة العربية في ظل التحديات الراهنة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإملاء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-10-2022, 04:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي إشكاليات متعلم اللغة العربية في ظل التحديات الراهنة

إشكاليات متعلم اللغة العربية في ظل التحديات الراهنة
هاجر بوحشيشة





مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين:
لقد كان للوجودِ البشريِّ عدةُ شروطٍ وضوابط تُمثِّل أساس الاستمرار والبقاء؛ ومنها اللغة باعتبارِها وسيلةً للتواصل والتعايشِ والتعبير عن دواخل الإنسان ورغباته وأفكاره، استنادًا إلى تعريف ابن جني بأنها "أصواتٌ يُعبِّر بها كلُّ قوم عن أغراضهم"[1]، فابن جني قدَّم تعريفًا شاملًا للُّغة بصفة عامة.

لكن هل وظيفة اللغة تنحصر في التواصل وحسب؟
هذا ما يُجِيب عنه العديد مِن الدارسين والمختصين بقضايا اللغة؛ حيث نجد أكثر مِن تعريف يُوضِّح وظيفة اللغة وأهميتها:
فهذا الأستاذ فؤاد بوعلي يقول: "يتعارف اللسانيُّون وعلماء الاجتماع على أن اللغة هي أكبر مِن كونها آليةً للتبليغ والتواصل، فهي قدرةٌ تُمكِّن مِن الإبداع، وحمل المعرفة وإنتاجها، ورسم معالِم الحد بين الواقع الطبيعي - الاجتماعي والكائن اللساني، ونظام مِن العلامات والرموز الدالة على الفكر، ومنظومة مِن القِيَم والمفاهيم المكوِّنة لرؤية الإنسان لذاته ووجوده"[2].

نعم، نحن لا نُنكِر كونَها مِفتاحَ التواصل والتبليغ، لكن مع توالي العصور وتطور الإنسان، أصبحتِ اللغةُ تَعنِي أكثر مِن ذلك؛ فقيمتُها تتعلق بقيمة الإنسان، ووجودها مرتبط بوجوده، فهي أساس كل حضارة؛ إذ بها تُبنى هذه الحضارة، وتنقل بواسطتها ما أُبدِع مِن المعارف والاكتشافات والاختراعات، ولا تتحرَّك المجتمعات بدونها.

لكن كيف يعقل أن هذه الأداة أصبحت تُعبِّر عن واقع الحضارة، وتكشف معالم الهُوِيَّة الإنسانية؟
إذا كانت الأمة العربية ترتكز على عقيدة إسلامية، وكان هذا القرآن مُنزَّلًا بهذه اللغة، يقول تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195] - فكيف لا تعبِّر هذه اللغةُ عن هذه الحضارة العربية الإسلامية؟

إذًا بحكم أن اللغة العربية لغة القرآن الكريم الذي يمثل دستورَ الأمة، فبالضرورة أن لهذه اللغة مكانةً سامية منذ القِدم، وكان للعلماء القدماء فضلٌ كبير في حفظها وتقنينِها، لكن مع توالي العصور شهِدَت هذه اللغةُ عدةَ تحديات، سواء داخلية أم خارجية، جعلت مُتعلِّمها لا يستطيع ضبطها والإلمام بها.

لذلك ارتأيتُ أن أتناول بعض المشاكل والعراقيل التي تُواجِه طالبَ اللغة العربية، أو متعلمها بصفة عامة، في ظل مجموعة من التحديات التي تواجهها هذه اللغة، ونحن نعلم أن اللغة تربِطُها بالإنسان عَلاقةٌ متلازمة؛ حيث ليس هناك وجودٌ للغة بدون وجود متكلم بها، والعكس صحيح، لكن إذا كانت هذه اللغة في بيئةٍ تعاني مِن مجموعة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل النفسية أيضًا، فكيف يكون حالها؟ وكيف يكون حال مُتعلِّمها؟

قال الدكتور عبدالعلي الودغيري - في أحد المؤتمرات الدولية -: "كل لغة تحيا بالاستعمال، وتموت بالإهمال"[3]، وهذا حال اللغة العربية؛ لذلك تتبادر إلى ذهننا عدةُ تساؤلات؛ أهمُّها:
لماذا يقلُّ استعمال اللغة العربية في الحياة اليومية؟
ولماذا ليس هناك إلمامٌ بها؟

وحتى إذا حظِيَت بكونها لغةً رسمية[4]، فهذه الرسمية تبقى نسبيةً بالنسبة لي، فاللغة العربية لم تأخُذْ حقها المفروض، ولولا هذا التهميشُ لَما كانت هناك أبحاثٌ ودراسات ومناظرات وندوات دولية وعالَمية تُساهِم في النهوض بها.

وقد حاولتُ أن أُقدِّم بعض التحديات، راغبةً في التوعية بها ومعالجتها قدرَ الإمكان، كما ورد في أحد المشاريع الناهضة باللغة العربية "ما سمي بالوضعية اللُّغوية، وهي وضعية ينبغي لكل المعنيِّين بشؤون تعليم اللغة العربية وتعلُّمها أن يكونوا مستوعِبين لها، ومدركين لمختلف أبعادها، مثلما أنه مِن واجبهم التمسُّك بالاختيار اللُّغوي الذي تبنَّته الأمة العربية منذ مجيء الإسلام، والدفاع عنه، والعمل به"[5].

1- الإشكاليات والعراقيل التي تُواجه متعلِّم اللغة العربية:
هناك مجموعةٌ مِن العراقيل التي تجعَلُ مُتعلِّم اللغة خاملًا عن تعلُّمها، وإدراكِ علومها، والاهتمامِ بها؛ منها ما هو نفسيٌّ متعلِّق بالذات البشرية، ومنها ما اقتصادي، وهناك ما هو بيداغوجي مُتعلِّق بطريقة تعلُّم هذه اللغة.

إشكاليات نفسية:
منذ تخصَّصتُ في الدراسات العربية في الجامعة، وأنا أُلاحِظ نظرةَ المجتمع لهذه اللغة، سواء الفئة الواعية أو غيرها؛ حيث كل مَن سألني عن تخصصي فأجبتُه: "دراسات عربية"، يردُّ بوجه شاحب وبعبارات تحزُّ في النفس: "اللغة العربية لا تنتج شيئًا"! وهذا الوضع تكرر مرارًا، ودائمًا أعود وأتساءل: لِمَ كل هذا الإحباط؟ فاللغة العربية جميلة، وأسلوبها رائع، ولها قواعدُ مضبوطة ورصينة، وتعدَّد إبداعُ أهلها في الأدب والتاريخ والفلسفة.

لكن مع مرور الوقت تأكَّدتُ بأن مجتمعنا مجتمعٌ ماديٌّ، فحتى اللغة عَدُّوها أداةً يَبيعون بها ويشترون، ولطالما تكرَّرت عبارات: "شعبة الدراسات العربية ملجأٌ لِمَن ليس له توجيه"، و"ليست لها آفاق"، و"لغة قديمة وصعبة"، وهناك مَن يقول: هي "لغة سهلة، ماذا ستقرؤون فيها بعد؟"!

إن نظرة المجتمع نظرةٌ جاهلة؛ فالبعض يعتقد أن اللهجات واللغة سواء، وغالبًا ما يرَوْن أن اللغة العربية سهلةُ الاستعمال؛ لأنهم يأخذونها من منظور الإعلام الزائف وما يُكتب في الجرائد، فهم لا يُدرِكون أن هذه اللغة تتميَّز بضابط الإعراب الذي يَلحَق أواخرَ الكَلِمِ، وهذا ما يجعلهم يُقلِّلون مِن شأنها.

هذا بالنسبة لِمَن لا يُميِّز بين اللغة العربية الفصحى واللهجات وضابط الإعراب، أما مَن يُدرِك هذا الأمر، فيدَّعي أن اللغة العربية صعبة التطبيق والاستعمال.

أما مِن جهة التحفيز والتشجيع، فلا تجد إلا مَن يُقلِّل مِن قيمة تخصصك هذا ويحتقره، كأنه ليس عربيًّا وليس مسلمًا! وهذا ما يجعلنا نصطدم بهذا الواقع، متى سيُدرِك المجتمع ويربط بين كلٍّ مِن وعيه الدينيِّ ووعيه القوميِّ وهُوِيَّتِه العربية الإسلامية؟

كأن اللغة منفصلةٌ عن الدين وعن الأمة العربية، هم لا ينتبِهون إلى أن تسمية اللغة العربية راجعةٌ إلى الأمة العربية؛ أيْ: جنس هذه الأمة وعِرقها، وبذلك فتعلُّمها وضبطها واجبٌ، وتقييمُها مرهون بتقييم الأمة العربية والدين الإسلامي.

نحن لا ننسى كل الخطابات السياسية والادِّعاءات التي يدَّعيها السياسيون على هذه اللغة، فنحن لن نلوم أيَّ سياسيٍّ إذا لم يتكلم باللغة العربية الفصيحة، لكن لن نسمَح له بنعتِها بالقصور والعجز، فهذا ما يولِّد لطالب اللغة إحباطًا ويأسًا شديدينِ.

إشكاليات اقتصادية:
إنَّ أوَّل ما يُواجِه طالبَ اللغة العربية عند حصوله على شهادة الإجازة وغيرها من الشهادات العليا - هو صعوبةُ الاندماج في سوقِ العمل؛ نظرًا لعدَّة شروط؛ أهمها إتقان اللغة الفَرنسية واللغة الإنجليزية واللغة الألمانية، سواء في الإدارة أو الشركات أو المصانع، بل أصبح أستاذ اللغة العربية مِن المفروض عليه أن يكون مُلِمًّا بهذه اللغات!

إذًا ما أهمية هذه اللغة إذا لم نستعمِلها في حياتنا العملية والمعيشية، باعتبارها رمزًا لهُوِيَّتنا، ونحن نخضع لهيمنة العولَمة التي تَفرِض علينا سيطرتَها اقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا، وحتى لُغَويًّا؟!

إشكاليات وعراقيل بيداغوجية:
بخصوص المشاكل البيداغوجية يتطلب الأمر أن نستحضر كيف يتعامل المتعلِّم العربيُّ مع لغته من بدايته الدراسية؛ حيث يجد صعوبةً في تعلُّمها، وهو مُلزَم بالفَرنسية والإنجليزية، ليس هذا فحَسْب، بل استطاعَتِ المنظومةُ التعليمية التعلُّمية أن تُحدِثَ تقسيمًا بين المواد الدراسية، وهو تقسيم تمييزيٌّ!

يقول الحسن مادي: "إن تدريس العلوم ابتداءً من القسم الأوَّل من التعليم الابتدائي، وترك بعض المواد تدرس باللغة العربية؛ مثل التربية الإسلامية والأخلاقية، وقواعد اللغة، وكل ما يتصل بالأدب - سيَخلُقُ لدى التلميذ إطارًا مرجعيًّا ينظر به إلى كل لغةٍ على حِدَةٍ؛ لغة علوم ولغة أدب، لغة تسمح باكتساب المعرفة الإنسانية العلمية، وتسمح بالانفتاح على العالم الخارجيِّ، ولغة أخرى لا تسمح بالتعامل إلا مع الأدب والشعر والحكايات والأساطير"[6].

وإذا عُدْنا إلى الكتب المدرسية - سواء الابتدائية، أو الإعدادية، أو الثانوية - نجدها فارغةَ المحتوى بالنسبة للمتعلم، لا تُقدِّم له أي شيء عن اعتزازه بهذه اللغة، بل أكثر مِن ذلك لا تُقدِّم ترتيبًا واضحًا عن مُكوِّنات هذه اللغة؛ فالمُتعلِّم يمرُّ سنةً بعد سنة دون أن يكتشف حتى تصورًا واضحًا عن هذه اللغة، كل ما يعرِفُ عنها أنها لغةُ الشعر الجاهليِّ، ولغة صعبة؛ لأنها معربة، وهذا الانطباع يجعله عاجزًا عن تعلُّمها.

إن الطريقة التي تُدرس بها هذه اللغة، تقول لهذا المتعلم: دَعْك من هذه اللغة؛ فإنها لا تنفعُك في شيء، كيف لمدرِّس اللغة العربية أن يمزُجَ بين العربية والعاميَّة، وبعض الأحيان يتحدَّث الفرنسية؟! ويدرس اللغة بطريقة مكتوبة فقط؛ كأنها لغة مكتوبة وليست منطوقة!

نجد في المؤسسات التعليمة غيابَ الحوار والنقاش؛ فالمدرس يكتفي بما يُملَى عليه من توجيهات، دون تنويع في طرق استعمال اللغة وتدريسها، علمًا أن طريقة تدريس اللغة لا يجب أن تكون تلقينيَّة؛ وإنما تفاعلية مبنيَّة على الممارسة والاستعمال والتداول، وخلق حوار بين المتعلمين، وتكوين مواضيعَ هادفة ومناقشتها.

لذلك عندما يجد الطالب نفسَه في الجامعةِ يصطدم بواقع آخر، يصعب عليه التأقلمُ مع وضع جديد يراعي النقاشَ والحوار والتحدُّث باللغة العربية فقط، وهذا ما يجعله يبدأ مِن النقطة الأولى، كأنه لم يدرُسْ هذه اللغةَ سابقًا!

ماذا قدَّمتِ المنظومة التعليمية لهذه اللغة سوى التشويشِ على مُتعلِّمها، وجعله عاجزًا عن إدراكها، "وهكذا فإن وضعية العربية بالمدرسة المغربية تتميَّز بتهميشٍ كبير مقابلَ الاهتمام الفائق باللغات الأجنبية، وهو تهميشٌ يُساهِم في تغذيته غيابُ الربط بين التعليم ومحيطه الاقتصاديِّ والاجتماعي، مما كرَّس الصورة النمطية التي تريد حصرَ العربية لغةً للكتب القديمة، والخطبِ الدينية والسياسية، والأحاديثِ الوجدانية، وعزلَها ليس عن الوظائف العليا الأساسية للسان وحَسْب، ولكن أيضًا التشويش عليها باعتبارها عنصرًا مُشكِّلًا للهُوِيَّة الوطنية، والحيلولة دون قيامِها بدورها في التنمية، وفي الولوج إلى المعرفة والإبداع"[7].

2- التحديات الكامنة وراء هذه الإشكاليات:
ليست هناك أيُّ ظاهرةٍ إلا ولها أسباب، فإذا عُدْنا إلى بيئة هذه اللغة ومحيطها الاجتماعيِّ، وطبيعة نظامها، والمؤسسات الفاعلة فيها - نجد عدة أسباب تجيب عمَّا يُحيِّرنا من أسئلة.



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-10-2022, 04:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إشكاليات متعلم اللغة العربية في ظل التحديات الراهنة

إشكاليات متعلم اللغة العربية في ظل التحديات الراهنة
هاجر بوحشيشة




التنوع اللُّغوي وغياب التنسيق:

كما نعلم فإن هناك لغةً، وهناك لهجات تتفرع عن هذه اللغة، والعالم العربيُّ يتَّخِذ اللغةَ العربية الفصيحة لغتَه الرسمية، بالإضافة إلى وجود عدة لهجات تختلف حسب كلِّ بلد ومنطقة، وفي علم اللغة الاجتماعيِّ ليس هناك تمييز بين اللغات واللهجات؛ لأن هدفه هو دراسةُ هذه اللغة أو اللهجة دراسةً اجتماعية، لكن هذا لا يعني أن اللغةَ العربية الفصيحة تعادل العاميات، وعلى الرغم مِن العَلاقة الوثيقة بين العربية الفصيحة والعاميات العربية، فإنَّ الفوارق بين هذينِ النمطين أو المستويين واضحةٌ جدًّا[8].



وهذا ما نجده متداوَلًا عند عامة الناس، فالطفل العربيُّ بمجرَّد وصوله إلى مرحلة النطق لا يتكلَّم سوى اللغة الأم التي يسمعها مِن أسرته والمجتمع الذي ترعرع فيه، وحين دخوله المدرسةَ يصعُبُ عليه إبدالُه بتلك اللغة الأم لغةً عربية فصيحة، خاصة وأن هذه المرحلة بدائيةٌ بالنسبة له، وبمجرد تدرُّجه في المستويات الدراسية تجده يعيش صِراعًا بين هذه الازدواجية[9]، خاصة مع وجود مدرِّسين يتحدثون العامية داخل المؤسسات التعليمية، كما يؤدي الإعلامُ دورًا سلبيًّا بالنسبة للمُتعلِّم؛ حيث نجد عدة برامج إذاعية وتلفزيونية بالعاميات (الإشهار والإعلانات...)، فكيف ستترسَّخ هذه اللغة في ذهن هذا المتعلِّم؟!



هذا بالإضافة إلى مُشكِل الثنائية اللُّغوية[10] التي تجعل عقل المتعلِّم لا يستطيع أن يستوعب أية لغة، دون أن ننسى وضعَ سكان الأمازيغ الذين يعيشون صِراعًا لُغويًّا شديدًا بين لغتهم الأم "الأمازيغية" وما يتفرَّع عنها، واللغة الرسمية العربية الفصحى، والعامية، واللغات الأجنبية!



إن هذا التعدُّد اللُّغويَّ - أو كما يسميه البعض: التشويشَ اللُّغوي - قد يُفقِد العربَ تلك النزعةَ القومية تجاه لغتهم، خاصة أن ليست هناك رقابة أو نظام لهذه اللغات التي تفرضها الفطرةُ مِن جهة، ويُروِّج لها البعض من جهة أخرى.



الوضع الاستعماري والسياسة الفَرنسية:

كان للاستعمار الفَرنسي على المغرب أثرٌ كبير في انحطاط اللغة العربية؛ حيث "كانت الفَرنسية لغةَ المعلم، ولغة الكتاب والواجبات المدرسية"[11]، وليس هذا فحسب، بل حتى الآن تجد الإدارة المغربية - وبعض الأحيان تجد الناس في الشارع - يستعملون اللغة الفَرنسية!



يقول فؤاد بوعلي: "وقد استطاعت الفرانكفونية المدجَّجة بالمعارف والاقتصاد أن تحقِّق لفَرنسا من خلال "الماكينة" الأدبية والصحافية، والصالونات والجوائز الأدبية، والمنح الدراسية، والشركات الأكاديمية - السيطرةَ على مصير كثيرٍ من بلدان العالَمينِ العربيِّ والإفريقي"[12]، فأنت تجدُ بعض الأحيان الموظفين في إدارة أو غيرها يتحدثون مع بعضهم البعض باللغة الفَرنسية، فكيف نفسِّر هذا؟

ومنذ استقلال المغرب سنة 1956 إلى الآن، لا تزال اللغة الفَرنسية مهيمنةً على المجتمع المغربي!



العولمة ومسخ الهُوِيَّة:

تُشكِّل العَوْلَمة بأسلحتِها المباشرة وغيرِ المباشرة قطبيةً شاملة للعالم؛ فهي استطاعت أن تغزوَ جميع مجالات الحياة اليومية، بفضل ريادتها العالمية وتعدُّد وسائلها، فأصبح العالم العربيُّ تابعًا للغرب بكل الطرق، ومِن بين أوجه العَوْلَمة المتمركِزة نجدُ جعلَ الكثير مِن العلوم والمعارف بلغاتهم؛ كالطب والهندسة والعلوم، ونشرهم لمجموعةٍ مِن الادِّعاءات على اللغة العربية، وتشويه صورتها للمتعلم؛ كالصعوبة المتمثلة في الإعراب، بل المؤامرة بالدعوة إلى حذفه، بداعي الالتجاء إلى التسكين فقط!



يقول كاشف جمال في هذا الصدد: "قد واجهَتِ اللغةُ العربية تحدِّياتٍ ضخمةً على مستويات عديدة في نظام العَوْلَمة باعتبارها وعاءً للثقافة العربية وللحضارة الإسلامية، فالعَوْلَمة هي مصطلح أكثر انتشارًا في كل مجالات الحياة، نعم اللغة أيضًا تأتي تحت دائرة التأثير لهذه الظاهرة"[13].



لقد كانت العَوْلَمة - ولا تزال - تهدد الاستقرار الحضاريَّ وصِبْغة الهُوِيَّة الإنسانية العربية، واللغةُ هي أيضًا إحدى ضحايا العَوْلَمة، من خلال ترويجِها للعامية بين أفراد المجتمع، ونشر اللغات الأجنبية!



يقول كاشف جمال: "مِن المهم ألا تغفلَ بأن اللغة العربية تُواجِه أكبر خطورة في صورة التحديات الداخلية، وهذه التحديات تأتي مِن عامة الناس الذين يعيشون فيما بيننا، ويتحدَّثون باللغة العربية، ولكنَّهم يُطالبون بنَبْذها ويستبدلون بها العاميات شعار الواقعية، ويرغبون بشدةٍ في استخدام اللغة الإنجليزية في حياتهم العادية"[14]!



وعلى العموم، فهناك مجموعةٌ مِن التحديات التي واجهَتْها اللغة العربية، ولا تزال تواجهها، فالعولَمة وغيرُها ليست هي أوَّلَ مواجهةٍ تقف أمام اللغة العربية، بل كانت هناك مِن قبلُ عدةُ مواجهات وعراقيلَ؛ منها في العصر العباسي عندما غزا المغول والتترُ العربَ، وأصاب اللغةَ ما أصاب الإنسان من الانهيار والإحباط، ثم سياسة التتريك، وبعدها ما قام به المستعمر الغربيُّ، والآن العولَمة.



خاتمة:

رغم كل هذه التحديات تبقى للغة العربية مكانةٌ سامية عند المسلمين؛ وذلك لأن تاريخَها مَجيدٌ، واستطاع علماؤها أن يُحصِّنوها ويدافعوا عنها؛ لأنها تُمثِّل هذه الحضارةَ العربية، وبالفعل وصلت هذه الحضارةُ إلى الرقيِّ والازدهار بفضل هذه اللغة؛ كما يقول عبدالسلام المسدي: "الحضارة العربية قد أدركَتْ تلك المرتبة، فكَّر أعلامها في اللغة العربية فاستنبطوا منظومتَها الكلية، وحددوا فروع دراستها بتصنيف لعلوم اللغة، وتبويب لمحاور كل منها، فكان مِن ذلك جميعًا تراثهم اللُّغوي في النحو والصرف والبلاغة والعَرُوض"[15].



إن ارتباطَ اللغة العربية بالجانب الدينيِّ جعل لها قيمةً معنوية لا تُعوَّض، فتراثها زاخر بالفكر، والعلم يشهد لها، وتبقى لغةً حية مبدعة ذات طاقة تعبيرية، كما يجب علينا - نحن أبناء هذه الأمة الممثِّلين لهذه الحضارة - ألا ننسى لغتنا؛ لأن مِن الغريب أن تجد أبناءَ هذه الأمة هم أنفسهم يتجاهلون لغتهم وحضارتهم.

كما نرى مِن واجب المؤسسات التشريعية أن تحاول مِن جهتها الإصلاحَ قدرَ الإمكان؛ لأنها مسؤولة عن هذا.



إن كلًّا مِن الحماية القانونية والتشريعية للغة العربية - باعتبارها لغةً رسمية - غائبةٌ؛ ففي فرنسا بعد أن نصَّت على اللغة الفَرنسية لغة رسمية في الدستور سنة 1992، أعادت الدولةُ مرة أخرى وأكدت على ضرورة استعمال هذه اللغة في كل المجالات، لكن السلطة في المغرب تتعامل بنوعٍ مِن التجاهل واللامبالاة - بل التسامح! - مع دعوات إقصاء العربية.



ليس هذا فحسب، بل تلعَبُ المؤسسات التعليمية دورًا مهمًّا في هذا المجال.

يجب أن يكون هناك تحفيزٌ وتربية على حب اللغة العربية وتعلُّمها، وإلا سيبقى مُتعلِّم هذه اللغة ينفِرُ منها!



لائحة المصادر والمراجع الواردة في المقالة:

القرآن الكريم.

1 - أتكلَّم جميع اللغات لكن بالعربية؛ عبدالفتاح كيليطو، دار توبقال للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2013.

2 - أسباب ومسببات تدنِّي مستوى تعليم اللغة العربية في الوطن العربي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، دار التربية، تونس، 2010.

3 - أهمية اللغة العربية ومناقشة دعوى صعوبة النحو؛ أحمد بن عبدالله الباتلي.

4 - التفكير اللساني في الحضارة العربية، عبدالسلام المسدي، الدار العربية للكتاب، الطبعة الأولى، 1981.

5 - حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها؛ الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، الرباط، 24/ 6/2013.

6 - الخصائص؛ ابن جني، تحقيق محمد علي النجار، بيروت، عالم الكتب، ج1.

7- السياسة التعليمية بالمغرب ورهانات المستقبل؛ الحسن مادي، منشورات مجلة علوم التربية، 1999.

8 - اللغة العربية وتحدِّيات العصر الحاضر في ظل العولمة؛ كاشف جمال، مركز الدراسات العربية والإفريقية جامعة نهرو - نيو دلهي.

9 - النقاش اللُّغوي والتعديل الدستوري في المغرب؛ فؤاد بوعلي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012.





[1] "الخصائص"؛ ابن جني، تحقيق محمد علي النجار، بيروت، عالم الكتب، ج1، ص33.




[2] - "النقاش اللُّغوي والتعديل الدستوري في المغرب؛ "فؤاد بوعلي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص 2.



[3] المؤتمر السنوي الدولي الخامس 2017، "الإصلاح: مسارات ومآلات ما بعد الحراك العربي".



[4] الرسمية يقصد بها اللغة التي يشير إليها الدستور، وتنظِّمها القوانين داخل دولة أو ولاية أو إمارة أو منظمة، كيفما كان نوعها.



[5] "أسباب ومسببات تدني مستوى تعليم اللغة العربية في الوطن العربي"؛ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، دار التربية تونس 2010، الصفحة 13.



[6] "السياسة التعليمية بالمغرب ورهانات المستقبل"؛ الحسن مادي، منشورات مجلة علوم التربية، 1999، الصفحة 48/49.



[7] مذكرة بخصوص "حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها"، الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، الرباط 2013/06/24، الصفحة: 6.



[8] "أسباب ومسببات تدني مستوى تعليم اللغة العربية في الوطن العربي"، الصفحة 14.



[9] الازدواجية هي وجود العربية العامية (المنطوقة أساسًا) إلى جانب العربية الفصيحة (المكتوبة)، التي هي اللغة القومية والدينية والحضارية والرسمية للأمة العربية.



[10] الثنائية اللغوية هي وجود لغة أجنبية (غير وطنية) أو أكثر، إلى جانب العربية الفصيحة، والعربية العامية بطبيعة الحال.



[11] "أتكلَّم جميع اللغات لكن بالعربية"؛ عبدالفتاح كيليطو، دار توبقال للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2013، الصفحة 14.



[12] "النقاش اللغوي والتعديل الدستوري في المغرب"؛ فؤاد بوعلي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012، الصفحة: 3.



[13] مقال "اللغة العربية وتحديات العصر الحاضر في ظل العولمة"؛ كاشف جمال، مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة نهرو - نيو دلهي.



[14] مقال "اللغة العربية وتحديات العصر الحاضر في ظل العولمة"؛ كاشف جمال.



[15] "التفكير اللساني في الحضارة العربية"؛ عبدالسلام المسدي، الدار العربية للكتاب، الطبعة الأولى، 1981، الصفحة 24.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.58 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]