حيرة دراسية والخوف من المستقبل - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التوبة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          فضل صلاة التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          خطر الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          مجازر الطحين.. إرهاصات نصر وعز وتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          ليكن زماننا كله كرمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حديث:ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          وصايا نبوية مهمة للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حديث:من رَكعَ أربعَ رَكعاتٍ قبلَ الظُّهرِ وأربعًا بعدَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أنوية العلمانيين، وهم يواجهون أعداءهم من أهل القبلة، وحراس العقيدة... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          لفظ (الناس) في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-02-2021, 04:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي حيرة دراسية والخوف من المستقبل

حيرة دراسية والخوف من المستقبل


أ. عائشة الحكمي


السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سأضعُ بين أيديكم مشكلةً تُؤرِّقني منذ أكثر من سنة ونصف، ولم أستطعِ البوح بها لأحدٍ إلى الآن، وبَوْحِي لكم من مُنطَلق ثقة ويقين بأنَّ الحلَّ الشافي قد يكون لديكم، بعد الله سبحانه وتعالى.

سأبدأُ من أوَّل البداية لكي أوقفكم على الصورة كاملةً: نشَأتُ في كنف أمٍّ وأب على درجةٍ عالية من الثقافة والعِلم، وكبرت على أفكار ومبادئ كانت لي بقدسية الحياة نفسها، رُبِّيت أنا وإخوتي على أنْ نبدي رأينا، وأنْ نكون أعضاء فاعلين في مجتمعنا، وأن نحمل أحلامًا وطموحات كبيرة، ونسعى لتحقيقها أينما كانت وكيفما كانت، وكنت - وما زلت - أحمدُ الله على الجوِّ الأسري الحضاري الذي عِشتُ فيه، وكلَّما زاد عمري سنةً ازداد وعيي وتمييزي، لا أقولها من باب التفاخر؛ وإنما وصفٌ لما كنت عليه.
كان الجميع يشيدُ بثَقافتي وفِكري الذي يسبقُ عمري بمراحل، وكبرت أيضًا وسط توقُّعات كبيرة وظنون أكبر بمستقبلٍ لامع ليس له حدود، في فترة دِراستي لمرحلتي المتوسطة والثانوية، لم أجدْ أيَّ تعقيدٍ أو مشاكل في الاستذكار، كنت أعتمد بنسبة 90% على فهمي واستيعابي داخل الفصل، وأترك الباقي لليلة الامتحان، ودائمًا كنت أخرُج منه حاصلةً على الدرجة الكاملة، أو إنْ أخطأت فيكون خطئي في فقرةٍ أو سؤالٍ واحد، تخرَّجت في الثانوية بالدرجة النهائية تقريبًا، ونلت أعلى الدرجات في اختباري القُدرات والتحصيل، وعندما جاء وقتُ التسجيل للجامعات لم أعرف حقًّا ما أريد؛ فآثَرتُ التسجيل للسنة التحضيريَّة، وأترُك لي مدَّة زمنيَّة للتفكير في مستقبلي وما أريد أنْ أكونَه، وللأسف مضى الوقتُ سريعًا، وكنت أتهرَّب فيه من التفكير وأوهم نفسي أنَّ الوقت ما زال مبكرًا لاتِّخاذ قرارِ مصيري بهذا الحجم، كنت أجزعُ وأمرُّ بنوبة هلع كلَّما فكَّرت في المستقبل، وأين سأكون بعد سنتين أو ثلاث؛ لذلك كنت أتَحاشى التفكير، وأشغل نفسي بأيِّ أمرٍ آخَر، ومرَّت السَّنة وقد تغيَّرتُ فيها كثيرًا؛ انشغلت بأمورٍ تافهة، وهجرت القِراءة، وضاقت دائرة اهتِماماتي بعد أنْ كانت تشمل الأدب والسياسة وعُلوم النفس والاجتماع، تغيَّرت طِباعي وشخصيَّتي، أصبحت أكثر عصبيَّة وغضبًا، وألقي باللوم على أهلي ومَن حولي في كل شيء، وجزءٌ من ذلك لأنَّ أهلي وصديقتي قد خذَلُوني وقت حاجَتِي لهم، اكتشفت مُتأخِّرة أنَّ الجوَّ المدرسي والأسري كان يحميني من أمورٍ كثيرة؛ فأنا فاقدةٌ للثقة بنفسي، خائفة دومًا من المجهول، أحبُّ الروتين والجلوس في المنزل وأكرهُ التغيير ومُقابَلة أشخاص جُدد أو الاختلاط بالناس، ولا أعرفُ كيفيَّة التعامُل معهم، أشعر دائمًا بالنقص وأنَّ كلَّ مَن حولي أفضل مني بشكلٍ أو بآخر، ووصلت الآن إلى درجة أنِّي أصبحت أكرهُ نفسي، ولا أعرف ماذا أفعل بها، وأشعر بفشلي وقلَّة حِيلتي.
أنهيت السَّنة التحضيريَّة بمعدَّل كامل وبدرجاتٍ مثاليَّة رغم قلة استذكاري، ودائمًا ما أخاطب نفسي بأن درجاتي العالية ما هي إلا انعكاس لتَفاهة مَناهجنا وسُهولة ما ندرسه، وفعلاً هي الحقيقة إلى حدٍّ ما، واجهني أهلي بعدَها بخصوص التخصُّص، وأخبرتهم بأنِّي لم أجد ما يُعجِبني في جامعتي؛ فنصَحُوني بالسفر للخارج للدراسة عند أقاربي، فوافَقتُ لأنِّي أردت إسكاتهم، وأردت التوقُّف عن التفكير؛ فالإجازة الصيفيَّة كانت في بدايتها، والآن لا يفصلني عن السفر سوى فترةٍ زمنيَّة قصيرة، أشعُر بخوفٍ يُشعِلُ في جوفي نارًا وبوحدةٍ شديدة، ولم أستَطِعِ التفكير في تخصُّصٍ أريده، ولا فيما أحتاجه للسفر، كل ما أراه أمامي هو المعوِّقات: لغتي أقل من المتوسطة، ولا أستطيع الاعتماد على نفسي، وأخاف من شدَّة صُعوبة المواد والعُروض التقديميَّة والواجبات وما هو مطلوب هناك؛ لأنَّ ثقافتي معدومةٌ من هذه الناحية، لا أشعر أنَّني سأنجحُ هناك، وأخافُ من العودة بالفشل، ويخيب ظن أهلي فيَّ.
أحلامي منذ الصِّغَرِ أنْ أُنشِئ مؤسسةً خيريَّة ضخمة تخدم الوطن العربي والإسلامي كاملاً، وتتبنَّى مشاريع تنمويَّة كبيرة، وتدفع بعجلة التعليم في بلدي إلى الأفضل من جميع النواحي، أريدُ أنْ أجوب دول العالم المسلمة الفقيرة وأُساعدهم ماديًّا، وأُناصحهم فيما يخصُّ أمور دِينهم، أريد أنْ أخدم أمَّتي ودِيني وأُعيد اهتمام الشباب بقضيَّة فلسطين وبقضايا الأمَّة التي تهمُّنا، لا أريد منصبًا عاليًا، ولا شهادات مرموقة، ولا وظيفة بدخلٍ كبير، أريد أنْ أعيش لخدمة شيءٍ أكبر من ذاتي فقط، وأقتسم لقمة عيشي مع مَن يحتاجها أكثر منِّي، ولكنَّها مجرد أحلام بعيدة المنال!
أريد أنْ أكسر حاجز الخوف والخجل وجلْد الذات الذي أعيشُ فيه، ولكن بقدر محاولاتي وبحثي عن حُلول، لم أجدْ ولم أتغيَّر، وأصبحتْ عبارات الفشل والتحطيم دائمًا في عقلي، فأدمنت الطعام ومُشاهدة الأفلام، واعتزلت العالَم، وغاضبة فقط لأنَّ كلَّ مَن تخرَّج معي وجدوا ذَواتهم وحقَّقوا ما أرادوا.
في المرَّات القليلة التي فكَّرت فيها في تخصصي أرى أنِّي أحبُّ الأرقام، فأميل إلى الرياضيات والهندسة، ولكنِّي لا أرى فيهما مستقبلاً وظيفيًّا؛ فالأول كثيرون من حملة شهادته، والثاني فرص العمل للنساء في بلدي معدومة فيه، وفكَّرت أيضًا في علم النفس؛ فأنا أحبُّ الاطِّلاع فيه، إلا أنِّي أخافُ من صُعوبته في الخارج وتأثيره على الشخصيَّة، وما قد يَدرُسونه هناك ممَّا يُعارِضُ تعاليم الدِّين الإسلامي ويُخالِف المنطق والفِطرة.

ساعدوني، كيف أضعُ أهدافي الشخصيَّة؟ وكيف أختار تخصُّصي؟ وكيف أتأقلمُ مع فكرة سفري وتغرُّبي، وكيف أستطيع النجاح؟ وكيف أتقبَّل نقاط الضعف في نفسي؟
أرجو الردَّ بأقصى سرعة، فأنا بانتظاركم.


الجواب
بِسْمِ اللهِ المُلْهِم بالصَّواب
وهو المُستعان

أيّتها العزيزة:
سأُجيبكِ - بعَوْن اللهِ وتَوْفيقِه - عن كلِّ سُؤالاتكِ، ولكن أودُّ قبلَ ذلكَ أن أُفِيدَكِ عن عبدالحمِيد الكاتب فائدةً، لو لم تخرُجي من جَوابي عليكِ بغيرها لكفَتْكِ، وهي كلمةٌ مُحْكَمة ضمن رسالةٍ طويلةٍ مُشبَعة بالحكمَة، وجَّهها عبدُالحميد الكاتِب إلى الكُتَّاب، وذكرها ابنُ خَلدون بطُولها في "المُقدمة" يقول فيها: "إنْ ظنَّ منكُم ظانٌّ أو قال قائلٌ: إنَّ الذي برَز من جَمِيل صَنْعتِه، وقُوَّة حَرَكته، إنَّما هو بِفَضْل حِيلَته وحُسْنِ تَدْبيره - فقد تعرَّض بحُسْن ظنَّه أو مقالتِه إلى أن يَكِلَه اللهُ - عزَّ وجلَّ - إلى نَفْسِه، فيصير منها إلى غيرِ كَافٍ، وذلكَ على مَن تأمَّلَهُ غير خافٍ".
فتفقَّدي سُطوركِ؛ فإنَّكِ ستَجِدين تفوُّقَكِ ونَجاحكِ وتَميُّزكِ مَنْسوبًا إلى نفسكِ وأُسرتكِ الكَرِيمة: "نشَأتُ في كنف أمٍّ وأب على درجة عالية من الثقافة والعِلم، وكبرت على أفكار ومبادئ كانت لي بقدسية الحياة نفسها"، "كنت أعتمد بنسبة 90% على فهمي واستيعابي داخل الفصل، وأترك الباقي لليلة الامتحان"، "وكلَّما زاد عمري سنةً ازداد وعيي وتمييزي، لا أقولها من باب التفاخر، وإنما وصفٌ لما كنت عليه".
ولم تنسبي شيئًا من ذلك ولا بعضه إلى صُنع اللهِ - جلَّ ثناؤه - وفضله الغَامِر عليكِ، فوكلكِ إلى نفسكِ في الجامِعَة، وكانت النَّتيجة ما عرَفتِ من حالكِ؛ واللهُ يقول: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾[النساء: 79]، وحسبُكِ ما بلغتِ من تِيهٍ وحَيْرةٍ، فاذكُري فضلَ الله عليكِ، ولا تنسبي شيئًا من أفضاله لنفسكِ أو أُسرتكِ، إنْ أردتِ التَّوفيقَ والنَّجاح والسَّداد في السَّنوات القادِمة.

كيف أختار تخصُّصي؟
لا أعرف على أيِّ وجهٍ صَرَفتِ اختياركِ إلى علم النَّفس والرِّياضيَّات، وتحتارين بينهما وهما لا يجتمعان في مَسَارٍ واحدٍ؟!
قبيحٌ – لَعَمْرِي - بطالبةٍ مُتفوِّقة مثلكِ ألا تعرفَ أنَّ علمَ النَّفس ممَّا يُدرَس في القسم الأدبي، وأنَّ الرِّياضيَّات ممَّا يُدرَس في القسم العلمي، فكيف تضعينهما في سلَّةٍ واحدة؟!
نصيحتي لكِ في هذا الإطار: ألا تختاري تخصُّصًا خارج مَساركِ، علميًّا كان أو أدبيًّا؛ لأنَّكِ وإن تمكَّنتِ من الالتحاق بتخصُّصٍ علمي في إحدى الجامعات الغربيَّة، وأنتِ خرِّيجة قسم أدبي في مدارس بلدك، فإنَّكِ لن تتمكَّني من مُزاوَلة العمل بهذه الشَّهادة مهما علت؛ لأنَّها ستَخضعُ للجنةِ مُعادلة الشَّهادات الجامعيَّة بعد عَوْدتكِ إلى الوطن، وعلى الأغلب أنَّكِ ستُواجِهين مُشكلات وعوائق لا حصرَ لها.
حقيقةً، لقد صعَّبتِ عليَّ مُساعدتكِ، إلا أنِّي نظرتُ إلى دائرةِ اهتماماتكِ قبل التحاقكِ بالجامِعة وهي: (الأدب والسِّياسة وعلم النَّفس والاجتماع)، وإلى أهدافكِ التَّنمويَّة والاجتماعيَّة منذ الطُّفولة، فغلَّبتُ الظَّنَّ بأنَّكِ خرِّيجة قسم أدبي؛ وعليه سأقترح عليكِ بعض التَّخصُّصات العلميَّة التي تتناسبُ وهذه المُيول والاهْتِمَامات، وهي على التَّرتيب بحسب ما وقَعَ في نَفْسي أنَّها تُلائمكِ:
1- خدمة اجتماعيَّة Social Work - Social Service
2- علم الاجتماع Sociology
3- تنمية الموارد البشريَّة Human Resources Development
4- إدارة الموارد البشريَّة Human Resources Management

ما يجمعُ بين هذه التَّخصُّصات العلميَّة المُختلِفة أنَّها جميعًا ذات أهدافٍ تنمويَّةٍ واجتماعيَّةٍ سامية، وهو الهدَف الرَّئيس الذي استَنبطتُه من سُطوركِ، فقومي - عُوفيتِ - بعمل بحثٍ شاملٍ عن كلِّ تخصُّصٍ على حِدَةٍ، وانظُري مدى مُلاءمتِه لقُدراتِكِ واهتماماتِكِ، وكُوني على ثقةٍ بأنَّ جميع هذه التَّخصُّصات لها أهميَّتها العلميَّة، كما أنَّ لها فرصَ عمل مُستقبلاً - بإذن الله تعالى.

المُعوِّقات:
أوَّلاً: اللُّغة:
بالنِّسبة لعائق اللُّغة فهذا العائقُ قد دُرِس من قبل في الجَامعاتِ الغربيَّة باهتمام، فلستِ بأوَّلَ من يُسافر للدِّراسة في الخارج ولستِ بآخرهم، وسوف تكونين مُلزَمة بتعلُّم اللُّغة الإنجليزيَّة لمدَّة عامٍ أو بضعة أشهُر قبل اختيار التخصُّص، وسيمنحكِ هذا الوقت في دراسة الإنجليزيَّة مزيدًا من الوقت للتَّفكير في التَّخصُّص المُناسب - إن شاءَ اللهُ تعالى.

ثانيًا: الاتِّكال على الآخرين:
هذه فُرصتكِ لتعتَمِدي على نفسكِ، بعد حُسنِ التوكُّل على الله - سبحانه وتعالى - ولا شكَّ أنَّ البداية ستكون صَعْبة عليكِ كحال كلِّ البدايات، ثم تسير الأمورُ على ما يُرام مع طاقاتِ الإيمانِ العاليَة، واليقين بأنَّ مَن خَلَقكِ لن يُضيِّعكِ.
نقَل الطَّبري في "تاريخ الرُّسل والمُلوك": عن ابنِ عبَّاسٍ قال: جاءَ إبراهيمُ نبيُّ اللهِ بإسمَاعِيل وهَاجر فوضعَهُما بمكَّة في مَوْضِع زَمْزَم، فلمَّا مضى نادتْهُ هاجر: "يا إبراهيم، إنَّما أسألكُ ثلاثَ مرَّات: مَن أمرَكَ أن تضعني بأرضٍ ليس فيها زَرْعٌ ولا ضَرْعٌ ولا أنيسٌ ولا مَاءٌ ولا زَاد؟" قال: "ربِّي أمرني"، قالتْ: "فإنَّه لن يُضيِّعَنا"، قال: فلمَّا قفا إبراهيمُ قال: "ربَّنا إنَّك تعلمُ ما نُخفي وما نعلنُ"؛ يعني: من الحُزْن "ومَا يَخْفَى على اللهِ مِن شيءٍ في الأَرْضِ ولا في السَّماء".
فلتكن هاجر - عليها السَّلام - قُدوتكِ في هذه الغُربة.

ثالثًا: القلَق من الدِّراسة:
العلمُ صعبٌ كلُّه، والله وحدَه مَن يُيسِّره لطَلبة العِلْم، قال ابنُ القيِّم - رحِمَه اللهُ تعالى - في "بدائع الفوائد": "سُئِل مَالِك عن مَسْألةٍ فقال: "لا أدري" فقيل له: "إنَّها مسألةٌ خفيفةٌ سَهْلة"، فغَضِبَ وقال: "ليس في العِلْم شيءٌ خفيفٌ، ألم تسمَعْ قولَه - جلَّ ثناؤه -: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5]؟! فالعلمُ كلُّه ثقيلٌ، وخاصَّة ما يُسأَل عنه يوم القيامة".
لذا لن أقولَ لكِ: لا تقلقي؛ ولكن أقول: لا بُدَّ من مسنِّ القلَق الطَّبعي لشَحْذ الهمَّة، وأَخْذ العلمِ بقوَّة؛ كما قال الله - سبحانه وتعالى - ليَحْيَى - عليه السلام -: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12].
فكُوني على استعدادٍ لطلَبِ العِلْم النَّافع كما كان يطلبه الصَّحابة والتَّابعون والسَّلف الصَّالح - رضي الله عنهم أجمعين - فقد قال الإمام الشَّافعيُّ - رحِمَه اللهُ تعالى -: "حقٌّ على طَلَبة العِلْم بُلوغُ غاية جهدهم في الاستكثارِ من العِلْم، والصَّبر على كُلِّ عَارِضٍ دُون طلَبه، وإخلاص النِّيَّة للهِ في إدراك عِلْمه نصًّا واستنباطًا، والرَّغبة إلى اللهِ - تعالى - في العَوْن عليه".
وأمَّا الاتِّكال على الذَّكاء والحظِّ وسُهولة المواد، فهذا أمرٌ قد انتهى الآن.

ذَرِينِي أَنَلْ مَا لا يُنَالُ مِنَ العُلَى
فَصَعْبُ العُلَى فِي الصَّعْبِ وَالسَّهْلُ فِي السَّهْلِ

تُرِيدِينَ لُقْيَانَ المَعَالِي رَخِيصَةً
وَلا بُدَّ دُونَ الشَّهْدِ مِنْ إِبَرِ النَّحْلِ



كيف أضع أهدافي الشَّخصيَّة؟
يجيبكِ د. إبراهيم الفقي بتفصيلٍ عن هذا السُّؤال في كتابه "سَيْطرْ على حياتِك"، فعليكِ بِمُطالعتِه، وللشَّيخ أبي إسحاق الحويني كلمةٌ لَطِيفة حولَ تحديد الهدَف اسمعيها - فضلاً - عبر الرَّابط التَّالي:
http: //www.safeshare.tv/w/PdoMIJRIuR

كيف أتأقلمُ مع فكرة سفري وتغرُّبي؟ وكيف أستطيع النَّجاح؟
بدايةً، لستُ ممَّن يُؤيِّد سفرَ البناتِ غير المُتزوِّجات للخارج طلبًا للعِلْم؛ لأنَّ السَّفرَ غُربةٌ، والغُربة وحشة وذِلَّة وفِتْنة، فلو أنَّكِ سافرتِ مع عائلتكِ الكريمة أو زوجكِ، لكان خيرًا لكِ؛ فصدرُ زوجِكِ ليس كذِراعِ أخيكِ، وقلبُ أبيكِ ليس كقلبِ خالكِ، ذاك قلبٌ مَشْغولٌ بكِ، وذلك قلبٌ مَشْغولٌ بغيركِ، ولو خُيِّرتُ في أمرٍ كهذا ما اخترتُه لنفسي، وما لا أرضاه لنفسي لستُ أرضاه لغيري، ولكنَّه اختياركِ وبتشجيعٍ من أهلكِ، ولا أراكِ تستشيرين في تَرْك السَّفر بل في التَّأقلم مع فِكْرة السَّفر، ولو أنَّكِ استشرتِنا فيه ما وافقتكِ على السَّفر ما دُمتِ غير مُتزوِّجة، ولن يسافر معكِ والداكِ، وزيادة على ذلك أنَّ هذا حالكِ! بل كنتُ أرى أن تُسجِّلي في جَامعةٍ أُخرى في مدينةٍ أُخرى عوضًا عن تجشُّم السَّفر إلى الخارِج، ولكن ما جَدْوى هذا الكلام وليس بينكِ وبين السَّفر إلا بضعة أسابيع؟! ليس عندي ما أقول إلا أنَّ هذا الطَّريق قد اخترتِه بنفسكِ فأكملي سيركِ، فلستِ تسيرين وحدكِ.

اقْنَعْ بِحَظِّكَ فِي دُنْيَاكَ مَا كَانَا
وَعَزِّ نَفْسَكَ إِنْ فَارَقْتَ أَوْطَانَا

فِي اللهِ مِنْ كُلِّ مَفْقُودٍ مَضَى عِوَضٌ
فَأَشْعِرِ القَلْبَ سُلْوَانًا وَإِيمَانَا



ولعلَّ الله أنْ يفتح لكِ بهذا السَّفر بابَ خير، فلا تُغلقيه بالخَوْف والقَلَق والتَّردُّد.

وَرُبَّ أُمُورٍ لا تُضِيرُكَ ضَيْرَةً
وَلِلْقَلْبِ مِنْ مَخْشَاتِهِنَّ وَجِيبُ

فَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يُوَطِّنُ نَفْسَهُ
عَلَى نَائِبَاتِ الدَّهْرِ حِينَ تَنُوبُ



فلتُوطِّني نفسكِ على الأمَل والتَّفاؤل والاصطبار على الألم والتَّعب، ولتتذكَّري أنَّ العلمَ هدفٌ لا يُنال بالإهمالِ والحظِّ والأماني العِذَاب؛ بل بالهمَّة العالية والنِّيَّة الخَالِصة والجدِّ والاجتهاد.
وصحيحٌ أنَّكِ ستَستَوحِشين لانفرادكِ في أوَّل الأمر، لكنَّكِ ستَعتادِين الأمرَ في آخِر الأَمْر، فإنِِ اضطرَّتكِ وَحْشةُ الوحدة إلى جليسٍ يُؤنسكِ، فتعرَّفي على أخواتِ وزوجاتِ أصدقاء أخيكِ؛ إذ لا شكَّ أنَّه قد أصبح الآن على مَعْرفةٍ واسعة بأحوال النَّاس هُناك، وابقي على اتِّصالٍ بوالديكِ صوتًا وصورة من خِلال الانترنت، والله يحفَظُكِ.

كيف أتقبَّل نقاط الضَّعف في نفسي؟
جُلُّ نقاط ضعفكِ مَرَدُّها إلى ضَعْف ثقتكِ بنفسكِ؛ والثِّقة بالنَّفس تعني: إيمان الفَرْد واطمئنانه بقُدرته على النَّجاح، وتخطِّي عتباتِ الفَشَل، وأمَّا الخَوف والخجَل وجَلْد الذَّات والقلَق، فهي من ثمار عدم الثِّقة بالنَّفس، ومتى تحقَّقتْ لديكِ الثِّقة بنفسكِ، سقطت تلك الثِّمار الفِجَّة من تلقاء نفسها؛ والحديث عن بناء الثِّقة بالنَّفس حديثٌ ذو شُجون، وقد أُلِّفت فيه العديدُ من الكُتب، مثل:
1- كتاب "الثِّقة بنفسك: كيف تكفُّ عن الشُّعور بالعَجْز وتعيش أكثر سعادة بجهدٍ أقل؟"؛ تأليف: إم. جيه. رايان.
2- كتاب "الثِّقة الفائقة: أبسط الخُطوات لبناء الثِّقة بالنَّفس"؛ تأليف: جيل لندنفيلد.
3- كتاب "الثِّقة بالنَّفس طريقك إلى النَّجاح"؛ تأليف: د. عبداللطيف العزعزي.
4- كتاب "افتح النَّافذة ثمَّة ضَوْء"؛ تأليف: د. خالد المنيف، وهذا الكتاب تصفَّحِيه في كلِّ مكان: في البيت، في الطائرة، في الجامعة؛ لروعته وفائدته الجمَّة.

أخيرًا:
قال أبو هُريرة - رضي الله عنه - لرجُلٍ: "أُوَدِّعُكَ كما ودَّعني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((استَوْدَعْتُكَ الله الذي لا يُضَيِّعُ ودائعَه))؛ رواه أحمد، وإنِّي أستودعُ الله دِينَكِ وأمانَتَكِ وخَواتِيم عَملِك، كُلئتِ أيَّتُها العزيزة بعِناية الله.

والله - سبحانه وتعالى - أعلمُ بالصَّواب، والحمدُ للهِ على نَواله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبِّيِه مُحَمَّدٍ وصَحْبِهِ وآلِه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.79 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]