بائع البالونات - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 654 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 923 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1087 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 849 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 834 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 914 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92789 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11935 - عددالزوار : 190995 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56912 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26184 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-05-2023, 11:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي بائع البالونات

بائع البالونات
د. مروة مجدي

طلبتُ منه الخروج من المنزل، ثم جلستُ في الشرفة الواسعة أنظُر إلى النيل غير عابئة به، دون أن يكف عقلي عن التفكير في الحديث الطويل الذي دار بيننا قبل خروجه، ثم قلت لنفسي: لماذا تحرمينه الحلم وأنت لم تَنسيه يومًا، عشر سنوات وأنا أسيرة لأوامر الأطباء من أدوية وفحوصات وعمليات جراحية، فلم أمَلَّ يومًا، ولم ينتابني اليأس ولو لحظة واحدة، فلم أُقرَّ يومًا بأنني عقيمٌ حتى بيني وبين نفسي؛ فالأمل يملأ كِياني ويحتويني، يُدَفِّئني، فلم أُبال بإحباط المحيطين، فنظراتهم تقول دائمًا: ستنهارين يومًا ما، وستندمين على كل هذا الانتظار الكاذب، حتى عندما أقع في فك ألسنتهم، أحاول المقاومة وأظل أنتظر وأنتظر حتى يولَد جنين الأمل بأحشائي، كم اشتقتُ له! فأريد أن أحضنه، أشم رائحته، آه لو أَتَى!

كنتُ أختنق أحيانًا من غياب الحلم يومًا آخر يمضي وينزع الحياة من جديد، عقب أي لقاء عائلي صاخب يثير القلق، ينتهي بخصام بيني وبينه، ولكن سَرعان ما يتلاشى، فلم نتعود على البُعد، ولكن اليوم مختلف جدًّا يا عصام، فلا أستطيع أن أمنَع نفسي من الغضب منك، فقد ضغطتَ على جرح السنين بلا رحمة، فجعلتني أشعُر أن روحي ستُنزَع مني، فمن أين أتيتَ بكل هذه القسوة!

ألم يكفِك عشر سنوات من الانتظار؟! أنا تعبت يا فريدة، لا أستطيع التحمل أكثر، افهَمي: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46].

زينة يا عصام، زينة فقط، أكمل الآية.

أنت تكذبين على نفسك، فلماذا أعددتِ غرفة ملكية تجلسين فيها وحدك بالساعات؟! لماذا تشترين الألعاب وملابس الأطفال في كل مناسبة، حتى اختنقت الغرفة، فحُلمك تضخَّم واستعصى عليك؟!

كفاية يا عصام، أرجوك.
اتركيني يا فريدة، لا تحرميني من حلم السنين.

لم أجد كلمة واحدة أرد بها، فشعرتُ أن عقلي قد توقف، وأنني سأفقد الوعي، جلستُ منهمكة، ثم قلت له:
أنت حر، افعَل ما شئتَ، فليس الأمر بيدي، فلن أُجبرك على العيش معي.

لا تقولي ذلك فأنت زوجتي وحبيبة عمري، أنا أريد ابنًا فقط.
شعرتُ أن العالم كله أُغلق علي، وأُحْكِمَ إغلاقه، فأصبح بلا حياة، عالم جاحد، أكرهه كثيرًا، فكيف سأعيش بدون عصام؟! فهو كل رصيدي في هذه الدنيا، فرأيتُ العالم كله بعينيه، حتى مِن قبل الزواج، فهو الابن الأكبر لعمي الوحيد الذي تولَّى رعايتنا منذ وفاة أبي، فلم يتحرك قلبي لأي رجل غيره، فكيف استطاع أن ينزعَ نفسه مني؟ وكيف سأعيش بدونه؟ ليته يعلم أن أنفاسه وقود أنفاسي، فأنا أعشق كل ما يخصه، فكيف تجرَّأ على العيش مع امرأة غيري، وهو يعلم كم أغار عليه من أي امرأة حتى ممن يتردَّدنَ على عيادته؟ فكيف تصير إحداهنَّ زوجته، فالنار تأكلني ولا أستطيع إخمادها، ليتني أكرهه!

مرَّ عام وما زلتُ أذكر هذا اليوم وكأنه الأمس، فقد تغير زوجي كثيرًا، وأصبح يغيب عن البيت بالأيام والليالي، بحجة رعاية زوجته الحامل التي تستحق كل الرعاية والاهتمام، فماذا ستجري الأحوال بعد الاحتفال بالطفل المنتظر؟ هل سيكون الغياب بالأسابيع؟ أم سيستغني عني للأبد؟ اتصلتْ عليَّ زوجته أمس، وطلبت مني حضور الحفل، فهي تريد أن تَدلني على مكانتي الجديدة، ستبلغني بعينيها أنني صِرتُ على الهامش، هل سأتحمل ذلك؟ أم عليَّ الاعتذار عن الحفل، والاعتراف بالهروب والهزيمة؟!

أُقر بأنني خَسِرتُ حياتي إلى الأبد بضياع الحلم، ثم خسارة زوجي وكِياني الذي حاولت الحفاظ عليه حتى انتزعتْه مني إنسانةٌ غريبة عنه، لكنها صارت أقربَ الناس إليه بفضل هِبة السماء التي حلَّت عليها دون جهد أو انتظار، لا بد أن أعترف أن عليّ الانسحاب الآن، فيكفيني عام من الإحساس بالمرارة والفقد والمهانة بعد ما صرتُ امرأةً على الهامش، بعدما صار الحرمان يَخصني وحدي، فلم يَعُدْ عصام يشاطرني الحلم، فلم تَعُد حياتنا واحدة، فتجلَّى له الأمل في مكان جديد بعيد عني كل البعد، لا ألوم عليها، بل أحيانًا أَعذِرها؛ لأنني غصة في حلقها ترغب في التخلص منها؛ حتى تكتمل حياتُها، فلن ترضى أن تظلَّ المرأة الثانية في حياة عصام وهي تحمل بين يديها جنته المنشودة.

صباح الخير يا فريدة، كم اشتقتُ إليك.
اذهب لابنك واحتَضنه، سيذوب الشوق ويتلاشى.
غريبة لهجتك معي.
أوَد اختصار الطريق عليك.
أنشغلُ عنك أحيانًا، ولكن لا أنساك مطلقًا.
وأنا أيضًا لا أنسى أن لديك زوجة أخرى تسترضيها كلَّ ليلة مثلما تفعل معي الآن، لن أنسى أن هناك قطعة منك هناك، يمكن أن تتخلى عن العالم من أجلها، لن أنسى ولن أنسى الكثير.

رفقًا بي يا فريدة.
اتركني الآن، إلى متى سأنتظر؟ فالحلم أصبح بلا معنى، وصار يؤرِّقني وحدي بلا رحمة، لا تُحمِّل نفسك أكثر من طاقتها، فحبُّك تحوَّل إلى شفقة أكرَهها مثلما كرِهت الوهم الذي احتَضنته سنوات كثيرة، فالغرفة الملكية صارت مزدحمة كما قلت منذ عام، أُضيفُ لك أنها صارت عَفِنة مثل المقبرة، وآن لها أن تُهدَم أو تُحرق أو تتلاشى.

أنا قلق عليك، أول مرة أراك هكذا.
لا تقلق سأخرج أنا هذه المرة، وعليك الخروج أيضًا، بدلًا من الاختناق فرائحة الدخان تملأ المكان.
فريدة، فريدة، لا تخرجي أرجوك.

(2)
اليوم أوشك على الانتهاء ولم أستطع بيع كل البلالين، أعلم أن اليوم يوافق الأحد، فليس إجازة رسمية كما أن موسم الامتحانات قد اقترب، فالميدان يعج أكثر بالشباب وكبار السن نوعًا ما، فالأطفال قليلون وبدأت أشعر بالجوع، فلم آكل شيئًا منذ العاشرة صباحًا، والشمس قد أوشكتْ على المغيب، ولا أحب الرجوع إلى أمي وإخوتي بفائض البلالين، فعندما أدخل غرفتنا الوحيدة في نهاية اليوم، يدركون أن النقود قليلة معي، فتبتسم أمي وتُربِّت على كتفي، ثم تقول جملتها المعهودة: "لا عليك يا بني، فالحال لدي كان أفضل ولا نحتاج إلى شيء"، ثم تضم رأسي إلى صدرها، فأحاول تصديقها.

أعتقد أن غدًا ما يسمونه "يوم اليتيم"، ذلك اليوم الذي قابلتُ فيه السيدة الحسناء التي اشترتْ مني كل ما كان معي وقتها، وكانت تتحدث معي بودٍّ بالغ، وكانت تُصر على إعطائي مالًا، وعندما رفضتُ قرَّرتْ أن تشتري كل شيء معي، ما أجملها! ماذا لو كان الكون كله مثلها؟ لم تَغِبْ صورتها عن عيني وهي سعيدة جدًّا، وكأنها كانت تجهز مفاجأة لأولادها، الغريب أنهم لم يكونوا معها وقتها، ففي كل يوم آتي إلى ميدان "وسط البلد"، أتوقع رؤيتها، فماذا لو رأيتها الآن، سأحكي لها عن نفسي وعن أسرتي الصغيرة، فأشعر برغبة قوية في الحديث معها، ليتني أراها مرة أخرى، أتمنى أن تكون بخير، فمثلها ليس لها أن تحزن على الإطلاق!

فما زلتُ أذكُر كلَّ الحديث الذي دار بيننا، فكانت المرة الأولى التي شعرتُ فيها أن هناك مَن يشغل نفسه بحالي، فكل الزبائن تَجذبهم الألوان المبهجة التي أحملها دون النظر في وجهي، فيختارون من بينها، ثم ينظرون في عيني أطفالهم مُلتمسين سعادتهم، أما السيدة الحسناء كانت تنظر في عيني، محاولة أن تُخفي تساؤلات كثيرة، ثم سألتني عن اسمي ومدرستي بفضول رقيق أحببتُه كثيرًا، وعندما سألتُها عن ابنها، قالت: في مثل عمرك، فقلت لها: إنني لم أفكر في اقتناء البلالين، تعجَّبتْ وقالت: لماذا يا صغيري؟ فقلت لها: لأنني السبب في إسعاد الأطفال ولو بعض الوقت، فالجنيهات القليلة التي أحصل عليها لا تعادل شغفَهم وهم ينظرون إليّ وأنا أحل لهم عقدة البلونة، كما أن أمي طلبت مني أن أمنَح آخر بلونة معي لأي طفل أشعُر باحتياجه أثناء العودة، فأشعر دائمًا أنني لست محتاجًا لشيءٍ، فأمي تقول دائمًا: كلما أعطيتَ صرتَ أقوى وأغنى وأسعدَ الناس، فقالت: أنت غريب جدًّا يا صغيري.

يبدو أنه عليّ الذهاب الآن، فحال الشراء راكدة، ولم أجنِ سوى المزيد من الإحساس بالجوع وضياع الوقت المخصص للمذاكرة، ما أسعد حظي اليوم! إنها السيدة الحسناء جاءت في الوقت المناسب، أكيد ستشتري كل الفائض معي، ولكن الأهم أنها ستتحدث معي كثيرًا، كم كنتُ محتاجًا إلى وجودها اليوم، هل ستذكُرني؟ أشعر بالخجل والحيرة ودقات قلبي تتسارع، سأعرِض عليها أغراضي وأتركها لذاكرتها.
بلالين، أتريدين بلالين؟
لا شكرًا (دون أن تنظر إلى وجهي).
لماذا؟ أقصد أنا.
صرختْ في وجهي: قلتُ لك: لا أريد شيئًا.

أدرتُ ظهري عنها ومشيتُ في انكسارٍ، وأخذتُ أردِّد في نفسي: كم كنتُ مخطئًا! ليتني ما اقتربتُ منها، فيبدو أنني لم أزِد عن طفلٍ أشفقتْ عليه في لحظة سعادة كانت تمرُّ بها، فأرادتْ رؤيتها في عيني شخص بائس، ثم نسِيتني بعدها، عذرًا يا أمي لست قويًّا أو غنيًّا، فأنا طفلٌ فقيرٌ عليه أن يتحمَّل تفاوت الأمزجة دون اعتراضٍ أو ضجرٍ، فلم أتعوَّد الإلحاح على الزبائن، لماذا خالفتُ عوائدي مع السيدة الحسناء، كنت أظنها تُشبه أمي، لكن الحقيقة أنها تشبه الكثير ممن يأتون إلى هنا!

(3)
الميدان هادئ اليوم أكثر من اللازم، وكأن الجميع قد ذهبوا إلى الحفل، بالتأكيد اليوم هو اليوم الأهم في حياة زوجة عصام، فأتخيَّلها اليوم وقد صارت المالكة الوحيدة لقلب عصام، هنيئًا لهما طفلهما الصغير، فأرى قطعة اللحم الصغيرة أقوى من عمر كامل من الحب والدعم والتضحية، حتى الأحلام والأمنيات صارت بلا ثمنٍ أمامك يا صغير، ليتني أنسى كلَّ شيء حتى أُشفَى من هذا العذاب، فأريد الخروج من هذه الدائرة المهينة، ولكن أحداث هذا العام الكبيس تتراءى أمامي بلا هَوادة، فالعالم أصبح ضيقًا، حتى وأنا في هذا الميدان الواسع أشعر باختناق.

ما هذا الصراخ؟! يبدو أنها حادثة، يا إلهي الضحية صبي صغير، وما هذه البلالين التي تطير في الهواء حول الحادث؟! رحمتك يا رب، أُصيب بائع البلالين، أشعر برعشة قوية في كل الأطراف، فالصدمة تنهش جسدي، فأتمنَّى لو أتلاشى من الوجود قبل الاقتراب ورؤية الصبي.

أفسِحوا الطريق أرجوكم.
ماذا بك؟ الرجل الذي صدَمه سيأخذه إلى المشفى؟ ما شأنك؟ يا مدام، يا مدام، الولد ينزف، دعيه يذهب إلى المشفى.

أنا، أنا مَن صدمتُه، (ارتميتُ على الصغير وأخذتُه في حضني)، قل لي يا صغيري: هل أنا بهذه القسوة؟ كيف فعلتُ ذلك؟! وفي خِضَمِّ صدمتي نظر إليَّ الطفل وهو شبه غائب عن الوعي، شعَرتُ أنه يسمعني، فاطمئنَّ قلبي فقلت له والدموع تغمرني: سامحني يا صغيري، فأنا أنزفُ مثلك تمامًا، لا تُغلق عينيك، فلن يساعدك أحدٌ غيري، لا تغلق عينيك أرجوك، فأنت الأقوى والأغنى والأهم، أشرقتْ عينا الطفل، فأخذته في حضني أكثر، وقلتُ لهم: لن يحملَه أحدٌ غيري، همستْ أصوات من حولي: "مسؤولية كبيرة يا مدام، الولد حالته صعبة، دعي المخطئ يتحمَّلها".

فقلت لهم وأنا أسير بالطفل: سأتحمَّلها وحدي، اتركوه يذهب.
كاد القلق يَقتُلني، وخاصة كلما شعرتُ أن الطفل يقترب من الإغماء، حتى وصلنا المشفى ودخل غرفة العمليات، قضيتُ أسوأ ساعات من القلق والخوف، وحاولتُ الوصول إلى أمِّه المسكينة، وأتيتُ بها في نهاية الليل إلى المشفى، حاولتُ أن أفعل أشياءَ كثيرة، حتى أساعد هذه الأسرة البائسة، ومكثتُ طوال الليل أرمق الطفل وأدعو له بالشفاء، حتى إن أمَّه أشفقتْ على حالي وقالت لي: سأتنازل عن حق ابني أيًّا كانت النتيجة، فقلت: ولكنني لن أسامح نفسي إذا أصابه أيُّ مكروه، فلا أريد إلا سلامته وبعدها سأُولَد من جديد، وسيتسع هذا العالم لأرى النور مجددًا، تمنيتُ فقط أن أرى الطفل وأتحدث معه كثيرًا.

فاق الصبي في الصباح واستقرت حالتُه، قلتُ له: سامحني، لم أكن أقصدك؛ لأنني لم أرَك وقتها، ففي الظلام تتساوى الألوان، فقد عميتْ عيني عن كل من حولي، لكنك أعدتُ النور إلى عقلي، فليتني فهِمتُ كلامَك قبل عام، ومنعتُ عن نفسي كل هذا الألم الذي عشتُه عامًا كاملًا في انكسار وأنا أنتظر مَن يَمنحني السعادة والسلام، فعلَّمتني كيف أمنح وأنا في عز ضَعفي، وجعلتني أسأل نفسي: لماذا الإصرار على السير في طريق واحد، إذا كان هناك أكثر من طريق؟!

ودَّعتُ الطفل وأمَّه الشامخة، وذهبتُ إلى سيارتي وأنا غاية في التعب، ولكنني أشعر أنني صرتُ حرة، فتخلصتُ من كل ما يؤلِّمني ويؤذيني، تجاهلتُ حُلمَ السنين الذي احترَق في لحظة ما، تجاهلتُ جرحَ عصام، نسيتُ نظرات الشفقة التي ظلَّلَتْ عالمي وكدتُ أتعوَّد عليها، أفاقَني الهاتفُ في السادسة صباحًا أثناء قيادة السيارة، وأنا أستمتع بشروق الشمس في مدينتي الساحرة.
ماذا حدث يا فريدة؟ أين كنتِ؟ لم ننمْ لحظة واحدة.
أنا بخير يا أمي.
عصام كان يبكي مثل الأطفال، أليس لديك رحمة؟
فعلًا أنا قاسية جدًّا، غريبة هل ترك الحفل؟
لا داعي لهذا الكلام، أنت تعلمين قدرك عنده!
قولي له: اذهَب إلى زينتك التي اخترتَها، فلستُ محتاجة لك بعد أن وجدتَ روحي التي قيَّدها الحلم، والوهم والزيف، فلماذا النظر إلى السطح دائمًا، إذا كان العمق أثرى وأغنى وأنقى؟!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.70 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]