تجديد بناء الكعبة المشرفة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213355 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-06-2023, 03:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي تجديد بناء الكعبة المشرفة

تجديد بناء الكعبة المشرفة
د. محمود بن أحمد الدوسري


إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد: تم بناء الكعبة وتجديدها بعد بعثة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عُهودٍ مُختلِفَة؛ وهي على النحو التالي:
1- بناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
2- بناء الكعبة في عهد عبد الملك بن مروان.
3- بناء الكعبة في عهد السلطان مراد خان.
4- إصلاحات شاملة للكعبة في عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله.

أولًا: بناء عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما:
سبب البناء:
أرسل يزيد بن معاوية عام (64هـ) جيشًا من الشام بقيادة الحصين بن نمير لقتال عبد الله بن الزبير- رضي الله عنهما، فحاصر مكة، ورماها بالمنجنيق، فتأثَّرت الكعبة، واحترقت، وضَعُفَت جدرانها، وبعد سبعة وعشرين يومًا من الحصار توفي يزيد، فعاد الجيش إلى الشام، ولم يدخل مكة، واستتب الأمر لعبد الله بن الزبير- رضي الله عنهما - في مكة، وقرر إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم - عليه السلام، تيمُّنًا بما كان يتمناه رسول الله، وهو بناء البيت على قواعد إبراهيم - عليه السلام، فأدخل فيها ما أخرجته قريش منها (6 أذرع وشبرًا)، وجعل لها بابين مُلتصِقين بالأرض، أحدهما في الجهة الشرقية، والآخر في الجهة الغربية، وزاد في ارتفاعها إلى (27 ذراعًا - أي: 5ر13م)[1].

وذُكِرَ هذا البناء بروايات وطُرق مُتعدِّدة وصحيحة؛ منها:
1- ما جاء عن عَطَاءٍ - رحمه الله - قَالَلَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ، يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ أَوْ يُحَرِّبَهُمْ[2] عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ، أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِي بِنَاءَهَا، أَوْ أُصْلِحُ مَا وَهَى مِنْهَا؟

قال ابن عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما: فَإِنِّي قد فُرِقَ لي رَأْيٌ فيها[3]، أَرَى أنْ تُصْلِحَ ما وَهَى منها، وَتَدَعَ بَيْتًا أَسْلَمَ النَّاسُ عليه، وَأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عليها، وَبُعِثَ عليها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

فقال ابن الزُّبَيْرِ- رضي الله عنهما: لو كان أَحَدُكْمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ، ما رَضِيَ حتَّى يُجِدَّهُ[4]، فَكَيْفَ بَيْتُ رَبِّكُمْ؟ إِنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلاَثًا، ثُمَّ عَازِمٌ على أَمْرِي. فَلَمَّا مَضَى الثَّلاَثُ أَجْمَعَ رَأْيَهُ على أَنْ يَنْقُضَهَا، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَنْ يَنْزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فيه، أَمْرٌ من السَّمَاءِ، حتى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلْقَى منه حِجَارَةً، فلما لم يَرَهُ الناس أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا، فَنَقَضُوهُ حتى بَلَغُوا بِهِ الأَرْضَ، فَجَعَلَ ابن الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً، فَسَتَّرَ عليها السُّتُورَ[5] حتى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ)[6].

2- ما رواه البخاري من هدم ابن الزبير - رضي الله عنهما - للكعبة وبنائه لها: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ! لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، لأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ». فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - عَلَى هَدْمِهِ.

قَالَ يَزِيدُ[7]: وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الإِبِلِ[8].

لا تعارض بين السَّببين:
يظهر من رواية مسلم؛ أن سبب بناء ابن الزبير للكعبة: هو ما أصابها بسبب الحرق حين غزاها أهل الشام فأصبحت واهية.

ورواية البخاري؛ تُشير إلى سبب آخر: وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، ولا تعارض بينهما؛ لأنه ربما كان الحديث هو السبب، وكان احتراق البيت في زمن يزيد فرصة مناسبة للعمل بالحديث[9]، أو كان الحريق هو السَّبب، والحديث هو المُسَوِّغ الذي اعتمد عليه ابن الزبير - رضي الله عنهما - في هدم الكعبة، وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم - عليه السلام، وجعل لها بابين.

قال الفاسي - رحمه الله: (وأما بناء عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - للكعبة فهو ثابت ومشهور، وسبب ذلك تَوَهُّن الكعبة من حجارة للمنجنيق، التي أصابتها حين حُوصِر ابن الزبير - رضي الله عنهما - بمكة أوائل سنة 64هـ لمعاندته يزيد بن معاوية)[10].

(مسألة): أيُّهما كان أَولَى: تَرْك الكعبة على ما هي عليه، أم بناؤها على قواعد إبراهيم - عليه السلام؟

هذه المسألة لها وجهان[11]:
الأوَّل: أن يؤمَن من فتنة الناس، وتوجد نفقة كافية لبناء الكعبة: فالأَولى في هذه الحالة هو نقضها، وبناؤها على قواعد إبراهيم - عليه السلام، كما كان يريد أن يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهو عين ما فَعَلَه عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما؛ حين قَالَ: (فَأَنَا الْيَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ، وَلَسْتُ أَخَافُ النَّاسَ. قَالَ: فَزَادَ فِيهِ خَمْسَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، حَتَّى أَبْدَى أُسًّا[12] نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَبَنَى عَلَيْهِ الْبِنَاءَ، وَكَانَ طُولُ الْكَعْبَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا زَادَ فِيهِ اسْتَقْصَرَهُ، فَزَادَ فِي طُولِهِ عَشَرَ أَذْرُعٍ، وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ، وَالآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ)[13].

الثاني: أن يُخاف من الفتنة حتى مع وجود النفقة، ففي هذه الحالة تَرْكُها على ما هي عليه هو الأَولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من بنائها على قواعد إبراهيم - عليه السلام لهذا السبب.

قال النووي - رحمه الله - في شرح حديث عائشة - رضي الله عنها - في نقض الكعبة وبنائها: (وفي هذا الحديث: دليل لقواعد من الأحكام، منها: إذا تعارضت المصالح، أو تعارضت مصلحة ومفسدة، وتَعَذَّر الجمع بين فِعْل المصلحة وترك المفسدة بُدِئ بالأهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردَّها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم - عليه السلام مصلحة، ولكن تُعارضه مفسدة أعظم منه، وهي: خوف فتنة بعض مَنْ أسلم قريبًا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيمًا، فتَرَكها صلى الله عليه وسلم)[14].

وقد تجدَّدت الرغبة لدى بعض خلفاء العباسيين في إعادة بناء الكعبة إلى ما بناه ابن الزبير - رضي الله عنهما؛ وذلك لاقتناعه بأن هذا هو عين رغبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تتهيأ الظروف لفعله[15]:
فقد (روي أن هارون الرشيد ذَكَر لمالك بن أنس أنه يريد هدم ما بناه الحجاج من الكعبة، وأن يرده إلى بنيان ابن الزبير، فقال له: ناشدتك الله يا أمير المؤمنين، ألاَّ تجعل هذا البيت ملعبة للملوك، لا يشاء أحد منهم إلاَّ نقض البيت وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس)[16].

فإنْ كانت هناك مصلحة وراء بنائه على قواعد إبراهيم - عليه السلام، فقد عارضَتْه مفسدة أعظم، وهي ضياع هيبته وجعله ألعوبة للملوك، ولهذا فطن الإمام مالك - رحمه الله - فذهب إلى إبقائه على ما هو عليه.

ثانيًا: بناء الحَجَّاج بن يوسف:
سبب البناء:
أرسل عبد الملك بن مروان جيشًا كبيرًا إلى مكة بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي، فسيطر عليها، وقتل ابن الزبير - رضي الله عنهما، وعدَّل بناء الكعبة عام (74هـ)؛ حيث أغلق الباب الغربي، ورفع الباب الشرقي، وهدم الجدار الشمالي فأخرج من الكعبة: (6 أذرع وشبرًا) إلى جهة الحِجْر، ولم يُغيِّر ارتفاعها[17].

والسُّؤال المتبادر إلى الذِّهن هو:
هل كان الخلافُ السِّياسي بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان هو الدَّافع إلى هدم بناء ابن الزبير؛ أم كان هناك دافع آخر غير هذا؟

جاءت روايات عدَّة في بناء الحجاج بن يوسف الثقفي للكعبة بأمرٍ من عبد الملك بن مروان؛ ومن الروايات الواردة في هذا الشأن ما يلي:
1- ما جاء عن عَطَاءٍ - رحمه الله - أنه قال: (لَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَ الْبِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيْهِ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ[18] فِي شَيْءٍ، أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ، وَسُدَّ الْبَابَ الَّذِي فَتَحَهُ، فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ)[19].

2- ما جاء عن أبي قَزَعَةَ - رحمه الله: (أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، بَيْنَمَا هُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ ابْنَ الزُّبَيْرِ! حَيْثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَائِشَةُ! لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ، لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، فَإِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرُوا فِي الْبِنَاءِ». فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَبِيعَةَ: لاَ تَقُلْ هَذَا، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ هَذَا. قَالَ: لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَهُ، لَتَرَكْتُهُ عَلَى مَا بَنَى ابْنُ الزُّبَيْرِ)[20].

3- ما جاء عن عبد اللَّهِ بن عُبَيْدٍ - رحمه الله - قال: (وَفَدَ الْحَارِثُ بن عبد اللَّهِ على عبد الْمَلِكِ بن مَرْوَانَ في خِلاَفَتِهِ، فقال عبد الْمَلِكِ: ما أَظُنُّ أَبَا خُبَيْبٍ (يَعْنِي: ابن الزُّبَيْرِ) سَمِعَ من عَائِشَةَ ما كان يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ منها. قال الْحَارِثُ: بَلَى! أنا سَمِعْتُهُ منها. قال: سَمِعْتَهَا تَقُولُ مَاذَا؟ قال: قالت: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلمإِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا من بُنْيَانِ الْبَيْتِ، وَلَوْلاَ حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بِالشِّرْكِ أَعَدْتُ ما تَرَكُوا منه، فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ من بَعْدِي، أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلُمِّي لأُِرِيَكِ ما تَرَكُوا منه، فَأَرَاهَا قَرِيبًا من سَبْعَةِ أَذْرُعٍ) هذا حَدِيثُ عبد اللَّهِ بن عُبَيْدٍ.

وزاد عليه الْوَلِيدُ بن عَطَاءٍ: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (وَلَجَعَلْتُ لها بَابَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ في الأرض شَرْقِيًّا وَغَرْبِيًّا، وَهَلْ تَدْرِينَ لِمَ كان قَوْمُكِ رَفَعُوا بَابَهَا؟) قالت: قلت: لاَ. قال: (تَعَزُّزًا أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا إلاَّ مَنْ أَرَادُوا، فَكَانَ الرَّجُلُ إذا هو أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا يَدَعُونَهُ يرتقي، حتى إذا كَادَ أَنْ يَدْخُلَ دَفَعُوهُ فَسَقَطَ).

قال عبد الْمَلِكِ لِلْحَارِثِ: أنت سَمِعْتَهَا تَقُولُ هذا؟ قال: نعم. قال: فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ[21] ثُمَّ قال: وَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهُ وما تَحَمَّلَ[22].

الصَّواب كان مع ابن الزبير رضي الله عنهما:
يتَّضح من هذا العَرْض، أنَّ بناء الحجاج الثقفي كان تنفيذًا لأوامر عبد الملك بن مروان، وأنَّ عبد الملك بن مروان لم يكن على درايةٍ بما روته عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الكعبة، وهو عين ما فعله ابن الزبير - رضي الله عنهما، وظنَّ أنَّ ما فعله ابن الزبير كان مَحْضَ اجتهادٍ منه، أو افتراءً على أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها، ولمَّا تبيَّن له صِدْقُ ما رواه عن عائشة - رضي الله عنها - نَدِم، وودَّ أن لو تركه على ما بناه. ويتَّضح من نَدَمِ عبد الملك بن مروان أنَّ الخلاف السياسي مع ابن الزبير لم يكن هو الدافع لهدم ما فَعَلَه بالكعبة، وإنما الدَّافع الأساسي هو عدم عِلْمه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي روته أمُّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها، بالإضافة إلى تعظيم الكعبة وتشريفها. كما يتَّضح بذلك أيضًا أنَّ الصَّواب كان مع ابن الزبير - رضي الله عنهما - فيما فَعَل في بنائه للكعبة.

تعظيم الأمراء والعلماء للكعبة:
زاد ابن تيمية - رحمه الله - هذه المسألةَ تأكيدًا وتأصيلًا، حينما قال: (وكلٌّ من الأمراء والعلماء الذين رأوا هذا وهذا، مُعظِّمون للكعبة مُشرِّفون لها، إنَّما يقصدون ما يرونه أحبَّ إلى الله ورسوله، وأفضلَ عند الله ورسوله، ليس فيهم مَنْ يقصد إهانةَ الكعبة، ومَنْ قال: إنَّ أحدًا من خَلْق الله قَصَدَ رَمْيَ الكعبة بمنجنيقٍ أو عَذِرَةٍ فقد كذب، فإنَّ هذا لم يكن لا في الجاهلية، ولا في الإسلام، والذين كانوا كفارًا لا يحترمون الكعبة؛ كأصحاب الفيل، والقرامطة، لم يفعلوا هذا، فكيف بالمسلمين الذين كانوا يُعظِّمون الكعبة، وأيضًا فلو قُدِّر - والعياذ بالله - أنَّ أحدًا يقصد إهانة الكعبة، وهو قادر على ذلك، لم يحتجْ إلى رميها بالمنجنيق، بل يمكن تخريبها بدون ذلك، كما تُخَرَّب في آخر الزمان إذا أراد الله أن يُقيم القيامة فَيُخَرَّب بيتُه، ويُرْفَع كلامُه من الأرض، فلا يبقى في المصاحف والقلوب قرآن، ويَبعث ريحًا طيِّبة فتقبض روح كلِّ مؤمن ومؤمنة، ولا يبقى في الأرض خيرٌ من ذلك، وتخريبُها بأن يُسَلَّط عليها ذو السُّوَيقتين؛ كما في الصَّحيحين عن أبي هريرة > عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ[23] مِنَ الْحَبَشَةِ)[24]. وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قالكَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ[25] يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا)[26])[27].

ثالثًا: بناء الكعبة في عهد السلطان مراد خان:
السلطان مراد هو أحد سلاطين الدولة العثمانية، واستمرت فترة حُكمه من سنة(1032هـ) إلى سنة(1050هـ)، وفي التاسع عشر من شهر شعبان سنة(1039هـ) نزل مطر عظيم، ودخلت مياه السَّيل العظيم إلى الكعبة والمسجد الحرام، ومات بسببه خلق كثير، وسقط من الكعبة جدارها الشامي، وبعض الجدارين: الشرقي والغربي، وأصاب الجدارَ اليماني وهَنٌ فهُدِم؛ لأنه كان سيسقط، كما هُدم بقية الجدارين: الشرقي والغربي، وبعد ذلك بنيت الكعبة المعظمة، وكان الانتهاء من بنائها في الثاني من شهر ذي الحجة لسنة(1040هـ)[28].

رابعًا: إصلاحات شاملة للكعبة في عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله:
كان الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء على مَرِّ العصور يُبادرون إلى إصلاح أيِّ خللٍ يقع فيها، وفي عام (1417هـ) أمَرَ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - بعمل إصلاحات شاملة للكعبة المشرفة، فتمَّ تقوية الأساسات، وإصلاح الشاذروان والحَلَقات، وصقل الجدران الخارجية، وسدُّ الفجوات بين أحجارها، وتغيير سقفي الكعبة بسقفين جديدين[29].

وكانت هذه هي آخِر إصلاحاتٍ شملت الكعبةَ المشرَّفة حتى عهدنا هذا، نسأل الله المغفرةَ والرحمةَ لكلِّ مَنْ عَظَّمَ الكعبةَ وعَرَفَ لها قدرَها، وعمل على إعمارها وبنائها وإصلاحها على مرِّ العصور والدُّهور.

الدولة السعودية وعظيم اهتمامها بالكعبة والحرمين:
غيرُ خافٍ على الجميع ما قامت به الدولة السعودية – أيدها الله تعالى – في جميع مراحلها من اهتمامٍ بالِغٍ بالكعبة المشرفة، والحرمين الشريفين؛ من توسعةٍ وتطويرٍ، وتهيئةٍ للمُعتمرين والحُجَّاج، واهتمامٍ بالغ بالمشاعر المُقَدَّسة؛ حتى لكأنَّ الزائر يكاد يذهل من هذا التطور الكبير الذي كان مِسْكُ ختامِه في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه، وقد أشاد جميعُ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بهذه النَّقْلَة النَّوعية، والتَّطوُّر الكبير للبِنْيَةِ التَّحتِيَّة للبد الحرام، جعله الله تعالى في ميزان أعمال ولاة أمرنا.

[1] انظر: تاريخ الكعبة المعظمة، (ص106-123)؛ مكة المكرمة تاريخ ومعالم، (ص45).

[2] (يُجَرِّئَهُمْ أَوْ يُحَرِّبَهُمْ): من الجراءة، أي: يشجعهم على قتالهم، بإظهار قبح فعالهم، هذا هو المشهور في ضبطه. قال القاضي: ورواه العذري يجربهم بالجيم والباء الموحدة، ومعناه: يختبرهم، وينظر ما عندهم في ذلك من حَمِيَّة وغضب لله تعالى ولبيته. ومعنىأَوْ يُحَرِّبَهُمْ) أي: يغيظهم بما يرونه قد فُعِلَ بالبيت، من قولهم: حربت الأسد، إذا أغضبته. قال القاضي: وقد يكون معناه يحملهم على الحرب، ويحرضهم عليها، ويؤكد عزائمهم لذلك. قال: ورواه آخرونيُحَزِّبُهُمْ) أي: يَشُدُّ قوتهم ويميلهم إليه، ويجعلهم حزبًا له، وناصرين له على مخالفيه. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (9/92).

[3] (قد فُرِقَ لي رَأْيٌ فيها): أي: كُشِفَ وبُيِّن. قال الله تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ ﴾ [الإسراء: 106]، أي: فصَّلناه وبيَّناه. هذا هو الصواب في ضبط هذه اللفظة ومعناها. وهكذا ضبطه القاضي والمحققون. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (9/92).

[4] (يُجِدَّهُ): أي: يجعله جديدًا.

[5] (فَجَعَلَ ابن الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً، فَسَتَّرَ عليها السُّتُورَ): المقصود بهذه الأعمدة والسُّتور: أن يستقبلها المُصَلُّون في تلك الأيام، ويعرفوا موضع الكعبة، ولم تزل تلك السُّتور حتى ارتفع البناء، وصار مشاهَدًا للناس فأزالها؛ لحصول المقصود بالبناء المرتفع من الكعبة. المصدر نفسه، (9/93).

[6] رواه مسلم، (2/970)، (ح1333).

[7] هو يزيد بن رومان الأسدي، أبو روح المدني، المقرئ، مولى آل الزبير بن العوام. انظر: تهذيب الكمال، للمزي، (32/122). تاريخ الإسلام، للذهبي (7/502).

[8] رواه البخاري، (2/574)، (ح1508).

[9] انظر: بيت الله الحرام الكعبة، (ص105).

[10] شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، (1/97).

[11] انظر: بيت الله الحرام الكعبة، (ص106).

[12] (حَتَّى أَبْدَى أُسًّا): أي: حفر من أرض الحِجْرِ ذلك المقدار، إلى أن بلغ أساسَ البيت الذي أَسَّسَ عليه إبراهيم - عليه السلام، حتى أرى الناسَ أساسه، فنظروا إليه فبنى البناءَ عليه.

[13] رواه مسلم، (2/971)، (ح1333).

[14] شرح النووي على صحيح مسلم، (9/89).

[15] انظر: نبذة في تاريخ الكعبة المشرفة والمشاعر المقدسة، د. عصام بن عبد المحسن الحميدان (13).

[16] شرح صحيح البخاري، لابن بطال (4/264).

[17] انظر: تاريخ الكعبة المعظمة، (ص124-12)؛ مكة المكرمة تاريخ ومعالم، (46).

[18] (إِنَّا لَسْنَا مِنْ تَلْطِيخِ ابْنِ الزُّبَيْرِ): يُريد بذلك سبَّه، وعيبَ فِعْله. يُقال: لطخته، أي: رميتُه بأمر قبيح. يعني: إنَّا برءاء ممَّا لوَّثَه بما اعتمده من هدم الكعبة. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (9/94).

[19] رواه مسلم، (2/971)، (ح1333).

[20] رواه مسلم، (2/972)، (ح1333).

[21] (فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ): أي: بحث بطرفها في الأرض، وهذه عادة من تَفَكَّر في أمر مهم. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (9/95).

[22] رواه مسلم، (2/971)، (ح1333).

[23] هما تصغير ساقي الإنسان؛ لرقَّتهما، وهي صفة سوق السودان غالبًا. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي، (18/35).

[24] رواه البخاري، (2/577)، (ح1514). ومسلم، (4/2232)، (ح2909).

[25] الفَحَجُ: تباعد ما بين أوساط السَّاقين في الإنسان والدَّابة. انظر: تهذيب اللغة، للأزهري (4/97).

[26] رواه البخاري، (2/579)، (ح1518).

[27] منهاج السنة النبوية، (4/82-583).

[28] انظر: تاريخ الكعبة المعظمة، (ص130)؛ بيت الله الحرام الكعبة، (ص111).

[29] انظر: مكة المكرمة تاريخ ومعالم، (ص47).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 71.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.73 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]