يا باغي الخير.. أقبل - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-03-2021, 11:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي يا باغي الخير.. أقبل

يا باغي الخير.. أقبل









[1 - 2]


حسام جابر


أيامٌ معدودات ويُهلُّ علينا هلال شهر رمضان المبارك، أسأل الله تعالى أن يُبلِّغنا جميعًا إياه، وأن يرزقَنا فيه الصلاة والصيام والقيام، وصالح الأعمال.



قال يحيى بن أبي كثير (ت: 129هـ = 747م) - ممن لقيَ بعض الصحابة وأخذ عنهم الحديث -: "كان من دعائهم: اللهم سَلِّمني إلى رمضان، وسلِّم لي رمضان، وتَسَلمهُ منِّي متقبلاً".



رمضان فرصة العام:

أخي الحبيب، لك أن تَعلم وأن تتفكَّر في أن النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا ما كان يدعو ويأمر بقِصَر الأمل؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يوصي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بقوله: ((كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيلٍ))[1]، وقد نفَّذ ابن عمر هذه الوصية النبوية فكان يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"؛ رواه البخاري.



وروى البيهقي عن ابن عباس قال: دخل عمرُ بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على حصير قد أثَّر في جنبه، فقال: يا رسول الله، لو اتخذت فراشًا أوثرَ من هذا؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما لي وللدنيا؟! وما للدنيا وما لي؟! والذي نفسي بيده، ما مثَلي ومثل الدنيا إلا كراكبٍ سار في يومٍ صائف، فاستظلَّ تحت شجرةٍ ساعةً من نهار، ثم راح وتركها))[2].




ومع كل ذلك ما سأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم البقاء في الدنيا إلا لبلوغ شهر رمضان! فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: ((اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان))[3].



أي: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما دعا بطول العمر والبقاء في الدنيا إلا لإدراك شهر رمضان! وفي هذا إشارة إلى الخيرات العظيمة التي تكون في هذا الشهر الكريم، والتي جعلَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم - على غير عادته - يؤثِر البقاء في الدنيا لإدراكها.



ضجة في المدينة بسبب رؤيا!

روى ابن ماجه عن طلحة بن عبيدالله: أن رجلين من بَليٍّ قَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعًا، فكان أحدهما أشدَّ اجتهادًا من الآخَر، فغَزا المجتهد منهما فاستُشهد، ثم مكث الآخَر بعده سنةً ثم توفي، قال طلحةُ: فرأيتُ في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما، فخرَج خارجٌ من الجنة فأَذِن للذي توفِّي الآخِرَ منهما، ثم خرَج فأَذِن للذي استُشهد، ثم رجع إليَّ فقال: ارجع؛ فإنك لم يأنِ لك بعدُ! فأصبح طلحة يحدِّث به الناسَ، فعَجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وحدَّثوه الحديث فقال: ((من أيِّ ذلك تَعجبون؟!))، فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا ثم استشهد، ودخل هذا الآخِرُ الجنةَ قبله؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أليس قد مكث هذا بعده سنةً؟))، قالوا: بلى! قال: ((وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدةٍ في السنة؟))، قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فما بينهما أبعدُ مما بين السماء والأرض))[4].



ففي هذا الحديث توجيه إلى فضل الاجتهاد في شهر رمضان المبارك بالعبادة؛ حيث يعدل (الاجتهاد) في رمضان (الجهادَ) في سبيل الله، بل وقد يَزيد في الأجر والفضل كما بيَّن الحديث الشريف، مِصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما سُئل: مَن خير الناس؟ فقال: ((مَن طال عمره، وحسن عمله))[5].





رمَضانُ أقبلَ قُم بنا يا صاحِ

هذا أوانُ تبتُّلٍ وصلاحِ




واغنَمْ ثوابَ صيامه وقيامِه

تَسعَدْ بخيرٍ دائم وفَلاحِ







وأول السنن النبوية في هذا الشهر الكريم هو (الفرَحُ) بأن الله بلَّغَنا إدراكَ هذا الشهر، وأن يهنِّئ بعضُنا بعضًا بهذا الشهر كما فعَل النبي صلى الله عليه وسلم حينما دخل شهر رمضان؛ فعن أبي هريرة قال: لما حضر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد جاءكم رمضان؛ شهرٌ مباركٌ، افترض الله عليكم صيامه، تُفتَح فيه أبواب الجنة، وتُغلَق فيه أبواب الجحيم، وتغلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، مَن حُرِم خيرَها قد حُرم))[6]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].



من فضائل المسلم في رمضان:

اعتاد الدعاة على أن يذكِّرونا بفضائل شهر رمضان المبارك، ولكننا اليوم قبل أن نتكلم عن فضائل رمضان نريد أن نتكلم أولاً عن فضائل المسلم في رمضان!

1. صلاة الله وملائكته على المتسحرين:

أول ما نستهل به هو ((إن الله وملائكته يصلُّون على...؟)) المشهورُ آيةُ سورة الأحزاب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].



ولكن في رمضان.. نقول لكم: ((على المتسحِّرين))! روى أحمدُ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السحور أكله بركةٌ؛ فلا تدَعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعةً من ماء؛ فإن الله عز وجل وملائكته يصلُّون على المتسحرين))[7].



قال القرطبي (600 - 671هـ = 1204 - 1273م): "والصلاة من الله رحمتُه ورضوانه، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار، ومن الأمة الدعاء والتعظيم لأمره"[8].



وقد يُحجَب بعضُ الناس منا عن (سنَّة) القيام للسحور؛ بحُجة أنه غيرُ جائع! على الرغم أن (السحور) سنَّة يؤجَر المرء على فِعلها، فإن لم تكن جائعًا، فلتكن مُستنًّا.



وقد ذكَر أهل العلم بعضَ فوائد السحور؛ فمنها: اتِّباع السنة ومخالفة أهل الكتاب، والتقوِّي به على العبادة، والاستيقاظ والدعاء في السحَر، والزيادة في النشاط، وتدارُك نية الصوم لمن أغفلَها قبل أن ينام، والتقوِّي بها على الصيام وتخفيف مشقة الجوع، وغيرها من الفوائد.




2. الصائمون السائحون:

قال تعالى: ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112]؛ فكل هذه الصفات الثمانية المذكورة في الآية معلومةٌ لدينا جميعًا إلا صفة واحدة قد تخفى على الكثيرين منا؛ ﴿ السَّائِحُونَ مَن هم؟




قال ابن كثير (701 - 774هـ = 1302 - 1373م): "قال سفيان الثوري، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبدالله بن مسعود قال: ﴿ السَّائِحُونَ ﴾: الصائمون، وكذا رُوي عن سعيد بن جبير، والعَوْفيِّ عن ابن عباس، وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: كل ما ذكَر الله في القرآن السياحة هم الصائمون؛ وكذا قال الضحَّاك رحمه الله.



وقال ابنُ جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا أبو أحمد، حدثنا إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبدالله، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سياحةُ هذه الأمة الصيام؛ وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، وأبو عبدالرحمن السُّلَمي، والضحَّاك بن مُزاحِم، وسُفيان بن عُيينة وغيرهم: أن المراد بالسائحين: الصائمون.



وقال الحسن البصري: ﴿ السَّائِحُونَ ﴾ الصائمون شهر رمضان، وقال أبو عمرو العبدي: ﴿ السَّائِحُونَ ﴾ الذين يُديمون الصيام من المؤمنين، وقد ورد في حديثٍ مرفوع نحوُ هذا، وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبدالله بن بزيع، حدثنا حَكيم بن حِزام، حدثنا سليمان، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السائحون هم الصائمون))[9].



3. خُلُوف الفم أطيبُ مِن المسك:

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لَخُلُوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله تعالى من ريح المسك)).



قال الإمام ابن القيم (691 - 751هـ = 1292 - 1350م): "أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّمَ بأن ذلك الطِّيبَ يكون يوم القيامة؛ فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الأعمال وموجباتها من الخير والشر، فيظهر للخَلقِ طيبُ ذلك الخلوف على المسك، كما يظهر فيه رائحةُ دم المكلوم في سبيله كرائحة المسك، وكما تَظهر فيه السَّرائر وتبدو على الوجوه، وتصير علانية، ويظهر فيه قبحُ رائحة الكفار وسَوادُ وجوههم، وحيث أخبر بأن ذلك حين يخلف وحين يمسون؛ فلأنه وقت ظهور أثر العبادة، ويكون حينئذٍ طيبها على ريح المسك عند الله تعالى وعند ملائكته، وإن كانت تلك الرائحةُ كريهةً للعباد، فرُبَّ مكروهٍ عند الناس محبوبٌ عند الله تعالى، وبالعكس؛ فإن الناس يَكرهونه لمنافرته طباعَهم، والله تعالى يَستطيبه ويحبه لموافقته أمرَه ورضاه ومَحبتَه، فيكون عنده أطيبَ من ريح المسك عندنا، فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد وصار علانية، وهكذا سائر آثار الأعمال من الخير والشر.



وإنما يكمل ظهورها ويصير علانية في الآخرة، وقد يَقوى العمل ويتزايد حتى يَستلزم ظهور بعض أثره على العبد في الدنيا في الخير والشر كما هو مُشاهَد بالبصر والبصيرة.



قال ابن عباس: إنَّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وقوةً في البدن، وسَعَةً في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق.



وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق.



وقال عثمان بن عفان: ما عمل رجلٌ عملاً إلا ألبسَه الله رداءه؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.



وهذا أمر معلومٌ يَشترك فيه وفي العلمِ به أصحابُ البصائر وغيرُهم، حتى إن الرجل الطيب البرَّ لتُشم منه رائحةٌ طيبة وإن لم يمسَّ طيبًا، فيظهر طيبُ رائحة روحه على بدنه وثيابه، والفاجر بالعكس، والمزكوم الذي أصابه الهوى لا يَشَمُّ لا هذا ولا هذا، بل زكامه يَحمله على الإنكار"[10].



وقال الزُّرقاني: إنما مدَح الخلوف نهيًا للناس عن تقذُّر مُكالمة الصائم بسبب الخلوف، لا نهيًا للصائم عن السِّواك، والله غنيٌّ عن وصول الروائح الطيبة إليه، فعَلِمْنا يقينًا أنه لم يُرِد استِبقاء الرائحة، وإنما أراد نهيَ الناس عن كراهتها، وهذا التأويل أولى؛ لأن فيه إكرامًا للصائم.



وقال أبو حاتم: شعار المؤمنين في القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا؛ فرقًا بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم طيب خلوفهم أطيب من ريح المسك؛ ليُعرفوا مِن بين ذلك الجمع بذلك العمل.



والله يَقول الحقَّ وهو يَهدي السبيل.




يتبع.





[1] قال الطيبي: "ليست (أو) للشك؛ بل للتخيير والإباحة، والأحسن أن تكون بمعنى: بل، فشبَّه الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يُؤويه، ولا مسكن يَسكنه، ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر السبيل؛ لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة، بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع بينهما أوديةٌ مُردِيَة، ومفاوزُ مُهلكة، وقطَّاع طريق؛ فإن من شأنه أن لا يُقيم لحظة، ولا يسكن لمحة".




[2] صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم: 5669.




[3] ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم: 4395.




[4] صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم: 3925.




[5] رواه الترمذي عن عبدالله بن بسر - رقم: 2329 وصححه الألباني.




[6] رواه أحمد في مسنده برقم: 7148، بإسناد صحيح (المحقق أحمد شاكر).




[7] حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم: 3683.




[8] القرطبي - الجامع لأحكام القرآن - تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش - دار الكتب المصرية، القاهرة - 1384هـ = 1964م - جـ 14 - ص 232.




[9] الحافظ ابن كثير - تفسير القرآن العظيم - دار طيبة للنشر والتوزيع - 1420هـ = 1999 م - جـ 4 - ص219.




[10] ابن قيم الجوزية - الوابل الصيب من الكلم الطيب - دار الحديث، القاهرة - ط الثالثة - ص 30، 31.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-03-2021, 11:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: يا باغي الخير.. أقبل

يا باغي الخير.. أقبل

[2 - 2]


حسام جابر







بعد أن تحدَّثنا عن فرصة العام في رمضان، وفضلِ الاجتهاد في شَهر رمضان المبارك بالعبادة، وفضائل المسلِم في شهر رمضان المبارك[1] نتحدَّث اليوم بحولِ الله وقوَّته عن بعضِ فضائل شهر رمضان المبارك.



من فضائل شهر رمضان المبارك:

1- هداية البشرية كانت في شهر رمضان:

قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، قال صاحب الظلال: "﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9] هكذا على وَجه الإِطلاق فيمن يهديهم وفيما يهديهم، فيشمل الهدَى أقوامًا وأجيالاً بلا حدودٍ من زمان أو مكان، ويشمل ما يهديهم إليه كلُّ منهج وكل طريق، وكلُّ خير يهتدي إليه البشرُ في كلِّ زمان ومكان"[2].



فالقرآن الكريم هو هِداية الله للإنسان في كلِّ زمان ومكان، فمتى نزلَ هذا الكتاب الهادي على خاتم الأنبياء؟




قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].



وشرَّف الله هذا القرآن بأن جعل له ثلاثة إنزالات:

الإنزال الأول: إلى اللَّوح المحفوظ، ودليله قول الله سبحانه: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾ [البروج: 21، 22].



الإنزال الثاني: كان إلى بيتِ العِزَّة في السماء الدنيا، والدليل عليه قول الله سبحانه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3]، وقوله: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، وقوله: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185]، دلَّت هذه الآيات على أنَّ القرآن أُنزل في ليلةٍ واحدة توصَف بأنَّها مبارَكة أخذًا من آية الدُّخان، وتسمَّى ليلة القَدْر أخذًا من آية سورة القَدْر، وهي من ليالي شهر رمضان أخذًا من آية البقرة، وإنَّما قلنا ذلك جمعًا بين هذه النُّصوص في العمل بها، ودفعًا للتَّعارض فيما بينها.



الإنزال الثالث: كان على قلبِ النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام: وهو المرحلةُ الأخيرة التي منها شعَّ النُّور على العالَم، ووصلَت هداية الله إلى الخَلْق، وكان هذا النزول بوساطة أَمين الوَحْي جبريل يَهبط به على قلبِ النبي صلَّى الله عليه وسلم، ودليله قول الله تعالى مخاطِبًا رسوله صلَّى الله عليه وسلم: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 193 - 195] [3].



وكما اصطفى الله تعالى شهرَ رمضان لإنزال القرآن فيه، اصطفاه أيضًا لإنزال غيرِه من الكتب السماويَّة؛ روى أَحمد عن واثِلَة بن الأَسْقع أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُنزلَت صُحُفُ إبراهيم عليه السَّلام في أول ليلةٍ من رمضان، وأُنزلَت التَّوراةُ لستٍّ مَضين من رمضان، والإنجيلُ لثلاث عشرة خلَت من رمضان، وأُنزل الفُرقانُ لأربعٍ وعشرين خلَت من رمضان))[4]، قال المناوي: "إنَّ ما ذَكر مِن إنزاله في تِلك الليلة أراد به إنزاله إلى اللَّوح المحفوظ؛ فإنَّه نزل عليه فيها جُملَة ثمَّ أنزل منه منجَّمًا في نيِّف وعشرين سَنَة، وسرُّه - كما قال الفخر الرازي - أنَّه لو نزلَ جملة واحدة لضلَّت فيه الأفهام وتاهَت فيه الأوهام: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21]، فهو كالمطَر لو نزلَ دفعةً لقلع الأشجارَ وخرَّب الدِّيار"[5].



2- التغييرات الكونية:

يهتم الكثيرون مِنَّا بمتابعة التغيِيرات والتحوُّلات التي تَجري من حولنا، فمنَّا مَن يهتم بالتغيُّرات الإقليمية، ومنَّا من يهتم بالتغيُّرات العالميَّة، ولكن التغيرُّات الكونيَّة لا يرقبها إلاَّ المؤمنون.



روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أوَّلُ ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدَت الشَّياطينُ، ومرَدَةُ الجنِّ، وغُلِّقَت أبوابُ النَّار، فلم يُفتح منها بابٌ، وفُتِّحت أبوابُ الجنَّة، فلم يُغلَق منها بابٌ، ويُنادي مُنادٍ: يا باغِي الخير أَقبل، ويا باغِي الشَّرِّ أَقصر، ولله عُتَقاءُ من النار، وذلك كُلَّ ليلةٍ))[6].



أ - صُفِّدَت الشياطين ومَرَدَة الجن:

قال القرطبي: "فإن قيل: كيف نرى الشرورَ والمعاصي واقعة في رمضان كثيرًا؟ فلو صُفِّدت الشياطين لم يقع ذلك، فالجواب: أنها إنَّما تقلُّ عن الصائمين الصَّومَ الذي حوفِظ على شروطه وروعِيَت آدابه، أو المصفَّد بعضُ الشياطين كما تقدَّم في بعض الروايات؛ يعني: رواية الترمذي والنسائي؛ وهم المرَدَة لا كلهم، أو المقصود تقلِيل الشرور فيه، وهذا أمرٌ محسوس؛ فإنَّ وقوع ذلك فيه أقل من غيره؛ إذ لا يلزم من تصفيد جميعِهم أن لا يقع شرٌّ ولا معصية لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين كالنفوسِ الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسيَّة"[7].



ولئن صُفِّدت شياطين الجنِّ فشياطين الإنس مطلَقة! وقد أعدُّوا العدَّة لنا في رمضان حتى جعلوه الشهرَ الذي تُعرض فيه المسلسلات!



ب - ((وغُلِّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب)):

ما فائدة أن يَذكر لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ أبواب الجنة تُفتح في رمضان وأبواب النار تُغلق في رمضان؟




أقول - والله أعلم -: في هذا فائدتان:

الأولى: تجديد الإيمان في القلوب بالجنة والنار، وأنهما مخلوقتان الآن؛ قال تعالى عن الجنة: ﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقال تعالى عن النار: ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 131]، فهما موجودتان الآن ومعدَّتان.



والأخرى: أنَّ غاية الإنسان في هذه الحياة الدنيا أن يُدخله الله الجنةَ ولا يدخله النار، ورُوي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب في أصحابه قائلاً: ((لا تَنْسَوا العَظيمَتينِ: الجنَّةَ والنارَ))[8]، فغاية المسلم هي أن يَدخل الجنَّة وأن ينجو من النار، فكأنَّ شهر رمضان المبارك يختصر لك الطريقَ نحو الغاية، فالجنة التي تَرغب في دخولها مفتحة الآن في رمضان، والنار التي تريد أن تنجو منها مغلقة الآن في رمضان، ومردة الجن في الأغلال مقيدون! فنحن نعمل في هذه الدنيا وأعيننا هناك، وما أدراك ما هناك؟! هناك ما لا عينٌ رأَت، ولا أذن سمعَت، ولا خطر على قلب بشَر.



ج- ((وينادي منادٍ: يا باغِي الخير أقبل، ويا باغِي الشرِّ أَقْصر)):

قال المناوي: "((وينادي مناد))؛ أي: ملَك، أو المراد أنه يلقي ذلك في قلوب من يريد الله إقباله على الخير، ((كلَّ ليلة: يا باغي الخير هلمَّ))؛ أي: يا طالبَه أقبِل؛ فهذا وقت تيسُّر العبادة وحبس الشياطين، أو يا طالب الثواب أقبِل؛ فهذا أوانك فإنَّك تعطى ثوابًا كثيرًا بعمل قليل لشرف الشهر، ((ويا باغِي الشرِّ أقصر))؛ فهذا زمن قبول التَّوبة والتوفيق للعمل الصالح، ((ولله عتقاء من النار)) لعلك تكون من زمرتهم"[9].



يا باغِي التوبة أقبِل جاء رمضان..

يا باغِي الرحمة أقبِل جاء رمضان..

يا باغي الزوجة أقبِل جاء رمضان..

يا باغي الذرِّية أقبِل جاء رمضان..

يا باغي الرزق أقبِل جاء رمضان..

يا باغي الخير أقبِل جاء رمضان..

من لم يتب في رمضان.. متى سيتوب؟!

من لم يتغيَّر في رمضان.. متى سيتغير؟! أقبِل جاء رمضان!



د - ((ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة)):

أي: ولله عتقاء كثيرون من النار، فلعلَّك تكون منهم، ((وذلك)) قال الطيبي: أشار بقوله: "ذلك" إمَّا للبعيدِ وهو النداء، وإمَّا للقريب وهو لله عتقاء، ((كل ليلة))؛ أي: في كلِّ ليلة من ليالي رمضان[10].



3- ثلاثون دعوة مستجابة أو ثلاثون يومًا للإجابة!

روى الترمذيُّ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ لا تُردُّ دعوتُهم: الإمامُ العادِل، والصائمُ حين يُفطر، ودعوةُ المظلُوم؛ يرفعُها فوقَ الغمام، وتُفتح لها أبوابُ السماء، ويقولُ الرَّبُّ عز وجل: وعزَّتي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ))[11]، وفي بعض الروايات ((الصائمُ حتَّى يُفطر)).



قال الدميري: يستحبُّ للصائم أن يدعو في حال صومِه بمهمَّات الآخرة والدنيا، له ولمَن يحب وللمسلمين؛ لهذا الحديث...، فيقتضي استحباب دعاء الصائم من أولِ يومه إلى آخره؛ لأنَّه يسمى صائمًا في كل ذلك[12].



4- أيام وليالي رمضان:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ لله تبارك وتعالى عُتقاء في كُلِّ يومٍ وليلةٍ - يعني: في رمضان - وإنَّ لكلِّ مسلمٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ دعوةً مُستجابةً))[13].



فقد يحدث أن يهتمَّ البعض بالاجتهاد في ليالي رمضان فقط بالعبادة دون النَّهار، بحيث ينشَط في العبادة ليلاً ويفتر عنها نهارًا، أو قد يحدث العكس! ولكن هذا الحديث يبيِّن لنا أنَّ أوقات العتق من النَّار وإجابة الدعوات تشمل أيام وليالِي رمضان على حدٍّ سواء، فكل لحظة في رمضان لها ثَمَن.



قال الأستاذ: خير الدين وانلي رحمه الله تعالى:



رمضانُ أقبلَ يا أُولي الألبابِ

فاستَقْبلوه بعدَ طولِ غيابِ




عامٌ مضى من عمْرِنا في غفْلةٍ

فَتَنَبَّهوا فالعمرُ ظلُّ سَحابِ




وتَهيَّؤوا لِتَصَبُّرٍ ومشقَّةٍ

فأجورُ من صَبَروا بغير حسابِ




اللهُ يَجزي الصائمينَ لأنهم

مِنْ أَجلِهِ سَخِروا بكلِّ صعابِ







5- شهر الجود:

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النَّبي صلى الله عليه وسلَّم أجود النَّاس بالخير، وأجودُ ما يكُونُ في شهر رمضان؛ لأنَّ جبريل كان يلقاه في كُلِّ ليلةٍ في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرضُ عليه رسُولُ الله صلى الله عليه وسلَّم القُرآنَ، فإذا لقيه جبريلُ كان أجودَ بالخير من الرِّيح المُرسَلة"[14]، والمراد بـ "الريح المرسَلة" كالريح في إسراعها وعمومها.



قال النووي: "وفي هذا الحديث فوائد، منها: بيان عظم جودِه صلى الله عليه وسلم، ومنها: استحباب إكثار الجود في رمضان، ومنها: زيادة الجود والخير عند ملاقاة الصالحين وعقب فراقهم للتأثُّر بلقائهم، ومنها: استحباب مدارسة القرآن"[15].



6- الصديقان يشفعان:

روى أحمد عن عبدالله بن عمرو، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيامُ والقُرآنُ يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقولُ الصيامُ: أي ربِّ منعتُه الطعامَ والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويقُولُ القُرآنُ: منعتُه النومَ بالليل فشفِّعني فيه، قال: فيُشفَّعان))[16].



قال المناوي: "وهذا القول يحتمل أنَّه حقيقة بأن يجسَّد ثوابهما ويخلق الله فيه النُّطق: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284]، ويحتمل أنَّه يوكِّل ملَكًا يقول عنهما، ويحتمل أنه على ضرب من المجاز والتمثيل"[17].



فللمسلم في رمضان صَديقان؛ صديق بالنهار يساعده على مخالفَة نفسه وهواه، وتزكو به نفسُه؛ ألا وهو الصيام، وصديق أخر بالليل - بعد أن هيَّأ له الصديقُ الأول الأمرَ - يقوده إلى ربِّ العالمين؛ ألا وهو القرآن الكريم.



7- كم مرةً ستصوم في رمضان هذا العام؟

روى الترمذي عن زيد بن خالد الجُهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره، غير أنَّه لا ينقص من أجر الصَّائم شيئًا))[18].



فينبغي لكلِّ واحدٍ منَّا أن يسأل نفسه: كم مرة سنصوم في رمضان هذا العام؟




8- عمرة في رمضان = حجَّة مع الرسول:

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمِّ سنان الأنصارية: ((فإنَّ عُمرةً في رمضان تقضِي حجَّةً))، أو ((حجَّةً معِي))[19].



قال النووي: "((تقضي حجَّة))؛ أي: تقوم مقامها في الثواب، لا أنَّها تعدلها في كلِّ شيء؛ فإنَّه لو كان عليه حجَّة فاعتمر في رمضان لا تُجزئه عن الحجَّة"[20].



9- اختصاص الجزاء:

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله: كُلُّ عمل ابن آدم له، إلا الصيام؛ فإنَّه لي وأنا أجزي به، والصِّيامُ جُنَّةٌ، وإذا كان يومُ صوم أحدكُم فلا يرفُث ولا يصخب؛ فإن سابَّه أحدٌ أو قاتلَه، فليقُل: إنِّي امرُؤٌ صائمٌ))[21].



أ- ((كل عمل ابن آدم له إلاَّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)):

قال الشيخ ابن عثيمين: "والمعنى: أنَّ الصيام يختصه الله سبحانه وتعالى من بين سائر الأعمال؛ لأنَّه - أي: الصيام - أعظم العبادات إطلاقًا؛ فإنه سرٌّ بين الإنسان وربِّه؛ لأن الإنسان لا يُعلم إذا كان صائمًا أو مفطرًا، فهو مع الناس ولا يُعلم به؛ لأن نيته باطنة، فلذلك كان أعظم إخلاصًا، فاختصَّه الله من بين سائر الأعمال، قال بعض العلماء: ومعناه إذا كان الله سبحانه وتعالى يوم القيامة وكان على الإنسان مَظالم للعباد، فإنَّه يُؤخذ للعباد من حسناته إلاَّ الصيام فإنَّه لا يُؤخذ منه شيء؛ لأنَّه لله عز وجل وليس للإنسان؛ وهذا معنًى جيد أنَّ الصيام يتوفر أجرُه لصاحبه ولا يُؤخذ منه لمظالم الخَلق شيئًا، ومنها أنَّ عمل ابن آدم يزاد من حسنة إلى عشرة أمثالها إلاَّ الصوم؛ فإنَّه يعطى أجرُه بغير حساب؛ يعني: أنَّه يضاعَف أضعافًا كثيرة، قال أهل العلم: ولأنَّ الصوم اشتمل على أنواع الصبر الثلاثة: ففيه صبرٌ على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله.



أمَّا الصبر على طاعة الله، فلأنَّ الإنسان يحمل نفسَه على الصيام مع كراهته له أحيانًا، يكرهه لمشقَّته...، والنوع الثاني من أنواع الصبر: الصبر عن معصية الله، وهذا حاصِل للصائم؛ فإنَّه يصبِّر نفسه عن معصية الله عز وجل، فيتجنَّب اللَّغو والرفث والزور وغير ذلك من محارم الله، الثالث: الصبر على أقدار الله؛ وذلك أنَّ الإنسان يصيبه في أيام الصوم، ولا سيما في الأيام الحارَّة والطويلة من الكسَل والملَل والعطش ما يتألَّم ويتأذَّى به، ولكنَّه صابر؛ لأنَّ ذلك في مرضاة الله.



فلمَّا اشتمل على أنواع الصَّبر الثلاثة كان أجره بغيرِ حِساب؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]"[22].



ب- ((والصيام جُنَّةٌ - أي: ترس - فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخَب، فإن سابَّه أحد أو قاتلَه فليقل إني صائم)):

فيكون الصيام مانعًا من النار أو من المعاصي كما يمنع الترس من إصابة السَّهم؛ لأنه يكسر الشهوةَ، قال ابن عثيمين: "يقول ذلك لئلا يتعالى عليه الذي سابَّه كأنه يقول: أنا لستُ عاجزًا عن أن أقابلك بما سبَبْتَني، ولكني صائِم يمنعني صومي من الردِّ عليك، وعلى هذا فيقوله جهرًا، كذلك أيضًا إذا قال: ((إنِّي صائم)) يردَع نفسَه عن مقابلة هذا الذي سابَّه كأنه يقول لنفسه: "إني صائم فلا تردِّي على هذا الذي سبَّ"، وهذا أيضا معنًى جليل عظيم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى من الدنيا ما يعجبه وخاف أن تتعلَّق نفسُه بذلك قال: ((لبَّيك، إنَّ العيش عيش الآخرة))"[23].



ج- ((والذي نفس محمد بيده، لخُلوف فمِ الصائم أطيب عند الله من رِيح المسك)): سبق بيانه.



د- الفرحتان: ((للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطرِه، وإذا لقي ربَّه فرح بصومه)):

قال المناوي: "((إذا أَفطر فرح بفطره))؛ أي: بإتمام صومِه وسلامته من المفسدات لخروجه عن عُهدة المأمور أو بالأكل والشرب بعد الجوع، أو بما يعتقِده من وجودِ الثَّواب، أو بما ورد في خَبرٍ: ((إنَّ للصائم عند فِطْره دعوةً لا ترد))، ((وإذا لقي ربَّه فرِح بصومه))؛ أي: بنَيل الثواب وإعظام المنزلة، أو بالنَّظر إلى وَجه ربِّه، والأخير فرَح الخواصِّ"[24].



10- باب الريان:

روى البخاري عن سهل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ في الجنَّة بابًا يُقالُ له الرَّيَّانُ، يدخُلُ منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخُلُ منه أحدٌ غيرُهم، يُقالُ: أين الصَّائمون؟ فيقُومُون لا يدخُلُ منه أحدٌ غيرُهم، فإذا دخلوا أُغلِق فلم يدخُل منه أحدٌ))[25].



((الرَّيَّان)) صيغة مبالغة من الريِّ وهو نقيض العطش، فالجزاء من جنس العمل...، و﴿ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ [البقرة: 196].



والله يَقول الحقَّ وهو يَهدي السبيل.




[1] يا باغي الخير .. أقبل (1) .. على شبكة الألوكة.

[2] "في ظلال القرآن"؛ لسيد قطب رحمه الله، دار الشروق، القاهرة، جـ 4، ص 2215.

[3] انظر في ذلك: حسن محمد أيوب: الحديث في علوم القرآن والحديث، دار السلام، القاهرة - 1425هـ = 2004م - ص 28 - 30.

[4] رواه أحمد في مسنده (16984/ مسند الشاميين)، وحسَّنه الألباني في الصحيحة (1575).

[5] عبدالرؤوف المناوي: فيض القدير شرح الجامع الصغير، ط المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الأولى، جـ3، ص 57.

[6] رواه الترمذي في سننه (682/ باب ما جاء في فضل شهر رمضان)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (998).

[7] محمد عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي - دار الكتب العلمية، بيروت، جـ3، ص: 292.

[8] رواه المنذري عن ابن عمر في "الترغيب والترهيب" (5537/ كتاب صفة الجنة والنار)، وضعَّفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2124).

[9] فيض القدير - سبق ذكره، جـ 4، ص 39.

[10] تحفة الأحوذي - سبق ذكره، جـ3، ص293.

[11] رواه الترمذي من حديث أبي هريرة (2526/ باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها) بإسنادٍ ضعيف، وقال: "هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي وليس هو عندي بمتصل".

[12] فيض القدير، سبق ذكره، جـ 3، ص 324 بالحاشية.

[13] رواه البزار - صحيح الترغيب والترهيب للألباني، (1002/ كتاب الصوم).

[14] رواه البخاري (6/ كتاب بدء الوحي)، ومسلم (2308/ كتاب الفضائل).

[15] النووي - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الثانية، جـ 15، ص: 69.

[16] رواه أحمد (6626/ مسند عبدالله بن عمرو بن العاص) بإسناد ضعيف.

[17] فيض القدير، سبق ذكره، جـ 4، ص 251.

[18] رواه الترمذي (807/ باب ما جاء في قيام شهر رمضان / أبواب الصوم).

[19] رواه البخاري في صحيحه (1863/ باب حج النساء).

[20] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، سبق ذكره، جـ 9، ص: 2.

[21] رواه البخاري (1904/ كتاب الصوم).

[22] محمد بن صالح بن محمد العثيمين - شرح رياض الصالحين - دار الوطن للنشر، الرياض، ط 1426 هـ - جـ 5، ص 267.

[23] السابق، ص 268، 269.

[24] فيض القدير، سبق ذكره، جـ 4، ص 471.

[25] رواه البخاري (1896/ كتاب الصوم).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 110.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 108.32 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]