|
|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
أهمية الأخلاق في منظور ابن كثير
أهمية الأخلاق في منظور ابن كثير مبارك بن حمد الحامد الشريف توطئة: الخُلُقُ هو جِماع الدِّين، وبه وصَف اللهُ رسولَه الكريم، فقال سبحانه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، قال ابن كثير: "... عن ابن عباس: أي وإنك لعلى دينٍ عظيم، وهو الإسلام... وسُئلت عائشة عن خلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان خلُقُه القرآن، تقول: كما هو في القرآن... ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثالُ القرآن أمرًا ونهيًا، سجيَّةً له، وخلقًا تَطَبَّعَهُ، وترك طبعه الجبليَّ، فمهما أمَرَه القرآن فعَلَه، ومهما نهاهُ عنه ترَكَه، هذا مع ما جبَلَه الله عليه من الخلُق العظيم؛ من الحياء والكرم، والشجاعة والصدق والحلم، وكل خلُقٍ جميل"[1]. وقد اعتنى الإمام ابن كثير بجانب الأخلاق في تفسيره القرآن، فكانت له نظرات وخصائص حول التربية الأخلاقية، والتي يمكن إجمالها في الخصائص التالية: 1- موافقة الأخلاق الإسلامية للفطرة. 2- الأخلاق الإسلامية ربانية المصدر. 3- تميز الأخلاق الإسلامية باليسر والسهولة. 4- الأخلاق الإسلامية هي فطرية من وجه، ومكتسبة من وجه آخر. وقبل التحدث عن هذه الخصائص وعن أهمية الأخلاق عند ابن كثير، نَوَدُّ أن نعرِّف الأخلاق في اللغة والاصطلاح. تعريف الأخلاق لغة: الأخلاق: جمع خلُق، وأصلها خَلَق، قال ابن فارس: "الخاء واللام والقاف: أصلان؛ أحدهما: تقدير الشيء، والآخر: ملامسة الشيء... قال: ومن الأول: الخُلُق، وهو السجية؛ لأن صاحبه قد قُدِّر عليه، ومن الثاني: صخرة خَلْفاء؛ أي: ملساء"[2]. في الاصطلاح: قال بعض العلماء: "الخلُقُ: عبارة عن هيئة راسخة، عنها تصدُر الأفعالُ بسهولة ويُسرٍ من غير حاجة إلى فكر ورويَّةٍ، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلًا وشرعًا، سمِّيت تلك الهيئة: خلقًا حسنًا، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة، سميت الهيئة التي هي المصدر: خلقًا سيئًا". أهمية الأخلاق في منظور ابن كثير: اعتنى ابن كثير في تفسيره بالأخلاق كثيرًا، ويظهر ذلك في حرصه على توجيه الأمَّة وعلى تربيتها على الأخلاق الفاضلة، وغرس القيم النبيلة، فهو يدعو دائمًا إلى تزكية النفس بطاعة الله، وتطهيرها من الأخلاق الدنيئة، وأن يُحسِن الإنسان العمل في هذه الدنيا؛ لأن جزاءه الإحسان في الدار الآخرة، والناسُ عند ابن كثير رجُلانِ "فرجل محسن، فخُذْ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلِّفْه فوق طاقته ولا ما يُحرِجُه، وإما مسيء، فمُرْهُ بالمعروف، فإنْ تَمادى على ضلاله واستعصى عليك واستمَرَّ في جهله، فأَعرِضْ عنه؛ فلعل ذلك أن يرُدَّ كيدَه"[3]. ويُذكِّر رحمه الله بسمات عباد الرحمن وصفاتهم، فهم "إذا سَفِهَ عليهم الجُهَّالُ بالسيِّئ، لم يُقابِلوهم عليه بمِثلِه، بل يَعْفُونَ ويَصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تَزيدُه شدةُ الجهل إلا حِلمًا"[4]. وابن كثير رحمه الله حينما يُرغِّب ويحثُّ على الإعراض عن الجاهلين؛ باحتمال الظلم والاعتداء، وعدم المقابلة بالمِثل، بل بالعفو والصفح؛ فهو رحمه الله يستثني من هذه القاعدة عدمَ الإعراض عمن جهل الحقَّ الواجب من حقِّ الله، وعدم الصفح عمن كفر بالله وجَهِلَ وحدانيَّتَه وهو على المسلمين حرب[5]. وكذلك حينما ذكَرَ أن من صفات عباد الرحمن أنهم يَمْشُونَ على الأرض هَوْنًا؛ أي: بسكينة ووقار من غير استكبار ولا بطر، بيَّن رحمه الله أنه "ليس المراد أنهم يمشون كالمَرْضى من التصانع تصنُّعًا ورياءً، فقد كان سيد ولد آدم إذا مشى كأنما ينحطُّ مِن صَبَبٍ، وكأنما الأرض تُطوى له، وقد كَرِهَ بعض السلف المشي بتضعُّفٍ وتصنُّع، حتى روي عن عمر أنه رأى شابًا يمشي رويدًا، فقال: ما بالك؟ أمريض أنت؟! قال: لا يا أمير المؤمنين، فعلاه بالدِّرَّةِ وأمره يمشي بقوة، وإنما المراد بالهَوْن هاهنا السَّكينةُ والوقار"[6]. ويضع رحمه الله قاعدةً في مخالطة الناس، ويسمِّيها الترياق النافع في مخالطة الناس، وهي "الإحسان إلى من يسيء؛ ليستجلب خاطره؛ فتعُود عداوتُه صداقةً، وبُغضُه محبةً"[7]. ومن مظاهر عناية ابن كثير بالأخلاق الفاضلة أنه حذَّر من الشيطان وعداوته، إذ إنه ليس كالعدوِّ الإنسي يَقبَلُ المصانعة والإحسان حتى يعود إلى الموالاة والمصافاة؛ لأنه "لا يَقبَل مصانعة ولا إحسانًا، ولا يبتغي غيرَ هلاك ابن آدم؛ لشدة العداوة بينه وبين أبيه من قبلُ"[8]، وكما قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6] "أي هو مبارز بالعداوة؛ فعادُوهُ أنتم أشدَّ العداوة، وخالِفوه وكذِّبوه فيما يغُرُّكم به"[9]. كما يظهر اهتمام ابن كثير بالأخلاق من خلال دعوته وتأكيده على الالتزام بجملة من الأخلاق الحسنة، والصفات النبيلة، وتحذيره من الأخلاق الرديئة، والصفات الذميمة؛ فمثلًا نجده رحمه الله يحثُّ على العدل[10]، والصدق[11]، والصبر[12]، والإخلاص[13]، وصدق الوعد[14]، ونحوها من الأخلاق الحميدة، ويحذِّر من الأخلاق الذميمة؛ كالغضب[15]، والحسد[16]، والظن السيِّئ[17]، والنميمة[18]، والسُّخرية[19]، واللمز، ونحوها من الأخلاق الذميمة. فاهتمام ابن كثير في تفسيره بموضوع الأخلاق، واستخدامه المنهج العاطفيَّ في ذلك - واضحٌ وجليٌّ، وما ذاك إلا لأهمية الأخلاق للمسلم بشكل عام، وللداعية إلى الله بشكل خاص؛ فالداعية المتصف بالصبر والصدق والعدل والإخلاص في القول والعمل، ونحوها من الأخلاق الفاضلة، مع تجنُّبِه في نفس الوقت الأخلاقَ الذميمة؛ كالحسد والبغي والكيد والخيلاء والغيبة والنميمة والكذب ونحوها، لا شك أنه داعية صادق ومؤثر، وهو قدوة صالحة، فأَحْرى أن يستجاب له، ويُسمَع منه، ويُرى أثر دعوته على غيره. [1] انظر تفسير القرآن العظيم 4/ 475. [2] ابن فارس (معجم مقاييس اللغة) 2/ 213، تحقيق عبدالسلام هارون، دار الفكر 1399هـ. [3] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 348، عند تفسير الآية: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]. [4] المرجع نفسه 3/ 403-404، عند تفسير الآيات 63-67 من سورة الفرقان. [5] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 348 عند تفسير الآية: 199 من سورة الأعراف. [6] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 403 عند تفسير الآية: 63 من سورة الفرقان. [7] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 319 عند تفسير الآية: 96 من سورة المؤمنون. [8] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 22 عند تفسير سورة الفاتحة. [9] انظر تفسير القرآن العظيم 3/ 671. [10] انظر المرجع نفسه 2/ 10، 2/ 241. [11] انظر المرجع نفسه 3/ 600. [12] انظر المرجع نفسه 2/ 732، 3/ 550. [13] انظر المرجع نفسه 3/ 138، 2/ 715-716. [14] انظر المرجع نفسه 3/ 159، 1/ 194. [15] انظر المرجع نفسه 2/ 350. [16] انظر المرجع نفسه 1/ 192، 1/ 158، 1/ 159، 4/ 249. [17] انظر المرجع نفسه 4/ 250. [18] انظر المرجع نفسه 4/ 250، 4/ 251. [19] انظر المرجع نفسه 4/ 249.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |