ترجمة الحافظ عماد الدين ابن كثير رحمه الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حُسْن الخلق - لا يأتي إلا بخير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أسلوب المرأة في حل الخلافات الزوجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أسباب تدمير الحياة الزوجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          لمبشرات بالنصر - بواعث الأمل لأمة الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          بعض النصائح للطلاب العلم الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          ثلاث حالات يختلف فيها شركاء العمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          العناية بذوي الاحتياجات الخاصة فريضة شرعية، وضرورة حياتية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          انتصار الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حسد قتل صاحبه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          شبهة التناقض بين تيسير القرآن وصعوبة اللغة العربية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 05-04-2021, 03:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,707
الدولة : Egypt
افتراضي ترجمة الحافظ عماد الدين ابن كثير رحمه الله

ترجمة الحافظ ابن كثير رحمه الله












مبارك بن حمد الحامد الشريف




عصره:




عاش ابن كثير رحمه الله معظم القرن الثامن الهجري (701-774) في الفترة التي كان يحكم فيها المماليك البحرية[1] مصر والشام، وقد كانت هذه الفترة امتدادًا لأحداث عظيمة مرت على العالم الإسلامي، منها الحروب الصليبية ( 490-960هـ )[2]، ومنها سقوط بغداد سنة 656هـ[3]، ومنها التنازع على السلطة بين الحكام المسلمين؛ مما سبَّب خلع الكثير منهم وقتله أو اعتقاله، وقد ذكر السيوطي في كتابه "حسن المحاضرة" أن الملك علاء الدين كجك[4] بويع بعد عزل أخيه ونفيه ومعه إخوة له إلى قوص[5]، ولقب الملك الأشرف وعمره دون ست سنين فأقام خمسة أشهر، ثم خلع واعتقل حتى مات وبعده تولَّى أخوه شهاب الدين أحمد، ولقب الملك الناصر وبقي أربعين يومًا، ثم خُلع سنة 743هـ، وقيل: من أول سنة 745هـ، وأقيم بعده أخوه عماد الدين إسماعيل، ولُقِّب الملك الصالح، فأقام إلى أن مات في رابع ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة وعمره نحو عشرين سنة[6].







وذكر صاحب خطط الشام أنه في سنة 742هـ جرى من تقلبات الملوك والنواب واضطرابهم ما لم يجر في مئات من السنين[7]، ولعل ضَعف الدين والسرف والتبذير والنزعات المذهبية بين أهل السنة والرافضة سبب في هذا الاضطراب السياسي، فكان من الطبيعي أن يؤثر على الحياة الاجتماعية، فحصل كثير من المجاعات وانتشار الأمراض والأوبئة والوفيات بين الناس بسبب هذا[8]، ولكن مع ذلك فقد ساد في هذه الفترة نهضة علمية كبيرة تمثلت في كثرة المدارس ودور التعليم[9]، فانتشار العلم وكثرة التأليف في شتى العلوم، وتعدُّد المجتهدين والحفاظ الذين برزوا في كثير من العلوم؛ كابن تيمية[10]، والحافظ الذهبي، والحافظ المزي والبرزالي، وابن القيم وابن كثير وغيرهم، ولعل أهم أسباب هذه النهضة العلمية والنشاط الفكري:



1- تنافس الأمراء المماليك في تشجيع العلوم وتقريبهم العلماء وإجزال العطاء لهم.







2- كثرة الأوقاف على المساجد والمدارس والأربطة من الحكام والأمراء والعامة.







3- يقظة الرأي العام الإسلامي بعد تلك المحن والأحداث المؤلمة التي مرت بالأمة الإسلامية.







4- وجود علماء أفذاذ وصلوا إلى مرتبة التجديد والاجتهاد في هذه الفترة، وهذا العصر أثَّر على حرية الفكر في البحث والمناظرة في المسائل العلمية والقضاء على التقليد المذهبي الذي هو جمود فكري وإضعاف للحرية الفكرية[11].







فهذا العصر الذي عاش فيه ابن كثير كان له أثر كبير على نشأته وتكوينه العلمي ومنهجه الفكري، وأثره الدعوي والإصلاحي، وما خلَّفه من آثار ومؤلفات في التفسير والحديث والتاريخ والفقه، وغير ذلك مما سنتعرض له في الفصول القادمة إن شاء الله.







نسبه ومولده ونشأته[12]:




هو الإمام العالم الحافظ المفسر المؤرخ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع القرشي البصري[13]، ثم الدمشقي الفقيه الشافعي، وُلد بمجدل وهي قرية شرقي بُصرى من أعمال دمشق في سنة إحدى وسبعمائة؛ إذ كان أبوه خطيبًا بها، ثم انتقل إلى دمشق سنة سبع وسبعمائة مع أخيه كمال الدين عبدالوهاب بعد موت أبيه، ولندع الإمام ابن كثير نفسه يحدثنا عن نشأته وأسرته، وذلك حين ترجم لوالده في كتابه البداية والنهاية عند دخول سنة ثلاث وسبعمائة، فيقول: «وفيها توفي الوالد وهو الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع القرشي من بني حصلة، وهم ينسبون إلى الشرف وبأيديهم نسب ووقف على بعضها شيخنا المزي، فأعجبه ذلك وابتهج به، فصار يكتب في نسبي بسبب ذلك: القرشي - من قرية يقال لها الشركويين من غربي بُصرى بينها وبين أذرعات، وُلِد بها في حدود سنة أربعين وستمائة، واشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى، فقرأ البداية في مذهب أبي حنيفة، وحفظ جمل الزجاجي[14]، وعُنِيَ بالنحو والعربية واللغة، وحفظ أشعار العرب، حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي، وقليل من الهجاء، وقُرِّر في مدارس بصرى بمبرك[15] الناقة شمالي البلد.







ثم انتقل إلى خطابة القرية شرقي بصرى وتمذهب للشافعي وأخذ عن النواوي[16]، والشيخ تاج الدين الفزاري[17]، وكان يكرمه ويحترمه فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزملكاني، فأقام بها نحوًا من اثنتي عشرة سنة، ثم تحول إلى خطابة مجدل القرية التي منها الوالدة، فأقام فيها مدة طويلة في خير وكفاية وتلاوة كثيرة، وكان يخطب جيدًا، وله قبول عند الناس، ولكلامه وقع، لديانته وفصاحته وحلاوته، وكان يؤثر الإقامة في البلادلما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله، وقد ولد له عدة أولاد من الوالدة، ومن أخرى قبلها، أكبرهم إسماعيل ثم يونس وإدريس، ثم من الوالدة عبدالوهاب وعبدالعزيز ومحمد وأخوات عدة، ثم أنا أصغرهم، وسُمِّيت باسم الأخ إسماعيل؛ لأنه كان قد قدم دمشق، فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده، وقرأ مقدمة في النحو وحفظ «التنبيه» و«وشرحه» على العلامة تاج الدين الفزاري، وحصل المنتخب في أصول الفقه قاله لي شيخنا ابن الزملكاني، ثم إنه سقط من سطح الشامية البرانية، فمكث أيامًا ومات، فوجد الوالد عليه وجدًا كثيرًا، ورثاه بأبيات كثيرة، فلما وُلدت له أنا بعد ذلك سماني باسمه، فأكبر أولاده إسماعيل وآخرهم وأصغرهم إسماعيل، فرَحِمَ الله من سلف وختَم بخير لمن بقِي، توفي والدي في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمائة في قرية مجدل القرية، ودفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتون، وكنت إذ ذاك صغيرًا من ثلاث سنين أو نحوها لا أدركه إلا كالحلم، ثم تحوَّلنا من بعده في سنة سبع وسبعمائة إلى دمشق صحبة الأخ كمال الدين عبدالوهاب، وقد كان لنا شقيقًا وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخَّرت وفاته إلى سنة خمسين وسبعمائة، فاشتغلت على يديه في العلم، فيسَّر الله تعالى ما يسر وسهل منه ما تعسر، والله أعلم »[18].







طلبه للعلم:




نشأ ابن كثير منذ طفولته على طلب العلم، فبدأ على يد أخيه عبدالوهاب كما مر، ثم اتجه في تحصيله إلى كبار علماء عصره، فحفظ القرآن وختم حفظه سنة إحدى عشرة وسبعمائة[19]، ثم قرأ شيئًا من القرآن على الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش اللباد المتوفى سنة 724هـ[20]، فقد كان يقرئ الناس بالجامع نحوًا من أربعين سنة، وقرأت عليه شيئًا من القرآن[21].







وحفظ التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي المتوفى سنة 476هـ[22]، وعرضه في الثامنة عشرة من سنِّه[23]، وحفظ مختصر ابن الحاجب المتوفى سنة 646هـ[24]، وتفقَّه على الشيخين برهان الدين الفزاري المتوفى سنة 729هـ، وكمال الدين قاضي شهبة المتوفى سنة 726هـ، وصاهر الحافظ أبا الحجاج المزي، فتزوَّج ابنته ولازمه، وأخذ عنه علم الحديث ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال، وصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وكانت له به خصوصية ومناضلة عنه، واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، وامتحن بسبب ذلك وأُوذي[25]، وهكذا ترقَّى ابن كثير في تحصيل العلوم الشرعية والعربية، حتى بلغ القمة وصار يشار إليه بالبنان، ولذلك قال عنه ابن تغري بردي[26]: «وبرع في الفقه والتفسير والحديث... وجمع وصنَّف ودرس، وحدَّث وألَّف»[27].



وقال الشوكاني: «برع في الفقه والتفسير والنحو وأمعن النظر في الرجال والعلل»[28].







فجهاد ابن كثير المتواصل، وحرصه الدائب على طلب العلم وتحصيله منذ نعومة أظفاره، جعلت منه محدثًا كبيرًا، وإمامًا عالِمًا ومفسرًا جليلًا، ومؤرخًا قديرًا وفقيهًا بارعًا، وأمر آخر له أثر كبير في تنوُّع علوم ابن كثير وتعدُّدها، ألا وهو مصاحبته لعلماء كبار في عصره، أمثال المزي والذهبي وابن الزملكاني والبرزالي، وابن تيمية خاصة.







إضافة إلى ذلك، فقد كان المنهج الذي سلكه ابن كثير في العلاقة بالسلطة في وقته، هو أن علاقته ليست رسمية بقد ما هي مشاركات في نطاق النصح والإرشاد والمشورة والتعليم وحل المنازعات ونحو ذلك؛ مما كان يُدعى إليه من قِبَل الأمراء وغيرهم، والذين كانوا يحرصون على مشاركة ابن كثير في مثل هذه القضايا والأحداث، وهذا النمط من العلاقة أتاح لابن كثير الحرية الكافية في مؤلفاته وكتاباته، وعدم الخضوع بالتالي لإيحاءات السلطة وإغراءاتها، بل ربما امتحن وأُوذي بسبب صلابته في بعض مواقفه وآرائه، خصوصًا تلك التي تابع فيها شيخه ابن تيمية[29]، لذا نجد في مؤلفاته العلم الغزير والثقافة الواسعة والمعارف المتنوعة، فهي مليئة – خاصة تفسيره وتاريخه – بالحديث عن أهل الكتاب وضلالاتهم، وما حصل من التحريف في كتبهم المنزلة ومحاورته لقساوستهم، ورجال الدين فيهم، وكذلك إلمامه بعقائد المذاهب والفرق الضالة، وبيانه لانحرافها وزَيغها؛ كالقدرية والجهمية والمعتزلة، وكذلك ما حصل من المنازعات والخصومات بين السنة والرافضة.







ومعرفته للتتار وشريعتهم التي وضعها هولاكو في كتاب الياسق؛ ليكون دينًا لهم ومرجعًا يتحاكمون إليه، إضافة إلى معرفته بالعلوم الأخرى؛ كعلم الهيئة والفلك والجغرافيا والتاريخ، والأحداث السياسية والاجتماعية التي حدثت في زمانه، وغير ذلك مما يدل على سعة علمه وكثرة اطلاعه، وسنذكر بعض الأمثلة على ذلك بإيجاز، فمثلًا:



فيما يتعلق بعقائد أهل الكتاب والتحريف الذي حصل في كتبهم، فيذكر رحمة الله عند تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [المائدة: 12]، «يعني عرفاءَ وعلى قبائلهم بالمبايعة»، وذكر قول ابن إسحاق[30] في أسماء العرفاء، ثم قال: «وقد رأيت في السفر الرابع من التوراة تعداد النقباء على أسباط بني إسرائيل، وأسماء مخالفة لما ذكره ابن إسحاق»[31]، ويحكي قصة تبديل دين المسيح وتحريفه على يد قسطنطين[32]، وأنه جمعهم في محفل كبير من مجامعهم.... ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم اتفقوا على قول، وصمَّموا عليه، ومال إليهم الملك وكان فيلسوفًا، فقدَّمهم ونصَرهم وطرد مَن عداهم، فوضعوا الأمانة الكبيرة، بل هي الخيانة العظيمة ووضعوا له كتب القوانين، وشرعوا له أشياءَ، وابتدعوا بدعًا كثيرة، وحرَّفوا دين المسيح وغيَّروه، فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة والروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثني عشر ألف كنيسة....[33].







ومما يدل على تمكن ابن كثير من معرفة عقائد النصارى أن بعض النصارى يسأله ويستشيره في دينه النصرانية كما فعل البترك بشارة، حينما بايعه مطارنة الشام وجعلوه بتركًا بدمشق عوضًا عن البترك بأنطاكية، فذكر له ابن كثير أن هذا أمر مبتدع في دينهم، وبيَّن له السبب في ذلك، ثم قال ابن كثير: «وقد تكلمت معه في دينهم ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاثة، وهم الملكية واليعقوبية – ومنهم الإفرنج والقبط - والنسطورية، فإذا هو يفهم بعض الشيء، ولكن حاصلة أنه حمار من أكفر الكفار»[34].







وكذلك إلمامه ومعرفته بالجغرافيا والفلك يقول رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ [الدخان: 25 - 27]: «كانت الجنان بحافتي هذا النهر من أوله إلى آخره في الشقين جميعًا ما بين أسوان إلى رشيد، وكان له سبع خَلُج، خليج الإسكندرية وخليج دمياط وخليج سردوس، وخليج مَنْف، وخليج الفيوم، وخليج المَنْهى، متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخره ما يبلغه الماء، وكانت جميع أرض مصر تروى من ستة عشر ذراعًا لما قدروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها»[35].







ويقول عن أنوع الرياح عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الجاثية: 5]: «أي جنوبًا وشامًا ودبورًا، وصبا بحرية وبرية ليلية ونهارية، ومنها ما هو للمطر ومنها ما هو للقاح، ومنها ما هو غذاء الأرواح ومنها ما هو عقيم»[36].







ويقول عن الكواكب التي في السماء: «وأن منها سيارات وهي المتحيرة في اصطلاح علماء التسيير، وهو غالبه صحيح بخلاف علم الأحكام، فإن غالبه باطل، ودعوى ما لا دليل عليه، هي سبعة القمر في سماء الدنيا وعطارد في الثانية والزهرة في الثالثة... وعندهم أن الأفلاك السبعة بل الثانية تدور بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارات في اليوم والليلة، دورة كلية من الشرق إلى الغرب، وعندهم أن كل واحد من الكواكب السيارات يدور على خلاف فلكه من المغرب إلى المشرق، فالقمر يقطع لفلكه في شهر والشمس تقطع فلكها، وهو الرابع في سنة، فإذا كان السَّيْران ليس بينهما تفاوت وحركاتهما متقاربة، كان قدر السماء الرابعة بقدر السماء الدنيا اثنتي عشرة مرة، وزحل يقطع لفلكه وهو السابع في ثلاثين سنة، فعلى هذا يكون بقدر السماء الدنيا ثلاثمائة وستين مرة»[37].







وأخيرًا عندما تحدث عن الياسق وهو الكتاب الذي وضعه جنكيز خان ملك التتار؛ ليكون شرعًا متبعًا للتتار يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال عند تفسير قوله تعالى:﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50]، «ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال، بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم «الياسق»، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام تَمَّ اقتباسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم، فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحكم سواه في قليل ولا كثير»[38].







شيوخه:



تلقى الحافظ ابن كثير العلم على شيوخ كثيرين[39] لهم قدم راسخة في العلم ومكانة عظيمة عند العامة والخاصة، منهم:



1- إبراهيم بن عبدالرحمن بن إبراهيم بن ضياء بن سباع الفزاري المعروف ببرهان الدين ابن الفِرْكاح، شيخ المذهب وعلمه، ومفيد أهله شيخ الإسلام مفتي الفرق بقية السلف، سمع عليه ابن كثير صحيح مسلم وغيره، وقال: «وبالجملة فلم أر شافعيًّا من مشايخنا مثله»[40]، توفى سنة 729هـ.







2- شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي الحجازي المعروف بابن الشحنة، سمع ابن كثير عليه بدار الحديث الأشرفية في أيام الشتويات نحوًا من خمسمائة جزء بالإجازات والسماع[41]، توفِّي سنة 730هـ.







3- الحافظ أبو الحجاج يوسف بن عبدالرحمن بن يوسف بن عبدالملك جمال الدين ابن الزكي أبو محمد القضاعي الكلبي المشهور بالمزي المتوفى سنة 742هـ، وقد لازم ابنُ كثير المزي وسمع منه أكثر تصانيفه، واستفاد منه في الحديث والرجال، وتخرج على يديه، وصاهره فتزوَّج ابنته، وصار قريبًا منه في بيته، وترجم له ووصف يوم وفاته[42].







4- الحافظ الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز أبو عبدالله شمس الدين الدمشقي الحافظ للحديث المحقق مؤرخ الإسلام والمسلمين المتوفى سنة 748هـ، وتكرر وصف ابن كثير له بـ«شيخنا» وقال: «وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه»[43].







5- كمال الدين أبو المعالي بن الشيخ علاء الدين على بن عبدالواحد بن خطيب زمكان عبدالكريم بن خلف من نبهان الأنصاري الشافعي ابن الزملكاني المتوفى سنة 727هـ، وصفه ابن كثير بشيخناالعلامة وقال: «انتهت إليه رياسة المذهب تدريسًا وإفتاءً ومناظرة»[44].







6- الحافظ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي الشافعي المتوفى سنة 739هـ مؤرخ الشام، تكرَّر ذكر ابن كثير له بشيخنا، واعتبر كتابه البداية والنهاية ذيلًا لتاريخ البرزالي، وقال: «هذا آخر ما أرَّخه شيخنا الحافظ البرزالي في كتابه الذي ذيَّل به على تاريخ شهاب الدين أبي شامة، وقد ذيَّلت على تاريخه إلى زماننا هذا، وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الأربعاء 20 جمادى الآخرة من سنة 751هـ»[45].







7- شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي المتوفى سنة 728هـ، صحبه ابن كثير وتعلَّم منه وتفقه عليه وأحبه[46]، بل فُتن بحبه؛ كما قال ابن حجر: «وأخذ عن ابن تيمية ففُتن بحبه وامتُحن بسببه»[47]، وقال ابن العماد[48]: «وصحب ابن تيمية – يعني ابن كثير – وكانت له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه، وإتباع له في كثير من آرائه، وكان يُفتي برأيه في الطلاق، وامتُحن بسبب ذلك وأُوذي»[49].







ويظهر هذا الحب في عبارات ابن كثير المتكررة التي ملؤها الإطراء والثناء والإعجاب بشيخه، فمثلًا حينما ذكر وصف المجلس الذي حضره القضاة والعلماء عند نائب السلطة بالقصر لقراءة عقيدة الشيخ ابن تيمية «الواسطية »، وتكلم الشيخ صفي الدين الهندي[50] مع ابن تيمية كلامًا كثيرًا، فقال ابن كثير: «ولكن ساقيته لا طمت بحرًا»[51].







ولَما طلب السلطان العلماء لمناظرة ابن تيمية قال ابن كثير: «فاعتذروا بأعذار بعضهم بالمرض، وبعضهم بغيره لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوٍ عليه من العلوم والأدلة، وأن أحدًا من الحاضرين لا يطيقه»[52]، وقد تكرر هذه العبارات كثيرًا عند ابن كثير[53].







وليس غريبًا أن يعجب ابن كثير بشيخه هذا الإعجاب، ويصل إلى حد الافتتان؛ كما قال ابن حجر[54]، فليس هو وحده الذي بهره ابن تيمية وأعجبه، بل إن جهابذة العلماء وأكابرهم في ذلك العصر من شيوخ ابن تيمية وأقرانه وتلاميذه وممن يحبه ويعاديه، كل أولئك أعجبوا بابن تيمية، وأدهشتهم شخصيته، وهالَتهم غزارةُ علمه وتنوُّع معارفه، فمثلًا يقول الذهبي وهو من تلاميذ ابن تيمية: «وهو – أي ابن تميمة – أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته، فلو حُلِّفتُ بين الركن المقام، لحلَفت ما رأيت بعيني مثله، ولا رأى هو مثل نفسه في العلم»[55].







وابن الزملكاني وهو ممن اختلف مع ابن تيمية في آخر حياته، وهمَّ بإيذائه ولكن عاجلته المنية[56]، ومع ذلك فقد وجد ابن كثير بخط الزملكاني: «أنه - ابن تيمية - اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، وأن له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة، والترتيب والتقسيم والتبيين







كما أن هذا الثناء جاء من شخص بينه وبين ابن تيمية مودة ومحبة منذ الصغر وسماع الحديث والطلب في نحو خمسين سنة»[57]، وقال بعد مناظرة له: «لم ير من خمسمائة سنة.... أحفظ منه»[58]، وكذلك ابن مخلوف[59] قاضي القضاء بمصر، وهو من ألد أعداء ابن يتيمة، وممن حرَّض السلطان على قتْله، لم يسعه إلا أن يعترف بفضل ابن تيمية، وأنه ما رأى مثله، فيقول: «ما رأينا مثل ابن تيمية حرَّضنا عليه، فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجَج عنا»[60].







وقال ابن دقيق العيد[61]: «لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلًا العلوم كلها بين يديه، يأخذ منها ما يريد ويدع ما يريد»[62].







هذا هو ابن تيمة في عيون محبِّيه وأصحابه وأعدائه، فلا عجب إذًا بعد إيراد مثل هذه النصوص وهي كثيرة[63] أن يُحب ابن كثيرشيخه، بل يفتن في ذلك ويمتحن ويؤذى بسببه[64].







ولا شك أن هذه الصحبة لابن تيمية أثرت في حياة ابن كثير تأثيرًا عميقًا، وأفادته في علمه ودينه وخلقه، وتكوين شخصية مستقلة له، فالتجديد الذي تميَّز به ابن كثير مع غزارة العلم وأصالة الفكر، كان فضله يعود بعد توفيق الله إلى علاقته بابن تيمية[65].







بل إن ابن كثير نفسه قد تفوَّق على شيخه في تطبيق المنهج النظري الذي صاغه ابن تيمية في تفسير القرآن، وأخذ هذه النظرية عنه تلميذه ابن كثير، نجد أنه يعد خير من طبَّقها، «ولا نغالي إذا قلنا أنه كان أكثر التزامًا بها من أستاذه الذي طالَما استطرد وضمَّن مباحث ومسائل وقضايا، كان الواجب ألا تندرج تحته»[66].







وهناك غيرهم ممن ذكرت صرَّح ابن كثير أنه تتلمذ عليهم واستفاد منهم، وذكرهم بقول: «شيخنا»، سأذكر بعضهم على سبيل الإجمال: ضياء الدين عبدالله الزربندي النحوي، قال ابن كثير: «كنتُ ممن اشتغل عليه في النحو توفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة[67]، والشيخ نجم الدين موسى بن علي بن محمد المعروف بابن البُصَيْص المتوفي سنة 716هـ؛ قال ابن كثير «شيخ صناعة الكتابة في زمانه لا سيما في المَزوَّج والمثلث وأنا ممن كتب عليه»[68].







وشمس الدين أبو عبدالله محمد بن شرف الدين بن حسين بن غيلان البعلبكي الحنبلي المتوفى سنة 730هـ، قال ابن كثير: «عليه ختمت القرآن في سنة أحد عشر وسبعمائة»[69].







وشمس الدين أبو محمد بن عبد بن محمد بن يوسف بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي الحنبلي المتوفي سنة 737هـ، قال ابن كثير: «قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة كثيرًا من الأجزاء والفوائد»[70].







والقاضي محي الدين أبو زكريا يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي المتوفى سنة 724هـ، قال ابن كثير: «سمعنا عليه الدارقطني وغيره»[71]، والشيخ محمد بن جعفر فرعوش ويقال له: اللبَّاد المتوفى سنة 724هـ، قال ابن كثير: «قرأت عليه شيئًا من القراءات»[72].







والشيخ عفيف الدين محمد بن عمر بن عثمان بن عمر الصِّقلِّي المتوفى سنة 725هـ، قال ابن كثير: «سمعنا عليه شيئًا من سنن البيهقي»[73].







والشيخ الصالح أبو الحسين علي بن محمد بن عبدالله الجُبُنِّي المتوفى سنة 717هـ، قال ابن كثير: «صححت عليه العمدة وغيرها»[74].







ونجم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عمر بن عبدالرحمن بن عبدالواحد المتوفى سنة 729هـ، قال ابن كثير: «سمعنا عليه الموطأ وغيره»[75]، وجمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن نصر الله بن أسد بن حمسة التميمي المعروف بابن القلانسي المتوفى سنة 731هـ، قال ابن كثير: «وهو من أذن لي في الإفتاء، وخرَّج له، فخر الدين البعلبكي مشيخه سمعنا ها عليه»[76].







وممن ذكرهم بـ«شيخنا»:



1- ابن تيمية[77] المتوفى سنة 728هـ.



2- الحافظ الذهبي[78] المتوفى سنة 748هـ.



3- الحافظ المزي[79] المتوفى سنة 742هـ.



4- ابن الزملكاني[80] المتوفى سنة 727هـ.



5- البرزالي[81] المتوفى سنة 739هـ.



6- ابن حامد[82] البجلي المتوفى سنة 722هـ.



7- الدمياطي[83] المتوفى سنة 705هـ.



8- والزربندي[84] النحوي المتوفى سنة 723هـ.



9- برهان الدين الفزاري[85] المتوفى سنة 729هـ.



10- عفيف الدين الأزجي[86] الحنبلي المتوفى سنة 728 هـ.



11- أبو محمد عبدالله العفيف المقدسي الحنبلي[87] المتوفى سنة 737هـ.







تلاميذه:




ذكر ابن العماد الحنبلي أن تلاميذ ابن كثير عدد كبير[88]، ويؤيد ذلك أن ابن كثير نفسه تولى التدريس في عدة مدارس مثل النجيبية[89] والفاضلية[90]، كما تولَّى مشيخة الحديث بالمدارس ودور الحديث الكبرى؛ مثل المدرسة الصالحية[91]، ودار القرآن والحديث التنكيزية[92]، ودار الحديث الأشرفية الجوانية[93]، وغيرها من المدارس.







ومن أشهر تلاميذه:



1- شهاب الدين حجي بن أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد شهاب الدين الشافعي[94] المتوفى سنة 816هـ، وقد استفاد ابن حجي من شيخه ابن كثير وأثنى عليه، وقال: «ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه ولازمته ست سنين»[95].



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 165.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 164.15 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (1.06%)]