الروضة الوائلية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-08-2022, 03:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي الروضة الوائلية

الروضة الوائلية (1)











وائل حافظ خلف



(( فوائد في علوم شتى نفيسات - خواطر عليات - حِكَم فائقات - نوادر مستحسنات - أشعار منتقاة - حكايات مصطفاة ))





[هذه - أسعدك الله - روضة لديدة سَنية، ناضرة بهية، دانية قطوفها، مأمونة فصولها؛ فتأنق حيث شئت فيها جَيْئَة وذُهُوبًا، وكن للدعاء لغارسها بذَّالاً وَهُوبًا].






(1)


[سبب تسمية جد الإمام ابن دقيقِ العيدِ بذلك]





ابن دقيق العيد: هو الإمام المعظم تقي الدين محمد بن عليّ بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري، المنفلوطي، المصري. يكنى أبا الفتح[1]. المولود في يوم السبت خامس عشر شعبان سنة خمس وعشرين وست مئة (625هـ)، والمتوفَّى يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة اثنتين وسبع مئة (702).






واشتهر هو وأبوه بابن دقيق العيد.






وقد ذكر الكمال الأُدْفُوِيُّ في "الطالع السعيد الجامع لأسماء نجباء الصعيد" (ص435) ط/ الدار المصرية للتأليف والترجمة، ومن بعده الصفدي في "الوافي بالوَفَيَات" (22/187)، أثناء ترجمة مجد الدين والد الإمام، سببَ تسمية جده دقيق العيد؛ ذلك أنه خرج يوم عيد وعليه طيلسان شديد البياض، فقال بعضُهم حين رآه: ((كأنه دقيق العيد))، فلُقِّب به - رحمه الله -.








(2)


[ أولاد الأكابر ]



قرأت في كتاب "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" (3/1222)، قولَ السخاوي الحافظ - رحمه الله -:


((سمعت مَن يذكر عن شيخنا صاحب الترجمة (يعني: ابنَ حجر) أنه كان يقول: قَلَّ أن يجتمع الحظُّ لامرئ في نسله وتصانيفه معًا)). انتهى.






قلت:


صدق رحمه الله، ولو أنت تدبرت أحوال أكثر أبناء الكبراء ممن طار لهم في الدنيا ثناء عاطر؛ لوجدت أكثرهم على غير شيء، ولرأيت انبتات الصلة بينهم وبين ما كان عليه آباؤهم، بل لوجدت بعضهم يسلك محجة مدبرة، ولطريقة أسلافه مناقضة. فسبحان من يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي.








(3)


[جلسة الاستراحة بعد سجود التلاوة ]



ترى كثيرًا من طلاب العلم الأفاضل يحافظون على جلسة الاستراحة عقب السجدتين من كل ركعةٍ لا يليها تشهد، وهذا حسن؛ إذ هو من السنة، غير أن بعضهم يجلس لها أيضًا عَقِيب فراغه من سجود التلاوة، وهذا غير حسن.






قال الإمام النووي - قدس الله سره - في "التبيان"، من كلامه على صفة سجود التلاوة:


((... ثم إذا رفع من السجود سجود التلاوة قام ولا يجلس للاستراحة بلا خلاف.






وهذه مسألة غريبة، قلَّ مَن نص عليها، وممن نص عليها القاضي حسين البغوي[2]، والرافعي[3].






وهذا بخلاف سجود الصلاة؛ فإن القول الصحيح المنصوص للشافعي المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة في "صحيح البخاري" وغيره استحباب جلسة الاستراحة عَقِيب السجدة الثانية من الركعة الأولى في كل الصلوات، ومن الثالثة في الرباعيات)).






وقال في "فتاويه":


((لا تستحب جلسة الاستراحة عقب سجود التلاوة في الصلاة)).






وأشار إلى هذا أيضًا في "المجموع".








(4)


[ مصايد لا مصائد ]





يُولَع كثير من الناس بنطق كلمة "مصايد" بالهمز، وكذا "مكايد"!






حتى إن بعضهم نشر كتاب ابن القيم "إغاثة اللهفان" وعلونه[4] بما صورته: "... من مصائد الشيطان" بالهمز!





وهو خطأ؛ إذ لم يجئ الهمز في جمع "مفعلة" إلا في كلمتين، هما:


(معائش): وقد قرأ بها نافع، وأكثر القراء على ترك الهمز.


و: (مصائب) [5].








(5)


[ مشاهيرُ ماتوا ولهم ست وثلاثون سنة ]





قال أبو الفرج ابن الجوزي في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" [6]:


((نقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل قال:


وجدت في تعاليق محقق من أهل العلم: أن سبعة مات كل واحد منهم وله ست وثلاثون سنة، فعجبت من قصر أعمارهم مع بلوغ كل منهم الغاية فيما كان فيه، وانتهى إليه، فمنهم:


1- الإسكندر ذو القرنين.


2- وأبو مسلم صاحب الدولة العباسية.


3- وابن المقفع صاحب الخطابة والفصاحة.


4- وسيبويه صاحب التصانيف والمتقدم في علم العربية.


5- وأبو تمام الطائي وما بلغ من الشعر وعلومه.


6- وإبراهيم النَّظَّام المعمق في علم الكلام.


7- وابن الراوندي وما انتهى إليه من التوغيل في المخازي.






فهؤلاء السبعة لم يجاوز أحد منهم ستًّا وثلاثين سنة، بل اتفقوا على هذا القدر من العمر)) انتهى.






قلت (وائل):


ويلحق بالأخيرين أقوام من ذوي المخازي على شاكلتهما، مع التفاوت، منهم:


العبيدي المارق منصور بن العزيز بن المعز، الملقب بالحاكم بأمر الله بهتانًا وزورًا، فقد هلك هو أيضًا عن ست وثلاثين سنة، قتلته أخته ست الملك، سنة إحدى عشرة وأربع مئة.






بُخْتِيَار بن أحمدَ بن بُوَيْه، الملقب بعز الدولة بن معز الدولة. قتل سنة سبع وستين وثلاث مئة. وقد قال الذهبي: ((ضاع أمر الإسلام بدولة بني بويه، وبني عبيد الرافضة، وتركوا الجهاد، وهاجت نصارى الروم، وأخذوا المدائن، وقَتلوا وسَبوا)).






أبو الحسن محمد بن هانيء، حامل لواء الشعر بالأندلس، المادح المعز الفاطمي بما يتاخم الكفر، لا، بل هو كفر صراح. هلك مقتولاً سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.






السُّهْرَوَرْدِيُّ الفيلسوف، يحيى بن حَبَش بن أَمِيرَكَ. المقتول أوائل سنة سبع وثمانين وخمس مئة.






وممن توفي في هذي السن أيضًا على قولٍ:


الصحابي الجليل معاذ بن جبل، أعلم هذه الأمة بحلال الله وحرامه، كذا ورد في الأخبار، ورووا أيضًا: ((معاذ بن جبل أَمامَ العلماء يوم القيامة بِرَتْوَةٍ)). والرتوة: الخطوة، وزنًا ومعنى. ويقال: ((برتوة)) أي: بدرجة. قاله الإمام الجوهري في "الصحاح". وقد قيل أيضًا: (برتوة)) أي: بمقدار رمية بحجر أو بسهم.






الإمام أبو بكر الحازمي، صاحب كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار"، المتوفى سنة أربع وثمانين وخمس مئة.









[1] له ترجمة مطولة في "الطالع السعيد" (ص567-599) الترجمة رقم (463)، و"مرآة الجنان" لليافِعي (4/177-178)، و"طبقات الشافعية" للسبكي (9/207-249)، و"البداية والنهاية" (14/27)، و"الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" (4/91-96) الترجمة رقم (256)، و"حسن المحاضرة" للسيوطي (11/317-320)، و"شذرات الذهب" (6/5-6).




[2] انظر "التهذيب" (2/179) ط/ دار الكتب العلمية.




[3] انظر "قتح العزيز بشرح الوجيز" وهو المعروف بـ"الشرح الكبير" (2/110) ط/ دار الكتب العلمية.




[4] العِلوان هو العُنوان.




[5] انظر "الصحاح" للجوهري، مادة ( عيش )، و"لسان العرب" ( صيد، عيش ). وهذه الكلمة من المآخذ التي أودعها العلامة عبدالسلام هارون نشرته النقدية لتحقيق الأستاذ عبد الفتاح محمد الحلو لكتاب أبي منصور الثعالبي: "التمثيل والمحاضرة".




[6] (8/18-19) ط/ دار الكتب العلمية. ونقله ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2/111).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-08-2022, 03:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الروضة الوائلية

الروضة الوائلية (2)

وائل حافظ خلف











(( فوائد في علوم شتى نفيسات - خواطر عليات - حِكَم فائقات - نوادر مستحسنات - أشعار منتقاة - حكايات مصطفاة ))







[هذه - أسعدك الله - روضة لديدة سَنية، ناضرة بهية، دانية قطوفها، مأمونة فصولها؛ فتأنق حيث شئت فيها جَيْئَة وذُهُوبًا، وكن للدعاء لغارسها بذَّالاً وَهُوبًا].







[اصطناع المعروف إلى اللئام]



ألا رُبَّ باذلِ إحسانٍ غيرُ حميدِ. بلى.








وإن من الإساءة الصنيعةَ إلى اللئام، وباذلها حقيق أن يلام؛ إذ هو من سعى ليُهضم ويُضام.








وإلى الندامة تحور صنائع المعروف إلى الأنذال وتصير، وعلى قدر إحسان المرء تكون إساءتهم إليه، وأُهَيل ذا الزمان أكثرهم كذاك.








قال زُهَير بن أبي سُلْمَى، وقوله يُستمع:





ومَن يجعلِ المعروفَ في غير أهلهِ

يَكُنْ حَمْدُهُ ذمًّا عليهِ ويَنْدَمِ










وقال معن بن أوس - رضي الله عنه - متوجعًا من لئيم:





أعلمه الرماية كل يوم

فلما اشتد[1] ساعده رماني!



أعلمه الفتوة كل وقت

فلما طر شاربه جفاني!!



وكم علمته نظم القوافي

فلما قال قافية هجاني!!!










وقال أبو الطيب، وهو من لمع شعره:





إذا أنت أكرمت الكريم ملكتَه

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا



ووضع الندى في موضع السيف بالعُلا

مُضِرٌّ كوضع السيف في موضع النَّدى










وفي بعض الشعر[2] الفرنسي أو التركي الذي ترجمه أحمد شوقي، وهو شِعرٌ شاعرٌ:





إنْ كنتَ ذا فضلٍ فكُ

نْهُ على ذكيٍّ أو كريم



فالفضلُ يَنساهُ الغ

بيُّ وليس يحفظه اللئيم










وقال عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ((مَن وضع معروفًا في غير موضعه عاد عليه وبالاً)). ذكره الآبي.








وروى أبو نعيم[3] قولَ سفيانَ الثوريِّ - رحمه الله -: ((وجدنا أصلَ كلِّ عداوةٍ اصطناعَ المعروف إلى اللئام)).








وخرَّج أبو سليمانَ الخطابيُّ[4] عن الزبير بن عبد الواحد قال: قال الشافعيُّ - رحمة الله عليه -: ((أصل كل عداوة الصنيعةُ إلى الأنذال)).








وحكوا[5] أن قومًا خرجوا إلى الصيد في يوم حار، فإنهم لكذلك إذ عرضتْ لهم أم عامر، وهي الضَبُع، فطردوها حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي، فاقتحمته، فأجارها، وجعل يطعمها، فبينا هو نائم إذ وثبتْ عليه فبقرت بطنه، وشربت دمه، ومرَّتْ. فجاء ابن عم له يطلبه فإذا هو بقير[6]، فتبعها حتى قتلها، وقال:





ومن يصنعِ المعروف في غير أهله

يُلاق الذي لاقى مجير أم عامر



أعد لها لما استجارت ببيته

أحاليب ألبان اللقاح الدرائر



وأسمنها حتى إذا ما تمكنت

فرته بأنياب لها وأظافر



فقل لذوي المعروف هذا جزاء من

يجود بمعروف على غير شاكر











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-08-2022, 03:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الروضة الوائلية

ونقل عمرٌو في "البيان" قول بعض الحكماء: ((لا تصطنعوا إلى ثلاثة معروفًا: اللئيم فإنه بمنزلة الأرض السَّبِخَة، والفاحش فإنه يرى أن الذي صنعت إليه إنما هو لمخافة فُحشه، والأحمق فإنه لا يعرف قدر ما أَسديت إليه. وإذا اصطنعت إلى الكرام فازدرع المعروف واحصُِد الشكر)).








قال: ((وواضع المعروف في غير أهله كالمُسْرِج في الشمس، والزارع في السَّبَخ)).








وقالوا: ((مَن لم يعرف سوء ما يُولِي؛ لم يعرف حُسن ما يولَى)).







ومن وصية عبد الله بن شداد لابنه:



((وَضَعْ - يا بُني - الصنائعَ عند الكرام ذوي الأحساب، ولا تَضَعَنَّ معروفك عند اللئام فتضيعَه؛ فإن الكريم يَشكرك ويَرْصُدُك بالمكافأة، وإن اللئيم يَحْسِبُ ذلك حتمًا، ويَؤول أمرُك معه إلى المذلة)).








وقد قال الشاعر:





إذا أوليتَ معروفًا لئيمًا

فعَدَّك قد قتلْتَ له قتيلا



فَعُدْ من ذاك مُعْتَذِرًا إليه

وقل: "إني أتيتُك مُسْتَقيلا



فإنْ تَغْفِرْ فَمُجْتَرَمٌ عظيمٌ

وإنْ عاقبتَ لم تظلم فَتِيلا"



وإنْ أَوْلَيْتَ ذلك ذا وفاءٍ

فقد أودعتَه شُكرًا طويلا










طالع كتاب "تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" المنسوب لأبي بكر محمد بن خلف بن المرزبان، المتوفى سنة تسع وثلاث مئة، ترَ عجبًا.












[بطلان قصة وأد عمر بن الخطاب ابنتَه]



إن قصة وأد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لابنته، وهي تنفض التراب عن لحيته، والتي تلوكها ألسنة كثير من خطبائنا، لا أصل لها.








وحسنًا ما قال الأستاذ عباسٌ العقاد فيها[7]، بعد إذ ساق خلاصتها:



((هي قصة يَعتَورها الشك من ناحية ضحكها، ومن ناحية بكائها، ومن ناحية اجتماعهما في لحظة واحدة لتمكين واضع القصة من التفرقة بين عصر عمرَ في جاهليته وإسلامه.








وأدعى ما فيها من الشك تلك الخاتمة التي يتم بها اختراع الفجيعة والبلوغ بها إلى ذروتها، وهي نفض الطفلة الصغيرة ترابَ حفرتها عن لحية أبيها.








فالوأد لم يكن بالعادة الشائعة بين جميع القبائل العربية، ولم يشتهر بنو عدي خاصة بهذه العادة، ولا اشتهرت بها أسرة الخطاب التي عاشت منها فيما نعلم فاطمةُ أخت عمرَ، وحفصة أكبر أولاده، وهي التي كُنِّيَ أبا حفص باسمها.








وقد وُلِدَتْ حفصةُ قبل البعث الإسلامي بخمس سنوات فلم يَئِدْها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة وهي في السن التي تفهم فيها كيف تنفض التراب عن لحية أبيها؟!!








ولماذا انقطعت أخبار هذه الصغرى المزعومة فلم يذكرها أحد من إخوانها وأخواتها، ولا أحد من عمومتها وخُئولتها؟!!








ما نحسبها إلا إحدى جنايات الأغراب على مَن خُلِقوا وفي سيرتهم مثال للإغراب والإعجاب.








فهي اختراعة تضعفها قرائن التاريخ، وتضعفها خلائق عمر التي لا تتبدل هذا التبدل من النقيض إلى النقيض بين جاهليته وإسلامه.








وقد كان عمر في جاهليته لم يُسلم بعدُ يوم أشفق على أخته وهي دامية الوجه، وكان في جاهليته يوم أحب أخاه حبه المفرط وبقي عليه؛ فليس وقوع القصة المزعومة في الجاهلية مانعًا لغرابتها، ومقرِّبًا لتصديقها، وغير هذا الأب وهذا الأخ يطيق هذه القسوة التي لا تطاق.








إن قليلًا من الآباء مَن أحب أبناءه كما أحب عمر أبناءه، وإن قليلًا من الإخوة مَن أحب أخًا كما أحب عمر أخاه زيدًا، فما سَمع اسمَه بعد مقتله إلا سالت عبرته، وما هبت الصَّبَا كما قال إلا وجد نسيم زيد وتمنى نظم الشعر لينظمه في رثائه)).








هذا، وللأستاذة سناء زهران بحث نفيس في بيان بطلان ذي القصة، جدير بالمراجعة.












[قل: أهم من ذلك، ولا تقل: الأهم من ذلك]



((الأهم من ذلك أن تفعل كذا وكذا))!.. ((الأَولى من هذا كَيْت وكيت))!.. ((الأفضل من ذاك ذَيْت وذيت))!..








هاته التراكيبُ تقع عينك عليها كثيرًا في كتابات بعض المحدَثين، وهي عند النحاة بمبعدة من السلامة؛ والصواب في شكلها أن يقال: ((أهم من ذلك أن تفعل كذا وكذا))، أو: ((الأهم أن تفعل كذا وكذا)).








وتعليل هذا يرجع إلى أن أفعل التفضيل إذا جاء معرفًا بـ(ال) فيجب أمران:



1- أن يطابق أفعل التفضيل موصوفه المتقدم في نوعه وعدده.








2- وأن يمتنع اقتران المفضل عليه بـ(من). وما ورد من ذلك في الشعر فشاذ، يُروى ولا يقاس عليه، وقد ذكروا له تأويلاً.












[في عزو الحديث]



إذا كان الحديث مخرجًا في أحد دواوين الإسلام الستة المشهورة فلا يسوغ عند البصراء بالحديث العدول في العزو عنها إلى غيرها استقلالاً إلا لفائدة.








قال مُغَلْطَاي بن قَلِيج:



((ليس لحديثي عزو حديث في أحد الستة لغيرها إلا لزيادة ليست فيها، أو لبيان سنده ورجاله)).








نقله الْمُناوي في غير موضع من "الفيض".







[1] استد - بالسين المهملة: أي: استقام. ومَن رواه بالشين المعجمة فقد أخطأ؛ قال الإمام العلامة عبد الملك بن قُريب الأصمعي [المتوفى سنة ست عشرة ومائتين]: ((اشتد بالشين ليس بشيء)). نقله الجوهري (رحمه الله) في "الصحاح".

ولأبي حيان رأي انظره في "البصائر" (2/180)، وتجد في حاشية الصفحة عينها تخريج الأبيات المزبورة أعلاه.




[2] أظنني رأيته في كتاب "شوقي" للأستاذ شوقي ضيف.




[3] في "حلية الأولياء" [(6/390) = (6/367/رقم 9277) ط/ مكتبة الإيمان].




[4] في "العزلة" (ص207).




[5] "مجمع الأمثال" للميداني، و"ربيع الأبرار" للزمخشري.




[6] أي: قد شُق بطنه.




[7] (1/599-600/ الأعمال الكاملة/ عبقرية عمر).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-08-2022, 03:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الروضة الوائلية

الروضة الوائلية (3)

وائل حافظ خلف

((فوائد في علوم شتى نفيسات - خواطر عليات - حِكَم فائقات - نوادر مستحسنات - أشعار منتقاة - حكايات مصطفاة))


[هذه - أسعدك الله - روضة لديدة سَنية، ناضرة بهية، دانية قطوفها، مأمونة فصولها؛ فتأنق حيث شئت فيها جَيْئَة وذُهُوبًا، وكن للدعاء لغارسها بذَّالاً وَهُوبًا].

[مَن ضُرب به المثل من الناس]


قال أبو عمر ابن عبد ربه:
((قالت العرب: أسخى من حاتم. وأشجع من ربيعة بن مُكَدَّم. وأدهى من قيس بن زُهَير. وأعز من كُلَيْب بن وائل. وأوفى من السَّمَوْءل. وأذكى من إياس بن معاوية. وأسوَد من قيس بن عاصم. وأمنع من الحارث بن ظالم. وأبلغ من سُحبان بن وائل. وأحلم من الأحف بن قيس. وأصدق من أبي ذر الغِفاري. وأكذب من مسيلمة الحنفي. وأعيا من باقِل. وأمضى من سُلَيْك المقانب. وأنعم من خُرَيْم الناعم. وأحمق من هَبَنَّقَةَ. وأفتك من البَرَّاض)).


ومن النساء يقال:
((أشأم من البَسوس. وأحمق من دُغَة. وأمنع من أم قِرْفة. وأقود من ظُلْمة، وأبصر من زرقاء اليمامة)).


قال أبو عمر:
((البسوس: جارة جسَّاس بن مُرَّة بن ذُهل بن شيبان، ولها كانت الناقة التي قُتل من أجلها كليبُ بن وائل، وبها ثارت الحرب بين بكر بن وائل وتغلب، التي يقال لها حرب البسوس.


وأم قِرْفَة: امرأة مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري، وكان يُعَلَّق في بيتها خمسون سيفًا، كل سيف منها لذي مَحْرَم لها.


ودُغَة: امرأة من عجل بن لُجَيم، تزوجت في بني العنبر بن عمرو بن تميم.


وزرقاء بني نُمير: امرأة كانت باليمامة تبصر الشعرة البيضاء في اللبن، وتنظر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام، وكانت تنذر قومها الجيوش إذا غزتهم، فلا يأتيهم جيش إلا وقد استعدوا له، حتى احتال لها بعض مَن غزاهم، فأمر أصحابه فقطعوا شجرًا أمسكوه أمامهم بأيديهم، ونظرت الزرقاء فقالت: إني أرى الشجر قد أقبل إليكم. قالوا لها: قد خَرِفْتِ ورقَّ عقلُك وذهب بصرك! فكذبوها، وصَبَّحتهم الخيل وأغارت عليهم وقُتلت الزرقاء.


قال: فقوَّروا عينيها، فوجدوا عروق عينيها قد غَرِقت في الإثمد من كثرة ما كانت تكتحل به)).


وذكروا للخامسة أمرًا في البغاء.



[اليماني - العاصي - الهادي - الموالي]


قال الإمام النووي - رضي الله عنه - من شرحه لحديثٍ خرجه الإمام مسلم من رواية حذيفة بن اليماني - رضي الله عنهما -، واسم اليماني حُسَيْلٌ، قال:
(( حسيل: بحاء مضمومة ثم سين مفتوحة مهملتين ثم ياء ثم لام. ويقال له أيضًا: حِسْل، بكسر الحاء وإسكان السين.


وهو والد حذيفة، واليمان لقب له.


والمشهور في استعمال المحدثين أنه اليمان، بالنون من غير ياء بعدها، وهي لغة قليلة، والصحيح اليماني بالياء. وكذا: عمرو بن العاصي، وعبد الرحمن بن أبي الموالي، وشداد بن الهادي.


والمشهور للمحدثين حذف الياء، والصحيح إثباتها)).



["باسم الله"]


نقل الإمام النووي[1] عن الكُتَّاب من أهل العربية أنه إذا قيل: "باسم الله" تعين كتبه بالألف، وإنما تحذف الألف إذا كتب "بسم الله الرحمن الرحيم" بكمالها.



[من روائع الكَلِم ]


1- ((مَن كثر ضحكه قَلَّت هيبته، ومَن أكثر من شيء عُرِف به، ومَن كثر مزاحه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل ورعه، ومن قل ورعه ذهب حياؤه، ومن ذهب حياؤه مات قلبه)). عمر بن الخطاب.


2- ((لا يكن حبُّك كَلَفًا، ولا بُغضُك تلفًا)) [2]. عمر بن الخطاب.


3- ((أَحْبِبْ حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما. وأَبْغِضْ بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما)). رُوي مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أشبه.


4- ((جالسوا العلماء؛ فإنكم إن أحسنتم حمدوكم، وإن أسأتم تأولوا لكم وعذروكم، وإن أخطأتم لم يعنفوكم، وإن جهلتم علموكم، وإن شهدوا لكم نفعوكم)). عامر بن شراحيل الشعبي.


5- ((أَحِبُّوا هونًا، وأبغضوا هونًا؛ فقد أفرط أقوام في حب أقوام فهلكوا، وأفرط أقوام في بغض أقوام فهلكوا، فلا تفرط في حبك، ولا تفرط في بغضك)). الحسن البصري.


6- ((جواب الأحمق السكوت. والتغافل يطفئ شرًّا كثيرًا. ورضا المتجني غاية لا تُدرَك. والاستعطاف عون للظفر. ومَن غضب على مَن لا يقدر عليه طال حزنه)). سليمان بن مهران الأعمش.


7- ((لا يضيق سَُمُّ الخياط على مُتَحَابَّينِ، ولا تَسَعُ الدنيا مُتَبَاغِضَيْنِ)). الخليل بن أحمد الفراهيدي.


8- ((مَن نصح أخاه سرًّا فقد نصحه وزانه، ومَن نصحه علانية فقد فضحه وشانه))[3]. الشافعي.


9- ((الدنيا دارُ نَفَادٍ، لا مَحَلُّ إِخْلادٍ، ومَرْكَبُ عُبُورٍ، لا مَنْزِلُ حُبُورٍ، ومَشْرَعُ انفِصَامٍ، لا مَوْطِنُ دَوَامٍ؛ فلهذا كان الأيْقَاظُ من أهلها هم العُبَّاد، وأعقلُ الناسِ فيها هم الزُّهَّاد)). النووي.


((كلُّ ساعةٍ قابلةٌ لأن تضع فيها حجرًا يزداد به صرح مجدك ارتفاعًا، ويقطع به قومك في السعادة باعًا أو ذراعًا. فإن كنت حريصًا على أن يكون لك مجدك الأسمى، ولقومك السعادة العظمى؛ فدع الراحة جانبًا، واجعل بينك وبين اللهو حاجبًا)). محمد الخضر حسين.



[ما يلد وما يبيض]


قال ابن قتيبة:
حدثني الرياشي قال: ((ليس شيء يغيب أذناه إلا وهو يبيض، وليس شيء يظهر أذناه إلا وهو يلد)).
وروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.




[من وصايا الجاحظ لشداة الأدب]


قال عمرٌو:
وأنا أوصيك ألا تدع التماس البيان والتبيين إن ظننت أن لك فيها طبيعة، وأنهما يناسبانك بعض المناسبة، ويُشاكِلانِك في بعض المشاكلة.


ولا تهمل طبيعتك فيستوليَ الإهمال على قوة القريحة، ويستبدَّ بها سوء العادة.


وإن كنت ذا بيان وأحسست من نفسك بالنفوذ في الخطابة والبلاغة، وبقوة الْمُنَّة يوم الحفل، فلا تُقَصِّر في التماس أعلاها سُورة[4]، وأرفعها في البيان منزلة.


ولا يقطعنَّك تهييب الجهلاء، وتخويف الجبناء، ولا تصرفنك الروايات المعدولة عن وجوهها، المتأوَّلَة على أقبح مخارجها.


فإن أردت أن تَتكلف هذه الصناعة، وتُنسب إلى هذا الأدب، فقرضْتَ قصيدة، أو حَبَّرْتَ خطبة، أو ألَّفْت رسالة، فإياك أن تدعوك ثقتُك بنفسك، أو يدعوك عُجبك بثمرة عقلك إلى أن تنتحله وتَدَّعيه، ولكن اعرضه على العلماء في عُرْض رسائلَ أو أشعارٍ أو خُطبٍ، فإن رأيت الأسماع تُصغي له، والعيونَ تَحْدِج إليه، ورأيت من يطلبه ويستحسنه، فانتحله[5].


فإن كان ذلك في ابتداء أمرك، وفي أول تكلُّفِك، فلم ترَ له طالبًا ولا مستحسنًا، فلعله أن يكون ما دام رَيِّضًا قَضِيبًا، أن يحل عندهم محل المتروك.


فإذا عاودت أمثال ذلك مرارًا، فوجدت الأسماع عنه منصرفة، والقلوبَ لاهيةً، فخُذْ في غير هذه الصناعة، واجعل رائدَك الذي لا يَكْذِبُك حِرْصَهم عليه، أو زُهْدَهم فيه.


ولا تثق في كلامك برأي نفسك؛ فإني ربما رأيت الرجل متماسكًا وفوق المتماسك، حتى إذا صار إلى رأيه في شعره، وفي كلامه، وفي ابنه، رأيته متهافتًا وفوق المتهافت.


وكان زُهَير بن أبي سُلْمى، وهو أحد الثلاثة المتقدمين، يسمِّي كبار قصائده "الْحَوْلِيَّات".


وقال نوح بن جرير: قال الحُطَيْئة: ((خير الشعر الْحَوْلِيُّ الْمُنَقَّح)).


[1] "المنهاج" (13/110).

[2]رواه البخاري في آخر كتابه "الأدب المفرد"، وفيه أن زبد بن أسلم قال له: كيف ذاك؟ قال: ((إذا أحببتَ كَلِفْتَ كَلَف الصبي، وإذا أبغضت أحببت لصاحبك التلف)).

[3]أنشد الشافعي:
تعمدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النصيحة في الجماعه

فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت قولي
فلا تجزع إذا لم تُعطَ طاعه


[4] أي: منزلة.

[5] لو كان الجاحظ لعهدنا لقال ما محصله: ثم إن أنت أردت نشره، وابتغيت سُموقه وبره، فالتمس ناشرًا أمينًا فهمًا، واحذرن من التجار ذوي الرزايا والأرزاء، فإنك إن تدفع إليهم كتابك يكن خيره أقل من الهباء. إن تعط أحدهم الكتاب مخطوطًا باعًا؛ يعطكه مطبوعًا ذراعًا!! ولسوف ترى في ذا الذراع كلامًا لم تحر له يراعًا !! ولئن راجعته ليُدَالِسَن وليُوَالِسن والشهود يأتون سراعًا!! وحسبك بالمجرِّب من عليم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-08-2022, 03:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الروضة الوائلية

الروضة الوائلية (4)

وائل حافظ خلف



الروضة الوائلية

((فوائد في علوم شتى نفيسات - خواطر عليات - حِكَم فائقات - نوادر مستحسنات - أشعار منتقاة - حكايات مصطفاة))


[ هذه - أسعدك الله - روضة لديدة سَنية، ناضرة بهية، دانية قطوفها، مأمونة فصولها؛ فتأنق حيث شئت فيها جَيْئَة وذُهُوبًا، وكن للدعاء لغارسها بذَّالاً وَهُوبًا ]


[ ما كان النبي متواصل الأحزان ]


يقولون: ((إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان متواصل الأحزان))، ولا يصح هذا، لا سندًا ولا متنًا.


فأما السند ففيه ضعف وجهالة. وهو لدى الترمذي في "الشمايل المحمدية"، وأبي الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه".


وأما المتن ففيه نكارة.


وقد كشف الغطاء عن ذلك العلامة ابن قيم الجوزية - رحمه الله - من كلامه على منزلة الحزن في "المدارج". فراجعه[1].




[فائدة عزيزة تتعلق بتدليس التسوية ]

من صور التسوية:
((أن يجئ المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة، وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف، وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة، فيعمد المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط منه شيخَ شيخه الضعيف، ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها، فيصير الإسناد كله ثقات، ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه، لأنه قد سمعه منه؛ فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضى عدم قبوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل)) [2].

قالوا:
ولكي يُقبل حديث المدلس الذي يأتي حديثه على هذي الصورة فلا بد أن يصرح بالتحديث في طبقات الإسناد جميعها.

هكذا أطلقوا، غير أن هناك صورة لا يجري عليها ذا الشرط، وهي: أن يكون المجوِّد يروي عن شيخ له صحيفة، كعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أو: بَهْز بن حكيم بن معاوية بن حَيْدَةَ عن أبيه عن جده، فحسب المسوِّي هنا أن يصرح بالتحديث بينه وبين شيخه، إذ هو لا يقدر على أن يعمل شيئًا فيما فوقه، فلا يُسأل عن عنعنته.

ولم أر من نبه على هذا إلا نفرًا يسيرًا، منهم الشيخ أبو إسحاقَ الحويني - حفظه الله - في "النافلة".



[فوارسُ - هوالكُ ]


قال أبو العباس المُبَرِّد[3] في قول الفَرَزْدَق[4] يمدح يزيد بن المُهَلَّب:
فإذا الرجال رَأَوْا يزيدَ رأيتَهم
خُضعَ الرقابِ نَوَاكِسَ الأبصارِ


في هذا البيت شيء يستطرفه النحويون، وهو أنهم لا يجمعون ما كان من (فاعِلٍ) نعتًا على (فَوَاعل)؛ لئلا يلتبس بالمؤنث، لا يقولون: ضارِب وضوارب، وقاتل وقواتل؛ لأنهم يقولون في جمع ضاربة: ضَوَارب، وقاتلة: قَوَاتل.

ولم يأت ذلك إلا في حرفين:
أحدهما: في جمع (فارس) (فوارس)؛ لأن هذا مما لا يُستعمل في النساء؛ فأَمِنُوا الالتباس.
ويقولون في المَثَل: هو (هالك) في (الهوالك)، فأَجْرَوْه على أصله؛ لكثرة الاستعمال، لأنه مَثَلٌ.
فلما احتاج الفرزدق لضرورة الشعر أجراه على أصله، فقال: ((نواكس الأبصار)). ولا يكون مِثلُ هذا أبدًا إلا في ضرورة.



[ الحال والمآل ]

ينبغي للعبد أن لا يقصر نظره على حاله التي تغشاه وما تجر عليه من لَأْيٍ وهو يكدح بين أثباج بحور تلك الحياة الدنيا، وليتلمح حلاوة العواقب يهن الصعب، ويسهل العسير، فيستحيل المر حلاوة يجد العبد طعمها، وإذا باللأواء تَبَدَّلَت حبورًا، وإذا بالمُكْتَبِت [5] المزبد الشدقين تبرق أسارير وجهه سرورًا. ومِن وراء كل محنة في الله منحة.


وإذا كان الأمر كذلك فلا يحملنك ضنك عاجلٌ نزل بساحتك على أن تستبيح محرمًا، بل الزم النَّجَاحة [6] وتَصَبَّر، وبالحِمية تترس؛ يأتك عن قريب حلالاً وزيادة.


ولقد روينا عن أبي قتادة وأبي الدهماء قالا:
أتينا على رجل من أهل البادية، فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل يعلمني مما علمه الله، فكان فيما حفظت عنه أن قال: ((إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله - تبارك وتعالى - إلا آتاك الله خيرًا منه)) [7].


وقال أبو نُواسٍ الحسن بن هانئ الحكمي البصري، المتوفى سنة خمس وتسعين ومائة:
الرزقُ والحِرمانُ مَجْرَاهما
بما قضى اللهُ وما قَدَّرَا

فاصبرْ إذا الدهرُ نبا نَبْوَةً
فَجُنَّةُ الحازمِ أن يَصْبِرَا






[حكاية الإمام والعِقد ]


قال الحافظ ابن رجب الحنبلي[8] - رحمه الله - آخر ترجمته للإمام الكبير، المحدث الفقيه، الأديب الألمعي، الذكي الأحوذي، قاضي المارَستان أبي بكرٍ محمد بن عبد الباقي الأنصاري البغدادي الحنبلي، المتوفى سنة خمس وثلاثين وخمس مئة:
أُنبئت عن يوسف بن خليل الحافظ قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو القاسم عبد الله بن أبي الفوارس محمد بن علي بن حسن الخزاز الصوفي البغدادي ببغداد، قال: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري - رحمه الله - يقول:
كنت مجاورًا بمكة - حرسها الله تعالى -، فأصابني يومًا من الأيام جوع شديد لم أجد شيئًا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسًا من إبريسَُم[9] مشدودًا بشرابة من إبريسم أيضًا، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عِقدًا من لؤلؤ لم أر مثله، فخرجت فإذا الشيخ ينادي عليه، ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار وهو يقول: ((هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ)).

فقلت: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به وأرد عليه الكيس. فقلت له: تعالَ إليَّ. فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرابة، وعلامة اللؤلؤ وعَدَدَه، والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه. فسلم إليَّ خمسمائة دينار، فما أخذتها، وقلت: يجب عليَّ أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء. فقال لي: ((لا بد أن تأخذ))، وألح عليَّ كثيرًا، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى.

وأما ما كان مني: فإني خرجت من مكة وركبت البحر، فانكسر المركب وغَرِق الناس، وهلكتْ أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليَّ وقال: علمني القرآن. فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال.

قال:
ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقًا من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها، فقالوا لي: تحسن تكتب؟
فقلت: نعم.

فقالوا: عَلِّمْنا الخط. فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنت أعلمهم، فحصل لي أيضًا من ذلك شيء كثير.

فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة، ولها شيء من الدنيا، نريد أن تتزوج بها، فامتنعتُ، فقالوا: لا بد، وألزموني، فأجبتهم إلى ذلك.

فلما زفوها إليَّ مددت عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العِقد بعينه معلقًا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه.

فقالوا: يا شيخ، كسرتَ قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها!

فقصصت عليهم قصة العِقد، فصاحوا، وصرخوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة!

فقلت: ما بكم؟!
فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان يقول: ((ما وجدت في الدنيا مسلمًا كهذا [10] الذي رد عليَّ هذا العقد))، وكان يدعو ويقول: ((اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي))، والآن قد حصلت.

قال:
فبقيت معها مدة، ورُزقت منها بولدين.
ثم إنها ماتت؛ فورثت العقد أنا وولداي.

ثم مات الولدان؛ فحصل العقد لي، فبعته بمائة ألف دينار. وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال. انتهى.

قال الحافظ ابن رجب:
هكذا ساق هذه الحكاية يوسف بن خليل الحافظ في "معجمه". وساقها ابن النجار في "تاريخه"، وقال: ((هي حكاية عجيبة)).

وأظن القاضي حكاها عن غيره.

وقد ذكرها أبو المظفر سبط ابن الجوزي في "تاريخه"[11] في ترجمة أبي الوفاء بن عقيل.


وذكر عن ابن عقيل أنه حكى عن نفسه أنه حج، فالتقط العقد ورده بالموسم، ولم يأخذ ما بذل له من الدنانير، ثم قدم الشام، وزار بيت المقدس، ثم رجع إلى دمشق، واجتاز بحلب في رجوعه إلى بغداد، وأن تزوجه بالبنت كان بحلب.

ولكن أبا المظفر ليس بحجة فيما ينقله، ولم يذكر للحكاية إسنادًا متصلًا إلى ابن عقيل، ولا عزاها إلى كتاب معروف، ولا يعلم قدوم ابن عقيل إلى الشام، فنسبتها إلى القاضي أبي بكر الأنصاري أنسب. والله أعلم.

ثم قال ابن رجب - رحمه الله -:
((وقد تضمنت هذه القصة أنه لا يجوز قبول الهدية على رد الأمانات؛ لأنه يجب عليه ردها بغير عِوض، وهذا إذا كان لم يلتقطها بنية أخذ الجُعْل المشروط. وقد نص أحمدُ - رضي الله عنه - على مثل ذلك في الوديعة، وأنه لا يجوز لمن ردها إلى صاحبها قبول هديته إلا بنية المكافأة)).




[ من أقوال الرافعي الأديب ]


قال أمير الأدباء:
1- ((ليست دنياك يا صاحبي ما تجده من غيرك، بل ما توجده بنفسك؛ فإن لم تزد شيئًا على الدنيا كنت أنت زائدًا على الدنيا)).

2- ((إذا رأيت كبراء قوم همهم عيشهم؛ فاعلم أنها أمة مأكولة؛ فلو شهرت السيف الماضي لقاتل بروح ملعقة! ولو رعدت بالأسطول الجبار لصلصل كآنية المطبخ!)).

3- ((لو كان العار في بئر عميقة لقلبها الشيطان مئذنة ووقف يؤذن عليها)).

4- ((قيمة كل شيء هي قيمة الحاجة إليه؛ فتراب شبر من الساحل هو في نظر الغريق أثمن من كل ذهب الأرض)).


5- ((ما ذلتْ لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار)).

6- ((يموت الحيُّ شيئًا فشيئًا، وحين لا يبقى فيه ما يموت يقال: مات!)).

7- ((يخيل إليَّ واللهِ، أن قلب المرأة امرأة معها؛ فأما أن تأخذها نكبتين أو معونتين)).


8- ((إذا اصطنعتَ سفيهًا يسافه عنك، فاحذره لليوم الذي لا يكون فيه سفيهًا إلا عليك)).


9- ((أقنعِ اللئيم بالكرم الذي في نفسك؛ فبهذه الطريقة وحدَها يفهم اللؤم الذي في نفسه)).


10- ((كل دجال له أساليبه التي صار بها دجالاً، وليس للمنخدعين إلا أسلوب واحد في الغفلة؛ وشرٌّ من الشر تعدُّدُهُ)).


[1] ثم انظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" (16/221).

[2] "التقييد والإيضاح"، ونحوه في "شرح ألفية الحديث" (ص98) ط/ دار الكتب العلمية. غير أن الحافظ العراقي - رحمه الله - أورد ذا الكلام على أنه حد تدليس التسوية، وفيه نظر؛ إذا التسوية أعم من أن تختص بالتدليس، ثم الإسقاط فيها لا يختص بالضعيف. وهذه فائدة نفيسة، فلتكن منك على بال. وقد بسط القول في ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – في "النكت على ابن الصلاح"، فانظر منه (ص243-246) ط/ دار الكتب العلمية.

[3] "الكامل" (1/272) ط/ مؤسسة المعارف - بيروت.

[4] لقب بذلك لأن وجهه كان كالفرزدق، وهو الرغيف العظيم أو عجينه الذي يُسَوَّى منه. واسمه: همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال التميمي، يكنى: أبا فِرَاس. توفي سنة عشر ومائة (110هـ).

[5] المكتبت: المُمْتَلئ غمًّا.

[6] النجاحة: الصبر.

[7] حديث صحيح: أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في "المسند" (ج5/ص78،79، 363). وانظر "مجمع الزوائد" (ج10/ص296).

[8] "الذيل على طبقات الحنابلة" (ج1/ص196-198) ط/ مطبعة السنة المحمدية.

[9] أي: حرير.

[10] في "الذيل": (( إلا هذا ))، وما أثبتناه أجود. ثم رأيت اللفظة التي أثبتها مثبتة بعينها في "شذرات الذهب" (4/110)، وهو عن "الذيل" نقل. فالحمد لله على توفيقه.

[11] وعن "مرآة الزمان في تاريخ الأعيان" اختصرها الذهبيُّ وأودعها "سير أعلام النبلاء" (19/449-450).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-08-2022, 03:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الروضة الوائلية

الروضة الوائلية (5)

وائل حافظ خلف



(( فوائد في علوم شتى نفيسات - خواطر عليات - حِكَم فائقات - نوادر مستحسنات - أشعار منتقاة - حكايات مصطفاة ))



[ هذه - أسعدك الله - روضة لديدة سَنية، ناضرة بهية، دانية قطوفها، مأمونة فصولها؛ فتأنق حيث شئت فيها جَيْئَة وذُهُوبًا، وكن للدعاء لغارسها بذَّالاً وَهُوبًا ]



[ فائدة في التثنية ]
قال أبو حيان: قال سيبويه:
كل اثنين من اثنين فجَمْعُهما أَجْوَدُ، تقول: (( ضربت رؤوسهما ))؛ لأن رأس كل واحد منه. وتقول: (( أخذت ثوبيهما ))؛ لأنهما ليسا منهما.

قال الله تعالى: ï´؟ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ï´¾[1]، ï´؟ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ï´¾[2]. انتهى.

وما سلف عليك إنما هو اختصار جيد من أبي حيان لكلام سيبويه - رحمه الله -، وتجد بسطه في "الكتاب"، باب: ما لُفظ به مما هو مثنًّى كما لُفظ بالجمع، (ج3/ص621-623)، و"شرح الكتاب" لأبي سعيد السيرافي (ج4/ص363-366) ط/ دار الكتب العلمية.


[الشروط الثلاثة التي تثبت بها القراءة ]
تثبت القراءة بشروط ثلاثة، هي:
1- أن يصح إسنادها.
2- وأن توافق وجهًا من وجوه العربية.
3- أن توافق أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً.

فإذا كانت هذه الثلاثة حاضرة في قراءة فهي التي يجب اعتمادها، ويحرم ردها، وإن تخلف شرط منها أشَذّوها، وبمعزل عن القبول جعلوها.

قال أبو الخير بن الجزري فيما نقله عنه السيوطي[3]:
كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصح سندها؛ فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين.

ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أُطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم.

هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف. صرح بذلك الداني، ومكي، والمهدوي، وأبو شامة. وهو مذهب السلف الذي لا يُعرف عن أحد منهم خلافُه)).


[ الشروط الثلاثة للرقية الجائزة ]
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -:
أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
1- أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.
2- وباللسان العربي أو بما يُعرف معناه من غيره.
3- وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى[4].


[ الشروط الثلاثة للتوبة الصحيحة ]
قال الإمام النووي - رحمه الله -:
قال العلماء:
التوبة واجبة من كل ذنب, فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي, فلها ثلاثة شروط[5]:
1- أحدها: أن يقلع عن المعصية.
2- والثاني: أن يندم على فعلها.
3- والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدًا.

فإن فقد أحد الثلاثة لم تصحَّ توبتُه.

وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة, وأن يبرأ من حق صاحبها, فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه, وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه, وإن كانت غِيبة استحله منها.

ويجب أن يتوب من جميع الذنوب, فإن تاب من بعضها صحَّتْ توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب, وبقِي عليه الباقي. انتهى.

شعر:

يا مَن عصى ثم اعتدى ثم اقترف
ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف




أَبْشِرْ بقول الله في آياته... ï´؟ إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ï´¾ [الأنفال: 38].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-08-2022, 03:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الروضة الوائلية

الروضة الوائلية (6)

وائل حافظ خلف





((فوائد في علوم شتى نفيسات - خواطر عليات - حِكَم فائقات - نوادر مستحسنات - أشعار منتقاة - حكايات مصطفاة))



[هذه - أسعدك الله - روضة لديدة سَنية، ناضرة بهية، دانية قطوفها، مأمونة فصولها؛ فتأنق حيث شئت فيها جَيْئَة وذُهُوبًا، وكن للدعاء لغارسها بذَّالاً وَهُوبًا].


[ في الطب ]

قال الزِّرِكْلي[1]:
قيل:
((كان الطب معدومًا فأوجده بُقْراط، وكان ميتًا فأحياه جالينوس، وكان متفرقًا فجمعه الرازي، وكان ناقصًا فأكمله ابن سينا)).


[لا يحيط بألسنة العرب جميعها إلا نبي]


قال إمام الأئمة ابن خزيمة - رحمه الله -[2]:
قال المطلبي - رحمة الله عليه -:
((لا يحيط أحد علمًا بألسنة العرب جميعًا غير نبي)).
ولعل هذا القول يطامن من حدة بعض إخواننا الذين يسارعون في إنكار ما لم يحيطوا بعلمه، وقد آذَنَّاك أن العلماء قالت: ((عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه))، سيما في أمر كالذي معنا. والله الهادي إلى سواء السبيل.


[إلى القَبْريين]

قال الشاعر محمود غُنَيْم في ديوانه "رجع الصدى" (ص54-55) ط/ مطابع دار الشعب - القاهرة:
لا تستمدوا النصر من قبرٍ ولو
أن الدفين به نبيٌّ مرسَلُ

ما قال ربك بالقبور تَمَسَّحوا
بل قال جل جلالُه: وقل اعملوا


لطيفة:
قال غنيم (ص113) في شَكَاته من جهل أهل زمانه بمقادير الرجال:
إلى مَن أشتكي يا ربِّ ضَيْمي
أرى نفسي غريبًا بين قومي

فكم هتفوا بمحمودٍ شكوكو
وما شَعَرُوا بمحمود غُنَيْمِ!


فائدة:
قيل في وصف أسلوب محمود غنيم الشعري: ((إنه خليفة حافظ إبراهيم))، ذكر ذلك الزِّرِكلي في "أعلامه".

فائدة أخرى:
قصيدة حافظ إبراهيم التي مطلعها: ((أحياؤنا لا يُرزقون بدرهم...))، ذكرها كاملةً الأستاذ محمد كُرْد عليّ في كتابه "المعاصرون" (ص203-204) ط/ دار صادر - بيروت.


[بديهة أبي تمام حبيب بن أوس الطائي]


قال ابن رَشِيق القيرواني في "العمدة" (ج1/ص192):
من عجيب ما رُوي في البديهة حكاية أبي تمام حين أنشد أحمد بن المعتصم بحضرة أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي وهو فيلسوف العرب:
إِقدام عمرٍو في سماحة حاتم
في حِلْم أَحْنَفَ في ذَكاء إياسِ[3]


فقال له الكندي:
ما صنعت شيئًا! شبهتَ ابنَ أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين بصعاليك العرب! ومَن هؤلاء الذين ذكرتَ؟ وما قدرهم؟!

فأطرق أبو تمام يسيرًا، وقال:
لا تُنكِروا ضَرْبي له مَن دونَه
مثلاً شَرودًا في النَّدَى والباس

فاللهُ قد ضرب الأقلَّ لنوره
مثلاً من المشكاة والنبراس


وقد قيل:
إن الكندي لما خرج أبو تمام قال: "هذا الفتى قليل العمر؛ لأنه ينحت من قلبه، وسيموت قريبًا"، فكان كذلك.


[ نادرةٌ عَجَبٌ ]

قرأت في كتاب "نَكْت الهميان" للصَّفَدي نادرةً أبصرها الشافعيُّ الإمام - رحمة الله عليه -، فقال:
رأيت باليمن أعمَيَيْنِ يتقاتلان، وأَبْكَمُ يُصلحُ بينهما!!
والأبكم: الأخرس.


[من أعاجيب الهنود ]

جاء في كتاب "سُبحة المرجان في آثار هندستان" (ص235):
الأهاند يذكرون العشق في تغزلاتهم من جانب المرأة بالنسبة إلى الرجل، خلافَ العرب.

وسببه أن المرأة في دينهم لا تنكح إلا زوجًا واحدًا، فحظ عيشتها منوط بحياة الزوج، وإذا مات فالأولى في دينهم أن تحرق نفسها معه، فإنهم يحرقون موتاهم!!

والمرأة التي تعرض نفسها مع زوجها على النار يسمونها: (سَتِّي)، نسبةً إلى (السَّتّ) بفتح السين المهملة وتشديد الفوقانية، وهو العفاف، وياء النسبة عندهم ساكنة. انتهى.

وأقول:
ولأنني - ولله الحمد - اعتدت في كل ما أسطره أن أنسبه للكتاب الذي أبصرته فيه أول مرة، وإن كان الأصل المنقول عنه عتيدًا عندي، وأرى حذف الواسطة لؤمًا، وما أكثر اللئام لعهدنا، وعياذًا بالله من أن أنظم في سلكهم؛ فأقول:

إنني وقفت على ذي الحكاية بحَوالة "معجم الفوائد ونوادر المسائل = التذكرة التيمورية"، للعلامة أحمد تَيْمُور باشا - رحمه الله -، (ص203-204) و(ص401-402).


[ مُثُل فائقة في الأمانة العلمية ]

وقد دار بخلدي بعد تسطير ما أسلفت، والشيء بالشيء يذكر، صنيعٌ كريم لإمام عظيم، هو الإمام إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني، صاحب "المختصر" الشهير، الذي فيه قيل: ((ما رأت عيني، ولا سمعَت أذني، أفضل من مختصر المزني))، ووصفه السيوطي بأنه ((الذي كساه الله لإخلاصه إجلالاً ونورًا، وزاده في الآفاق سموًّا وظهورًا)).

فقد قال المزني - رحمه الله - صدر مختصره:
((باب الطهارة. قال الشافعي: قال الله - عز وجل -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾[4])). انتهى.

قال السيوطي في "الفارق بين المصنف والسارق" بعد إذ ذكر صنيع المزني هذا:
((أفما كان المزني رأى هذه الآية في المصحف فينقلها منه بدون عزوها إلى إمامه؟!

قال العلماء: إنما صنع ذلك لأن الافتتاح بها من نظام الشافعي لا من نظامه)). انتهى.

فيا ليت السُّرَّاق يتعلمون!!!

وقد سطر السيوطي قبل هذا ما جاء في الأثر: ((بركة العلم عزوه إلى قائله)).

وأقول:
ناقله في بعض الأحايين قائله.

ورقم الجلال في "المزهر" (2/319) فصلاً ترجمته: "من بركة العلم وشكره عزوه إلى قائله"، نقل فيه ما رواه الحافظ السِّلَفي بسنده إلى عبد الغني بن سعيد قال:
لما وصل كتابي إلى عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه، وذكر أنه أملاه على الناس، وضمَّنَ كتابه إليَّ الاعترافَ بالفائدة، وأنه لا يذكرها إلا عني، وأن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: سمعت أبا عبيد قال:
((مِن شُكر العلم أن تستفيد الشيء، فإذا ذُكر لك قلتَ: خَفِي عليَّ كذا وكذا، ولم يكن لي به علمٌ حتى أفادني فلان فيه كذا وكذا؛ فهذا شكر العلم)). انتهى.

قال السيوطي:
((ولهذا لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفًا إلا معزوًّا إلى قائله من العلماء، مبينًا كتابه الذي ذكر فيه)).


قال:
وفي فوائد النَّجَيْرَمِيِّ بخطه:
قال العباس بن بكار للضَّبِّيِّ: ما أحسنَ اختيارَك للأشعار! فلو زدتنا من اختيارك؟
فقال: واللهِ، ما هذا الاختيار لي، ولكن إبراهيم بن عبدالله استتر عندي، فكنت أطوف وأعود إليه بالأخبار فيأنس ويحدثني، ثم عرض لي خروجٌ إلى ضيعتي أيامًا، فقال لي: اجعل كتبك عندي لأستريح إلى النظر فيها، فتركت عنده قمطرين فيهما أشعار وأخبار، فلما عدت وجدته قد علّم على هذه الأشعار، وكان أحفظ الناس للشعر، فجمعته وأخرجته؛ فقال الناسُ: اختيار الْمُفَضَّل)). انتهى.

حكاية:
ذكر الحاج خليفة أنه يُحكى عن السيوطي أنه كان ينقص مصنفًا شهيرًا، ويزعم أنه يسرق من كتبه، ويستمد منها، ولم ينسب النقل إليها، وادَّعى عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، فألزمه بيان مدعاه، فقال: ((إنه نقل عن البيهقي، وله عدة مؤلفات، فليذكر لنا أنه ذكره في أي مؤلفاته؛ لنعلم أنه نقله عنه. ولكنه رأى ذلك في مؤلفاتي، فنقله. وكان الواجب عليه أن يقول: نقل السيوطي عنه)).

ثم إن هذا العالم قصد إزالة ما في خاطر الحافظ جلال الدين، فمشى من القاهرة إلى الروضة، وكان السيوطي معتزلاً عن الناس بها، فوصل إلى بابه، ودقه، فقال له: من أنت؟
فقال: أنا فلان، جئت إليك حافيًا ليطيبَ خاطرك.
فقال له: قد طاب، ولم يفتح له الباب!


[معنى قول الإمام أبي حاتم الرازي في راوٍ: "يُكتب حديثُه"]

قال الإمام أبو عبد الله محمد بنُ أحمدَ بنِ عثمانَ الذهبيُّ - رحمه الله -:
((قد علمت بالاستقراء التام أن أبا حاتم الرازي[5] إذا قال في رجل: "يُكتب حديثُه"، أنه عنده ليس بحجة)) [6].


[ كلام الإمام أبي زُرْعة الرازي في الرجال ]

قال الذهبي - رحمة الله عليه -[7]:
((يعجبني كثيرًا كلام أبي زرعة[8] في الجرح والتعديل، يَبِين عليه الورع والمخبرة، بخلاف رفيقه أبي حاتم، فإنه جرَّاح)).


[جُمَّاع اعتقاد الإمام البخاري في جماعة من السلف العالمين الصالحين، وبه لله ندين، ونرى أنه لا يسع أحدًا الصُّدُوف عنه]

قال الإمام أبو القاسم اللالكائي[9] - رحمه الله -:
أخبرنا أحمد بن محمد بن حفص الهروي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن سلمة، قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن عمران بن موسى الجرجاني قال: سمعت أبا محمد عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن البخاري بالشاش يقول: سمعت أبا عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري يقول:
لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم، أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر، لقيتهم كرات قرنًا بعد قرن [يعني: طبقة بعد طبقة]، ثم قرنًا بعد قرن، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان، منهم:
المكي بن إبراهيم، ويحيى بن يحيى، وعلي بن الحسن بن شقيق، وقتيبة بن سعيد، وشهاب بن معمر.

وبالشام: محمد بن يوسف الفريابي، وأبا مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وأبا المغيرة عبدالقدوس بن الحجاج، وأبا اليماني الحكم بن نافع، ومن بعدهم عدة كثير.

وبمصر: يحيى بن كثير، وأبا صالح كاتب الليث بن سعد، وسعيد بن أبي مريم، وأَصْبَغَ بن الفرَج، ونُعَيم بن حماد.

وبمكة: عبدالله بن يزيدَ المقرئ، والحميدي، وسليمان بن حرب قاضي مكة، وأحمد بن محمد الأَزْرَقي.

وبالمدينة: إسماعيل بن أبي أويس، ومُطَرِّف بن عبدالله، وعبدالله بن نافع الزبيري، وأحمد بن أبي بكر أبا مصعب الزهري، وإبراهيم بن حمزة الزبيري، وإبراهيم بن المنذر الحِزَامي.

وبالبصرة: أبا عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني، وأبا الوليد هشام بن عبدالملك، والحجاج بن المنهال، وعلي بن عبدالله بن جعفر المديني.

وبالكوفة: أبا نعيم الفضل بن دُكَيْن، وعبيدالله بن موسى، وأحمد بن يونس، وقَبِيصة بن عُقْبة، وابن نُمَيْر، وعبدالله وعثمان ابنا أبي شيبة.

وببغداد: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبا معمر، وأبا خيثمة، وأبا عبيدالقاسم بن سلام.

ومن أهل الجزيرة: عمرو بن خالد الحراني.

وبواسط: عمرو بن عون، وعاصم بن علي بن عاصم.

وبِمَرْوَ: صدقة بن الفضل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي.

واكتفينا بتسمية هؤلاء؛ كي يكون مختصرًا؛ وأن لا يطول ذلك. فما رأيت واحدًا منهم يختلف في هذه الأشياء:
أن الدين قول وعمل؛ وذلك لقول الله: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾[10].

وأن القرآن كلامُ الله غيرُ مخلوق؛ لقوله: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ﴾[11].

قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (هو البخاري - رحمه الله -):
قال ابن عيينة - رحمه الله -: فبين الله الخلق من الأمر؛ لقوله: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾[12].

وأن الخير والشر بقدر؛ لقوله: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾[13]؛ ولقوله: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾[14]؛ ولقوله: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾[15].

ولم يكونوا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بالذنب؛ لقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾[16].

وما رأيت فيهم أحدًا يتناول أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. قالت عائشة - رضي الله عنها -: "أُمروا أن يستغفروا لهم، وذلك قوله: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾[17]".

وكانوا ينهَوْن عن البدع ما لم يكن عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ لقوله: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾[18]؛ ولقوله: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾[19].

ويَحُثُّون على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه؛ لقوله: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾[20].

وأن لا ننازع الأمر أهله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلَاثٌ لَا يَغُلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَطَاعَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ"، ثم أكَّد في قوله: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾[21].

وأن لا يرى السيف على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم.
وقال الفضيل - رحمه الله -: "لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام؛ لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد".

قال ابن المبارك: "يا معلم الخير، من يجترئ على هذا غيرك؟!".


[1] "الأعلام"، الجزء الثاني، حاشية النهر الثالث من الصحيفة رقم (241).

[2] كتاب "التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل" (ج1/ص227).

[3] كان الأصل أن يذكر إياسًا بالزَّكَن، وهو الإصابة بالظن؛ فإنه معروف به، بل هو مضرب المثل فيه، فلما لم يستقم له الوزن بذلك وضع مكانه الذكاء. وقد نبه على ذلك العلامة أبو الفضل الميداني.

[4] [الفرقان: 48].

[5] اسم هذا الإمام الكبير: محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مِهرانَ.

[6] كتاب "سير الأعلام" (ج6/ص360).

[7] "السير" (ج13/ص81).

[8] اسم هذا الإمام الجليل: عبيدالله بن عبدالكريم بن يزيدَ بن فَرُّوخَ.

[9] في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (ج1/ص172-176)، ونقل بعضَ الأثر الحافظ ابنُ حجر في "الفتح" (ج1/ص47)، والإسنادَ صححه.

[10] [البينة: 5].

[11] [الأعراف: 54].

[12] [الأعراف: 54].

[13] [الفلق: 1-2].

[14] [الصافات: 96].

[15] [القمر: 49].

[16] [النساء: 48، 116].

[17] [الحشر: 10].

[18] [آل عمران: 103].

[19] [النور: 54].

[20] [الأنعام: 153].

[21] [النساء: 59].






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12-08-2022, 03:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الروضة الوائلية

الروضة الوائلية (7)

وائل حافظ خلف





((فوائد في علوم شتى نفيسات - خواطر عليات - حِكَم فائقات - نوادر مستحسنات - أشعار منتقاة - حكايات مصطفاة))






[هذه - أسعدك الله - روضة لديدة سَنية، ناضرة بهية، دانية قطوفها، مأمونة فصولها؛ فتأنق حيث شئت فيها جَيْئَة وذُهُوبًا، وكن للدعاء لغارسها بذَّالاً وَهُوبًا].



[نفس زاكية]




قال أبو محمد اليافعي في "روض الرياحين في حكايات الصالحين = نزهة العيون النواظر"، وعنه نقل السخاوي في "المنهل العذب الروي":

بلغني أن الشيخ الإمام محيي الدين النووي - رضي الله تعالى عنه - خطف سارقٌ عمامته وهرب، فتبعه الشيخ وصار يعدو خلفه ويقول له: (( مَلَّكتُك إياها، قل: قَبِلْت ))، والسارق ما عنده خبر من ذلك!





[التأويل الصحيح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دعوها فإنها منتنة"]



لما كَسَع غلامٌ من المهاجرين غلامًا من الأنصار في غزاة بني المصطلق، واستغاث الأول: يا لَلْمهاجرين، ونادى الآخر: يا لَلأنصار، سمِع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ"، فحكوا له ما جرى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ".



والحديث مخرج في "الصحيحين" وغيرهما من رواية جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما.



وإن كثيرًا من الشراح ليذهبون إلى أن المراد بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" هُتافُ الغلامين: يا لَلْمهاجرين، و: يا لَلأنصار.



لكنّ روايةً في "مسند الإمام أحمد" ترجح غير ذلك، وتبين أن المراد بقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ": الكسعةُ[1]. وإنْ خطَّأ بعض الشارحين من رجَّح هذا، فالدليل حكمٌ وأي حكم.



قال الإمام أحمد (3/385): حدثنا سُرَيْج بن النعمان، حدثنا سعيد - يعني: ابنَ زيد -، عن عمرو بن دينار، حدثني جابر بن عبد الله، قال: كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا لَلأنصار، وقال المهاجري: يا لَلمهاجرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ دَعُوا الْكَسْعَةَ؛ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ".



ولا بأس بإسناد ذا الخبر؛ لكلام في سعيدٍ يؤثر، وقد وثقه ابن معين في رواية الدوري، وغيرُه.



ويؤيد ما قلنا روايةُ ابن جُرَيْج، قال: أخبرني عمرُو بن دينار، أنه سمغ جابرًا - رضي الله عنه - يقول: غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ثابَ معه ناسٌ من المهاجرين حتى كَثُروا، وكان من المهاجرين رجلٌ لَعَّابٌ، فكسع أنصاريًّا، فغضب الأنصاري غضبًا شديدًا حتى تَدَاعَوْا، وقال الأنصاري: يا لَلأنصار، وقال المهاجري: يا لَلمهاجرين، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ؟"، ثم قال: "مَا شَأْنُهُمْ"، فأُخبر بكسعة المهاجريِّ الأنصاريَّ، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ"...



فهذا كالصريح. ورواية ابن جريج هذه عند البخاري (3518)، قال: حدثنا محمد (هو ابن سلام)، أخبرنا مَخْلَد بنُ يزيدَ، أخبرنا ابن جريج بها.



ونحوها رواية سفيان بن عيينة عن عمرٍو. وهي لدى البخاري (4905، 4907)، ومسلم (2584/63)، والترمذي (3315).



وأصرح من هذا في المراد رواية أيوبَ عن عمرٍو، وفيها:

كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله القَوَد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ". خرّجها مسلمٌ.



فأفادت هذه الرواية أن النبي قد ذكر نتن الكسعة إذ طُلب القوَد فيها، وهذا فيصل قاض بأنها المرادة بذاك الوصف في هذا الموضع لا دعوى الجاهلية.



وإنما استفهم النبي عن استغاثة الرجلين أهي دعوى جاهلية؟! فلما انجلى له الأمر وأنه لا فتنة، وامَّحَى ما كان قد خشي منه - صلى الله عليه وسلم - ومن أجله سأل؛ قال عندئذ: "لا بَأْسَ".



فعند مسلم (62/2584) من رواية أبي الزبير عن جابر قال:

اقتتل غلامان: غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار، فنادى المهاجر أو المهاجرون: يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري: يا للأنصار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "مَا هَذَا؟ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟"، قالوا: لا يا رسول الله، إلا أن غلامين اقتتلا، فكسع أحدهما الآخر، قال: "فَلَا بَأْسَ، وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا: إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ، فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ".



ولعلنا بهذا نكون قد دَلَّلنا على ما إليه ذهبنا. ومن الله التوفيق.





[جميع أسماء الشهور مُذَكَّرَة إلا جُمَادَيَيْنِ]




قال ابن الأنباري:

أما أسماء الشهور فإنها مذكَّرَة إلا جُمَادَيَيْنِ فإنهما مؤنَّثتان[2].



تقول: مضَى رجبٌ بما فيه، ومضى المحرَّم بما فيه، ومضتْ جُمَادَى بما فيها.



فإنْ سمعْتَ في شعرٍ تذكيرَ جُمَادَيَيْن فإنما يُذهَب به إلى معنى الشهر، كما قالوا: هذه ألف درهم، فقالوا: هذه على معنى الدراهم، ثم قالوا: ألف درهم[3].



وهذا باب من العلم يجهله الأكثرون، فإياك وأن تقفو أثرهم.

فإن قلت: هل من بأس على من ذكَّر مؤنثًا أو أَنَّث مذكرًا؟




فالجواب ما قاله أبو بكر - رحمه الله -:

((اعلم أن من تمام معرفة النحو والإعراب معرفةَ المذكر والمؤنث؛ لأن مَن ذكَّر مؤنثًا أو أنث مذكرًا كان العيب لازمًا له كلزومه مَن نَصَبَ مرفوعًا أو خفَض منصوبًا)).



وعليه؛ فمَن بدَّل كان من الخاطئين، ومن أتى بالتأنيث والتذكير على الوجه كان ((خارجًا عن جملة اللاحنين، ومُبَاينًا جماعةَ الْمَعِيبِين))، فتبصر.





[كل الأيام تُجمع وتُثَنَّى إلا الاثنين]




الأيام جميعها تُثنى وتُجمع حاشا الاثنين؛ ذلك أنه تثنية؛ فلا يثنَّى.



قال أبو نصر الجوهري:

((فإن أحببت أن تجمعه كأنه صفة للواحد قلت: (أثانين))).



وقال الفراء - رحمه الله -[4]:

((الجمع الأقل فيه: (أثناء)، وجمع (الأثناء): (أثانٍ)، و (الأثاني) غاية الجمع. و(الثِّناء) ممدود، الجمع الكثير.



فأما مَن جمع (الأثانين)؛ فإنه بناه على أن جعل نون التثنية من نفس الكلمة)).



قلت:

يجمع (السبت) على: (أسبتة)، و: (أَسْبُت)، و: (سُبُوت). ومثناه: (سبتان).

و(الأحد) على: (آحاد) في القلة، وفي الكثرة، ما جاوز العشرة، قال يحيى بن زياد على القياس: (إحاد)، قال: ((غير أنهم لم يتكلموا به)). والمثنى منه: (أَحدان).



و(الثلاثاء) على: (ثُلاثاوات) بقلب الهمزة واوًا[5]، و: (أثالِث). والتثنية: (ثلاثاوان).



و(الأربعاء) على: (أربِعَاوات)، و: (أرابيع). والمثنى: (أربعاوان).



و(الخميس) على: (أخمسة)، و: (أخامِس)، و: (أَخْمِساء)، و: (أخاميس). وزاد أبو زكريا قياسًا: (خُمُس)، كما تقول: قميص وقُمُص وأقمصة. وقال: ((لم أسمعه من العرب)). والمثنى منه: (خميسان).



و(الجمُْعة) على: (جمُعات) لمن حرك ميم المفرد، و: (جُمَع) لمن سكنها. والمثنى منه معروف: (جمعتان).



وفي مفرد بعضها غير لغة.





[ إنَّ عناءً تقويم ما لا يستقيم ]




قال البَلَاذُري في "أنساب الأشراف" (ج4/ص291/=ص1705):

حدثني المدائني، عن ابن جابان قال:

كان ابن المقفع ظريفًا مزَّاحًا ذا دعابة، فكان بعض مَن يحسُده يقول: إن أدبه أكثر من عقله.



وقال ابن المقفع يومًا لغلامه، وسمعه يقول: ما أكثرَ الدخَّانَ، فقال: ويلك! لا تقل: (الدخّان)، إنما هو: (الدخَان).



ثم سمع يومًا كلامًا فقال: ما هذا الذي أسمع؟ فقال الغلام: هذا كلام قوم جلوس على الدكَان [بتخفيف الكاف]!



فضحِك ابنُ المقفع وقال: أنا كنت أعجب منك يا بني.



وسمِع ابن المقفع يومًا بعضَ ولد إسماعيلَ بن عليٍّ يقول: أعطوني بِرْذَوْني الأسود! فقال له: لا تقل هذا، وقل: برذوني الأدهم. فلما أُتي ببرذونه قال: هاتوا طيلساني الأدهم! فقال له: ((إنَّ عناءً تقويمُ ما لا يستقيم)).





ويشاكه هذا من وجهٍ ما قال ابن بحر في "البيان" (ج2/ص109) ط/ دار الكتب:

زعم يزيدُ مولى ابن عون قال: كان رجل بالبصرة له جارية تُسمَّى: ظَمياء، فكان إذا دعاها قال: يا ضَمياء، بالضاد! فقال ابن المقفع: ((قل: يا ظمياء)). فناداها: يا ضمياء. فلما غَيَّرَ عليه ابنُ المقفع مرتين أو ثلاثًا قال له: هي جاريتي أو جاريتك؟!!.





ونقل ابن الجوزي عن ميمونِ بنِ هارونَ قال:

قال رجل لصديق له: ما فعل فلان بحمارِه؟

قال: باعِهِ!

قال: قل: باعَهُ.

قال: فلِمَ قلتَ: بحمارِهِ؟

قال: الباء تجر.

قال: فمَن جعل باءك تجر وبائي ترفع؟!!!





وعن أبي عبد الله الشطيري قال: كان إبراهيم يقرأ على الأعمش، فقال: ((قال لمن حولِه ألا تستمعون))!!

فقال الأعمش: ((لمن حولَه )).

فقال: ألست أخبرتني أن (من) تجر ما بعدها؟!!!





[الصفح الجميل - الصبر الجميل - الهجر الجميل]




قال الله - جل ثناؤه -: ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾[6].

وقال - تقدست أسماؤه -: ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾[7].

وقال - عَزَّ مِن قائل -: ﴿ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾[8].



قال أبو العباس ابن تيميّة - رحمه الله -:

(( قد قيل: إن (الهجر الجميل) هو هجر بلا أذى، و (الصفح الجميل) صفح بلا معاتبة، و (الصبر الجميل) صبر بغير شكوى إلى المخلوق ))[9].





[البدع دهليز الكفر]




قال شيخ الإسلام[10]:

((البدع دهليز الكفر والنفاق، كما أن التشيع دهليز الرفض، والرفض دهليز القرمطة والتعطيل)).






[1] قال الإمام الجوهري - رحمه الله - في "الصحاح": ((الكَسْع: أن تضرب دبر الإنسان بيدك أو بصدر قدمك)).




[2] وتعليل هذا أن (جمادى) جاءت على بِنية (فُعَالى)، و (فعالى) لا تكون إلا للمؤنث. قاله الفراء.




[3] "المذكر والمؤنث" (ج1/ص270-271) ط/ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر.




[4] "الليالي والأيام والشهور" (ص33).




[5] وإن قلت: (ثلاثاءَات) جاز. قاله الفراء.




[6] [الحجر: 85].





[7] [المعارج: 5].




[8] [المزمل: 10].




[9] "مجموع الفتاوى" (ج10/ص183، 666).




[10] "الفتاوى" (ج2/ص230).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12-08-2022, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الروضة الوائلية

الروضة الوائلية (8)

وائل حافظ خلف







((فوائد في علوم شتى نفيسات - خواطر عليات - حِكَم فائقات - نوادر مستحسنات - أشعار منتقاة - حكايات مصطفاة))




[هذه - أسعدك الله - روضة لديدة سَنية، ناضرة بهية، دانية قطوفها، مأمونة فصولها؛ فتأنق حيث شئت فيها جَيْئَة وذُهُوبًا، وكن للدعاء لغارسها بذَّالاً وَهُوبًا].





[طغيان (أنا)، و(لي)، و(عندي)]




قال العلامة ابن القيم[1] - رحمه الله -:

وليحذر كلَّ الحذر من طغيان (أنا)، و (لي)، و(عندي)؛ فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتُلِي بها إبليسُ وفرعون وقارون. فـ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ لإبليسَ ﴾، و ﴿ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ لفرعون، و﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ لقارون.



وأحسن ما وُضِعَت (أنا) في قول العبد: أنا العبد المذنب، المخطئ، المستغفر، المعترف، ونحوه.



و (لي) في قوله: لي الذنب، ولي الجُرْم، ولي المسكنة، ولي الفقر والذل.



و (عندي) في قوله: اللهم اغفر لي جِدِّي وهَزْلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي.





[ في الإجماع ]




الإجماع في الاصطلاح هو اتفاق مجتهدي أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته في عصر من الأعصار على أمر من الأمور[2].



وفي شرح حده، ومعرفة فصله وجنسه، والبحث في إمكانه في نفسه، والكلام على حجيته مع أنواعه، مباحثُ كثيرة تُطلب من مظانها.



لكن الذي إليه المقصَد هنا الكلام على أمور أُخرَ.



فمنها:

الكلام على نقل إمامين كبيرين من أهل نقل الإجماع، أولهما أبو بكر بن المنذر، فمن المعلوم عند أولي العلم أنه واسع الخطو في نقل الإجماع، والإحاطة بمذهبه رائد جيد لمن يبتغي التحرير، ومذهبه ما نقله ابن ضويان في "المنار"[3] عن ابن القيم قال: ((عادة ابنِ المنذر أنه إذا رأى أكثر أهل العلم، حكاه إجماعًا)). انتهى.



لكن مما ينبغي أن نلمع إليه هنا أن ابن المنذر - رحمه الله - في مواضعَ من كتابه "الأوسط" يقيد النقل بعلمه هو، فيقول مثلاً: ((لا أعلمهم يختلفون فيه))، أو: ((لا أعلم فيه خلافًا))، ونحو هذا. ولا معاب عليه في ذلك إذا ما اطلع في المسألة على خلاف؛ إذ إن الرجل إنما انتهى إلى ما علم، وقيد وما أطلق، ومخطئ مَن حكى عنه نقل الإجماع من مثل هذه المواضع، فإن عدم العلم بالشيء لا يوجب العلم بعدمه، فإن عثر على خلاف فليعتبر حينئذ من غير ما إنكار على من قيد. ولابن القيم كلام يدور في فلك هذا.



والإمام الثاني هو أبو جعفر ابن جرير الطبري - رحمه الله -، فإن أصله الذي يبني عليه الإجماع يضارع ما سلف، وهو أنه إذا رأى خلاف رجل أو رجلين في المسألة لم يعده شيئًا ويحكي الإجماع على قول الأكثرين. ذكر هذا عنه غيرُ واحد، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن تلامذته: ابن قيم الجوزية في غير موضع من كتبه، ومنها "جِلاء الأفهام"، والعماد ابن كثير في "التفسير".



وقال الشيخ - رحمه الله - في "منهاج السنة النبوية" (ج8/ص335-336)، من كلامه على إمامة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -:

((لا ريب أن الإجماع المعتبر في الإمامة لا يضر فيه تخلف الواحد والاثنين والطائفة القليلة، فإنه لو اعتُبر ذلك لم يكد ينعقد إجماع على إمامة؛ فإن الإمامة أمر مُعَيَّن، فقد يتخلف الرجل لهوًى لا يُعلم...



ومَن ترك الشيء لهوى لم يؤثر تركُه، بخلاف الإجماع على الأحكام العامة، كالإيجاب والتحريم والإباحة، فإن هذا لو خالف فيه الواحد أو الاثنان فهل يعتد بخلافهما؟ فيه قولان للعلماء.



وذُكر عن أحمدَ في ذلك روايتان:

إحداهما: لا يُعتدُّ بخلاف الواحد والاثنين، وهو قول طائفة كمحمد بن جرير الطبري.

والثاني: يعتد بخلاف الواحد والاثنين في الأحكام، وهو قول الأكثرين.



والفرق بينه وبين الإمامة أن الحُكم أمر عام يتناول هذا وهذا؛ فإن القائل بوجوب الشيء يُوجبه على نفسه وعلى غيره، والقائل بتحريمه يُحَرِّمه على نفسه وعلى غيره، فالمنازِع فيه ليس متهمًا؛ ولهذا تُقبَل روايةُ الرجل للحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القصة وإن كان خصمًا فيها؛ لأن الحديث عام يتناولها ويتناول غيرها، وإن كان المحدِّث اليوم محكومًا له بالحديث فغدًا يكون محكومًا عليه، بخلاف شهادته لنفسه؛ فإنها لا تُقبل؛ لأنه خصم، والخصم لا يكون شاهدًا)) انتهى.



رأيت فيما مر من كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - أن الإجماع على الأحكام بخرقه خلافُ الواحد في قول الأكثرين، وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن أكثر (الأكثرين) يقولون: إن مخالفة داودَ الظاهريِّ لا يُعتد بها.



قال الإمام النووي - رحمه الله - في "شرح مسلم" (ج3/ص142):

((وقد حكى الشيخ أبو حامد الإسْفَرَايينيُّ إمامُ أصحابنا العراقيين عن داودَ الظاهري أنه أوجب السواك للصلاة، وحكاه الماوردي عن داودَ، وقال: هو عنده واجب لو تركه لم تبطل صلاته.



وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقلَ الوجوب عن داود، وقالوا: مذهبه أنه سنة كالجماعة، ولو صح إيجابُه عن داود لم تَضُرَّ مخالفتُه في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون)).



وقال في موضع آخرَ (14/29):

((قال أصحابنا: انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب وسائر الاستعمال في إناء ذهب أو فضة إلا ما حكي عن داودَ وقول الشافعي في القديم، فهما مردودان بالنصوص والإجماع. وهذا إنما يُحتاج إليه على قول من يَعْتَدُّ بقول داود في الإجماع والخلاف، وإلا فالمحققون يقولون: لا يُعتد به؛ لإخلاله بالقياس وهو أحد شروط المجتهد الذي يعتد به)). انتهى.



وقد أبى هذا المسلكَ جماعة، ومذهبهم هو الأصح، ومنهم العلامة الشوكاني - رحمه الله -، قال في "نيل الأوطار"[4]:

عدم الاعتداد بخلاف داودَ مع علمه وورعه وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية، وقد كثُر هذا الجنس في أهل المذاهب، وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين؟! فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسَّسَة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالَغة؛ فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهبَ لا يوافق الشريعةَ منها إلا القليل النادر، وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وحملوه عليه هي في غاية الندرة. ولكن:

لِهَوَى النفوس سريرةٌ لا تُعْلَم



قال المناوي في "الفيض" (ج5/ص677) ط/ مكتبة مصر، عند شرحه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، قال:

((قال أصحابنا في الأصول: يجوز أن يجمع عن قياس، كإمامة أبي بكر هنا؛ فإن الصحب أجمعوا على خلافته، وهي الإمامة العظمى، ومستندهم القياس على الإمامة الصغرى، وهي الصلاة بالناس بتعيين المصطفى صلى الله عليه وسلم)). انتهى.



وأقول: القول بأن الصحب - رضوان عليهم - قاسوا الكبرى على الصغرى مجال نظر. قال أبو الحسن السندي في "حاشيته على النسائي"[5]: ((في الحديث تقديم أهل الفضل والعلم في الإمامة الصغرى والكبرى جميعًا، وأنهم فهموا من تقديم أبي بكر في الصغرى تقديمه في الكبرى أيضًا بعد بيان عُمَرَ لهم ذلك، وليس ذلك لقياس الكبرى على الصغرى حتى يقال: إنه قياس باطل؛ بل لأن الصغرى يومئذ كانت من وظائف الإمام الكبير، فتفويضها إلى أحد عند الموت دليل على نصبه للكبرى. فليتأمل)). انتهى.



وقد بسطنا الكلام على هذا في كتابنا "نزهة العيون". والله الهادي إلى الصواب.





[ كمال عقل الشافعي ]




روى الحافظ ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" عن محمد بن سفيان بن سعيد قال: قال لنا يونس بن عبد الأعلى:

((ما رأيت أحدًا أعقل من الشافعي، لو جُمِعَتْ أمةٌ فجُعلتْ في عقل الشافعي لوسعهم عقلُه)).



قال:

وقال لنا يونسُ: ناظرت الشافعي يومًا في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال لي: ((يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة ؟!)). انتهى.



قال الذهبي[6]:

((هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام، وفِقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون)).





[ خبر كُثَيِّر عَزَّةَ مع عبد الملك بن مروان ]




قال أبو علي القالي في "الأمالي" (ج1/ص46-47):

أخبرَنا أبو بكر (هو ابن دُرَيْد)، قال: أخبرنا السَّكَنُ بن سعيد، قال: أخبرنا عليُّ بن نصر الجَهْضَمي قال: دخل كُثَيِّر على عبد الملك بن مروان - رحمه الله -، فقال عبد الملك بن مروان: أأنت كثير عزة؟

قال: نعم.

قال: ((أنْ تَسْمَعَ بالْمُعَيْدِىِّ خيرٌ من أن تراه))[7].



فقال: يا أمير المؤمنين، كلٌّ عند محله رَحْبُ الفِناء، شامخُ البناء، عالي السناء. ثم أنشأ يقول:



ترى الرجل النحيف فتزدريه

وفي أثوابه أسدٌ هَصُورُ



ويُعْجِبُك الطَّرِيرُ إذا تراه

فيُخْلِف ظنَّكَ الرجلُ الطريرُ



بُغَاث الطير أطولها رقابا

ولم تَطُلِ البُزَاةُ ولا الصقورُ



خَشَاش الطير أكثرها فِرَاخا

وأُمُّ الصقرِ مِقْلَاتٌ نَزُورُ



ضِعَاف الأُسْد أكثرُها زَئِيرا

وأَصْرَمُها اللواتي لا تَزِيرُ



وقد عَظُمَ البعيرُ بغير لُبٍّ

فلم يَسْتَغْنِ بالعِظَم البعيرُ



يُنَوَّخ ثم يُضْرَب بالهَرَاوَى

فلا عُرْفٌ لديهِ ولا نَكِيرُ



يُقَوِّدُه الصبيُّ بكل أرض

ويَنْحَرُه على التُّرْب الصغيرُ



فما عِظَمُ الرجالِ لهم بِزَيْنٍ

ولكن زَيْنُهم كَرَمٌ وخِيرُ







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12-08-2022, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الروضة الوائلية

فقال عبد الملك: ((لله دَرُّه، ما أفصحَ لسانَه، وأضبطَ جَنَانَه، وأطولَ عِنَانَه! واللهِ، إني لأظنه كما وصف نفسه)). انتهى.



والأبيات السالف ذكرها أنشدها أبو تمام في "الحماسة" لعباس بن مرداس بألفاظ متقاربة، وفي آخرها:



فإنْ أَكُ في شراركمُ قليلا

فإني في خياركمُ كثيرُ






ونسبها ابن الأعرابي والرياشي إلى معوِّد الحكماء، وقيل: الشعر لربيعة الرَّقي.



قال أبو عبيد البكري في "اللآلي" (ج1/ص190/تحقيق الميمني):

الصحيح من هذا - والله أعلم - أنه لمعوِّد الحكماء، وهو معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب، سُمِّي معود الحكماء بقوله:



سأعقِلها وتحمِلها غنيٌّ

وأُوْرِثُ مجدَها أبدًا كلابا



أُعَوِّدُ مثلَها الحكماءَ بعدي

إذا ما مُعْضِلُ الحدَثَانِ نابا






قال أبو عبيد:

ومعاوية خامس خمسة من إخوته كلهم سادَ ووُسِمَ بخصلة حميدة عُرِفَ بها، وأمهم أم البنين بنتُ عمرو بن عامر فارس الضَّحْياء، واسمها الحَيَا، وهي التي يُضرَب بها المثل، فيقال: ((أنجب من أم البنين)).





[ خبر هشام بن عبد الملك مع صبي ظريف حين شَخَصَ للصيد ]


قال أبو محمد اليافعي[8]:

مما يُحكى عن هشام أنه خرج ذات يوم إلى الصيد، فنظر إلى ظبي فتبعه، فأحالته الكلاب إلى أن وصل به إلى صبي يرعى غنمًا، فقال له: يا صبي، دونك الظبي ائتني به.



فقال له الصبي: فقدت الحياة لو نظرت إليَّ باستصغار، وعاشرتني باحتقار، وكلامك كلام جبار، وفعلك فعل حمار!

قال: يا غلام، أوَلم تعرفني؟

قال: بلى، قد عرفني بك سوء أدبك؛ إذ بدأتني بكلامك قبل سلامك.



قال له: وأنا هشام بن عبد الملك.

قال: لا قرَّبَ الله دارك، ولا حيَّا قرارك[9].



قال: فوالله ما استتم كلامه حتى أحدقتْ به الخيول والجيوش من كل جانب ومكان، كلٌّ له يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: أقصروا عن السلام، واحفظوا الغلام، والحقوني به.



ثم ركب مغضبًا إلى داره، فلما وصل وركب على سرير مُلكه أقبلتْ إليه الحرفاء والوزراء والأمراء والكُتَّاب، كلٌّ يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا أمير المؤمنين، وذلك الصبي ساكت، قد أرسل ذقنه على صدره، وقرن عينيه، وسكت عن الكلام، وامتنع عن السلام.



فقال له بعض الوزراء: ... ما منعك أن تسلم على أمير المؤمنين؟

قال: ... منعني من ذلك طول الطريق، ونهر الدرجة.



فقال له بعض الحرفاء: ... بلغ من فضولك أن تخاطب أمير المؤمنين كلمة بكلمة؟!

فقال: رمتك الجندل، ولأُمِّك الهَبَل[10]، أوَ ما سمعتَ قول الله - عز وجل - في كتابه المنزل على نبيه المرسل: ﴿ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا ﴾[11]؟ فإذا كان الله - تعالى - يجادَل جدالاً، فمَن هشام حتى لا يُخاطَب خطابًا؟!



فعند ذلك اغتاظ الملِك من كلامه، وقال: عليَّ برأس الغلام؛ فقد أكثر الكلام.



فوُضِع الصبيُّ في نطع الدم[12]، وجُرِّد سيفُ النقمة ليضرب عنقه، فقال له الضراب: يا سيدي، عبدك المدل بنفسه، المنقلب إلى رمسه، أضرب عنقه وأنا بريء من دمه؟

قال: اضرب عنقه.



فاستأذنه ثانية فأَذِن له، ثم استأذنه ثالثة فأذن له، فضَحِك ذلك الصبي وهو في نطع الدم! فقال: أقيموه، ثم قال له: يا غلام، أنت تضحك في الممات، وتجادل في الحياة، أتستهزئ بنا أم بنفسك؟!

قال: يا أمير المؤمنين، اسمع مني كلمتين وافعل ما بدا لك.



قال: قل.

قال: فوالله، إن هذا أول أوقاتي من الآخرة، وآخر أوقاتي من الدنيا، فوالله، لئِن كان من المدة تقصير، وفي الأجل تأخير؛ لا يضرني من كلامك هذا لا قليل ولا كثير، ولكن يا أمير المؤمنين، أبيات من الشعر حضرتني، اسمعها مني.



قال: قل.

فقال:



نُبِّئْتُ أن الباز خلف[13] مرةً

عصفورَ بَرٍّ ساقه المقدورُ



فتكلم العصفور في أظفاره

والباز مُنْهَمِكٌ عليه يطيرُ



ما فيَّ ما يُغْنِي لمثلك[14] شبعةً

ولئن أُكلْتُ فإنني لحقيرُ



فتعجب الباز المدل بنفسه

عجبًا وأفلتَ ذلك العصفورُ






فخر هشام بن عبد الملك على وجهه ضاحكًا، وقال: والله، لو تلفظ بهذا الكلام في وقت من أول أوقاته وطلب ما دون الخلافة لأعطيته إياه، يا غلام، احش فاه دُرًّا وجوهرًا. فحشى فاه درًّا وجوهرًا وأعطاه الجائزة والكسوة، وراح إلى أهله مسرورًا.





[1] "زاد المعاد" (ج2/ص475).




[2] "غاية الوصول شرح لُب الأصول" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ص107) ط/ البابي الحلبي، و"إرشاد الفحول" للشوكاني.




[3](ج1/ص106) ط/ البصيرة.




[4](ج1/ص119) ط/ دار ابن الهيثم.




[5](ج1/ص525) ط/ دار الحديث.




[6]"سير أعلام النبلاء" (ج10/ص17).




[7] الْمُعَيْدِي: تصغير ( مَعَدِّيّ ) منسوب إلى ( مَعَدّ )، وإنما خُففت الدال استثقالاً للجمع بين الشَّدِيدَتَيْنِ مع ياء التصغير. وهو مثل يُضرب للرجل الذي له صِيت وذِكر في الناس، فإذا رأيته ازدريت مَرْآته، والمعنى: سماعك به خير من رؤيتك إياه. كذا في "اللسان". وانظر أصل خبره في "مجمع الأمثال" رقم (655).




[8] "مرآة الجنان وعبرة اليقظان" (ج1/ص205-206) ط/ دار الكتب العلمية، واختصره عنه ابن العماد في "الشذرات" (ج1/ص165).




[9] في "الشذرات": ((مزارك)).




[10] الهبل: الفقد والثكل. يقال: هَبِلته أمُّه: ثَكِلته. والْمُهَبَّل: مَن يُدعى عليه بذلك.




[11] [النحل: 111].





[12] النطع فيه أربع لغات: نَطْعٌ، وَنِطْعٌ، وَنِطَعٌ، وَنَطَعٌ، والجمع: نُطُوعٌ وَأَنْطَاعٌ. وهو بساط مِن الجلد كانوا يُجلسون عليه مَن أرادوا قتله؛ لئلا يصيب الأرضَ دمُهُ.





[13] في "الشذرات": ((علق)).




[14] في "الشذرات": ((لبطنك)).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 253.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 247.71 كيلو بايت... تم توفير 6.08 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]