تصوف تقي الدين السروجي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-08-2022, 06:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي تصوف تقي الدين السروجي

تصوف تقي الدين السروجي


د. نبيل محمد رشاد





ديوان تقي الدين السروجي.. ما تبقى من شعره وموشحاته

الفصل الأول: تقي الدين السروجي وتصوُّفه

المبحث الثاني: تصوُّف تقي الدين السَّروجي


في كتابه "الأدب في العصر المملوكي" تحدَّث الأستاذ الدكتور محمد زغلول سلام عن تقي الدين السَّروجي بوصفه واحدًا مِن شُعراء التصوُّف المشهورين في القرن السابع الهجري، وجعله صاحبَ مذهب خاصٍّ في الإبداع الشِّعري في هذا المجال، وأُطلِق على هذا المذهب اسم: "مذهب عِشْق الجمال".

وما يُريد هذا المبحث أن ينفيَ عن السَّروجي شرف التصوف، وما يُريد أن يُثبِت له ما ليس عنده من المواجيد والتجليات، وإنما يسعى - في حيادٍ وموضوعية - إلى الإجابة عن الأسئلة الآتية:

هل كان تقي الدين السَّروجي مُتصوِّفًا؟ وما حقيقة تصوفه؟ هل هو تصوُّف سُنيٌّ؟ أو تصوُّف بِدعيٌّ؟ وهل كان يُعبِّر في شعره عن تجربة صوفية حقيقية؟ أو إنَّ ما ورَد بشعره لا يعدو أن يكون تقليدًا للأئمة الكبار من مثل محيي الدين بن عربي المتوفَّى 638هـ، وأبي الحسن الششتري المتوفَّى 668هـ، ونجم الدين محمد بن إسرائيل المتوفى 677هـ، وشِهاب الدِّين محمد بن عبدالمنعم المعروف بابن الخيمي المتوفى 685هـ، وعفيف الدِّين التلمساني المتوفَّى 690هـ، والبوصيري المتوفى 695هـ، ومِن قبلهم ابن الفارض ت: 632هـ؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة ألفت النظر إلى الأمور الآتية:
أولاً: لم يُترجِم له القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فضل الله العمري ت 749هـ في "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" ضمن مَن تَرجَم لهم من صوفية الشام، ولم يتحدَّث عنه مع مَن تحدَّث عنهم من صوفية مصر، وإنما ترجَمَ له بوصفه واحدًا من شعراء الغزَل الحسيٍّ المصريين.

وصنيع ابن فضل الله العمري هذا يدعو - في تصوري - إلى الاستغراب والدَّهشة لسببَين: أحدهما يتعلَّق بالشاعر، والآخر يتعلَّق بابن فضل الله العمري نفسه، أما أولهما الذي يتعلق بالشاعر فلأن السَّروجي لم يكن بالرجل الخامل في عصره، وإنما كان رجلاً مشهورًا له علاقاته بكبار رجال الدولة من أرباب الأقلام في زمنه الذين كانوا أساتذةً لابن فضل الله نفسه؛ كالقاضي شهاب الدِّين أبي الثناء محمود بن سليمان بن فهد الحلَبي المتوفَّى 724هـ الذي عمل بديوان الإنشاء بمصر والشام مدةً تربو على خمسينَ عامًا[1].

وكانت لتقي الدين السَّروجي - أيضًا - علاقاتٌ واسعةٌ بالعديد من العلماء والفقهاء من أرباب الوظائف الدينيَّة الرسمية في الدولة الذين كانوا من تلامذة الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد القشيري، العلامة الصوفي الشافعي المَشهور، مِن مثل الشيخ الإمام فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليَعمري المتوفَّى 734هـ الذي كان - إلى جوارِ كونه من جملة موقِّعي الدست بديوان الإنشاء في عهد السلطان حسام الدين لاجين - كان قد تولَّى مشيخة المدرسة الظاهريَّة، ومشيخةَ مدرسة أبي حليقة علي بركة الفيل، وخطابة جامع الخندق، وخطابة جامعة الرصد[2].

وكان السَّروجي على صلة - أيضًا - بعالم ثانٍ من تلامذة الشيخ ابن دقيق العيد، وهو القاضي أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن عبدالله القيسراني المتوفَّى 736هـ الذي كان مِن جملة موقِّعي الدست بالقاهرة، وكتَبة السرِّ في حلب[3].

وجميع هذا يُدلِّل على أن السَّروجيَّ لم يكن بالرجل الخامل في عصرِه كما سبَقَ أن أَشَرْنا، ومِن ثَم كان من الغرابة بمكان أن يَخفى حاله على مَن كان في منزلة ابن فضل الله العمري.

هذا هو السبب الأول الذي دعا إلى الاستغراب والدهشة مِن تجاهُل ابن فضل الله العمري للحديث عن السَّروجي ضمن مَن تحدَّث عنهم مِن المُتصوِّفة!

أما السبب الآخر فهو يتعلَّق - كما ألمحْنا من قبل - بابن فضل الله نفسِه؛ فقد كان ابن فضل الله على ما يقول الصفدي في وصفه بليغًا مُفوَّهًا، ناظمًا مُترسِّلاً، "يتوقَّد ذكاءً وفِطنةً ويتلهَّب"[4]، وكان "يَنظُر إلى غيب المعنى من سِترٍ رقيق، ويَغوص في لجة البيان فيظفر بكِبار الدرِّ مِن البحر العميق[5]".

والسؤال الذي يطرح نفسَه الآن: أليس من الغريب ألا يَفطِن مَن كانت هذه صفاته وملَكاته إلى ما يَحمل غزل السَّروجي وراءه من معانٍ ومضامين صوفيَّة؟


ثانيًا: لم يُترجم له العلامة عبدالوهاب الشعراني في كتابه الموسوم بلواقحِ الأنوار في طبَقات الأخيار، الذي قصره على الترجمة لأئمَّة التصوف منذ نشأته حتى عصرِه، ولعلَّنا نستطيع أن نتلمَّس للشعراني العذر فيما فعل لتأخُّر زمنه من ناحية، ولتجاهُل مَن سبَقوه الترجمة للسروجي في طبقات المتصوِّفة من ناحية أخرى.

أو لعلنا نستطيع أن نتلمَّس للشعراني العذرَ فيما فعل لأنه كان مهتمًّا بالمُتصوِّفة الذين كانت لهم كرامات مَشهورة مُتداوَلة على ألسِنة الناس، ولم يكن مُهتمًّا بسائر الصوفية الذين لم يَصِلوا إلى درجة الولاية.

ثالثًا: لم يُشِر إليه بكلمة واحدة الدكتور علي صافي حسين في رسالته عن الأدب الصوفي في مصر في القرن السابع الهِجري، على الرغم من أنه صنَع في نهايتها ثبتًا بأسماء المُتصوِّفة المصريِّين، كما لم يُشِر إليه بكلمة في رسالته الثانية التي بعنوان: "الأدب الصوفي في مصر" التي قصَرها على دراسة ابن الصباغ القوصيِّ، شيخ التصوُّف المصري في القرن السابع الهجري، وربما كان الدكتور علي معذورًا فيما فعل في هاتين الرسالتين؛ لأن تقي الدين السَّروجي ليس له أي ديوان شعريٌّ مخطوط أو مطبوع، ولأن جُلَّ المصادر التي تحتفِظ بما تبقى من مجموع شِعره كانت مخطوطةً أو في عداد المفقودة وقتَ إعداد الدكتور رسالتيه.

نخلُص من هذا كله إلى أنه ليس هناك نصٌّ صريح يدلُّ على تصوُّف السَّروجي، ومع هذا هناك إشارات تُلمِّح إلى تصوفه؛ منها مثلاً قول أثير الدين الغرناطي في وصفه: "يَغلِب عليه حبُّ الجمال مع العفَّة التامة والصيانة"[6]، ويقول عنه أيضًا: "كان.. لا يكاد يظهر إلا يوم الجُمعة"[7]، ويقول عنه أيضًا: "وكان لي به اختلاط وصُحبة، ولي فيه اعتقادٌ"[8]!

وفي تصوُّري أن أثير الدين الغرناطي كان يُريد بما رواه في هذه الفقرات الثلاث من صفات السَّروجي أن يُشير إلى ما كان عليه تقي الدِّين من التصوُّف، وهي إشارةٌ بالغة الأهمية ها هنا؛ لأنها من شاهد عيان عاصرَ الرجل وخالطه وصاحَبَه، ولاحَظَ عليه أنه شديد التعلُّق بالجَمال المادي دون تهتُّك أو خلع للعذار، شأنُه في ذلك شأن غيره مِن المُتصوِّفة الذين يرون في الجَمال المادي صورةً مِن الجمال المُطلَق[9]، ولاحَظَ عليه أيضًا أنه يَنقطِع عن الناس غالبَ وقتِه؛ حيث لا يَكاد يظهر إلا في يومٍ واحدٍ مِن أيام الأسبوع هو يومُ الجُمعة! وهنا يزيد ابن الجزري الأمر توضيحًا فيُشير إلى أن صاحبَنا كان يَخرُج يوم الجمعة إلى الجامع الأزهر لأداء الصلاة ليُصلي مع أصحابه، وليُنادِمَهم قبل الصلاة وبعدَها[10].

وشِعر تقيِّ الدين السَّروجي يَمتلئ بالأبيات التي تَقِف دليلاً على صدق ما حكى عنه أبو حيان وابن الجزري في هذَين الجانبين، أعني فيما يتَّصل بعشق الجمال، ومنادمة الأصحاب ومؤالفتهم، فهو يتعشَّق الجمال المادي الحسي ويُقبِل عليه، ويتفنَّن في تصويره، ومِن ذلك قوله في وصف الخال[11]:
في الجانبِ الأيمَنِ من خدِّها
نُقطة مسْك أشتهي شمَّها

حسبتُه لمَّا بَدا خالَها
وجدته مِن حُسنِها عمَّها


وقوله في وصف محبوبه مِن موشَّحة[12]:
بابليُّ اللحظ
روميُّ الخفَر

حبشي الخال
زنجيُّ الشَّعَر

عربي اللفظ
تُركيُّ النظَر

هزَّ مِن أعطافه سمرَ الرياح
وانتضى مِن جفنه بيضُ الصِّفاح



ويبدو لي أن أثير الدين الغرناطي قد نظر إلى السَّروجي بعين المُحبِّ حين ادعى له العفَّة التامة، والصيانة والتورُّع؛ لأن بعض ما وصل من نصوص شعر تقي الدين وموشَّحاته يدلُّ ظاهرُه على أنه كان يعبُّ من اللذات عبًّا، فهو يقول من موشَّحة[13]:
وأنهَبُ العيشَ من زماني
بالضمِّ من ذلك القوام

وأبلَغُ القصدِ والأماني
بلثْمِ ما حوى اللثام

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-08-2022, 06:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تصوف تقي الدين السروجي

ويقول من أبيات[14]:
عايَنْتُ في بارحتي زفَّةً
قضيتُ فيها كل أوطاري

ما زلتُ مذ عاينتُها قائلاً:
يا ليتَها كانت إلى داري!


وفي تصوري أن مُنادمة السَّروجي أصحابه كانتْ تنبع مِن مشكاة تعلُّقه بالجمال الحسي؛ إذ لا بدَّ أنَّ تعشُّقه هذا الجمال، وكلَفه به، ورؤيته الجمال المُطلَق من خلاله قد أضفى عليه جمالاً نفسيًّا؛ لذلك كان مأمونَ الصُّحبةِ، طاهرَ اللِّسان[15].

ويمتلئ ما تبقى من نصوص شِعر السَّروجي بالأبيات التي تُفصِح عن جماله النفسي كما في مثل قوله[16]:
دُنيا المحب ودينه أحبابُه
فإذا جفَوه تقطَّعت أسبابُه


وقوله داعيًا المحبوب إلى الغُفران والصفح عن المحبِّ[17]:
معاملة الأحباب بالوصل والوفا
فدع يا حبيبي عنكَ ذا الهجرَ والجَفا

فإن كان لي ذنبٌ بجَهلي فعلتُه
فمِثليَ مَن أخطا ومثلُكَ مَن عفا


ويتجلَّى هذا الجَمال النفسيُّ - أيضًا - في هذه الأبيات التي يُظهرُ فيها البِشر بقدوم أحبابه حيث يقول[18]:
يا مرحبًا بقدوم جيران النَّقا
كَمُل السرور بهم وعزَّ المُلتَقى

أَنِسَت بقربِهمُ المنازل واغتدى
وجه الوجودِ بهم مُنيرًا مُشرِقَا

ولطِيب نَشرِهم تعطَّرت الصَّبا
وأرى على الدنيا لذلك رَوْنَقَا


وبعد أن رسم أثير الدِّين الغرناطي لصاحبه هذه الصورةَ الزاهية، وقرَّر - مطمئنًا - أن له فيه اعتقادًا، بعد ذلك كله روى عنه أشياء تُخلُّ بعدالته، وتقدَح في تديُّنه وتصوُّفه؛ قال الصفدي: "أخبرني العلامة أثير الدين أبو حيان قال: ودُفن لما مات بمقبرة الفَخري بجوار مَن كان يهواه ظاهرَ الحُسينيَّة[19]"، وقال الصفدي - أيضًا -: "وقال الشيخ أثير الدين: لما مات قال والد محبوبِه: والله ما أدفنُه إلا في قبر ولدي، وهو كان يهواه، وما أُفرِّق بينهم[20] في الدنيا ولا في الآخرة؛ لما كان يَعتقِد الفخري مِن عفافه[21]".

وهاتان الروايتان - إن صحَّتا - تدُلان في رأينا على أن تصوُّف تقي الدين السَّروجي كان تصوفًا بدعيًّا، وليس تصوفًا سُنيًّا؛ لأن المتصوِّف الحقيقي عند أئمة الصوفية الكبار هو الذي يُلجم نفسه بلجام الشرع الحَنيف، ولا يَترُكها ليتحكَّم فيها الهوى، وتَستعبِدها اللذة؛ قال الإمام أبو القاسم القشيري: "سُئل أحمد الجريري[22] عن التصوُّف فقال: الدخول في كل خلُق سُني، والخروج مِن كل خلُق دنيٍّ[23]"، وروى القُشيري - أيضًا - عن أبي علي الروذباري[24] أن الإمام أبا القاسم[25] الجنيد ابن محمد قال: "الطرُق كلها مسدودة على الخَلقِ إلا مَن اقتفى أثر رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم[26]"، وقال الإمام الجنيد - أيضًا -: "مَن لم يحفظ القرآن الكريم، ولم يَكتُب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر؛ لأنَّ عِلمنا هذا مُقيَّد بالكِتاب والسنَّة[27]".

ولقد حذَّر أهل الشريعة وأهل الحقيقة المُتصوِّفةَ مِن مخالطة الغِلمان خوفًا من الوقوع في حبِّهم، فها هو ذا الإمام ابن الجوزي يروي قصة صوفي مَقدسيٍّ أَحَبَّ غلامًا حبًّا عفيفًا يُشبِه حُبَّ تقي الدين السَّروجي لغلامه فيقول: "وقال أبو محمد بن جعفر بن عبدالله الصوفي: قال أبو حمزة الصوفي: رأيتُ ببيتِ المَقدِس فتى من الصوفية يصحَبُ غلامًا مدة طويلة، فمات الفتى وطال حزنُ الغلام عليه حتى صار جِلدًا وعظمًا مِن الضنا والكمَد، فقلتُ له يومًا: لقد طال حزنك على صديقك حتى أظنُّ أنك لا تسلوا بعده أبدًا، فقال: كيف أسلُو عن رجل أُجلُّ اللهَ - عز وجلَّ - أن يُصيبَه معي طرفة عين أبدًا، وصانَني عن نجاسة الفُسوق في خلال صُحبتي له، وخلواتي معه في الليل والنَّهار[28]".

ويُعلِّق ابن الجوزي على القصة قائلاً: "هؤلاء قوم رآهُم إبليس لا يَنجذِبون معه إلى الفواحِش، فحسَّن لهم بداياتها، فتعجَّلوا لذةَ النظرِ، والصحبة والمُحادَثة، وعزَموا على مقاومة النفس في صدِّها عن الفاحشة، فإن صدقوا وتمَّ لهم ذلك فقد اشتغل القلب الذي يَنبغي أن يكون شُغله بالله -تعالى- لا بغيره، وصرف الزمان الذي يَنبغي أن يخلو فيه القلب بما ينفَع به في الآخرة بمُجاهدة الطبع في كفِّه عن الفاحشة، وهذا كله جهل، وخروج عن آداب الشرع، فإنَّ الله - عزَّ وجل - أمر بغضِّ البصر لأنه طريق إلى القلب ليسلم القلب لله -تعالى- من شائبٍ نَخاف منه، وما مثل هؤلاء إلا كمثل من أقبَلَ إلى سباع في غيضة مُتشاغِلة عنه لا تَراه فأثارها وحارَبَها، وقاوَمها فيا بُعدَ سلامته مِن جراحه إن لم يهلك[29]".

وها هو ذا الشيخ الأكبر محي الدِّين بن عربي يُحذِّر المتصوِّفة من مُخالطة الغِلمان فيقول موضِّحًا آداب الصوفية، ومُعلنًا النكير على مَن ينتهجون هذه السبيل، "وليس مِن شأنهم - رضي الله عنهم - صحبةُ المردِ، ولا مكالمتهم، فإنه لم يكن مِن شأن القوم، وإنما أحْدَثَهُ قومٌ فُجَّار رجعوا إلى الطريق بمُجرَّد الدعوى لا بالصورة، ولا بالحقيقة، من أجل الأوقاف الموقوفة على أهل طريق الله -تعالى- بالخوانق والرباطات، وهم مُفسدون كسالى عاجزون، ولا دين لهم ولا همَّة ولا مروءة، واتَّخذوا السماع عبادةً ودينًا، واتخذوا المرد بسوء ظنِّهم، وسوء ما هم عليه، فلا يَنبغي لمسلم أن يَقتدي في هذا الزمان بهم، فليحذَر المُريد من مجالسة الأحداث ومخالطتِهم"[30].

ومِن هذَين النصين اللذين سُقناهما من كلام الإمام ابن الجوزي، والشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، نجد أن أهل الشريعة وأهل الحقيقة يتَّفقون معًا في تشديد النكير على المُتصوِّفة في صحبة الأحداث، ويرون في هذه المصاحبة خطرًا داهمًا يَحلِق التديُّن والتصوف جميعًا.

وجاء في رواية أثير الدين الغرناطي أن السَّروجي كان يكرَه أن يُخبر أحدًا باسمه ونسَبِه، ويعلق الصفدي على ما جاء بهذه الرواية فيقول: "قلتُ: لأنه كان يقول: لي مع الأصحاب ثلاث رتب، فأول ما أجتمِع بهم يقولون: الشيخ تقي الدين جاء، الشيخ تقي الدِّين راح، فإذا طال الأمر قالوا: راح التقي، جاء التقي، صبرتُ عليهم، وعلمت أنهم أخَذوا في الملل، فإذا قالوا: راح السَّروجيُّ، جاء السَّروجي، فذلك آخِر عهدي بصُحبتهم"[31].

إنَّ الصفدي في هذا النص يَحكي ما قاله السَّروجي نفسه في تعليل امتناعه عن إخبار الآخَرين باسمه ونسبه، وهو تعليل تشتمُّ منه رائحة الابتداع، لا رائحة الاتباع؛ لأنه يُفصِح عن رغبة صاحبه في الترفُّع والاستعلاء على أصحابه، وأهل طريق الله يتحاشَون هذه الرغبة؛ لأن من أخصِّ صِفاتهم أنهم "تواضَعوا وتصاغَروا وحقَّروا أنفسهم لموافقة السنَّة"[32]، وفي مَروياتهم عن الحسن قال: قال رسولُ الله: ((أوحِيَ إليَّ أن أتواضَع، فتواضعوا))[33]، وقد ذكَر الإمام الجنيد أنَّ تواضُع الصوفية على ثلاثة معانٍ: تصغير النفس في النفس، وتصغيرها عند غيرها، وقبول الحقِّ ممَّن كان يترك التعزُّز[34]، وهذه المعاني جميعها يُضْرَب بها تعليل السَّروجي امتناعه عن إخبار الآخرين باسمه ونسبِه عرضَ الحائط.

وقد جاء في رواية عن الشهاب محمود أن تقيَّ الدين السَّروجي كان يكره النساء؛ قال الصفدي: "وقال القاضي شهاب الدين محمود: كان يكره مكانًا فيه امرأة، ومَن دعاه يقول: شرطي معروف ألا تحضر امرأة، قال: كُنا يومًا في دعوة بعض الأصحاب فكان ممَّا أحضروا شواءٌ، فأُدخِلَ إلى النساء ليقطِّعوه ويضعوه في الصحون، فكان يتبرم بذلك ويقول: أفيه، الساعةَ يَلمِسونه بأيديهم"[35]!

وهذه الرواية - إن صحَّت - كفيلة بأن تدلَّ - هي الأخرى - على أن تصوف السَّروجي كان تصوفًا بدعيًّا، ولم يكن تصوفًا سُنيًّا؛ لأن ترك النكاح، وكراهة النِّساء من الأمور التي لم يَسِر عليها سلفُ هذه الأمة، وهو باب واسع مِن أبواب إبليس اللعين التي يُلبِّس بها على بعض طوائف الصوفية - كما يقول ابن الجَوزي[36].


[1] شهاب الدين أبو الثناء محمود الحلَبي كاتبًا، رؤية أدبية ونقدية؛ للدكتور نبيل محمد رشاد، الطبعة الأولى، 2006 القاهرة، صفحة: 30.

[2] أعيان العصر، وأعوان النصر للصفدي 5/ 207.

[3] أعيان العصر للصفدي 1/ 516 وما بعدها.

[4] أعيان العصر 1/ 417.

[5] السابق نفسه، والصفحة نفسها.

[6] الوافي بالوفيات 17/ 341، وفوات الوفيات 2/ 196، وتاريخ ابن الجزري 1/ 241.

[7] الوافي بالوفيات 17/ 341، وفوات الوفيات 2/ 196، وتاريخ ابن الجزري 1/ 241.

[8] الوافي بالوفيات 17/ 341، وتاريخ ابن الجزري 1/ 241.

[9] الأدب في العصر المملوكي 1/ 363.

[10] تاريخ ابن الجزري 1/ 241.

[11] تاريخ ابن لجزري 1/ 343، والوافي بالوفيات 17/ 342 - 343، وصرف العين 2/ 169، والنص رقم: 17 من مجموعنا هذا بالفصل الثالث.

[12] عقود اللآل 155 - 156، والدر المكنون 315/ 316، والنص رقم: (27) من مجموعنا هذا بالفصل الثالث من هذا الكتاب.

[13] فوات الوفيات 2/ 206، والنص رقم: 26 من مجموعنا هذا.

[14] فوات الوفيات 2/ 203، والنص رقم: 8 من مجموعنا هذا بالفصل الثالث من هذا الكتاب.

[15] تاريخ ابن الجزري 1/ 241، والوافي بالوفيات 17/ 341، وفوات الوفيات 2/ 196.

[16] الوافي بالوفيات 17/ 343، والنص رقم: 2 من مجموعنا هذا بالفصل الثالث من هذا الكتاب.

[17] تاريخ ابن الجزري 1/ 244، والنص رقم: 11 من مجموعنا هذا بالفصل الثالث من هذا الكتاب.

[18] فوات الوفيات 2/ 202، والنص رقم: 12 من مجموعنا هذا بالفصل الثالث من هذا الكتاب.

[19] الوافي بالوفيات 17/ 341.

[20] هذه رواية الوافي بالوفيات، ينظر الوافي 17/ 342، وهي خطأ، والصواب: بينهما.

[21] الوافي بالوفيات 17/ 342.

[22] هو أبو محمد أحمد بن محمد بن الحسين الجريري، من كبار أصحاب الإمام الجنيد, ينظر ترجمته في الرسالة القشيرية ص: 402.

[23] الرسالة القشيرية ص: 280.

[24] هو أبو علي أحمد بن محمد بن القاسم بن كسرى ت: 322هـ ينظر في ترجمته: شعراء الصوفية المجهولون ليوسف زيدان ص: 21.

[25] هو أبو القاسم الجنيد بن محمد البغدادي المتوفى 217هـ، أصله من نهاوند، ومولده ومنشؤه بغداد، تُنظَر ترجمته في نفحات الأنس للجامي ص: 256.

[26] الرسالة القشيرية ص: 430.

[27] الرسالة القشيرية ص: 431.

[28] تلبيس إبيلس؛ لابن الجوزي ص: 276.

[29] تلبيس إبليس؛ لابن الجوزي ص: 277.

[30] الأمر المحكم المربوط في معرفة ما يحتاج إليه أهل طريق الله من الشروط؛ الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، رسالة مخطوطة بدار الكتب تحت رقم: 9 مجاميع ورقة 128، نقلاً عن د. عاطف جودة نصر "شعر عمر بن الفارض"، دراسة في فن الشعر الصوفي، دار الأندلس، بيروت، صفحة 78.

[31] الوافي بالوفيات 17/ 341.

[32] كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوُّف صفحة 55.

[33] السابق نفسه، والصفحة نفسها.


[34] السابق نفسه، والصفحة نفسها.

[35] الوافي بالوفيات 17/ 341 - 342.

[36] ينظر تبليس إبليس صفحة 302 وما بعدها.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 82.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 79.80 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]