شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 11 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4435 - عددالزوار : 870513 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3966 - عددالزوار : 402804 )           »          على طريق النصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          تربية الأبناء الواجب والتحديات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 74 )           »          احفظ لسانك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 74 )           »          الأثيم في الاحتفال بشم النسيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          الصلاة والاهتمام بها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          الإسراف خطره وصوره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          شرح النووي لحديث ابن الزبير: كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          شرح الننوي لحديث: لكل نبي حواري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #101  
قديم 03-02-2022, 06:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [053]
الحلقة (84)


شرح سنن أبي داود [053]


لقد حض الشرع على الاغتسال والتطيب والتجمل للجمعة، وما ذلك إلا لأهمية ذلك اليوم ومكانته وفضله، وقد اختلف العلماء في حكم الاغتسال ليوم الجمعة، فالجمهور على أنه غير واجب بل هو مستحب، وقال بعض العلماء: إن الاغتسال للجمعة واجب، وعلى هذا فالغسل للجمعة متأكد استحبابه عند الجميع، فينبغي للمسلم أن يحافظ عليه.

الغسل يوم الجمعة


شرح حديث: (... إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الغسل يوم الجمعة. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، أخبرنا معاوية ، عن يحيى ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة أخبره: ( أن عمر بن الخطاب بينا هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل فقال عمر : أتحتبسون عن الصلاة؟ فقال الرجل: ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت، فقال عمر : والوضوء أيضاً؟ أولم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل؟) ]. أورد المصنف رحمه الله باباً في الغسل يوم الجمعة، هذه الترجمة معقودة لغسل من الأغسال وهو غسل يوم الجمعة، وكان المناسب أن يكون هذا الباب تابعاً للأبواب المتعلقة بالغسل من الجنابة؛ لأنه نوع من الأغسال، ولأن صلته أو تعلقه بأبواب الغسل أولى من مجيئه بعد أبواب التيمم، كما أن هناك تراجم أخرى أيضاً يناسبها أبواب تقدمت كما ستأتي الإشارة إلى ذلك. وغسل يوم الجمعة جاء فيه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء في حكمه، فبعض العلماء قال:
إنه واجب. وجمهور العلماء قالوا: إنه مستحب، والذين قالوا بالوجوب استدلوا بالأحاديث التي فيها الأمر بالغسل يوم الجمعة، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم). والذين قالوا بالاستحباب جعلوا هذه الأوامر محمولة على الندب، وجعلوا الصارف لها عدة أمور منها: ما جاء في الحديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، وكذلك أيضاً ما جاء في حديث عمر رضي الله تعالى عنه (أنه كان يخطب وأنه دخل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه فقطع عمر خطبته وحدثه وتكلم معه، وقال له: أتحتبسون عن الصلاة؟ فقال:
إنني لما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت) معناه: أنه توضأ وجاء ليدرك الصلاة، فقال: (والوضوء أيضاً؟) يعني: أنه مع التأخر لم يغتسل، ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) قالوا: وهذا الحديث يدل على أنه مستحب؛ لأنه لو كان واجباً لما كان يليق بعثمان رضي الله عنه وأرضاه أن يأتي دون أن يؤدي ذلك الواجب، وأيضاً عمر رضي الله عنه لم يأمره بأن يرجع وأن يغتسل وأن يأتي بذلك الواجب، وكذلك أيضاً ما جاء أن أصل الأمر بالغسل يوم الجمعة أنهم كانوا أصحاب مهن وأصحاب بساتين وكانوا يعملون لأنفسهم وليس لهم خدم، فكان الواحد منهم إذا جاء يوم الجمعة وإذا فيه رائحة غير طيبة؛ بسبب الأوساخ وإجهاد العمل لهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأنهم إذا أتوا الجمعة أن يغتسلوا، فيكون في ذلك إزالة تلك الروائح التي يكون فيها أذى للناس، وأيضاً كونه جاء في بعض الأحاديث التي فيها الاغتسال يوم الجمعة مقروناً بالسواك، ومقروناً بأمور أخرى،
فمجموع هذه الأمور المتعددة جعلت الجمهور يقولون: إنما جاء من الأوامر في الاغتسال يوم الجمعة إنما هو للاستحباب. أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، أولها: حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (أنه كان يخطب يوم الجمعة، فدخل رجل) هنا أبهم الرجل فلم يسمه، ولكن جاءت تسميته وأنه عثمان في صحيح مسلم : (وأنه دخل و عمر يخطب فقال له عمر : أي ساعة هذه -يعني: أنك متأخر- ثم قال له ما قال، وقال: والوضوء أيضاً؟) يعني: أيضاً تركت الاغتسال. ولهذا لما جاء زمن عثمان رضي الله عنه وأرضاه رأى أن المصلحة في أن يكون هناك أذان ثالث بالنسبة للإقامة؛ لأن الإقامة أذان، ولهذا جاء عنه في بعض الأحاديث ذكر أذان عثمان بأنه الأذان الثالث، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (بين كل أذانين صلاة)، والمقصود بأحد الأذانين هو الإقامة، وكذلك الحديث الذي قال فيه أحد الصحابة: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة،
قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟) يعني: بين أذان الإقامة والسحور؛ لأن الأذان الذي يكون عند دخول الوقت يمسك الإنسان عنده عن الأكل وغيره من المفطرات. (كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية) يعني: مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية من انتهاء السحور إلى الأذان الذي هو الإقامة، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الأذان يوم الجمعة بأنه الأذان الثالث، والأذان الثالث الذي أتى به عثمان حتى يتنبه الناس ويستعدوا ويتهيئوا للجمعة. ومحل الشاهد منه: أن عمر رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (.. إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) قوله: (فليغتسل) هذا أمر، وبعض أهل العلم حمله على الوجوب، وبعضهم قال: إنه مصروف من الوجوب إلى الاستحباب للأمور التي أشرت إليها آنفاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)

قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ].
هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ أخبرنا معاوية ]. هو معاوية بن سلام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أن أبا هريرة أخبره ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
[ أن عمر بن الخطاب ].
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (ما سلكتَ فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك) يعني: ما سلكت طريقاً إلا ويهرب الشيطان من ذلك الطريق.

شرح حديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، عن مالك ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) ]. أورد المصنف رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) الذين قالوا بوجوب غسل الجمعة استدلوا بهذا الحديث، بالإضافة إلى الأوامر التي وردت في الحديث السابق: (فليغتسل) وقال الجمهور: إن هذا كغيره مصروف عن الوجوب بالأحاديث الأخرى التي وردت في ذلك، والوجوب هنا متأكد، لكن قالوا: هو نظير ما يقول الإنسان لصاحبه: حقك واجب علي، أي: أنه متأكد علي. والمحتلم هو البالغ المكلف، وعبر بالاحتلام؛ لأن الاحتلام إذا وجد حصل البلوغ؛ سواء بلغ خمس عشرة سنة أو لم يبلغ؛ لأن الاحتلام إذا وجد فقد وجد البلوغ ولو كان في سن مبكرة دون الخامسة عشرة، لكن إذا لم يحصل احتلام وبلغ الخامسة عشرة، فإنه يكون قد بلغ وإن لم يحصل منه احتلام، لكن حيث يوجد الاحتلام قبل الخامسة عشرة أو الحيض بالنسبة للمرأة قبل الخامسة عشرة يحصل بذلك البلوغ. ويذكر أن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قد ولد له ابنه عبد الله وعمره ثلاث عشرة سنة، معناه أنه قد بلغ في زمن مبكر وتزوج وولد له وعمره ثلاث عشرة سنة.
وكذلك قالوا عن المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي : إنه احتلم وعمره ثلاث عشرة سنة أو اثنا عشرة سنة. وكذلك ذكر عن الشافعي أنه رأى جدة عمرها واحد وعشرون سنة، يعني: بنتها ولدت وعمرها هي ليس بنتها واحد وعشرون سنة، ومعنى ذلك أنه حصل احتلام الواحدة منهن في سن العاشرة. إذاً قوله: (على كل محتلم) أي: أن الاحتلام دليل على البلوغ، ويحصل به البلوغ وإن لم يبلغ خمس عشرة سنة.

تراجم رجال إسناد حديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن صفوان بن سليم ].
صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن يسار ].
عطاء بن يسار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (... وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي ، أخبرنا المفضل -يعني ابن فضالة - عن عياش بن عباس ، عن بكير ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل) ]. قوله: (على كل محتلم رواح الجمعة) يعني: على كل بالغ أن يذهب لأداء صلاة الجمعة؛ لأن الرواح والذهاب إلى الجمعة واجب ومطلوب من كل محتلم. قوله: (وعلى من راح إلى الجمعة أن يغتسل) يعني: قبل أن يذهب إلى الجمعة عليه أن يغتسل. فإذاً: رتب واحداً على الآخر، أولاً المحتلم عليه أن يذهب إلى الجمعة وعليه قبل أن يذهب إلى الجمعة أن يغتسل.

تراجم رجال إسناد حديث: (... وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل)
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي ].
يزيد بن خالد الرملي هو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ أخبرنا المفضل -يعني ابن فضالة ].
المفضل بن فضالة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عياش بن عباس ].
هو عياش بن عباس القتباني المصري وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن بكير ].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. [ عن حفصة ]. هي حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

حكم غسل الجمعة على الصبي والمرأة إن حضرا الجمعة
أما من لا تجب عليه الجمعة أصلاً كالمرأة فلو حضرت الجمعة فهل عليها غسل؟ الذي يبدو أن غسل الإتيان إلى الجمعة المقصود منه كما جاء في أصل مشروعيته هو دفع الروائح الكريهة، فمن جاء إلى الجمعة وفيه شيء مما يستكرهه الناس فعليه أن يغتسل سواء كان رجلاً أو امرأة. أما قوله: (وعلى كل من راح) فلا يشمل الصغير؛ لأنه قال (على كل محتلم رواح الجمعة) فيكون المعنى أن الذين يلزمهم الغسل هم المحتلمون، لكن يعوَّد الصغير على هذه الأخلاق والآداب وعلى الأحكام الشرعية مثلما يعود على الصلاة ويعود على الصيام، لكن الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف غير مكلف؛ لأن التكليف إنما هو للمحتلم، والجمهور على أن من أتى الجمعة يستحب له أن يغتسل سواء كان رجلاً أو امرأة.

إجزاء غسل الجنابة بعد طلوع الفجر عن غسل الجمعة
[ قال أبو داود : إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه من غسل الجمعة وإن أجنب ]. يعني: وإن كان اغتساله جاء عن جنابة، كما لو جامع الرجل أهله في الليل ثم طلع الفجر ليوم الجمعة وهو لم يغتسل واغتسل فإنه يجزئ عن الجمعة، لكن لو أنه اغتسل قبل طلوع الفجر لا يجزئ عن الجمعة؛ لأن اليوم لا يدخل إلا بطلوع الفجر.
إذاً: من اغتسل قبل طلوع الفجر فيعتبر أنه اغتسل قبل أن يأتي يوم الجمعة، لكن من كان اغتساله بعد طلوع الفجر يوم الجمعة فإن ذلك يجزئه عن اغتسال الجمعة ولو كان اغتساله عن جنابة. وجمهور أهل العلم على أن الاغتسال للجنابة يجزئ عن الجمعة؛ لأن المقصود بغسل الجمعة أن يكون نظيفاً في ذلك اليوم. إذاً: أول الوقت الذي يحصل به الغسل للجمعة هو طلوع الفجر الذي هو أول النهار؛ لأن النهار حده من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو الذي يصوم فيه الناس، وحد الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لكن المناسب والمستحب في اغتساله للجمعة أن يكون قريباً من ذهابه، لكنه يجزئ لو حصل بعد طلوع الفجر ولو كان اغتساله عن جنابة.

شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني ح وحدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني قالا: حدثنا محمد بن سلمة ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد وهذا حديث محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن . قال أبو داود : قال يزيد و عبد العزيز في حديثهما: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته؛ كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها -قال: ويقول أبو هريرة -: وزيادة ثلاثة أيام، ويقول: إن الحسنة بعشر أمثالها) . قال أبو داود : وحديث محمد بن سلمة أتم، ولم يذكر حماد كلام أبي هريرة ].
قوله: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه) ذكر الاغتسال وأموراً أخرى ورتب عليها حكماً وفضلاً وثواباً. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن الثياب) أن المرء المسلم يلبس ثياباً حسنة للجمعة؛ وذلك لأن الجمعة هي عيد الأسبوع، وقد جاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه كما في صحيح البخاري : (أنه خطب الناس يوم عيد وكان يوم جمعة فقال قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان) يعني: عيد سنوي، وعيد أسبوعي، ويدل على التجمل ليوم الجمعة بالثياب ما جاء أن عمر عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم شراء ثوب ليلبسه للجمعة وللوفود، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يلبس هذا من لا خلاق له)؛ لأنه حرير، أو فيه شيء من الحرير. إذاً: لبس أحسن الثياب والتجمل للجمعة جاء ما يدل عليه، وهو قوله: (ولبس من أحسن ثيابه). قوله: (ومس من طيب إن كان عنده) يعني:
إن تيسر له أن يمس من الطيب فليتطيب، وهذا فيه زيادة في التجمل، وأيضاً فيه الابتعاد عن الروائح غير الطيبة وتحصيل الرائحة الطيبة، حتى يكون ذلك أحسن في حقه وفي حق غيره ممن يلقاه ومن يكون بجواره. قوله: [ (ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس) ]. يعني: أنه جاء في وقت مبكر بحيث لا يحصل منه الوقوع في مثل هذا المحذور، من تخطي أعناق الناس، ويمكن الإنسان ألا يقع في هذا المحذور الذي هو تخطي رقاب الناس؛ بحيث أنه يجلس حيث ينتهي به الصف، ولكن بعض الناس يأتي متأخراً ثم يريد أن يحصل الأماكن المتقدمة، ولا يتأتى ذلك إلا بارتكاب أمر محرم وهو كونه يؤذي الناس بأن يتخطى رقابهم. قوله: (ثم صلى ما كتب الله له)] وهذا يدلنا على أن الإنسان إذا جاء يوم الجمعة فإن له أن يصلي ما أمكنه وما كتب الله له، وليس هناك تحديد، ويدل أيضاً على أنه ليس للجمعة سنة قبلها لا ركعتين ولا أربعاً ولا ستاً بل الإنسان يصلي ما كتب الله له، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم إذا دخلوا المسجد يوم الجمعة صلوا ما أرادوا أن يصلوا ثم جلسوا ولا يقومون إلا للصلاة، فهذا يدل على أنه ليس لها سنة راتبة قبلها كالصلوات التي لها سنة راتبة. قوله: [ (ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته) ] يعني: على الإنسان أن يكون على استعداد وتهيؤ لسماع الخطبة، وعدم انشغال عنها أو انصراف عنها بأي شيء.
والمقصود بخروج الإمام خروجه للخطبة، لكن إذا كان الإنسان بحاجة إلى أن ينبه أحداً فلا مانع من ذلك قبل بدء الخطيب بالخطبة؛ لأن المقصود هو ألا ينشغل عن سماع الخطبة والخطيب يخطب؛ لأن الأحاديث التي وردت في النهي عن الكلام والإمام يخطب. إذاً: على المرء المسلم أن يكون على استعداد لسماع الخطبة وعدم الانشغال عنها. قوله: (كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها)] يعني: من الجمعة إلى الجمعة سبعة أيام كاملة وزيادة ثلاثة أيام كما جاء عن أبي هريرة : (وزيادة ثلاثة أيام وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها).

تراجم رجال إسناد حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ...)
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني ].
يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني شيخه المذكور في الإسناد قبل هذا؛ فهو هنا أطال في نسبته، وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ ح وحدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ].
ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد. وعبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي .
[ قالا: حدثنا محمد بن سلمة ].
أي: يزيد بن خالد و عبد العزيز بن يحيى الحراني قالا: حدثنا محمد بن سلمة و محمد بن سلمة هو الحراني . كما قلت: إذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود فهو الحراني وإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخه فهو المصري والذي معنا هو في طبقة شيوخ شيوخه؛ لأن أبا داود يروي عنه هنا بواسطة شيخين، ومحمد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.
[ ح وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[وهذا حديث محمد بن سلمة ]. شيخ شيخي أبي داود في الإسنادين السابقين؛ لأن أبا داود له في هذا الحديث ثلاثة شيوخ الشيخ الأول: يزيد بن خالد ، والشيخ الثاني: هو عبد العزيز بن يحيى والشيخ الثالث: موسى بن إسماعيل ثم الشيخان الأولان يرويان عن محمد بن سلمة ، والشيخ الثاني يروي عن حماد بن سلمة ، ثم إنه قال: وهذا حديث محمد بن سلمة ، يعني: الذي سيسوقه هو لفظ محمد بن سلمة وليس لفظ حماد بن سلمة .
[ عن محمد بن إسحاق ].
يعني: محمد بن سلمة و حماد بن سلمة يرويان هذا الحديث عن محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن مر ذكره.
[ قال أبو داود : قال يزيد و عبد العزيز في حديثهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و أبي أمامة بن سهل ].
يعني: أن الشيخين الأولين قالا في حديثهما وفي إسنادهما: إن محمد بن إبراهيم يروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف . و أبو أمامة هو أسعد بن سهل بن حنيف له رؤية أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة ]. أبو سعيد الخدري و أبو هريرة مر ذكرهما.
[قال أبو داود : وحديث محمد بن سلمة أتم ]. أي: حديث محمد بن سلمة أتم من حديث حماد بن سلمة . قوله: [ ولم يذكر حماد كلام أبي هريرة ].
أي: أن حماد بن سلمة الذي رواه عنه بواسطة موسى بن إسماعيل التبوذكي لم يذكر كلام أبي هريرة فيما يتعلق بثلاثة أيام وفيما يتعلق بأن الحسنة بعشر أمثالها. وكلام أبي هريرة له حكم المرفوع؛ لأن الأشياء التي تتعلق بفضائل الأعمال هي من قبيل المرفوع حكماً.

شرح حديث: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال و بكير بن عبد الله بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم الزرقي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم، والسواك، ويمس من الطيب ما قدر له)، إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن وقال في الطيب: (ولو من طيب المرأة) ].
أورد المصنف رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم، والسواك، ويمس من الطيب ما قدر له ولو من طيب المرأة) يعني: طيب الرجال كما سبق أن ذكرنا تظهر رائحته ويخفى لونه، وطيب النساء بالعكس يظهر لونه وتخفى رائحته. معنى الحديث: أن الإنسان يحرص على الطيب ولو لم يجد إلا الطيب الذي هو من خصائص النساء، فالرجل لا يترك الطيب ولو كان عن طريق التطيب بطيب المرأة الذي يظهر لونه وتخفى رائحته. وفيه ذكر الجمع بين الاغتسال وبين السواك وبين الطيب، وهذا مما استدلوا به على أن الغسل ليس بواجب، لكن كما هو معلوم قد يأتي في بعض النصوص الجمع بين أشياء منها ما هو واجب ومنها ما ليس بواجب، مثل: الجمع بين خصال الفطرة، ففيها واجب وفيها مستحب.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #102  
قديم 03-02-2022, 06:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم ...)
قوله: [حدثنا محمد بن سلمة المرادي ].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن سعيد بن أبي هلال ].
سعيد بن أبي هلال صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ و بكير بن عبد الله بن الأشج ]. و بكير مر ذكره.
[ عن أبي بكر بن المنكدر ]. أبو بكر بن المنكدر وهو أخو محمد بن المنكدر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن عمرو بن سليم الزرقي ].
عمرو بن سليم الزرقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ].
عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
هو أبو سعيد مر ذكره. قوله: [إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن ].
أي: أن بكيراً لم يذكر في الإسناد عبد الرحمن بن أبي سعيد .

شرح حديث: (من غسل يوم الجمعة واغتسل ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي حبي حدثنا ابن المبارك ، عن الأوزاعي ، حدثني حسان بن عطية ، حدثني أبو الأشعث الصنعاني ، حدثني أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) ]. الصحيح أن حبي لقب لمحمد بن حاتم الجرجرائي وليس شيخاً له، وحدثنا هذه زائدة. حديث أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ). قال بعض أهل العلم: إن اللفظ الثاني مؤكد للأول وهو قريب له في اللفظ ولكنه مغاير له؛ لأن فيه: (غسل واغتسل) وفيه أيضاً: (وبكر وابتكر) ويوضح هذا قوله: (ومشى ولم يركب)؛ لأن قوله: (لم يركب) هو بمعنى مشى، فيكون مؤكداً لقوله: (مشى)، قالوا: (وابتكر) مؤكد لبكّر، (واغتسل) مؤكد لغسّل. ومن أهل العلم من قال:
إن بين غسل واغتسل وبكر وابتكر فرقاً، فغسل بالتخفيف والتشديد المراد به غسل رأسه، كما سيأتي في بعض الروايات وفي بعض الآثار: (غسل رأسه واغتسل) يعني: غسل رأسه وغسل جميع جسده للجمعة، لكنه ذكر الرأس منصوصاً عليه بخصوصه من أجل العناية به، وإن كان الاغتسال يشمل جميع الجسد ويدخل في ذلك الرأس، لكن التنصيص على الرأس من أجل الشعر الكثيف الذي يحتاج إلى أن ينظف ويحتاج إلى أن يعتنى به؛ حتى يزول ما فيه من رائحة كريهة إذا كان فيه روائح كريهة، ويكون قوله: (غسل) يعني: غسل رأسه. قوله: (واغتسل) يعني: غسل سائر جسده. قوله (وبكر) يعني: ذهب في وقت مبكر.
قوله: (وابتكر) يعني: أنه سمع الخطبة من أولها بحيث لم يفته منها شيء؛ لأن بكور الشيء وباكورة الشيء هو أوله، وقيل: إن غسل واغتسل، معناه: أنه جامع أهله وكان ذلك الاغتسال عن جماع، فيكون تسبب في اغتسال غيره واغتسل هو أيضاً. قوله: (ومشى ولم يركب) أي: هذه تأكيد لمشى؛ لأن المشي هو عدم الركوب، والراكب هو غير الماشي، ولهذا جاء في الحديث: (يسلم الراكب على الماشي والماشي على الجالس). والمقصود من ذلك أن الأجر على قدر النصب وعلى قدر المشقة وعلى قدر التعب، ومن مشى لاشك أنه يحصل منه جهد أكثر من جهد الذي ركب. قوله: (ودنا من الإمام). يعني: جاء مبكراً بحيث يكون قريباً من الإمام. قوله: (فاستمع ولم يلغ) يعني: لم ينصرف عنها ولو كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه كما جاء في الحديث: (إذا قال الإنسان لصاحبه: أنصت والإمام يخطب فقد لغا) يعني: أن الإنسان يقبل على الخطبة ويعنى بها ويحرص على ألا يفوته منها شيء، وأن يكون متابعاً للخطيب في خطبته؛ ليستمع ما يقول ويتأمل ويفهم. قوله: (كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) أي: السنة، وهذا فضل عظيم وثواب جزيل.

تراجم رجال إسناد حديث: (من غسل يوم الجمعة واغتسل ...)
قوله: [حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي ].
هو محمد بن حاتم الجرجرائي الملقب حبي وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي .
[ حدثنا ابن المبارك ].
هو عبد الله بن المبارك المروزي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني حسان بن عطية ].
حسان بن عطية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبو الأشعث الصنعاني ].
هو شراحيل بن آدة وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني أوس بن أوس الثقفي ].
أوس بن أوس الثقفي صحابي، أخرج له أصحاب السنن.

الفرق بين بكَّرَ وابتكر
قوله: (ثم بكر وابتكر) على قول من فرق بينهما فإن معنى (وابتكر): هو أنه سمع الخطبة من أولها. أما من زعم أن معنى (بكر) أي: أدرك باكورة الخطبة، فالذي قاله صاحب عون المعبود وكرره أن (بكر) من التبكير، (وابتكر) يعني: أنه سمع الخطبة من أولها، كذلك من كان منزله بعيداً من المسجد النبوي فكل من جاء الجمعة هو على خير، والحديث نص على المشي وعدم الركوب، وورد في بعض الأحاديث أن الإنسان في ذهابه إلى المسجد ورجوعه لا يخطو خطوة إلا ويرفع الله له درجة ويحط عنه خطيئة، ومن المعلوم أن الإنسان إذا جاء يمشي إلى المسجد ثم رجع منه يمشي فإنه ذهابه وإيابه لا يخطو خطوة إلا يرفع الله له درجة ويحط عنه خطيئة.

شرح حديث: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عبادة بن نسي عن أوس الثقفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل..) ثم ساق نحوه ]. هذا الحديث يوضح الجملة السابقة في الحديث السابق: (من غسل واغتسل) لأنه قال هنا: (غسل رأسه واغتسل) ومعنى هذا: أن التغسيل إنما يكون للرأس وهو منصوص عليه في حديث أوس بن أوس هنا، وسيأتي أيضاً عن اثنين من العلماء وهما مكحول و سعيد بن عبد العزيز الدمشقي كل منهما قال: غسل رأسه وغسل جسده، وعلى هذا فقد جاء في حديث أوس بن أوس تفسير النص على أنه غسل رأسه.

تراجم رجال إسناد حديث: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل ...)
قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث ].
هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد بن يزيد ].
هو خالد بن يزيد الجمحي المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن أبي هلال ، عن عبادة بن نسي ].
سعيد بن أبي هلال مر ذكره، و عبادة بن نسي ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ عن أوس الثقفي ]. أوس الثقفي مر ذكره.

شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته ...)
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن أبي عقيل و محمد بن سلمة المصريان، قالا: حدثنا ابن وهب ، قال ابن أبي عقيل : أخبرني أسامة -يعني ابن زيد - عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة، كانت كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) ].
قوله: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها) ] يعني: المقصود أنه إذا لم يكن عنده من الطيب الذي للرجال كما سبق أن مر في الحديث، فليمس ولو كان من طيب امرأته. قوله: (ولبس من صالح الثياب) يعني: المقصود التجمل كما سبق أن مر. قوله: (ثم لم يتخط رقاب الناس) يعني: بكر ولم يتخط رقاب الناس. قوله: (ولم يلغ عند الموعظة) يعني: لم يقع منه انصراف حال الخطبة بل أقبل عليها. قوله: (كانت كفارة لما بينهما) يعني: كفارة له ما بين الجمعتين.
هذه خمسة أمور: الاغتسال، والطيب، ولبس صالح الثياب، والإنصات وعدم اللغو في حال الخطبة. قوله: (ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) يعني: أنه لم يحصل على أجر الجمعة، ولكن تجزئه الصلاة ولا يؤمر بأن يصلي ظهراً، ولكنه حرم أجر الجمعة وأجر فضل الجمعة بسبب التخطي وحصول اللغو.

تراجم رجال إسناد حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته ...)

قوله: [حدثنا ابن أبي عقيل ].
هو عبد الغني بن أبي عقيل المصري وهو ثقة، أخرج له أبو داود .
[ و محمد بن سلمة المصريان قالا: حدثنا ابن وهب ].
ابن وهب مر ذكره. [ قال ابن أبي عقيل : أخبرني أسامة -يعني ابن زيد - ].
أسامة بن زيد الليثي وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عمرو بن شعيب ].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وفي الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ].
هذا فيه التنصيص على أن شعيباً يروي عن عبد الله بن عمرو ، ويأتي كثيراً في الأسانيد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فهذا فيه بيان أن الجد الذي يروي عنه شعيب هو جده وليس جد عمرو الذي هو محمد ؛ لأنه لو كان جد عمرو الذي هو محمد سيكون مرسلاً؛ لأن محمداً ما أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنَّ شعيباً يروي عن جده عبد الله بن عمرو ، و عبد الله بن عمرو أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والله تعالى أعلم.

شرح حديث: (أن النبي كان يغتسل من أربع: من الجنابة ويوم الجمعة ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا زكريا حدثنا مصعب بن شيبة ، عن طلق بن حبيب العنزي ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة أنها حدثته: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت) ]. سبق أن ذكرنا جملة أحاديث تتعلق بالغسل يوم الجمعة، وعرفنا أن بعض أهل العلم حمل ما ورد في ذلك على الوجوب، وأن جمهور أهل العلم حملوا ذلك على الاستحباب، وعرفنا الأدلة التي استدل بها القائلون في حملها على الاستحباب، وسيأتي ذكر ترجمة للرخصة بترك الغسل يوم الجمعة، وهي مشتملة على بعض الأحاديث الدالة على حمل الغسل يوم الجمعة على الاستحباب، ومن جملة الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تعالى تحت ترجمة الغسل يوم الجمعة حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع:
من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت) يعني: تخبر عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من هذه الأربع، ومنها: غسل يوم الجمعة، وقد مرت جملة من الأحاديث الدالة على ذلك، والجنابة أيضاً مرت الأبواب المتعلقة بغسل الجنابة. قوله: (ومن الحجامة) الحكمة في ذلك أن الحجامة يكون معها رشاش الدم على الجسد؛ فإذا اغتسل بعد الحجامة فإن ذلك يكون أطهر، وفيه التخلص مما قد ينتشر من رشاش الدم على الإنسان. قوله: (ومن غسل الميت) يعني:
أن الإنسان الذي يغسل الميت لا يأمن أن يصيبه شيء من رشاش التغسيل، وقد يكون عليه نجاسة فيصل شيء منها إلى الغاسل، فغسله بعد تغسيله للميت فيه ذهاب وتخلص من تلك الأشياء التي يتصور أن تحصل وأن تكون. والحديث فيه مصعب بن شيبة وهو لين الحديث، فيكون غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بعضها كما هو معلوم جاءت الأدلة الدالة على ذلك كغسل الجمعة وغسل الجنابة، وكذلك أيضاً جاء في غسل من غسل الميت أحاديث اختلف في تصحيحها وتضعيفها، وعلى القول بثبوتها فإنها على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب، أما الحجامة فكما أشرت أن بعض أهل العلم قال: لما يمكن أن يكون من رشاش ينتشر من الدم بسبب الحجامة، فيكون الاغتسال بعد حصولها فيه التخلص من ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يغتسل من أربع: من الجنابة ويوم الجمعة ...)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[حدثنا محمد بن بشر ].
محمد بن بشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زكريا ]. هو زكريا بن أبي زائدة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مصعب بن شيبة ]. مصعب بن شيبة وهو لين الحديث، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[ عن طلق بن حبيب العنزي ].
طلق بن حبيب العنزي وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن الزبير ].
عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح أثر مكحول في معنى (غسَّل واغتسل)

[حدثنا محمود بن خالد الدمشقي ، أخبرنا مروان ، حدثنا علي بن حوشب ، قال: سألت مكحولاً عن هذا القول: (غسل واغتسل)، فقال: غسل رأسه و غسل جسده ]. هذا الأثر عن مكحول الشامي ، وقد سأله علي بن حوشب عن قوله في الحديث: (غسل واغتسل)، فقال: إنه غسل رأسه وغسل سائر جسده. فهذا أثر فيه تفسير لما جاء في الحديث الذي سبق أن مر، ولكن سبق أن مر في حديث أوس بن أوس أن هذا التفسير من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (غسل رأسه واغتسل).

تراجم رجال إسناد أثر مكحول في معنى (غسَّل واغتسل)
قوله: [حدثنا محمود بن خالد الدمشقي ].
محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[أخبرنا مروان ].
هو مروان بن محمد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا علي بن حوشب ].
علي بن حوشب لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود .
[ قال: سألت مكحولاً ].
هو مكحول الشامي وهو ثقة كثير الإرسال، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.

شرح أثر سعيد بن عبد العزيز في معنى (غسَّل واغتسل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الوليد الدمشقي ، حدثنا أبو مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز في: (غسل واغتسل)، قال: قال سعيد : غسل رأسه وغسل جسده ]. هذا الأثر عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي وهو مثل ما تقدم عن مكحول الشامي أن معنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: (من غسل واغتسل)، أنه غسل رأسه وغسل سائر جسده. فالأثران عن مكحول وعن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي معناهما واحد، وكما هو معلوم هما مطابقان للتفسير الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أوس بن أوس والذي تقدم قريباً.

تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن عبد العزيز في معنى (غسَّل واغتسل)
قوله: [حدثنا محمد بن الوليد الدمشقي ].
محمد بن الوليد الدمشقي صدوق، أخرج له أبو داود وحده.
[ حدثنا أبو مسهر ].
هو عبد الأعلى بن مسهر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن عبد العزيز ].
هو سعيد بن عبد العزيز الدمشقي وهو ثقة إمام، سواه أحمد بالأوزاعي وقدمه أبو مسهر لكنه اختلط في آخر أمره، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.

شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن سمي ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) ]. إن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هذا يدل على فضل التبكير إلى الجمعة، وأن في ذلك الأجر العظيم من الله عز وجل.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) يعني: أنه اغتسل كهيئة الغسل من الجنابة، وذلك بأن يتوضأ ويفيض الماء على جسده، أو أنه يغتسل بحيث يصب الماء على نفسه وإن لم يتوضأ، ولكنه لا يجزيه عن الوضوء، لكن إن توضأ قبل ذلك ولم يمس ذكره حين اغتساله بعد الوضوء فإنه يكون بذلك اغتسل الغسل للجمعة، وفيه رفع الحدث الذي هو كونه توضأ معه، أما إن اغتسل بأن صب الماء على جسده فهذا اغتسال، وفيه الأداء لهذا الأمر المشروع على القول بوجوبه وعلى القول باستحبابه، ولكنه لا يغني عن الوضوء؛ لأن هذا الفعل ليس فيه رفع حدث وإنما فيه فعل أمر واجب أو أمر مستحب، وعلى هذا فمن اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة يحتمل أن يكون المراد به الهيئة أو أن المراد به أنه يجامع أهله وأنه يغتسل للجنابة، ويكون ذلك مجزئاً عن غسل الجمعة، وقد سبق أن مر قريباً قول أبي داود :
من اغتسل بعد طلوع الفجر فقد أجزأه وإن أجنب، يعني: وإن كان ذلك الغسل عن جنابة فإنه يغني عن غسل الجمعة، وجمهور أهل العلم على أن غسل الجنابة يغني عن غسل الجمعة، وأنه لا يلزم أن يكون هناك غسل للجمعة وغسل للجنابة إذا كان هناك جنابة، بل اغتساله للجنابة يكفيه عن غسل الجمعة. قوله: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة) والبدنة هي: الناقة، سواء كان ذكراً أو أنثى كله يقال له: بدنة. وهذا فيه أن التبكير للجمعة والذهاب في الساعة الأولى في وقت مبكر فيه هذا الأجر، وأنه مثل الذي تقرب إلى الله عز وجل بنحر جزور، ومن المعلوم أن هذا أكبر شيء يتقرب به من بهيمة الأنعام؛ لأن بهيمة الأنعام أعلاها وأكملها وأكثرها لحماً وأضخمها جسماً هو الإبل. قوله: (ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) يعني: دون الذي قرب بدنة. قوله: [ (فإذا دخل الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) يعني: أنهم يطوون الصحائف التي كانوا يكتبون فيها هؤلاء الذين جاءوا ثم جلسوا يستمعون الذكر، وليس معنى ذلك أن من جاء بعد أن دخل الخطيب أنه لا جمعة له ولا أدرك الجمعة، لا، لكنه فاته ذلك الأجر العظيم الذي يكون للمبكرين. قال بعض العلماء:
إن المقصود بقوله: (راح) أي: ذهب بعد أن زالت الشمس، ومن المعلوم أن ذلك الوقت الذي هو الزوال أو بعد الزوال لا يكون معه أوقات تقسم إلى أقسام بحيث يأتي أحد في الساعة الأولى ويحصل كذا، فقالوا: إن المقصود منه أنه قصد الذهاب إلى الجمعة ويكون مثله مثل الحجاج إذا خرجوا يقال لهم: حجاج وهم مسافرون للحج والحج لم يحصل بعد، ولكنهم قصدوا ذلك وأخذوا بالأسباب التي تؤدي إليه، فكذلك الذي ذهب إلى الجمعة مبكراً قبل الزوال في وقت طويل فإنه يعتبر أنه قد راح؛ لأنه قصد ذلك العمل الذي يحصل بعد الزوال وهو الجمعة. ومن أهل اللغة من قال: إن (راح) معناها: ذهب، وليست مقصورة على ما كان بعد الزوال، وأن الروح ضد الغدو من غدا أو راح، يعني: غدا ذهب في الغدوة، وراح ذهب في زمن الرواح وهو ما بعد الزوال. إذاً: (راح) تستعمل بمعنى ذهب، وعلى هذا فتكون على بابها ولا تحتاج إلى أن يقال للحجاج:
هم حجاج وإن لم يكن الحج قد حان؛ لأنهم قصدوا الحج وشرعوا في أسبابه، ولا حاجة إلى هذا التأويل. إن بداية هذه الساعات والله أعلم تكون من أول النهار من طلوع الشمس؛ لأن هذا هو الوقت الذي غالباً هو المقصود، ويمكن أيضاً أن يقال: إن ذلك عند طلوع الفجر أول النهار؛ لأن النهار يبدأ بطلوع الفجر، لكن كما هو معلوم يمكن للإنسان أن يصلي الفجر ويرجع إلى بيته ثم يعود إلى المسجد قاصداً الجمعة. فيمكن والله أعلم أن يقال: إن ذلك من طلوع الشمس، أو أنه قريب من طلوع الشمس.

بيان الساعات المذكورة في الحديث وتقديرها
الساعات المذكورة في الحديث المقصود بها جزء من الزمان ليس محدداً، وفي اللغة ساعات الليل والنهار قسمت إلى أربع وعشرين جزءاً، يعني: أن الليل اثنا عشر ساعة والنهار اثنا عشر ساعة، ولكل جزء اسم، وقد ذكر ذلك الثعالبي في فقه اللغة حيث قال: إن ساعات الليل اثنا عشر ساعة وساعات النهار اثنا عشر ساعة، وكل ساعة لها اسم يخصها. فعلى هذا إذا كان الليل والنهار أربعة وعشرين ساعة فمعناه: أن الساعة تقارب هذه الساعات المعروفة عندنا في هذا الوقت، وعلى هذا يكون من طلوع الشمس تقريباً، يعني:
هذه المقادير التي يستعملها الناس يمكن أن تكون في حدود هذا المقدار. ومن المعلوم أن هذا في بعض الأوقات وليس دائماً؛ لأنه كما هو معلوم أيضاً الليل والنهار يطول ويقصر، يطول النهار فتكون ساعات الليل قليلة، ويطول الليل فتكون ساعات النهار قصيرة، ولكن التوزيع الذي ذكره أهل اللغة إنما هو لليل اثنا عشر ساعة، لكن تتفاوت في مقاديرها بالنسبة لاختلاف الزمان، وكذلك النهار اثنا عشر ساعة، كذلك تختلف في مقاديرها باختلاف الزمان، فيمكن والله أعلم أن يقال: إن ذلك من طلوع الشمس. في هذا الحديث أن الملائكة تحضر سماع الذكر وتحضر الخطبة وتستمع الذكر وتحف مجالس الذكر، كما جاء في الحديث: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).

تراجم رجال إسناد حديث: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح ...)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهي: مذهب الإمام أبي حنيفة ، ومذهب الإمام مالك ، ومذهب الإمام الشافعي ، ومذهب الإمام أحمد ، هذه مذاهب أهل السنة، وأما المذاهب الأخرى غير هذه المذاهب فليست من مذاهب أهل السنة كمذهب الزيدية والرافضة والإباضية وغيرها.
[ عن سمي ].
هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صالح السمان ].
هو ذكوان السمان كنيته: أبو صالح واسمه ذكوان ولقبه السمان ، وقيل له: السمان ؛ لأنه كان يجلب السمن، ويقال له: الزيات أيضاً؛ لأنه كان يجلب الزيت، فيقال له: ذكوان السمان ، ويقال له: ذكوان الزيات وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #103  
قديم 03-02-2022, 07:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [054]
الحلقة (85)

شرح سنن أبي داود [054]


لقد حرص الإسلام على أن يلتزم أفراده بالنظافة الحسية والمعنوية، ولذا شرع الغسل يوم الجمعة والتطيب تجنباً لما ينبعث من الروائح المؤذية من الأجساد، خاصة العاملين الكادحين، كما أنه شرع في إسلام الكافر أن يغتسل وأن يختتن إذا لم يكن مختوناً، وشرع له أن يلقي عن نفسه شعر الكفر ليحمل عنوان المسلمين.

الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة


شرح حديث: (كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة. حدثنا مسدد ، حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الناس مهان أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، يعني الأدلة الدالة على أن ما جاء من الأوامر في الأحاديث بالغسل يوم الجمعة مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها:
(كان الناس مهان أنفسهم)؟ أي: أنهم كانوا يخدمون أنفسهم، وأن مهنهم هم الذين يتولونها بأنفسهم. وقولها: (مهان) جمع ماهن، والمقصود من ذلك أنهم الذين يتولون مصالح أنفسهم الدنيوية بأنفسهم، ليس لهم خدم يكفونهم تلك المئونة وينوبون عنهم فيها بحيث يستريحون، وإنما هم الذين يقومون بهذه المهمة، وكان يحصل منهم أنهم يأتون إلى الجمعة على هيئتهم التي كانوا عليها في عملهم وفي حرثهم، وتنبعث منهم روائح كريهة بسبب تلك المهن وتلك الأعمال، فقال عليه الصلاة والسلام: (لو اغتسلتم) يعني: لو اغتسلتم إذا جئتم إلى الجمعة. ففيه إرشاد إلى الاغتسال، وأنهم لو اغتسلوا لحصل ذهاب ذلك الشيء الذي يؤذي غيرهم. وقولها: [ (فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم التي كانوا عليها) ] أي: يروحون إلى الجمعة في ثيابهم وفي عرقهم، فتنبعث منهم الروائح الكريهة فيحصل التأذي بذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو اغتسلتم) يعني: قبل أن تأتوا إلى الجمعة حتى تزول تلك الروائح. وكذلك -أيضاً- جاء الإرشاد إلى التطيب مع الاغتسال حتى تذهب تلك الروائح الكريهة؛ لأن الإنسان إذا تطيب تكون رائحته طيبة وتذهب الرائحة الكريهة.
وسبق أن مر بنا ما دل عليه حديث عائشة هذا (كان الناس مهان أنفسهم) في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في الوضوء حيث قال: (إنهم كانوا خدام أنفسهم)، فكانوا يتناوبون رعاية الإبل، فيجمعون ما لكل واحد من الإبل ثم يسرح بها كل يوم شخص، والباقون يكونون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعون حديثه. فقوله: (إنهم كانوا خدام أنفسهم) يعني: لا يوجد أحد يكفيهم الخدمة، ولهذا كانوا يتناوبون الرعاية، وهنا في حديث عائشة : (كانوا مهان أنفسهم) أي: هم الذين يقومون بمصالحهم وبمهنهم؛ لأنه ليس لهم خدم ينوبون عنهم فيها، ويأتون على هيئتهم بثيابهم التي كانوا يزاولون بها المهنة، وبعرقهم وبالروائح التي معهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الاغتسال؛ من أجل ذهاب تلك الروائح.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم ...)
قوله: [حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ]. عائشة رضي الله تعالى عنها قد مر ذكرها.

شرح حديث: (... إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة (أن أناساً من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس ! أترى الغسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر، وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدء الغسل: كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال: أيها الناس! إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه. قال ابن عباس : ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين جاءه جماعة من أهل العراق وسألوه عن غسل يوم الجمعة أواجب هو فقال: إنه ليس بواجب، وإنما هو مستحب، ومن اغتسل فالغسل أطهر وأفضل. ثم أخبرهم ببدء الغسل، وأنه كان بسبب الروائح الكريهة التي تنبعث منهم بسبب كونهم يأتون متعبين من العمل، ويأتون إلى الجمعة بهيئتهم وبثيابهم التي عملوا فيها وفيهم تلك الروائح، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا)، فأرشدهم إلى الاغتسال، ومعنى هذا أن الاغتسال إنما هو لأجل إزالة هذه الروائح الكريهة، فإذا لم يكن هناك شيء من هذه الروائح التي يحصل بها أذى فإنه لا يكون الغسل لازماً؛ لأن المقصود به هو إزالة الروائح وإزالة الأذى الذي يكون في الإنسان بسبب مهنته وعمله. ومعنى هذا أنه إذا لم يكن شيء من ذلك فإنه لا محذور ولا مانع من أن يأتي المرء الجمعة دون أن يغتسل، لكن غسل يوم الجمعة متأكد استحبابه، وينبغي للإنسان أن يحرص عليه ولو كان ليس فيه روائح، ولكن من لم يفعله فإنه لا يأثم؛ لأنه مستحب وليس بواجب. وقد سبق أن مرت قصة عثمان حين دخل و عمر يخطب فقال له: أي ساعة هذه؟ فقال: إنني لما سمعت النداء بادرت إلى الوضوء وجئت.
فقال: والوضوء أيضاً! فعثمان رضي الله عنه جاء بدون اغتسال، ولم يأمره أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بأن يذهب فيغتسل؛ ليؤدي ذلك الواجب لو كان واجباً، فدل ذلك على أنه مستحب. ويدل عليه أيضاً قول ابن عباس رضي الله عنهما: إنه مستحب وليس بواجب. وبين رضي الله عنه سبب الغسل وأصله، وأنه كان بسبب ما يحصل من روائح تنبعث بسبب مجيئهم على هيئتهم، وقد كانوا هم خدم أنفسهم وليس لهم من يخدمهم.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ...)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- ].
عبد العزيز هو ابن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن أبي عمرو ]. عمرو بن أبي عمرو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس ، و عبد الله بن الزبير ، و عبد الله بن عمرو ، و عبد الله بن عمر .

شرح حديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل) فهذا يدل على أن الغسل إنما هو مستحب، وأنه أفضل من الاقتصار على الوضوء. قيل: إن المقصود بقوله: (فبها) أي: فبالسنة أخذ. وقوله: (ونعمت) أي: نعمت الرخصة. وقوله: (ومن اغتسل فالغسل أفضل) يعني: مع الوضوء، فإن الغسل يكون أتم وأفضل، وهذا فيه الدلالة على أنه مستحب وليس بواجب.

تراجم رجال إسناد حديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سمرة ]. هو سمرة بن جندب رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

الأمر بالغسل لمن أراد الإسلام


شرح حديث: (أتيت النبي أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل. حدثنا محمد بن كثير العبدي ، أخبرنا سفيان ، حدثنا الأغر ، عن خليفة بن حصين ، عن جده قيس بن عاصم رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر) ]. هذه الترجمة لبيان نوع من الأغسال، وهو الغسل عند الدخول في الإسلام، أي: من كان كافراً ثم أسلم فإنه يغتسل؛ لأن اغتساله بعد دخوله في الإسلام فيه تطهير لجسده من النجاسات التي لا يتحرز منها الكفار، وكذلك الذي يكون على جنابة فيكون اغتساله مزيلاً لتلك الأوساخ وتلك الأقذار التي كان الكفار لا يأخذون بها، ولا يحصل منهم الاغتسال والطهارة والنظافة منها. فاغتسال الكافر بعد إسلامه فيه تخلص من تلك الآثار. فأبو داود رحمه الله أورد حديث قيس بن عاصم التميمي المنقري رضي الله تعالى عنه: (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بما وسدر)، أي أن السدر يكون أكمل في النظافة والطهارة. وقوله: [ (فأمرني أن أغتسل بماء وسدر) ] فيه أن الكافر عندما يدخل في الإسلام يغتسل.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #104  
قديم 03-02-2022, 07:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: ( أتيت النبي أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل.. )

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ]. سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأغر ]. هو الأغر بن الصباح المنقري التميمي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي .
[ عن خليفة بن حصين ]. هو خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي .
[ عن جده قيس بن عاصم ]. جده هو قيس بن عاصم التميمي المنقري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور بالحلم، وهو الذي رثاه أحد الشعراء لما مات بقصيدة، منها البيت المشهور الذي يدل على عظم شأن هذا الرجل، حيث قال: وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما ومعناه أن من الناس من إذا هلك يكون هلاكه بمثابة البناء الذي يتهدم، وذلك لعظم شأنه وعظيم منزلته. فقول الشاعر: وما كان قيس هلكه هلك واحد يعني: ليس موته موت رجل واحد، ولكن موته موت جماعة.
وقوله: (ولكنه بنيان قوم تهدما يدل على مكانته وعظيم منزلته رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وهذا الشعر يستشهد به عندما يموت شخص كبير له منزلة عظيمة مرموقة ونفعه عظيم، فيكون فقده مصيبة كبيرة على الناس.

شرح حديث: (... ألق عنك شعر الكفر واختتن)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، قال: أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمت. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألق عنك شعر الكفر -يقول: احلق-. قال: وأخبرني آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه: ألق عنك شعر الكفر واختتن) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جد عثيم بن كثير بن كليب أنه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مسلماً فقال له: ألق عنك شعر الكفر، يعني: احلق رأسك. وقيل: إن المقصود بهذا الحديث إزالة ما هو علامة من علامات الكفر في رءوسهم وهيئات رءوسهم، وليس المقصود به أنه يجب على الإنسان أن يحلق رأسه إذا دخل في الإسلام وأنه يزيل شعره، وذلك لأنه قال: (شعر الكفر) يعني الشيء الذي هو علامة من علامات الكفر، كالهيئات التي يختصون بها ويتميزون بها في رءوسهم، مثل كونهم يحلقون شيئاً ويبقون شيئاً على هيئة مخصوصة، فإن تلك التي هي من علامات الكفر يجب التخلص منها وتجب إزالتها. ثم قال: وأخبرني آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه: (ألق عنك شعر الكفر واختتن).
فقوله: (شعر الكفر) يقال فيه مثلما تقدم. وقوله: (واختتن) فيه زيادة الاختتان، وأن الإنسان إذا أسلم وهو غير مختتن فعليه أن يختتن وأن يزيل تلك القلفة التي تكون من أسباب عدم الطهارة لكون شيء من البول يبقى في تلك القلفة التي تغطي الحشفة، والاختتان فيه زوالها وعدم علوق شيء من البول بها، فبالاختتان يحصل التخلص من ذلك. ومن المعلوم أن الاختتان من شعار الإسلام، وأنه مطلوب في حق الرجال أن يختتنوا، وأنه عندما يبلغ الإنسان يجب أن يكون مختتناً؛ لأنه جاء زمن التكليف، وقبل ذلك يكون الإنسان غير مكلف، ولكن المبادرة إلى الاختتان في الصغر لاشك في أنها هي الأولى.
أما مناسبة حلق الشعر والاختتان للغسل مع عدم ذكر الاغتسال فهي أن في الحديث شيئاً يتعلق بالطهارة من جهة أن هناك شيئاً من إزالة آثار الكفر، ومن آثار الكفر عدم الاختتان، فهو علامة من علامات الكفار، والاختتان علامة من علامات المسلمين، وكذلك إذا كان شعره على هيئة الكفار فإنه يزال وليكون على هيئة المسلمين، فالحديث لم يذكر الاغتسال لكن فيه شيء يتعلق بالنظافة والطهارة من آثار الكفر.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ألق عنك شعر الكفر واختتن)


قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود
. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا ابن جريج ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: أخبرت عن عثيم بن كليب ].
قوله: [ قال: أخبرت ] معناه أن هناك واسطة بينه وبين عثيم، و عثيم هو ابن كثير بن كليب الحضرمي، أو الجهني، وهو مجهول، أخرج له أبو داود وحده.
[ عن أبيه ]. أبوه هو كثير ، لم أقف على ترجمة له، لا في التقريب ولا في تهذيب التهذيب، وهناك اختلاف في قضية الجد، أي: هل كليب هو الجد أو الأب؟ وقيل: إن ابن جريج إنما نسبه إلى جده فقال: عثيم بن كليب. وهو عثيم بن كثير بن كليب وما وقفت لترجمة لعثيم ، وأما كليب الذي هو الجد فهو صحابي قال عنه الحافظ ابن حجر : قليل الحديث. قيل: إن له ثلاثة أحاديث هذا واحد منها. وحديثه أخرجه أبو داود وحده.

حكم الغسل لمن أراد أن يسلم

الحديث فيه هذا المجهول، و الألباني حسنه، ولم أدر عن كونه لقي له شواهد أو أي أمور أخرى، وإلا فالإسناد فيه مجهول، وفيه -أيضاً- الانقطاع. أما بالنسبة للأمر بالغسل لمن أراد أن يسلم فاختلف فيه، فمنهم من قال: إنه على الوجوب؛ لأن فيه التخلص من هذه الأمور، لكن الأكثرون قالوا: إنه على الاستحباب. ولا أدري ما هو الصارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، لكن لا شك في أن الكفار لا يتنزهون من النجاسات، فتعين الاغتسال في حقهم إذا أسلموا له وجه. أما قوله: (ألق عنك شعر الكفر) فقد يكون المقصود به الاستحداد، أي: حلق العانة، لكن كما هو معلوم أن هذه الأمور مطلوبة من المسلم والكافر كذلك إذا أسلم، لكن بعضهم قالوا: إن المقصود به الهيئة التي تخص الكفار، ولهذا قال: (شعر الكفر) ومن المعلوم أن الشعر موجود في حال الكفر، لكنه لا يلزم أن يزيل ما هو موجود في حال الكفر، وإنما الذي يزال هو علامة الكفر، وهو الهيئة المخصوصة للكفار في رءوسهم إذا كان لهم هيئة مخصوصة. والله تعالى أعلم.

الأسئلة



فضل شعبان وحكم الصيام فيه

السؤال: هل يجوز الصيام يوم الجمعة والسبت في شهر شعبان؟ وهل لشهر شعبان فضيلة في صيامه؟

الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الأشهر في شهر شعبان وفي المحرم، ولم يستكمل الرسول صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً إلا رمضان. وقد جاء في بعض الأحاديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، وهذا يحمل على ما إذا كان الإنسان يريد أن يحتاط لرمضان، ومن المعلوم أن هذا الاحتياط لرمضان لا يسوغ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) يعني: إذا كان الرجل من عادته أنه يصوم يوم الخميس أو الإثنين وقع يوم الخميس -مثلاً- موافقاً ليوم الثلاثين فإنه يصوم؛ لأنه ما احتاط لرمضان، بل هو شيء اعتاده، فشعبان هو أحد الشهرين اللذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيهما.


حكم من أعاد الصلاة مع جماعة بعد أن أداها خلف متنفل

السؤال: صلى مفترض خلف متنفل، وبعد أن انتهى مباشرة وجد جماعة أقيمت، فهل له الدخول مع تلك الجماعة؟

الجواب: صلاته الأولى هي الفريضة التي أداها، أما الثانية فإنه إذا دخل معهم فهي نافلة، ولا بأس بذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما صلى بالناس في مسجد الخيف نظر فإذا اثنان قد جلسا في ناحية، فدعا بهما فأتيا ترتعد فرائصهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لماذا لم تصليا؟ قالا: إنا صلينا في رحالنا، قال: إذا أتيتما والإمام لم يصل فصليا معه تكون لكما نافلة)، فالفريضة هي الأولى والثانية نافلة.


الرد على من اتهم الإمام الشوكاني بالسرقة عند التأليف والنقل

السؤال: ما رأيكم فيمن يقول: إن الإمام الشوكاني سرق كتابه نيل الأوطار من فتح الباري، وكذلك حكمه على الأحاديث من تلخيص الحبير، وأما كتابه (إرشاد الفحول) -أيضاً- فهو مسروق من كتاب آخر؟

الجواب: هذا تعبير لا يليق بالعلماء، وإذا كان الشوكاني استفاد من الحافظ ابن حجر أو من غيره فهذا شأن أهل العلم يستفيد بعضهم من بعض، ومن المعلوم أن الشوكاني عالم كبير، وليس مجرد ناقل أو مجرد معتمد على غيره، فله آراء وله نظر، وله عناية رحمه الله تعالى، وله خبرة في الحديث، وقضية الاستفادة من العلماء أمر لا يشك فيه فالمتأخر يستفيد من المتقدم، والحافظ ابن حجر نفسه قد استفاد من العلماء السابقين ومن الأئمة المتقدمين، وهكذا شأن أهل العلم يستفيد بعضهم من بعض، ولكن اتهام العلماء بالسرقة ليس من الأدب مع أهل العلم.


الفرق بين الشروط والأركان والواجبات والمستحبات في العبادة

السؤال: ماذا يقصد المالكية بقولهم: إن ستر العورة واجب وليس بشرط؟
الجواب: كما هو معلوم أن الشرط فيه لزوم وفيه وجوب، لكن الشرط هو الذي يتقدم المشروط، وستر العورة في الصلاة هو من الشروط التي هي خارجة عن أجزاء الصلاة وعن أركان الصلاة، مثل استقبال القبلة، ونحوه. أما قولهم: (ستر العورة واجب وليس بشرط) فلا أعرف معنى هذا الكلام، لكن من المعلوم أن الشروط هي واجبة من حيث اللزوم ومتحتمة، وأنه لابد من أن يؤتى بها، فهناك واجب، وهناك شرط يتقدم المشروط، وهناك ركن يكون لازماً لا تصح الصلاة إلا به، والواجب: يجبر بسجود السهو. والشروط تكون خارج الماهية وخارج الشيء المعرف؛ لأن الصلاة تعرف بأنها أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، هذه الأقوال والأفعال منها ما هو أركان ومنها ما هو واجبات ومنها ما هو مستحبات، وهناك شيء يكون موجوداً قبل أن يدخل الإنسان في الصلاة، ككونه على وضوء، وكونه ساتراً للعورة، وكونه مستقبل القبلة، وهكذا بقية الشروط، فما أدري بمعنى قولهم: (إن ستر العورة ليس بشرط) ومعلوم أن الأشياء الموجودة في داخل الصلاة هي أقوال وأفعال وليس منها ستر العورة، ولكن ستر العورة من الأمور التي تشترط للصلاة، والإنسان لا يدخل في الصلاة إلا وقد ستر عورته.


حكم المتاجرة بالكلاب للحراسة فقط

السؤال: ما حكم المتاجرة بالكلاب، مع العلم أنها كلاب لا يُحصل عليها بدون مال، وتستخدم للحراسة فقط؟

الجواب: لا تجوز المتاجرة بالكلاب وبيع الكلاب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب خبيث، وحلوان الكاهن خبيث، ومهر البغي خبيث) يعني: كل هذه الأمور محرمة. فالإنسان إذا احتاج إلى الكلب واضطر إليه يستفيد منه، وإذا استغنى عنه يتركه ويرسله أو يعطيه لمن يستفيد منه، أما أن يبيعه ويستفيد من ثمنه أو يتجر به فهذا غير سائغ وغير جائز.


حكم الحج والعمرة عن الغير ومكان الإحرام للعمرة

السؤال: جاء رجل من الجزائر لأداء العمرة وله أبوان متوفيان، وهما لم يحجا ولم يعتمرا ويريد أن يعتمر عنهما، فهل هذا جائز، ومن أين يحرم؟

الجواب: الإنسان إذا اعتمر عن نفسه وحج عن نفسه له أن يعتمر ويحج عن غيره، لكن العمرة المشروعة هي التي يأتي بها الإنسان وهو متجه إلى مكة من خارج المواقيت، هذه هي العمرة المشروعة، فإذا تيسر للإنسان أنه يعتمر ثم جاء إلى المدينة فإنه إن أراد أن يعتمر عن نفسه أو عن غيره فله ذلك.


حكم من نوى العمرة وأراد الإحرام من جدة

السؤال: أريد أن أؤدي العمرة، إلا أني أريد أن أذهب إلى جدة في عمل ما، فهل علي أن أحرم من الميقات أم أحرم من جدة؛ لأني لم أقصد مباشرة الذهاب إلى العمرة؟

الجواب: خرج الإنسان من المدينة -مثلاً- وهو يريد أن يعتمر فيها فلا يجوز له أن يتجاوز الميقات إلا وقد أحرم، ولو ذهب إلى جدة فإنه يبقى وعليه إحرامه، وإن كان سيبقى في جدة مدة ويرى أن بقاء الإحرام عليه في هذه المدة لا يعجبه ولا يناسبه فليذهب إلى مكة أولاً وينتهي من عمرته، ثم يذهب إلى جدة ويفعل ما يريد. والله تعالى أعلم."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #105  
قديم 03-02-2022, 07:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [055]
الحلقة (86)

شرح سنن أبي داود [055]


إذا أصاب الحيض ثوب المرأة فإنها تدلكه وتفركه بأصابعها ثم تتبعه بالماء حتى يزول جرم النجاسة، فإن زال جرمها وبقي أثر فإنه لا يضر، ولها أن تغيره بشيء، ولها أن تجعل مع الماء مادة أخرى مزيلة للنجاسة، كالسدر، والصابون ونحوهما.

المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها


شرح حديث عائشة: (... كنت أحيض عند رسول الله ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها. حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثني أبي، حدثتني أم الحسن -يعني: جدة أبي بكر العدوي - عن معاذة قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها عن الحائض يصيب ثوبها الدم، قالت: تغسله فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة.
قالت: ولقد كنت أحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً) ]. قوله: [ باب: المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها ] المقصود من هذه الترجمة أن المرأة في حال حيضها تغسل الثوب الذي يكون عليها إذا أصابه شيء من الدم، وأما إذا لم يصبه شيء من الدم فهو طاهر؛ لأن عرقها وكل شيء منها هو طاهر، وإنما النجاسة في الدم الذي يخرج من فرجها أو الذي يكون في فرجها، فإن خرج شيء من ذلك الدم على ثوبها فإنه يجب عليها أن تغسل ذلك الموضع الذي أصابه الدم، وإن لم يكن أصابه شيء من الدم فهو باق على طهارته. وسبق أن مر في بعض الأحاديث وفي الأبواب المتقدمة في كتاب الحيض ما يتعلق بأن مخالطة المرأة ومضاجعتها ومماستها ليس فيه شيء ولا مانع منه، وقد وسبق أن مر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : (ليست حيضتك في يدك) يعني أن كون المرأة تمس شيئاً أو تلمس شيئاً لا يؤثر؛ لأن حيضها إنما هو في فرجها، والنجاسة إنما هي في فرجها، وليست في يدها ولا في جسمها. وعلى هذا فالثياب التي تلبسها النساء في حال حيضهن إن وقع فيها شيء من الدم الذي يكون في فروجهن فإنه يجب غسل ذلك الدم وإزالة تلك النجاسة، وإن لم يقع شيء من ذلك فالأصل هو الطهارة. وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث في هذا الباب، أولها حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألتها معاذة العدوية عن الحائض يصيب ثوبها الدم، قالت:
(تغسله فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة). أي: يجب عليها أن تغسل هذه النجاسة، فإذا غسلتها ولكن بقي شيء من الأثر فلتغيره بشيء من صفرة، أي: بزعفران أو ورس أو ما إلى ذلك، حتى يكون في ذلك المكان الذي فيه نجاسة تلك الرائحة الطيبة، وأيضاً حتى لا يكون في نفسها شيء من الوسواس بسبب هذا الأثر الذي بقي، وهو لا يضر مادام أنها قد قامت بأداء الواجب ولكنه لم يحصل الصفاء والنقاء كبقية أجزاء الثوب التي ما حصل فيها شيء من النجاسة.
قولها: [ (ولقد كنت أحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً) ]. أي: إذا لم يقع عليه شيء من الدم. وعلى هذا فالغسل وعدم الغسل مبني على وجود النجاسة وعدمها، فما جاء من غسل ثوب الحائض فلأنه حصل فيه نجاسة, وما جاء من عدم غسله فلأنه لم يحصل فيه نجاسة، وعلى هذا فالنجاسة إذا وجدت تغسل، وإذا لم توجد النجاسة في ثوب الحائض فالأصل هو الطهارة.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... كنت أحيض عند رسول الله ثلاث حيضات جميعاً لا أغسل لي ثوباً)

قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي النكري ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وليعلم هنا أن أبا داود روى عن اثنين يقال لكل منهما: أحمد بن إبراهيم أحدهما أحمد بن إبراهيم الموصلي الذي هو أول واحد في كتاب التقريب؛ لأن الحافظ ابن حجر رحمه الله بدأ كتابه كتاب التقريب بمن اسمه أحمد؛ لأنه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك أتى بالأسماء التي أولها ألف بعد أن انتهى ممن اسمه أحمد، وكذلك في حرف الميم بدأ بمن اسمه محمد، ثم أتى بعد ذلك بالأسماء التي بدأت بحرف الميم، فأول الأحمدين هو أحمد بن إبراهيم الموصلي ، وله عند أبي داود حديث واحد، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير. أما أحمد بن إبراهيم بن كثير هذا فقد أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، وهو هذا الذي يروي عن عبد الصمد بن عبد الوارث .
[ حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ]. هو عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ] هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثتني أم الحسن -يعني جدة أبي بكر العدوي - ]. أم الحسن جدة أبي بكر العدوي لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود وحده.
[ عن معاذة ]. هي معاذة بنت عبد الله العدوية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ قالت: سألت عائشة ]. هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما الحديث ففي إسناده تلك المرأة التي لا يعرف حالها وهي مجهولة، والحديث صححه الألباني ولعل ذلك لشواهده، أو لكونه يوافق الأحاديث الأخرى الدالة على معناه. أما بالنسبة لغسل النجاسة فالواجب هو إزالة العين، أما الأثر فينبغي للإنسان أن يبالغ في الغسل حتى يذهب الأثر مع العين، فإن بقي الأثر وضع مكانه شيئاً من صفرة يغاير اللون الأصلي، ولا يضر ذلك الأثر. أما بالنسبة لعدد الغسلات من النجاسة فليس هناك تحديد بعدد معين، بل الغرض إزالة النجاسة.
شرح حديث: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي ، أخبرنا إبراهيم بن نافع ، قال: سمعت الحسن -يعني ابن مسلم - يذكر عن مجاهد أنه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها الذي تقول فيه: ( ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها ) وليس المقصود أن النجاسة تزال بالريق، وإنما المقصود أن ذلك يكون فيه تخفيف لها، ثم بعد ذلك تغسل بالماء؛ لأن إزالة النجاسة إنما تكون بالماء لا بغيره من المائعات من ريق أو غير ريق، وقد فسر ذكر البل بالريق والقصع بالريق بتفسيرين:
الأول: أن المقصود من ذلك أن فيه تخفيفاً، وبعد ذلك يكون الغسل بالماء كما جاءت النصوص بذلك.
الثاني: أن المقصود من ذلك أنه إذا كان شيئاً يسيراً من الدم فهو معفو عنه لو لم يغسل، فبلها إياه بالريق فيه إزالة تلك النقطة اليسيرة من الدم التي قد يكون في نفسها منها شيء إذا رأتها، فإذا بلتها بريقها وذهب ذلك الأثر أو ذلك المنظر الذي تراه، فإن ذلك يكون من أجل عدم تعلق النفس بشيء من أثر الدم وهو اليسير التافه المعفو عنه. إذاً: القصع بالريق أو البل بالريق لا يكون التطهير به من النجاسة؛ لأن تطهير النجاسة لا يكون إلا بالماء، فإنه هو الذي يطهر به، وقد جاءت النصوص بأن الحائض تغسل ثوبها بالماء وترشه بالماء وتنضحه بالماء، وجاء في بعض الروايات ذكر الريق، ولكنه محمول على إحدى هاتين الحالتين: إما أن المقصود من ذلك أنها تفعل ذلك ثم تتبعه بالماء فتغسله به، وإما أن المقصود من ذلك أنه شيء يسير معفو عنه لو لم يغسل، وبله بريقها هو لئلا ترى أثره الذي قد تتعلق نفسها به ويشوش عليها.
تراجم رجال إسناد حديث: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد...)

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا إبراهيم بن نافع ]. إبراهيم بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت الحسن -يعني ابن مسلم - ]. هو الحسن بن مسلم بن يناق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: قالت عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وقد مر ذكرها.
شرح حديث أم سلمة: (... قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي -، حدثنا بكار بن يحيى ، قال: حدثتني جدتي قالت: (دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فسألتها امرأة من قريش عن الصلاة في ثوب الحائض، فقالت أم سلمة : قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلبث إحدانا أيام حيضها ثم تطهر، فتنظر الثوب الذي كانت تقلب فيه، فإن أصابه دم غسلناه وصلينا فيه، وإن لم يكن أصابه شيء تركناه، ولم يمنعنا ذلك من أن نصلي فيه، وأما الممتشطة فكانت إحدانا تكون ممتشطة فإذا اغتسلت لم تنقض ذلك، ولكنها تحفن على رأسها ثلاث حفنات، فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر جسدها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألتها امرأة من قريش عن الصلاة في ثوب الحائض، فقالت:
كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلبث إحدانا أيام حيضها ثم تطهر، فتنظر في ثوبها، فإن أصابه شيء من النجاسة غسلته وإلا تركته وصلت فيه.. وهذا فيه التفصيل الذي سبق أن أشرت إليه، وهو أنه إن كان هناك دم غسل، وإن لم يكن هناك دم فإنه باق على الطهارة وتصلي المرأة فيه. وقولها: [ (وأما الممتشطة فكانت إحدانا تكون ممتشطة فإذا اغتسلت لم تنقض ذلك) ]. في هذا الحديث أن الممتشطة منهن كانت عند اغتسالها لا تنقض رأسها، ولكنها تصب عليه الماء حتى يصل إلى أصوله. وقوله: [ (ولكنها تحفن على رأسها ثلاث حفنات، فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته، ثم أفاضت على سائر جسدها)] يعني أن الحائض لا تنقض رأسها، ولكن يستحب لها أن تنقض رأسها، وذلك أن مدة الحيض تطول،
فهي بحاجة إلى تنظيف شعور رأسها، وإن لم تنقضه ولكنها صبت عليه الماء حتى وصل إلى أصوله وحركته فإن ذلك يكفي ويجزئ، لكن المغتسلة من الحيض يستحب لها أن تنقض شعرها، وهي أولى بالنقض من المغتسلة من الجنابة؛ لأن مدة الحيض تطول، وأما الجنابة فإنه لا يمضي عليها مدة طويلة. إذاً: يستحب للمغتسلة للحيض وللجنابة نقض الشعر، ولكنه آكد في حق الحائض؛ لأنها يمضي عليها وقت طويل، فنقضها إياه آكد وأولى من نقض المغتسلة من الجنابة، وإن لم تنقضه فإن ذلك كاف ومجز، بشرط أن يصل الماء إلى أصوله.
تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (... قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله...)

قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - ]. هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بكار بن يحيى ]. بكار بن يحيى مجهول، أخرج له أبو داود وحده.
[ قال: حدثتني جدتي ]. جدته لا أعرف شيئاً عنها .
قالت: [ دخلت على أم سلمة ]. هي أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها هند بنت أبي أمية ، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
حكم الحديث ومعناه مجملاً

أما الحديث فقد ضعفه الألباني ، ولعل ذلك من أجل بكار بن يحيى ، والحديث -كما هو معلوم- معناه مطابق للأحاديث الأخرى التي فيها أن النجاسة تغسل، وأنه إذا كانت النجاسة غير موجودة في ثوب الحائض فإنه لا يحتاج إلى غسل، كما جاء في الحديث الأول من هذه الأحاديث التي مرت بنا، أما إذا كان الدم موجوداً فإنها تغسله بالماء.
شرح حديث: (سمعت امرأة تسأل رسول الله: كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر، أتصلي فيه؟ قال: تنظر، فإن رأت فيه دماً فلتقرصه بشيء من ماء، ولتنضح ما لم تر ولتصل فيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند صلاة المرأة في الثوب إذا رأت الطهر، فقال: (تنظر فإن رأت فيه دماً فلتقرصه بالماء) يعني: تغسله بالماء. والقرص هو تحريك ودلك المكان الذي تعلم فيه النجاسة بأطراف الأصابع، فتدلكه حتى يخرج ما في داخله من الدم ويزول.
وقوله: [ (ولتنضح ما لم تر) ] يعني: تنضح المكان الذي شكت أن فيه نجاسة، يعني: تغسله بالماء. ومعنى ذلك أنه إذا كانت النجاسة معلومة ومحققة فإنها تقرصها بالماء، أما إذا كان المكان ليس فيه نجاسة ولكنها تشك في أن النجاسة فيه وليس لها عين ترى ولا شكل فإنها تنضحه بالماء، أما إن كانت قد تحققت من أن النجاسة موجودة في الثوب ولكنها لا تعرف مكانها فيجب عليها أن تغسل الثوب كله، أما إذا كانت بقعة النجاسة تعرفها وكانت شاكة أن فيها نجاسة فإنها تغسل ذلك المكان خاصة.
تراجم رجال إسناد حديث: ( سمعت امرأة تسأل رسول الله: كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر..)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
[ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني، ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن فاطمة بنت المنذر ]. هي فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام ، وهي زوجة هشام بن عروة ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن أسماء بنت أبي بكر ]. هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها، وهي جدة هشام وجدة فاطمة أم أبويهما، و أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها صحابية، وهي أخت أم المؤمنين عائشة ، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (... إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: (سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ قال: إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه، ثم لتنضحه بالماء، ثم لتصل) ]. قوله: [(تقرصه)] يعني: تدلكه وتحركه بأصابعها. أي: المكان المتنجس، ثم تصب عليه الماء بعد ذلك حتى يطهر.
تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن فاطمة بنت المنذر ]. فاطمة بنت المنذر بن الزبير هي زوجة هشام ، وهو يروي عنها، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن أسماء بنت أبي بكر ]. مر ذكرها، وهي جدة هشام وجدة فاطمة .
شرح حديث: (... حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد ، حدثنا حماد . ح: وحدثنا مسدد ، حدثنا عيسى بن يونس . ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد -يعني ابن سلمة - عن هشام بهذا المعنى، قال: (حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه) ]. هذا حديث أسماء من طريق أخرى، وفيه أنه أمرها بأن تحته إذا كان له جرم وإذا كان له جسم بارز، بحيث يحك أو يفرك فيتساقط؛ لأن هذا يخفف النجاسة، ثم بعد ذلك يُقَرص المكان المتنجس بالماء؛ لأنه لو غُسل والنجاسة فيه موجودة بكثافة ولها جرم فإن ذلك يزيد الطين بلة، حيث تنتشر النجاسة، لكن إذا حتت الثوب تساقط جَرم النجاسة إذا كان لها جرم، ثم بعد ذلك يغسل المكان.
وقوله: [حتيه] يعني أنه يحت إما بعود أو بظفر أو بأي شيء يسقط ذلك الجرم، ثم بعد أن يزول جرم النجاسة ويذهب عينها من المكان المتنجس يقرص أثرها بالماء. فيكون له ثلاث حالات: أولاً: إزالة ذلك الجرم بالحت، وكذلك الفرك. ثانياً: القرص، وهو تحريكه بأطراف الأصابع. ثالثاً: النضح، وهو غسله بالماء.
تراجم رجال إسناد حديث (... حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه)

قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا روى مسدد عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن زيد ، وإذا روى موسى بن إسماعيل عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن سلمة ، وإذا روى قتيبة عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن زيد . هكذا ذكر الحافظ المزي في آخر ترجمة حماد بن سلمة في تهذيب الكمال، وترجمة حماد بن زيد وترجمة حماد بن سلمة متجاورتين؛ لأن السين بعد الزاي.
[ ح: وحدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس ]. قوله: [ح] هي التحول من إسناد إلى إسناد. وعيسى بن يونس هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل ] هو التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد -يعني ابن سلمة- ] حماد بن سلمة ثقة ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن هشام بهذا المعنى ]. هو هشام بن عروة .

شرح حديث: (سألت النبي عن دم الحيض يكون في الثوب...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد القطان - عن سفيان ، حدثني ثابت الحداد ، حدثني عدي بن دينار ، قال: سمعت أم قيس بنت محصن رضي الله عنها تقول: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب قال: حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر) ]. أورد أبو داود حديث أم قيس بنت محصن ، وهي أخت عكاشة بن محصن الصحابي المشهور ذكره في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم، فقام عكاشة بن محصن فقال: (ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: أنت منهم.
ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: سبقك بها عكاشة)، فعكاشة هذا مشهور، ولهذا يقال في ترجمتها: أخت عكاشة ؛ لأن الشخص إذا كان مشهوراً ثم يكون من أقربائه من يذكر فإنه ينسب إليه، فيقال: أخو فلان، أو: هو ابن أخي فلان إذا كان مشهوراً، فهذه أم قيس يقال في ترجمتها: أخت عكاشة ، وهي صحابية مشهورة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ (حكيه بضلع)] قيل: إن المقصود بالضلع العود الذي يكون مائلاً على هيئة الضلع، والضلع -كما هو معلوم- العظم، والعظام لا يستنجى بها ولا تلوث بالنجاسة؛ لأنها -كما ورد في الحديث- طعام إخواننا من الجن.
إذاً: المقصود بالضلع هو العود يكون كهيئة الضلع، بحيث يحك به النجاسة إذا كان لها جرم، وإلا فبظفر أو أي شيء يزيل جرمها، ثم بعد ذلك يغسل ما بقي بماء وسدر. قوله: [(واغسليه بماء وسدر) ] يعني أن السدر يكون أكمل في النظافة، وإلا فإن الماء كاف دون أن يضاف إليه شيء، فإذا أضيف إليه سدر يكون أكمل في النظافة وأكمل في إزالة النجاسة.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #106  
قديم 03-02-2022, 07:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (سألت النبي عن دم الحيض يكون في الثوب...)

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد القطان - ]. يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني ثابت الحداد ]. هو ثابت بن هرمز الحداد ، وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ حدثنا عدي بن دينار ]. عدي بن دينار وثقه النسائي ، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ قال: سمعت أم قيس بنت محصن ]. أم قيس بنت محصن رضي الله عنها حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (قد كان يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قد كان يكون لإحدانا الدرع، فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة، ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة قالت: [ (قد كان لإحدانا الثوب فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة، فترى فيه القطرة من الدم فتقصعه بريقها) والقطرة هي: نقطة يسيرة، وقد سبق أن قلنا على أحد التفسيرين للغسل بالريق: إنه إذا كان شيئاً يسيراً فهو معفو عنه، فإزالة القطرة اليسيرة بالريق هي لئلا ا تتشوش بكونها تنظر إليها، وإلا فإنها معفو عنها.
تراجم رجال إسناد حديث: (قد كان لإحدانا الدرع فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة...)

قوله [ حدثنا النفيلي ]. النفيلي مر ذكره، وهو عبد الله بن محمد .
[ عن سفيان ] هو سفيان بن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي نجيح ]. ابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو نجيح هو يسار المكي .
[ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ]. عائشة مر ذكرها.
شرح حديث: (... يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عيسى بن طلحة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه. فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن خولة بنت يسار سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثوبها التي تحيض فيه يكون فيه الدم، قال: (إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه) قالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: (يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره) يعني: إذا غسلت ما يجب عليها بالغسل ولم يكن المكان الذي غسل بالصفاء والنقاء مثل بقية الثوب فإنه يكفيها الغسل ولا يضرها أثره.
تراجم رجال إسناد حديث: (... يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ] هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن لهيعة ]. ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري ، صدوق اختلط لما احترقت كتبه، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
[ عن يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عيسى بن طلحة ]. هو عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي ، أبوه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والله تعالى أعلم.
الأسئلة



الجمع بين القول بعصمة الأنبياء وبين ما وقع منهم من ذنوب

السؤال: نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه (فتح الباري) أن العلماء اتفقوا على أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر واختلفوا في عصمتهم من الصغائر، فهل الصواب أنهم معصومون من الكل؟

الجواب: هذه المسألة -كما هو معلوم- فيها خلاف بين أهل العلم، والمشهور هو ما ذكره الحافظ ابن حجر وذكره غيره، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد ذكرت الأماكن التي ورد فيها هذا الكلام في مجموع الفتاوى وغيره في الفوائد المنتقاة من فتح الباري ومن كتب أخرى، فهي من جملة الأشياء التي ذكرتها وأحلت إلى أماكنها، فعلى القول بأن عندهم صغائر وأنهم يتوبون منها يكون ذلك فيه زيادة في حسناتهم ورفعة في درجاتهم. أما ما حصل من بعض الأنبياء مما ذكره الله في القرآن، موسى عليه السلام لذلك الرجل فالقتل حصل حين الدفع، فيكون ذنباً، وقد سأل الله أن يتوب عليه فتاب عليه.

حكم الشرب حال القيام

السؤال: ما حكم شرب المرء قائماً؟ وهل نقول لمن شرب قائماً: إنك آثم؟
الجواب: لا نقول له: إنك آثم، بل نقول: إن الشرب حال الجلوس هو الأولى والأفضل، والشرب حال القيام جائز.

وجه كون شروط (لا إله إلا الله) شروط صحة

السؤال: هل شروط لا إله إلا الله شروط صحة أم شروط كمال؟
الجواب: شروط (لا إله إلا الله) شروط صحة؛ لأن الإنسان لا يحصل منه الإيمان إلا بها كلها، مثل: القبول المنافي للرد واليقين المنافي للشك، فإذا حصل الرد أو حصل الشك أو حصل التكذيب فهذا يدل على عدم حصول الإيمان.

حكم الصلاة في جماعة خلف إمام محدث يجهل حدثه

السؤال: قال الزركشي رحمه الله: لو اقتدى المأموم بإمام محدث وهو جاهل حدثه فإن صلاته تصح وإن فاتته فضيلة الجماعة. فهل قوله صحيح بانتفاء فضيلة الجماعة عن المأموم؟

الجواب: كيف تنتفي عنه فضيلة الجماعة؟! لو صلى إمام وهو محدث والناس يجهلون حدثه فالجماعة موجودة ولم تذهب فضيلتها، وهم قد أدوا ما عليهم وفعلوا ما يمكنهم، ففضيلة الجماعة لا وجه لذهابها؛ لأن الجماعة موجودة، وإنما النقص على من صلى محدثاً، فهو الذي يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة، وهم لا يعيدون الصلاة. وقد قال عليه الصلاة والسلام لما أخبر عن أمراء يأتون بعده: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم). ويقول عثمان رضي الله عنه كما في البخاري : (إن الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم).

أذكار الصلوات المفروضة وترتيبها

السؤال: الأذكار التي تقال بعد الصلوات هل ورد الترتيب فيها أم لا؟ وكيف يكون ذلك؟

الجواب: معلوم أن الذكر بعد السلام هو الاستغفار ثلاثاً، ثم بعد التكبير والتسبيح والتحميد ثلاثاً وثلاثين لكل واحدة، ثم بعد ذلك قراءة آية الكرسي، و(قل هو الله أحد)، والمعوذتين على ما جاء في الأحاديث،إلا أن قراءة (قل هو الله أحد) والمعوذتين تكون ثلاث مرات بعد صلاتي الفجر والمغرب.


حكم تطيب الرجل من طيب المرأة

السؤال: هل يجوز للرجل أن يتطيب من طيب زوجته إذا لم يجد طيباً، ولو كان طيب زعفران لخصوصه بالمرأة دون الرجل، علماً بأن الزعفران ورد فيه النهي عن الاستعمال من قبل الرجال؟

الجواب: لا يستعمل الشيء الذي ورد فيه المنع، ولكن يستعمل الشيء الذي هو من خصائص النساء، وهو الذي يظهر أثره ويخفى ريحه.

حكم الصلاة وغيرها من العبادات لمن حيضتها مضطربة

السؤال: امرأة حيضتها مضطربة غير منتظمة، فهي تأتيها مرة في أول الشهر ومرة في وسطه ومرة في آخره، ولا تميز الحيض، وفي شهر من الشهور جاءتها الصفرة والكدرة ولم تعلم هل كان ذلك في مدة الحيض أو قبله، فهل تمتنع عن الصلاة وتترك بعض الأفعال التعبدية من قراءة القرآن وغيره؟ ولو أنها أتتها في أول رمضان فماذا تصنع؟

الجواب: إذا كانت تعرف العادة بلونها ورائحتها فهذا هو الحيض، وكذلك إذا كانت عادتها مضطربة تتقدم أو تتأخر ولكنه معروف عندها رائحته ولونه، فذلك حيض، أما إذا كان هناك صفرة أو كدرة ولكن ليس فيها رائحة الحيض التي تعرفها النساء ولا لون الحيض الذي تعرفه النساء فهذا لا يمنعها من الصلاة؛ لأنها ما عندها عادة مستقرة بحيث يقال: جاءت الصفرة أو الكدرة في عادتها؛ لأن الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض وفي زمن الطهر طهر، مثل ما قالت أم عطية في الحديث الذي سبق أن مر بنا: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً).

حكم من أدركها رمضان الثاني ولم تستطع صوم ما عليها من شهر رمضان الأول

السؤال: زوجتي لم تصم بعض الأيام من رمضان السابق، ولم تقض تلك الأيام، وهي الآن حامل ولا تتحمل الصوم، وسيدخل عليها رمضان الثاني ولم تقض ما عليها، فماذا تصنع؟

الجواب: إذا كانت لا تتحمل الصوم ولا تستطيع الصيام فإنه يكون باقياً في ذمتها تلك الأيام التي مضت، فتصوم شهر رمضان الآتي، وبعد ذلك تقضي الأيام التي سبقت وتطعم عن كل يوم مسكيناً.
حكم من بلغ من المسلمين ولم يختتن
السؤال: يوجد رجل مسلم في الثلاثين من عمره ولم يختتن، والناس يتحرجون من تزويجه، فما توجيهكم؟

الجواب: المسلم يجب عليه أن يبادر إلى الاختتان من حين يبلغ؛ لأن البلوغ إذا وجد وجب الاختتان، وقبل البلوغ لا يجب، ولكنه مستحب ومندوب، ولكن لا يجوز للإنسان أن يبقى بدون اختتان وقد وصل إلى سن البلوغ؛ لأن هذا فيه النظافة وفيه الطهارة، ولأن البول يكون في خارج الذكر في تلك القلفة التي تحيط به، والواجب هو إزالة تلك القلفة حتى تحصل الطهارة للإنسان، فهذا الأخ الواجب عليه أن يبادر إلى الاختتان.

حكم لبس الحزام المخيط حال الإحرام

السؤال: هل يجوز لبس الحزام الذي فيه مخيط في الإحرام؟
الجواب: يجوز؛ لأن لبس الحزام ولو كان مخيطاً ولبس النعل ولو كان مخيطاً لا بأس به؛ لأن المخيط المحظور لبسه ما كان على هيئة اللباس، كالفنيلة وكالسراويل وكالقميص، أما الحزام المخيط -أو النعل المخيط- فلا يؤثر.

حكم تطهير الثوب النجس بالماء والصابون

السؤال: هل غسل الثوب بالماء والصابون يطهره إذا كان نجساً؟

الجواب: نعم يطهره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحائض أن تطهر بنجاسة ثوبها بماء وسدر والسدر فيه زيادة في التطهير، وإلا فإن الماء وحده يكون كافياً.

مقدار الدم المعفو عنه

السؤال: ما مقدار الدم المعفو عنه؟
الجواب: لا أعلم له تحديداً، إنما قالوا: شيء يسير.

كيفية المحافظة على الثنتي عشرة ركعة يوم الجمعة كسائر الأيام


السؤال: إذا قيل: إنه لا سنة قبل صلاة الجمعة راتبة فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الله عليه وسلم في يوم ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) ، أي: كيف يصلي أحدنا اثنتي عشرة ركعة في يوم الجمعة؟

الجواب: يوم الجمعة يصلي فيه ما أمكنه، كما جاء في الحديث (ما قدر له) يعني: يصلي ما كتب له، وليس للجمعة سنة معينة محددة قبلها، ولكن الإنسان إذا دخل المسجد يوم الجمعة فله أن يصلى ما قدر له أو ما كتب له، وإذا فعل ذلك حصل على الخير الكثير وحصل على زيادة إن شاء الله، أما الثنتي عشرة ركعة -كما هو معلوم- فهي أربع قبل الظهر، فإذا جاء قبل الجمعة فله أن يصلي ما شاء وما أمكنه، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا إذا دخلوا المسجد يصلون ما أمكنهم أن يصلوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة إذا أقيمت.

الحكم على حديث: (أقامها الله وأدامها)

السؤال: هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يقول إذا سمع (قد قامت الصلاة): أقامها الله وأدامها؟

الجواب: لم يثبت هذا، بل هو حديث ضعيف عند ابن ماجة ، ولكن يقول: (قد قامت الصلاة) عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) والإقامة أذان، فيقول مثل ما يقول المؤذن.

حكم التوسل والدعاء بفضل الزمان أو المكان

السؤال: هل يجوز التوسل والدعاء بفضل الزمان أو المكان، كأن يقول: اللهم! إني أسألك بفضل يوم عرفة. في يوم عرفة، أو يقول: اللهم! إني أسألك بفضل هذا المكان إن كان في أحد الحرمين؟

الجواب: لا يصح أن يتوسل الإنسان بفضل زمان ولا مكان، وإنما يتوسل بما ورد التوسل به، إما بأسماء الله وصفاته، أو بعمل الإنسان، كما جاء في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار وتوسلوا إلى الله عز وجل بصالح أعمالهم ونجاهم الله عز وجل، أما أن يتوسل بفضل زمان أو فضل مكان فلا، لكن يمكن أن يتوسل بربوبية الله عز وجل لبعض خلقه، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل عالم الغيب والشهادة) أما أن يتوسل بفضل زمان أو مكان فلا، وإنما يأتي بالعبادة المشروعة في ذلك الزمان أو في ذلك المكان، ويسأل الله أن يتقبل منه.

معنى قوله عائشة: (ثلاث حيض جميعاً)

السؤال: ما المراد من قول عائشة رضي الله عنها: (ثلاث حيض جميعاً) ؟
الجواب: تعني: ثلاث حيضات متوالية في ثلاثة أشهر، أي: إذا كانت تحيض كل شهر فلها أن تصلي في ذلك الثوب إذا لم تصبه نجاسة.


إعراب كلمة (لتصل)

السؤال: ما إعراب كلمة (لتصل)؟
الجواب: اللام لام الأمر، و(تصل) فعل مضارع معتل مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وأصل الفعل (تصلي) فجزم بحذف حرف العلة.

عدم اشتراط استعمال شيء آخر مع الماء في إزالة دم الحيض

السؤال: هل يشترط في إزالة دم الحيض استعمال شيء كالأشنان أو غيره، أم يكفي استعمال الماء؟

الجواب: لا يشترط، بل يكفي استعمال الماء، وإن استعمل معه شيئاً آخر جاز، مثل السدر مع الماء، كما في حديث أم قيس ، حتى وإن بقي الأثر، لكن يشترط ذهاب العين، وإذا استُعمِل مع الماء شيء آخر فلا بأس. والله تعالى أعلم."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #107  
قديم 22-02-2022, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [056]
الحلقة (87)

شرح سنن أبي داود [056]

من الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين: حكم صلاة الرجل في ثياب أهله من اللحف والشُعُر، وكذلك صلاته في ثوب وقع فيه مني، وكيفية إزالة القذر الحاصل من المني، وغير ذلك من الأحكام التي ينبغي للمسلم علمها ومعرفتها.

الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه


شرح حديث أم حبيبة في صلاة النبي في الثوب الذي يجامع فيه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه. حدثنا عيسى بن حماد المصري ، أخبرنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سويد بن قيس عن معاوية بن خديج ، عن معاوية بن أبي سفيان (أنه سأل أخته أم حبيبة رضي الله عنهم أجمعين زوج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى) ]. ذكر في السند معاوية بن خديج بالخاء والصواب أنه معاوية بن حديج بالحاء المهملة. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب: الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه]. أي صلاة الرجل في الثوب الذي يجامع أهله فيه هل يسوغ ذلك أو لا يسوغ؟ ومقتضى هذه الترجمة أنه إن كان هناك أذى في ذلك الثوب الذي يجامع المرء أهله فيه من نجاسة فإنه يجب غسل النجاسة، وإن كان فيه مني فإن كان يابساً فإنه يفرك، وإن كان رطباً فإنه يغسل حتى يذهب المنظر غير الحسن، وليس ذلك الغسل للنجاسة، وإنما لذهاب المنظر الذي يستساغ كالبصاق، فإن البصاق طاهر ولكن وجوده على الثوب غير حسن، فإنه يزال حتى لا يبقى له أثر. والحاصل أن الثوب الذي يجامع الرجل أهله فيه إن كان فيه نجاسة فإنه يجب إزالتها، وإن كان الذي فيه منياً فإن كان يابساً فإنه يفرك ويكفي ذلك، وإن كان رطباً فإنه يغسل حتى يزول ذلك الذي يرى، ورؤيته غير مستساغة، هذا هو الذي يدخل تحت الترجمة. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها أن أخاها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سألها:
(هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ قالت: نعم. إذا لم يكن به أذى). يعني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيه إذا لم يكن به أذى، والأذى يحتمل النجاسة ويحتمل أن يكون منياً، والمني يفرك إن كان يابساً ويغسل إن كان رطباً، وأما إذا كان عليه شيء غير ذلك مما يجب غسله فإنه لابد من الغسل. والحاصل أن كلمة الأذى هذه التي في الحديث إن كان المراد بها شيئاً غير المني مما يجب التطهر منه، فإنه يجب غسله، أما إن كان منياً فإنه إن كان يابساً فإنه يفرك، وإن كان رطباً فإنه يغسل، لا لنجاسته، ولكن لإزالة المنظر الذي لا يحسن النظر إليه، والذي هو نظير البصاق والمخاط الذي يكون على ثوب الرجل، فإن تركه على هذه الهيئة غير مستساغ، بل عليه أن يزيله وأن يغسل ذلك الذي على ثوبه من المني، فالحكم في ذلك أن الرجل إذا جامع أهله في ثوب فإن كان ذلك الثوب لا نجاسة فيه فإنه لا يجب غسله.
تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة في صلاة النبي في الثوب الذي يجامع فيه

قوله: [ حدثنا عيسى بن حماد المصري ].
هو عيسى بن حماد المصري التجيبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ أخبرنا الليث ].
هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن أبي حبيب ].
هو يزيد بن أبي حبيب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سويد بن قيس ].
هو سويد بن قيس المصري ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ عن معاوية بن حديج ].
معاوية بن حديج صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ عن معاوية بن أبي سفيان ].
هو معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أنه سأل أخته أم حبيبة ].
هي أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
مكانة وفضل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

هذا الإسناد فيه ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض: معاوية بن حديج، وهو صحابي صغير يروي عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، و معاوية يروي عن أخته أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها. ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه هو أحد الأئمة الاثني عشر الذين قال فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أمر الإسلام عزيزاً ما وليهم اثنا عشر خليفة) أو (لا يزال الإسلام عزيزاً ما ولي الناس اثنا عشر خليفة)، فهو أحد الخلفاء الذين يدخلون تحت هذا الحديث، وهؤلاء الخلفاء الاثنى عشر هم من قريش، وللعلماء كلام في الثناء عليه وبيان منزلته وأنه لا يجوز التعرض له بسوء، وقد قيل لعبد الله بن المبارك : ماذا تقول في معاوية بن أبي سفيان فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام في الصلاة: (سمع الله لمن حمده)، فقال معاوية وراءه: (ربنا ولك الحمد). فهذا شيء ما حصل إلا للصحابة، و(سمع) بمعنى (استجاب)، فهذا ثناء على معاوية رضي الله عنه وأرضاه لكونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو -أيضاً- ممن كتبوا الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عباس أن يدعو له معاوية ، فذهب إليه فوجده يأكل، ثم أرسله إليه مرة أخرى فجاء وأخبره بأنه يأكل، فقال عليه الصلاة والسلام: لا أشبع الله بطنه)، وهذا الدعاء هو في الحقيقة دعاء له وليس دعاء عليه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(اللهم! من دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل فأبدل ذلك له رحمة وزكاء). والإمام مسلم رحمه الله أورد هذا الحديث بعد الأحاديث التي هي من هذا القبيل، والتي تتعلق بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على أشخاص لا يريد الدعاء عليهم وإنما هو دعاء لهم، ومن تلك الأحاديث التي أوردها الحديث الذي فيه: (أن أم سليم أرسلت يتيمة عندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد رآها وهي صغيرة، ثم إنه رآها تلك المرة وقد كبرت، فلما رآها قال: أنت هي؟ لا كبرت سنك. فانطلقت تلك اليتيمة إلى أم سليم تبكي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا عليها وقال فيها هذه المقالة، فجاءت أم سليم مسرعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لك يا أم سليم ؟ قالت:
إنك دعوت على يتيمتي فقلت كذا. فقال عليه الصلاة والسلام: أما علمت يا أم سليم -أنني اشترطت على ربي وقلت: اللهم! من دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل فأبدل ذلك له رحمة وزكاء)، ولما ذكر مسلم رحمه الله هذا الحديث عقبه مباشرة بحديث: (لا أشبع الله بطنه). فيكون من هذا القبيل، وعلى هذا فإن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على معاوية بن أبي سفيان كان دعاءً له وليس دعاء عليه، وهذا من حسن تنظيم مسلم وترتيبه لصحيحه، وأنه يضع الحديث في مكانه المناسب، ولهذا فقد وضع هذا الحديث في هذا المكان المناسب الذي هو في الحقيقة يعتبر دعاء لمعاوية وليس دعاء عليه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
الصلاة في شعر النساء


شرح حديث: (كان رسول الله لا يصلي في شعرنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة في شعر النساء. حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي، حدثنا الأشعث ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شُعُرنا أو في لُحُفنا) قال عبيد الله : شك أبي ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي الصلاة في شُعُر النساء، والشُعُر: جمع شعار، وهي الثياب التي تلي الجسد، والدثار هو الثوب الذي وراءه. إذاً: الشعار يكون بين الجسد وبين الدثار، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما توفيت ابنته زينب أعطى من يغسلنها شعاره وقال: (أشعرنها إياه) فأعطاهن ثوبه الذي كان يلي جسده ليجعلنه مما يلي جسدها. وفي الحديث: (أن الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم في غزوة حنين لما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ولم يعطهم شيئاً من الغنائم وجدوا في أنفسهم، فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم فيهم وأثنى عليهم، وكان مما قاله عليه الصلاة والسلام:
لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار) قوله: (الأنصار شعار) يعني: أنهم في قربهم منه كقرب الشعار من جسد الإنسان. وقوله: (والناس دثار) يعني الثوب الذي وراء الشعار. والحاصل أن شُعُر النساء جمع شعار، ككتب وكتاب، فالمفرد شعار والجمع شُعُر، كالكتاب والكتب، فالكتاب مفرد والكتب جمع. والترجمة معقودة في عدم الصلاة في شعر النساء؛ لأن الأحاديث التي أوردها أنه لا يصلى فيها، حيث قالت عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو في لحفنا) والشك هو من معاذ والد عبيد الله في الإسناد، حيث قال:
(شعرنا، أو لحفنا) واللحاف هو الذي يكون فوق الشعار غالباً، أي: ما يلتحف به ويكون فوق الشعار، وقد يلتحف الإنسان بالشعار الذي يلي جسده. والجمع بين أحاديث النهي عن الصلاة في شعر النساء وأحاديث الجواز هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في شعر نسائه إذا كان فيها شيء من الأذى، بأن يكون فيها شيء من دم الحيض أو شيء من النجاسة، فعدم الصلاة فيها لما قد يكون فيها من أذى، أما إذا تحقق من أنها نظيفة وأنه ليس فيها شيء من النجاسات فإنه يصلى فيها؛ لأنه سيأتي في بعض الأحاديث في الترجمة التي بعدها ما يدل على جواز ذلك، وعلى هذا فيجمع بين الأحاديث التي فيها الصلاة في اللحف والشعر بأنه لم يكن فيها شيء من النجاسة، والنهي والامتناع من الصلاة فيها إذا كان فيها شيء من النجاسة.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله لا يصلي في شعرنا)
قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ].
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
[ حدثنا أبي ]. أبوه هو معاذ بن معاذ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأشعث ].
هو الأشعث بن عبد الله . وقيل: هو الأشعث بن عبد الملك الحمراني ، لكني رأيت في تهذيب التهذيب في ترجمة أشعث بن عبد الله الحداني أنه روى عنه معاذ بن معاذ وروى هو عن محمد بن سيرين ، فإذا كان الحمراني أيضاً روى عنه معاذ بن معاذ فإنه يحتمل الاثنين. فيحتمل أن يكون المراد أشعث بن عبد الله الحداني الذي روى عنه معاذ بن معاذ ، وروى هو عن محمد بن سيرين ، ويحتمل أن يكون أشعث بن عبد الملك الحمراني، والحمراني ثقة، وأشعث بن عبد الله الحداني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن شقيق ].
هو عبد الله بن شقيق العقيلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عائشة ].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، وهي من حفظة السنة وأوعيتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (أن النبي كان لا يصلي في ملاحفنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد ، عن هشام ، عن ابن سيرين عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا) والملاحف هي اللحف التي يلتحف بها في النوم على الفراش، فكان لا يصلي إذا كان فيها شيء، أما إذا لم يكن فيها شيء فإنه يصلي فيها كما سيأتي.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان لا يصلي في ملاحفنا)
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].
هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن زيد ؛ لأن حماد بن زيد هو الذي روى عن سعيد بن أبي صدقة ، وحماد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام ]
هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن سيرين ] ابن سيرين مر ذكره.
[ عن عائشة ].
قد مر ذكرها. إذاً: فهشام بن حسان روى عن محمد بن سيرين ، وحماد بن زيد و حماد بن سلمة كلاهما يرويان عن هشام بن حسان، ويروي عنهما سليمان بن حرب ، ولكن سعيد بن أبي صدقة الذي سيأتي في كلام أبي داود بعد ذلك لم يرو عنه إلا حماد بن زيد . إذاً: هذا الرجل المبهم هو حماد بن زيد، و حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

رواية سعيد بن أبي صدقة لحديث: (أن النبي كان لا يصلي في ملاحفنا)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال حماد : وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمداً عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا، فسلوا عنه. ]. ثم قال حماد : وسمعت سعيد بن أبي صدقة يقول: سألت محمداً عنه يعني محمد بن سيرين ؛ لأن حماد بن زيد رواه في الطريق الأولى عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ، وأن محمد بن سيرين رواه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقول سعيد بن أبي صدقة : سألت محمداً عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا، فسلوا عنه. أي: سلوا عن هذا الحديث غيري. ومعناه أنه من طريق سعيد بن أبي صدقة لا يذكر شيئاً، ولكنه من طريق هشام بن حسان -وهو من أخص أصحاب محمد بن سيرين- رواه عنه مسنداً. وقوله:
[ وسمعت سعيد بن أبي صدقة ].
هو سعيد بن أبي صدقة، ثقة، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة في التفسير.
الرخصة في الصلاة في شعر النساء


شرح حديث: (أن النبي صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرخصة في ذلك. حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق الشيباني ، سمعه من عبد الله بن شداد يحدثه عن ميمونة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط، وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض، وهو يصلي وهو عليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله [باب: في الرخصة في ذلك]. يعني: في جواز الصلاة في شُعُر النساء؛ لأن ذلك يرجع إلى الترجمة السابقة، وهي الصلاة في شعر النساء، وأورد حديثين في الترجمة السابقة في أنه كان لا يصلي فيها، ثم أورد أحاديث في هذه الترجمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الشيء الذي يمس جسد المرأة وهي حائض، فأورد فيه حديث ميمونة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط) والمرط هو ثوب يكون للرجل ويكون للمرأة.
وقولها: (وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض، وهو يصلي وهو عليه ) معناه أنه إذا سجد يكون على جسدها وهي حائض شيء من ذلك الثوب الذي يصلي فيه، فهذا يدل على أن الشيء إذا علم أنه لا نجاسة فيه فإنه يصلى فيه حتى ولو وقع ذلك الثوب على جسد المرأة الحائض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يقع جزء من المرط الذي يصلي فيه على جسد امرأته وهي حائض، فدل على أن ملامسة الثياب لجسد المرأة وهي حائض لا يؤثر؛ لأنها طاهرة، والحيضة في فرجها وليست في يدها وليست في جسدها، فغير مكان النجاسة طاهر، إلا إذا وقع عليه نجاسة، وإلا فالأصل طهارته، ولهذا سبق أن مر في أحاديث المضاجعة والمخالطة والمباشرة للحائض أن ذلك لا يضر، فكونه يتصل جسده بجسدها لا مانع منه،
وإنما الممنوع هو الجماع للحائض في فرجها، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). فكونه صلى الله عليه وسلم يصلي في ذلك الثوب ومنه جزء على جسد المرأة وهي بجواره فهذا يدل على أن الممنوع ما إذا كان هناك نجاسة في الثوب الذي يكون على جسد المرأة، سواء أكان شعاراً أم لحافاً، وأنه إذا لم يكن فيه نجاسة فإنه يكون طاهراً ويصلى فيه.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض ...)
قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ].
محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إسحاق الشيباني ].
أبو إسحاق الشيباني هو سليمان بن أبي سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعه من عبد الله بن شداد ].
هو عبد الله بن شداد الليثي، وهو ثقة، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من كبار ثقات التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ميمونة ].
هي ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #108  
قديم 22-02-2022, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع بن الجراح ، حدثنا طلحة بن يحيى ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط لي وعليه بعضه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة ، وهو مثل حديث ميمونة المتقدم، ومعنى ذلك أنه كان على الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من المرط الذي على جسد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض ...)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا وكيع بن الجراح ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا طلحة بن يحيى ].
هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، و عروة بن الزبير بن العوام ، و خارجة بن زيد بن ثابت ، و سليمان بن يسار ، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، و سعيد بن المسيب هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع اختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقيل: إن السابع هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. وقيل: إن السابع هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وقيل: السابع هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .
[ عن عائشة ].
عائشة مر ذكرها.

حكم المني يصيب الثوب


شرح حديث عائشة: (... لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: المني يصيب الثوب. حدثنا حفص بن عمر عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن همام بن الحارث (أنه كان عند عائشة رضي الله عنها فاحتلم، فأبصرته جارية لعائشة وهو يغسل أثر الجنابة من ثوبه -أو يغسل ثوبه-، فأخبرت عائشة رضي الله عنها فقالت: لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال أبو داود : ورواه الأعمش كما رواه الحكم ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب: المني يصيب الثوب]، يعني: ما حكم ذلك؟ هل يحتاج إلى تطهير أو لا يحتاج إلى تطهير؟ والواقع أن المني طاهر وليس بنجس، والدليل على طهارته أن عائشة رضي الله عنها كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلي فيه، ولو كان غير طاهر لما كفى الفرك؛ لأن الفرك يمكن أن يزيل ما له جسم وجرم، ولو كان غير طاهر مثل دم الحيض يكون على ثوب الحائض فإنها تفركه وتحكه ثم بعد ذلك لابد من غسله؛ لأن الحك والفرك من أجل التخفيف بالنسبة لدم الحائض الذي يكون على الثوب، وأما المني فإنه يفرك فقط ولا يغسل، ففركه وعدم غسله دليل على طهارته؛ لأن النجاسة لا يطهرها الفرك، وإنما الفرك يخفف إذا كان هناك جرم أو شيء شاخص بارز، فإنه يتساقط بالفرك وبالحك، ولكن لابد من الغسل، فلما كانت تكتفي بالفرك دل ذلك على طهارته وأن الغسل ليس بواجب.
وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها أن همام بن الحارث النخعي الكوفي كان عند عائشة، وأنه احتلم، ورأته جارية لعائشة يغسل ثوبه أو يغسل منياً من ثوبه، فأخبرت عائشة بذلك، فحدثت عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث، وهو أنها كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أن غسله ليس بلازم، ولكنه يغسل إذا كان رطباً حتى يزول الأثر الذي لا يستحسن النظر إليه، أما إن كان يابساً فإنه يفرك ويكفي ذلك، وإذا كان له أثر أو تبين أنه شيء يستقذر فإنه يغسل، لا لنجاسته، ولكن لذهاب الشيء الذي يستقذر، مثل البصاق الذي يكون على الثوب، فالمنظر إليه غير مستساغ، ولكنه ليس بنجس، فهو يزال من أجل إذهاب الشيء الذي يستقذر حال إليه.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله)
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ].
هو حفص بن عمر بن الحارث بن سخبرة النمري الحوضي ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي .
[ عن شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحكم ].
هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم ].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن همام بن الحارث ].
هو همام بن الحارث النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أنه كان عند عائشة ].
عائشة مر ذكرها. قوله:
[ قال أبو داود : رواه الأعمش كما رواه الحكم ].
يعني: رواه عن إبراهيم الأعمش كما رواه عن إبراهيم الحكم .
شرح حديث: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه). قال أبو داود: وافقه مغيرة و أبو معشر وواصل . ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه) أي: كانت تكتفي بالفرك ولا تغسل، وهو دليل على طهارة المني كما عرفنا.
تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله)
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن حماد بن أبي سليمان ].
حماد بن أبي سليمان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن إبراهيم ].
إبراهيم مر ذكره.
[ عن الأسود ].
الأسود هو ابن يزيد بن قيس النخعي، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة مر ذكرها.
قوله: [ قال أبو داود : وافقه مغيرة ].
هو المغيرة بن مقسم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ و أبو معشر ].
وأبو معشر هو زياد بن كليب الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[ و واصل ].
هو واصل بن حيان الأحدب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث عائشة في غسل المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم مع بقاء أثره

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا زهير. ح: وحدثنا محمد بن عبيد بن حساب البصري، حدثنا سليم -يعني ابن أخضر المعنى، والإخبار في حديث سليم - قالا: حدثنا عمرو بن ميمون بن مهران قال: سمعت سليمان بن يسار يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (إنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ثم أرى فيه بقعة أو بقعاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: (وأنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وترى فيه بقعة أو بقعاً)، وهذا الغسل ليس للنجاسة، وإنما لإزالة الأثر الذي لا يناسب أن يرى في الثوب، وهو من آثار الجماع، وغسله -كما عرفنا- لا لأن المني نجس، ولكن لإزالة ذلك الأثر الطاهر كالبصاق والمخاط، لكون النظر إليه لا يستساغ، فغسله وإزالته أمر مطلوب، وقد جاء أنه يفرك يابساً ويغسل رطباً، فإذا كان رطباً فإنه يغسل حتى يذهب أثره، وإذا كان يابساً فإنه يفرك حتى يذهب أثره. وقولها: (فأرى فيه بقعة أو بقعاً) أي: من أثر الغسل.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في غسل المني من ثوب النبي مع بقاء أثره
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير ]
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وحدثنا محمد بن عبيد بن حساب البصري ].
محمد بن عبيد بن حساب البصري ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي .
[ حدثنا سليم -يعني ابن أخضر- ].
سليم بن أخضر ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
قوله: [ المعنى ].
يعني أن الحديثين معناهما واحد. وهذه طريقة الإمام أبي داود رحمه الله عندما يذكر الحديث من طريقين أحياناً فيقول: المعنى. وفي بعض الأحيان يقول: المعنى واحد. وهنا زاد على كلمة المعنى قوله:
[والإخبار في حديث سليم]
يعني أن حديث سليم هو الذي فيه التصريح بالإخبار أو السماع، وليس فيه عنعنة، فهنا السياق على ما يظهر على رواية سليم فيه تحديث وسماع وليس فيه عنعنة، وليس فيه ألفاظ أخرى غير ما يفيد الاتصال وما يفيد السماع وما يفيد الإخبار. فقوله: [والإخبار في حديث سليم] يعني: هذه الروايات كلها فيها الإخبار، والمقصود بالإخبار ما كان سماعاً أو تحديثاً، فكل واحد يقول: سمعت، أو: حدثني، أو أخبرني.
[ قالا: حدثنا عمرو بن ميمون بن مهران ].
عمرو بن ميمون بن مهران ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت سليمان بن يسار ].
سليمان بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
[ يقول: سمعت عائشة ].
عائشة مر ذكرها. والله تعالى أعلم.
الأسئلة


حكم الإتيان بأذكار الصلاة بعد صلاة الجنازة أو بعد السنة
السؤال: هل يمكن أداء الأذكار التي تكون عقب الصلاة بعد صلاة الجنازة أو بعد ركعتي السنة، أم يشترط أن تكون عقب الصلاة مباشرة؟

الجواب: تكون عقب الصلاة مباشرة، وقبل أن يأتي الإنسان بالسنة، وأما الجنازة فإنها إذا أمكن أن يأتي بها قبلها فذاك، وإلا فإنه يصلي الجنازة ثم يكمل الأذكار؛ لأن الجنازة تفوت ويذهب وقت الصلاة عليها، ولأنه يصلى عليها ثم يذهب بها، وأما صلاة السنة فهي بيد الإنسان، فعندما يفرغ من الذكر يأتي بالسنة.
حكم المرأة تقضي الصيام ثم تفطر بسبب المرض
السؤال: امرأة أفطرت من رمضان بسبب الحيض، وعند القضاء كانت صائمة يوماً فأفطرت في النهار بسبب ألم ضرسها وتناولت، الدواء فماذا عليها؟

الجواب: إذا كانت أفطرت في ذلك اليوم الذي صامته فإن عليها أن تقضي ذلك اليوم.
سبب تسمية حمزة بسيد الشهداء ووجه ذلك
السؤال: لماذا سمي حمزة رضي الله عنه بسيد الشهداء؟

الجواب: معلوم أن حمزة أحد الشهداء، ولا شك في أنه سيد، والتسمية هذه لا أدري من أين جاءت، لكنه لا شك في أنه سيد، وأما كونه سيد الشهداء أو أنه أفضلهم أو كذا فلا أعلم له وجهاً، بل هناك من هو أفضل منه وهم شهداء كعمر و عثمان و علي، وكلهم شهداء. وأما حديث (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) فهو إن ثبت فالأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يعني ذلك تفضيله على الأربعة الخلفاء.

حكم العمرة عن الوالد المتوفى وغيره
السؤال: هل تجوز تأدية العمرة عن والدي المتوفى؟

الجواب: يمكن للإنسان أن يعتمر عن والده أو غير والده إذا كان المعتمر قد اعتمر عن نفسه.
حكم الاتكاء على الدواليب التي فيها المصاحف في المسجد
السؤال: ما حكم الاتكاء على الدواليب الموجودة في المسجد التي وضعت فيها المصاحف؟

الجواب: إذا اتكأ المرء على ظهور الدواليب فلا بأس بذلك، أما إذا اتكأ عليها من أمامها وكانت المصاحف وراءه مباشرة فالأولى أن لا يفعل ذلك.
حكم دفع الزكاة للإخوة الذكور والإناث
السؤال: ما حكم إعطاء زكاة المال لإخواني الذكور والإناث ممن هم أكبر مني أو أصغر الذين لا أعولهم بل هم يعولون أنفسهم؟

الجواب: إذا كان عندهم ما يكفيهم وهم أغنياء فلا يجوز أن يعطوا من الزكاة، وإن كانوا فقراء وهم بحاجة إلى الزكاة فيعطوا من الزكاة، لكن ينبغي أن يعلم أن القريب له حق غير الزكاة، فلا يجعل الإنسان الزكاة وقاية لماله، بمعنى أنه يتخلص من الحقوق التي عليه للأقارب بإعطائهم الزكاة ويقول: إن الزكاة ستخرج، وإذا لم أعطهم من الزكاة فسأعطيهم من مالي، وبدلاً من أن أعطيهم من مالي أعطيهم من الزكاة. أقول: ليس للإنسان أن يفعل ذلك، أما إذا كان المال قليلاً والزكاة قليلة فإعطاؤها للقريب إذا كان فقيراً محتاجاً أولى من إعطائها للبعيد.
حكم من أدرك الإمام بعد التكبيرة الثانية في صلاة الجنازة
السؤال: رجل أدرك التكبيرة الثانية مع الإمام في صلاة الجنازة، فهل يقرأ الفاتحة أم الصلاة الإبراهيمية؟ وكيف يكون الإتمام؟

الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وهذا يشمل الجنازة، لكن إذا دخل بعد التكبيرة الثانية التي هي محل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وأمكنه أن يقرأ الفاتحة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا هو الذي ينبغي؛ لأن قراءة الفاتحة وقراءة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء المقصود منهما أنهما من أسباب قبول الدعاء؛ لكونه يسبق بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا تمكن من أن يأتي بالحمد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم فليفعل، وإذا لم يمكن إلا الدعاء فإنه يصار إلى الدعاء؛ لأن الدعاء هو الأصل، وصلاة الجنازة ما شرعت إلا من أجل الدعاء. أما إذا كان سيقرأ الحمد والصلاة على الرسول ويفوته الدعاء فليقرأ الدعاء ولو فات الحمد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المقصود من الصلاة هو الدعاء للميت.
المقصود بالثوب الذي يجامع فيه المرء زوجته
السؤال: ما المقصود بالثوب الوارد ذكره في الحديث الذي كان يجامع فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: يمكن أن يكون المراد به الثوب الذي يكون على جسده، ويمكن أن يراد به الثوب الذي يلتحفان به، كل ذلك يقال له: ثوب؛ لأن الثوب ليس المقصود به القميص، بل القطعة من القماش يقال لها: ثوب.
حكم إطلاق لفظ (لوطي) على من يفعل فعل قوم لوط
السؤال: أنكر علينا بعض الإخوان إطلاقنا على من يفعل فعل قوم لوط بأنه لوطي، وقالوا: إن ذلك إساءة إلى نبي الله لوط عليه الصلاة والسلام. فهل هذا الإنكار في مكانه؟

الجواب: لا أدري، لكن من المعروف أن ذلك الفعل يقال له: اللواط، والشخص يقال له: لوطي، نسبة إلى اللواط، وليس نسبة إلى لوط، وليس هو مضافاً إلى لوط، وإنما مضاف إلى قوم لوط وإلى فعل قوم لوط، لا أدري هل ينكر أو لا ينكر.
حكم إلقاء نصيحة وكلمة في مناسبة العرس
السؤال: هل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مناسبة العرس إلقاء كلمة نصح عامة لأصحابه؟

الجواب: ما أعلم في ذلك شيئاً، لكن كون المرء يتكلم بنصيحة في مناسبة اجتماع الناس، وكونه يذكرهم بالخير لا بأس به، وما هناك مانع يمنع منه، لكن لا يقال: إن هذا سنة. ولكنه من الأمور السائغة التي فيها تذكير للناس عند الحاجة إلى ذلك.
حكم تحريك السبابة في التشهد في الصلاة
السؤال: هل ثبت تحريك السبابة في التشهد في الصلاة؟

الجواب: تحريك السبابة ثابت في التشهد عند قول: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وعند ذكر الله عز وجل، مثل: (اللهم! صل على محمد)، (اللهم! بارك على محمد)، (اللهم! إني أعوذ بك من عذاب جهنم)، فيحركها ويدعو بها عند التشهد وعند الدعاء.
حكم الدخول في البرلمانات
السؤال: ما حكم الدخول في البرلمان، بل زعم بعضهم أنه يجب على المسلمين الدخول في برلمان إحدى الدول الكافرة؟

الجواب: الدخول في هذه البرلمانات إذا كان يترتب عليه مضرة لا يجوز أبداً، ولا يجوز للمسلم أن يقدم على شيء فيه مضرة عليه في دينه أو مضرة على المسلمين، أما إذا كان الدخول فيها لا يلحق الإنسان فيه مضرة، وإنما يحصل فيه جلب خير للمسلمين أو دفع ضرر عن المسلمين فالعبرة بالمصالح والفوائد التي تترتب على ذلك، بشرط أن لا يلحق الإنسان ضرر في ذلك العمل.
حكم تكرار العمرة من مكة
السؤال: أنا زائر من غير أهل المملكة، وأريد أن أعتمر عدة مرات وأنا في مكة، فهل يجوز ذلك لي؟

الجواب: ما أعلم شيئاً يدل على ذلك، فكونه يتردد بين التنعيم وبين الكعبة ما نعلم شيئاً يدل على هذا الفعل الذي هو التردد، لكن لو أنه جاء من المدينة أو خرج خارج المواقيت ورجع إلى مكة مرة أخرى فله أن يعتمر.
حد النفاس الأدنى والأعلى وحكمه
السؤال: هل هناك حد أدنى وحد أعلى للنفاس؟

الجواب: النفاس له حد أعلى وهو أربعون يوماً، وليس له حد أدنى، فإذا طهرت المرأة في أي وقت وانقطع عنها الدم فإنها تعتبر طاهرة، وعليها أن تصلي وتصوم وتفعل الأفعال التي تفعلها الطاهرات، وأعلاه أربعون، بحيث إذا بلغ النفاس أربعين يوماً أو امتد إلى الأربعين فهو نفاس، وإذا تجاوزها فإنه دم فساد.
حكم صلاة المذاء في ثوب النوم
السؤال: هل للمذاء أن يصلي في ثوب النوم؟

الجواب: إذا كان ثوب النوم فيه مذي فليس له أن يصلي فيه؛ لأن المذي نجس، ولا يصلى في ثوب نجس، فإذا كان ثوبه وقع عليه مذي وهو يعلم أنه لا يسلم من المذي لكونه مذاء كثير المذي فإنه لا يجوز له أن يصلي فيه.
حكم الوضوء للمستحاضة قبل دخول وقت الصلاة بشيء يسير
السؤال: هل للمستحاضة أن تتوضأ قبل دخول الوقت بشيء يسير، خاصة إذا كان يشق عليها أحياناً الوضوء بعد دخول الوقت؟

الجواب: ليس لها أن تتوضأ إلا إذا دخل الوقت، وكيف يشق عليها بعد دخول الوقت ولا يشق عليها قبله؟
حكم السباحة للمرأة في بيتها

السؤال: ما حكم ممارسة المرأة للسباحة إذا كان المسبح في بيتها مستوراً؟

الجواب: لا بأس إذا كانت المرأة في مسبح لا يراها فيه أحد، ولا ما نع من ذلك.
حكم أخذ المني من الزوج بالحقن ووضعه في رحم زوجته
السؤال: في بعض المستشفيات الآن يستخدمون الحقن في التوليد، وذلك بأن يؤخذ المني من الرجل عن طريق الحقنة ونحقن به زوجته، وذلك لأن بعض النساء لا يلدن، أو عندهن صعوبة في الولادة، فهل هذا العمل جائز؟

الجواب: إذا كان محققاً أن هذا من الرجل وهذا من المرأة، وأنه ليس شيئاً من رجل آخر أو من امرأة أخرى فجائز، لكن الشبهة قائمة؛ لأنه يمكن أن يؤتى بالمني من رجل آخر ويجمع مثلاً في هذه الأنبوبة، وفي النفس منه شيء، فالأولى الابتعاد عنه وتركه والاعتماد على الله عز وجل وسؤاله أن يحقق للإنسان ما يريد بغير هذه الطريقة؛ لأن المسألة فيها ريبة، ومن يضمن أن هذا الماء من الرجل الذي هو الزوج وأنه لم يكن من رجل آخر، لاسيما مع قلة الأمانات عند كثير من الناس؟! والله تعالى أعلم."

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #109  
قديم 22-02-2022, 10:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [057]
الحلقة (88)

شرح سنن أبي داود [057]

جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرش من بول الصبي الذي لم يأكل الطعام، ويغسل من بول الجارية، وإذا وقع البول على الأرض فإنه يطهر بالمكاثرة وصب الماء عليه حتى تذهب النجاسة.

حكم بول الصبي إذا أصاب الثوب


شرح حديث: (... فأجلسه رسول الله في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: بول الصبي يصيب الثوب. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب في بول الصبي يصيب الثوب ] يعني: ماذا يصنع فيه؟ وكيف يتم تطهيره من هذا البول الذي وقع عليه؟ وحكم بول الصبي حين يقع على الإنسان أنه يطهر بالرش وبالنضح، ولا يحتاج إلى أن يغسل كما تغسل النجاسات؛ فإنه جاء التخفيف في إزالة هذه النجاسة، وقد جاء في عدة أحاديث، منها حديث أم قيس بنت محصن الأسدية رضي الله تعالى عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) أي أنه رشه رشاً ولم يغسله غسلاً، وهذا فيه تخفيف على الناس في التطهر من بول الغلام، وأنه يكون بهذا الوصف الذي هو الرش والنضح، ولا يلزم فيه أن يغسل وأن يدلك ويعصر كما يفعل بالنجاسات الأخرى، وكما يكون في بول الجارية الصغيرة، فإنها تختلف عن الصبي في ذلك الحكم، كما سيأتي في الأحاديث: (أنه يرش من بول الغلام ويغسل بول الجارية).
وهذه المسألة من المسائل التي يفترق الذكور والإناث فيها، والأصل هو التساوي في الأحكام بين الذكور والإناث إلا فيما جاءت به الشريعة من التفريق بين الذكور والإناث، فإنه عند ذلك يصار إلى التفريق الذي جاء في بعض المسائل، ومن ذلك هذه المسألة، وهي تطهير بول الصبي والصبية، فإن الصبي يرش بوله والصبية يغسل بولها. ولقد ذكرت جملة من الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى من المسائل التي يفترق فيها الذكور والإناث، ولم أعز هذه المسألة إلى كتاب، وهي المسألة الوحيدة التي لم تعز، وذلك لأنها مسائل مجمعة فيما يتعلق في الفرق بين الذكور والإناث، وليست مأخوذة من كتاب معين، ولكنني جمعتها في أوقات مختلفة وفي مناسبات مختلفة، فجمعت بعضها إلى بعض وأودعتها في ذلك الكتاب غير معزوة إلى كتاب، بخلاف المسائل الأخرى، وهي مسائل عديدة يختلف فيها الرجال عن النساء، أو يختلف فيها الذكور عن الإناث.
رش بول الصبي ونضحه مالم يأكل طعاماً
قوله: [ عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) ]. هذا التقييد بقوله: (لم يأكل الطعام) يفيد أنه صغير، وأنه إذا أكل الطعام يختلف الحكم، ولهذا سيأتي في بعض الأحاديث: (ما لم يطعم) أي: ما لم يأكل الطعام. إذاً: مادام أنه يتغذى باللبن ولم يتغذ بالطعام فإنه يرش من بوله، وأما إذا أكل الطعام فإنه يغسل، وأما الجارية فإنه يغسل بولها أكلت الطعام أو لم تأكل، كذلك الصبي إذا أكل الطعام فإنه يتساوى حكمه مع الأنثى فيغسل بوله غسلاً ولا ينضح نضحاً. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يأتون بأولادهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكهم، وذلك بأن يمضغ تمرة ثم يخرجها إذا تفتت وذابت فيجعلها في حنك الصبي ويدلكه بها، فيصل إلى جوفه تلك الحلاوة، وتكون هذه الثمرة مما مسه جسد الرسول صلى الله عليه وسلم ومما اختلط بلعابه صلى الله عليه وسلم، وكانوا يتبركون بلعابه وبتحنيكه للصبيان،
ويتبركون بشعره، ويتبركون بفضل وضوئه، ويتبركون ببصاقه ومخاطه صلى الله عليه وسلم، لكن هذا خاص به عليه الصلاة والسلام، فلا يذهب إلى أحد ليحنك من أجل التبرك به، وإنما الرجل يحنك ولده والمرأة تحنك ولدها، ولكن لا يذهب إلى أحد من أجل تحصيل بركة ريقه؛ لأن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم لم يكونوا بعد ذلك يذهبون إلى أبي بكر أو عمر أو عثمان و علي ، وهم خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل صنيع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على أن هذا يخصه، ولا يكون لغيره من الناس، كما كانوا يتبركون بشعره إذا حلق، وكذلك ببصاقه وبمخاطه وبعرقه وبفضل وضوئه صلى الله عليه وسلم، فهذا من خصائصه. وأما قول الإمام النووي عليه رحمة الله: فيه استحباب التبرك بأهل الفضل فغير صحيح؛ لأن التبرك بشخص النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ثبت، وأما غيره فلا. ولهذا ذكر الشاطبي في كتابه (الاعتصام) بأن كون الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا ذلك مع أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذا العمل إنما هو خاص به صلى الله عليه وسلم، ولا يتعداه إلى غيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما مس جسده فهو مبارك، وقد جاء ما يدل عليه، ولم يأت شيء يدل على أن يعامل غيره بهذه المعاملة.
فوائد الحديث

في هذا الحديث كمال خلقه صلى الله عليه وسلم ولطفه بالصبيان وحمله لهم وإجلاسهم في حجره صلى الله عليه وسلم. وفيه -أيضاً- ما ترجم له المصنف من أنه يرش من بول الغلام، وأنه لا يحتاج إلى أن يغسل، ولكن هذا في حالة كونه لم يطعم الطعام ولم يتغذ بالطعام، فإذا تغذى بالطعام فإنه يغسل بوله كما يغسل بول غيره، وإنما خص الذكور دون الإناث لكثرة افتتان الرجال بهم، وكونهم يكونون معهم ويصطحبونهم ويحصل منهم ذلك البول على ثيابهم، فخفف التطهير لتلك النجاسة، وليس الرش لبول الغلام لأنه ليس بنجس، بل هو نجس، ولكنه خفف في إزالة تلك النجاسة لكثرة اصطحاب أو احتكاك أو اختلاط أو حمل الرجال للأطفال من الذكور، حيث يحصل منهم وقوع مثل هذه النجاسة، فجاءت الشريعة مخففة لتطهيرها بأن ترش رشاً ولا يحتاج فيها إلى أن تغسل.
تراجم رجال إسناد حديث: (... فأجلسه رسول الله في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ].
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه بأن يدون السنة وأن يدون الحديث، وهذا التدوين باعتبار التكليف من ولي الأمر، وإلا فإن التدوين بالجهود الفردية والشخصية وعمل الأفراد كان موجوداً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان بعض الصحابة يكتب الحديث، كما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه كان يكتب، وغيره كذلك كان يكتب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اكتبوا لأبي شاه) يعني الحديث الذي حدث به وسمعه وأراد أن يكتب له، فقد كانوا يكتبون. ولكن الزهري دون الحديث بتكليف من ولي الأمر عمر بن عبد العزيز رحمة الله، ولهذا يقول السيوطي في الألفية: أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمراً له عمر . يعني: بأمر عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.
[ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ].
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، و عروة بن الزبير بن العوام ، و خارجة بن زيد بن ثابت ، و سليمان بن يسار ، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، و سعيد بن المسيب ، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب . وقيل: السابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . وقيل: السابع أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . وهؤلاء الفقهاء السبعة أطلق عليهم هذا اللقب، ولهذا في بعض المسائل التي يتفقون عليها يأتي ذكرهم بهذا اللقب، فيقال: هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة. فبدل أن يقال: فلان وفلان وفلان يؤتى بهذه الكلمة لتغني عن عندهم؛ لأنها لقب لهم، ولهذا في بعض المسائل التي يحصل اتفاق عليها -مسألة زكاة عروض التجارة- يقولون: وهذه المسألة قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة. فالأئمة الأربعة هم: أبو حنيفة ، و مالك ، و الشافعي ، و أحمد ، والفقهاء السبعة هم هؤلاء الذين ذكرتهم، فعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا هو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
[ عن أم قيس بنت محصن الأسدية ].
هي أخت عكاشة بن محصن الأسدي الصحابي المشهور الذي هو من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قام عكاشة بن محصن فقال: (يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: أنت منهم. فقام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: سبقك بها عكاشة) فعكاشة هذا هو أخو أم قيس ، ولهذا فإن الشخص إذا كان مشهوراً ينسب إليه بعض أقاربه أو بعض من له به صلة حتى يعرف؛ لأنه قرن بمعروف وبمشهور. و أم قيس بنت محصن الأسدية صحابية أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كان الحسين بن علي في حجر رسول الله فبال عليه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد و الربيع بن نافع أبو توبة المعنى، قالا: حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن قابوس ، عن لبابة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: (كان الحسين بن علي رضي الله عنهما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبال عليه، فقلت: البس ثوباً وأعطني إزارك حتى أغسله. قال: إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر) ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث لبابة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره -وكان صغيراً- فبال في حجره على إزاره، فقالت: البس ثوباً وأعطني إزارك لأغسله. فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر) يعني: الجارية يغسل بولها دائماً وأبداً، وأما الصبي الذكر فإنه ما لم يطعم الطعام فإنه ينضح بوله نضحاً ويرش رشاً ولا يغسل، وهذا فيه تخفيف للتطهير ولإزالة النجاسة من بول الغلام، وهذا فيه التنصيص على التفريق بين الذكر والأنثى؛ لأن الذكر ما لم يطعم الطعام يرش من بوله، وأما الأنثى فإنها دائماً وأبداً أكلت الطعام أو لم تأكل يغسل بولها.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان الحسين بن علي في حجر رسول الله فبال عليه ...)
قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ].
هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[ و الربيع بن نافع أبو توبة ].
هو الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
قوله: [ المعنى ]. يعني: أن الألفاظ مختلفة في رواية مسدد و أبي توبة والمعنى واحد.
[ حدثنا أبو الأحوص ].
أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سماك ].
هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن قابوس ].
هو قابوس بن مخارق ، لا بأس به، أي: صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ عن لبابة بنت الحارث ].
هي لبابة بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، وهي أم الفضل بن العباس وأم عبد الله بن عباس وزوجة العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهي التي حجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ولما كان الناس بعرفة وتماروا واختلفوا فقال بعضهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم صائم في ذلك اليوم، ومنهم من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مفطر، قالت لبابة : أنا أبين لكم هل هو صائم أو مفطر، فأخذت قدحاً من لبن، وقالت: ناولوه إياه.
وكان على ناقته صلى الله عليه وسلم، فأخذه وشرب والناس يرون، فعرف الناس أنه مفطر وليس بصائم صلى الله عليه وسلم، وهذا من ذكائها وفطنتها، حيث أرادت أن يعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم صائم أو مفطر دون أن يُسأل هل هو صائم أو مفطر. ولهذا فإن يوم عرفة لا يصومه الحجاج اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما غير الحجاج فإن صيامهم له هو خير التطوع وأفضل صيام التطوع؛ لأنه يكفر السنة الماضية والسنة الآتية، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. و لبابة بنت الحارث الهلالية أم الفضل رضي الله عنها وأرضاها حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (... يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)
قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا مجاهد بن موسى و عباس بن عبد العظيم العنبري المعنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثني يحيى بن الوليد ، حدثني محل بن خليفة ، حدثني أبو السمح رضي الله عنه قال: (كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك. فأوليه قفاي فأستره به، فأتي بحسن أو حسين رضي الله عنهما فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام) قال عباس : حدثنا يحيى بن الوليد . قال أبو داود : وهو أبو الزعراء .
قال هارون بن تميم : عن الحسن قال: الأبوال كلها سواء ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، (أنه كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: (ولني قفاك) يعني: اصرف عني وجهك وولني قفاك. وذلك ليستره حتى لا يُنظر إليه، وبهذا العمل يكون أبو السمح لا يراه؛ لأنه قد ولاه خلفه وقفاه، وأيضاً يستر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: (فجاء حسن أو حسين فبال على صدره ، فجئت أغسله) -يعني: يغسل بول الحسن أو الحسين ، فقال عليه الصلاة والسلام: (يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام). يعني أن بول الغلام لا يحتاج إلى غسل كما يحتاج بول الجارية إلى غسل، ولكنه يكفي فيه الرش والنضح.
تراجم رجال إسناد حديث: (... يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)
قوله:[ حدثنا مجاهد بن موسى ].
هو مجاهد بن موسى الخوارزمي ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[ و عباس بن عبد العظيم العنبري ].
هو عباس بن عبد العظيم العنبري البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
قوله:[ المعنى ]. يعني: أن هذين الشيخين ألفاظهما مختلفة ومعنى روايتهما واحد.
[ قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني يحيى بن الوليد ].
يحيى بن الوليد أبو الزعراء ، لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ حدثني محل بن خليفة ].
محل بن خليفة ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ حدثني أبو السمح ].
هو أبو السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة وليس له إلا هذا الحديث الواحد. قوله:
[ قال عباس : حدثنا يحيى بن الوليد ].
يعني أن عباساً شيخ أبي داود الثاني في الإسناد المتقدم لفظه (حدثنا يحيى بن الوليد ) أي أن تعبير عباس يختلف عن تعبير مجاهد بن موسى ؛ لأن مجاهد بن موسى قال: (حدثني) بالإفراد، وأما عباس بن عبد العظيم العنبري فقال:
(حدثنا)، فالفرق بين هذا وذاك أن ذاك قال: (حدثني)، وهذا قال:
(حدثنا)، فهذا هو وجه التفريق بين صيغة التحمل من عباس بن عبد العظيم العنبري ومن مجاهد بن موسى ، فمجاهد قال: (حدثني)، يعني أنه سمع من عبد الرحمن بن مهدي وحده؛ لأنه إذا كان سمع وحده يقول: (حدثني)، أما إذا كان حدثه ومعه غيره فإنه يقول: (حدثنا)، هذا هو الفرق بين (حدثني) و(حدثنا)، وقد يأتي يقول الراوي: (حدثنا) وهو مفرد على ما يجري في التخاطب، بأن يقول الواحد عن نفسه: (نحن)، أو يقول: (حدثنا) أو: (أخبرنا) أو: (فعلنا) أو: (تركنا)، لكن الغالب أن (حدثني) تكون للإفراد و(حدثنا) تكون إذا حدثه ومعه غيره. قوله: [ قال أبو داود : وهو أبو الزعراء ]. أي: يحيى بن الوليد هو أبو الزعراء ، فهذا تعريف به أنه يكنى بأبي الزعراء .

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #110  
قديم 22-02-2022, 10:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

معنى قول الحسن: الأبوال كلها سواء
قوله: [ قال هارون بن تميم : عن الحسن قال: الأبوال كلها سواء ]. يعني أن الأبوال للكبار والصغار والذكور والإناث هي سواء، فإن كان المراد بأنها كلها نجسة فهذا صحيح، وإن كان المراد أن حكمها واحد في الغسل فهذا ليس بصحيح؛ لأن الحديث فرق بين بول الجارية وبول الغلام، بأن الجارية يغسل غسلاً وحول الغلام ينضح نضحاً ويرش رشاً. وبعض أهل العلم ذهب إلى مقتضى الحديث من حيث التفريق بين الجارية والغلام بأن يرش بول الغلام ويغسل بول الجارية، وبعضهم سوى بين بول الجارية والغلام فذهب إلى أن كليهما يغسل غسلاً، ولكن الأخذ بما دل عليه الحديث والعمل بمقتضى الحديث هو الذي يصار إليه وينفذ؛ لأن التفريق جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فقول الحسن البصري : (الأبوال كلها سواء)، إن كان المقصود به النجاسة فنعم كلها سواء، وإلا فإن أبوال الحيوانات منها ما يكون طاهراً ومنها ما يكون نجساً؛ لأن ما يؤكل لحمه بوله طاهر وليس بنجس، كالإبل والبقر والغنم، فكل ما يؤكل لحمه بوله طاهر ليس بنجس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين الذين جاءوا واجتووا المدينة أن يذهبوا إلى إبل الصدقة فيشربون من أبوالها وألبانها، فإذنه لهم بأن يشربوا من أبوالها يدل على أن بول مأكول اللحم طاهر وليس بنجس؛
لأنه لو كان نجساً لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بشربه؛ لأنه لا يتداوى بحرام كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتغذى بحرام كما جاء بذلك الكتاب والسنة، إلا ما دعت إليه الضرورة مثل أكل الميتة من أجل إنقاذ النفس عندما يشرف المرء على الهلاك أو يخشى الهلاك وليس هناك إلا الأكل من الميتة، فيأكل بمقدار ما يسد حاجته، فهذا جاء به الكتاب والسنة وجاءت به الشريعة. وأما الآدميون فأبوالهم نجسة، ولكن فرق بين الغلام والجارية، فالغلام الذي لم يأكل الطعام يكفي في إزالة نجاسة بوله الرش والنضح، وهذا تخفيف وتيسير في إزالة تلك النجاسة، بخلاف غيرها من النجاسات، فإنها تحتاج إلى غسل ولا يكفي فيها الرش، إلا فيما يتعلق بالمذي على الثوب فإنه يرش تخفيفاً. قوله: [ قال هارون بن تميم عن الحسن ]. هارون بن تميم ما وقفت له على ترجمة. و الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر علي: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم)
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: (يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام ما لم يطعم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن علي رضي الله عنه أنه قال: (يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام ما لم يطعم) أي: ما لم يعطعم الطعام ينضح من بوله، فإذا طعم الطعام صار بوله مثل بول الجارية يغسل، فبول الجارية يغسل دائماً وأبداً طعمت أو لم تطعم، والغلام ينضح ويرش بوله ما لم يطعم، فإذا طعم صار الحكم الغسل.

تراجم رجال إسناد أثر علي: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم)

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي عروبة ].
هو سعيد بن أبي عروبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي حرب بن أبي الأسود ].
أبو حرب بن أبي الأسود ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ]. هو أبو الأسود الديلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علي ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو الحسنين و أبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أفضل من مشى على الأرض بعد أبي بكر و عمر و عثمان رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. وأهل السنة والجماعة ينزلونه وينزلون غيره من أهل البيت المنازل التي يستحقونها بالعدل والإنصاف كما جاءت بذلك النصوص. وأهل السنة والجماعة يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان منهم صحابياً يحبونه لصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان منهم غير صحابي فإنهم يحبونه لإيمانه وتقواه إذا كان من المؤمنين المتقين ويحبونه أيضاً لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يسيرون في عقيدتهم طبقاً لما تأتي به النصوص من التفضيل ومن التقديم والتأخير، فهم يقدمون ويؤخرون طبقاً للنصوص وتبعاً للنصوص ليست للأهواء ولا للشهوات والرغبات، وإنما المعول في ذلك على الدليل، وقد جاءت الأدلة بتفضيل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
شرح حديث: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعما الطعام ...)
قال المنصف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، .. فذكر معناه ولم يذكر: (ما لم يطعم) زاد: قال قتادة : (هذا ما لم يطعما الطعام، فإذا طعما غسلا جميعاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى وهو مرفوع وأورد الأول موقوفاً، والموقوف في معنى المرفوع، إلا أنه ليس في المرفوع: (ما لم يطعما الطعام) يعني: بالتنصيص على الغلام كما مر في الأثر الموقوف، ولكنه جاء هنا: (إذا طعما غسلا جميعاً) يعني: إذا طعما استوى الذكر والأنثى، ولكن قبل أن يطعما الطعام، فإن الذكر يرش بوله رشاً والأنثى يغسل بولها غسلاً.
تراجم رجال إسناد حديث: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعما الطعام ...)
قوله: [ حدثنا ابن المثنى ].
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ حدثنا معاذ بن هشام ].
هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ] هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب ].
قد مر ذكرهم جميعاً.
شرح أثر أم سلمة في صبها الماء على بول الغلام ما لم يطعم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، عن يونس ، عن الحسن ، عن أمه: (أنها أبصرت أم سلمة رضي الله عنها تصب الماء على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل بول الجارية) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تصب على بول الغلام ما لم يطعم. أي: ترشه رشاً وتصب عليه الماء صباً ولا تفركه وتدلكه، وهذا إذا لم يطعم، فإذا طعم غسلته كما تغسل النجاسات الأخرى. قولها: [ وكانت تغسل بول الجارية ]. أي: وكانت تغسل بول الجارية مطلقاً طعمت أو لم تطعم.
تراجم رجال إسناد أثر أم سلمة في صبها الماء على بول الغلام ما لم يطعم
قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ].
عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الوارث ].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يونس ].
هو يونس بن عبيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن عن أمه ].
الحسن مر ذكره، وأمه هي خيرة ، وهي مقبولة، أخرج حديثها مسلم وأصحاب السنن.
[ أنها أبصرت أم سلمة ].
أم سلمة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها هند بنت أبي أمية ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حكم الأرض التي يصيبها البول


شرح حديث: (... صبوا عليه سجلاً من ماء)

قال المنصف رحمه الله تعالى: [ باب: الأرض يصيبها البول. حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح و ابن عبدة في آخرين -وهذا لفظ ابن عبدة - قال: أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فصلى -قال ابن عبدة : ركعتين- ثم قال: اللهم! ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعاً. ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء -أو قال: ذنوباً من ماء-) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب: الأرض يصيبها البول]. يعني أن تطهر الأرض إذا أصابها البول بأن يكاثر عليها الماء ويصب عليها الماء، فتطهر بذلك، ولا يحتاج إلى أن يحفر التراب الذي وقع فيه البول ويخرج من المسجد، ويؤتى بتراب آخر أو يؤتى بشيء بدل الذي ذهب به، وإنما يكاثر الماء عليها حتى تطهر بذلك، وهذا يدلنا على أن الأرض تطهر بمكاثرة الماء عليها، بحيث يُصَب ويُكْثرَ من صبه كما جاء في هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أعرابياً دخل المسجد وصلى ركعتين ودعا، وقال: [اللهم! ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً] فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (لقد تحجرت واسعاً) ] يعني أن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء، يقول الله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]، فكونه يدعو بهذا الدعاء الذي يطلب فيه أن يحصل له ولرسول الله صلى الله عليه وسلم المغفرة دون غيرهما فيه حجر؛ ولذلك قال له: [ (لقد تحجرت واسعاً) ] يعني: أتيت بكلام فيه المنع. لأن الحجر هو المنع، ومعناه أنك ضيقت رحمة الله الواسعة، وطلبت قصرها، أو أردت أن لا تتعدى إلى أحد غيري وغيرك.
فهذا هو معنى قوله: [ (لقد تحجرت واسعاً) ]. قوله: [ (فما لبث أن بال في المسجد) ] وذلك لجهله، كما هو معلوم أن الأعراب يغلب عليهم الجهل، ولهذا فإن أهل الحاضرة يكون عندهم من العلم ومن المعرفة أكثر مما يكون عند أهل البادية، ولهذا جعل الله الأنبياء كلهم من أهل الحاضرة، وما جعل نبياً من البادية، فالأنبياء كلهم من الحضر وليسوا من البدو، وذلك لما عند الحاضرة من الكمال، بخلاف البدو، فإن فيهم الجهل وهو يغلب عليهم، ولهذا جاء أن الأنبياء من أهل القرى، أي أنهم من الحضر وليسوا من البدو. فلما بال في المسجد رأى الصحابة رضي الله عنهم أمراً خطيراً، رأوا النجاسة توضع في المسجد فأسرعوا، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: [ (بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء -أو قال: ذنوباً من ماء-) ].
والسجل هو الدلو الكبيرة وكذلك الذنوب. والشك حاصل في كونه قال: (سجلاً) أو قال: (ذنوباً) والحديث يدل على أن الأرض تطهر من النجاسة بالصب والمكاثرة للماء عليها.
الحكمة من نهي الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة عن الإساءة إلى الأعرابي

إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن أن يسيئوا إلى الأعرابي أو يعنفوه لأن الأمر قد وقع؛ لأنه لو كان قبل أن يبول لأمكن التدارك، لكن بعد أن وجد البول فإنهم إن منعوه من البول فقد يقوم ويذهب فيتطاير البول يميناً ويساراً، وتتلوث أماكن متعددة من المسجد، وكذلك جسده وثيابه، لكن ما دام أن البول وقع فيبقى في مكان واحد حتى يكمل بوله، ثم تطهر البقعة التي حصل فيها البول، بخلاف ما لو قام قبل أن يكمل بوله، فإن البول يتقاطر هنا وهنا في بقع من المسجد يصعب تطهيرها، ويصعب الاهتداء إليها، وكذلك أيضاً يلوث جسده وثيابه، وهذا فيه دليل لقاعدة من قواعد الشريعة، وهي أنه يرتكب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما؛ لأن البول ووقوعه في المسجد ضرر، لكن كونه يقوم ويقطع بوله وينتشر البول في أماكن متعددة أشد ضرراً.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبقى على أحد الضررين، وهو الأخف منهما، بحيث يمكن تطهير المكان في سبيل التخلص من أشدهما. إذاً: فالضرر الأخف أهون من الضرر الأشد، ولهذا جاءت الشريعة بهذه القاعدة التي هي ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، وهذا الحديث دليل لهذه القاعدة. وكان فيما قاله قوله صلى الله عليه وسلم للصحابة حين أرادوا منعه : (لا تزرموه) يعني: لا تعنفوه ولا تجعلوه ينطلق فيتناثر بوله هنا وهنا.
تراجم رجال إسناد حديث (صبوا عليه سجلاً من ماء)

قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ].
هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم ، و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ و ابن عبدة ].
هو أحمد بن عبدة الآملي ، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي . وهناك شخص آخر هو أحمد بن عبدة بن موسى الضبي ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. فـ أحمد بن عبدة الآملي يكنى أبا جعفر ، وهو صدوق من الحادية عشرة. أما أحمد بن عبدة بن موسى الضبي من العاشرة. والاثنان يعتبران من شيوخ أبي داود ، ففي عون المعبود قال: (أحمد بن عبدة) ولم يذكر شيئاً آخر وراء هذا. إذاً: فيحتاج الأمر إلى أن يعين أحدهما، وذلك بمعرفة الشيخ الذي روى عنه، وهو هنا سفيان بن عيينة ، لكن هل الاثنان رويا عنه أو أحدهما؟ إن رويا عنه فإنه يحتمل أن يكون المراد هذا وذاك؛ لأن أبا داود روى عن الاثنين، وإن كان أحدهما هو الذي روى عن ابن عيينة دون الآخر فيتعين أنه أحدهما. قال في تهذيب التهذيب: إن أحمد بن عبدة الضبي هو الذي يروي عن ابن عيينة ، وليس الآملي ، و الضبي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. قوله: [ في آخرين، وهذا لفظ ابن عبدة ]. أي: أن الحديث رواه أبو داود عن ابن السرح وعن أحمد بن عبدة وأناس آخرين، وأتى بلفظ ابن عبدة الذي هو الشيخ الثاني.
[ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
الزهري مر ذكره. وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري غير منسوب فالمراد به ابن عيينة .
[ عن سعيد بن المسيب ].
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث ابن معقل في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير -يعني ابن حازم - قال: سمعت عبد الملك -يعني ابن عمير - يحدث عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: (صلى أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم -بهذه القصة-. قال فيه: وقال -يعني النبي صلى الله عليه وسلم-: خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماء). قال أبو داود : وهو مرسل، ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ].
أورد أبو داود رحمه الله الحديث -وهو مرسل- من طريق عبد الله بن معقل بن مقرن وهو من التابعين، وفيه مخالفة للحديث السابق؛ لأن الحديث السابق فيه أنه يكاثر الماء على المكان المتنجس فتزول النجاسة بذلك، وهذا هو الذي جاء في الصحيحين وفي غيرهما، وأما الحديث الثاني الذي فيه أنهم يأخذون التراب ويلقونه ثم يصبون عليه ماءً فهو حديث مرسل، وهو مخالف لما صح وثبت من أنهم صبوا ذنوباً من ماء أو سجلاً من ماء، وأيضاً من حيث المعنى هو غير واضح؛ لأنهم إذا كانوا أخذوا التراب الذي فيه النجاسة فلماذا يصبون الماء في مكان ليس فيه نجاسة؟! فلا حاجة إلى أن يصبوا الماء، ما دام أنهم قد حفروا المكان المتنجس وأخرجوا التراب خارج المسجد، فلا حاجة إذاً إلى أن يصب الماء في ذلك المكان. إذاً: الحديث -كما هو واضح- مرسل؛ لأن ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مخالف لما صح من أن التراب لا يحمل ولا يزال ولا يخرج، وإنما يصب عليه الماء.
تراجم رجال إسناد حديث ابن معقل في قصة الأعرابي
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جرير -يعني ابن حازم - ].
جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الملك -يعني ابن عمير - ].
عبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن معقل بن مقرن ].
عبد الله بن معقل بن مقرن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث تفرد به أبو داود .
معنى قوله تعالى: (وجاء بكم من البدو) ووجه استشكال معناها
أما من استشكل قول يوسف عليه السلام: وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [يوسف:100] في كون يعقوب بدوياً لا حضرياً فهذه الآية الكريمة وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ليس معناها أنهم بدو، إذ معلوم أن أهل الحاضرة إذا ذهبوا إلى البادية لم يخرجوا عن كونهم حاضرة، كما أن البدوي لو جاء إلى الحاضرة للبلد ومكث فيها أياماً أو أشهراً ثم رجع لا يقال: إنه حضري. فيعقوب وأولاده ليسوا من سكان البادية، ولكنهم خرجوا إلى البادية ثم جاءوا من البادية."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 296.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 290.38 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]