06-03-2022, 08:43 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(29)
الحلقة (44)
صــ 371إلى صــ 375
487 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة في قوله : " وأنتم تعلمون " أي تعلمون أن الله خلقكم وخلق السماوات والأرض ، ثم تجعلون له أندادا . [ ص: 371 ]
ذكر من قال : عني بذلك أهل الكتابين :
488 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : " فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون " أنه إله واحد في التوراة والإنجيل .
489 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا قبيصة ، قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد ، مثله .
490 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وأنتم تعلمون " يقول : وأنتم تعلمون أنه لا ند له في التوراة والإنجيل .
قال أبو جعفر : وأحسب أن الذي دعا مجاهدا إلى هذا التأويل وإضافة ذلك إلى أنه خطاب لأهل التوراة والإنجيل دون غيرهم - الظن منه بالعرب أنها لم تكن تعلم أن الله خالقها ورازقها ، بجحودها وحدانية ربها وإشراكها معه في العبادة غيره ، وإن ذلك لقول! ولكن الله جل ثناؤه قد أخبر في كتابه عنها أنها كانت تقر بوحدانيته ، غير أنها كانت تشرك في عبادته ما كانت تشرك فيها ، فقال جل ثناؤه : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) [ سورة الزخرف : 87 ] ، وقال : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) [ سورة يونس : 31 ] . [ ص: 372 ]
فالذي هو أولى بتأويل قوله : " وأنتم تعلمون " - إذ كان ما كان عند العرب من العلم بوحدانية الله ، وأنه مبدع الخلق وخالقهم ورازقهم ، نظير الذي كان من ذلك عند أهل الكتابين ، ولم يكن في الآية دلالة على أن الله جل [ ص: 373 ] ثناؤه عنى بقوله : " وأنتم تعلمون " أحد الحزبين ، بل مخرج الخطاب بذلك عام للناس كافة لهم ، لأنه تحدى الناس كلهم بقوله : " يا أيها الناس اعبدوا ربكم " أن يكون تأويله ما قاله ابن عباس وقتادة ، من أنه يعني بذلك كل مكلف عالم بوحدانية الله وأنه لا شريك له في خلقه ، يشرك معه في عبادته غيره ، كائنا من كان من الناس ، عربيا كان أو أعجميا ، كاتبا أو أميا ، وإن كان الخطاب لكفار أهل الكتاب الذين كانوا حوالي دار هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل النفاق منهم ، وممن بين ظهرانيهم ممن كان مشركا فانتقل إلى النفاق بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله : ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله )
قال أبو جعفر : وهذا من الله عز وجل احتجاج لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي قومه من العرب ومنافقيهم ، وكفار أهل الكتاب وضلالهم الذين افتتح بقصصهم قوله جل ثناؤه : " إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " وإياهم يخاطب بهذه الآيات ، وضرباءهم يعني بها ، قال الله جل ثناؤه : وإن كنتم أيها المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابين ، في شك - وهو الريب - مما نزلنا على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم من النور والبرهان وآيات الفرقان : أنه من عندي ، وأني الذي أنزلته إليه ، فلم تؤمنوا به ولم تصدقوه فيما يقول ، فأتوا بحجة تدفع حجته ، لأنكم تعلمون أن حجة كل ذي نبوة على صدقه في دعواه النبوة أن يأتي ببرهان يعجز عن أن يأتي بمثله جميع الخلق . ومن حجة محمد صلى الله عليه وسلم على صدقه ، وبرهانه على حقيقة نبوته ، وأن ما جاء به من عندي - عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورة من مثله . وإذا عجزتم عن ذلك - وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والذرابة - فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز . كما كان برهان من سلف من رسلي وأنبيائي على صدقه ، وحجته على نبوته من الآيات ، ما يعجز عن الإتيان بمثله جميع خلقي . فيتقرر حينئذ عندكم أن محمدا لم يتقوله ولم يختلقه ، لأن ذلك لو كان منه اختلاقا وتقولا لم تعجزوا وجميع خلقي عن الإتيان بمثله . لأن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعد أن يكون بشرا مثلكم ، وفي مثل حالكم في الجسم وبسطة الخلق وذرابة اللسان ، فيمكن أن يظن به اقتدار على ما عجزتم عنه ، أو يتوهم منكم عجز عما اقتدر عليه .
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " فأتوا بسورة من مثله "
491 - فحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : " فأتوا بسورة من مثله " يعني : من مثل هذا القرآن حقا وصدقا ، لا باطل فيه ولا كذب .
492 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أنبأنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا [ ص: 374 ] معمر ، عن قتادة في قوله : " فأتوا بسورة من مثله " يقول : بسورة مثل هذا القرآن .
493 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فأتوا بسورة من مثله " مثل القرآن .
494 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
495 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " فأتوا بسورة من مثله " قال : " مثله " مثل القرآن .
فمعنى قول مجاهد وقتادة اللذين ذكرنا عنهما : أن الله جل ذكره قال لمن حاجه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من الكفار : فأتوا بسورة من مثل هذا القرآن من كلامكم أيتها العرب ، كما أتى به محمد بلغاتكم ومعاني منطقكم .
وقد قال قوم آخرون : إن معنى قوله : " فأتوا بسورة من مثله " من مثل محمد من البشر ، لأن محمدا بشر مثلكم .
قال أبو جعفر : والتأويل الأول الذي قاله مجاهد وقتادة هو التأويل الصحيح؛ لأن الله جل ثناؤه قال في سورة أخرى : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ) [ سورة يونس : 38 ] ، ومعلوم أن السورة ليست لمحمد بنظير ولا شبيه ، فيجوز أن يقال : فأتوا بسورة مثل محمد .
فإن قال قائل : إنك ذكرت أن الله عنى بقوله " فأتوا بسورة من مثله " [ ص: 375 ] من مثل هذا القرآن ، فهل للقرآن من مثل فيقال : ائتوا بسورة من مثله ؟
قيل : إنه لم يعن به : ائتوا بسورة من مثله في التأليف والمعاني التي باين بها سائر الكلام غيره ، وإنما عنى : ائتوا بسورة من مثله في البيان ، لأن القرآن أنزله الله بلسان عربي ، فكلام العرب لا شك له مثل في معنى العربية . فأما في المعنى الذي باين به القرآن سائر كلام المخلوقين ، فلا مثل له من ذلك الوجه ولا نظير ولا شبيه .
وإنما احتج الله جل ثناؤه عليهم لنبيه صلى الله عليه وسلم بما احتج به له عليهم من القرآن ، إذ ظهر عجز القوم عن أن يأتوا بسورة من مثله في البيان ، إذ كان القرآن بيانا مثل بيانهم ، وكلاما نزل بلسانهم ، فقال لهم جل ثناؤه : وإن كنتم في ريب من أن ما أنزلت على عبدي من القرآن من عندي ، فأتوا بسورة من كلامكم الذي هو مثله في العربية ، إذ كنتم عربا ، وهو بيان نظير بيانكم ، وكلام شبيه كلامكم . فلم يكلفهم جل ثناؤه أن يأتوا بسورة من غير اللسان الذي هو نظير اللسان الذي نزل به القرآن ، فيقدروا أن يقولوا : كلفتنا ما لو أحسناه أتينا به ، وإنا لا نقدر على الإتيان به لأنا لسنا من أهل اللسان الذي كلفتنا الإتيان به ، فليس لك علينا بهذا حجة . لأنا وإن عجزنا عن أن نأتي بمثله من غير ألسنتنا ؛ لأنا لسنا من أهله ، ففي الناس خلق كثير من غير أهل لساننا يقدر على أن يأتي بمثله من اللسان الذي كلفتنا الإتيان به . ولكنه جل ثناؤه قال لهم : ائتوا بسورة مثله ، لأن مثله من الألسن ألسنكم ، وأنتم - إن كانمحمد اختلقه وافتراه إذا اجتمعتم وتظاهرتم على الإتيان بمثل سورة منه من لسانكم وبيانكم - [ ص: 376 ] أقدر على اختلاقه ورصفه وتأليفه من محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن لم تكونوا أقدر عليه منه ، فلن تعجزوا - وأنتم جميع - عما قدر عليه محمد من ذلك وهو وحيد ، إن كنتم صادقين في دعواكم وزعمكم أن محمدا افتراه واختلقه ، وأنه من عند غيري .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|