تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 43 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853418 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388569 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214012 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #421  
قديم 20-01-2023, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد


تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
الحلقة (421)
صــ 161 إلى صــ 170





[ ص: 161 ] أحدهما : أنه بالطائف ، قاله كعب . والثاني : بالشام ، قاله قتادة .

قوله تعالى: قالت نملة وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء ، وعاصم الجحدري ، وطلحة بن مصرف : " نملة " بضم الميم ; أي : صاحت بصوت ، فلما كان ذلك الصوت مفهوما عبر عنه بالقول ; ولما نطق النمل كما ينطق بنو آدم ، أجري مجرى الآدميين ، فقيل : ادخلوا ، وألهم الله تلك النملة معرفة سليمان معجزا له ، وقد ألهم الله النمل كثيرا من مصالحها تزيد به على الحيوانات ، فمن ذلك أنها تكسر كل حبة تدخرها قطعتين لئلا تنبت ، إلا الكزبرة فإنها تكسرها أربع قطع ، لأنها تنبت إذا كسرت قطعتين ، فسبحان من ألهمها هذا!

وفي صفة تلك النملة قولان .

أحدهما : أنها كانت كهيئة النعجة ، قال نوف الشامي : كان النمل في زمن سليمان بن داود كأمثال الذئاب .

والثاني : كانت نملة صغيرة .

ادخلوا مساكنكم وقرأ أبي بن كعب ، وأبو المتوكل ، وعاصم الجحدري : " مسكنكم " على التوحيد .

قوله تعالى: لا يحطمنكم الحطم : الكسر . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو رجاء : " ليحطمنكم " بغير ألف بعد اللام . وقرأ ابن مسعود: [ ص: 162 ] " لا يحطمكم " بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف الطاء وسكون الميم وحذف النون . وقرأ عمرو بن العاص ، وأبان : " يحطمنكم " بفتح الياء وسكون الحاء والنون ساكنة أيضا والطاء خفيفة . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو مجلز : " لا يحطمنكم " بفتح الياء وكسر الحاء وتشديد الطاء والنون جميعا . وقرأ ابن السميفع ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : " يحطمنكم " برفع الياء وسكون الحاء وتخفيف الطاء وتشديد النون . والحطم : الكسر ، والحطام : ما تحطم . قال مقاتل : سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال .

وفي قوله : وهم لا يشعرون قولان .

أحدهما : وأصحاب سليمان لم يشعروا بكلام النملة ، قاله ابن عباس .

والثاني : وأصحاب سليمان لا يشعرون بمكانكم ، أنها علمت أنه ملك لا بغي فيه ، وأنهم لو علموا بالنمل ما توطؤوهم ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: فتبسم ضاحكا قال الزجاج : " ضاحكا " منصوب ، حال مؤكدة ، لأن " تبسم " بمعنى " ضحك " . قال المفسرون : تبسم تعجبا مما قالت ، وقيل : من ثنائها عليه . وقال بعض العلماء : هذه الآية من عجائب القرآن ، لأنها بلفظة " يا " نادت " أيها " نبهت " النمل " عينت " ادخلوا " أمرت " مساكنكم " نصت " لا يحطمنكم " حذرت " سليمان " خصت " وجنوده " عمت " وهم لا يشعرون " عذرت .

قوله تعالى: وقال رب أوزعني قال ابن قتيبة : ألهمني ، أصل الإيزاع : الإغراء بالشيء ، يقال : أوزعته بكذا ، أي : أغريته به ، وهو موزع بكذا ، ومولع بكذا . وقال الزجاج . تأويله في اللغة : كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك ; والمعنى : كفني عما يباعد منك ، وأن أعمل أي: [ ص: 163 ] وألهمني أن أعمل صالحا ترضاه قال المفسرون : إنما شكر الله عز وجل لأن الريح أبلغت إليه صوتها ففهم ذلك .
وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين . لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين . إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون . ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم

قوله تعالى: وتفقد الطير التفقد : طلب ما غاب عنك ; والمعنى أنه طلب ما فقد من الطير ; والطير اسم جامع للجنس ، وكانت الطير تصحب سليمان في سفره تظله بأجنحتها فقال ما لي لا أرى الهدهد قرأ ابن كثير ، وعاصم ، والكسائي : " ما لي لا أرى الهدهد " بفتح الياء . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة بالسكون ، والمعنى : ما للهدهد [لا أراه]؟! تقول العرب : ما لي أراك كئيبا ، أي : ما لك؟ فهذا من المقلوب الذي معناه معلوم .

قال المفسرون : لما فصل سليمان عن وادي النمل ، وقع في قفر من الأرض ، فعطش الجيش فسألوه الماء ، وكان الهدهد يدله على الماء ، فإذا قال له : هاهنا الماء ، شققت الشياطين الصخر وفجرت العيون قبل أن يضربوا أبنيتهم ، وكان الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الماء في الزجاجة ، فطلبه يومئذ فلم يجده .

[ ص: 164 ] وقال بعضهم : إنما طلبه لأن الطير كانت تظلهم من الشمس ، فأخل الهدهد بمكانه ، فطلعت الشمس عليهم من الخلل .

قوله تعالى: أم كان قال الزجاج : معناه : بل كان .

قوله تعالى: لأعذبنه عذابا شديدا فيه ستة أقوال .

أحدها : نتف ريشه ، قاله ابن عباس ، والجمهور . والثاني : نتفه وتشميسه ، قاله عبد الله بن شداد . والثالث : شد رجله وتشميسه ، قاله الضحاك . والرابع : أن يطليه بالقطران ويشمسه ، قاله مقاتل بن حيان . والخامس : أن يودعه القفص والسادس : أن يفرق بينه وبين إلفه ، حكاهما الثعلبي .

قوله تعالى: أو ليأتيني وقرأ ابن كثير : " ليأتينني " بنونين ، وكذلك هي في مصاحفهم . فأما السلطان ، فهو الحجة ، وقيل : العذر .

وجاء في التفسير أن سليمان لما نزل في بعض مسيره ، قال الهدهد : إنه قد اشتغل بالنزول فأرتفع أنا إلى السماء فانظر إلى طول الدنيا وعرضها ، فارتفع فرأى بستانا لبلقيس ، فمال إلى الخضرة فوقع فيه ، فإذا هو بهدهد قد لقيه ، فقال : من أين أقبلت؟ قال : من الشام مع صاحبي سليمان ، فمن أين أنت؟ قال : من هذه البلاد ، وملكها امرأة يقال لها : بلقيس ، فهل أنت منطلق معي حتى ترى ملكها؟ قال : أخاف أن يتفقدني سليمان وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء ، قال : إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ، فنظر إلى بلقيس وملكها ، فمكث غير بعيد قرأ الجمهور بضم الكاف ، وقرأ عاصم بفتحها ، وقرأ ابن مسعود : " فتمكث " بزيادة تاء ; والمعنى : لم يلبث إلا يسيرا حتى جاء ، فقال سليمان : ما الذي أبطأ بك؟ فقال أحطت بما لم تحط به أي : علمت شيئا من جميع جهاته مما لم تعلم [به] وجئتك من سبإ قرأ ابن كثير، [ ص: 165 ] وأبو عمرو : " سبأ " نصبا غير مصروف ، وقرأ الباقون خفضا منونا . وجاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سبأ رجل من العرب . وقال قتادة : هي أرض باليمن يقال لها : مأرب . وقال أبو الحسن الأخفش : إن شئت صرفت " سبأ " فجعلته اسم أبيهم ، أو اسم الحي ، وإن شئت لم تصرف فجعلته اسم القبيلة ، أو اسم الأرض . قال الزجاج : وقد ذكر قوم من النحويين أنه اسم رجل . وقال آخرون : الاسم إذا لم يدر ما هو لم يصرف ; وكلا القولين خطأ ، لأن الأسماء حقها الصرف ، وإذا لم يعلم هل الاسم للمذكر أم للمؤنث ، فحقه الصرف حتى يعلم أنه لا ينصرف ، لأن أصل الأسماء الصرف . وقول الذين قالوا : هو اسم رجل ، غلط ، لأن سبأ هي مدينة تعرف بمأرب من اليمن ، بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام ، فمن لم يصرفه جعله اسم مدينة ، ومن صرفه فلأنه اسم البلد ، فيكون مذكرا سمي بمذكر .

قوله تعالى: بنبإ يقين أي : بخبر صادق ، إني وجدت امرأة تملكهم يعني بلقيس وأوتيت من كل شيء قال الزجاج : معناه : من كل شيء يعطاه الملوك ويؤتاه الناس . والعرش : سرير الملك . قال قتادة : كان عرشها من ذهب ، قوائمه من جوهر مكلل باللؤلؤ ، وكان أحد أبويها من الجن ، وكان مؤخر أحد قدميها مثل حافر الدابة . وقال مجاهد : كان قدماها كحافر الحمار .

وقال ابن السائب : لم يكن بقدميها شيء ، إنما وقع الجن فيها عند سليمان بهذا القول ، فلما جعل لها الصرح بان له كذبهم . قال مقاتل : كان ارتفاع عرشها [ ص: 166 ] ثمانين ذراعا في عرض ثمانين ، وكانت أمها من الجن . قال ابن جرير وإنما صار هذا الخبر عذرا للهدهد ، لأن سليمان كان لا يرى لأحد في الأرض مملكة سواه ، وكان مع ذلك يحب الجهاد ، فلما دله الهدهد على مملكة لغيره ، وعلى قوم كفرة يجاهدهم ، صار ذلك عذرا له .

قوله تعالى: ألا يسجدوا قرأ الأكثرون : " ألا " بالتشديد . قال الزجاج : والمعنى : وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا ، أي : فصدهم لئلا يسجدوا . وقرأ ابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، والزهري ، وقتادة ، وأبو العالية ، وحميد الأعرج ، والأعمش ، وابن أبي عبلة ، والكسائي : " ألا يسجدوا " مخففة ، على معنى : ألا يا هؤلاء اسجدوا ، فيكون في الكلام إضمار " هؤلاء " ويكتفى منها ب " يا " ، ويكون الوقف " ألا يا " والابتداء " اسجدوا " ; قال الفراء : فعلى هذه القراءة هي سجدة ، وعلى قراءة من شدد لا ينبغي لها أن تكون سجدة .

وقال أبو عبيدة : هذا أمر من الله مستأنف ، يعني : ألا يا أيها الناس اسجدوا . وقرأ ابن مسعود ، وأبي : " هلا يسجدوا " بهاء .

قوله تعالى: الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض قال ابن قتيبة : أي : المستتر فيهما ، وهو من خبأت الشيء : إذا أخفيته ، ويقال : خبء السموات : المطر ، وخبء الأرض : النبات . وقال الزجاج : كل ما خبأته فهو خبء ، فالخبء : كل ما غاب ; فالمعنى : يعلم الغيب في السموات والأرض . 50 وقال ابن جرير : " في " بمعنى " من " ، فتقديره : يخرج الخبء من السموات .

قوله تعالى: ويعلم ما تخفون وما تعلنون قرأ حفص [عن] عاصم ، والكسائي بالتاء فيهما . وقرأ الباقون بالياء . قال ابن زيد : من قوله : أحطت إلى قوله : العظيم كلام الهدهد . وقرأ الضحاك ، وابن محيصن : " العظيم " برفع الميم .
[ ص: 167 ] قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين . اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم . إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين

فلما فرغ الهدهد من كلامه قال سننظر فيما أخبرتنا به أصدقت فيما قلت أم كنت من الكاذبين وإنما شك في خبره ، لأنه أنكر أن يكون لغيره في الأرض سلطان . ثم كتب كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهدهد وقال : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، والكسائي : " فألقهي " موصولة بياء . وقرأ أبو عمرو ، وعاصم ، وأبو جعفر ، وحمزة : " فألقه " بسكون الهاء ، وروى قالون عن نافع كسر الهاء من غير إشباع ; ويعني إلى أهل سبإ ، ثم تول عنهم فيه قولان .

أحدهما : أعرض . والثاني : انصرف ، فانظر ماذا يرجعون أي : ماذا يردون من الجواب .

فإن قيل : إذا تولى عنهم فكيف يعلم جوابهم؟ فعنه جوابان .

أحدهما : أن المعنى : ثم تول عنهم مستترا من حيث لا يرونك ، فانظر ماذا يردون من الجواب ، وهذا قول وهب بن منبه .

والثاني : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم ، وهذا مذهب ابن زيد .

قال قتادة : أتاها الهدهد وهي نائمة فألقى الكتاب على نحرها فقرأته وأخبرت قومها . وقال مقاتل : حمله في منقاره حتى وقف على رأس المرأة ، فرفرف ساعة [ ص: 168 ] والناس ينظرون ، فرفعت رأسها فألقي الكتاب في حجرها ، فلما رأت الخاتم أرعدت وخضعت وخضع من معها من الجنود .

واختلفوا لأي علة سمته كريما على سبعة أقوال .

أحدها : لأنه كان مختوما ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس والثاني : أنها ظنته من عند الله عز وجل ، روي عن ابن عباس أيضا . والثالث : أن معنى قولها : " كريم " : حسن ما فيه ، قاله قتادة ، والزجاج . والرابع : لكرم صاحبه ، فإنه كان ملكا ، ذكره ابن جرير . والخامس : أنه كان مهيبا ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . والسادس : لتسخير الهدهد لحمله ، حكاه الماوردي . السابع : لأنها رأت في صدره " بسم الله الرحمن الرحيم " حكاه الثعلبي .

قوله تعالى: إنه من سليمان أي : إن الكتاب من عنده وإنه أي : وإن المكتوب بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي أي : لا تتكبروا . وقرأ ابن عباس : " تغلوا " بغين معجمة وأتوني مسلمين أي : منقادين طائعين . ثم استشارت قومها ، ف قالت يا أيها الملأ يعني الأشراف ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر قائدا ، كل رجل منهم على عشرة آلاف . وقال ابن عباس : كان معها مائة ألف قيل ، مع كل قيل مائة ألف . وقيل : كانت جنودها ألف ألف ومائتي ألف .
قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون . قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية [ ص: 169 ] أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون . وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون

قوله تعالى: أفتوني في أمري أي : بينوا لي ما أفعل ، وأشيروا علي . قال الفراء : جعلت المشورة فتيا ، وذلك جائز لسعة اللغة .

قوله تعالى: ما كنت قاطعة أمرا أي : فاعلته حتى تشهدون أي . تحضرون ; والمعنى : إلا بحضوركم ومشورتكم .

قالوا نحن أولو قوة فيه قولان .

أحدهما : أنهم أرادوا القوة في الأبدان . والثاني : كثرة العدد والبأس والشجاعة في الحرب .

وفيما أرادوا بذلك القول قولان أحدهما : تفويض الأمر إلى رأيها . والثاني : تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم .

ثم قالوا : والأمر إليك أي : في القتال وتركه . قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية قال الزجاج : المعنى : إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة .

قوله تعالى: أفسدوها أي : خربوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة أي : أهانوا أشرافها ليستقيم لهم الأمر . ومعنى الكلام : أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادها .

قوله تعالى: وكذلك يفعلون فيه قولان .

أحدهما : أنه من تصديق الله تعالى لقولها ، قاله الزجاج .

والثاني : من تمام كلامها ; والمعنى : وكذلك يفعل سليمان وأصحابه إذا دخلوا بلادنا ، حكاه الماوردي .

[ ص: 170 ] قوله تعالى: وإني مرسلة إليهم بهدية قال ابن عباس : إنما أرسلت الهدية لتعلم أنه إن كان نبيا لم يرد الدنيا ، وإن كان ملكا فسيرضى بالحمل ، وأنها بعثت ثلاث لبنات من ذهب في كل لبنة مائة رطل ; وياقوتة حمراء طولها شبر مثقوبة ، وثلاثين وصيفا وثلاثين وصيفة ، وألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف الذكر من الأنثى ، ثم كتبت إليه : إني قد بعثت إليك بهدية فاقبلها ، وبعثت إليك بياقوتة طولها شبر ، فأدخل فيها خيطا واختم على طرفي الخيط بخاتمك ، وقد بعثت إليك ثلاثين وصيفا وثلاثين وصيفة : فميز بين الجواري والغلمان ; فجاء أمير الشياطين فأخبره بما بعثت إليه ، فقال له : انطلق فافرش على طريق القوم من باب مجلسي ثمانية أميال في ثمانية أميال [لبنا] من الذهب ; فانطلق ، فبعث الشياطين ، فقطعوا اللبن من الجبال وطلوه بالذهب وفرشوه ، ونصبوا في الطريق أساطين الياقوت الأحمر ، فلما جاء الرسل ، قال بعضهم لبعض : كيف تدخلون على هذا الرجل بثلاث لبنات ، وعنده ما رأيتم؟! فقال رئيسهم : إنما نحن رسل ، فدخلوا عليه ، فوضعوا اللبن بين يديه ، فقال : أتمدونني بمال؟ ثم دعا ذرة فربط فيها خيطا وأدخلها في ثقب الياقوتة حتى خرجت من طرفها الآخر ، ثم جمع بين طرفي الخيط فختم عليه ودفعها إليهم ، ثم ميز بين الغلمان والجواري ، هذا كله مروي عن ابن عباس . وقال مجاهد : جعلت لباس الغلمان للجواري ولباس الجواري للغلمان ، فميزهم ولم يقبل هديتها .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #422  
قديم 20-01-2023, 11:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النَّمْلِ
الحلقة (422)
صــ 171 إلى صــ 180






[ ص: 171 ] وفي عدد الوصائف والوصفاء خمسة أقوال .

أحدها : ثلاثون وصيفا وثلاثون وصيفة ، وقد ذكرناه عن ابن عباس .

والثاني : خمسمائة غلام و خمسمائة جارية ، قاله وهب . والثالث : مائتا غلام ومائتا جارية ، قاله مجاهد . والرابع : عشرة غلمان وعشر جوار ، قاله ابن السائب .

والخامس : مائة وصيف ومائة وصيفة ، قاله مقاتل .

وفي ما ميزهم به ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه أمرهم بالوضوء ، فبدأ الغلام من مرفقه إلى كفه ، وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها ، فميزهم بذلك ، قاله سعيد بن جبير .

والثاني : أن الغلمان بدؤوا بغسل ظهور السواعد قبل بطونها ، والجواري على عكس ذلك ، قاله قتادة .

والثالث : أن الغلام اغترف بيده ، والجارية أفرغت على يدها ، قاله السدي .

وجاء في التفسير أنها أمرت الجواري ان يكلمن سليمان بكلام الرجال ، وأمرت الرجال أن يكلموه كلام النساء ، وأرسلت قدحا تسأله أن يملأها ماء ليس من [ماء] لسماء ولا من ماء الأرض ، فأجرى الخيل وملأه من عرقها .

قوله تعالى: فناظرة بم يرجع المرسلون أي : بقبول أم برد .

قال ابن جرير : وأصل " بم " :بما ، وإنما أسقطت الألف لأن العرب إذا كانت " ما " بمعنى " أي " ثم وصلوها بحرف خافض ، أسقطوا ألفها ، تفريقا بين الاستفهام والخبر ، كقوله : عم يتساءلون [النبأ : 1] و قالوا فيم كنتم؟ [النساء : 97] ، وربما أثبتوا فيها الألف كما قال الشاعر :

[ ص: 172 ]
على ما قام يشتمنا لئيم كخنزير تمرغ في رماد؟

فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون . ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين . قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم

قوله تعالى: فلما جاء سليمان قال الزجاج : لما جاء رسولها ، ويجوز : فلما جاء برها .

قوله تعالى: أتمدونن بمال قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " أتمدونني " بنونين وياء في الوصل وروى المسيبي عن نافع : " أتمدوني " بنون واحدة خفيفة وياء في الوصل والوقف . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، والكسائي : " أتمدونن " بغير ياء في الوصل والوقف . وقرأ حمزة : " أتمدوني بمال " بنون واحدة مشددة ووقف على الياء .

قوله تعالى: فما آتاني الله قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " فما آتان الله " بكسر النون من غير ياء . وقرأ أبو عمرو ، ونافع ، وحفص عن عاصم : " آتاني " بفتح الياء . وكلهم [ ص: 173 ] فتحوا التاء غير الكسائي ، فإنه أمالها من " آتاني الله " ، وأمال حمزة : " أنا آتيك به " أشم النون شيئا من الكسر ، والمعنى : فما آتاني الله ، أي : من النبوة والملك خير مما آتاكم من المال بل أنتم بهديتكم تفرحون يعني إذا أهدى بعضكم إلى بعض فرح ، فأما أنا فلا ، ثم قال للرسول : ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل أي : لا طاقة لهم بها ولنخرجنهم منها يعني بلدتهم .

فلما رجعت رسلها إليها بالخبر ، قالت : قد علمت أنه ليس بملك وما لنا به طاقة ، فبعثت إليه : إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما تدعو إليه ، ثم أمرت بعرشها فجعل وراء سبعة أبواب ، ووكلت به حرسا يحفظونه ، وشخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف ملك ، تحت يدي كل ملك منهم ألوف . وكان سليمان مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى يسأل عنه ، فجلس يوما على سرير ملكه فرأى رهجا قريبا منه ، فقال : ما هذا قالوا : بلقيس قد نزلت بهذا المكان ، وكان قدر فرسخ وقد كان بلغه أنها احتاطت على عرشها قبل خروجها ، ف قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها وفي سبب طلبه له خمسة أقوال .

أحدها : ليعلم صدق الهدهد ، قاله ابن عباس .

والثاني : ليجعل ذلك دليلا على صدق نبوته ، لأنها خلفته في دارها واحتاطت عليه ، فوجدته قد تقدمها ، قاله وهب بن منبه .

والثالث : ليختبر عقلها وفطنتها ، أتعرفه أم تنكره ، قاله سعيد بن جبير .

والرابع : لأن صفته أعجبته ، فخشي أن تسلم فيحرم عليه مالها ، فأراد أخذه قبل ذلك ، قاله قتادة .

والخامس : ليريها قدرة الله تعالى وعظم سلطانه ، حكاه الثعلبي .

[ ص: 174 ] قوله تعالى: قال عفريت من الجن قال أبو عبيدة : العفريت من كل جن أو إنس : الفائق المبالغ الرئيس . وقال ابن قتيبة ; العفريت : الشديد الوثيق .

وقال الزجاج : العفريت : النافذ في الأمر ، المبالغ فيه مع خبث ودهاء .

وقرأ أبي بن كعب ، والضحاك ، وأبو العالية ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : " قال عفريت " بفتح العين وكسر الراء . وروى ابن أبي شريح عن الكسائي : " عفرية " بفتح الياء وتخفيفها ; وروي عنه أيضا تشديدها وتنوين الهاء على التأنيث . وقرأ ابن مسعود ، وابن السميفع : " عفراة " بكسر العين وفتح الراء وبألف من غير ياء .

قوله تعالى: قبل أن تقوم من مقامك أي : من مجلسك ; ومثله في مقام أمين [الدخان : 51] وكان سليمان يجلس للقضاء بين الناس من وقت الفجر إلى طلوع الشمس ، وقيل : إلى نصف النهار . وإني عليه أي : على حمله لقوي .

وفي قوله : أمين قولان .

أحدهما : أمين على ما فيه من الجوهر والدر وغير ذلك ، قاله ابن السائب .

والثاني : أمين أن لا آتيك بغيره بدلا منه ، قاله ابن زيد .

قال سليمان : أريد أسرع من ذلك . قال الذي عنده علم من الكتاب وهل هو إنسي أم ملك؟ فيه قولان .

أحدهما : إنسي ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، وأبو صالح . ثم فيه أربعة أقوال . أحدها : أنه رجل من بني إسرائيل ، واسمه آصف بن برخيا ، قاله مقاتل . قال ابن عباس : دعا آصف- وكان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف- فبعث الله الملائكة فحملوا السرير تحت الأرض يخدون الأرض خدا ، حتى انخرقت [ ص: 175 ] الأرض بالسرير بين يدي سليمان . والثاني : أنه سليمان عليه السلام ، وإنما قال له رجل : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ، فقال : هات ، قال : أنت النبي ابن النبي ، فإن دعوت الله جاءك ، فدعا الله فجاءه ، قاله محمد بن المنكدر .

والثالث : أنه الخضر ، قاله ابن لهيعة . والرابع : أنه عابد خرج يومئذ من جزيرة في البحر فوجد سليمان فدعا فأتي بالعرش ، قاله ابن زيد .

والقول الثاني : أنه من الملائكة . ثم فيه قولان .

أحدهما : أنه جبريل عليه السلام . والثاني : ملك من الملائكة أيد الله به سليمان ، حكاهما الثعلبي .

وفي العلم الذي عنده من الكتاب ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه اسم الله الأعظم ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والجمهور .

والثاني : أنه علم كتاب سليمان إلى بلقيس .

والثالث : أنه علم ما كتب الله لبني آدم ، وهذا على أنه ملك ، حكى القولين الماوردي .

وفي قوله : قبل أن يرتد إليك طرفك أربعة أقوال .

أحدها : قبل أن يأتيك أقصى ما تنظر إليه ، قاله سعيد بن جبير .

والثاني : قبل أن ينتهي طرفك إذا مددته إلى مداه ، قاله وهب .

والثالث : قبل أن يرتد طرفك حسيرا إذا أدمت النظر ، قاله مجاهد .

والرابع : بمقدار ما تفتح عينك ثم تطرف ، قاله الزجاج . قال مجاهد : دعا فقال : يا ذا الجلال والإكرام . وقال ابن السائب : إنما قال : يا حي يا قيوم .

قوله تعالى: فلما رآه في الكلام محذوف ، تقديره : فدعا الله [فأتي] [ ص: 176 ] به ، فلما رآه ، يعني : سليمان مستقرا عنده أي : ثابتا بين يديه قال هذا يعني : التمكن من حصول المراد .

قوله تعالى: أأشكر أم أكفر فيه قولان .

أحدهما : أأشكر على السرير إذ أتيت به ، أم أكفر إذا رأيت من هو دوني في الدنيا أعلم مني ، قاله ابن عباس .

والثاني : أأشكر ذلك من فضل الله علي ، أم أكفر نعمته بترك الشكر له ، قاله ابن جرير .
قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين . وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين

قوله تعالى: قال نكروا لها عرشها قال المفسرون : خافت الشياطين أن يتزوج سليمان بلقيس فتفشي إليه أسرار الجن ، لأن أمها كانت جنية ، فلا ينفكون من تسخير سليمان وذريته بعده ، فأساؤوا الثناء عليها وقالوا : إن في عقلها شيئا ، وإن رجلها كحافر الحمار ، فأراد سليمان [أن] يختبر عقلها بتنكير عرشها ، وينظر إلى قدميها ببناء الصرح . قال ابن قتيبة : ومعنى " نكروا " : غيروا ، يقال : نكرت الشيء فتنكر ، أي : غيرته فتغير .

[ ص: 177 ] وللمفسرين في كيفية تغييره ستة أقوال .

أحدها : أنه زيد فيه ونقص منه ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : أنهم جعلوا صفائح الذهب التي كانت عليه مكان صفائح الفضة ، وصفائح الفضة مكان صفائح الذهب ، والياقوت مكان الزبرجد ، والدر مكان اللؤلؤ ، وقائمتي الزبرجد مكان قائمتي الياقوت ، قاله ابن عباس أيضا .

والثالث : أنهم نزعوا ما عليه من فصوصه وجواهره ، روي عن ابن عباس أيضا .

والرابع : أنهم جعلوا ما كان منه أحمر أخضر ، وما كان أخضر أحمر ، قاله مجاهد .

والخامس : أنهم جعلوا أسفله أعلاه ، ومقدمه مؤخره ، وزادوا فيه ، ونقصوا منه ، قاله قتادة .

والسادس : أنهم جعلوا فيه تماثيل السمك ، قاله أبو صالح .

وفي قوله : كأنه هو قولان .

أحدهما : أنها لما رأته جعلت تعرف وتنكر ، ثم قالت في نفسها : من أين يخلص إلى ذلك وهو في سبعة أبيات والحرس حوله؟! ثم قالت : كأنه هو ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وقال قتادة : شبهته بعرشها . وقال السدي : وجدت فيه ما تعرفه فلم تنكر ، ووجدت فيه ما تنكره فلم تثبت ، فلذلك قالت : كأنه هو .

والثاني : أنها عرفته ، ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا [عليها] ، فلو أنهم قالوا : هذا عرشك ، لقالت : نعم ، قاله مقاتل . قال المفسرون : فقيل لها : فإنه عرشك ، فما أغنى عنك إغلاق الأبواب . !

وفي قوله : وأوتينا العلم ثلاثة أقوال . [ ص: 178 ] أحدها : أنه قول سليمان ، قاله مجاهد . ثم في معناه قولان . أحدهما : وأوتينا العلم بالله وقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة . والثاني : أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين لله .

والقول الثاني : أنه من قول بلقيس ، فإنها لما رأت عرشها ، قالت : قد عرفت هذه الآية ، وأوتينا العلم بصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة ، تعني أمر الهدهد والرسل التي بعثت من قبل هذه الآية ، وكنا مسلمين منقادين لأمرك قبل أن نجيء .

والثالث : أنه من قول قوم سليمان ، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: وصدها ما كانت تعبد من دون الله قال الفراء : معنى الكلام : هي عاقلة ، إنما صدها عن عبادة الله عبادتها الشمس والقمر ، وكان عادة من دين آبائها ; والمعنى : وصدها أن تعبد الله ما كانت تعبد ، قال : وقد قيل : صدها سليمان ، أي : منعها ما كانت تعبد . قال الزجاج : المعنى : صدها عن الإيمان العادة التي كانت عليها ، لأنها نشأت ولم تعرف إلا قوما يعبدون الشمس ، وبين عبادتها بقوله : إنها كانت من قوم كافرين وقرأ سعيد بن جبير ، وابن أبي عبلة : " أنها كانت " بفتح الهمزة .

قوله تعالى: قيل لها ادخلي الصرح قال المفسرون : أمر الشياطين فبنوا له صرحا كهيئة السطح من زجاج .

وفي سبب أمره بذلك ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه أراد أن يريها ملكا هو أعز من ملكها ، قاله وهب بن منبه .

والثاني : أنه أراد أن ينظر إلى قدمها من غير أن يسألها كشفها ، لأنه [ ص: 179 ] قيل له : إن رجلها كحافر الحمار ، فأمر أن يهيأ لها بيت من قوارير فوق الماء ، ووضع سرير سليمان في صدر البيت ، هذا قول محمد بن كعب القرظي .

والثالث : أنه فعل ذلك ليختبرها كما اختبرته بالوصائف والوصفاء ، ذكره ابن جرير . فأما الصرح ، فقال ابن قتيبة : هو القصر ، وجمعه : صروح ، ومنه قول الهذلي :



[على طرق كنحور الركا ب ] تحسب أعلامهن الصروحا


قال : ويقال : الصرح بلاط اتخذ لها من قوارير ، وجعل تحتها ماء وسمك .

قال مجاهد : كانت بركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير . وقال مقاتل : كان قصرا من قوارير بني على الماء وتحته السمك .

قوله تعالى : حسبته لجة وهي : معظم الماء وكشفت عن ساقيها لدخول الماء ، فناداها سليمان إنه صرح ممرد أي : مملس من قوارير أي : من زجاج ; فعلمت حينئذ أن ملك سليمان من الله تعالى ، ف قالت رب إني ظلمت نفسي أي : بعبادة غيرك . وقيل : ظنت في سليمان أنه يريد تفريقها في الماء ، فلما علمت أنه صرح ممرد قالت : رب [ ص: 180 ] إني ظلمت نفسي بذلك الظن ، وأسلمت مع سليمان ، ثم تزوجها سليمان . وقيل : إنه ردها إلى مملكتها وكان يزورها في كل شهر مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام ، وأنها ولدت منه . وقيل : إنه زوجها ببعض الملوك ولم يتزوجها هو .
ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون . قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون

قوله تعالى: فإذا هم فريقان أي : مؤمن وكافر يختصمون وفيه قولان . أحدهما : أنه قولهم : أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه الآيات [الأعراف : 75- 80] .

والثاني : أنه قول كل فريق منهم : الحق معي .

قوله تعالى: لم تستعجلون بالسيئة وذلك حين قالوا : إن كان ما أتيتنا به حقا فائتنا بالعذاب . وفي السيئة والحسنة قولان .

أحدهما : أن السيئة : العذاب ، والحسنة : الرحمة ، قاله مجاهد .

والثاني : [أن] السيئة : البلاء ، والحسنة : العافية ، قاله السدي .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #423  
قديم 20-01-2023, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النَّمْلِ
الحلقة (423)
صــ 181 إلى صــ 190







قوله تعالى: لولا أي : هلا تستغفرون الله من الشرك لعلكم ترحمون فلا تعذبون . قالوا اطيرنا قال ابن قتيبة : المعنى : تطيرنا وتشاءمنا بك ، فأدغمت التاء في الطاء ، وأثبتت الألف ، ليسلم السكون [ ص: 181 ] لما بعدها . وقال الزجاج : الأصل : تطيرنا ، فأدغمت التاء في الطاء ، واجتلبت الألف لسكون الطاء فإذا ابتدأت قلت : اطيرنا ، وإذا وصلت لم تذكر الألف وتسقط لأنها ألف وصل ، [وإنما] تطيروا به ، لأنهم قحطوا وجاعوا ، ف قال لهم طائركم عند الله ، وقد شرحنا هذا المعنى في (الأعراف : 131) .

وفي قوله : تفتنون ثلاثة أقوال .

أحدها : تختبرون بالخير والشر ، قاله ابن عباس . والثاني : تصرفون عن دينكم ، قاله الحسن . والثالث : تبتلون بالطاعة والمعصية ، قاله قتادة . وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون . قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون . فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون . وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون

قوله تعالى: وكان في المدينة وهي الحجر التي نزلها صالح تسعة رهط يفسدون في الأرض يريد : في أرض الحجر ، وفسادهم : كفرهم ومعاصيهم ، وكانوا يسفكون الدماء ويثبون على الأموال والفروج، وهم الذين عملوا في قتل الناقة . وروي عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح قالا : كان فسادهم كسر الدراهم والدنانير ، قالوا فيما بينهم تقاسموا بالله أي : احلفوا بالله لنبيتنه أي : لنقتلن صالحا وأهله ليلا ثم لنقولن وقرأ حمزة ، والكسائي : " لتبيتنه وأهله ثم لتقولن " بالتاء فيهما . وقرأ مجاهد، [ ص: 182 ] وأبو رجاء ، وحميد بن قيس : " ليبيتنه " بياء وتاء مرفوعتين " ثم ليقولن " بياء مفتوحة وقاف مرفوعة وواو ساكنة ولام مرفوعة " لوليه " أي : لولي دمه إن سألنا عنه ما شهدنا أي : ما حضرنا مهلك أهله قرأ الأكثرون بضم الميم ; وفتح اللام والمهلك يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإهلاك ، ويجوز أن يكون الموضع . وروى أبو بكر ، وأبان عن عاصم : بفتح الميم واللام ، يريد الهلاك ; يقال : هلك يهلك مهلكا . وروى عنه حفص ، والمفضل : بفتح الميم وكسر اللام ، وهو اسم المكان ، على معنى : ما شهدنا موضع هلاكهم ; فهذا كان مكرهم ، فجازاهم الله عليه فأهلكهم .

وفي صفة إهلاكهم أربعة أقوال .

أحدها : أنهم أتوا دار صالح شاهرين سيوفهم ، فرمتهم الملائكة بالحجارة فقتلتهم ، [قاله ابن عباس .

والثاني : رماهم الله بصخرة فقتلتهم ، قاله قتادة] .

والثالث : أنهم دخلوا غارا ينتظرون مجيء صالح ، فبعث الله صخرة سدت باب الغار ، قاله ابن زيد .

والرابع : أنهم نزلوا في سفح جبل ينتظر بعضهم بعضا ليأتوا دار صالح ، فجثم عليهم الجبل فأهلكهم ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: أنا دمرناهم قرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " أنا دمرناهم " بفتح الألف . وقرأ بكسرها . فمن كسر استأنف ، ومن فتح ، فقال أبو علي : فيه وجهان .

أحدهما : أن يكون بدلا من عاقبة مكرهم . [ ص: 183 ] والثاني : أن يكون محمولا على مبتدإ مضمر ،كأنه قال : هو أنا دمرناهم .

قوله تعالى: فتلك بيوتهم خاوية قال الزجاج : هي منصوبة على الحال ; المعنى : فانظر إلى بيوتهم خاوية . ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون . أإنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون . فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين

قوله تعالى: أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون فيه قولان .

أحدهما : وأنتم تعلمون أنها فاحشة . والثاني : وبعضكم يبصر بعضا .

قوله تعالى: بل أنتم قوم تجهلون قال ابن عباس تجهلون القيامة وعاقبة العصيان .

قوله تعالى: قدرناها من الغابرين أي : جعلناها بتقديرنا وقضائنا عليها من الباقين في العذاب . وقرأ أبو بكر عن عاصم : " قدرناها " خفيفة ، وهي في معنى المشددة . وباقي القصة قد تقدم تفسيره [هود : 77] . قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون . أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض [ ص: 184 ] قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون

قوله تعالى: قل الحمد لله هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمر أن يحمد الله على هلاك الأمم الكافرة ، وقيل : على جميع نعمه ، وسلام على عباده ، الذين اصطفى فيهم أربعة أقوال .

أحدها : الرسل ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وروى عنه عكرمة ، قال : اصطفى إبراهيم بالخلة ، وموسى بالكلام ، ومحمدا بالرؤية .

[ ص: 185 ] والثاني : أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو مالك عن ابن عباس . وبه قال السدي .

والثالث : أنهم الذين وحدوه وآمنوا به ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والرابع : أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن السائب .

قوله تعالى: آلله خير أما يشركون قال أبو عبيدة : مجازه : أو ما يشركون ، وهذا خطاب للمشركين ; والمعنى : الله خير لمن عبده ، أم الأصنام لعابديها؟! ومعنى الكلام : أنه لما قص عليهم قصص الأمم الخالية ، أخبرهم أنه نجى عابديه ، ولم تغن الأصنام عنهم .

قوله تعالى: أمن خلق السماوات تقديره : أما يشركون خير ، أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ؟! فأما الحدائق ، فقال ابن قتيبة : هي البساتين ، واحدها : حديقة ، سميت بذلك لأنه يحدق عليها ، أي : يحظر ، والبهجة : الحسن .

قوله تعالى: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أي : ما ينبغي لكم ذلك [لأنكم] لا تقدرون عليه . ثم قال مستفهما منكرا عليهم : أإله مع الله؟! أي : ليس معه [ ص: 186 ] إله بل هم يعني : كفار مكة قوم يعدلون وقد شرحناه في فاتحة (الأنعام) . أمن جعل الأرض قرارا أي : مستقرا لا تميد بأهلها وجعل خلالها أي : فيما بينها أنهارا وجعل لها رواسي أي : جبالا ثوابت وجعل بين البحرين حاجزا أي : مانعا من قدرته بين العذب والملح أن يختلطا ، بل أكثرهم لا يعلمون قدر عظمة الله . أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون . أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين . قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون . وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أإنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين . قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون . وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون وإن ربك ليعلم ما تكن [ ص: 187 ] صدورهم وما يعلنون . وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين

قوله تعالى: أمن يجيب المضطر وهو : المكروب المجهود ; ويكشف السوء يعني الضر ويجعلكم خلفاء الأرض أي : يهلك قرنا وينشئ آخرين ، و تذكرون بمعنى تتعظون . وقرأ أبو عمرو بالياء ، والباقون بالتاء . أمن يهديكم أي : يرشدكم إلى مقاصدكم إذا سافرتم في ظلمات البر والبحر وقد بيناها في (الأنعام : 63 ، 97) وشرحنا ما يليها من الكلمات فيما مضى [الأعراف: 57 ويونس : 4] إلى قوله : وما يشعرون يعني من في السماوات والأرض أيان يبعثون أي : متى يبعثون بعد موتهم .

[ ص: 188 ] قوله تعالى: بل ادارك علمهم في الآخرة قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : " بل أدرك " قال مجاهد : " بل " بمعنى " أم " والمعنى : لم يدرك علمهم ، وقال الفراء : المعنى : هل ادرك علمهم علم الآخرة؟ فعلى هذا يكون المعنى : إنهم لا يقفون في الدنيا على حقيقة العلم بالآخرة . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : " بل ادارك " على معنى : بل تدارك ، أي : تتابع وتلاحق ، فأدغمت التاء في الدال . ثم في معناها قولان .

أحدهما : بل تكامل علمهم يوم القيامة لأنهم مبعوثون ، قاله الزجاج . وقال ابن عباس : ما جهلوه في الدنيا ، علموه في الآخرة .

والثاني : بل تدارك ظنهم وحدسهم في الحكم على الآخرة ، فتارة يقولون : إنها كائنة ، وتارة يقولون : لا تكون ، قاله ابن قتيبة . وروى أبو بكر عن عاصم : " بل ادرك " على وزن افتعل من أدركت .

قوله تعالى: بل هم في شك منها أي : بل هم اليوم في شك من القيامة بل هم منها عمون قال ابن قتيبة : أي : من علمها وما بعد هذا قد سبق بيانه [النحل :127 ، المؤمنون : 35 ، 82] إلى قوله : متى هذا الوعد يعنون : العذاب الذي تعدنا . قل عسى أن يكون ردف لكم قال ابن عباس : قرب لكم . وقال ابن قتيبة : تبعكم ، واللام زائدة ، كأنه قال : ردفكم .

وفي ما تبعهم مما استعجلوه قولان .

أحدهما : يوم بدر . والثاني : عذاب القبر .

قوله تعالى: وإن ربك لذو فضل على الناس قال مقاتل : على أهل مكة حين لا يعجل عليهم بالعذاب .

قوله تعالى: وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم أي : ما تخفيه [ ص: 189 ] وما يعلنون بألسنتهم من عداوتك وخلافك ; والمعنى أنه يجازيهم عليه .

وما من غائبة أي : وما من جملة غائبة ، إلا في كتاب يعني اللوح المحفوظ ; والمعنى : إن علم ما يستعجلونه من العذاب بين عند الله وإن غاب عن الخلق .
إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون . وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم . فتوكل على الله إنك على الحق المبين إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون .

إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا يطعن بعضهم على بعض ، فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه ، فلو أخذوا به لسلموا . إن ربك يقضي بينهم يعني بين بني إسرائيل بحكمه وقرأ أبو المتوكل ، وأبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدري : " بحكمه " بكسر الحاء وفتح الكاف .

قوله تعالى: إنك لا تسمع الموتى قال المفسرون : هذا مثل ضربه الله للكفار فشبههم بالموتى .

قوله تعالى: ولا تسمع الصم الدعاء وقرأ ابن كثير : " ولا يسمع الصم " بفتح ميم " يسمع " ، وضم ميم " الصم " .

قوله تعالى: إذا ولوا مدبرين أي : أن الصم إذا أدبروا عنك ثم [ ص: 190 ] ناديتهم لم يسمعوا ، فكذلك الكافر . وما أنت بهاد العمي أي : [ما أنت] بمرشد من أعماه الله عن الهدى ، إن تسمع إسماع إفهام إلا من يؤمن بآياتنا .

قوله تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض " وقع " بمعنى " وجب " .

وفي المراد بالقول ثلاثة أقوال .

أحدها : العذاب ، قاله ابن عباس . والثاني : الغضب ، قاله قتادة . والثالث : الحجة ، قاله ابن قتيبة . ومتى ذلك؟ فيه قولان .

أحدهما : إذا لم يأمروا بمعروف ، ولم ينهوا عن منكر ، قاله ابن عمر ، وأبو سعيد الخدري .

والثاني : إذا لم يرج صلاحهم ، حكاه أبو سليمان الدمشقي ، وهو معنى قول أبي العالية . والإشارة بقوله : " عليهم " إلى الكفار الذين تخرج الدابة عليهم .

وللمفسرين في صفة الدابة أربعة أقوال .

أحدها : أنها ذات وبر وريش ، رواه حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : ذات زغب وريش لها أربع قوائم .

والثاني : أن رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إيل ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا ، رواه ابن جريج عن أبي الزبير .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #424  
قديم 20-01-2023, 11:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْقَصَصِ
الحلقة (424)
صــ 191 إلى صــ 200







[ ص: 191 ] والثالث : أن وجهها وجه رجل ، وسائر خلقها كخلق الطير ، قاله وهب .

والرابع : أن لها أربع قوائم وزغبا وريشا وجناحين ، قاله مقاتل .

وفي المكان الذي تخرج منه خمسة أقوال .

أحدها : من الصفا . روى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه] قال : " بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون ، تضطرب الأرض تحتهم ، وينشق الصفا مما يلي المسعى ، وتخرج الدابة من الصفا ، أول ما يبدو منها رأسها ، ملمعة ذات وبر وريش ، لن يدركها طالب ، ولن يفوتها هارب " . وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " طولها ستون ذراعا " ، وكذلك قال ابن مسعود : تخرج من الصفا . وقال ابن عمر : تخرج من صدع في الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها . وقال عبد الله بن عمر : تخرج الدابة فيمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض ما خرجتا .

والثاني : أنها تخرج من شعب أجياد ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن ابن عمر مثله .

والثالث : تخرج من بعض أودية تهامة ، قاله ابن عباس .

والرابع : من بحر سدوم ، قاله وهب بن منبه .

[ ص: 192 ] والخامس : أنها تخرج بتهامة بين الصفا والمروة ، حكاه الزجاج وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تخرج الدابة معها خاتم سليمان ، وعصا موسى ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم ، حتى إن أهل البيت ليجتمعون ، فيقول هذا : يا مؤمن ، ويقول هذا : يا كافر " . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تسم المؤمن بين عينيه وتكتب بين عينيه : مؤمن ، وتسم الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه : كافر ، وتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين " . وقال حذيفة بن أسيد : إن للدابة ثلاث خرجات ، خرجة في بعض البوادي ثم تنكتم ، وخرجة في بعض القرى ثم تنكتم ، فبينما الناس عند أشرف المساجد - يعني المسجد الحرام - إذ ارتفعت الأرض ، فانطلق الناس هرابا ، فلا يفوتونها ، حتى إنها لتأتي الرجل وهو يصلي ، فنقول : أتتعوذ بالصلاة ، والله ما كنت من أهل الصلاة ، فتخطمه ، وتجلو وجه المؤمن . وقال عبد الله بن عمرو: [ ص: 193 ] إنها تنكت في وجه الكافر نكتة سوداء فتفشو في وجهه ، فيسود وجهه وتنكت في وجه المؤمن نكتة بيضاء فتفشو في وجهه حتى يبيض وجهه ، فيعرف الناس المؤمن والكافر ، ولكأني بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج .

قوله تعالى: تكلمهم قرأ الأكثرون بتشديد اللام ، فهو من الكلام .

وفيما تكلمهم به ثلاثة أقوال .

أحدها : أنها تقول لهم : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، قاله قتادة .

والثاني : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام ، قاله السدي .

والثالث : تقول : هذا مؤمن ، وهذا كافر ، حكاه الماوردي .

وقرأ ابن أبي عبلة ، والجحدري : بتسكين الكاف وكسر اللام [وفتح التاء] ، فهو من الكلم ; قال ثعلب : والمعنى : تجرحهم . وسئل ابن عباس عن القراءتين ، فقال كل ذلك والله تفعله ، تكلم المؤمن ، وتكلم الفاجر والكافر ، أي : تجرحه .

قوله تعالى: أن الناس قرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي بفتح الهمزة ، وكسرها الباقون; فمن فتح أراد : تكلمهم بأن الناس ، وهكذا قرأ ابن مسعود ، وأبو عمران الجوني : " تكلمهم بأن الناس " بزيادة باء مع فتح الهمزة ; ومن كسر ، فلأن معنى " تكلمهم " : تقول لهم إن الناس ، والكلام قول .
[ ص: 194 ] ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون . حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أماذا كنتم تعملون ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون . ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون

قوله تعالى: ويوم نحشر من كل أمة فوجا الفوج : الجماعة من الناس كالزمرة ، والمراد به : الرؤساء والمتبوعون في الكفر ، حشروا وأقيمت الحجة عليهم . وقد سبق معنى يوزعون [النمل : 17] . حتى إذا جاءوا إلى موقف الحساب ، قال الله تعالى لهم : أكذبتم بآياتي؟! هذا استفهام إنكار عليهم ووعيد لهم ، ولم تحيطوا بها علما فيه قولان .

أحدهما : لم تعرفوها حق معرفتها .

والثاني : لم تحيطوا علما ببطلانها . والمعنى : إنكم لم تتفكروا في صحتها ، أماذا كنتم تعملون في الدنيا فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه؟! .

قوله تعالى: ووقع القول عليهم قد شرحناه آنفا [النمل : 82] بما ظلموا أي : بما أشركوا فهم لا ينطقون بحجة عن أنفسهم . ثم احتج عليهم بالآية التي تلي هذه . ومعنى قوله : والنهار مبصرا أي : يبصر فيه لابتغاء الرزق . ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين . وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل [ ص: 195 ] شيء إنه خبير بما تفعلون من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون . ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون

قوله تعالى: ويوم ينفخ في الصور قال ابن عباس : هذه النفخة الأولى .

قوله تعالى: ففزع من في السماوات ومن في الأرض [قال المفسرون : المعنى : فيفزع من في السماوات ومن في الأرض] ، والمراد أنهم ماتوا ، بلغ بهم الفزع إلى الموت .

وفي قوله : إلا من شاء الله ثلاثة أقوال .

أحدها : أنهم الشهداء ، قاله أبو هريرة ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير .

والثاني : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، ثم إن الله تعالى يميتهم بعد ذلك ، قاله مقاتل .

والثالث : أنهم الذين في الجنة من الحور وغيرهن ، وكذلك من في النار ، لأنهم خلقوا للبقاء ، ذكره أبو إسحاق بن شاقلا من أصحابنا .

قوله تعالى: وكل أي : من الأحياء الذين ماتوا ثم أحيوا آتوه وقرأ حمزة ، وحفص عن عاصم : " أتوه " بفتح التاء مقصورة ، أي : يأتون الله يوم القيامة داخرين قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : صاغرين . قال أبو عبيدة : " كل " لفظه لفظ الواحد ، ومعناه يقع على الجميع ، فهذه الآية في موضع جمع .

قوله تعالى: وترى الجبال قال ابن قتيبة : هذا يكون إذا نفخ في الصور ، تجمع الجبال وتسير ، فهي لكثرتها تحسب جامدة أي : واقفة [ ص: 196 ] وهي تمر أي : تسير سير السحاب ، وكذلك كل جيش عظيم يحسبه الناظر من بعيد واقفا وهو يسير ، لكثرته ، قال الجعدي يصف جيشا :


بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج


قوله تعالى: صنع الله قال الزجاج : هو منصوب على المصدر ، لأن قوله : وترى الجبال تحسبها جامدة دليل على الصنعة ، فكأنه قال : صنع الله ذلك صنعا ، ويجوز الرفع على معنى : ذلك صنع الله . فأما الإتقان ، فهو في اللغة : إحكام الشيء .

قوله تعالى: إنه خبير بما تفعلون قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " يفعلون " بالياء . وقرأ نافع ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي بالتاء .

قوله تعالى: من جاء بالحسنة قد شرحنا الحسنة والسيئة في آخر (الأنعام : 160) .

قوله تعالى: فله خير منها فيه قولان .

أحدهما : فله خير منها يصل إليه ، وهو الثواب ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة .

والثاني : فله أفضل منها ، لأنه يأتي بحسنة فيعطى عشر أمثالها قاله زيد بن أسلم .

قوله تعالى: وهم من فزع يومئذ قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " من فزع يومئذ " مضافا . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " من فزع " بالتنوين " يومئذ " بفتح الميم . وقال الفراء : الإضافة أعجب [ ص: 197 ] إلي في العربية ، لأنه فزع معلوم ، ألا ترى إلى قوله : لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء : 103] فصيره معرفة ، فإذا أضفت مكان المعرفة كان أحب إلي . واختار أبو عبيدة قراءة التنوين وقال : هي أعم التأويلين ، فيكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم . قال أبو علي الفارسي : إذا نون جاز أن يعنى به فزع واحد ، وجاز أن يعنى به الكثرة ، لأنه مصدر ، والمصادر تدل على الكثرة وإن كانت مفردة الألفاظ ، كقوله : إن أنكر الأصوات لصوت الحمير [لقمان : 19] ، وكذلك إذا أضيف جاز أن يعنى به فزع واحد ، وجاز أن يعنى به الكثرة ; وعلى هذا القول ، القراءتان سواء ، فإن أريد به الكثرة ، فهو شامل لكل فزع يكون يوم القيامة ، وإن أريد به الواحد ، فهو المشار إليه بقوله : لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء: 103] . وقال ابن السائب : إذا أطبقت النار على أهلها فزعوا فزعة لم يفزعوا مثلها ، وأهل الجنة آمنون من ذلك الفزع .

قوله تعالى: ومن جاء بالسيئة قال المفسرون : هي الشرك فكبت وجوههم يقال : كببت الرجل : إذا ألقيته لوجهه ; وتقول لهم خزنة جهنم : هل تجزون إلا ما كنتم تعملون أي : إلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا من الشرك . إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين . وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون

[ ص: 198 ] قوله تعالى: إنما أمرت المعنى : قل للمشركين : إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وقرأ ابن مسعود ، وأبو عمران الجوني : " التي حرمها " ، وهي مكة ، وتحريمها : تعظيم حرمتها بالمنع من القتل فيها والسبي والكف عن صيدها وشجرها ، وله كل شيء لأنه خالقه ومالكه ، وأمرت أن أكون من المسلمين أي : من المخلصين لله بالتوحيد ، وأن أتلو القرآن عليكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه أي : فله ثواب اهتدائه ومن ضل أي : أخطأ [طريق] الهدى فقل إنما أنا من المنذرين أي : ليس علي إلا البلاغ ; وذكر المفسرون أن هذا منسوخ بآية السيف . وقل الحمد لله أي : قل لمن ضل : الحمد لله الذي وفقنا لقبول ما امتنعتم منه سيريكم آياته .

ومتى يريهم . فيه قولان .

أحدهما : في الدنيا . ثم فيها ثلاثة أقوال . أحدها : أن منها الدخان وانشقاق القمر ، وقد أراهم ذلك ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : سيريكم آياته [فتعرفونها] في السماء ، وفي أنفسكم ، وفي الرزق ، قاله مجاهد . والثالث : القتل ببدر ، قاله مقاتل .

والثاني : سيريكم آياته في الآخرة فتعرفونها على ما قال في الدنيا ، قاله الحسن .

[ ص: 199 ] قوله تعالى: وما ربك بغافل عما تعملون وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : " تعلمون " بالتاء ، على معنى : قل لهم . وقرأ الباقون بالياء ، على أنه وعيد لهم بالجزاء على أعمالهم .

[ ص: 200 ] سُورَةُ الْقَصَصِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا غَيْرَ آَيَةٍ مِنْهَا ، وَهِيَ قَوْلُهُ : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ [الْقَصَصِ : 85] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ فِي وَقْتِ خُرُوجِهِ لِلْهِجْرَةِ ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ ، وَعَطَاءٍ ، وَعِكْرِمَةَ : أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا . وَزَعَمَ مُقَاتِلٌ : أَنَّ فِيهَا مِنَ الْمَدَنِيِّ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ [الْقَصَصِ : 52] إِلَى قَوْلِهِ : لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [الْقَصَصِ : 55] . وَفِيهَا آَيَةٌ لَيْسَتْ بِمَكِّيَّةٍ وَلَا مَدَنِيَّةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ [الْقَصَصِ : 85] نَزَلَتْ بِالْجُحْفَةِ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

طسم . تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ . إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #425  
قديم 20-01-2023, 11:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْقَصَصِ
الحلقة (425)
صــ 201 إلى صــ 210







[ ص: 201 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: طسم قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [الشُّعَرَاءِ]

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ أَيْ : طَغَى وَتَجَبَّرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا أَيْ : فِرَقًا وَأَصْنَافًا فِي خِدْمَتِهِ يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ وَهْم بَنُو إِسْرَائِيلَ ، وَاسْتِضْعَافُهُ إِيَّاهُمْ : اسْتِعْبَادُهُمْ ، إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ بِالْقَتْلِ وَالْعَمَلِ بِالْمَعَاصِي . يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَقَرَأَ أَبُو رَزِينٍ ، وَالزُّهْرِيُّ ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : " يَذْبَحُ " بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الذَّالِ خَفِيفَةً .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ أَيْ : نُنْعِمُ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ، وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَقَالَ قَتَادَةُ : وُلَاةً وَمُلُوكًا وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ لِمُلْكِ فِرْعَوْنَ بَعْدَ غَرَقِهِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا وَقَرَأَ حَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ : " وَيَرَى " بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَإِمَالَةِ الْأَلِفِ الَّتِي بَعْدَ الرَّاءِ " فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ وَجُنُودُهُمَا " بِالرَّفْعِ . وَمَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَكَانُوا عَلَى وَجَلٍ مِنْهُمْ ، فَأَرَاهُمُ اللَّهُ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ .وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين . فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون

قوله تعالى: وأوحينا إلى أم موسى فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه إلهام ، قاله ابن عباس . والثاني : أن جبريل أتاها بذلك، [ ص: 202 ] قاله مقاتل . والثالث : أنه كان رؤيا منام ، حكاه الماوردي . قال مقاتل : واسم أم موسى " يوخابذ " .

قوله تعالى: أن أرضعيه قال المفسرون : كانت امرأة من القوابل مصافية لأم موسى ، فلما وضعته تولت أمرها ثم خرجت فرآها بعض العيون فجاؤوا ليدخلوا على أم موسى ، فقالت أخته : يا أماه هذا الحرس بالباب ، فلفت موسى في خرقة ووضعته في التنور وهو يسجر، فدخلوا ثم خرجوا ، فقال لأخته : أين الصبي ، قالت : لا أدري ، فسمعت بكاءه من التنور فاطلعت وقد جعل الله عليه النار بردا وسلاما ، فأرضعته بعد ولادته ثلاثة أشهر ، وقيل : أربعة أشهر ، فلما خافت عليه صنعت له التابوت .

وفي قوله : فإذا خفت عليه قولان .

أحدهما : إذا خفت عليه القتل ، قاله مقاتل .

والثاني : إذا خفت [عليه] أن يصيح أو يبكي فيسمع صوته ، قاله ابن السائب .

وفي قوله : ولا تخافي قولان .

[ ص: 203 ] أحدهما : أن يغرق ، قاله ابن السائب . والثاني : أن يضيع ، قاله مقاتل .

وقال الأصمعي : قلت لأعرابية : ما أفصحك! فقالت : أوبعد هذه الآية فصاحة وهي قوله : وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ، ولا تخافي ولا تحزني ، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين جمع فيها بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين؟!

قوله تعالى: فالتقطه آل فرعون الالتقاط : إصابة الشيء من غير طلب . والمراد بآل فرعون : الذين تولوا أخذ التابوت من البحر .

وفي الذين التقطوه ثلاثة أقوال .

أحدها : جواري امرأة فرعون ، قاله السدي . والثاني : ابنة فرعون ، قاله محمد بن قيس . والثالث : أعوان فرعون ، قاله ابن إسحاق .

قوله تعالى: ليكون لهم عدوا أي : ليصير بهم الأمر إلى ذلك لا أنهم أخذوه لهذا ، وهذه اللام تسمى لام العاقبة ، وقد شرحناه في (يونس : 88) .

وللمفسرين في معنى الكلام قولان .

أحدهما : ليكون لهم عدوا في دينهم وحزنا لما يصنعه بهم .

والثاني : عدوا لرجالهم وحزنا على نسائهم ، فقتل الرجال بالغرق ، واستعبد النساء . وقالت امرأت فرعون وهي آسية بنت مزاحم ، وكانت من بني إسرائيل تزوجها فرعون : قرت عين قال الزجاج : رفع " قرة عين " على إضمار " هو " . قال المفسرون : كان فرعون لا يولد له إلا البنات ، فقالت : عسى [ ص: 204 ] أن ينفعنا فنصيب منه خيرا أو نتخذه ولدا ، وهم لا يشعرون فيه أربعة أقوال .

أحدها : لا يشعرون أنه عدو لهم ، قاله مجاهد . والثاني : أن هلاكهم على يديه ، قاله قتادة . والثالث : لا يشعر بنو إسرائيل أنا التقطناه ، قاله محمد بن قيس . والرابع : لا يشعرون أني أفعل ما أريد لا ما يريدون ، قاله محمد بن إسحاق .
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين . وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون . فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون

قوله تعالى: وأصبح فؤاد أم موسى فارغا فيه أربعة أقوال .

أحدها : فارغا من كل شيء إلا من ذكر موسى ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك .

والثاني : أصبح فؤادها فزعا ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وهي قراءة أبي رزين ، وأبي العالية ، والضحاك ، وقتادة ، وعاصم الجحدري ، فإنهم قرؤوا : " فزعا " بزاي معجمة .

والثالث : فارغا من وحينا بنسيانه ، قاله الحسن ، وابن زيد . [ ص: 205 ] والرابع : فارغا من الحزن ، لعلمها أنه لم يقتل ، قاله أبو عبيدة . قال ابن قتيبة : وهذا من أعجب التفسير ، كيف يكون كذلك والله يقول : لولا أن ربطنا على قلبها ؟! وهل يربط إلا على قلب الجازع المحزون؟!

قوله تعالى: إن كادت لتبدي به في هذه الهاء قولان .

أحدهما : أنها ترجع إلى موسى . ومتى أرادت هذا؟ فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه حين فارقته ; روى سعيد بن جبير عن ابن عباس [أنه] قال : كادت تقول : يا بنياه . قال قتادة : وذلك من شدة وجدها . والثاني حين حملت لرضاعه ثم كادت تقول : هو ابني ، قاله السدي . والثالث : أنه لما كبر وسمعت الناس يقولون : موسى بن فرعون ، كادت تقول : لا بل هو ابني ، قاله ابن السائب .

والقول الثاني : أنها ترجع إلى الوحي ; والمعنى : إن كادت لتبدي بالوحي ، حكاه ابن جرير .

قوله تعالى: لولا أن ربطنا على قلبها قال الزجاج : المعنى : لولا ربطنا على قلبها ، والربط : إلهام الصبر وتشديد القلب وتقويته .

قوله تعالى: لتكون من المؤمنين أي : من المصدقين بوعد الله . وقالت لأخته قصيه قال ابن عباس : قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا ، [أي] : أحي هو ، أو قد أكلته الدواب؟ ونسيت الذي وعدها الله فيه . وقال وهب : إنما قالت لأخته: قصيه ، لأنها سمعت أن فرعون قد أصاب صبيا في تابوت . قال مقاتل : واسم أخته : مريم . قال ابن قتيبة : ومعنى " قصيه " : قصي أثره واتبعيه فبصرت به عن جنب أي : عن [ ص: 206 ] بعد منها عنه وإعراض ، لئلا يفطنوا ، والمجانبة من هذا . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو مجلز : " عن جناب " بفتح الجيم والنون وبألف بعدهما . وقرأ ابن مسعود ، وأبو عمران الجوني : " عن جانب " بفتح الجيم وكسر النون وبينهما ألف . وقرأ قتادة ، وأبو العالية ، وعاصم الجحدري : " عن جنب " بفتح الجيم وإسكان النون من غير ألف .

قوله تعالى: وهم لا يشعرون فيه قولان .

أحدهما : وهم لا يشعرون أنه عدو لهم ، قاله مجاهد .

والثاني : لا يشعرون أنها أخته ، قاله السدي .

قوله تعالى: وحرمنا عليه المراضع وهي جمع مرضع من قبل أي : من قبل أن نرده على أمه ، وهذا تحريم منع ، لا تحريم شرع . قال المفسرون : بقي ثمانية أيام ولياليهن ، كلما أتي بمرضع لم يقبل ثديها ، فأهمهم ذلك واشتد عليهم فقالت لهم أخته : هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم فقالوا لها : نعم ، من تلك؟ فقالت : أمي ، قالوا : وهل لها لبن قالت لبن هارون . فلما جاءت قبل ثديها . وقيل : إنها لما قالت : وهم له ناصحون قالوا : لعلك تعرفين أهله ، قالت : لا ، ولكني إنما قلت : وهم للملك ناصحون .

قوله تعالى: فرددناه إلى أمه قد شرحناه في (طه : 40) .

قوله تعالى: ولتعلم أن وعد الله يرد ولدها حق وهذا علم عيان ومشاهدة ولكن أكثرهم لا يعلمون أن الله وعدها أن يرده إليها .
[ ص: 207 ] ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين . ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم . قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين .

ولما بلغ أشده قد فسرنا هذه الآية في سورة (يوسف : 22) ، وكلام المفسرين في لفظ الآيتين متقارب ، إلا أنهم فرقوا بين بلوغ الأشد وبين الاستواء ; فأما بلوغ الأشد ، فقد سلف بيانه [الأنعام : 152] .

وفي مدة الاستواء لهم قولان .

أحدهما : أنه أربعون سنة ، قاله مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد .

والثاني : ستون سنة ، ذكره ابن جرير . قال المفسرون : مكث عند أمه حتى فطمته ، ثم ردته إليهم ، فنشأ في حجر فرعون وامرأته واتخذاه ولدا .

قوله تعالى: ودخل المدينة فيها قولان .

أحدهما : أنها مصر . والثاني مدينة بالقرب من مصر .

قال السدي : ركب فرعون يوما وليس عنده موسى ، فلما جاء موسى ركب في أثره فأدركه المقيل في تلك المدينة . وقال غيره : لما توهم فرعون في موسى أنه عدوه أمر بإخراجه من مدينته ، فلم يدخل إلا بعد أن كبر فدخلها يوما على حين غفلة من أهلها .

[ ص: 208 ] وفي ذلك الوقت أربعة أقوال .

أحدها : أنه كان يوم عيد لهم ، وكانوا قد اشتغلوا فيه بلهوهم ، قاله علي عليه السلام .

والثاني : أنه دخل نصف النهار ، رواه جماعة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير .

والثالث : بين المغرب والعشاء ، قاله وهب بن منبه .

والرابع : أنهم لما أخرجوه لم يدخل عليهم حتى كبر ، فدخل على حين غفلة عن ذكره ، لأنه قد نسي أمره ، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: هذا من شيعته أي : من أصحابه من بني إسرائيل وهذا من عدوه أي : من أعدائه من القبط ، والعدو يذكر للواحد وللجمع . قال الزجاج : وإنما قيل في الغائب : " هذا " و " هذا " ، على جهة الحكاية للحضرة ; والمعنى : أنه إذا نظر إليهما الناظر قال : هذا من شيعته ، وهذا من عدوه . قال المفسرون : وإن القبطي كان قد سخر الإسرائيلي أن يحمل حطبا إلى مطبخ فرعون فاستغاثه أي : فاستنصره ، فوكزه قال الزجاج : الوكز : أن يضربه بجميع كفه . وقال ابن قتيبة : " فوكزه " أي : لكزه ، يقال : وكزته ولكزته ولهزته : إذا دفعته ، فقضى عليه أي : قتله ; وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه . وللمفسرين فيما وكزه به قولان .

أحدهما : كفه ، قاله مجاهد . والثاني : عصاه ، قاله قتادة .

فلما مات القبطي ندم موسى لأنه لم يرد قتله ، و قال هذا من عمل الشيطان أي : هو الذي هيج غضبي حتى ضربت هذا ، إنه عدو [ ص: 209 ] لابن آدم مضل له مبين عداوته . ثم استغفر ف قال رب إني ظلمت نفسي أي : بقتل هذا ، ولا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر . قال رب بما أنعمت علي بالمغفرة فلن أكون ظهيرا للمجرمين قال ابن عباس : عونا للكافرين . وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا .
فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين . فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين

قوله تعالى: فأصبح في المدينة وهي التي قتل بها القبطي خائفا على نفسه يترقب أي : ينتظر سوءا يناله منهم ويخاف أن يقتل به فإذا الذي استنصره بالأمس وهو الإسرائيلي يستصرخه أي : يستغيث به على قبطي آخر أراد أن يسخره أيضا قال له موسى في هاء الكناية قولان .

أحدهما : أنها ترجع إلى القبطي . والثاني : إلى الإسرائيلي ، وهو أصح .

فعلى الأول يكون المعنى : إنك لغوي بتسخيرك وظلمك .

وعلى الثاني فيه قولان .

أحدهما : أن يكون الغوي بمعنى المغوي ، كالأليم والوجيع بمعنى المؤلم [ ص: 210 ] والموجع ; والمعنى : إنك لمضل حين قتلت بالأمس رجلا بسببك ، وتدعوني اليوم إلى آخر .

والثاني : أن يكون الغوي بمعنى الغاوي ; والمعنى إنك غاو في قتالك من لا تطيق دفع شره عنك .

قوله تعالى: فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما أي : بالقبطي قال يا موسى هذا قول الإسرائيلي من غير خلاف علمناه بين المفسرين ; قالوا : لما رأى الإسرائيلي غضب موسى عليه حين قال [له] : إنك لغوي مبين ورآه قد هم أن يبطش بالفرعوني ، ظن أنه يريده فخاف على نفسه ف قال يا موسى أتريد أن تقتلني وكان قوم فرعون لم يعلموا من قاتل القبطي ، إلا أنهم أتوا إلى فرعون فقالوا : إن بني إسرائيل قتلوا رجلا منا فخذ لنا بحقنا ، فقال : ابغوني قاتله ومن يشهد عليه لآخذ لكم حقكم ، فبينا هم يطوفون ولا يدرون من القاتل ، وقعت هذه الخصومة بين الإسرائيلي والقبطي في اليوم الثاني ، فلما قال الإسرائيلي لموسى : أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس انطلق القبطي إلى فرعون فأخبره أن موسى هو الذي قتل الرجل ، فأمر بقتل موسى ، فعلم بذلك رجل من شيعة موسى فأتاه فأخبره ، فذلك قوله : وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى . فأما الجبار ، فقال السدي : هو القتال ، وقد شرحناه في (هود : 59) ، وأقصى المدينة : آخرها وأبعدها ، ويسعى ، بمعنى يسرع . قال ابن عباس : وهذا الرجل هو مؤمن آل فرعون ، وسيأتي الخلاف في اسمه في سورة (المؤمنون : 28) . فأما الملأ ، فهم الوجوه من الناس والأشراف .

وفي قوله : يأتمرون بك ثلاثة أقوال .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #426  
قديم 20-01-2023, 11:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْقَصَصِ
الحلقة (426)
صــ 211 إلى صــ 220






[ ص: 211 ] أحدها : يتشاورون فيك ليقتلوك ، قاله أبو عبيدة . والثاني : يهمون بك ، قاله ابن قتيبة . والثالث : يأمر بعضهم بعضا بقتلك ، قاله الزجاج .
فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين . ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل و لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير . فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين . قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين . قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل

قوله تعالى: فخرج منها أي : من مصر خائفا وقد مضى تفسيره [القصص : 18 ] .

قوله تعالى: نجني من القوم الظالمين يعني المشركين أهل مصر .

ولما توجه تلقاء مدين قال ابن قتيبة : أي : تجاه مدين ونحوها ، وأصله : اللقاء ، وزيدت فيه التاء ، قال الشاعر :

[ ص: 212 ]
[ أملت خيرك هل تأتي مواعده] فاليوم قصر عن تلقائك الأمل
.

أي : عن لقائك .

قال المفسرون : خرج خائفا بغير زاد ولا ظهر ، وكان بين مصر ومدين مسيرة ثمانية أيام ، ولم يكن له بالطريق علم ، ف قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل أي : قصده . قال ابن عباس : لم يكن له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه . وقال السدي : بعث الله له ملكا فدله ، قالوا : ولم يكن له في طريقه طعام إلا ورق الشجر ، فورد ماء مدين وخضرة البقل تتراءى في بطنه من الهزال ; والأمة : الجماعة ، وهم الرعاة ، يسقون مواشيهم ووجد من دونهم أي : من سوى الأمة امرأتين وهما ابنتا شعيب ; قال مقاتل : واسم الكبرى : صبورا والصغرى : عبرا تذودان قال ابن قتيبة : أي : تكفان غنمهما ، فحذف الغنم اختصارا قال المفسرون : وإنما فعلتا ذلك ليفرغ الناس وتخلو لهما البئر ، قال موسى : ما خطبكما أي : ما شأنكما لا تسقيان؟! قالتا لا نسقي وقرأ ابن مسعود ، وأبو الجوزاء ، وابن يعمر ، وابن السميفع : " نسقي " برفع النون حتى يصدر الرعاء وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو جعفر : " يصدر " بفتح الياء وضم الدال ، أي : حتى يرجع الرعاء . وقرأ الباقون : " يصدر " بضم الياء وكسر الدال ، أرادوا : حتى يرد الرعاء غنمهم عن الماء . والرعاء : جمع راع ، كما يقال : صاحب وصحاب . وقرأ عكرمة، [ ص: 213 ] وسعيد بن جبير ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : " الرعاء " بضم الراء ، والمعنى : نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال وأبونا شيخ كبير لا يقدر أن يسقي ماشيته من الكبر ; فلذلك احتجنا نحن إلى أن نسقي ، وكان على تلك البئر صخرة عظيمة ، فإذا فرغ الرعاء من سقيهم أعادوا الصخرة ، فتأتي المرأتان إلى فضول حياض الرعاء فتسقيان غنمهما . فسقى لهما موسى .

وفي صفة ما صنع قولان .

أحدهما : أنه ذهب إلى بئر أخرى عليها صخرة لا يقتلعها إلا جماعة من الناس ، فاقتلعها وسقى لهما ، قاله عمر بن الخطاب ، وشريح .

والثاني : أنه زاحم القوم على الماء ، وسقى لهما ، قاله ابن إسحاق ، والمعنى : سقى غنمهما لأجلهما .

ثم تولى أي : انصرف إلى الظل وهو ظل شجرة فقال رب إني لما اللام بمعنى إلى ، فتقديره : إني إلى ما أنزلت إلي من خير فقير وأراد بالخير : الطعام . وحكى ابن جرير أنه أسمع المرأتين [ ص: 214 ] هذا الكلام تعريضا أن تطعماه . فجاءته إحداهما المعنى : فلما شربت غنمهما رجعتا إلى أبيهما فأخبرتاه خبر موسى ، فبعث إحداهما تدعو موسى . وفيها قولان . أحدهما : الصغرى . والثاني : الكبرى . فجاءته تمشي على استحياء قد سترت وجهها بكم درعها .

وفي سبب استحيائها ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه كان من صفتها الحياء ، فهي تمشي مشي من لم يعتد الخروج والدخول .

والثاني : لأنها دعته لتكافئه ، وكان الأجمل عندها أن تدعوه من غير مكافأة .

والثالث : لأنها رسول أبيها .

قوله تعالى: ليجزيك أجر ما سقيت لنا قال المفسرون : لما سمع موسى هذا القول كرهه وأراد أن لا يتبعها ، فلم يجد بدا للجهد الذي به من اتباعها ، فتبعها ، فكانت الريح تضرب ثوبها فيصف بعض جسدها ، فناداها : يا أمة الله ، كوني خلفي ودليني الطريق فلما جاءه أي : جاء موسى شعيبا وقص [ ص: 215 ] عليه القصص أي : أخبره بأمره من حين ولد والسبب الذي أخرجه من أرضه قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين أي : لا سلطان لفرعون بأرضنا ولسنا في مملكته . قالت إحداهما وهي الكبرى : يا أبت استأجره أي : اتخذه أجيرا إن خير من استأجرت القوي الأمين أي : خير من استعملت على عملك من قوي على عملك وأدى الأمانة ; وإنما سمته قويا ، لرفعه الحجر عن رأس البئر ، وقيل : لأنه استقى بدلو لا يقلها إلا العدد الكثير من الرجال ، وسمته أمينا ، لأنه أمرها أن تمشي خلفه . وقال السدي : قال لها شعيب : قد رأيت قوته ، فما يدريك بأمانته؟ فحدثته . قال المفسرون : فرغب فيه شعيب ، فقال له : إني أريد أن أنكحك أي : أزواجك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج قال الفراء : تأجرني وتأجرني ، بضم الجيم وكسرها ، لغتان . قال الزجاج : والمعنى : تكون أجيرا لي ثماني سنين فإن أتممت عشرا فمن عندك أي : فذلك تفضل منك ، وليس بواجب عليك .

قوله تعالى: وما أريد أن أشق عليك أي : في العشر ستجدني إن شاء الله من الصالحين أي : في حسن الصحبة والوفاء بما قلت . قال له موسى ذلك بيني وبينك أي : ذلك الذي وصفت وشرطت علي فلك ، وما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي ، فالأمر كذلك بيننا وتم الكلام هاهنا . ثم قال : أيما الأجلين يعني : الثماني والعشر . قال أبو عبيدة : " ما " زائدة .

قوله تعالى: قضيت أي : أتممت فلا عدوان علي أي : لا سبيل علي ; والمعنى : لا تعتد علي بأن تلزمني أكثر منه والله على ما نقول وكيل قال الزجاج : أي : والله شاهدنا على ما عقد بعضنا على بعض .

[ ص: 216 ] واختلف العلماء في هذا الرجل الذي استأجر موسى على أربعة أقوال .

أحدها : أنه شعيب نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا أكثر [أهل] التفسير ، وفيه أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل عليه ، وبه قال وهب ، ومقاتل .

والثاني : أنه صاحب مدين ، واسمه يثرى ، قاله ابن عباس .

والثالث : رجل من قوم شعيب : قاله الحسن .

والرابع : أنه يثرون ابن أخي شعيب ، رواه عمرو بن مرة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وبه قال ابن السائب .

واختلفوا في التي تزوجها موسى من الإبنتين على قولين .

أحدهما : الصغرى ، روي عن ابن عباس . والثاني : الكبرى ، قاله مقاتل .

[ ص: 217 ] وفي اسم التي تزوجها ثلاثة أقوال .

أحدها : صفوريا ، حكاه أبو عمران الجوني . والثاني : صفورة ، قاله شعيب الجبائي . والثالث : صبورا ، قاله مقاتل . فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون . فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين . اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون .

قوله تعالى: فلما قضى موسى الأجل روى ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل : أي الأجلين قضى موسى ، قال : أوفاهما وأطيبهما . قال مجاهد مكث بعد قضاء الأجل عندهم عشرا [ ص: 218 ] أخر . وقال وهب بن منبه : أقام عندهم بعد أن أدخل عليه امرأته سنين ، وقد سبق تفسير هذه الآية [طه : 10] إلى قوله : أو جذوة وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي : " جذوة " بكسر الجيم . وقرأ عاصم بفتحها . وقرأ حمزة ، وخلف ، والوليد عن ابن عامر بضمها ، وكلها لغات . قال ابن عباس : الجذوة : قطعة حطب فيها نار ، وقال أبو عبيدة : قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لهب ، وهي مثل الجذمة من أصل الشجرة ، قال ابن مقبل :


باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزل الجذا غير خوار ولا دعر


والدعر : الذي قد نخر ، ومنه رجل داعر ، أي : فاسد

قوله تعالى: نودي من شاطئ الواد وهو : جانبه الأيمن وهو الذي عن يمين موسى في البقعة وهي القطعة من الأرض المباركة بتكليم الله موسى فيها من الشجرة أي : من ناحيتها . وفي تلك الشجرة قولان .

أحدهما : [أنها] شجرة العناب ، قاله ابن عباس .

والثاني : عوسجة ، قاله قتادة ، وابن السائب ، ومقاتل .

[ ص: 219 ] وما بعد هذا قد سبق بيانه [النمل : 10] إلى قوله : إنك من الآمنين أي : من أن ينالك مكروه .

قوله تعالى: اسلك يدك أي : أدخلها ، واضمم إليك جناحك قد فسرنا الجناح في (طه : 22) إلا أن بعض المفسرين خالف بين تفسير اللفظين ، فشرحناه . وقال ابن زيد : جناحه : الذراع والعضد والكف . وقال الزجاج : الجناح هاهنا : العضد ، ويقال لليد كلها : جناح . وحكى ابن الأنباري عن الفراء أنه قال : الجناح هاهنا : العصا . قال ابن الأنباري : الجناح للإنسان مشبه بالجناح للطائر ، ففي حال تشبه العرب رجلي الإنسان بجناحي الطائر ، فيقولون : قد مضى فلان طائرا في جناحيه ، يعنون ساعيا على قدميه ، وفي حال يجعلون العضد منه بمنزلة جناحي الطائر ، كقوله : واضمم يدك إلى جناحك ، وفي حال يجعلون العصا بمنزلة الجناح ، لأن الإنسان يدفع بها عن نفسه كدفع الطائر عن نفسه بجناحه ، كقوله : واضمم إليك جناحك من الرهب ، وإنما يوقع الجناح على هذه الأشياء تشبيها واستعارة ، كما يقال : قد قص جناح الإنسان ، وقد قطعت يده ورجله : إذا وقعت به جائحة أبطلت تصرفه ; ويقول الرجل للرجل : أنت يدي ورجلي ، أي : أنت من به أصل إلى محابي ، قال جرير :

سأشكر أن رددت إلي ريشي وأنبت القوادم في جناحي

وقالت امرأة من العرب ترثي زوجها الأغر :


يا عصمتي في النائبات ويا ركني [الأغر] ويا يدي اليمنى
لا صنت وجها كنت صائنه أبدا ووجهك في الثرى يبلى


فأما الرهب ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " من الرهب " بفتح [ ص: 220 ] الراء والهاء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " من الرهب " بضم الراء وسكون الهاء . وقرأ حفص [وأبان] عن عاصم : " من الرهب " بفتح الراء وسكون الهاء [وهي قراءة ابن مسعود ، وابن السميفع] . وقرأ أبي بن كعب ، والحسن ، وقتادة : بضم الراء والهاء . قال الزجاج : الرهب ، والرهب بمعنى واحد ، مثل الرشد ، والرشد . وقال أبو عبيدة : الرهب والرهبة بمعنى الخوف والفرق . وقال ابن الأنباري : الرهب ، والرهب ، والرهب ، مثل الشغل ، والشغل ، والشغل والبخل ، والبخل ، والبخل ، وتلك لغات ترجع إلى معنى الخوف والفرق .

وللمفسرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه لما هرب من الحية أمره الله أن يضم إليه جناحه ليذهب عنه الفزع . قال ابن عباس : المعنى : اضمم يدك إلى صدرك من الخوف ولا خوف عليك . وقال مجاهد : كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع .

والثاني : أنه لما هاله بياض يده وشعاعها ، أمر أن يدخلها في جيبه ، فعادت إلى حالتها الأولى .

والثالث : أن معنى الكلام : سكن روعك ، وثبت جأشك . قال أبو علي : ليس يراد به الضم بين الشيئين ، إنما أمر بالعزم [على ما أمر به] والجد فيه ، ومثله : اشدد حيازيمك للموت .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #427  
قديم 20-01-2023, 11:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْقَصَصِ
الحلقة (427)
صــ 221 إلى صــ 230





قوله تعالى: فذانك قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : " فذانك " بالتشديد . وقرأ الباقون : " فذانك " بالتخفيف . قال الزجاج : التشديد تثنية " ذلك " ، والتخفيف تثنية " ذاك " ، فجعل اللام في " ذلك " بدلا من تشديد النون في " ذانك " ، برهانان أي : بيانان اثنان . قال المفسرون : " فذانك " يعني [ ص: 221 ] العصا واليد ، حجتان من الله لموسى على صدقه ، إلى فرعون أي : أرسلنا بهاتين الآيتين إلى فرعون . وقد سبق تفسير ما بعد هذا [الشعراء : 14] إلى قوله : هو أفصح مني لسانا أي : أحسن بيانا ، لأن موسى كان في لسانه أثر الجمرة التي تناولها ، فأرسله معي ردءا قرأ الأكثرون : " ردءا " بسكون الدال وبعدها همزة . وقرأ أبو جعفر : " ردا " بفتح الدال وألف بعدها من غير تنوين ولا همز ; وقرأ نافع كذلك إلا أنه نون . وقال الزجاج : الردء : العون ، يقال : ردأته أردؤه ردءا : إذا أعنته .

قوله تعالى: يصدقني قرأ عاصم ، وحمزة : " يصدقني " بضم القاف . وقرأ الباقون . بسكون القاف قال الزجاج : من جزم " يصدقني " فعلى جواب المسألة : أرسله يصدقني ; ومن رفع ; فالمعنى : ردءا مصدقا لي . وأكثر المفسرين على أنه أشار بقوله : " يصدقني " إلى هارون ; وقال مقاتل بن سليمان : لكي يصدقني فرعون .

قوله تعالى: سنشد عضدك بأخيك قال الزجاج : المعنى : سنعينك بأخيك ، ولفظ العضد على جهة المثل ، لأن اليد قوامها عضدها ، وكل معين فهو عضد ، ونجعل لكما سلطانا أي : حجة بينة . وقيل للزيت : السليط ، لأنه يستضاء به ; والسلطان : أبين الحجج .

قوله تعالى: فلا يصلون إليكما أي : بقتل ولا أذى . [ ص: 222 ] وفي قوله : بآياتنا ثلاثة أقوال .

أحدها : أن المعنى : تمتنعان منهم بآياتنا وحججنا فلا يصلون إليكما .

والثاني : أنه متعلق بما بعده ، فالمعنى : بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ، أي : تغلبون بآياتنا .

والثالث : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : ونجعل لكما سلطانا بآياتنا فلا يصلون إليكما . فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين . وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون

قوله تعالى: ما هذا إلا سحر مفترى أي : ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر افتريته من قبل نفسك ولم تبعث به وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه في آبائنا الأولين ، وقال موسى ربي أعلم وقرأ ابن كثير : " قال موسى " بلا واو ، وكذلك هي في مصاحفهم بمن جاء بالهدى أي : هو أعلم بالمحق منا ، ومن تكون له عاقبة الدار وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، [والمفضل] : " يكون " بالياء والباقون بالتاء .وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين . واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين [ ص: 223 ] وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين

قوله تعالى: فأوقد لي يا هامان على الطين قال ابن قتيبة : المعنى : اصنع لي الآجر فاجعل لي صرحا أي : قصرا عاليا . وقال الزجاج : الصرح : كل بناء متسع مرتفع . وجاء في التفسير أنه لما أمر هامان- وهو وزيره- ببناء الصرح ، جمع العمال والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الأتباع ، فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد قط ، فلما تم ارتقى فرعون فوقه ، وأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء ، فردت وهي متلطخة بالدم ، فقال : قد قتلت إله موسى ، فبعث الله تعالى جبريل فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع ، فوقعت قطعة على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل ، ووقعت قطعة أخرى في البحر ، وأخرى في المغرب .

قوله تعالى: لعلي أطلع إلى إله موسى أي : أصعد إليه وأشرف عليه وإني لأظنه يعني موسى من الكاذبين في ادعائه إلها غيري . وقال ابن جرير : المعنى : أظن موسى كاذبا في ادعائه أن في السماء ربا أرسله . واستكبر هو وجنوده في الأرض يعني أرض مصر بغير الحق أي : بالباطل والظلم وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون بالبعث للجزاء . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : " يرجعون " برفع الياء ; وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي : بفتحها .

[ ص: 224 ] قوله تعالى: وجعلناهم أي : في الدنيا أئمة أي : قادة في الكفر يأتم بهم العتاة يدعون إلى النار لأن من أطاعهم دخلها ; و " ينصرون " بمعنى : يمنعون من العذاب . وما بعد هذا مفسر في (هود : 60 ، 99) .

قوله تعالى: من المقبوحين أي : من المبعدين الملعونين ; قال أبو زيد : يقال : قبح الله فلانا ، أي : أبعده من كل خير . وقال ابن جريج : معنى الآية : وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة لعنة أخرى ، ثم استقبل الكلام ، فقال : هم من المقبوحين .ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون . وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين . وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين

قوله تعالى: من بعد ما أهلكنا القرون الأولى يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم بصائر للناس أي : ليبصروا به ويهتدوا .

[ ص: 225 ] قوله تعالى: وما كنت بجانب الغربي قال الزجاج : أي : وما كنت بجانب الجبل الغربي .

قوله تعالى: إذ قضينا إلى موسى الأمر أي : أحكمنا الأمر معه بإرساله إلى فرعون وقومه وما كنت من الشاهدين لذلك الأمر ; وفي هذا بيان لصحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ، لأنهم يعلمون أنه لم يقرإ الكتب ، ولم يشاهد ما جرى ، فلولا أنه أوحي إليه ذلك ، ما علم .

قوله تعالى: ولكنا أنشأنا قرونا أي : خلقنا أمما من بعد موسى فتطاول عليهم العمر أي : طال إمهالهم فنسوا عهد الله وتركوا أمره ; وهذا [ ص: 226 ] يدل على أنه قد عهد إلى موسى وقومه عهودا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمروا بالإيمان به ، فلما طال إمهالهم ، أعرضوا عن مراعاة العهود ، وما كنت ثاويا أي : مقيما في أهل مدين فتعلم خبر موسى وشعيب وابنتيه فتتلو ذلك على أهل مكة ولكنا كنا مرسلين أرسلناك إلى أهل مكة وأخبرناك خبر المتقدمين ، ولولا ذلك ما علمته . وما كنت بجانب الطور أي : بناحية الجبل الذي كلم عليه موسى إذ نادينا موسى وكلمناه ، هذا قول الأكثرين ; وقال أبو هريرة : كان هذا النداء : يا أمة محمد ، أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وأستجيب لكم قبل أن تدعوني .

قوله تعالى: ولكن رحمة من ربك قال الزجاج : المعنى : لم تشاهد قصص الأنبياء ، ولكنا أوحينا إليك وقصصناها عليك ، رحمة من ربك .

ولولا أن تصيبهم مصيبة جواب " لولا " محذوف ، تقديره : لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة . وقيل : لولا ذلك لم نحتج إلى إرسال الرسل ومؤاثرة الاحتجاج .فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون . قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا [ ص: 227 ] لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين . ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون . وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون . وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين

قوله تعالى: فلما جاءهم يعني أهل مكة الحق من عندنا وهو محمد عليه السلام والقرآن قالوا لولا أي : هلا أوتي محمد من الآيات مثل ما أوتي موسى كالعصا واليد . قال المفسرون : أمرت اليهود قريشا أن تسأل محمدا مثل ما أوتي موسى ، فقال الله تعالى : أولم يكفروا بما أوتي موسى أي : فقد كفروا بآيات موسى ، و قالوا في المشار إليهم قولان . أحدهما : اليهود . والثاني : قريش . سحران قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " ساحران " . تظاهرا أي : تعاونا . وروى العباس الأنصاري عن أبي عمرو : " تظاهرا " بتشديد الظاء .

وفيمن عنوا ثلاثة أقوال .

أحدها : موسى ومحمد ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ; فعلى هذا هو من قول مشركي العرب .

والثاني : موسى وهارون ، قاله مجاهد ; فعلى هذا هو من قول اليهود لهما في ابتداء الرسالة .

[ ص: 228 ] والثالث : محمد وعيسى ، قاله قتادة ; فعلى هذا هو من قول اليهود الذين لم يؤمنوا بنبينا .

وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " سحران " وفيه ثلاثة أقوال .

أحدها : التوراة والفرقان ، قاله ابن عباس ، والسدي .

والثاني : الإنجيل والقرآن ، قاله قتادة .

والثالث : التوراة والإنجيل ، قاله أبو مجلز ، وإسماعيل بن أبي خالد . ومعنى الكلام : كل سحر منهما يقوي الآخر ، فنسب التظاهر إلى السحرين توسعا في الكلام ، وقالوا إنا بكل كافرون يعنون ما تقدم ذكره على اختلاف الأقوال ، فقال الله لنبيه قل لكفار مكة فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أي : من التوراة والقرآن ، إن كنتم صادقين أنهما ساحران . فإن لم يستجيبوا لك أي : فإن لم يأتوا بمثل التوراة والقرآن ، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم أي : أن ما ركبوه من الكفر لم يحملهم عليه حجة ، وإنما آثروا فيه الهوى ومن أضل أي : ولا أحد أضل ممن اتبع هواه بغير هدى أي : بغير رشاد ولا بيان جاء من الله . ولقد وصلنا لهم القول وقرأ الحسن ، وأبو المتوكل ، وابن يعمر : " وصلنا " بتخفيف الصاد .

وفي المشار إليهم قولان .

أحدهما أنهم قريش ، قاله الأكثرون ، منهم مجاهد .

والثاني : اليهود ، قاله رفاعة القرظي .

والمعنى : أنزلنا القرآن يتبع بعضه بعضا ، ويخبر عن الأمم الخالية كيف عذبوا لعلهم يتعظون .

الذين آتيناهم الكتاب وفيهم ثلاثة أقوال . [ ص: 229 ] أحدها : أنهم مؤمنو أهل الكتاب ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والثاني : مسلمو أهل الإنجيل ، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه أحدا ، فنزلت فيهم هذه الآية .

والثالث : مسلمو اليهود ، كعبد الله بن سلام وغيره ، قاله السدي .

قوله تعالى: من قبله أي : من قبل القرآن هم به في هاء الكناية قولان . أحدهما : أنها ترجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن ذكره كان مكتوبا [عندهم] في كتبهم ، فآمنوا به . والثاني : إلى القرآن .

قوله تعالى: وإذا يتلى عليهم يعني القرآن قالوا آمنا به ، إنا كنا من قبله أي : من قبل نزول القرآن مسلمين أي : مخلصين لله مصدقين بمحمد ، وذلك لأن ذكره كان في كتبهم فآمنوا به أولئك يؤتون أجرهم مرتين في المشار إليهم قولان .

أحدهما : أنهم مؤمنو أهل الكتاب ، وهذا قول الجمهور ، وهو الظاهر [ ص: 230 ] وفيما صبروا عليه قولان . أحدهما : أنهم صبروا على الكتاب الأول ، وصبروا على اتباعهم محمدا ، قاله قتادة ، وابن زيد . والثاني : أنهم صبروا على الإيمان بمحمد قبل أن يبعث ، ثم على اتباعه حين بعث ، قاله الضحاك .

والقول الثاني : أنهم قوم من المشركين أسلموا ، فكان قومهم يؤذونهم ، فصبروا على الأذى ، قاله مجاهد .

قوله تعالى: ويدرءون بالحسنة السيئة فيه أقوال قد شرحناها في (الرعد : 22) .

قوله تعالى: وإذا سمعوا اللغو فيه ثلاث أقوال .

أحدها : الأذى والسب ، قاله مجاهد . والثاني : الشرك ، قاله الضحاك . والثالث : أنهم قوم من اليهود آمنوا ، فكانوا يسمعون ما غير اليهود من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكرهون ذلك ويعرضون عنه ، قاله ابن زيد . وهل هذا منسوخ ، أم لا؟ فيه قولان .

وفي قوله : وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم قولان .

أحدهما : لنا ديننا ولكم دينكم . والثاني : لنا حلمنا ولكم سفهكم .

سلام عليكم قال الزجاج : لم يريدوا التحية ، وإنما أرادوا : بيننا وبينكم المتاركة ، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال . وذكر المفسرون أن هذا منسوخ بآية السيف .

وفي قوله : لا نبتغي الجاهلين ثلاثة أقوال .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #428  
قديم 20-01-2023, 11:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْقَصَصِ
الحلقة (428)
صــ 231 إلى صــ 240







أحدها : لا نبتغي دين الجاهلين . والثاني : لا نطلب مجاورتهم . والثالث : لا نريد أن نكون جهالا .[ ص: 231 ] إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين . وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين

قوله تعالى: إنك لا تهدي من أحببت قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين [التوبة : 113] ، وقد روى مسلم فيما انفرد به عن البخاري من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه : " قل : لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة " ، فقال : لولا أن تعيرني نساء قريش ، يقلن : إنما حمله على ذلك الجزع ، لأقررت بها عينك ، فأنزل الله عز وجل : إنك لا تهدي من أحببت . قال الزجاج : أجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب .

[ ص: 232 ] وفي قوله : من أحببت قولان .

أحدهما : من أحببت هدايته . والثاني : من أحببته لقرابته .

ولكن الله يهدي من يشاء أي : يرشد لدينه من يشاء وهو أعلم بالمهتدين أي : من قدر له الهدى .

قوله تعالى: وقالوا إن نتبع الهدى معك قال ابن عباس في رواية العوفي : هم ناس من قريش قالوا ذلك . وقال في رواية ابن أبي مليكة : أن الحارث بن عامر بن نوفل قال ذلك . وذكر مقاتل أن الحارث بن عامر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لنعلم أن الذي تقول حق ، ولكن يمنعنا أن نتبع [الهدى] معك مخافة أن تتخطفنا العرب من أرضنا ، يعنون مكة . ومعنى الآية : إن اتبعناك على دينك خفنا العرب لمخالفتنا إياها . والتخطف : الانتزاع بسرعة ; فرد الله عليهم قولهم ، فقال : أولم نمكن لهم حرما أي : أو لم نسكنهم [ ص: 233 ] حرما ونجعله مكانا لهم ، ومعنى آمنا :ذو أمن يأمن فيه الناس ، وذلك أن العرب كان يغير بعضها على بعض ، وأهل مكة آمنون في الحرم من القتل والسبي والغارة ، أي : فكيف يخافون إذا أسلموا وهم في حرم آمن؟! يجبى [قرأ نافع : " تجبي " بالتاء] ، أي : تجمع إليه وتحمل من [كل] النواحي الثمرات ، رزقا من لدنا أي : من عندنا ولكن أكثرهم يعني أهل مكة لا يعلمون أن الله هو الذي فعل بهم ذلك فيشكرونه . ومعنى الآية : إذا كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري ، فكيف تخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي؟! ثم خوفهم عذاب الأمم الخالية فقال : وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها قال الزجاج : " معيشتها " منصوبة بإسقاط " في " ، والمعنى : بطرت في معيشتها ، والبطر : الطغيان في النعمة . قال عطاء : عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام .

قوله تعالى: فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا قال ابن عباس : لم يسكنها إلا المسافرون ومار الطريق يوما أو ساعة ، والمعنى : لم تسكن من بعدهم إلا سكونا قليلا وكنا نحن الوارثين أي : لم يخلفهم أحد بعد هلاكهم في منازلهم ، فبقيت خرابا غير مسكونة . وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون . أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين

وما كان ربك مهلك القرى يعني القرى الكافر أهلها حتى يبعث [ ص: 234 ] في أمها أي : في أعظمها رسولا ، وإنما خص الأعظم ببعثة الرسول ، لأن الرسول إنما يبعث إلى الأشراف ، وأشراف القوم ملوكهم وإنما يسكنون المواضع التي هي أم ما حولها . وقال قتادة : أم القرى : مكة ، والرسول : محمد .

قوله تعالى: يتلو عليهم آياتنا قال مقاتل : يخبرهم الرسول أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا .

قوله تعالى: وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون أي : بظلمهم أهلكهم . وظلمهم : شركهم . وما أوتيتم من شيء أي : ما أعطيتم من مال وخير فمتاع الحياة الدنيا تتمتعون به أيام حياتكم ثم يفنى وينقضي ، وما عند الله من الثواب خير وأبقى أفضل وأدوم لأهله أفلا تعقلون أن الباقي أفضل من الفاني؟!

قوله تعالى: أفمن وعدناه وعدا حسنا اختلف فيمن نزلت على أربعة أقوال . أحدها : أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل . والثاني : في علي وحمزة عليهما السلام ، وأبي جهل . والقولان مرويان عن مجاهد . والثالث : في المؤمن والكافر ، قاله قتادة . والرابع : في عمار والوليد بن المغيرة ، قاله السدي . [ ص: 235 ] وفي الوعد الحسن قولان . أحدهما : الجنة . والثاني : النصر .

قوله تعالى: فهو لاقيه أي : مصيبه ومدركه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا أي : كمن هو ممتع بشيء يفنى ويزول عن قريب ثم هو يوم القيامة من المحضرين فيه قولان . أحدهما : من المحضرين في عذاب الله ، قاله قتادة . والثاني : من المحضرين للجزاء ، حكاه الماوردي . ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون . قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون . ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون . فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين

قوله تعالى: ويوم يناديهم أي : ينادي الله تعالى المشركين يوم القيامة فيقول أين شركائي هذا على حكاية قولهم ; والمعنى : أين شركائي في قولكم؟! قال الذين حق عليهم القول أي : وجب عليهم العذاب ، وهم رؤساء الضلالة، [ ص: 236 ] وفيهم قولان . أحدهما : أنهم رؤوس المشركين . والثاني : أنهم الشياطين ربنا هؤلاء الذين أغوينا يعنون الأتباع أغويناهم كما غوينا أي : أضللناهم كما ضللنا تبرأنا إليك أي : تبرأنا منهم إليك ; والمعنى أنهم يتبرأ بعضهم من بعض ويصيرون أعداء . وقيل لكفار بني آدم ادعوا شركاءكم أي : استغيثوا بآلهتكم لتخلصكم من العذاب فدعوهم فلم يستجيبوا لهم أي : فلم يجيبوهم إلى نصرهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون قال الزجاج : جواب " لو " محذوف ; والمعنى : لو [أنهم] كانوا يهتدون لما اتبعوهم ولما رأوا العذاب .

قوله تعالى: ويوم يناديهم أي : ينادي الله الكفار ويسألهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين . فعميت عليهم الأنباء وقرأ أبو رزين العقيلي ، وقتادة ، وأبو العالية ، وأبو المتوكل ، وعاصم الجحدري : " فعميت " برفع العين وتشديد الميم . قال المفسرون : خفيت عليهم الحجج ، وسميت أنباء ، لأنها أخبار يخبر بها . قال ابن قتيبة : والمعنى : عموا عنها- من شدة الهول- فلم يجيبوا ، و " الأنباء " هاهنا : الحجج .

قوله تعالى: فهم لا يتساءلون فيه ثلاثة أقوال . أحدها : لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجة ، قاله الضحاك . والثاني : أن المعنى سكتوا فلا يتساءلون في تلك الساعة ، قاله الفراء . والثالث : لا يسأل بعضهم بعضا أن يحمل عنه شيئا من ذنوبه ، حكاه الماوردي .

فأما من تاب من الشرك وآمن أي : صدق بتوحيد الله وعمل صالحا أدى الفرائض فعسى أن يكون من المفلحين و " عسى " من الله واجب . [ ص: 237 ] وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون . وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون

قوله تعالى: وربك يخلق ما يشاء ويختار روى العوفي عن ابن عباس في قوله : وربك يخلق ما يشاء ويختار قال : كانوا يجعلون لآلهتهم خير أموالهم في الجاهلية . وقال مقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة حين قال : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [الزخرف : 31] ; والمعنى أنه لا تبعث الرسل باختيارهم . قال الزجاج : والوقف الجيد على قوله : ويختار وتكون " ما " نفيا ; والمعنى : ليس لهم أن يختاروا على الله ; ويجوز أن تكون " ما " بمعنى " الذي " ، فيكون المعنى : ويختار الذي لهم فيه الخيرة مما يتعبدهم به ويدعوهم إليه ; قال الفراء : والعرب تقول لما تختاره : أعطني الخيرة والخيرة والخيرة ، قال ثعلب : كلها لغات .

قوله تعالى: ما تكن صدورهم أي : ما تخفي من الكفر والعداوة وما يعلنون بألسنتهم .

[ ص: 238 ] قوله تعالى: له الحمد في الأولى والآخرة [أي] : يحمده أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الجنة وله الحكم وهو الفصل بين الخلائق والسرمد : الدائم . قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون . قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون . ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون

قوله تعالى: أفلا تسمعون أي : سماع فهم وقبول فتستدلوا بذلك على وحدانية الله تعالى؟! ومعنى تسكنون فيه : تستريحون من الحركة والنصب أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ والضلالة؟! ثم أخبر أن الليل والنهار رحمة منه . وقوله : لتسكنوا فيه يعني في الليل ولتبتغوا من فضله أي : لتلتمسوا من رزقه بالمعاش في النهار ولعلكم تشكرون الذي أنعم عليكم بهما .

قوله تعالى: ونزعنا من كل أمة شهيدا أي : أخرجنا من كل أمة رسولها الذي يشهد عليها بالتبليغ فقلنا هاتوا برهانكم أي : حجتكم على ما كنتم تعبدون من دوني فعلموا أن الحق لله أي : علموا أنه لا إله إلا هو وضل عنهم أي : بطل في الآخرة ما كانوا يفترون في الدنيا من الشركاء . [ ص: 239 ] إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين . وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين

قوله تعالى: إن قارون كان من قوم موسى أي : من عشيرته ; وفي نسبه إلى موسى ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه كان ابن عمه ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عبد الله بن الحارث ، وإبراهيم ، وابن جريج .

والثاني : ابن خالته ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثالث : أنه كان عم موسى ، قاله ابن إسحاق .

قال الزجاج : " قارون " اسم أعجمي لا ينصرف ، ولو كان " فاعولا " من العربية من " قرنت الشيء " لا نصرف .

قوله تعالى: فبغى عليهم فيه خمسة أقوال . أحدها : أنه جعل لبغي جعلا على أن تقذف موسى بنفسها ، ففعلت ، فاستحلفها موسى على ما قالت ، فأخبرته بقصتها ، فكان هذا بغيه ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه بغى بالكفر بالله تعالى ، قاله الضحاك . والثالث : بالكبر ، قاله قتادة . والرابع : أنه زاد في طول ثيابه شبرا ، قاله عطاء الخراساني ، وشهر بن حوشب . والخامس : أنه كان يخدم فرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم حكاه الماوردي . [ ص: 240 ] وفي المراد بمفاتحه قولان .

أحدهما : أنها مفاتيح الخزائن التي تفتح بها الأبواب ، قاله مجاهد ، وقتادة . وروى الأعمش عن خيثمة قال : كانت مفاتيح قارون وقر ستين بغلا ، وكانت من جلود ، كل مفتاح مثل الإصبع .

والثاني : أنها خزائنه ، قاله السدي ، وأبو صالح ، والضحاك . قال الزجاج : وهذا الأشبه أن تكون مفاتحه خزائن ماله ; وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة . قال أبو صالح : كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا .

قوله تعالى: لتنوء بالعصبة أي : تثقلهم وتميلهم . ومعنى الكلام : لتنئ العصبة ، فلما دخلت الباء في " العصبة " انفتحت التاء ، كما تقول : هذا يذهب بالأبصار ، وهذا يذهب الأبصار ، وهذا اختيار الفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج في آخرين . وقال بعضهم : هذا من المقلوب ، وتقديره : ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه ، كما يقال : إنها لتنوء بها عجيزتها ، أي : هي تنوء بعجيزتها وأنشدوا :


فديت بنفسه نفسي ومالي وما آلوك إلا ما أطيق


أي : فديت بنفسي وبمالي نفسه ، وهذا اختيار أبي عبيدة ، والأخفش . وقد بينا معنى العصبة في سورة (يوسف : 8) ، و[في] المراد بها [ها هنا] ستة أقوال . أحدها : أربعون رجلا ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : خمسة عشر ، قاله مجاهد . والرابع : فوق العشرة إلى الأربعين ، قاله قتادة . والخامس : سبعون رجلا ، قاله أبو صالح . والسادس : ما بين الخمسة عشر إلى الأربعين ، حكاه الزجاج .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #429  
قديم 20-01-2023, 11:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْقَصَصِ
الحلقة (429)
صــ 241 إلى صــ 250






[ ص: 241 ] قوله تعالى: إذ قال له قومه في القائل له قولان . أحدهما : أنهم المؤمنون من قومه ، قاله السدي . والثاني : أنه قول موسى له ، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: لا تفرح قال ابن قتيبة : المعنى : لا تأشر ، ولا تبطر ، قال الشاعر :


ولست بمفراح إذا الدهر سرني ولا جازع من صرفه المتحول


أي : لست بأشر ، فأما السرور ، فليس بمكروه . إن الله لا يحب الفرحين وقرأ أبو رجاء ، وأبو حيوة ، وعاصم الجحدري ، وابن أبي عبلة : " الفارحين " [بألف] .

قوله تعالى: وابتغ فيما آتاك الله أي : اطلب فيما أعطاك الله من الأموال . وقرأ أبو المتوكل ، وابن السميفع : " واتبع " بتشديد التاء وكسر الباء بعدها وعين ساكنة غير معجمة (الدار الآخرة) وهي : الجنة ; وذلك يكون بإنفاقه في رضى الله تعالى وشكر المنعم به ولا تنس نصيبك من الدنيا فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أن يعمل في الدنيا للآخرة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والجمهور . والثاني : أن يقدم الفضل ويمسك ما يغنيه ، قاله الحسن . والثالث : أن يستغني بالحلال عن الحرام ، قاله قتادة .

وفي معنى : وأحسن كما أحسن الله إليك ثلاثة أقوال حكاها الماوردي . أحدها : أعط فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك . والثاني : أحسن فيما [ ص: 242 ] افترض عليك كما أحسن في إنعامه إليك . والثالث : أحسن في طلب الحلال كما أحسن إليك في الإحلال .

قوله تعالى: ولا تبغ الفساد في الأرض فتعمل فيها بالمعاصي .

قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون .

قوله تعالى: إنما أوتيته يعني المال على علم عندي فيه خمسة أقوال .

أحدها : على علم عندي بصنعة الذهب ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ; قال الزجاج : وهذا لا أصل له ، لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له . والثاني : برضى الله عني قاله ابن زيد . والثالث : على خير علمه الله عندي ، قاله مقاتل . والرابع : إنما أعطيته لفضل علمي ، قاله الفراء . قال الزجاج : ادعى أنه أعطي المال لعلمه بالتوراة . والخامس : على علم عندي بوجوه المكاسب ، حكاه الماوردي .

[ ص: 243 ] قوله تعالى: أولم يعلم يعني قارون أن الله قد أهلك بالعذاب من قبله من القرون في الدنيا حين كذبوا رسلهم من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا للأموال .

وفي قوله : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ثلاثة أقوال . أحدها : لا يسألون ليعلم ذلك من قبلهم وإن سئلوا سؤال توبيخ ، قاله الحسن . والثاني : أن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا تسألهم عن ذنوبهم ، قاله مجاهد . والثالث : يدخلون النار بغير حساب ، قاله قتادة . وقال السدي : يعذبون ولا يسألون عن ذنوبهم .
فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم . وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون

قوله تعالى: فخرج على قومه في زينته قال الحسن : في ثياب حمر وصفر ; وقال عكرمة : في ثياب معصفرة . وقال وهب بن منبه : خرج على بغلة شهباء عليها سرج أحمر من أرجوان ومعه أربعة آلاف مقاتل ، وثلاثمائة وصيفة عليهن الحلي والزينة على بغال بيض . قال الزجاج : الأرجوان في اللغة : صبغ أحمر .

قوله تعالى: لذو حظ أي : لذو نصيب وافر من الدنيا .

[وقوله] : وقال الذين أوتوا العلم قال ابن عباس : يعني الأحبار من بني إسرائيل . وقال مقاتل : الذين أوتوا العلم بما وعد الله في الآخرة قالوا للذين تمنوا ما أوتي [قارون] ويلكم ثواب الله أي : ما عنده من الجزاء خير لمن آمن مما أعطي قارون .

[ ص: 244 ] قوله تعالى: ولا يلقاها قال أبو عبيدة : لا يوفق لها ويرزقها . وقرأ أبي بن كعب ، وابن أبي عبلة : " ولا يلقاها " بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف . وفي المشار إليها ثلاثة أقوال .

أحدها : أنها الأعمال الصالحة ، قاله مقاتل . والثاني : أنها الجنة ، والمعنى : لا يعطاها في الآخرة إلا الصابرون على أمر الله ، قاله ابن السائب .

والثالث : أنها الكلمة التي قالوها ، وهي قولهم : " ثواب الله خير " ، قاله الفراء .فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون

قوله تعالى: فخسفنا به وبداره الأرض لما أمر قارون البغي [ ص: 245 ] بقذف موسى على ما سبق شرحه [القصص: 76] غضب موسى فدعا عليه ، فأوحى الله تعالى إليه : إني قد أمرت الأرض أن تطيعك فمرها ; فقال موسى : يا أرض خذيه ، فأخذته حتى غيبت سريره ، فلما رأى ذلك ناشده بالرحم ، فقال : خذيه ، فأخذته حتى غيبت قدميه ; فما زال يقول : خذيه ، حتى غيبته ، فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى ما أفظك ، وعزتي وجلالي لو استغاث بي لأغثته . قال ابن عباس : فخسفت به الأرض إلى الأرض السفلى . وقال سمرة بن جندب . إنه يخسف به كل يوم قامة ، فتبلغ به الأرض السفلى يوم القيامة . وقال مقاتل : فلما هلك قارون قال بنو إسرائيل : إنما أهلكه موسى ليأخذ ماله وداره ، فخسف الله بداره وماله بعده بثلاثة أيام .

قوله تعالى: ينصرونه من دون الله أي : يمنعونه من الله وما كان من المنتصرين أي : من الممتنعين مما نزل به . ثم أعلمنا أن المتمنين مكانه ندموا على ذلك التمني بالآية التي تلي هذه .

[ ص: 246 ] وقوله : لخسف بنا الأكثرون على ضم الخاء وكسر السين . وقرأ يعقوب ، والوليد عن ابن عامر ، وحفص ، وأبان عن عاصم : بفتح الخاء والسين .

فأما قوله : " ويك " فقال ابن عباس : معناه : ألم تر ، وكذلك قال أبو عبيدة ، والكسائي . وقال الفراء : " ويك أن " في كلام العرب تقرير ، كقول الرجل : أما ترى إلى صنع الله وإحسانه ، أنشدني بعضهم :


ويك أن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضر


وقال ابن الأنباري : في قوله " ويكأنه " ثلاثة أوجه .

إن شئت قلت : " ويك " حرف ، و " أنه " حرف ; والمعنى : ألم تر أنه ، والدليل على هذا قول الشاعر :
سألتاني الطلاق أن رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر
ويك أن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضر


والثاني : أن يكون " ويك " حرفا ، و " أنه " حرفا . والمعنى : ويلك أعلم أنه ، فحذفت اللام ، كما قالوا : قم لا أبا لك ، يريدون : لا أبا لك ، وأنشدوا :


أبالموت الذي لا بد أني ملاق لا أباك تخوفيني


أراد لا أبا لك فحذف اللام .

[ ص: 247 ] والثالث : أن يكون " وي " حرفا ، و " كأنه " حرفا ، فيكون معنى " وي " التعجب ، كما تقول : وي لم فعلت كذا كذا ، ويكون معنى " كأنه " : أظنه وأعلمه ، كما تقول في الكلام : كأنك بالفرج قد أقبل ; فمعناه : أظن الفرج مقبلا . وإنما وصلوا الياء بالكاف في قوله : ويكأنه لأن الكلام بهما كثر ، كما جعلوا " يا ابن أم " في المصحف حرفا واحدا ، وهما حرفان [طه : 94] . وكان جماعة منهم يعقوب ، يقفون على " ويك " في الحرفين ، ويبتدؤون " أن " و " أنه " في الموضعين . وذكر الزجاج عن الخليل أنه قال : " وي " مفصولة من " كأن " ، وذلك أن القوم تندموا فقالوا : " وي " متندمين على ما سلف منهم ، وكل من ندم فأظهر ندامته قال : وي . وحكى ابن قتيبة عن بعض العلماء أنه قال : معنى " ويكأن " : رحمة لك ، بلغة حمير .

قوله تعالى: لولا أن من الله علينا أي : بالرحمة والمعافاة والإيمان لخسف بنا .[ ص: 248 ] تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون

قوله تعالى: تلك الدار الآخرة يعني الجنة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض وفيه خمسة أقوال . أحدها : أنه البغي ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : الشرف والعز ، قاله الحسن . والثالث : الظلم ، قاله الضحاك . والرابع : الشرك ، قاله يحيى بن سلام . والخامس : الاستكبار عن الإيمان ، قاله مقاتل .

قوله تعالى: ولا فسادا فيه قولان . أحدهما : العمل بالمعاصي ، قاله عكرمة . والثاني : الدعاء إلى غير عبادة الله ، قاله ابن السائب .

قوله تعالى: والعاقبة للمتقين أي : العاقبة المحمودة لهم .

قوله تعالى: من جاء بالحسنة قد فسرناه في سورة (النمل:89) .

[ ص: 249 ] قوله تعالى: فلا يجزى الذين عملوا السيئات يريد الذين أشركوا إلا ما كانوا يعملون أي : إلا جزاء عملهم من الشرك ، وجزاؤه النار . إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون

قوله تعالى: إن الذي فرض عليك القرآن قال مقاتل : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغار ليلا ، فمضى من وجهه إلى المدينة فسار في غير الطريق مخافة الطلب ; فلما أمن رجع إلى الطريق فنزل الجحفة بين مكة والمدينة ، فعرف الطريق إلى مكة ، فاشتاق إليها ، وذكر مولده ، فأتاه جبريل فقال : أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ قال : نعم ; قال : فإن الله تعالى يقول : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ، فنزلت هذه الآية بالجحفة .

وفي معنى فرض عليك ثلاثة أقوال : أحدها فرض عليك العمل [ ص: 250 ] بالقرآن ، قاله عطاء بن أبي رباح ، وابن قتيبة . والثاني : أعطاك القرآن ، قاله مجاهد والثالث : أنزل عليك القرآن ، قاله مقاتل ، والفراء ، وأبو عبيدة .

وفي قوله : لرادك إلى معاد أربعة أقوال .

أحدها : إلى مكة ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية ، والضحاك . قال ابن قتيبة : معاد الرجل : بلده ، لأنه يتصرف [في البلاد ويضرب في الأرض] ثم يعود إلى بلده .

والثاني : إلى معادك من الجنة ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والزهري . فإن اعترض على هذا فقيل : الرد يقتضي أنه قد كان فيما رد إليه ; فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها : أنه لما كان أبوه آدم في الجنة ثم أخرج . كان كأن ولده أخرج منها ، فإذا دخلها فكأنه أعيد . والثاني : أنه دخلها ليلة المعراج ، فإذا دخلها يوم القيامة كان ردا إليها ، ذكرهما ابن جرير . والثالث : أن العرب تقول : رجع الأمر إلى كذا ، وإن لم يكن له كون فيه قط ، وأنشدوا :


[وما المرء إلا كالشهاب وضوئه] يحور رمادا بعد إذ هو ساطع


وقد شرحنا هذا في قوله : وإلى الله ترجع الأمور [البقرة: 210] .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #430  
قديم 20-01-2023, 11:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ
الحلقة (430)
صــ 251 إلى صــ 260






[ ص: 251 ] والثالث : لرادك إلى الموت ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال أبو سعيد الخدري .

والرابع : لرادك إلى القيامة بالبعث ، قاله الحسن ، والزهري ، ومجاهد في رواية ، والزجاج .

ثم ابتدأ كلاما يرد به على الكفار حين نسبوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الضلال ، فقال : قل ربي أعلم من جاء بالهدى والمعنى قد علم أني جئت بالهدى ، وأنكم في ضلال مبين . ثم ذكره نعمه ، فقال : وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب أي : أن تكون نبيا وأن يوحى إليك القرآن إلا رحمة من ربك قال الفراء : هذا استثناء منقطع ، والمعنى : إلا أن ربك رحمك فأنزله عليك فلا تكونن ظهيرا للكافرين أي : عونا لهم على دينهم ، وذلك أنهم دعوه إلى دين آبائه فأمر بالاحتراز منهم ; والخطاب بهذا وأمثاله له ، والمراد أهل دينه لئلا يظاهروا الكفار ولا يوافقوهم .

قوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه فيه قولان .

[ ص: 252 ] أحدهما : إلا ما أريد به وجهه ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال الثوري . والثاني : إلا هو ، قاله الضحاك ، وأبو عبيدة .

قوله تعالى: له الحكم أي : الفصل بين الخلائق في الآخرة دون غيره وإليه ترجعون في الآخرة .


[ ص: 253 ] سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ

فَصْلٌ فِي نُزُولِهَا

رَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَعَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَمُقَاتِلٌ . وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ . وَقَالَ هِبَةُ اللَّهِ [ابْنُ سَلَامَةَ] الْمُفَسِّرُ: نَزَلَ مِنَ أَوَّلِهَا إِلَى رَأْسِ الْعَشْرِ بِمَكَّةَ، وَبَاقِيهَا بِالْمَدِينَةِ . وَقَالَ غَيْرُهُ عَكْسَ هَذَا: نَزَلَ الْعَشْرُ بِالْمَدِينَةِ، وَبَاقِيهَا بِمَكَّةَ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ

قَوْلُهُ تَعَالَى: الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

[ ص: 254 ] أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، كَتَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى إِخْوَانِهِمْ بِمَكَّةَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْكُمْ إِسْلَامُكُمْ حَتَّى تُهَاجِرُوا، فَخَرَجُوا نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَأَدْرَكَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَرَدُّوهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ عَشْرَ آيَاتٍ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ يُخْبِرُونَهُمْ بِمَا نَزَلَ فِيهِمْ، فَقَالُوا: نَخْرُجُ، فَإِنِ اتَّبَعَنَا أَحَدٌ قَاتَلْنَاهُ، فَخَرَجُوا فَاتَّبَعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَجَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا [النَّحْلِ: 110]، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ .

وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ إِذْ كَانَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مِهْجَعٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ قُتِلَ بِبَدْرٍ، فَجَزِعَ عَلَيْهِ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبَوَيْهِ وَامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْآيَةَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَحَسِبَ النَّاسُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ بِالنَّاسِ: الَّذِينَ آمَنُوا بِمَكَّةَ، كَعَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ، وَغَيْرِهِمْ .

قَالَ الزَّجَّاجُ: لَفْظُ الْآيَةِ اسْتِخْبَارٌ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى التَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ; وَالْمَعْنَى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا بِأَنْ يَقُولُوا: آمَنَّا، وَلِأَنْ يَقُولُوا: آمَنَّا، أَيْ: أَحَسِبُوا أَنْ يُقْنَعَ مِنْهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا: إِنَّا مُؤْمِنُونَ، فَقَطْ، وَلَا يُمْتَحَنُونَ بِمَا يُبَيِّنُ [ ص: 255 ] حَقِيقَةَ إِيمَانِهِمْ، وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ أَيْ: لَا يُخْتَبَرُونَ بِمَا يُعْلَمُ بِهِ صِدْقُ إِيمَانِهِمْ مِنْ كَذِبِهِ .

وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: لَا يُفْتَنُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِالْقَتْلِ وَالتَّعْذِيبِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ ٌ . وَالثَّانِي: لَا يُبْتَلَوْنَ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَيِ: ابْتَلَيْنَاهُمْ وَاخْتَبَرْنَاهُمْ، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: فَلَيَرَيَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانِهِمْ عِنْدَ الْبَلَاءِ إِذَا صَبَرُوا لِقَضَائِهِ وَلَيَرَيَنَّ الْكَاذِبِينَ فِي إِيمَانِهِمْ إِذَا شَكُّوا عِنْدَ الْبَلَاءِ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ .

وَالثَّانِي: فَلْيُمَيِّزَنَّ، لِأَنَّهُ [قَدْ] عِلَمَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ .

وَالثَّالِثُ : فَلَيُظْهِرَنَّ ذَلِكَ حَتَّى يُوجَدَ مَعْلُومًا، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيُّ .

وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: " فَلَيُعْلِمَنَّ اللَّهُ " " وَلَيُعْلِمَنَّ الْكَاذِبِينَ " " وَلَيُعْلِمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيُعْلِمَنَّ الْمُنَافِقِينَ " [الْعَنْكَبُوتِ: 11] بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ أَيْ: أَيَحْسَبُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ [ ص: 256 ] يَعْنِي الشِّرْكَ أَنْ يَسْبِقُونَا أَيْ: يَفُوتُونَا وَيُعْجِزُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ أَيْ: بِئْسَ مَا حَكَمُوا لِأَنْفُسِهِمُ حِينَ ظَنُّوا ذَلِكَ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَنَى بِهِمُ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأَبَا جَهْلٍ، وَالْعَاصَ بْنَ هِشَامٍ، وَغَيْرَهُمْ .من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم . ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون .

قوله تعالى: من كان يرجو لقاء الله قد شرحناه في آخر (الكهف) فإن أجل الله لآت يعني الأجل المضروب للبعث; والمعنى: فليعمل لذلك اليوم وهو السميع لما يقول العليم بما يعمل . ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه أي: إن ثوابه إليه يرجع .

قوله تعالى: لنكفرن عنهم سيئاتهم أي: لنبطلنها حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون أي: بأحسن أعمالهم، وهو الطاعة، ولا نجزيهم بمساوئ أعمالهم .ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين

قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وقرأ أبي بن كعب، وأبو مجلز : وعاصم الجحدري: " إحسانا " بألف . وقرأ ابن مسعود ، وأبو رجاء : " حسنا " بفتح الحاء والسين .

[ ص: 257 ] روى أبو عثمان النهدي عن سعد بن أبي وقاص، قال: في أنزلت هذه الآية ،كنت رجلا برا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد! ما هذا الدين الذي قد أحدثت، لتدعن دينك هذا أولا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أماه، إني لا أدع ديني هذا لشيء، قال: فمكثت يوما وليلة لا تأكل، فأصبحت قد جهدت، ثم مكثت يوما آخر وليلة لا تأكل، فلما رأيت ذلك قلت: تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء، فكلي، وإن شئت لا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت، فأنزلت هذه الآية . وقيل: إنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة، وقد جرى له مع أمه نحو هذا . وذكر بعض المفسرين أن هذه الآية، والتي في (لقمان): 15 وفي (الأحقاف): 15 نزلن في قصة سعد .

[ ص: 258 ] قال الزجاج: من قرأ: " حسنا " فمعناه: ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن، ومن قرأ: " إحسانا " فمعناه: ووصينا الإنسان أن يحسن إلى والديه، وكان " حسنا " أعم في البر .

وإن جاهداك قال أبو عبيدة: مجاز هذا الكلام مجاز المختصر الذي فيه ضمير، والمعنى: وقلنا له: وإن جاهداك .

قوله تعالى: لتشرك بي معناه: لتشرك بي شريكا لا تعلمه لي وليس لأحد بذلك علم، فلا تطعهما .

قوله تعالى: لندخلنهم في الصالحين أي: في زمرة الصالحين في الجنة . وقال مقاتل: " في " بمعنى " مع " .ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين . وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين

قوله تعالى: ومن الناس من يقول آمنا بالله اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون إلى بدر فارتدوا، رواه عكرمة عن ابن عباس .

[ ص: 259 ] والثاني: نزلت في قوم كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة في أنفسهم وأموالهم افتتنوا، قاله مجاهد .

والثالث : نزلت في ناس من المنافقين بمكة . كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا وأصابهم بلاء من المشركين رجعوا إلى الشرك، قاله الضحاك .

والرابع : أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة، كان أسلم، فخاف على نفسه من أهله وقومه، فخرج من مكة هاربا إلى المدينة، وذلك قبل قدوم رسول الله صلى الله وعليه وسلم إلى المدينة، فجزعت أمه فقالت لأخويه أبي جهل والحارث ابني هشام- وهما أخواه لأمه-: والله لا آوي بيتا ولا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى تأتياني به، فخرجا في طلبه فظفرا به فلم يزالا به، حتى تابعهما وجاءا به إليها، فقيدته، وقالت: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بمحمد، ثم أقبلت تجلده بالسياط وتعذبه حتى كفر بمحمد عليه السلام جزعا من الضرب، فنزلت [فيه] هذه الآية، ثم هاجر بعد وحسن إسلامه، هذا قول ابن السائب، ومقاتل، وفي رواية عن مقاتل أنهما جلداه في الطريق مائتي جلدة، فتبرأ من دين محمد، فنزلت هذه الآية .

قوله تعالى: فإذا أوذي في الله أي: ناله أذى أو عذاب بسبب إيمانه جعل فتنة الناس أي: ما يصيبه من عذابهم في الدنيا كعذاب الله في [ ص: 260 ] الآخرة; وإنما ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذى في الله تعالى لما يرجو من ثوابه ولئن جاء نصر من ربك يعني دولة للمؤمنين ليقولن يعني المنافقين للمؤمنين إنا كنا معكم على دينكم، فكذبهم الله عز وجل وقال: أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين من الإيمان والنفاق . وقد فسرنا الآية التي تلي هذه في أول السورة .
وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون .

قوله تعالى: اتبعوا سبيلنا يعنون: ديننا . قال مجاهد: هذا قول كفار قريش لمن آمن من أهل مكة، قالوا لهم: لا نبعث نحن ولا أنتم فاتبعونا، فإن كان عليكم شيء فهو علينا .

قوله تعالى: ولنحمل خطاياكم قال الزجاج: هو أمر في تأويل الشرط والجزاء، يعني: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم . وقال الأخفش: كأنهم أمروا أنفسهم بذلك . وقرأ الحسن: " ولنحمل " بكسر اللام . قال ابن قتيبة الواو زائدة، والمعنى: لنحمل خطاياكم .

قوله تعالى: إنهم لكاذبون أي: فيما ضمنوا من حمل خطاياهم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 426.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 420.89 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]