«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 17 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         للإصلاح طريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 73 - عددالزوار : 16938 )           »          كلمات في العقيدة حوار من القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 18 )           »          الكفريات في شعر محمود درويش (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الكبائر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 2782 )           »          الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 40 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #161  
قديم 20-02-2022, 05:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله


«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾ [البقرة: 99]






قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾.







قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ الواو: استئنافية، واللام للقسم، أي: والله لقد أنزلنا إليك آيات بينات، و"قد": للتحقيق، والجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر، واللام، و"قد"، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تشريف له صلى الله عليه وسلم وامتنان عليه، وتسليته صلى الله عليه وسلم.







﴿ آيَاتٍ ﴾ جمع آية، وهي الدلالة والعلامة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ ﴾ [البقرة: 248]، أي: إن علامة ملكه.







وقال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أرسله إلى وكيله في خيبر: "إذا أتيت وكيلي بخيبر فضع يدك على ترقوته"[1]، أي: علامة على أنك مبعوث مني.







وآيات الله تنقسم إلى قسمين، آيات شرعية، وآيات كونية، والمراد بالآيات هنا الآيات الشرعية، آيات القرآن الكريم، وفي تنكير "آيات" تعظيم للقرآن الكريم.







﴿ بَيِّنَاتٍ ﴾: صفة لـ﴿ آيَاتٍ ﴾ أي: آيات واضحات مفصلات في ألفاظها ومعانيها ودلالتها وأحكامها، دالة على صدقك وصدق ما جئت به.







﴿ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا ﴾ أي: وما يكفر بهذه الآيات البينات، أي: وما يجحدها ويكذب بها ﴿ إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾ "إلا": أداة حصر، أي إلا الخارجون عن طاعة الله تعالى الذين بلغوا من الفسق غايته، فخرجوا من الإيمان إلى الكفر، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴾ [العنكبوت: 47].








وفي ذكر هذه الآية في سياق الكلام عن بني إسرائيل وعتوهم وعنادهم إشارة واضحة إلى قيام الحجة عليهم، بما أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم من آيات بينات، لا يجحدها ولا يكذب بها إلا من بلغ الغاية في الفسق مثلهم.








المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»







[1] أخرجه أبوداود في الأقضية- الوكالة (3632) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.












__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #162  
قديم 20-02-2022, 05:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 100]






قوله تعالى: ﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.







قوله: ﴿ أَوَكُلَّمَا ﴾ الهمزة: للاستفهام، ومعناه هنا التوبيخ، والواو: عاطفة.







و"كلما": أداة شرط تفيد التكرار، أي: كثرة وقوع شرطها وجوابها، وشرطها هنا ﴿ عَاهَدُوا ﴾ وجوابها ﴿ نَبَذَهُ ﴾ أي: أو كلما حصل منهم عهد حصل من فريق منهم نبذه، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 13].







"والعهد" الميثاق المؤكد، ﴿ نَبَذَهُ ﴾ أي: طرحه ونقضه ولم يفِ به.







﴿ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ﴾ أي: فريق من اليهود، والفريق: الجماعة، أي: جماعة منهم، وهو الأكثر بدليل: ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.







وفي تنكير "عهدًا" إشارة وتنبيه إلى أن هذا ديدن اليهود ومسلكهم في أي عهد يعاهدونه سواء كان العهد مع الله عز وجل، أو مع عباد الله، وسواء كان ذلك فيما بينهم، أو مع المسلمين أو مع غير المسلمين.







وقد أخذ الله عليهم كثيرًا من المواثيق والعهود في التوراة، منها الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه- كما ذكر الله ذلك في كتابه- فنقضوها، كما عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة فنقضوا العهد قبيلة تلو الأخرى كما هو معلوم.









﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. "بل": للإضراب الانتقالي، أي: إنما حملهم على نبذ العهد ونقضه كون أكثرهم لا يؤمنون؛ إذ لو كانوا مؤمنين ما نقضوا العهد؛ لأن الإيمان يوجب عليهم الوفاء بالعهد ويحرم عليهم نقضه.







المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #163  
قديم 20-02-2022, 05:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





الفوائد والأحكام في سورة البقرة من (97-100)


قال الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ* وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ * أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 97 - 100].

1- عداوة اليهود لجبريل عليه الصلاة السلام؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ﴾ وعلى هذا دلت السنة.

2- فضل جبريل عليه السلام؛ لأن الله دافع عنه،وبين أنه نزل القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم بإذن الله عز وجل، فهو رسول من عندا لله بالوحي؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 193، 194].

3- أن دور جبريل عليه السلام إنما هو واسطة ورسول فقط بين الله ورسله وأنبيائه، مؤتمن على الوحي لا يأتي بشيء من عنده.

4- إثبات علو الله تعلى على خلقه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾، والتنزيل والإنزال يكون من أعلى إلى أسفل.


5- أن القرآن كلام الله منزل من عنده وبإذنه الكوني لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾.

6- وعي النبي صلى الله عليه وسلم بقلبه لجميع القرآن؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾، ولم يقل: على سمعك، وقد قال تعالى في سورة القيامة: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17]، أي: جمعه في قلبك وقراءته عليك.

7- لا شيء يجري في الكون إلا بإذن الله الكوني؛ لقوله تعالى:﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾.

8- تصديق القرآن لما سبقه من الكتب السماوية؛ لقوله تعالى: ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾، فهو مصدق لها بالإخبار والشهادة بأنها صدق، وهو مصداق ما أخبرت به.

9- أن القرآن الكريم هدى ودلالة وبشارة للمؤمنين؛ لأنهم هم الذين ينتفعون به؛ لقوله تعالى:﴿ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾.

10- من كان عدوًا لله تعالى فهو كافر، والله عدو للكافرين؛ لقوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وقوله:﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾.

11- من كان عدوًا للملائكة والرسل وجبريل وميكال فهو كافر، والله عدو للكافرين؛ لقوله تعالى:﴿ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾.

12- أن الله عدو لجميع الكافرين؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾، ففي هذا إظهار في مقام الإضمار يؤكد عموم عداوته عز وجل لجميع الكافرين.

13- إثبات صفة العداوة لله تعالى وهي من الصفات الفعلية المتعلقة بالمشيئة كالرضا والغضب ونحو ذلك، وهي صفة كمال؛ لأنه عز وجل يعادي أعداءه الكافرين.

14- أن عداوة الله عز وجل للكافرين سببها كفرهم.

15- تعظيم الله عز وجل لنفسه لأنه العظيم سبحانه؛ لقوله تعالى:﴿ أَنْزَلْنَا.


16- تعظيم الله عز وجل للقرآن الكريم وأنه آيات ودلالات بينات واضحات؛ لقوله تعالى:﴿آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾.

17- إقامة الحجة على الخلق بإنزال القرآن وما اشتمل عليه من الآيات البينات.

18- أن من كفر بالقرآن الكريم فهو من الفاسقين؛ لقوله تعالى:﴿ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾ أي: إلا الخارجون عن طاعة الله تعالى وعن دينه.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #164  
قديم 20-02-2022, 05:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ... ﴾


قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 101].

قوله: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ الواو: عاطفة، و(لما) ظرف بمعنى "حين" متضمن معنى الشرط، ﴿ جَاءَهُمْ ﴾: فعل الشرط، والضمير يعود إلى أهل الكتاب، وبخاصة اليهود الذين فيهم سياق الآيات، أي: ولما أتاهم رسول، مرسل من عند الله، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.

ونكَّر ﴿ رَسُولٌ ﴾ للتعظيم، فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الرُّسل، وسيد ولد آدم، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفّع"[1].

وفي حديث أبي سعيد- رضي الله عنه: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر"[2].

وفي قوله: ﴿ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم، وتشريفه وتكريمه، ﴿ مُصَدِّقٌ ﴾ صفة لـ﴿ رَسُولٌ ﴾ أي: مصدق بما جاء به من عند الله عز وجل.

﴿ لِمَا مَعَهُمْ ﴾ "ما" موصولة، أي: للذي معهم من التوراة والإنجيل، وغيرهما من كتبه- عز وجل- فهو مصدق وشاهد أنها من عند الله- عز وجل- قبل تحريفها، وهو مصدق لما جاء فيها من البشارة به صلى الله عليه وسلم، ومصدق لما جاء فيها من الأخبار بمطابقة أخباره لأخبارها، كل هذه براهين دالة على صدقه، وصدق ما جاء به، مع ما اقترن به من الأدلة والبراهين غير ذلك، الدالة على صدقه، والتي هي أقوى مما اقترن بجميع الكتب قبله.

﴿ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ﴾ النبذ: الطرح والإلقاء للشيء بشدة، وعدم الاكتراث والاهتمام به، ومنه سمي اللقيط منبوذاً.


قال الشاعر:
نظرتَ إلى عنوانه فنبذتَه
كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا[3]



﴿ فَرِيقٌ ﴾ الفريق الجماعة والطائفة، ومفهوم هذا: أن فريقاً منهم آمن، كالنجاشي من النصارىٰ، وعبدالله بن سلام من اليهود، كما قال تعالى: ﴿ ﭿﮀ ﴾ [البقرة: 253].

﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ أي: من الذين أعطوا الكتاب، أي: أنزل عليهم الكتاب، و"ال" في "الكتاب" للعهد الذهني، فاليهود أعطوا التوراة، والنصارى أعطوا الإنجيل، وأظهر في مقام الإضمار، فقال: ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ ولم يقل: (فريق منهم) زيادة في التشنيع عليهم، وتنبيهاً على قيام الحجة عليهم، حيث أوتوا الكتاب وعرفوه، ومع ذلك ﴿ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.

والمراد بـ﴿ كِتَابَ اللَّهِ ﴾ القرآن الكريم، وأضافه الله- عز وجل- إليه؛ لأنه كلامه بلفظه ومعناه، وفي إضافته إليه- عز وجل- تعظيم له وتهويل لأمر نبذه والكفر به.

وسُمي القرآن كتاباً؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾ [البروج: 21، 22]، ولأنه مكتوب في الصحف التي بأيدي الملائكة، كما قال تعالى: ﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 13 - 16]، كما أنه مكتوب في المصاحف التي بأيدي المؤمنين.

﴿ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ﴾ أي: خلف ظهورهم، وهذا كناية عن شدة نبذهم ورفضهم واطراحهم لكتاب الله تعالى وعدم مبالاتهم بما جاء فيه، وشدة إعراضهم وتوليهم، وانصرافهم عنه بلا رجعة.

وقيل: المراد بـ ﴿ كِتَابَ اللَّهِ ﴾ التوراة.

﴿ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ "كأن" للتشبيه، أي: أن حالهم في ذلك تشبه حال من لا علم عنده، أي: كأنهم لا يعلمون صدقه صلى الله عليه وسلم، وأن ما جاء به من القرآن حق وصدق، يجب عليهم اتباعه، وهم في الحقيقة يعلمون ذلك؛ لما في كتبهم من البشارة به، والأمر بتصديقه، واتباعه.

وهذا من أخص صفات اليهود، ترك الحق، وكتمانه، وتكذيبه وجحده بعد معرفته كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187].

ولهذا وصفهم الله- عز وجل- بالمغضوب عليهم؛ لأنهم عرفوا الحق وتركوه، ومثلهم مَن سلك طريقهم في ترك الحق بعد معرفته، كما قال سفيان بن عيينة: "من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا كان فيه شبه من النصارى"[4].

ولمّا لم ينتفعوا بعلمهم صاروا كمن لا يعلم، بل أقل وأسوأ حالاً منه، كما قال تعالى فيهم: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة: 5]، وقال تعالى عنهم وعن أشباههم من أهل الكفر: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

[1] أخرجه مسلم في الفضائل (2278).

[2] أخرجه الترمذي في التفسير (3615)، وابن ماجه في الزهد (4308)، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".

[3] البيت لأبي الأسود الدؤلي. انظر "ديوانه" ص (21).

[4] ذكره ابن كثير في "تفسيره" (4/80).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #165  
قديم 20-02-2022, 05:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ .. ﴾

قوله تعالىٰ: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102]

قوله: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾ الواو: عاطفة، وضمير الواو في (اتبعوا) يعود إلى الفريق من أهل الكتاب الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وهم اليهود.

﴿ تَتْلُو الشَّيَاطِينُ ﴾ أي: الذي تتبعه شياطين الجن والإنس، وتأخذ به، وترويه، وتحدث به الناس، من الكفر والسحر، فابتلي هؤلاء اليهود عقوبة لهم على نبذ كتاب الله، باتباع ما تتلو الشياطين، وهكذا من ترك الحق مع علمه به، ابتلي وعوقب باتباع الباطل، كما قال تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأنعام: 110]، وقال تعالىٰ: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5]، وقال تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14].

والشياطين: جمع شيطان، وهو كل متمردٍ عاتٍ، خارج عن طاعة الله تعالى من الإنس والجن والحيوان، قال تعالى: ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الأنعام: 112]، وقال صلى الله عليه وسلم: "الكلب الأسود شيطان"[1].

﴿ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾ عُدِّيَ الفعل "تتلو" بـ"على"؛ لأنه ضمن معنى "تكذب".

ويحتمل أن تكون "على" بمعنى "في" أي: في ملك سليمان، أي: في عهده.

وهو سليمان بن داود- عليهما الصلاة والسلام، وإنما قال عز وجل: ﴿ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾؛ لأن الله قد جمع له بين النبوة والملك العظيم، خلاف ما يزعمه اليهود أنه ملك فقط، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ﴾ [النمل: 15] أي: علم النبوة، وقال تعالى: ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [الأنبياء: 79].

والسحر موجود قبل زمان سليمان- عليه السلام- فهو موجود في زمن موسى- عليه السلام- كما ذكر الله- عز وجل- عن سحرة فرعون؛ ولهذا جعل الله- عز وجل- من الآيات التي أيَّد بها نبيّه موسى- عليه السلام- انقلاب العصا حية، وإدخال يده في جيبه ثم خروجها بيضاء من غير سوء؛ وذلك لإبطال سحرهم.

وموسى- عليه السلام- قبل سليمان- عليه السلام- بمدد طويلة، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 246-251]. وداود المذكور، هو والد سليمان عليهما السلام.

بل إن السحر كان موجوداً ومعروفاً زمن نبي الله صالح- عليه السلام- وهو قبل إبراهيم الخليل- عليه السلام- أبي الأنبياء، من بني إسرائيل، ومن العرب؛ فقد قال قوم صالح له: ﴿ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ﴾ [الشعراء: 153] أي: من المسحورين، بل قد يكون السحر موجوداً قبل ذلك في سائر الأمم، قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].

فالشياطين كانت تأتي السحر، وتعمله قبل سليمان- عليه السلام- وتعلِّمه الناس، وإنما أخبر عز وجل عن اليهود أنهم اتبعوا ما تتلوه الشياطين على عهد سليمان- عليه السلام- لأن الشياطين وأتباعهم من اليهود نسبوا ذلك إلى سليمان- عليه السلام- كذباً منهم وزوراً.

﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾ الجملة مستأنفة، أو حالية في محل نصب، و"ما" نافية، أي: وما كفر سليمان بتعلم السحر، وتعليمه- كما يزعمه الشياطين وأتباعهم من اليهود؛ لأنه رسول من عند الله- عز وجل- معصوم من الكفر وأسبابه.

﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾ الواو: عاطفة، و"لكن" حرف استدراك.

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف "لكنِ" بتخفيف النون وكسرها، لالتقاء الساكنين، و"الشياطينُ" بالرفع مبتدأ، وخبره جملة "كفروا".

وقرأ الباقون بتشديد نون "لكنَّ"، و"الشياطينَ" بالنصب اسمها، وخبرها ما بعده.

﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ تفسير لقوله: ﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾، وهي في محل نصب على الحال، أي: حال كونهم يعلمون الناس السحر.

ويحتمل أن يكون قوله: ﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ جملة استئنافية لبيان نوع كفرهم.

والسحر لغة:
ما خفي ولطف سببه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحرا"[2]؛ لأن البيان- وهو الفصاحة والبلاغة في الكلام- يؤثر في النفوس ويجذبها.

وهو في الشرع: عزائم ورقى وعقد ينفث فيها، فتؤثر في العقول والأبدان، بإذن الله عز وجل الكوني، ولا يحصل إلا بالشعوذة، ودعاء الشياطين، والاستعانة بهم، والكفر بالله.

عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق يُقال له: لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيّل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله"[3].

﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ﴾ الواو: عاطفة، و"ما" موصولة، بمعنى "الذي"[4] معطوف على "السحر"، أي: يعلمون الناس السحر، والذي أنزل على الملكين من أنواعه، وهو ما يفرقون به بين المرء وزوجه.

والإنزال هنا بمعنى "الخلق"، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله من داء، إلا أنزل له دواء، علمه مَن علمه، وجهله من جهله"[5].

وعن أم سلمة- رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة، فقال: "سبحان الله، ماذا أُنْزِلَ الليلة من الفتنة، ماذا أُنْزِلَ من الخَزَائن، مَن يوقظ صواحب الحجرات، يارُبَّ كاسيةٍ في الدنيا، عاريةٍ في الآخرة"[6].

والمراد بـ"الملكين" ملكان أنزلا إلى الأرض، وأذن لهما في تعليم السحر، وأنه جائز في حقهما، ابتلاءً وامتحاناً للناس، بعدما بيَّن لهم على ألسنة الرُّسل- عليهم الصلاة والسلام- أن ذلك لا يجوز.

قال الطبري[7]: "فبيِّنٌ أن معنى "ما" التي في قوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ﴾ بمعنى "الذي"، وأن هاروت وماروت مترجم بهما عن "الملكين".. فإن التبس على ذي غباء ما قلنا، فقال: وكيف يجوز لملائكة الله أن تعلِّم الناس التفريق بين المرء وزوجه؟ أم كيف يجوز أن يضاف إلى الله إنزال ذلك على الملائكة؟ قيل له: إن الله جلَّ ثناؤه عرَّف عباده جميعَ ما أمرَهم به، وجميع ما نهاهم عنه، ثم أمرهم ونهاهم، بعد العلم منهم بما يؤمَرون به وينهون عنه، ولو كان الأمر على غير ذلك، لما كان للأمر والنهي معنى مفهوم، فالسحر مما قد نهىٰ عبادَه من بني آدم عنه، فغير منكر أن يكون جلَّ ثناؤه علَّمه الملكين اللذين سمَّاهما في تنزيله، وجعلهما فتنة لعباده، من بني آدم، كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمَن يتعلَّم ذلك منهما: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾؛ ليختبر بهما عباده، الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه، وعن السحر، فيمحِّص المؤمن بتركه التعلم منهما، ويخزي الكافر بتعليمه السحر والكفر منهما، ويكون في تعليمهما مَن علَّما ذلك، لله مطيعين، إذ كانا عن إذن الله لهما بتعليم ذلك من علماه يعلمان، وقد عُبد من دون الله جماعة من أولياء الله فلم يكن ذلك لهم ضائراً، إذ لم يكن ذلك بأمرهم إياهم به، بل عبد بعضهم والمعبود عنه ناه، فكذلك الملكان غير ضائرهما سحر من سحر، ممن تعلم ذلك منهما بعد نهيهما إياه عنه وعِظتهما له، بقولهما: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾؛ إذ كانا قد أديَّا ما أُمِرَا به بقيلهما ذلك".

﴿ بِبَابِلَ ﴾ "بابل" اسم بلد في العراق قريب من "الحلة" الآن، على بُعد أميال من ملتقىٰ الفرات ودجلة، من أعظم عواصم الكلدانيين، وأقدم مدن العالم.

روي عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنه مرَّ بـ"بابل" وهو يسير، فجاء المؤذِّن يؤذنه بصلاة العصر، فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة، فلما فرغ قال: إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أُصلي بأرض المقبرة، ونهاني أن أُصلي بـ"بابل" فإنها ملعونة"[8].

قال ابن كثير[9]: "وهذا الحديث حسن، عند الإمام أبي داود؛ لأنه رواه وسكت عنه، وفيه من الفقه: كراهية الصلاة بأرض "بابل"، كما تكره بديار ثمود، الذين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى منازلهم إلا أن يكونوا باكين"[10].

﴿ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾ بدل من الملكين، أو عطف بيان، لبيان اسميهما، فأحدهما "هاروت" والآخر "ماروت"، وهما اسمان أعجميان ممنوعان من الصرف للعلمية والعجمة.

فأكثر المفسرين على أن "هاروت" و"ماروت" ملكان أُنزلا إلى الأرض يعلِّمان السحر ابتلاءً واختباراً للناس.

وقد روي في سبب إنزال "هاروت" و"ماروت" إلى الأرض وما كان من أمرهما آثار غريبة جدًّا عن جمع من السلف من الصحابة والتابعين[11].

بل روي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- وفيه: أن الملائكة زعمت أنها أطوع لله من بني آدم، فابتلاهم الله- عز وجل- بإنزال هاروت وماروت، ومثلت لهما الزهرة بأحسن امرأة من البشر، وكان من أمرهما ما كان، من الشرك والسكر والزنا والقتل[12].

وظاهر ذلك كله أنه من أخبار بني إسرائيل، التي لم يدل عليها كتاب ولا سُنَّة صحيحة، خاصة وأنها تتعلق بأمر يمس عصمة الملائكة الذين قال الله- عز وجل- عنهم: ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 27].

قال ابن كثير- رحمه الله[13]- بعدما ذكر ما روي عن ابن عمر: "وأقرب ما في هذا أنه من رواية عبدالله بن عمر، عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم"، ثم أشار إلى رواية عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم[14]، من طريق موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر- رضي الله عنهما- موقوفاً عليه. قال ابن كثير: "فهذا أصح، وأثبت إلى عبدالله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه، من مولاه نافع، فدار الحديث، ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل".

وقال أيضاً[15] بعد أن ذكر الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين: "وقصَّها خلق كثير من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح، متصل الإسناد، إلى الصادق المصدوق، المعصوم، الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط، ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن، على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال".


قوله: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ ﴾ الجملة حالية، و"ما" نافية، أي: والحال أنهما ما يعلمان- يعني الملكين هاروت وماروت، و"من" في قوله ﴿ مِنْ أَحَدٍ ﴾ زائدة من حيث الإعراب، مؤكدة للنفي من حيث المعنى، أي: وما يعلمان أيَّ أحد من الناس.

﴿ حَتَّى يَقُولَا ﴾ "حتى" للغاية، أي: حتى يقولا له، أي: إلا بعد أن يقولا له ناصحين ومحذرين: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾.

وفي الإخبار بالمصدر "فتنة" مبالغة، وأكدت بالحصر، أي: لسنا إلا فتنة محضة. والفتنة: الابتلاء والامتحان، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾ [الأعراف: 155]، أي: ابتلاؤك وامتحانك، وتكون في الخير والشر، كما قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35].

أي: إنما نحن في تعليمنا السحر ابتلاء وامتحان للناس؛ ليظهر مدى تمسكهم في دينهم.

﴿ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ أي: فلا تكفر بتعلُّم السحر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "وذلك أنهما عُلِّما الخير والشر، والكفر والإيمان، فعرفا أن السحر من الكفر"[16].

وعن الحسن البصري، قال: "نعم أُنزل الملكان بالسحر، ليعلما الناس البلاء، الذي أراد الله أن يبتلي به الناس، فأخذ عليهما الميثاق، أن لا يعلما أحداً حتى يقولا: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾"[17].

ولهذا مَن تعلَّم السحر منهما وقع في الكفر؛ لأنه علم أن السحر كفر، وأقدم على تعلمه، على بصيرة منه، بعد أن قامت عليه الحجة.

عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه"[18].

ورُوي عن عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أتىٰ كاهناً أو عرَّافاً أو ساحراً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"[19].

﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ ﴾ الفاء للتفريع، أي: فيتعلم الذين يجترئون على تعلم السحر بعد تحذيرهم منه.

﴿ مِنْهُمَا ﴾ أي: من الملكين: هاروت وماروت.

﴿ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ "ما" اسم موصول بمعنى "الذي" أي: السحر الذي يفرقون به بين المرء وزوجه، و﴿ الْمَرْءِ ﴾ الرجل، ويقال للأنثى: "امرأة".

﴿ وَزَوْجِهِ ﴾ يقال لامرأة الرجل: "زوج" في الفصحى، وهي لغة أهل الحجاز، ويقال لها: "زوجة" في لغة تميم وكثير من قيس وأهل نجد.

والمعنى: فيتعلمون من الملكين، السحر الذي يفرقون به بين الرجل وامرأته، مع قوة الصلة والمودة بينهما، كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

وهذا من أشد أنواع السحر، وأخبثها، وأعظمها ضرراً، يخيل فيه لكل واحد من الزوجين المسحورين صاحبه بأقبح صورة، حتى يكرهه، وينصرف عنه، ويفارقه، وهذا ما يسمى بالصرف.

وضده سحر العطف "التِّوَلة" وهو أشد وأخبث منه، يؤدي بالمسحورين إلى هيمان كل منهما وولعه بالآخر، زوجين كانا، أو غير ذلك، حتى لا يستطيع أحدهما فراق صاحبه، ولو لحظة، وخروج ذلك إلى حد الخبل، وكلا النوعين من عمل الشيطان وتزيينه.

عن جابر- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول: مازلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا. فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئاً، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين أهله. قال: فيقربه، ويدنيه ويلتزمه، ويقول: نِعْمَ أنت"[20].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #166  
قديم 20-02-2022, 05:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله




﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ الجملة معترضة بين قوله: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ

وبين قوله: ﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ وقد تكون حالية.

قوله: ﴿ وَمَا هُمْ ﴾ "ما" نافية تعمل عمل "ليس"، والضمير "هم" في محل رفع اسم "ما"، يرجع إلى الذين يتعلمون السحر. ﴿ بِضَارِّينَ ﴾ الباء حرف جر زائد، من حيث الإعراب، مؤكد للنفي، من حيث المعنى و"ضارين" اسم مجرور لفظاً، منصوب محلاًّ، خبر "ما"، وعلامة جره الياء.

﴿ بِهِ ﴾ أي: بالسحر، الذي يفرقون به بين المرء وزوجه.

﴿ مِنْ أَحَدٍ ﴾ أي: أحداً، و"من" صلة لتأكيد النفي، أي: وما هم بضارين بالسحر أحداً، أي: أيَّ أحد من الناس.

﴿ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ الباء للسببية، أي: وما هم بضارين بالسحر من أحد بسبب من الأسباب إلا بإذن الله، أي: إلا بإذن الله، وقضائه الكوني القدري، فلا تأثير للسحر بذاته، فمن قضىٰ الله كوناً وقدراً أن يضره السحر ضره ذلك، ومن قضى أن لا يضره السحر، فلا يمكن أن يضره أبداً.

وإذن الله- عز وجل- ينقسم إلى قسمين: كوني، شرعي.

والفرق بينهما: أن الإذن الكوني لابد أن يقع، ولا يلزم أن يكون محبوباً لله- عز وجل- كالإرادة الكونية.

والإذن الشرعي لا يلزم وقوعه، ولابد أن يكون محبوباً لله- عز وجل- كالإرادة الشرعية.

فإذن الله الكوني شامل لكل ما يقع في الكون من حركة أو سكون، فلا يمكن أن يقع في الكون شيء إلا بإرادة الله- عز وجل- وتقديره ومشيئته، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [التكوير: 29] [الإنسان: 30، التكوير: 29]. وله عز وجل الخلق، والملك، والأمر كله، كما قال عز وجل: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]. وقال تعالى: ﴿ ﴿ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾ [الروم: 4].

قال الحسن البصري: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ قال: "نعم، من شاء الله سلطهم عليه، ومن لم يشأ الله لم يسلط، ولا يستطيعون ضرّ أحد إلا بإذن الله، كما قال الله تبارك وتعالى".

وفي رواية عنه قال: "لا يضر هذا السحر إلا مَن دخل فيه"[21].

فلله الحمد والمنة، أن جعل كيد الساحر في نحره، وتسلطه على بني جنسه ممن صدقه واطمأن إليه، وحفظ منه ومن شره من اعتصم بالله والتجأ إليه، وعبده- سبحانه، وتوكل عليه، كما قال عز وجل: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123]، وقال عز وجل مخاطباً الشيطان معلم السحرة ووليهم: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 42].

فعلى العبد إخلاص العبادة لله- عز وجل- والتحصن بالقرآن والأذكار والأوراد الشرعية مع صدق التوكل على الله، وتمام الثقة به، فهو- عز وجل- الحافظ والكافي، والواقي من جميع الشرور، قبل وقوعها، والرافع لها بعد وقوعها، فمن توكل عليه حفظه ووقاه وكفاه ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64].

كما أن على المؤمن، أن يعلم حقارة الساحر، ومهانته وضعفه، وأنه لن يعدو قدره، فلا يباله، ولا يصدقه؛ لتسلم له عقيدته، ويسعد في دينه ودنياه وأخراه، وأن لا يلتفت لما يقوله الدجالون من السحرة والمشعوذين والكهنة وغيرهم من ضعاف الإيمان واليقين، من الوساوس والتوهيمات وإدخال المخاوف على الناس، فكل ذلك محض كذب وافتراء من الشيطان، كما قال عز وجل: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].

وهكذا كل صاحب باطل من أولياء الشيطان، لا يمكن أن يثبت أمام من كان على الحق؛ لأن وليّه الرحمن.

قال السعدي[22]: "وفي هذه الآية وما أشبهها أن الأسباب مهما بلغت في قوة التأثير فإنها تابعة للقضاء والقدر، ليست مستقلة في التأثير، ولم يخالف في هذا الأصل من فرق الأمة غير القدرية، في أفعال العباد، زعموا أنها مستقلة، غير تابعة للمشيئة، فأخرجوها عن قدرة الله، فخالفوا كتاب الله، وسنة رسوله، وإجماع الصحابة والتابعين".

﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ وأعاد الفعل (يتعلمون) مع حرف العطف، لوقوع الجملة المعترضة بين المعطوف والمعطوف عليه.

﴿ مَا يَضُرُّهُمْ ﴾ أي: الذي يضرهم في دينهم ودنياهم وأخراهم ضرراً محضاً؛ ولهذا قال: ﴿ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ فأثبت ضرره ونفى نفعه.

والصفات المنفية يؤتى بها لإثبات كمال ضدها، فقوله: ﴿ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ لإثبات كمال ضرره، فأفادت الآية إثبات الضرر ونفي النفع الذي هو ضده مفاد الحصر، كما في قول السموأل[23]:
تسيل على حد الظبات نفوسنا
وليست على غير الظبات تسيل



فهم يتعلمون ما يضرهم ضرراً محضاً، لا فائدة فيه بوجه من الوجوه، وذلك بسبب ما يلي:
أولاً: أن تعلم السحر كفر، والكفر ضد الإيمان، وإذا فقد الإنسان الإيمان، فقد خسر الخسران المبين، مهما ملك من الدنيا.

ثانياً: أن ما يأخذه الساحر من أموال الناس بالباطل، مقابل عمله الباطل، يذهب سحتاً لا بركة فيه، ولا ينتفع به الساحر في حياته، بل تجده أفقر الناس وأتعسهم حياة، وهذا أمر مشاهد معلوم، وصدق الله العظيم: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]، كما قال تعالى في الربا: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 276]

وقيل: إن المعنى: فيتعلمون ما يضر الناس ضرراً آخر، غير التفرقة بين المرء وزوجه، ولا ينفعهم البتة، في الدنيا- لأن أنواع السحر كلها لا يأتي منها إلا الضرر- وعلى هذا يكون ضمير "هم" في قوله: ﴿ مَا يَضُرُّهُمْ ﴾ عائداً على غير ضمير (يتعلمون).

والصحيح المعنى الأول، وهو يتضمن المعنى الثاني؛ لأن تعلمهم السحر يضرهم ولا ينفعهم، كما يضر من أتاهم من الناس وصدقهم ولا ينفعه.

﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ الواو: عاطفة، أو للحال، واللام للقسم، أي: والله لقد علموا- يعني من تعلَّموا السحر من اليهود وغيرهم.

﴿ لَمَنِ اشْتَرَاهُ ﴾ اللام للتوكيد، فالجملة مؤكدة بالقسم المقدر، و"قد"، واللام، و"مَنْ" موصولة، أي: للذي اشترى السحر واعتاض به عن الإيمان.

﴿ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ﴾ "ما" نافية ﴿ فِي الْآخِرَةِ ﴾ أي: في الدار الآخرة، وسميت الآخرة؛ لأنها متأخرة زمناً بعد الدنيا، وإلا فهي الدار الحقيقية، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64].

﴿ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ "من" صلة لتأكيد النفي، والخلاق: النصيب من الخير خاصة، أي: والله لقد علم الذين تعلَّموا السحر، من اليهود وغيرهم، أن من تعلمه، واعتاض به عن الإيمان، ما له في الآخرة أيّ نصيب من الخير، مهما قل. علموا ذلك من الشرع، وقول الملكين: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾.

والجزاء من جنس العمل؛ لأن الساحر كافر لا نصيب له في الدين فلا نصيب له في الآخرة. ومن لم يكن له نصيب في الآخرة، فليس له فيها إلا الخسران والبوار، والخلود في جهنم، وبئس القرار.

قال ابن القيم[24]: "أي: علموا من أخذ السحر، وقبله لا نصيب له في الآخرة، ومع هذا العلم والمعرفة، فهم يشترون به ويقبلونه ويتعلمونه".

وهذا ديدن اليهود، ترك الحق بعد معرفته، كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].

﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ الواو: عاطفة، واللام: للقسم، و"ما" اسم موصول، أي: والله لبئس الذي شروا به أنفسهم. و"بئس" فعل ماضٍ جامد يفيد الذم.

"شروا" بمعنى: باعوا، كما قال تعالى: ﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴾ [يوسف: 20] أي: باعوه، وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 207] أي: يبيع نفسه طلباً لرضا الله.

فالشراء: بيع، والشاري هو البائع الذي يدفع السلعة، ويأخذ ثمنها، والمشتري هو المبتاع الذي يدفع الثمن ويأخذ السلعة، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ أي: لمن اشترى السحر وأخذه واعتاض به عن الإيمان.

والضمير "به" في قوله: ﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ﴾ يعود إلى السحر.

فباعوا أنفسهم بثمن حقير قبيح زهيد وهو السحر، فخسروا أنفسهم، وخسروا دينهم ودنياهم وأخراهم، وتحقق فيهم قول الله عز وجل: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15]2.

وإذا كان الله- عز وجل- ذمَّ ما باعوا به أنفسهم، وقبَّحه، وأقسم على ذلك، فلا يقدر قدر قبحه- إلا هو سبحانه وتعالى.2222

﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ "لو" شرطية، غير عاملة، وجواب الشرط دل عليه ما قبله، أي: لو كانوا يعلمون، ما باعوا أنفسهم بتعلُّم السحر، وفي هذا توبيخ لهم، ونداء عليهم بالجهل، ووصف لهم به، أي: إنهم لو كانوا يعلمون علماً ينتفعون به، ما باعوا أنفسهم بتعلُّم السحر، الذي يضرهم، ولا ينفعهم، وهو سبب شقائهم، وخسرانهم وهلاكهم، في الدنيا والآخرة.

وهذا لا ينافي ما وصفهم به في قوله: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾؛ لأنهم لما لم ينتفعوا بعلمهم، بل تركوا الحق بعد ما علموه، وأقدموا على السحر، وقد علموا أن مَن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق، صاروا كمن لا يعلم، فوقعوا فيما وقعوا فيه من الذم والخسران المبين.

[1] أخرجه مسلم في الصلاة- قدر ما يستر المصلي (510)، وأبوداود في الصلاة- ما يقطع الصلاة (702)، والترمذي في الصلاة (338)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (952)- من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في النكاح (5146)، وأبوداود في الأدب (5007)، والترمذي في البر والصلة (2028) من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما.

[3] أخرجه البخاري في الطب (5766)، ومسلم في السلام (2189)، وابن ماجه في الطب (3545)، وأحمد (6/ 50، 63)، والطبري في "جامع البيان" (2/ 351).

[4] وقيل: إن "ما" نافية، وتفسير الآية على هذا المعنى لا يخلو من تكلف.

[5] أخرجه أحمد (1/ 413، 446)، وابن ماجه في الطب (3438)- من حديث عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه.

[6] أخرجه البخاري في الجمعة (1126)، والترمذي في الفتن (2196).

[7] في "جامع البيان" (2/ 339-340).

[8] أخرجه أبوداود في الصلاة (490)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 189) مختصراً.

[9] في "تفسيره" (1/ 205).

[10] أخرجه البخاري في الصلاة (433)، ومسلم في الرقائق (2980)- عن عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم".

[11] انظر: "جامع البيان" (2/ 340-349)، "تفسير ابن أبي حاتم" (1/ 189-192)- الآثار (1005-1009).

[12] أخرجه أحمد (2/ 124)، وفيه ابن جبير الأنصاري السلمي مولاهم الحذاء- مستور الحال- وأخرجه ابن مردويه- فيما ذكر ابن كثير في "تفسيره" (1/ 199) من طريق موسى بن سرجس عن نافع عن ابن عمر، وأخرجه الطبري- مختصراً- من طريق معاوية بن صالح عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما. انظر "جامع البيان" (2/ 347).

[13] في "تفسيره" (1/ 199).

[14] انظر: "جامع البيان" (2/ 243، 344)، "تفسير ابن أبي حاتم" (1/ 190)- الأثر (1006).

[15] في "تفسيره" (1/ 203).

[16] أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 192)- الأثر (1010).

[17] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2/ 355)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 192)- الأثر (1011).

[18] أخرجه النسائي في تحريم الدم (4079).

[19] أخرجه الجصاص في "أحكام القرآن" (1/ 50) من حديث عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه-. وأخرجه أبوداود في الطب (3904)، والترمذي في الطهارة (1350)، وابن ماجه في الطهارة وسننها (639)- من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- دون قوله: "أو ساحراً".

[20] أخرجه مسلم في صفة القيامة والجنة والنار (2813).

[21] أخرجهما ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 193) - الأثر (1018).

[22] في "تيسير الكريم الرحمن" (1/ 119).

[23] انظر: "ديوانه" ص91.

[24] انظر: "بدائع التفسير" (1/ 333).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #167  
قديم 20-02-2022, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 103]





قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا ﴾ الواو: استئنافية، و"لو" كسابقتها، والضمير في "أنهم" يعود إلى الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وتعلموا السحر، واعتاضوا به عن الإيمان، من اليهود وغيرهم.







﴿ وَاتَّقَوْا ﴾ أي: واتقوا الله؛ بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.







والتقوى: أصلها "وقوى" فقلبت الواو تاء لعلة تصريفية، فقيل: "تقوى".







وهي مأخوذة من الوقاية، وهي أن تجعل بينك وبين الشيء المخوف وقاية، فتتقي الشوك بلبس النعلين ونحوهما، وتتقي البرد بلبس الملابس الثقيلة ونحو ذلك، وتتقي الحر، بالبعد عن الشمس، واستعمال وسائل التبريد ونحو ذلك.







وأعظم ذلك تقوى الله- عز وجل- وهي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه. قال الشاعر:







لعمرك ما يدري الفتى كيف يتقي

إذا هو لم يجعل له الله واقيا[1]












وقال الآخر:







خل الذنوب صغيرها

وكبيرها فهو التقى


كن مثل ماشٍ فوق أر

ض الشوك يحذر ما يرى


لا تحقرن صغيرة

إن الجبال من الحصى[2]










والمعنى: ولو أنهم آمنوا، فصدقوا بقلوبهم وألسنتهم، وانقادوا بجوارحهم، لفعل ما أمرهم الله به، وترك ما نهاهم عنه، من السحر وغيره- فيما مضى وفيما يستقبل- وهذا يدل على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، كما يدل على كفر مَن تعلَّموا السحر، وعدم إيمانهم.







﴿ لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ المثوبة: الأجر والجزاء، وسُمي أجرهم وجزاؤهم بالمثوبة، أخذاً من ثاب يثوب، إذا رجع؛ لأن ثمرة عملهم رجعت إليهم، كما قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ﴾ [فصلت: 46].







والمعنى: لكان لهم ثواب جزيل، وأجر عظيم، عند الله- عز وجل- في الدنيا والآخرة.







وفي وصف المثوبة بأنها من عند الله- عز وجل- تعظيم وتفخيم لها؛ لأنها من عند الله الجواد الكريم، فلا يدرك قدر عظمتها، إلا العظيم سبحانه.







وفي ذلك تأكيد ضمانها لهم؛ لأنها من عند الله- عز وجل- وهو الذي لا يخلف الميعاد.







وحقيقة هذه المثوبة التوفيق للسعادة في الدنيا تحت ظل الإيمان والتقوى، وفي الآخرة السعادة بدخول جنات النعيم، وما فيها من النعيم المقيم، الذي أعلاه النظر إلى وجه الله الكريم.







﴿ خَيْرٌ ﴾أي: أن مثوبة الله خير من كل شيء، خيرية مطلقة، خير مما باعوا به أنفسهم من تعلُّم السحر وتعليمه، ومما يحصلون عليه من متاع الدنيا، والثمن القليل، وغير ذلك.







﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَأي: لو كانوا من ذوي العلم النافع الذين ينتفعون بعلمهم، وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ [القصص: 80]، وقوله تعالى: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [القصص: 60].







وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَرَوْحَةٌ في سبيل الله، أو غَدْوَةٌ، خير من الدنيا وما فيها، وَلَقَابُ قوس أحدكم من الجنة، أو موضع سوط أحدكم خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطَّلَعَت إلى أهل الأرض، لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، وَلَنَصِيفُهَا على رأسها خير من الدنيا وما فيها"[3].







فمِن سعة حلمه- عز وجل- ورحمته- عرض على هؤلاء، وحضهم على الإيمان والتقوى، ووعدهم بالمثوبة العظمى، مع ما حصل منهم من اتباع الشياطين، وتعلُّم السحر والكفر، كما قال تعالى مخاطباً موسى وهارون- عليهما السلام- في دعوتهما فرعون: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44].







وكما عرض عز وجل التوبة على الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 73، 74]، وعرض عز وجل التوبة على أصحاب الأخدود، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10].







قوله:﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"لو" كسابقتيها، وجوابها دل عليه السياق، أي: لو كانوا يعلمون لآمنوا واتقوا.







وفي قوله هنا: ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، تأكيد لشدة جهلهم، وعدم علمهم، وأن العلم الحقيقي الممدوح إنما هو ما انتفع به صاحبه، وأن من أعظم الجهل ترك الحق بعد معرفته والعلم به، وهذا من أخص أوصاف اليهود، ولهذا استحقوا غضب الله ومقته.







الفوائد والأحكام:



1- توبيخ أهل الكتاب والإنكار عليهم في تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وردهم ما جاء به من الحق.







2- إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم، وأنه مرسل من عند الله- عز وجل- للناس جميعاً، من أهل الكتاب وغيرهم؛ لقوله تعالى ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 101]: وفي هذا رد على مَن يزعم من أهل الكتاب أن رسالته صلى الله عليه وسلم خاصّة بالعرب، قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]، وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرْسِلت به؛ إلا كان من أصحاب النار"[4].







3- إخبار الكتب السماوية السابقة وبشارتها ببعثته صلى الله عليه وسلم، وتصديقه صلى الله عليه وسلم لما جاء فيها، فهو صلى الله عليه وسلم مصدِّق لها، ومصداق ما أخبرت وبشَّرت به.







4- شدة تكذيب أهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم، ونبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، واستهانتهم واستخفافهم به، وإعراضهم عنه، وقبح مسلكهم وسوء صنيعهم.







5- أن القرآن كلام الله- عز وجل-؛ لقوله تعالى: ﴿ كِتَابَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 101].







6- لا عذر ولا حجة لأهل الكتاب في تكذيب فريق منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبذ القرآن وراء ظهورهم، لبشارة كتبهم به، وعلمهم التام بذلك، ومعرفتهم له كما يعرفون أبناءهم.







7- أن قيام الحجة على العالِـم أعظم من قيامها على الجاهل، فمن رد الحق مع علمه به ومعرفته له، فهو أعظم ذنباً وأشد عقوبة ممن رده عن جهل؛ لأن الجاهل قد يعذر؛ لقوله تعالى: ﴿ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 101].








8- أن مَن ترك الحق وأعرض عنه عناداً واستكباراً؛ ابتلي وعوقب باتباع الباطل، فهؤلاء اليهود الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ابتلوا باتباع ما تتلوه الشياطين من السحر والكفر، عقوبة لهم على نبذ ما جاءت به الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام.







9- ذم اليهود باتباعهم ما تتلوه الشياطين، وتمليه على ملك سليمان، من الأخبار الباطلة الكاذبة، ومن تعليم السحر.







10- إثبات نبوة سليمان- عليه السلام- وملكه العظيم.







11- أن السحر من تعليم الشياطين، وأعمالهم السيئة؛ لقوله تعالى: ﴿ مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ ﴾ [البقرة: 102]، وقوله: ﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102].







12- تبرئة الله عز وجل سليمان- عليه السلام- مما عليه الشياطين، من الكفر، وتعليم السحر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾ [البقرة: 102].







13- ابتلاء الناس وامتحانهم بإنزال السحر على الملكين، هاروت وماروت، ببابل، لتعليمه للناس، بعد بيانهما لمن يعلِّمانه أنهما فتنة، وتحذيرهما له من الكفر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102].







14- يجب على العاقل أن لا يغريه تيسر أسباب المعاصي للوقوع فيها، وأن يتأمل في عواقبها الوخيمة ويحذر منها، وأن يعلم أن ذلك من الابتلاء والامتحان له.



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #168  
قديم 20-02-2022, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله




15- في تحذير الملكين لمن يعلِّمانه السحر من الكفر: إرشاد له لما خلق من أجله، وهو الإيمان بالله- عز وجل- وعبادته، مع اقتران ذلك بالابتلاء بالخير والشر، كما قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35] [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].







16- يجب على المسلم النصح للآخرين، وإن أدَّى ذلك إلى إعراضهم عنه، ففي باب التعامل، يبيِّن صفة سلعته، وعيبها إن وجد، وفي باب قول الحق يقول الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم، وهكذا؛ لقوله تعالى: ﴿ ومَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102].







17- ليس فيما فعله الملكان من تعلُّم السحر وتعليمه منافاة لعصمة الملائكة؛ لأن الله- عز وجل- أباح لهما ذلك، وإن كان ذلك في حق غيرهما كفراً ومعصية، وذلك ابتلاء وامتحان للناس.







18- أن تعلم السحر وتعليمه كفر أكبر مخرج من الملة، وقد دلّت الآية على ذلك في عدة مواضع، منها ما يلي:



أ- قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102] فهو كفر ومن عمل وتعليم الشياطين.







ب- قوله تعالى: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102] أي: فلا تكفر بتعلم السحر، والعمل به.



جـ- قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ [البقرة: 102] والذي لا خلاق له ولا نصيب في الآخرة هو الكافر، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77].







د – قوله تعالى: ﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ﴾ [البقرة: 102] فأقسم- عز وجل- بأنهم باعوا أنفسهم بأسوأ وأقبح شيء، وليس هناك أسوأ ولا أقبح من الكفر.







هـ- قوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102] وفي هذا إشارة إلى أنهم لا علم عندهم، بل ليس عندهم إلا الجهل المطبق، وليس هناك أجهل ممن كفر بربه.







و- قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾ [البقرة: 103] وهذا يدل على أنهم بتعلُّم السحر والعمل به جانبوا الإيمان والتقوى، أي: كفروا.







ز- تأكيد عدم علمهم وشدة جهلهم بما ينفعهم؛ لقوله تعالى في الآية الثانية: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 103].







وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرَّافاً أو كاهناً فقد كفر بما أُنزل على محمد"[5]، وإذا كان من أتاهما يكفر، فكفرهما من باب أولى. والعراف والكاهن والساحر كلهم يستخدمون الشياطين، ويدّعون علم الغيب، وكل ذلك كفر بالله عز وجل.







19- إثبات حقيقة السحر وتأثيره، وعظم شره وخطره، وذمه؛ لقوله تعالى: ﴿ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ [البقرة: 102]، كما قال تعالى عن سحرة فرعون: ﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف: 116]، وقال تعالى: ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه: 66]، ولهذا يجب قتل الساحر، فعن بَجَالَةَ بْنِ عَبْدَةَ قال: "كتب عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر"[6].







وصح عن حفصة أم المؤمنين- رضي الله عنها- "أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها. فقُتِلَت"[7].







وعن الحسن عن جندب الأزدي- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضربة بالسيف"[8].







وقد رُوي من طرق متعددة: "أن الوليد بن عقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه، فكان يضرب رأس الرجل، ثم يصيح به، فيرد إليه رأسه. فقال الناس: سبحان الله، يحيي الموتى، ورآه جندب بن كعب الأزدي، فلما كان من الغد جاء مشتملاً على سيفه. وذهب يلعب لعبه ذلك، فاخترط جندب سيفه، فضرب عنق الساحر. وقال: إن كان صادقاً فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى: ﴿ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 3]، فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك، فحبسه، ثم أطلقه"[9].







وعن حارثة قال: "كان عند بعض الأمراء رجل يلعب فجاء جندب مشتملاً على سيفه فقتله، فقال: أراه كان ساحراً"[10].







قال الإمام أحمد: "صح قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني: عمر، وحفصة، وجندباً- رضي الله عنهم[11].







فيُقتل الساحر- على الصحيح، رجلاً كان أو امرأة، مسلماً كان أو غير مسلم.







واختلفوا في قبول توبة الساحر، والصحيح أنها تقبل، كما تقبل توبة المشرك.







20- أن من أخبث أنواع السحر وأشده ضرراً، ما يفرق بين الأزواج، وهو المسمى بالصرف، ويقابله العطف، وهو أخبث منه وأشد.







21- حرص الشياطين وأتباعهم من السحرة على إفساد ما بين الأزواج.







22- أن نفوذ السحر وأثره وضرره لا يحصل إلا بإذن الله- عز وجل- الكوني؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 102].







وهكذا جميع الأسباب مهما عظمت وكثرت، لا تأثير لها إلا بإذن الله- عز وجل- وتقديره.







وفي هذا رد على القدرية في زعمهم أن أفعال العباد خارجة عن قدرة الله، وأنها مستقلة غير تابعة لمشيئته عز وجل.







23- أن تعلم السحر ضرر محض، لا نفع فيه بوجه من الوجوه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ [البقرة: 102] فهو كفر، وسبب للشقاء في الدنيا والآخرة، وما يأخذه الساحر من أموال الناس بالباطل يذهب سحتاً، لا ينفعه لا في دينه ولا في دنياه.







24- علم اليهود بأن من اشترى السحر لا نصيب له في الآخرة، وإقدامهم مع ذلك على تعلمه وتعليمه والعمل به، جرأة منهم على الله- عز وجل-؛ ولهذا وصفوا في القرآن الكريم بالمغضوب عليهم؛ لتركهم الحق بعد معرفته، وارتكابهم الباطل مع العلم به.







25- توكيد ذم السحر وقبحه، وسوء عاقبة أهله الذين باعوا به أنفسهم، من اليهود وغيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ﴾ [البقرة: 102].







26- شدة جهل من تعلموا السحر من اليهود وغيرهم، وعدم علمهم علماً ينفعهم ويقودهم إلى الخير ويبعدهم من الشر، إذ لو كان عندهم أدنى علم بما ينفعهم ما تعلَّموا ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102].







27- سعة حلم الله- عز وجل- ورحمته- حيث عرض على هؤلاء الذين اتبعوا الشياطين، وتعلموا السحر والكفر أن يؤمنوا، ويتقوا، ورغَّبهم في ذلك، ووعدهم عليه بالمثوبة العظمى؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 103].







28- أن الإيمان تصديق بالقلب واللسان، وعمل بالجوارح، بفعل الأوامر وترك النواهي، وفي هذا رد على المرجئة الذين يقولون يكفي مجرد الإيمان والتصديق بدون عمل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا ﴾ [البقرة: 103].







29- أن ما عند الله من المثوبة والأجر العظيم لمن آمن به واتقاه خير من مكاسب الدنيا كلها، بل ومن الدنيا وما فيها؛ لقوله تعالى: ﴿ لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 103].







30- تأكيد شدة جهل من آثروا اتباع الشياطين، والكفر وتعلم السحر، على الإيمان والتقوى من اليهود وغيرهم، وعدم علمهم؛ لقوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 103].







31- أن التفضيل قد يقع بين شيئين لا فضل في أحدهما البتة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 103]، ومعلوم أنه لا خير البتة في السحر والكفر، بل كل ذلك شر محض. وهذا كقوله تعالى: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24]، إذ لا خير البتة ولا حسن في مصير أهل النار، وكقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: 27].







أن من أعظم الجهل، وآكده وأشده ضرراً، ترك الحق والعمل به، بعد معرفته والعلم به، ولهذا أكد عز وجل عدم علم المذكورين مرتين بقوله: ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة: 103].











المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»







[1] البيت لأفيون التغلبي. انظر "لسان العرب" مادة: "وقى".




[2] الأبيات لابن المعتز. انظر: "ديوانه" (2/ 376)- تحقيق محمد بديع شريف- دار المعارف بمصر.




[3] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (2796)، ومسلم في الإمارة (1880)، والترمذي في فضائل الجهاد (1651)، وابن ماجه في الجهاد (2757).




[4] أخرجه مسلم في الإيمان (153)- من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه.




[5] سبق تخريجه.





[6] أخرجه أحمد (1/ 90، 91).




[7] أخرجه مالك في "الموطأ"، وعبدالرزاق. وانظر: "أحكام القرآن للجصاص" (1/ 50)، "تفسير ابن كثير" (1/ 207)، "تيسير العزيز الحميد" ص(293).




[8] أخرجه الترمذي في الحدود (1460). وقال: "والصحيح عن جندب موقوف".

قال ابن كثير في "تفسيره" (1/ 207): "قلت: رواه الطبراني من وجه آخر عن الحسن عن جندب مرفوعاً".




[9] ذكر هذا ابن كثير في "تفسيره" (1/ 207-208).




[10] أخرجه أبوبكر الخلال- فيما ذكر ابن كثير في "تفسيره" (1/ 208).




[11] انظر: "تيسير العزيز الحميد" ص(394).












__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #169  
قديم 05-03-2022, 06:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا... ﴾ [البقرة: 104]


قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 104].


ذم الله- عز وجل- في الآيات السابقة اليهود لنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، واتباعهم الشياطين، وتعلمهم السحر، وفي هذا ما فيه، من التحذير من مسلكهم الشائن، ثم أتبع ذلك بنهي المؤمنين أن يقولوا: "راعنا" لاتخاذ اليهود هذه المقالة ذريعة لسب النبي صلى الله عليه وسلم.

رُوي أن اليهود كانوا إذا أرادوا أن يقولوا: "اسمع لنا" يقولون: "راعنا"، يورون بالرعونة، فنهى الله- عز وجل- المؤمنين عن قولها[1].

قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ "يا" حرف نداء، و"أي" منادى، نكرة مقصودة، مبني على الضم، في محل نصب، مفعول به، و"ها" للتنبيه، و"الذين" اسم موصول، مبني على الفتح، صفة لـ"أي"، أو بدل.

وتصدير الخطاب بالنداء للتنبيه والعناية والاهتمام. ونداء المؤمنين بوصف الإيمان تكريم وتشريف لهم، وحث على الاتصاف بهذا الوصف، وأن امتثال ما بعده من الطلب؛ بفعله إن كان أمراً، وتركه إن كان نهياً يعد من مقتضيات الإيمان، وعدم امتثال ذلك يعد نقصاً في الإيمان.

﴿ آمَنُوا ﴾ الإيمان لغة: التصديق، كما قال إخوة يوسف فيما حكى الله عنهم ﴿ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ﴾ [يوسف: 17] أي: بمصدق. وقال تعالى: ﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 61].

وقال ابن تيمية: معناه الإقرار، لا مجرد التصديق[2].

وعلى هذا فأبوطالب عم النبي صلى الله عليه وسلم مصدق له، كما قال:
لقد علموا أن ابننا لا مكذب
لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل[3]



وقال أيضاً:
ولقد علمت بأن دين محمد
من خير أديان البرية دينا[4]



لكن تصديقه لم يدخله في الإيمان؛ لأنه لم يقر ولم يذعن ولم يَنقَدْ.

والإيمان شرعاً: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وهو القلب، وعمل بالأركان، وهي الجوارح.

وهو يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، كما قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 124، 125].

عن عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: "إذا سمعت الله يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فأرعها سمعك، فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه"[5].

﴿ لَا تَقُولُوا رَاعِنَا ﴾ "لا" ناهية، (راعنا) من المراعاة، أي: راع أحوالنا وارفق بنا، فكانوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم مراعاتهم، والتأني بهم في تعليمه لهم، ليفهموا عنه ما يقول، وهي بهذا المعنى وهذا القصد لا بأس بها.

ولكن اليهود- لعنهم الله- كانوا يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم ويورون بالرعونة، أي: يقصدون وصفه صلى الله عليه وسلم بـ"الرعونة" وهي الحمق والجهل، تنقصاً منهم له صلى الله عليه وسلم ومسبة له، كما قال الله تعالى عنهم: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 46].

وكما كانوا يُـحيِّون النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم: السام عليك، كما قال تعالى عنهم: ﴿ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾ [المجادلة: 8]. ويقصدون بالسام الموت؛ ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم بالرد عليهم بـ"وعليكم". وقال صلى الله عليه وسلم: "إنه يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا"[6].

فنهىٰ الله- عز وجل- المؤمنين عن هذه المقالة "راعنا"، سدًّا لذريعة مشابهة اليهود في قيلهم، ومقصدهم السيئ، ولقطع الطريق أمامهم، وأمام مَن سلك مسلكهم من المنافقين؛ حتى لا يستمروا في استعمال هذه المقالة، مع ما يضمرونه من المقصد السيئ، بحجة أن المسلمين يقولونها.

عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن تشبَّه بقوم فهو منهم"[7].

ويؤخذ من الآية وجوب البُعد عن التعابير التي قد يفهم منها معانٍ سيئة، وسد الذرائع والوسائل التي يتوصل بها إلى أمر محظور.

﴿ وَقُولُوا انْظُرْنَا ﴾ أي: إذا أردتم من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يراعيكم ويرفق بكم فلا تقولوا ﴿ رَاعِنَا ﴾ ولكن قولوا ﴿ انْظُرْنَا ﴾ أي: ارفق بنا، وارقبنا وانتظرنا، نتبين ما تقول لنا، وتُعلمنا.

﴿ وَاسْمَعُوا ﴾ لم يذكر المسموع؛ ليعم كل ما أمر الشرع باستماعه من سماع كلام الله- عز وجل- وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، سماع تدبر، وطاعة وانقياد، واستجابة وانتفاع، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 21].

وسماع وعي تام ومزيد من التلقي، لا يحتاجون معه إلى طلب المراعاة والانتظار.

﴿ وَلِلْكَافِرِينَ ﴾ عامة، وبخاصة اليهود ﴿ عَذَابٌ ﴾ أي: عقاب، ﴿ أَلِيمٌ ﴾ "فعيل" بمعنى "مفعل" أي: مؤلم موجع حسيًّا للأبدان، ومؤلم معنويًّا للقلوب.

[1] انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 32)، "تفسير ابن كثير" (1/ 213).

[2] انظر: "مجموع الفتاوى" (7/ 123، 263، 290-293، 529-543، 638).

[3] انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 299)، و"الحماسة المغربية" (1/ 104).

[4] انظر: "ديوان أبي طالب" ص108، "شرح الطحاوية" (2/ 461).

[5] أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 196)- الأثر (1037).

[6] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (2935)، ومسلم في السلام (2165)، والترمذي في الاستئذان (2701)، وابن ماجه في الأدب (2698)، وأحمد (6/ 37، 229) من حديث عائشة- رضي الله عنها.

[7] أخرجه أبوداود في اللباس (4031)، وابن ماجه في اللباس (3607)، وأحمد (2/ 50).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #170  
قديم 05-03-2022, 06:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ... ﴾ [البقرة: 105]

قوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105].

نهى الله- عز وجل- المؤمنين في الآية السابقة أن يقولوا: "راعنا" وفي ذلك تعريض بذم اليهود، وذكر أذيتهم للنبي- صلى الله عليه وسلم، وفي هذه الآية بيان السبب في ذلك وهو حسدهم للمؤمنين.

قوله: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ "ما" نافية، أي: ما يحب ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾.

والكفر لغة: الستر والتغطية، ومنه سمي الزارع كافراً؛ لأنه يستر البذر ويغطيه في الأرض، وسميت الكفارة كفارة؛ لأنها تستر الذنب وتغطيه، وسمي الليل كافراً؛ لأنه يستر الكون بظلامه، وسمي الكافور، أو الكَفَر، وهو وعاء طلع النخل؛ لأنه يستر ما بداخله من الثمر- وهكذا.

والكفر: ضد الإيمان، وهو: إنكار وجود الله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وشريعته، أو شيء من ذلك، وعدم الانقياد لشرع الله؛ استكباراً، أو جحوداً، أو إعراضاً، أو شكًّا، أو نفاقاً.

﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾"من" لبيان الجنس؛ لأن أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى كلهم بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كفار إلا مَن آمن به صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى عنهم: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 30].

﴿ وَلَا الْمُشْرِكِينَ ﴾ الواو: عاطفة، و"لا" زائدة من حيث الإعراب، مؤكدة للنفي، من حيث المعنى و﴿ الْمُشْرِكِينَ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ أي: ما يود الذين كفروا من هؤلاء وهؤلاء، والمراد بالمشركين: عبدة الأوثان والأصنام، من كفار قريش.

﴿ أَنْ يُنَزَّلَ ﴾ قرأ ابن كثير وأبوعمرو ويعقوب: "يُنْزَل" بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد: ﴿ يُنَزَّلَ ﴾، والفرق بينهما: أن الإنزال أن ينزل الشيء جملة واحدة، والتنزيل أن ينزل شيئاً فشيئاً.

"وأن" والفعل بعدها في تأويل مصدر، في محل نصب مفعول "يود".

﴿ مِنْ خَيْرٍ ﴾"من" زائدة من حيث الإعراب، مؤكدة من حيث المعنى، أي: ما يود هؤلاء حسداً منهم وبغياً تنزيل أيّ خير عليكم من ربكم، مهما قل، لا في الدين، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة.

والخير: النعمة والفضل، وأعظم ذلك الوحي والشرع الذي أنزله الله- عز وجل- على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والذي هو الخير، وأصل كل خير، به أخرج الله الناس من الظلمات إلى النور، وأنقذهم من النار، وأدخلهم الجنة.

﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾، "من" لابتداء الغاية، أي: من خالقكم ومالككم ومدبركم، والمراد هنا: ربوبية الله الخاصة لأوليائه المتقين، وحزبه المفلحين.

ومعنى الآية: ما يحب الذين كفروا من اليهود والنصارى وعَبَدَة الأوثان والأصنام؛ لشدة عداوتهم لكم، أن ينزل عليكم أيّ خير من ربكم من الوحي وغيره.

أما عبدة الأوثان والأصنام فلجهلهم وتمسكهم بما عليه آباؤهم من الشرك، كما قال الله تعالى عنهم: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 22]، ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23].

وأما أهل الكتاب- وبخاصة اليهود- فلحسدهم للمسلمين، كما قال تعالى عنهم: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109]، وقال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 54].

ولهذا يجب على المسلمين الحذر والاحتراز من عموم الكفار، من أهل الكتاب وغيرهم، وعدم الاطمئنان إليهم، وعدم توليتهم شيئاً من أعمال الأمة القيادية؛ لأنهم مهما تظاهروا بالنصح والود، فهم أعداء لا يودون الخير للمسلمين. وهذا ما حدا بعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لما أُخبر أن أبا موسى- رضي الله عنه- استخدم كاتباً نصرانيًّا أن يأمره بعزله، فراجعه أبوموسى في ذلك، وأثنى عليه في كتابته وعمله، وأنه لا يوجد مَن يقوم بعمله مثله. فكتب إليه عمر بعزله، وقال: اعتبر أنه مات، أتتعطل أمور الأمة؟

وقد أحسن القائل:
لا تأمنن عدوًّا لان جانبه
خشونة الصل عقبى ذلك اللين[1]




وقال الآخر:
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها
عند التقلب في أنيابها العطب[2]




﴿ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ معطوف على قوله ﴿ مَا يَوَدُّ ﴾ أي: والله يخص برحمته الذي يشاء من عباده، كما قال تعالىٰ: ﴿ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ ﴾ [يوسف: 56]. و﴿ يَخْتَصُّ ﴾ على هذا متعدٍ، ومفعوله "من" الموصولة في محل نصب، ويجوز أن يكون لازماً، وتكون "من" في محل رفع فاعل، والمعنى: والله يختص، أي: ينفرد برحمته من يشاؤه.

والمعنيان متلازمان، فالله يخص برحمته مَن يشاء مِن عباده، فيختص وينفرد بها.

والمراد بـ"الرحمة" هنا ما يعم رحمة الدين والدنيا، ومن أعظم ذلك ما خص به نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته من بعثته فيهم، وإنزال القرآن عليه.

كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ ﴾ [القصص: 86]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52].

وقوله: ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾ أي: من يريد، والمشيئة بمعنى الإرادة الكونية، أي: والله يخص برحمته الذي يريد كوناً رحمته.

ففضل الله- عز وجل- لا يجلبه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، كما جاء في الأثر: "إن رزق الله لا يجلبه حرص حريص ولا يرده كراهية كاره".

وعن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم"[3].

وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك"[4].

﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ "ذو" بمعنى صاحب، والفضل: العطاء الزائد، أي: والله- عز وجل- صاحب العطاء الزائد كمية وكيفية، الواسع الكثير الكبير، الذي لا أعظم منه، ولا يقدر قدر عظمته إلا هو سبحانه وتعالى. يعطي عباده ما سألوه، وفوق ما سألوه، وما لم يسألوه. وكل ما هم فيه من نعم ومنن دينية ودنيوية هي من فضله وجوده وكرمه. ومن فضله العظيم وجوده العميم ما أنعم به على هذه الأمة من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم منهم، وإنزال القرآن بلغتهم، كما قال عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة: 2 - 4].

وقد قال عز وجل: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124].

وفي هذا إرغام لأنوف أهل البغي والحسد لهذه الأمة، على ما آتاها الله من فضله، من اليهود والمشركين وغيرهم.

الفوائد والأحكام:
1- تصدير الخطاب بالنداء للتنبيه والعناية والاهتمام.

2- نداء المؤمنين بوصف الإيمان تشريفاً وتكريماً لهم، وحثًّا على الاتصاف بهذا الوصف، وأن امتثال ما بعده من أمر أو نهي من مقتضيات الإيمان، وأن عدمه يعد نقصاً في الإيمان؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 104].

3- نهي الله- عز وجل- المؤمنين عن مشابهة أهل الكتاب في أقوالهم وأفعالهم، وبخاصة ما يورون به لمعانٍ سيئة كقولهم: "راعنا" ويورون بذلك عن معنى "الرعونة" أي: الحمق والجهل؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا تَقُولُوا رَاعِنَا ﴾ [البقرة: 104].

4- تجنِّي اليهود في تحريف الكلم عن مواضعه، وجرأتهم على وصف الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالمعاني السيئة القبيحة.

5- وجوب الاحتراز من التعابير التي قد توهم معاني سيئة، والحرص على الأدب في الألفاظ فذلك أكمل وأسلم.

6- سد الذرائع الموصلة إلى أمر محظور شرعاً.

7- النهي عن التشبه بالكفار في أقوالهم، وأفعالهم، ولباسهم، وأعيادهم، وعباداتهم، وعاداتهم، وغير ذلك.

8- سعة التشريع الإسلامي ويسره، فلما نهى الله- عز وجل- المؤمنين أن يقولوا: "راعنا" أبدلهم عن ذلك فقال: ﴿ وَقُولُوا انْظُرْنَا ﴾ [البقرة: 104].

9- وجوب السمع لأمر الله ورسوله، سماع تدبر وانتفاع، واستجابة وطاعة وانقياد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاسْمَعُوا ﴾ [البقرة: 104].

10- الوعيد الشديد، والتهديد الأكيد، للكافرين المخالفين لأمر الله، المرتكبين لنهيه، بالعذاب المؤلم حسيًّا للأبدان، ومعنويًّا للقلوب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 104].

11- شدة عداوة الكفرة من أهل الكتاب والمشركين للمؤمنين، وكراهيتهم أن ينزل الله على المؤمنين أيّ خير من ربهم، فالمشركون بسبب جهلهم وتقليد آبائهم، وأهل الكتاب بسبب الحسد الذي ملأ قلوبهم، وأعمى بصائرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 105]..

12- أن الكفر ملة واحدة، ضد الإيمان وأهله، فالكفرة سواء كانوا من اليهود، أو النصارى أو المشركين، أو الملحدين، أو غيرهم كلهم مجمعون على عداوة الإيمان وأهله.

13- وجوب الحذر من الكفار؛ من أهل الكتاب والمشركين وغيرهم، وعدم تمكينهم من مسؤوليات الأمة وأسرارها، وعدم الاطمئنان إليهم وإلى مشوراتهم؛ لأنهم مهما أظهروا النصح والود فهم أعداء، لا يودون الخير للمسلمين، كما ذكر الله عنهم.

14- أنَّ مَن يتربص بالأمة الشر ولا يود لها الخير، من المنافقين وغيرهم من ضعاف الإيمان فيهم شبه من اليهود والمشركين.

15- أن القرآن الكريم منزل من عند الله- عز وجل- غير مخلوق؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ والقرآن أول خير، وأعظم خير أنزل على هذه الأمة، وأول وأعظم ما حسدها عليه الحاسدون، من اليهود وغيرهم.

16- إثبات صفة العلو لله- عز وجل، علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر؛ علو الذاتِ، وعلو الصفات؛ لأن التنزيل يكون من أعلى إلى أسفل.

17- إثبات الربوبية الخاصة لله- عز وجل- ربوبيته لأوليائه المتقين وحزبه المفلحين؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾.

18- اختصاص الله- عز وجل- محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة العظيمة، وبهذا القرآن العظيم، واختصاص هذه الأمة، بجعله منهم، برحمته- عز وجل- وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾.

19- إثبات صفة الرحمة لله- عز وجل- رحمة ذاتية ثابتة له- عز وجل- ورحمة فعلية يختص بها مَن يشاء.

20- إثبات المشيئة والإرادة الكونية لله- عز وجل- وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ لقوله تعالى:﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾.

21- أن الخلق والملك والتدبير كله لله عز وجل، يختص مَن يشاء بما يشاء، ويمنع ما يشاء عمَّن يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا راد لفضله، ولا معقب لحكمه، وخيره لا يجلبه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره.

22- أن الله- عز وجل- صاحب الفضل العظيم على جميع خلقه، فكل ما هم فيه من نعم خاصة أو عامة دينية أو دنيوية أو أخروية فهي منه عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ كما قال عز وجل: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] البيت للشريف الرضي.

[2] البيت لعنترة بن شداد.

[3] أخرجه ابن ماجه في التجارات (2144).

[4] أخرجه الترمذي في صفة القيامة (2516) وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد (4 /286، 288)- من طريق حنش الصنعاني، قال ابن منده: "هذا إسناد مشهور، ورواته ثقات".






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 241.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 235.35 كيلو بايت... تم توفير 5.96 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]