تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 77 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الكفريات في شعر محمود درويش (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الكبائر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 2782 )           »          الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 39 )           »          الوقـف الإســلامي ودوره في الإصلاح والتغيير العهد الزنكي والأيوبي نموذجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أفكار للتربية السليمة للطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          لزوم جماعة المسلمين يديم الأمن والاستقرار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          منهجُ السَّلَف الصالح منهجٌ مُستمرٌّ لا يتقيَّدُ بزمَانٍ ولا ينحصِرُ بمكانٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 38 - عددالزوار : 1203 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 16934 )           »          حوارات الآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #761  
قديم 17-09-2021, 02:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,027
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (والشمس والقمر حسباناً)
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا )[الأنعام:96] ماذا نقول عن الشمس والقمر؟ ماذا نعرف؟ لو اطلعنا على ما قرره علماء الفلك بواسطة هذه الأجهزة لعرفنا أن النجوم ملايين، وأن من النجوم ما هو أكبر من شمسنا هذه التي هي أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، وأن الأبعاد بين هذه الكواكب لا تقاس بالكيلو متر والمليمتر، تقاس فقط باللحظة والثانية، فلا إله إلا الله! من أوجد هذا العالم العلوي؟ إنه الله سبحانه وتعالى. من أوجد هذه النجوم؟ وامتن علينا بنعمته أننا نعرف بها الطريق إلى ديارنا، إلى أقاليمنا، إذا سافرنا في البحر فهي أعلام تدل على الطريق، والبر كذلك، لو لم تكن الطرق معبدة كيف تعرف الشرق من الغرب؟ تسير بالكواكب، فمن كوكب هذه الكواكب؟ من نظمها في الملكوت الأعلى؟ ليس إلا الله، إذاً: فوالله لا إله إلا الله، وأقبح إنسان من عرف غير الله وعبد غير الله، وهو الفاعل العزيز الحكيم.(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا )[الأنعام:96] بدقة بنظام الحساب، لا تتقدم أو تتأخر ثانية ولا لحظة ولا دقيقة، وبذلك عرفنا ساعات الليل وساعات النهار، وعرفنا الأيام والأسابيع والشهور والسنين، وفي ذلك مصالحنا وعهودنا وعقودنا.. وما إلى ذلك، كيف نعرف أوقات الصلاة؟ أوقات الصيام؟ كيف نعرف الحج؟ كيف وكيف لولا الشمس والقمر؟
معنى قوله تعالى: (ذلك تقدير العزيز العليم)
(وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ )[الأنعام:96] الذي سمعتم مما يحار فيه العقل البشري ( تَقْدِيرُ )[الأنعام:96] إيجاد وتنظيم ( الْعَزِيزِ )[الأنعام:96] الذي لا يغلب أبداً ( الْعَلِيمِ )[الأنعام:96] بدقائق الأمور وجلائلها، ظواهرها وبواطنها، سرها وعلانيتها، كل ما في الأكوان العلوية والسفلية بيده تعالى، لا يخفى عليه من أمر الأكوان شيء، فكيف لا يحب؟ كيف لا يخاف؟ وهل أريكم فضيحتنا؟ والله لو عرفنا الله تعالى معرفة حقيقة لكانت فرائصنا ترتعد إذا تكلمنا معه، فنحن نقف نصلي وقلوبنا لاهية، وأبصارنا تائهة، وأجسامنا خافتة، فأنت مع من تتحدث؟ مع من تتكلم؟
فصلاتنا كلها لا شيء، فلم لا نتلذذ بالكلام معه؟ لم حين نتكلم مع صديق أو قريب نجد لذاذة للكلام وينشرح الصدر، وتتكلم مع الله كأنك تتكلم مع ميت، هذه زلة عظيمة وهذا هو واقعنا.
(ذَلِكَ )[الأنعام:96] الذي سمعتم ( تَقْدِيرُ )[الأنعام:96] من؟ إيجاد من؟ تدبير من؟( الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )[الأنعام:96] غلبة وعزة لا تقهر، علم لا يخفى عليه شيء، فكيف لا يخاف؟ كيف لا ترتعد منه النفوس والقلوب؟ كيف يعصى؟ كيف لا يُطلب؟ وكيف لا يتعرف إليه؟
تفسير قوله تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر...)
وفي الآية الثالثة يقول تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )[الأنعام:97]، ماذا عرفنا عن النجوم؟ لا شيء. أولاً: هذه النجوم تعد الحصى في الوادي ولا تعدها، هناك نجم ما يصل نوره إلينا إلا بعد سنتين أو ثلاث، هناك نجوم أكبر من الشمس، والتباعد بينها لا تقدره أبداً، والمسافات بالسنين، فهذه النجوم من أظهرها وأوجدها؟ هل وجدت من نفسها؟ إن هذا الكلام عبث وسخرية، والذي يقول هذا يصفع على وجهه، ما تستطيع أن تثبت أن كأساً من الماء جاء بنفسه، ما تستطيع أن تقول: إن هذا العمود وجد بنفسه! كيف توجد هذه الأكوان نفسها؟ أين عقلك يا ابن آدم؟ لا خالق إلا الله، الله هو الخالق ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )[الأعراف:54].
قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:97] إي والله فصلها، بينها، شرحها، أظهرها، لكن للعالمين: ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:97]، أما الذين لا يعلمون فلا ينتفعون بهذا، هذا التفصيل للآيات بهذا الازدواج وبهذا العرض، وبهذه الأحداث الكونية من فصله؟ إنه الله تعالى. ولمن فصله؟ هل للجهال الذين لا ينتفعون به؟ ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:97].
إذاً: يجب أن نعلم، حرام أن نبقى جهالاً، نطلب حتى نعلم، من أراد أن يعلم فليطلب، كما نطلب علم أمور الحياة: أين بيت فلان؟ في الشارع الفلاني. لمن هذه السيارة؟ لفلان. فإذا لم تسأل فكيف ستعلم؟ يجب أن نسأل حتى نعلم، وإلا فلن ننتفع بهذه الآيات المبينة الموضحة المفصلة التي لا إجمال فيها بل على غاية البيان.
تفسير قوله تعالى: (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع...)
ثم قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ )[الأنعام:98] ألا وهو آدم، أنشأنا نحن بني آدم من نفس واحدة ألا وهي آدم أبو البشر عليه السلام.ذكروا حكاية صنعها اليهود عليهم لعنة الله، وقلدهم المجانين والحمقى والتائهون والملاحدة، وتبجح بها أيضاً حتى العرب والجهال في مدارسهم إلا أن الله أخبتهم، قالوا: الإنسان أصله قرد، ودرست هذه النظرية الداروينية في مدارس العرب، وهي كفر وكذب وبهتان وباطل، وفضحوا، دفنوا رأس خنزير أو كلب في الأرض كذا سنة ثم أخرجوه وقالوا: هذا هو أصل الإنسان، أصله قرد، وتبجح بها الملاحدة وصفق لها الذين لا يؤمنون بالله وقالوا: الإنسان أصله قرد!

إن الذي يقول هذه الكلمة كذب وكذّب الله والبشرية كلها، ولعنة الله عليه حياً وميتاً، فالله تعالى تولى خلق آدم على أجمل صورة، في أحسن تقويم، ثم تقول: لا. أصل الإنسان قرد، وتطور القرد! لم ما تطورت البغال والحمير والذئاب والكلاب وبقيت على صورتها؟ القرد فقط هو الذي تطور!
لقد بكينا وندبنا أيام كانت الفكرة شائعة منذ ثلاثين سنة في مدارسنا، نظرية داروين، والله يقول: ( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ )[النساء:1] ألا هي نفس آدم عليه السلام، وتطلق النفس على البدن والروح، ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ )[آل عمران:185] كل إنسان.
(وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ )[الأنعام:98]، الإنشاء: اختراع وإيجاد بدون صورة ولا مثال، الإنشاء عندنا أن ينشئ كلاماً أو شعراً أو أشياء جديدة ليس لها نظير في السابق، فالله تعالى أنشأنا بلا سابق لذلك من نفس واحدة، أما نقول: لك الحمد، لك الشكر؟ أليس هو الذي أنشأنا؟ لم لا نقول: الحمد لله؟ نحمده ونشكره مقابل هذا الإنعام إنعام الإيجاد والإمداد.
قال تعالى: ( أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ )[الأنعام:98] ولهذا معان كلها صالحة، أحسنها أن المستقر أي: في الأرحام، والمستودع: في أصلاب الرجال، هل يخرج الإنسان من غير هذين الموضعين؟ أين محل استقراره؟ في الرحم، وأين هو مستودع ومتروك لوقت معين؟ في الظهر، في ظهر الإنسان، في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وهل هناك مكان غير هذا وهذا؟ لا.
ثم بعد هذا منا المستقر في قبره، ومنا المستودع ثم يموت فيستقر في القبر أيضاً، كما أننا مستودعون الآن مستقرون يوم القيامة، والكل صالح، لكن الوجه الأول أقرب.
(فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ )[الأنعام:98] المستقر: هو المستقر في الرحم والقرار له، والمستودع: صلب الرجل وظهره؛ لأن ماء النساء من الصدور، وماء الرجال من الظهور، من الأصلاب.
حاجتنا إلى الفقه في دين الله تعالى وفهم أسرار شريعته
قال تعالى: ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ )[الأنعام:98]، من القائل هذا؟ الله، قد فصلنا الآيات التفصيل الذي سمعتم ( لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ )[الأنعام:98]، والفقه أعلى من العلم، العلم تتوصل به إلى معلوم غائب، وبذلك تصبح فقيهاً، الفقه: معرفة أسرار التكليف والشرع، فقه: إذا فهم أسرار هذه العبادات وهذه الشرائع. إذاً: يجب أن نتعلم لنصبح عالمين ونطلب العلم لنصبح فقهاء متفقهين، أما الجهلة أصحاب ظلمة النفس فمطالبتهم بالاستقامة كالمطالبة بالمستحيل، كيف يستقيم طول حياته فيحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، وينهض بما أوجب الله، ويبتعد عما نهى الله إذا لم يكن ذا علم بالله، وذا فقه في شرائع الله؟
لا سبيل إلى الاستقامة في أي أسرة أو بين أفراد أو في أمة أو قرية إلا إذا علمنا وفقهنا وأصبحنا أولياء لله عز وجل، فكل الذي نشكوه من الظلم والخبث، والربا والزنا والشر والفساد، والطلاق والنكاح والباطل مرده والله إلى الجهل، عدم البصيرة والفقه والعلم، والذي رمانا بهذه الظلمات -ظلمات الجهل- هو العدو الثالوث الأسود: المجوس واليهود والنصارى، أفقدونا الهداية حتى يتمكنوا منا وحتى نساويهم في باطلهم وشرهم وجحيمهم، واستجبنا لهم، فالقرآن تقرءونه على الموتى أم لا؟ كم حلقة معقودة الآن في المدينة لدراسة كتاب الله؟ أين أهل المدينة ؟كم منهم بيننا؟ كيف نعرف؟ كيف نتصل بربنا؟ كيف نحقق ولايتنا له عز وجل ونحن معرضون تائهون؟ وا أسفاه، وا حسرتاه! ولكن ما شاء الله كان.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #762  
قديم 17-09-2021, 02:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,027
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (389)
تفسير سورة الأنعام (22)


يذكر الله عز وجل عباده في هذه الآيات بالنعم التي أنعم بها عليهم، فهو سبحانه منزل المطر من السماء، ومنبت الحب في السنابل، ومخرج التمر من النخيل، ومنشئ جنات الأعناب والزيتون والرمان، وكل هذا سخره لعباده، فينظر أي عباده الذي يشكر نعمة الله، ويوقن بآياته العظيمة ويؤمن به سبحانه، وأيهم يكون ميتاً لا تنفعه ذكرى، ولا تفيده موعظة أو آية.
تقرير آيات سورة الأنعام القضايا العقدية الثلاث بذكر مظاهر القدرة الإلهية
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
ومن أراد أن يتأكد من صحة الخبر فعليه بصحيح مسلم وغيره، وعليه بالواقع، أرأيتم لو كنا في مقهى أو في عرس أو في سوق أو في وليمة هل يحصل هذا السكون؟ والله ما كان، هل رأيتم لو كنا في مجلس غير هذا أما يقع بيننا العذاب: السب والشتم والتلصص والسرقة؟ ولكن هنا الرحمة تغشانا.
أما الملائكة فهم والله يطوفون بكم، أليس الأفضل والأكمل أن يباهي الله بكم ملائكته: انظروا إلى عبيدي كيف اجتمعوا في بيتي يتلون كتابي، يتملقون لي ويتزلفون إلي؟ فكيف نحصل على هذا؟ لا نستطيعه بالملايين.
ومع الأسف ما أكثر المحرومين، مجالسهم خارج المسجد لا تنتج لهم درهماً لمعاشهم ولا حسنة لمعادهم، ويقضون الساعة والساعات فيما لا ينفع، والله نسأل أن يهديهم.
ما زلنا مع سورة الأنعام المكية، تلك السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، وها نحن مع الآية المتأخرة من الآيات التي درسناها بالأمس، فلنستمع إلى تجويدها مع الآيات السابقة لها.
(إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:95-99].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات الخمس وما سبقها من فاتحة السورة وما يأتي بعد ذلك إلى خاتمتها كلها تقرر مبدأ لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن البعث الآخر حق، وأن ما يتم فيه إنما يتم بحسب الأعمال خيرها وشرها، هذه الآيات تقرر وجود الله، وجود الخالق البارئ المصور العزيز الحكيم، تقرر ذلك بعرض هذه الآيات الكونية في الملكوت الأعلى والملكوت الأسفل، هل من خالق سوى الله؟ هل من خالق غير الله؟ لا يستطيع كائن في الأرض أن يشير إلى خالقٍ سوى الله، إما أن يقول: لا خالق إلا الله، أو ينكس رأسه ويطأطئه ويقول: لا أدري.
وهل يعقل وجود مخلوق بدون خالق؟! هل يعقل أن يوجد مخلوق بدون خالق ذي علم أحاط بكل شيء، وذي قدرة لا يعجزها شيء، وذي حكمة لا يخرج أبداً من فعلها شيء؟
أهمية معرفة الله تعالى لتحصيل محبته
والآيات تدعو إلى معرفة الله بواسطة هذه الآيات الكونية، وهذه الآيات القرآنية التنزيلية؛ لأن معرفة الله حق المعرفة هي التي تجعل العارف يقوى على أن يعيش ثمانين وتسعين سنة لا يلفظ بسوء، ولا ينطق بمكروه، ولا يمد يده بباطل، ولا يمشي خطوة في غير ما يرضي الله عز وجل، هذا هو العلم الذي قال فيه عز وجل: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )[فاطر:28]، ما هم علماء الذرة والهيدروجين والتقنية ولا السحر ولا الأعمال الشيطانية، وإنما العلماء بربهم الذين عرفوه بأسمائه وصفاته، عرفوه بواسطة آياته الكونية والتنزيلية فأكسبتهم معرفته أمرين عظيمين: حبه تعالى فوق كل محبوب ثم الخوف منه والخشية. والرسول الكريم يقول: ( اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني من حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ونفسي ومالي والناس أجمعين )، كيف تحب الله وأنت ما رأيت جماله ولا كماله ولا عظمته ولا جبروته ولا قدرته، ولا عرفت شيئاً من أسمائه وصفاته؟ من أين لك؟ ومعنى هذا أن نعود إلى كتاب الله، لقد فصل الله فيه الآيات تفصيلاً، ما إن تقرأه متأملاً متفكراً متدبراً حتى يزداد إيمانك في قلبك، وتظهر دلائل حبك له تعالى وخشيتك منه، ولهذا يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم )، يتلونه ثم بعد التلاوة يتدارسونه بينهم ليعرفوا مراد الله من كل آية، ليعرفوا ما يجب عليهم، ما يجب لهم، ما يجب أن يتركوه، ما يجب أن يقوموا به، ليعرفوا كيف يتملقون لله ويتزلفون إليه بترداد اسمه وذكره، بالركوع والسجود له، بحبس الحياة كلها ووقفها عليه؛ ليحبهم، فإذا أحبهم أحبوه.
تفسير قوله تعالى: (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء...)
يقول جل ذكره: ( وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً )[الأنعام:99]، هل هناك من يرفع يده ويقول: نحن بنو فلان أنزلنا المطر؟ لعل أمريكا قالت، لعل ملاحدة الروس قالوا، ثم إن استطعتم أن تبخروا الماء كما زعمتم فمن جمع المطر في السماء؟ هل في السماء من ماء؟ أين الماء الآن؟ من جمع تلك السحب وصيرها كأنها أنعام تحمل في ضرعها اللبن؟ ثم السحب تمر شرقاً وغرباً وتخيم على ديار قوم وترحل ولا تصب إلا بعد إذن ربها لها، فهل هناك غيره؟ (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً )[الأنعام:99]، وهذا الماء أصله ملح أجاج، والله كأنه مصفى في آلاف الآلات، سبحان الله العظيم! لم لا نسأل: هذا الماء من أنزله؟ فيقال لنا: هذا الله، فنقول: من هو الله؟ فييقال: خالقكم ورازقكم وربكم الذي لا رب لكم سواه.

(وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ )[الأنعام:99]، هذا التفات من الغيبة إلى الحضور، أخرجنا نحن رب العزة والجلال والكمال، ( فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ )[الأنعام:99]، ما من شيء ينبت على سطح الأرض إلا والماء سببه، والله وحده هو الذي يخرجه، ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )[الأنعام:95]، حبة الشعير الصماء أو البر من يفلقها؟ نواة التمرة من يشقها ويخرج ذلك الفتيل؟ من يقوى على هذا؟ من يدعيه؟ لا إله إلا الله.
معنى قوله تعالى: (فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوان دانية)
(فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا )[الأنعام:99]، لما تنشق الحبة وتنفلق يخرج منها ذلك القصيل، وذلك القصيل قد يكون براً أو شعيراً أو ذرة أو أرزاً، أنواع متنوعة.(فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا )[الأنعام:99]، ذاك الخضر الأخضر الذي خرج من الحبة بعد فلق الله لها وشقها يخرج الله تعالى منه حباً متراكباً، انظر إلى السنبلة حبها منظم متراكم تعجز عن مثله الآلات.

(وَمِنَ النَّخْلِ )[الأنعام:99]، ونخرج من النخل، والنخل واحده: نخلة، والجمع: نخل اسم جنس، ( وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ )[الأنعام:99]، القنوان: جمع قنو، وهو العرق، وبلغة أهل المغرب: العرجون، هذه النخلة الخشبة الميتة كيف يخرج هذا منها؟
أولاً: يكون الطلع، ثم يخضر وينشق ويخرج منه ذاك الذي كان محروزاً محفوظاً فيه فجأة فإذا به تمر، ويصبح قنواً دانياً متدلياً، والنخلة في السنوات الأولى تتناول منها التمر بيديك لا تصعد ولا تنزله بآلة، فمن فعل هذا؟ إنه الله تعالى، لماذا فعله؟ هل لحاجة إلى ذلك؟ ما فعله الله إلا من أجلنا، من أجل بني آدم فقط، الذين ما خلقهم إلا من أجل أن يذكروه ويشكروه، فمن ذكره وشكره أعزه وأسعده، ومن كفره ونسيه أهانه وأذله وأشقاه، إذ علة الحياة كلها أن يذكر الله ويشكر.
وهل يذكر بالأوراد التي يبتدعها المبتدعة؟ يذكر بماذا؟ بالأغاني والأهازيج؟ يذكر بما أحب أن يذكر به، وقد علم ذلك رسوله وبين له الكلمات الطيبات التي يحب أن يسمعها من عبده، فلا ذكر يأتي من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ورد مبتدع لا قيمة له بل هو بدعة وضلالة.
والشكر كيف يكون؟ الشكر يكون بطاعته عز وجل، بفعل محابه وترك مكارهه، ذلكم والله الشكر، الشكر أن تطيعه في أوامره فلا تفرط فيها ولا تضيعها، وفي نواهيه فلا تقبل عليها ولا تخالفه، أنت يومئٍذ من الشاكرين، زيادة على حمد الله والاعتراف بآلائه وإنعامه.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #763  
قديم 17-09-2021, 02:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,027
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (وجنات من أعناب)
قال تعالى: ( وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ )[الأنعام:99]، أي: وأخرجنا بذلك الماء جنات من أعناب، والأعناب: جمع عنب، هذا أوان حصاده، هذا العنب كيف يوجد؟! شجرة العنب من خلقها؟تكون يابسة كخشب وحطب ثم تتحول إلى ذات أوراق ثم إلى ذات عناقيد كعناقيد التمر متدلية كلها حلوة، فمن فعل هذا؟ إنه الله تعالى لا إله إلا هو، هو الخالق الرازق، فلا نقبل على مخلوق أبداً بقلوبنا ولا بوجوهنا، ولكن نقبل عليه هو، ونسلم له القلب والوجه، ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ )[النساء:125].
والعنب والتمر مغذيان فيهما فيتامينات عجب، التمر هذا بالذات تستطيع أن تعيش عليه، في بعض السرايا كان الصحابة يعيشون على التمر، وعاشت أمتنا على التمر، قيل: إن واحدة التمر فيها غذاء أكثر من خمس عشرة تفاحة، سمعنا هذا من بعض الناس، وهو جائز، الحبة الواحدة من التمر تغذي جسمك أكثر من خمس عشرة تفاحة.
قصة صقلبي يسلم لرؤية بديع خلق الله تعالى في حلاوة التمر
ذكرنا قصة منذ سنين في الدرس: وهي أنه جاء صقلبي من شمال العالم، من تلك الديار التي لا تعرف التمر ولا النخل، ودخل إلى بلادنا الصحراوية وذهبنا معه إلى الحديقة إلى البستان إلى الجنان، فقدمنا له الرطب فتعجب فقال: كيف يصنع هذا؟ ما هو المصنع الذي ينتج هذا الرطب الحلو؟ وقال: هذا الذي يفعل هذا ينبغي أن يجل ويقدس! فلما انتهى إلى البستان وشاهد أنه من النخل عرف أن هذا ليس من صنع الإنسان، وأن هذا من صنع الله عز وجل، فآمن ودخل في الإسلام.
معنى قوله تعالى: (والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر
قال تعالى: ( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ )[الأنعام:99]، وأنشأ الزيتون والرمان بذلك الماء، الزيتون جنس معروف والرمان كذلك، ( مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ )[الأنعام:99]، الرمان نفسه فيه الحلو وفيه الحامض وفيه، الورقة والشجرة تشتبه بأختها، ولكن هذه ثمرها حلو، وهذه ثمرها حامض أو مر، وهذه بين الحموضة والحلاوة.ثانياً: شجرة الرمان كشجرة الزيتون بالنسبة إلى الورق والأغصان كلها متساوية، إلا أن ورق الرمان قد يكون أكثر خضرة، والزيتون يكن فيه بعض السواد، لكن التشابه حاصل، متشابه من جهة وغير متشابه من أخرى، فمن صنع هذا؟ من أوجده؟
قال تعالى: ( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ )[الأنعام:99]، شجرة الزيتون وشجرة الرمان متساويتان متشابهتان، وحين تثمران وتنضج ثمارهما تجد الفرق بين عنقود العنب وبين حبة الزيتون كما بين الليل والنهار، فمن يفرق هذا التفريق؟
شجرة من خشب تنتج هذا العنب! والرمانة تنتج هذا الرمان! والرمان غذاء كامل أيضاً وشراب، والزيتون لا تسأل عن الدهن وعن الزيت وحاجة البشر إليه.
هيا نسأل: من أوجد هذا؟ هل اللات؟ هل عيسى؟ من هو هذا أوجد ذلك؟ إنه الله رب العالمين، فهيا نحبه، هيا نعبده، دلنا كيف نعبده؟ كيف نذل ونستكين له من أجل أن يحبنا، هيا نتعلم.
قال تعالى: ( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ )[الأنعام:99]، والينع: النضوج، فعندما يستوي وينضج تجدون الفرق بين عنقود العنب والزيتون.
معنى قوله تعالى: (إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون)
ثم قال تعالى: ( إِنَّ فِي ذَلِكُمْ )[الأنعام:99] المذكور لكم، المبين لكم، المفصل فيه هذه الآيات، فيه آيات بينات واضحات كالشمس والقمر بدلالتها على وجود ربٍ وإلهٍ عزيز حكيم قدير لا يعجزه شيء، وهو إله الأولين والآخرين.(إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ )[الأنعام:99]، ولكن من يرى الآيات؟ من يبصرها؟ من ينتفع بها؟ الحي أو الميت؟ فلهذا قال: ( لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:99]، أما الكافرون فموتى، وهي الحقيقة التي لا ننساها، الكافر ميت، والمؤمن حي، والبرهنة على ذلك والتدليل عليه: أن الحي يسمع النداء ويجيب الدعاء ويعطي إذا طلب منه، ويأخذ إذا أعطي ويفعل إذا أمر، وينتهي إذا نهي، والكافر هل يسمع النداء؟ هل يجيبه؟ هل يعطي ما أوجب الله؟ هل ينتهي عما نهى الله عنه؟ لا، فهو ميت.
والأكثر دلالة: أن أهل الذمة في ديارنا من اليهود والنصارى والمجوس إذا أهل هلال رمضان هل نطالبهم بالصيام؟ هل إذا آن أوان الزكاة نطالبهم بإخراج الزكاة؟ هل إذا نادى مناد أن: حي على الصلاة نقول: تعالوا صلوا؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأنهم أموات، إذا نفخت فيهم روح الإيمان وقالوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله فحينئذ مرهم يفعلون وانههم ينتهون، ولهذا هذه الآيات التي بينها تعالى من يشاهدها وينتفع بها الميت أو الحي؟ الحي، اقرأها على الكافر من أولها إلى آخرها فلا يتحرك أبداً؛ لأنه ميت، ( إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:99].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
هيا نسمع أيضاً مرة ثانية شرح هذه الآيات ونقف على هداية الله فيها.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم:
[معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان الدليل على وجوب توحيد الله تعالى وبطلان عبادة غيره، فقال تعالى واصفاً نفسه بأفعاله العظيمة الحكيمة التي تثبت ربوبيته وتقرر إلوهيته وتبطل ربوبية وإلوهية غيره مما زعم المشركون أنها أرباب لهم وآلهة: ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )[الأنعام:95]، أي: هو الذي يفلق الحب ويخرج منه الزرع لا غيره، وهو الذي يفلق النوى ويخرج منه الشجر والنخل لا غيره، فهو الإله الحق -إذاً- وما عداه باطل.
وقال: ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ )[الأنعام:95]، فيخرج الزرع الحيّ من الحب الميت، ( وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ )[الأنعام:95]، فيخرج الحب من الزرع الحيّ، والنخلة والشجرة من النواة الميتة.
ثم يقول: ( ذَلِكُمُ اللَّهُ )[الأنعام:95]، أي: المستحق للإلهية -أي: العبادة- وحده، ( فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )[الأنعام:95]، أي: فكيف -يا للعجب- تصرفون عن عبادته وتأليهه إلى تأليه وعبادة غيره؟!
ويقول: ( فَالِقُ الإِصْبَاحِ )[الأنعام:96]، أي: هو الله الذي يفلق ظلام الليل فيخرج منه ضياء النهار، ( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا )[الأنعام:96]، أي: ظرف سكن وسكون وراحة تسكن فيه الأحياء من تعب النهار والعمل فيه ليستريحوا.
وقوله: ( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا )[الأنعام:96]، أي: وجعل الشمس والقمر يدوران في فلكيهما بحساب تقدير لا يقدر عليه إلا هو، وبذلك يعرف الناس الأوقات وما يتوقف عليها من عبادات وأعمال وآجال وحقوق.
ثم يشير إلى فعله ذلك فيقول: ( ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ )[الأنعام:96] الغالب على أمره، ( الْعَلِيمِ )[الأنعام:96] بسائر خلقه وأحوالهم وحاجاتهم، وقد فعل ذلك لأجلهم، فكيف -إذاً- لا يستحق عبادتهم وتأليههم؟ عجباً لحال بني آدم ما أضلهم!
ويقول تعالى في الآية الثالثة: ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )[الأنعام:97]، هذه منة أخرى من مننه على الناس ومظهر آخر من مظاهر قدرته؛ حيث جعل لنا النجوم ليهتدي بها مسافرونا في البر والبحر حتى لا يضلوا طريقهم فيهلكوا، فهي نعمة لا يقدر على الإنعام بها إلا الله، فلم -إذاً- يكفر به ويعبد سواه؟
وقوله: ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:97]، يخبر به تعالى على نعمة أخرى، وهي تفصيله تعالى للآيات وإظهارها لينتفع بها العلماء الذين يميزون بنور العلم بين الحق والباطل والضار والنافع.
ويقول في الآية الرابعة: ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ )[الأنعام:98] هي آدم عليه السلام، فبعضكم مستقر في الأرحام وبعضنا مستودع في الأصلاب، وهو مظهر من مظاهر إنعامه وقدرته ولطفه وإحسانه.
ويختم الآية بقوله: ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ )[الأنعام:98]؛ لتقوم لهم الحجة على ألوهيته تعالى دون ألوهية ما عداه من سائر المخلوقات؛ لفهمهم أسرار الكلام وعلل الحديث ومغزاه.
ويقول في الآية الأخيرة: ( وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً )[الأنعام:99]، وهو ماء المطر. ويقول: ( فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ )[الأنعام:99]، أي: ينبت، أي: قابل للإنبات من سائر الزروع والنباتات.
ويقول: ( فَأَخْرَجْنَا )[الأنعام:99] من ذلك النبات ( خَضِرًا )[الأنعام:99]، وهو القصيل للقمح والشعير، ومن الخضر يخرج حباً متراكباً في سنابله.
ويقول عز وجل: ( وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ )[الأنعام:99]، أي: ويخرج بإذن الله تعالى من طلع النخل قنوان: جمع قنو: العذق، دانية متدلية وقريبة لا يتكلف مشقة كبيرة من أراد جنيها والحصول عليها.
وقوله: ( وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ )[الأنعام:99]، يقول: وأخرجنا به بساتين من نخيل وأعناب، وأخرجنا به كذلك الزيتون والرمان حال كونه مشتبهاً في اللون وغير متشابه في الطعم، كلوا من ثمره إذا أثمر وينعه ينبت لديكم ذلك التشابه وعدمه.
وختم الآية بقوله: ( إِنَّ فِي ذَلِكُمْ )[الأنعام:99]المذكور كله ( لَآيَاتٍ )[الأنعام:99]، علامات ظاهرات تدل على وجوب ألوهية الله تعالى وبطلان ألوهية غيره، ( لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:99]؛ لأنهم أحياء يعقلون ويفكرون ويفهمون، أما غيرهم من أهل الكفر فهم أموات القلوب لما ران عليها من أوضار الشرك والمعاصي، فهم لا يعقلون ولا يفقهون، فأنى لهم أن يجدوا في تلك الآيات ما يدلهم على توحيد الله عز وجل؟ ]
هداية الآيات
من هداية الآيات ست هدايات، فتذكروا الآية:[ أولاً: الله خالق كل شيء فهو رب كل شيء ]، ما دام أنه خالق كل شيء فهو رب كل شيء. [ ولذا وجب أن يؤله وحده ]، أي: أن يعبد وحده [ دون ما سواه ]، لكونه خالق كل شيء وجب أن يكون الإله المعبود بحق ولا يعبد سواه.
[ ثانياً: تقرير قدرة الله على كل شيء وعلمه بكل شيء وحكمته في كل شيء ] حتى في الفسيلة، فلا إله إلا الله.
[ ثالثاً: فائدة خلق النجوم، وهي الاهتداء بها في السير في الليل في البر والبحر.
رابعاً: يتم إدراك ظواهر الأمور وبواطنها بالعقل ]، ومن فقد العقل لا يدرك شيئاً.
[ خامساً: يتم إدراك أسرار الأشياء بالفقه.
سادساً: الإيمان بمثابة الحياة، والكفر بمثابة الموت في إدراك الأمور ].
والله تعالى أسأل أن يجعلنا من الأحياء، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #764  
قديم 17-09-2021, 02:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,027
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (390)
تفسير سورة الأنعام (23)


توعد الله عز وجل من تأتيه آياته سبحانه ثم يعرض عنها؛ لأنه بذلك إنما يكون قد كذب بالحق الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى، رغم علمه بما أصاب الأمم السابقة ممن مكن لهم الله في الأرض، فكذبوا وأعرضوا، فكان جزاء تكذيبهم وإعراضهم أن دمر الله عليهم، وأهلكهم بذنوبهم، وأنشأ بعدهم أمماً أخرى، فهو القاهر فوق عباده عز وجل، وهو العزيز الحكيم.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الأنعام
الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس بإذن الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
مجمل ما عالجته سورة الأنعام من العقائد
وأذكر الإخوان والأبناء أن السورة هي سورة الأنعام، تلك السورة العظيمة التي شيعها سبعون ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، تلك السورة التي تعالج أعظم العقائد، وأهم مبادئ الكمال والسعادة في الحياتين، تعالج العقيدة: توحيد الله، تقرير نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، البعث الآخر ولقاء الله، هذه السورة العظيمة درسنا منها الآيات الآتية تلاوتها:
مظاهر الربوبية المستلزمة استحقاق الله تعالى للعبادة
بسم الله الرحمن الرحيم. ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:1-3].هذه الآيات درسناها، مرة ثانية أعيدها تذكيراً للناسين.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ )[الأنعام:1] هذه مظاهر الربوبية والإلهية، وهي مستلزمة لتوحيد الله، إذ الذي يعبد وحده دون سواه هو الذي أنعم علينا بخلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، إذ حياتنا متوقفة على ذلك، وهذه المخلوقات لم يدع كائن ما كان خلقها، فهذه مما هو حق الله وخلقه، وبهذا استحق الحمد وحده، واستحق العبادة دون سواه.
إشراك الكفرة بربهم عز وجل
(خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )[الأنعام:1] يا للعجب! يا للعجب! يعدلون بربهم غيره، ويسوونه بمخلوقاته، فيعبدون الأصنام والأحجار، يعبدون الأهواء والشهوات، ويعبدون الفروج والأموال، ولا يعبدون الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه، أو يعبدونه مع ما يعبدون، وهذا هو العدل، يعدلون بالله غيره من مخلوقاته.
مادة خلق الإنسان وبيان تقدير أجله الخاص وأجل الحياة الدنيا
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ )[الأنعام:2] من يرد على الله؟! من يقول: لا، هل نحن خلقنا من ذهب، أو خلقنا من سمن، أو خلقنا من ساج أو عاج؟ ( خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ )[الأنعام:2] باعتبار خلق آدم ونحن ذريته، ثم عظامنا ولحومنا وعروقنا ودماؤنا كلها من الأرض، إذ أغذيتنا فواكه وخضر ولحوم وحبوب كلها من التراب، وهي أساس وجودنا ومنبعنا وبقاء حياتنا.(ثُمَّ قَضَى أَجَلًا )[الأنعام:2] ألا وهو أجل الموت لكل حي منا، وحدد وعده ووقته وميعاده، هل هناك من يقول: لا حق لله تعالى في خلقي ولا في تحديد حياتي أو موتي؟ لا أحد.
ثم هناك أجل مسمى عنده معروف لديه، يجهله كل كائن في السماء والأرض، ألا وهو أجل نهاية هذه الحياة، أجل البعث الآخر والحياة الآخرة، من يرد على الله؟ من يتكلم؟ لا أحد.
(قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ )[الأنعام:2] يا بني آدم ( تَمْتَرُونَ )[الأنعام:2] تشكون وتضطربون، مالكم؟ أين يذهب بكم؟ الذي خلقكم وخلق كل شيء من أجلكم، هذا الخالق العلام تمترون في وجوب عبادته وحده دون سواه، تمترون في ألوهيته، أين يذهب بعقولكم يا بني آدم؟!
إحاطة علم الله تعالى بسر عباده وجهرهم وكسبهم
(وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ )[الأنعام:3] أي: المعبود في العوالم العلوية والسفلية، وهو في السماء إله معبود، وفي الأرض إله معبود، ومع هذا ( يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ )[الأنعام:3] هو فوق عرشه بائن من خلقه فوق السماوات، والعوالم كلها في قبضته وبين يديه، يعلم سر من يسر كلامه وجهر من يجهر به، لا تظن أنك إذا اختبأت في سراديب، أو دخلت في قوارير الزجاج أن الله لا يسمع ما تقول! والله ما كان هذا، بل يعلم السر والنجوى.(يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:3] بجوارحكم وكواسبكم، لقد علم الجوارح التي نجترح بها السيئات والحسنات، والكواسب التي نكتسب بها الخير والشر، ألا وهي السمع والبصر والفم واللسان واليدان والرجلان والبطن والفرج، يعلم ما نكسب، ولازم ذلك أنه يعلمه للجزاء به، وللمحاسبة عليه، وإن قلت: سوف أجحد أعمالي وأكتمها وأنا بين يديه؛ فقد أخبرنا تعالى أنه يستنطق الجوارح فتنطق: ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[النور:24]، فحين يحاول المرء أن يجحد أو يخفي أو يبدل ويغير يقول الله للجوارح: انطقي. واسكت يا لسان!
إذاً: هل استنارت قلوبنا بهذه الآيات الثلاث؟ عرفنا ربنا؟ عرفنا خالقنا؟ عرفنا من وضع آجالنا في مواعيدها؟ عرفنا من يجمعنا في ساحة فصل القضاء ثم ينبئنا بأعمالنا ثم يجزينا بها؟ إما سعادة بعد ذلك، وإما شقاء، والله الذي لا إله غيره لهذا هو الذي نحن مقبلون عليه، أحببنا أم كرهنا.
تفسير قوله تعالى: (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين)
والآن مع هذه الآيات الثلاث معطوفة على سابقتها: قال تعالى: ( وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون
* أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ )[الأنعام:4-6] كلام من هذا؟ من يقوى على أن يتكلم بهذا؟ هذا كلام الجبار الواحد القهار جل جلاله وعظم سلطانه.
(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ )[الأنعام:4] وآيات الله القرآنية عرفنا أنها ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، كل آية تدل على أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن البعث حق، والآية: العلامة الدالة على الشيء، فإذا قلنا: هذه الآية: ( وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ )[الأنعام:4] من قالها؟ هل هناك من أنزلها وقالها غير الله؟ إذاً: فهي تشهد بوجود الله وعلمه وحكمته وقدرته، وأنه رب الأولين والآخرين، ومعبود أهل السماء والأرضين.
ومن نزلت عليه في الدنيا من يكون غير رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؟ إذاً: فهل يكون غير رسوله، وينزل عليه وحيه؟ فهي تشهد بأن محمداً رسول الله.
وفائدة تلك الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) والمقصود منها: أن يعبد الله في الأرض؛ إذ ما خلق العوالم كلها إلا من أجل أن يذكر فيها ويشكر؛ فلهذا كان شر الخلق وشر البريئة من كفر بالله فلم يذكره ولم يشكره.
دائماً نقول: من شر الخليقة؟ هل القردة والخنازير؟ لا! هل الكلاب والذئاب؟ لا! هل الأفاعي والحيات؟ لا! شر الخليقة من أعرض عن ذكر الله، فلم يذكر الله ولم يشكره!
أيخلقك الله -يا عبد الله- ويرزقك ويهبك سمعك وبصرك وكل حياتك، ويخلق هذه العوالم من أجلك حتى عالم الشقاء وعالم السعادة، ثم تعرض عنه ولا تلتفت إليه، لا تطيعه فلا تذكر ولا تشكر، من شر الخلق سوى هذا؟!

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #765  
قديم 17-09-2021, 02:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,027
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تكذيب المشركين بآيات الله تعالى الكونية وآياته القرآنية
(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ )[الأنعام:4] قد تكون معجزة كانشقاق القمر؛ فقد انشق القمر، وشاهده طغاة المشركين وجبابرتهم ثم قالوا: سحر. وقالوا: كذب. وقالوا: خرافة وضلالة. واقرءوا: ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ )[القمر:1] اقتربت الساعة ساعة النهاية، اقتربت بالفعل، وانشق القمر على جبل أبي قبيس فلقتين، وهم يشاهدون، وقالوا: سحر! ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ )[القمر:1-3] ما اتبعوا عقولهم، فالآيات معجزات، وآيات القرآن أعظم منها، ما تأتيهم من آية إلا كانوا عنها معرضين، ما معنى (معرضين)؟ لا يريدون أن يسمعوها ولا يتأملوا ما فيها، ولا يعملوا بها، فيعطوها أدبارهم ولا يلتفتون إليها، فهيا نكشف الغطاء:
الإعراض عن آيات الله تعالى في حياة المسلمين اليوم
هل العالم الإسلامي اليوم ومنذ قرون غير معرض عن آيات الله؟ آيات الله الحاملة لشرائعه وأحكامه وعباداته وقوانينه؛ هذه الآيات هل أقبل عليها المسلمون في بيوت ربهم وبيوتهم يتدارسونها ويعلمون ما تحويه من الهدى، ويطبقونه في حياتهم؟ هل أقيمت الصلاة في بيوتهم وديارهم؟ هل جبيت الزكاة؟ هل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؟ هل اتحدت كلمتهم؟ هل بايعوا إمامهم؟ هل عبدوا الله بما شرع لهم؟ هل عرفوا الله معرفة أوجدت حبه في قلوبهم، والرهبة منه والخوف في نفوسهم فأطاعوه؟ إن أردنا القول الصحيح فوالله لأكثرهم معرضون عن آيات الله.أليس الإعراض هو عدم الالتفات إلى الشيء أم لا؟ إنهم يوم يجتمعون على آيات الله في بيوت الرب، يحفظونها ويتدارسونها ويطبقونها وتظهر أنوارها في قلوبهم وآدابهم وأخلاقهم وسلوكهم وحياتهم؛ حينئذ يكون أولئك حقاً قد أقبلوا على آيات الله، أما أن نعيش هكذا عيشة اليهود والنصارى، لا صلاة تقام ولا زكاة تجبى، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولا إخاء ولا مودة ولا رحمة، ولا علم ولا دموع ولا بكاء من الله، نعيش كما يعيش اليهود والنصارى ونقول: ما أعرضنا؟! وهذا الوعيد الذي ذكره تعالى للأولين أما حصل لنا لما أعرضنا؟ أما أذلنا الله حتى لليهود؟ أما كسر بيضتنا وألصقنا بالأرض، وأصبح النصارى والمجوس يتحكمون فينا؟
(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ )[الأنعام:4] التي ينزلها وحياً أو يعطيها معجزة وإكراماً لرسوله ( إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ )[الأنعام:4].
تفسير قوله تعالى: (فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون)
(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ )[الأنعام:5]، ورسول الله حق، الدين الإلهي الإسلامي حق، القرآن حق، البعث والجزاء الآخر حق، والله حق.(كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ )[الأنعام:5] يحمله كتاب الله ويبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً: ( فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )[الأنعام:5] أعرضوا وكذبوا واستهزءوا، وهل بقي إثم أكثر من هذا؟ إنهم أولاً: أعرضوا عن شرع الله وكتابه وقوانينه. ثانياً: كذبوا بذلك، فلم يطبقوا ولم يعملوا. ثالثاً: استهزءوا وسخروا.

فقال تعالى: ( فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )[الأنعام:5]، فسوف يأتيهم أنباء وأخبار ما كانوا به يستهزئون، ونفَّسَها بقوله: ( فَسَوْفَ )[الأنعام:5] حتى لا يقال: تأخر عنا، هو وقت طويل. فلا بد أن يأتي أخبار ما كانوا به يستهزئون.
وقد عرفنا ما أصاب أمتنا لما أعرضت عن كتاب ربها وهدي نبيها، عرفنا كيف تقسمت وتوزعت وتقطعت بعدما كانت أمة واحدة، وعرفنا كيف افتقرت وهانت وذلت بعدما كانت أعز وأغنى أمة في العالم! عرفنا كيف ذهب الإخاء والحب والولاء: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) ، ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله )، فأراق اليهود والنصارى دماء المسلمين، وانتهكوا أعراضهم، وفعلوا الأعاجيب فيهم! أليس هذا نتيجة الإعراض عن كتاب الله وعن آيات الله؟
تفسير قوله تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ...)
ثم قال تعالى: ( أَلَمْ يَرَوْا )[الأنعام:6] ألم ينته إلى علمهم ويشاهدوا تلك الأمم التي أهلكها الله عز وجل؟ ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ )[الأنعام:6] والمراد من القرن: أهله، والقرن: مائة سنة، وقد يقال: سبعون وثمانون، لكن الصحيح: مائة سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعبد الله بن بسر رضي الله عنه: ( تعيش قرناً ) فعاش مائة سنة، فأخذ من ذلك الصحابة أن القرن تفسيره الصحيح: مائة عام، وقد يكون الجيل من الناس قرناً، من اقترنوا كلهم في وقت واحد فهم قرن من القرون.(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ )[الأنعام:6] وهذا التفات، ما لم نمكن لكم يا أيها المعرضون! مكناهم بمعنى: سادوا وحكموا وورثوا وملكوا وسادوا، الأمر الذي ما مكنه لغيرهم من هؤلاء المعرضين. (
وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا )[الأنعام:6] الأمطار الغزيرة والنباتات على اختلافها، وأنواع ما يحتاجون إليه من الزروع والثمار والحبوب. ( وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ )[الأنعام:6] أي: تحت قصورهم وفي بساتينهم وحدائقهم.
الذنوب سبب الهلاك
(فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ )[الأنعام:6] هل هناك ذنوب تسبب الهلاك وأخرى لا تسبب الهلاك؟ هل هناك سم يقتل وآخر لا يقتل؟ هل هناك حديد يقطع وآخر لا يقطع؟ هل هناك نار تحرق وأخرى لا تحرق؟ إذاً: الذنوب سنن من سنن الله التي تهلك وتدمر وتسوق للخسران والدمار، ما هناك ذنب يقال فيه: هذا لا يؤاخذ الله به، إذ الذنب معناه: العصيان والتمرد والخروج عن طاعة الله ورسوله، وبهذا يؤخذ الإنسان من عقبه ومن ذنبه، فسمي الذنب ذنباً لأنه كالذنب للحيوان، إذا جرى أمامك حيوان فإنك تأخذه من ذنبه، فكل ما يؤاخذ به المرء من معاص سمه ذنباً وأطلق عليه أنه ذنب.(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ )[الأنعام:6] من القرون وأهلها ( مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ )[الأنعام:6] هذا أبلغ من: (مكنا لهم)، مكناهم في الأرض فسادوا وحكموا وعاشوا هكذا ولهم دولتهم وسلطانهم، مكنا لهم ما لم نمكن لكم أنتم، هذا فيه احتباك، لك أن تقول: مكناهم في الأرض ما مكنا لكم، ومكنا لهم ما مكنا لكم.

(وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا )[الأنعام:6] المراد من السماء: المطر، وإلا فالسماء لا تنزل، يقول الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابًا
إذا نزل السماء: أي: المطر.
(وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا )[الأنعام:6] والدر معروف، هو اللبن في الضرع، درت الشاة: إذا تدفق لبنها بين يدي الحالب لها.
(وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ )[الأنعام:6] أنهار ماذا؟ العيون، أنهار كالنيل والفرات وما إلى ذلك، تجري من تحتهم الأنهار، ( فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ )[الأنعام:6] هذه هي العظة والعبرة، هل أهلكهم الله ظلماً منه؟ تعالى الله عن الظلم وحاشاه، والله ما أهلكهم إلا بسبب ظلمهم، أي: بذنبهم، والباء سببية، (بذنوبهم) جمع ذنب، وهو ما يؤاخذ عليه العبد هو معصية الله ورسوله، ومن أمر الله بطاعته كإمام المسلمين والوالدين والمربي ومن إليهم ممن أمر الله بطاعتهم، ولكن طاعتهم في المعروف لا في المنكر، هذا هو الذنب.
ذكر بعض ما أخذ به المشركون من ذنوبهم ومعاصيهم
إذاً: ( فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ )[الأنعام:6] أمة أخرى وقرونًا أخرى، هذه الآية تجلت أولاً في تلك السنين السبع العجاف التي أذاقها الله مشركي مكة، حتى أكلوا الوبر وأكلوا الدماء، وجاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستشفع لهم عند الله، سبع سنين كسني يوسف، من هذه الآيات هزيمتهم في بدر التي جمعوا لها أحابيشهم ورجالهم وذاقوا مرارة الهزيمة، وصرع هناك طغاتهم، كـأبي جهل وفلان وفلان، أخذهم بذنوبهم أم لا؟ وفتح مكة وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لها، وتلك الهزيمة المرة كانت بذنوبهم أم بماذا؟ بذنوبهم.
آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها الوخيمة في حياة المسلمين
وأما ما أشرنا إليه -بل صرحنا به- وهو ما أصاب المسلمين بذنوبهم من الاستعمار الذي تسلط عليهم، وما أذاقهم من مر العذاب، وما أذاقهم من هون ودون من إندونيسيا إلى موريتانيا؛ فهل هذا كان بذنوبنا، أم كان ظلماً من الله لنا؟ والله ما هو إلا بذنوبنا. وأزيدكم: والله الذي لا إله غيره! إن لم يتدارك الله المسلمين عاجلاً بتوبة صادقة وإنابة حقة فلينزلن بهم ما لم ينزل على أجدادهم من قبل، إنهم ليتعرضون لنقمة إلهية لا نظير لها!
نصرهم على دول الغرب واستقلوا وامتازوا، ولهم جيوش ولهم أموال، ويعرضون عن كتاب الله هذا الإعراض، يعرضون عن دين الله هذا الإعراض، ويجرون وراء الغرب حتى في برانيطهم وزيهم، حتى في أكلهم وشربهم، أي ذنب من الذنوب ينتهي إلى هذا؟
مرة ثانية أقول: إن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير، فمخالفة أمر لرسول الله واحد أذاق الله به أصحاب رسول الله مر العذاب والهزيمة في أحد، فما هو هذا الذنب؟ وضع صلى الله عليه وسلم خمسين رامياً على جبل الرماة، وقال: لا تنزلوا إن انتصرنا أو انكسرنا، الزموا أماكنكم. وكان صلى الله عليه وسلم قائداً ورائداً لا أقدر ولا أعلم منه بشئون الحرب؛ لأنه يتلقى علومه من الملكوت الأعلى.
ودارت المعركة وانهزم المشركون وهم آلاف، وفروا بنساؤهم هاربات يشاهدن، فلما رأى الرماة انهزام المشركين وفرارهم وتمزقهم قالوا: نهبط. فقال أميرهم: لا تهبطوا، ما أمرنا الرسول بأن نهبط، قالوا: الآن انتصرنا فلا معنى للبقاء. هذا هو الاجتهاد الباطل، فهبطوا إلا من شاء الله، حيث بقي رئيسهم في نفر معه، وما إن نزلوا من جبل الرماة حتى عرف خالد بن الوليد قائد خيلهم، عرف أن الهزيمة الآن تثبت، فاحتل الجبل؛ لأن الجبل كان درعاً واقياً للمجاهدين وراءهم، فاحتله خالد وقتل من عليه، وما إن احتل الجبل وسدد السهام والرماح حتى انهزموا، وجرح وجه رسول الله، وكسرت رباعيته، ودخل المغفر في رأسه، بسبب ماذا؟ بسبب الذنب أم لا؟ والله إنه لبسبب هذا الذنب، والله هو الذي أخبر بهذا: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ )[آل عمران:165]، عصوا الرسول فقط في قضية، اسألوا العالم الإسلامي كم هو عاص للرسول، في الحجاب الذي اختفى بين نساء المؤمنين، في الربا الذي أصبح حلالاً شائعاً في العالم الإسلامي، في التمزق والفرقة ولعن بعضهم بعضاً، والرضا بالدويلات الهابطة، أيرضى الله بهذا الخلاف والفرقة؟ ما أجاز لنا الفرقة ولا أذن فيها أبداً، ماذا نقول؟ ذنوب لا حد لها، وأكثر ما نقول: كيف لا يؤمر المواطنون بإقامة الصلاة؟ ما المانع؟ لماذا لا تجبى الزكاة إرضاء لله، طلباً لرضاه وإن كنتم أغنياء؟ لماذا لا توجد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ يكون البوليس والشرط يصفرون ويصيحون، ويفجرون في الشوارع، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر! أي إعراض أكثر من هذا الإعراض؟!
حاجتنا إلى التوبة الصادقة بالعودة إلى التربية المسجدية
وأخيراً: قل انتظروا، والله إن لم يتداركنا الله بتوبة فلنهلكن، ما التوبة هذه؟ أن نرجع إليه فقط، وقد بينت وجه التوبة الصادقة، وهي إذا دقت الساعة السادسة مساء وجب ترك العمل والإقبال على الله في بيوته، النساء والرجال والأطفال، ما إن يصلوا المغرب حتى يجلسوا لمرب حكيم عليم بكتاب الله وسنة الرسول، وكلهم آذان صاغية، وقلوب واعية، يتعلمون الكتاب والحكمة، ما يتعلمون أدباً إلا طبقوه على الفور، ولا خلقاً إلا اكتسبوه وتخلقوا به، ومن شعر أن له ذنباً من تلك اللحظة تاب إلى الله منه وتركه، ويخرجون إلى بيوتهم وكلهم أنوار يذكرون الله ويسبحونه ويسألونه حاجاتهم. اليهود والنصارى في الشرق والغرب شاهدناهم إذا دقت الساعة السادسة وقف دولاب العمل، وأقبلوا على الملاهي والمقاهي والمراقص والمقاصف للترويح عن أنفسهم، والمسلمون أولياء الله أين يذهبون؟ يذهبون إلى بيوت ربهم لتلقي الكتاب والحكمة والآداب والأخلاق، لو أن أهل القرية فقط طبقوا هذا المبدأ المحمدي عاماً واحداً؛ لما رأيت في تلك القرية فاجراً ولا كافراً ولا لصاً ولا كذاباً ولا منافقاً ولا خادعاً ولا عاهراً ولا زانياً ولا فاجراً.
بدون هذا لو جعلت عند كل باب عسكريًا والله لشاعت الأباطيل وظهرت المفاسد والمعاصي والذنوب، إن لم يستعجلوا الفرصة قبل فواتها، ومن يعش منكم فسيقول: سمعنا ذاك الشيخ يقول. لتنزلن محن -والله- أكثر من محن الاستعمار.
وإلا فهل نحن أفضل من غيرنا؟! أيمسح على رءوسنا ويقال لنا: لا بأس، افجروا ولا تخافوا فأنتم مؤمنون، أيمكن هذا؟ مستحيل.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #766  
قديم 25-09-2021, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,027
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (391)
تفسير سورة الأنعام (24)


مع ما بين الله لعباده من آياته الدالة على وجوده وعلمه وقدرته ورحمته المقررة لربوبيته وألوهيته، إلا أن جهالة المعرضين عن الطريق القويم، الصادين عن الذكرى وآيات الذكر الحكيم، جعلهم يشركون بالله غيره، فجعلوا له شركاء الجن وهو خلقهم وخلق الإنس وسائر المخلوقات، كما حملتهم عقولهم السقيمة وأفهامهم الرديئة إلى أن ينسبوا إليه البنين والبنات، ويزعموا وجود صاحبة له سبحانه، فتعالى الله عن إفكهم، وتقدس اسمه سبحانه عن ضلالاتهم وإثمهم.
تفسير قوله تعالى: (وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألف ألف وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، وها هي الآيات الأربع نستمع إلى تلاوتها مجودة مرتلة ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:100-103]. سبحانه! ‏
تقرير السورة لعقيدة التوحيد وإبطال ما ينافيها
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم أن هذه السورة المباركة الميمونة تعالج ما يلي:أولاً: توحيد الله عز وجل، وأنه لا إله إلا هو، بالأدلة والبراهين العقلية والنقلية، لا إله إلا الله.
وكثيراً ما نقول: أيام البلشفية والإلحاد الشيوعي لو اجتمعت البشرية كلها وصيغت عقولها على عقل واحد فوالله ما استطعت أن تنقض هذه الجملة: لا إله إلا الله؛ إذ نقضها يكون بأحد أمرين: إما بالعدم: لا إله، وهذا لا يقوله ذو عقل أبداً، فمن قال: لا إله يقال له: قف! هل أنت موجود أو غير موجود؟ إن قال: موجود، قلنا: من أوجدك؟ أنت مخلوق أو غير مخلوق؟ بلى أنا مخلوق، إذاً: من خلقك؟ فيطأطئ رأسه: لا أدري.
الأمر الثاني: الذي يثبت التعدد نقول له: الله هو المعبود الحق وأنت تثبت معه واحداً أو اثنين أو عشرة، هذا الذي تثبته خالق أم مخلوق؟ مخلوق مربوب، سواء كان من الجن أو الإنس أو الملائكة.
إذاً: فبطلت كل دعوى يريد صاحبها أن ينفي هذه الجملة: لا إله إلا الله إما بـ(لا إله) أو بالتعدد، فلم يبق إلا الحق وهو أنه لا إله إلا الله، ولازم هذا أن يعبد بما شرع للناس أن يعبدوه به، وأن لا يشاركه في تلك العبادة مخلوق كائناً من كان، لا يحل عقلاً ولا شرعاً أن يشارك الخالق في طاعته التي تعبد بها الناس والجن والملائكة، فهذه السورة تقرر مبدأ لا إله إلا الله.
تقرير السورة لعقيدة البعث والجزاء
ثانياً: تقرر مبدأ البعث الآخر والحياة الثانية دار الجزاء على الكسب الدنيوي في هذه الدار، الناس يكسبون الخير والشر، فلا بد من جزاء واف لأعمالهم التي كسبوها بإراداتهم وحرياتهم، وهو الإيمان بلقاء الله والوقوف بين يديه والاستنطاق والاستجواب ثم الحساب الدقيق السريع والجزاء: الخير بالخير، والشر بمثله.
تقرير السورة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم
ثالثاً: تقرر أن محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العربي رسول الله، ولن يستطيع ذو عقل أن ينفي رسالته أبداً إلا إذا انسلخ من عقله وأصبح كالحمار، وبيان ذلك أن رجلاً أمياً لم يقرأ ولم يكتب يتحدث عن الملكوت الأعلى بالتفصيل، يتحدث عن الكون كله، يتحدث عن الذرة والمجرة، كيف يتم هذا لأمي لا يقرأ ولا يكتب؟! وإذا قال الكلمة فوالله إذا صحت عنه واجتمعت البشرية كلها على نقضها ما نقضتها، فكيف لا يكون رسول الله؟!وأعظم من ذلك أن بيده كتاب الله المقدس فيه مائة وأربع عشرة سورة، فيه علوم الأولين والآخرين، فيه التقنين العجب، فيه السنن العجب، هذا الكتاب من أين جاء له؟ هل كتبه عمه؟ هل أعطاه فلان؟ لقد تحدى الله العرب أهل البيان واللسان والبلاغة على أن يأتوا بسورة فقط من مثله فعجزوا، واقرءوا قول الله تعالى: ( وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ )[البقرة:23]، أي: شك، ( مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )[البقرة:23-24]، وهل فعلوا؟ مضى عليهم ألف وأربعمائة عام فهل استطاعوا؟ ( وَلَنْ تَفْعَلُوا )[البقرة:24].
تقرير الآيات عظم جرم المشركين بعد إيراد دلائل قدرة الله تعالى ووحدانيته
الآيات السابقة بينت للعادلين بربهم الأصنام والأحجار والشهوات والأهواء مظاهر وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته في الكون كله، وإن شئتم أسمعتكم الآيات التي تقدمت مرة ثانية، وهي قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:95-99].بعد هذا كله قال: ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ )[الأنعام:100]، يا للأسف! مع هذا كله ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ )[الأنعام:100].
ذكر بعض ما يتعلق بعالم الملائكة وعالم الجن وعالم الإنس
والجن -معاشر الأبناء والمستمعين والمستمعات- عالم يضاهي عالم الإنس، إذ العوالم ثلاثة: عالم الملائكة، وهذا عالم الطهر والصفاء، فالملائكة مخلوقون مفطورون على عبادة الله، لا يعصون الله عز وجل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ماذا تعرفون عن عالم الملائكة؟ أولاً: كل واحد منكم معه عشرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( أطّت السماء وحق لها أن تئط؛ ما يوجد في السماء موضع شبر إلا عليه ملك راكع أو ساجد )، فعالم الملائكة عالم الطهر.
وعالم الجن عالم آخر، وهم قريبون في الخلق من الملائكة؛ لأن الملائكة مادة خلقهم من النور، ومادة خلق الجن من النار، والنور والنار بينهما تقارب، وهذا هو السر في أننا لا نقدر على رؤيتهم، وأبصارنا أعطيت طاقة محدودة لا تتجاوزها، ما نقدر على رؤية الجن ولا الملائكة إلا إذا تشكل بشكل مادي كإنسان أو حيوان فتراه وتشاهده، فجبريل رسول الله إلى الأنبياء والرسل كان يأتي كثيراً في صورة دحية الكلبي في صورة إنسان.
وبعدهما عالم الإنس وهم ذرية آدم، هذا العالم فيه البار والفاجر، والكافر والمؤمن، والطالح والصالح، ومرد هذا إلى الإيمان والعمل الصالح، وإلى الشرك والكفر والعمل الفاسد، والنار مخلوقة لإيواء من كفر بالله وأشرك به وعصاه من الإنس أو الجن على حدٍ سواء.
إلا أن من ولد من إبليس من الجن هؤلاء كلهم شياطين، لا يعبدون الله ولا يعترفون بعبادته، ذرية إبليس الذين انحدروا منه إلى الآن يتوالدون، هؤلاء لا يؤمنون ولا يعبدون الله عز وجل، ولا خير فيهم البتة، أبلسهم الله وأيأسهم، وغير أولاد إبليس فيهم البار والفاجر كأولاد آدم، والكافر والمؤمن والصالح والطالح على حد سواء.
عالم الجن وعالم الشياطين عبده أمم في الهند وفي أوروبا وفي فارس، عبدوا الجن، تمثلوا لهم وعبدوهم واتخذوهم آلهة، ورسموا لهم هياكل، حتى قيل: إن جاناً رسموا صورة من ذهب، هيكل ذهبي، هذه الأمم إلى الآن تعبد الجن في تلك التماثيل والصور التي رسموها ووضعها لهم.

يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #767  
قديم 25-09-2021, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,027
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

بيان ما وقع فيه بعض المشركين من إشراك الجن مع الله تعالى ونسبة البنين والبنات إليه سبحانه
قال تعالى: ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ )[الأنعام:100]، شركاء من الجن، وكل من عبد غير الله قد عبد الشيطان، من الذي يدعو الإنسان إلى أن يعبد صنماً أو كوكباً أو فرجاً؟ والله إنه الشيطان، هو الذي يدعوه ويحسن له ويزينه، ويدفعه إلى ذلك، فهو عابد الشيطان ما هو بعابد الصنم، عبد من أطاعه.إذاً: فكل الآلهة التي عبدت لك أن تقول: إنما الشيطان هو المعبود، ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ )[الأنعام:100]، يا للأسف! مع ما بين تعالى لهم من آياته الدالة على وجوده وعلمه وقدرته ورحمته المقررة لربوبيته وألوهيته، مع هذا جعلوا له شركاء الجن.
ثم قال تعالى: ( وَخَلَقَهُمْ )[الأنعام:100]، خلق البشر وخلق الجن، ( وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ )[الأنعام:100]، قراءتان سبعيتان: (خرقوا) و(خرّقوا): اختلقوا وافتروا الكذب والافتراء.
فالنصارى إلى الآن نساءً ورجالاً يقولون: عيسى ابن الله، وهذا معتقدهم وعليه يحيون ويموتون، فهل عيسى ابن الله؟! كيف هذا يتم؟! إنهم يؤولون ذلك ليخرجوا من الورطة، ولكن ما نفعهم ذلك، قد يقول قائلهم: لحبنا له فقط جعلناه كأنه ابن الله. وهو كذب وافتراء.
اليهود أهل كتاب، ومع ذلك قالوا: العزير ابن الله، وإلى الآن يعتقدون أن عزيراً عليه السلام ابن الله عز وجل، وسبب قول اليهود: عزير ابن الله -كما تقول الروايات-: أنه لما احتل البابليون ديارهم وأجلوهم منها وأخرجوهم واستولوا على أموالهم، واستولوا على كتابهم التوراة وفيها ألف سورة لم تحفظ عن ظهر قلب، فلما أخذها جيش البابليين العراقيين واستولوا عليها قالوا: من لنا بالتوراة؟ فأملاها عليهم العزير، حفظها عن ظهر قلب، فلما أملاها عليهم وكتبوها قالوا: إذاً: أنت ابن الله! الشيطان زين لهم فقالوا: مستحيل أن يحفظها أحد من هذه الأمة إلا هذا، فهذا ابن الله، فقالوا: عزير ابن الله.
العرب فيهم طوائف -بنو لحيان- قالوا: الملائكة بنات الله، قالوه بألسنتهم، والذي يقول هذا ويقرره في نفوسهم هو إبليس، قالوا: إن الله قد أصهر إلى الجن وأنجب الملائكة، فهم بنات الله، فهم يعبدونهم بوصفهم بنات الله، وهذا كله من إيحاء الشيطان وتحسينه وتزيينه ووسوسته، يا للعجب! فجاء القرآن الكريم يمزق هذه الحبال الواهية، ويسقط هذه المباني الساقطة، ويقرر الحقيقة الحقة التي لا يطرأ عليها أبداً ضعف ولا نقص، لا إله إلا الله.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:100]، لا علم عقلي ولا علم مادي ولا علم وحيي وتنزيلي من كلام الله ورسله، والله لا علم، فكيف -إذاً- ينسبون لله الولد والبنت؟
معنى قوله تعالى: (سبحانه وتعالى عما يصفون)
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ )[الأنعام:100]، نزه الله تعالى نفسه وقدسها عن أن يكون -مثلما يقولون- له الولد والبنت، لا من الملائكة ولا من الإنس ولا من الجن، هل هو في حاجة إلى ابن؟! كيف يفهمون هذا الكلام؟!(سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ )[الأنعام:100]، يصفونه بماذا؟ وصفوه بأن له ولداً، وأنه له بنتاً أو بنات وأنه له شركاء.
تفسير قوله تعالى: (بديع السموات والأرض...)
ثم قال تعالى: ( بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ )[الأنعام:101]، من يشارك الله في هذا؟بديع: مبدع ومخترع السماوات والأرض قبل ألا يكون شيء، ما هناك صورة صور عليها وأوجد مثلها أو نظيرها، إبداع كامل لم يسبق له نظير ولا مثيل، ومن يقول: لا؛ نقول له: ومن أبدع السماوات والأرض؟ ما تستطيع أن تقول: فلان، فاسكت إذاً وقل: آمنت بالله.
(بَدِيعُ السماوات )[الأنعام:101]، إن سماء الدنيا وأفلاكها وكواكبها فقط يحار العقل البشري في إيجادها وصنعها، فكيف بسبع سموات؟ وقد اخترقها رسول الله ونزل بالملكوت الأعلى وشاهد العالم العلوي بما فيه، ( بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ )[الأنعام:101]، وهذا الكوكب الأرضي من أبدعه ومن أوجده؟ هل هم بنو تميم؟ هل بنو فلان؟ هل الهنود؟ هل الزنادقة من المجوس؟ ما له من مبدع إلا الله عز وجل.
تنزيه الله سبحانه عن الصاحبة والولد
(بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ )[الأنعام:101]، كيف يكون له ولد ( وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ )[الأنعام:101]، أيعقل أن إنساناً يكون له ولد بدون زوجة؟ هل هذا في أمريكا موجود؟ في الهند؟ في عالم الجن؟ هل يوجد ولد بدون أب وبدون أم؟ مستحيل، كيف يكون له ولد وليس له زوجة؟ ما استطاعوا أن يقولوا: زوجته فلانة؛ فسيضحك عليهم، أيخلقها وتكون له زوجة؟ وهل تساوي جنابه وعظمته وجلاله؟ هل الذي يضع السماوات في يمينه تكون له زوجة؟(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )[الزمر:67]، كرسيه وسع السماوات والأرض، فكيف يكون له زوجة ويكون لها ولد؟! عجب هذا القرآن.
(بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ)[الأنعام:101]، بديع: مبدع موجد لهما على غير مثال سابق، بخلاف الذي يبني داراً -مثلاً- لأنه شاهد أخرى فبنى مثلها، لكن المبدع الذي يوجد بدون مثال سابق.
(بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ أَنَّى)[الأنعام:101]، أي: كيف يكون؟ استبعاد، مستحيل ( أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ )[الأنعام:101]، والله! إنه لمستحيل هذا، الذي ليس له زوجة هل يكون له ولد؟ أهذا موجود في البشر؟! أو في الحيوانات ممكن؟
معنى قوله تعالى: (وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم)
(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ )[الأنعام:101]، والله لا يستثنى ذرة في العوالم كلها، ليس هناك مخلوق لم يخلقه الله في العوالم العلوية والسفلية، فكيف يخلق كل شيء ويكون معه شريك يعبد بعبادته؟ خلق كل شيء ويوجد بين المخلوقين من يُعبد معه ويؤله بتأليهه ويعظم بتعظيمه، كيف يعقل هذا؟! هذه الآيات تنتزع الأوهام والسموم والجهالات من العقول البشرية، لكن من يستفيد منها؟ من يسمعها ويصغي إليها، ويتأمل ما فيها ويتدبر ما تحمله من الهدى؟ ولذلك آمن العرب وفازوا وسادوا وأصبحوا مضرب المثل في الكمال أيام أقبلوا على القرآن الكريم وفهموه.
(بَدِيعُ السماوات وَالأَرْضِ أَنَّى )[الأنعام:101]، أي: كيف ( يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ )[الأنعام:101]، والصاحبة هنا: الزوجة، لماذا سميت صاحبة؟ لأنها تصحبك في كل يوم وليلة، هل تفارقك الزوجة؟ أنت صاحبها وهي صاحبة لك، من الصحبة والمصاحبة.
(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[الأنعام:101]، لا توجد ذرة في الأكوان إلا هو عليم بها، فلو كان له ولد لعلمه وعرفه، أين هذا الولد؟ لو كان له شريك يستحق أن ينحنى له أو يعظم أو تذبح له الذبائح أو تخافه النفوس لعلمه؛ لأنه هو خالق العالم وهو بين يديه، فكيف يوجد له شريك لا يدري به ولا يعلم؟!
تفسير قوله تعالى: (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه...)
ثم ختم ذلك البرهان بقوله: ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ )[الأنعام:102]، ما معنى ربنا؟ خالقنا ورازقنا وواهبنا عقولنا وطاقاتنا البشرية، وخالق الأرض لنا والسماء فوقنا، وأوجد لنا مقومات حياتنا من الأكسجين والهواء إلى الماء، هو خالق كل شيء، هذا هو ربنا، كيف يكون المخلوق رباً لنا؟ لا عيسى ولا العزير ولا الملائكة ولا عبد القادر ولا عيدروس ، ما لنا من إله سوى الله. (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )[الأنعام:102]، أي: لا معبود يستحق العبادة في العوالم إلا هو فقط، لا جبريل ولا ميكائيل ولا المقربون، ولا رسول ولا نبي ولا كائن يستحق أن يعبد مع الله.
(لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )[الأنعام:102]، ومن قال: يوجد إله فليأتنا بتمثال يشير إلى كوكب أو إلى فكرة هابطة خلقت ورزقت، وأصبحت إلهاً تعبد! هذه خرافات وضلالات وأفكار الشياطين هي التي تزينها وتحسنها.
إن الإله الذي يعبد هو الذي يكون خالقاً لكل شيء عالماً بكل شيء قادراً على كل شيء، رحيماً بكل شيء، هذا هو الذي يؤله وننحني بين يديه ونركع ونسجد، ونقول فيه: إله الحق.
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ )[الأنعام:102]، من قال: لا هلك، ومن قال: مرحباً سمعاً وطاعة سأعبده نجح.
بيان كيفية العبادة وما يعبد الله تعالى به
(فَاعْبُدُوهُ )[الأنعام:102]، كيف نعبدك يا ربنا؟ لقد أرسلنا إليكم رسولنا وأنزلنا عليكم كتابنا، وهو حاو لكل ما نحب أن نعبد به، ورسولنا يبين ذلك ويفصله، فاعبدوه بما يبين رسولنا وبما حواه كتابنا، وإن كان لفظ العبادة معناه الإذعان والذل والطاعة، والطاعة ما هي؟ أن يقول: اسكت فتسكت، أو يقول: انطق فتنطق، أن يقول: امش فتمشي، أن يقول: قف فتقف، هذه هي العبادة، إذ هي الطاعة، ( فَاعْبُدُوهُ )[الأنعام:102]، نسأل: بم نعبده وكيف نعبده؟ والجواب: كتابي فيه ما أمرت أن أعبد به، ورسولي يبين ذلك، إذاً: فاغتسل يا من قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، اغتسل من جنابتك، ثم أقم الصلاة، واشهدها في بيوت الله مع أوليائه خمس مرات في الأربع والعشرين ساعة، فهذه من أعظم العبادات وأشرفها وأكملها، تشابه الملائكة في السماء، م أعط الزكاة إن كان لك مال يزكى، وصم رمضان عندما يهل هلاله، وحج بيت الله عندما تقدر على ذلك، ووراء ذلك استعدادك الكامل لأن تطيع الله في كل ما يأمر به، لو قال: اسكت تسكت فلا تتكلم، وأطعه فيما نهاك عنه وحرمه عليك من قول أو اعتقاد أو عمل، هذه هي عبادته تعالى.
سر العبادة
وسرها عرفه الأبناء والإخوان في هذه الحلقة، العبادة ليس مما ينتفع الله به أو هو في حاجة إليه، لا والله، وإنما من أجل أن يكمل عبد الله وأمته ويسعد في الدنيا والآخرة، والله لا يوجد أمر من أوامر الله ورسوله لم يحقق لفاعله خيراً قط، ولا يوجد منهي بنهي الله ورسوله للمؤمن ولا يحمل ضرراً وشراً لعبد الله أو أمته، وزبدة ذلك أن تزكو النفس وأن تطيب وتطهر فتتأهل للملكوت الأعلى، انتهت أيام الدنيا وتوفي فلان فأين يذهب بروحه الطاهرة الزكية؟ إلى الملكوت الأعلى، في مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.لقد عرفنا تعالى بنفسه وعرفناه وقلنا: عرفناك يا رب. قال: إذاً: فاعبدوني لتسعدوا وتكملوا، وإن قلت: كيف؟ وبم؟ فالجواب: عليك برسول الله وكتاب الله، وإن قلت: أين رسول الله؟ أو لا أحسن أن أقرأ، قلنا: خلفاء رسول الله علماء الكتاب والسنة اقرع بابهم واسألهم: كيف أتوضأ؟ كيف أصلي؟ كيف أصوم؟ تتعلم.
معنى قوله تعالى: (وهو على كل شيء وكيل)
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ )[الأنعام:102]، ما معنى ربكم؟ خالقكم ومدبر أمركم، وواهبكم وجودكم وحياتكم، لا رب لكم غيره، معبودكم الحق الذي لا معبود سواه.(خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )[الأنعام:102]، كل الأمور موكولة إلى الله هو الذي يدبرها ويتصرف فيها، فوض أمرك إليه واعبده فقط وأقبل عليه، فهو على كل شيء وكيل.
تفسير قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)
وفي الآية الأخيرة يقول تعالى: ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ )[الأنعام:103]، الأبصار: جمع بصر، فالعين هذه ما هي؟ كيف تنظر؟ لماذا لا أنظر بيدي؟ لماذا لا أنظر بركبتي؟ ما هي هذه القطعة؟ وإن حل الأطباء خيوطها وأنسجتها ما عرفوا كيف ينظر بهذه، هذه الأبصار التي وهبنا إياها لنرى ما ينفعنا ويضرنا وتستقيم حياتنا، هذه الأبصار هل تدرك الله عز وجل؟إن موسى عليه السلام -كما علمتم يقيناً- لما كان الله يحدثه ويكلمه تاقت نفسه -وله الحق- إلى رؤية الله عز وجل، فقال: ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ )[الأعراف:143]، فأجابه تعالى بقوله: (
لَنْ تَرَانِي )[الأعراف:143]، ما أنت بأهل لذلك، ما تستطيع، ( قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي )[الأعراف:143]، لما تسكن نفسك وتطمئن انظر إلى الجبل أمامك، فإن استطعت أن ترى الجبل فإنك تستطيع أن تراني، وتجلى -أي: ظهر- ربه للجبل فاندك اندكاكاً كاملاً وأصبح هباءً، ما إن نظر موسى إلى الجبل وقد تحلل حتى أغمي عليه وصعق، ما تستطيع -إذاً- أن تنظر إلى الله، ما تقوى بهذا البصر، لو أعطاك بصراً قابلاً لرؤية الله نعم، لكن هذه أبصار غير قابلة أبداً، تموت وتهلك ويأكلها التراب.
فحين يخلق الله الخلق من جديد خلقاً أعظم من هذا الخلق، ونقف بين يديه هناك نستطيع أن نرى الله عز وجل، أهل الجنة يكشف لهم الحجاب عن وجهه الكريم وينظرون إليه فيجدون لذة وسعادة ما عرفوها قط، أما هذه الأبصار فلا تدركه ولا تبصره.
(لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:103]، ثم عندما ينظر إليه أولياؤه في الجنة ليس معنى هذا أنهم أدركوا ما وراء الرؤية، ما يدركون أبداً، أنت الآن تنظر إلى هذا الجبل لكن لا ترى ما وراءه.
(لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:103]، لطف كامل وخبرة كاملة بالكون كله، لا تخرج ذرة في الكون عن علم الله تعالى وقدرته ولطفه، فهذا الذي يجب أن يعبد أم لا؟ فاعبدوه، اعبدوه من أجلكم لا من أجله، من أجل أن تكملوا وتسعدوا في دنياكم وآخرتكم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #768  
قديم 25-09-2021, 11:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,027
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (392)
تفسير سورة الأنعام (25)

يوجه الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم لأن يلزم ما يوحيه إليه ربه ويعرض عن أهل الشرك والضلالة، لأنه عز وجل قد أتاهم بالآيات القرآنية والآيات الكونية لتحملهم على الإيمان بما جاءهم به هذا النبي، فمن قبل الحق، واتبع الهدى، وأبصر الصراط المستقيم؛ فقد انتفع ونجا، وأما من أعرض عن الحق وتنكب الصراط، فإنما هو أعمى، ولا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
تفسير قوله تعالى: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، هذه السورة تقدم لنا أن قلنا: إنها تقرر المبادئ العظمى الثلاثة:
أولاً: توحيد الله عز وجل، أي: لا إله إلا الله، فلا يعبد إلا هو في الحياة.
ثانياً: تقرير النبوة المحمدية، وأن محمداً رسول الله.
ثالثاً: البعث الآخر، يوم القيامة وما يتم في ذلك أولاً من حساب، ثم الجزاء إما بالنعيم المقيم وإما بالعذاب الأليم.
كل آيها تدور حول هذه المعتقدات الثلاثة، وها نحن الآن مع هذه الآيات الأربع، فهيا نستمع تلاوتها مرتلة مجودة ثم نأخذ في تدارسها وبيان ما جاء فيها بإذن ربنا تعالى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ * وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )[الأنعام:104-107].
المراد بالبصائر وما يبصر بها
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، هذا خبر أم لا؟ من المخبر؟ الله جل جلاله، الله منزل الكتاب باعث الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يخبرنا بهذا الخبر، ولنعم ما أخبر به عز وجل: ( قَدْ )[الأنعام:104]، التي تفيد التحقيق ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، واحد البصائر: بصيرة، والبصيرة: العين المبصرة، بصيرتك عينك التي تبصر بها، أليس كذلك؟فما هذه البصائر التي جاءتنا لنبصر بها فنعرف الحياة على حقيقتها حلوها ومرها، وباطلها وحقها، وربحها وخسرانها، إنها -والله- لآيات الله القرآنية، كل آية تهدي إلى أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن للحياة نهاية، وللحياة الثانية بداية ونهايتها استقرار إما في الملكوت الأعلى وإما في أسفل سافلين، هذه البصائر آيات الله القرآنية، نبصر بها ماذا؟ ما يضرنا وما ينفعنا، نبصر بها ما يسعدنا وما يشقينا، نبصر بها الحق، نبصر بها الباطل، نعرف بها الإيمان، نعرف بها الكفر والشرك وهكذا، فمن حرمها فهو أعمى -والله- لا يبصر شيئاً، فمن آمن بهذا القرآن الكريم وقرأه وتدارسه وفهمه وعرف ما فيه أصبح ذا بصيرة نافذة لا يجهل شيئاً من هذه الحياة ظاهرها كباطنها، ومن أعرض عنه واستكبر وكذب وأنكر وجحد وكفر فهو في عداد العميان، هل الأعمى يعرف الطريق إلى دار السلام؟ لا يعرف.
إذاً: فعلى البشرية أبيضها وأسودها أن تؤمن بهذا القرآن، وإذا آمنت به أنه كلام الله ووحيه وجب أن تجتمع عليه وتتدارسه لتعرف معاني هذه الآيات لتبصر بها الحياة على حقيقتها.
تغييب القرآن الكريم عن الحياة العملية في بلاد المسلمين وأثر ذلك عليهم
ومما أكرر القول فيه -وقد لا تسمعونه في غير هذا المجلس- أن أعداء الإسلام ذلكم الثالوث الأسود المكون من المجوسية واليهودية والنصرانية عرفوا هذه الحقيقة وما عرفناها، عرفوا أن هذا القرآن بصائر، وأن من عرفه عرف الحياة ظاهرها وباطنها وعرف كيف ينجو من آلامها وشقائها وكيف يسعد بالآخرة وما فيها، عرفوا هذا معرفة ولم يعرفه من المسلمين عدد بنسبة واحد إلى مليون.فمن ثم قالوا: هيا نعميهم. كيف تعمونهم؟ قالوا: نبعدهم عن القرآن، وقالوا: القرآن تفسيره حرام، صوابه خطأ وخطؤه كفر، فانكمشت الأمة عن القرآن، وما أصبح في القرى ولا المدن من يقول: قال الله كذا وكذا، وإذا قال ذلك قيل له: اسكت! أنت تعرف كلام الله؟!
إذاً: ماذا نصنع بهذا القرآن؟ قالوا: حولوه إلى المقابر وإلى الموتى، واستجبنا لظلمة نفوسنا وأصبحنا لا نجتمع على آية نتدارسها ولا سورة في يوم ولا في عشرة، وأصبح القرآن يقرأ فقط على الموتى، إذا مات أبي أو أخي أو أمي نجمع كذا من أهل القرآن في قريتنا أو في حينا ثلاث ليال أو سبع ليال يقرءون القرآن بصوت واحد يترنمون به، ويأكلون اللحم والطعام، ويوضع في جيوبهم الريالات ويمشون وقد أعتقنا والدنا.
وذكرت لكم ما بلغنا أن في ديار الشام في تلك الأيام تكونت نقابة، بالتلفون بالرقم كذا، إذا احتجت إلى طلبة القرآن لميت فاتصل بهم هاتفياً وقل لهم: أريد عشرة من أهل القرآن فقد مات الوالد رحمة الله عليه، يقولون لك: من فئة المائة ليرة أم الخمسين؟ إذا كنت غنياً ثرياً فمائة، وإذا كنت فقيراً فخمسون ليرة، هكذا والله من إندونيسيا إلى موريتانيا شرقاً وغرباً أكثر من سبعمائة سنة.
ومن أراد البرهنة العقلية المنطقية السياسية نقول له: هل استعمر العالم الإسلامي وحكمه الكفار أم لا؟ استعمر من إندونيسيا إلى موريتانيا، ما نجى الله إلا هذه البقعة بلاد الحرمين، فكيف يسلط الله الكافرين على المسلمين وهو القائل: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا )[النساء:141]؟ أن هؤلاء هم المؤمنون بحق وصدق، الذين يصدق عليهم أنهم المؤمنون.
كيف وصلوا إلى استعمارنا واستغلالنا والتحكم فينا؟ لأننا متنا وعمينا عن الآيات المبصرة وما عرفناها، القرآن النور والروح حولناه إلى الموتى، تدخل إلى المقبرة فتجد طلبة القرآن عاكفين على القبور ينادونك: جنيهاً فقط نقرأ على أمك! وهكذا.
سعادة المسلمين الأوائل بالقرآن الكريم
إذاً: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، وهل أبصر بها المسلمون؟ إي ورب الكعبة، كيف تحولت هذه العروبة وهذه البادية إلى أنوار؟ وأهلها صاروا أشباه الملائكة وسادوا العالم وقادوا البشرية شرقاً وغرباً إلى هدايتها وكمالها وسعادتها ثلاثمائة سنة؟ هل بالقرآن أم بالفلسفة؟ من يرد هذا من ذوي العقول والبصائر؟ فلما عرف العدو هذا سلب هذا القرآن من عندهم فهبطوا.إذاً: قولوا: صدق الله العظيم. ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، فحفظة القرآن العارفون به يعرفون ما أحل الله وما حرم، يعرفون ما أمر الله به ليفعل وما نهى عنه ليترك، إذ هذا سبيل السلام وطريق السعادة، فعل المأمور وترك المنهي به تزكو النفس وتطيب وتطهر، ويصفو العقل ويستنير ويواصل عبد الله مسيره إلى دار السلام.
(قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ )[الأنعام:104]، هذه الآية نزلت في مكة والمشركون حول من نزلت عليه يطعنون ويسبون ويشتمون ويتواصون بالباطل، فماذا يقول الله لهم؟ ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104]، هو هذا الواقع أم لا؟ جاءتكم البصائر فمن أبصر فلنفسه عرف الطريق طريق السعادة والكمال فسعد وكمل، ( وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104] أي: على نفسه، تبقى في الظلام والهلاك والدمار والخراب.
معنى قوله تعالى: (وما أنا عليكم بحفيظ)
(وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104] كأنما الله تعالى يقول لرسوله: قل يا رسولنا لقومك المشركين الذين تقدمت الآيات في بيان هدايتهم، قل لهم: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104] أي: على نفسه، وأما أنا ( وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، ما أنا بوكيل على هدايتكم ولا مسئول عن ضلالكم وشقاوتكم ولا سعادتكم وكمالكم، ما أنا إلا مبلغ فقط وقد بلغت. الله يعلم رسوله أن يقف هذا الموقف ويقول هذا القول حتى لا يكرب ولا يحزن ولا يتألم: ( وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، أي: لست موكلاً بهدايتكم مكلفاً بها، فلهذا تؤلمونني إذا كفرتم وأصررتم على الشرك والباطل، يقول تعالى ذلك ليذهب عن رسوله ألم الحزن وألم الكرب الذي يعانيه من المشركين.
هذه الآية الأولى أعيد تلاوتها: ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا )[الأنعام:104]، وما رسول الله عليهم بحفيظ، ( وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )[الأنعام:104]، أي: لست بملزم بهدايتكم ولا بموكل بها، أنا لا أملك هذا، ما كلفت به، أقدم لكم البصائر فمن أبصر فلها ومن عمي فعليها.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #769  
قديم 25-09-2021, 11:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,027
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون)
الآية الثانية: يقول تعالى وقوله الحق: (
وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ )[الأنعام:105] كهذا التصريف للآيات نصرفها ما دام الوحي ينزل والرسول يبلغ، كم سنة وهو يصرف بعد هذه الآية؟ وهكذا نصرف الآيات تصريفاً لبيانها وهدايتها وما تحمل من حجج وبراهين عقلية ومنطقية، ولا يهلك على الله إلا هالك. (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ )[الأنعام:105]، وفي قراءة (دارست)، وقوله تعالى: (وليقولوا) هذه لام العاقبة، نصرف الآيات لا من أجل أن يقولوا، ولكن سوف يقولون، فنحن نصرفها ونلونها ونقدم ونؤخر ونظهر ونخفي من أجل الهداية، ولكن القوم يقولون: درست، أي: تعلمت هذا العلم من غيرك.

وكان صهيب الرومي عبداً من بلاد الروم فأسلم، فقالوا: هذا صهيب يعلمه، يجلس إليه في بيته ويدرس عنده، وهذا الذي يقوله محمد مما تعلمه ودرسه.
وقراءة (دارست) -وهي حق- معناها أنهم قالوا: أيضاً دارس اليهود والنصارى، كان يذهب إلى الشام للتجارة فيتصل بالنصارى، واليهود في المدينة وقد يأتون إليه ويتصل بهم ويعلمونه!
هذا هو الطابور الخامس أو الإعلام الكاذب، يختلقون الكذب ويفترونه وهم موقنون أن الرسول ما دارس يهودياً ولا نصرانياً، ولا درس عند يهودي ولا نصراني، ولكن للتعمية والتضليل وصرف الناس عن هذا النور حتى ينطفئ وتعود ظلماتهم، فهم يكذبون على الله ورسوله والمؤمنين.
وقالوا إيضاً: إنما يعلمه بشر. قال تعالى: ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )[النحل:103]، الذي يميلون إليه ويقولون: يتعلم منه هو صهيب الرومي عجمي، وهذا لسان عربي، فكيف يتعلم العربي من العجمي؟!
إذاً: يقول تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ )[الأنعام:105]، أي: وكهذا التصريف ومثله نصرف الآيات الآيات القرآنية،كم آية في القرآن يا عباد الرحمن؟ ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية.
دلالة الآيات القرآنية على وحدانية الله تعالى ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم
الآية ما معناها؟ الآية: العلامة الدالة على شيء، كل آية تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن البعث حق، كيف هذا يا شيخ؟
الجواب: هذه الآية من أين جاءت؟ من أنزلها؟ من أوحى بها؟ لا جواب إلا: الله، إذاً: فالله موجود وعليم وحكيم، ويدل على وجوده وعلمه وحكمته هذا الكتاب وهذه الآية.
على من نزلت هذه الآية؟ على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، إذاً: والله إنه لرسول الله، لو لم يكن رسولاً فهل سينزل عليه القرآن والوحي؟ فهي تقرر أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القرآن والوحي والرسول لماذا؟ من أجل أن يعبد الله في الأرض حتى يكمل أهل الأرض ويسعدوا في الدار الآخرة.
فكل آية من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
(وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ )[الأنعام:105] قالوا أم لا؟ ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )[النحل:103].
معنى قوله تعالى: (ولنبينه لقوم يعلمون)
قال تعالى: ( وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:105]، ولنبين هذا القرآن وهذا التفصيل للآيات لقوم يعلمون، هم الذين ينتفعون بهذا، عبد الله بن سلام وإخوته ومن سمعوا كلام الله ما ترددوا في الإسلام والدخول فيه من نصارى ومجوس ويهود، والذين لا علم لهم دائماً يكونون متأخرين. هذا التفصيل ( وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:105]، ومعنى هذا واضح، هل عوامكم -أيها المستمعون- يعرفون القرآن؟ يعرفون الحلال والحرام والآداب والأخلاق؟ لا يعرفون؛ لأنهم جهال. وعلماؤكم يعلمون أم لا يعلمون؟ يعلمون.
(وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:105]، يبينه تعالى ويفصل آيه ويصرفها وتتجلى أنوارها في كل مكان لمن يبصر ولمن يعلم.
وجوب تعلم العلم لتحصيل النجاة
(لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:105]، ومعنى هذا أنه حرام علينا أن نعيش جهلاء، إننا آثمون إن لم نتعلم العلم الإلهي، فآثار الجهل هذا الهبوط والسقوط والذل والصغار والحقار.يجب أن نتعلم، حرام أن يعيش نساؤنا ورجالنا بدون علم، فإنهم إذا لم يعلموا لا يهتدون ولا يبصرون ولا يعرفون الطريق إلى الله، فيزنون ويفجرون ويكذبون ويخدعون ويقولون الباطل ويفعلون الشر لجهلهم.
قد تقول: كيف نعمل يا شيخ؟ ما المخرج؟ أما هناك خطة رشيدة، أما هناك سياسة حكيمة؟ إلى متى؟
والجواب: قد بينا الطريق وكتبنا رسالة هي خطة لأمة الإسلام من علماء وحكام ووزعناها وقرأناها، خطة رشيدة فيها سبيل النجاة، وخلاصة ذلك أن أهل القرية في مصر أو في الحجاز أو في باكستان أو في المغرب على إمامهم يوم الجمعة في خطبته أن يقول لهم: أيها المستمعون! معشر المؤمنين والمؤمنات! من هذه الليلة لا يتخلف رجل ولا امرأة عن صلاة المغرب في هذا المسجد. ما إن تميل الشمس إلى الغروب حتى يقف العمل، أغلق الدكان وارم المسحاة يا فلاح، وارم الحديدة يا حداد، وتوضئوا واحملوا أطفالكم ونساءكم إلى بيت ربكم، الله أكبر! هل لربي بيت؟ أي نعم، فيصلون المغرب كما صلينا ويجلسون كما جلسنا، النساء وراء الستارة ومكبرات الصوت بين أيديهم والأطفال صفوف كالملائكة، والفحول أمامهم، ويجلس لهم عالم بالكتاب والسنة، فليلة يتعلمون آية يحفظونها في تلك الجلسة ويفهمون معناها ويعزمون على العمل بها وكلهم عزم وتصميم، حتى إذا أذن العشاء صلوا العشاء وعادوا إلى بيوتهم ولا حديث لهم إلا ما سمعوه وما تعلموه وكيف العمل به وتطبيقه، حتى يناموا على ذلك.
وغداً -إن شاء الله- ما إن تغرب الشمس إلا وهم كأمس بنسائهم وأطفالهم ورجالهم في بيت ربهم، وإن كان ضيقاً وسعوه بالخشب أو بالأروقة، ويجلسون فيسمعهم آية أو حديثاً من أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم يتفق مع مضمون الآية الكريمة؛ لأن الرسول مبين للقرآن، فيحفظون الحديث، ويعلمهم معناه ويطالبهم بأن يعزموا على التطبيق والعمل.
وفي اليوم الثالث آية وفي الرابع حديث وفي الخامس آية وفي السادس حديث وهكذا طول العام، فسيصبح أهل تلك القرية كلهم علماء نساءً ورجالاً، والله العظيم! وإن كانوا لا يقرءون ولا يكتبون، وإذا أصبحوا علماء فما الذي يترتب على ذلك؟ قطعاً تنتهي مظاهر الحسد والكذب والخيانة والزنا والغش والعداوة والخلاف، كلها تنمحي، ويحل محلها الولاء والحب والأدب واللين والعطف حتى يصبحوا كأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
كم كررنا هذا القول؟ والله العظيم لن يستقيم أهل قرية ولا حي ولا مدينة إلا على هذا المنهج الرباني، وقد عرف هذا العدو وصرفنا بكل الوسائل والوسائط ومددنا أعناقنا وما زلنا كذلك، وعلماؤنا ما يفرحون بهذا ولا يحاول أحدهم أن يفعل هذا لنبقى هكذا، وقد قلت لكم: إن أمة الإسلام تحت النظارة، فالله بالمرصاد.
هل يرضى الله تعالى بخلافهم وتطاعنهم وفسقهم ورباهم وفجورهم وكذبهم؟! أعوذ بالله، والله ما هو إلا الإمهال وإلا الانتظار فقط ثم تنزل العقوبات، يا شيخ! أمة الإسلام تنزل بها عقوبة؟! أما سلط عليهم اليهود فأذلوهم؟ أما سلط عليهم النصارى فداسوهم وذوبوهم؟!
فإما أن نعود وإما أن تنزل المحن والبلايا والرزايا أحببنا أم كرهنا، تلك سنة الله ( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )[الأحزاب:62]، وعرفنا الآن.
قال تعالى: ( وَلِنُبَيِّنَهُ )[الأنعام:105] أي: القرآن ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )[الأنعام:105] يعلمون من هو الله، ما صفاته، ما جلاله، ما كماله، ما حقه، بم يطاع وكيف يطاع، ما أوامره ما نواهيه، ما وعوده ما مواعيده؟ حتى يتكون هذا الشخص ويصبح أهلاً لأن يعبد الله عز وجل فلا يسرق ولا يكذب ولا يفجر ولا يعصي.
تفسير قوله تعالى: (اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين)
الآية الثالثة: يقول تعالى: ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )[الأنعام:106] يا رسولنا، يا محمد بن عبد الله! اتبع ما يوحى إليك من ربك، الزم الذي يوحيه إليك وافعله، إن كان عقيدة اعتقدها، إذا كان عملاً انهض به، إذا كان نهياً اتركه، وهذا هو شأنك. (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )[الأنعام:106]، اسأل المسلمين عن معنى (لا إله إلا هو)؟ لا واحد في الألف يجيبك إجابة صحيحة.
(لا إله إلا هو) لا معبود يعبد بحق في الملكوت الأعلى والأسفل إلا الله، ولماذا لا يعبد بحق إلا الله؟ لأنه هو الخالق للأكوان كلها؛ لأنه الذي يشقي ويسعد، الذي بيده كل شيء، وما خلق الخليقة إلا لتعبده، فكيف لا يعبد؟ فالذي لا يعبده ما انتفع بكلمة (لا إله إلا هو)، لا معبود إلا هو ثم تعبد معه عبد القادر والعيدروس ؟ ما هذا التناقض؟
من قال: لا إله إلا الله عبد الله أولاً قبل كل شيء، ثانياً: لا يعبد معه غيره بحال من الأحوال، ثالثاً: لا يرضى بعبادة غيره، وإلا فلن يفهم معنى لا إله إلا الله، والله تعالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )[محمد:19].
فالذي يعلم أنه لا إله إلا الله كيف نعرف أنه علم؟ نعرف ذلك بأن يعبد الله أولاً، ثانياً: أنه لا يعبد معه غيره، ثالثاً: لا يرضى بعبادة غيره أبداً، لا من أبيه ولا من أمه ولا من قريب ولا بعيد، هذا فهم معنى لا إله إلا الله.
توجيه الأمر بالإعراض عن المشركين
يقول تعالى: ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )[الأنعام:106]، قد نقول: هذه الآية خصص عمومها، أو نقول: نسخت ولا حرج، ولكن التخصيص أولى؛ لأنه في أيامه في مكة ما كان عنده حيلة أبداً يواجه بها المشركين، فأمر بأن يتبع ما أوحاه الله إليه ويعرض عنهم، لا يلتفت إليهم وهم يسبون ويشتمون ويكفرون، ما عنده قدرة على محاربتهم، فقيل له: ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )[الأنعام:106]، لكن لما قويت شوكة الإسلام وارتفعت رايته وقامت دولته في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم هذه قال تعالى: ( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ )[التوبة:1-2]، أعطاهم أجلاً أربعة أشهر: إما أن تدخلوا في الإسلام أو تخرجوا من الجزيرة أو تقطع رءوسكم، قال تعالى: ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ )[التوبة:5] لأن الرسول أوشك على الوفاة والدولة قائمة، ولا يجب أن يبقى في هذه الأرض مشرك؛ لأنها قبة الإسلام وعاصمته فيجب أن تطهر، فلا يقبل من أحد ذمة ولا يقبل منه هدي ولا يقبل منه جزية؛ لأن البقعة هذه هي قبة الإسلام. إذاً: فقوله تعالى: ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )[الأنعام:106] كان في تلك الأيام.
تفسير قوله تعالى: (ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل)
وقوله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا )[الأنعام:107] يسلي الله رسوله ويخفف حزنه وآلامه فيقول: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا )[الأنعام:107] أي: والله لو شاء أن يهديهم لهداهم، يخلق الإيمان فيهم خلقاً ما هو باختيارهم وطلبهم. وفي هذا رد على القدرية الذين يقولون: إن الإنسان يخلق أفعاله بنفسه ولا علاقة لله بهذا، والله تعالى يقول: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا )[الأنعام:107] يفطرهم في أرحام أمهاتهم على الإسلام فيخرجون من بطون أمهاتهم يقولون: لا إله إلا الله، لو شاء لفعل، ولكنه لا يفعل لأنه أوجد دار السلام وأوجد دار البوار، وهيأ هذا الكون كله وخلق عالم الإنس والجن من أجل أن يسعد من يطيعه ويشقي من يعصيه.
يعرض على المكلف الإسلام، فإن قبله باختياره وعمل به زكت نفسه وطابت وأصبح أهلاً للجنة، وإن أنكر ذلك وتنكر له ورفضه خبثت نفسه وسقط في الجحيم، فلهذا نحن أحرار نفعل بإرادتنا ونترك بإرادتنا، والله خالقنا وخالق أعمالنا، ولولاه ما عرفنا كيف نتحرك أو كيف ننطق.
قال تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا )[الأنعام:107] كما قلنا: من الحفيظ لهذا المكان؟ فلان المسئول عنه حتى لا يضيع منه شيء أو يغيب منه شيء.
(وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )[الأنعام:107] كل هذا من باب أن يعرف المشركون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو مبلغ لا يملك هداية أحد أبداً ولا إضلاله، يبلغ فقط، فبهذا يخف عن الرسول الألم والحزن؛ لأنه بقي عشر سنوات ما آمن به إلا عدد قليل، فكيف لا يتألم، يخرج إلى الأسواق فيسبونه ويجرون وراءه ويرمونه بالحجارة.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #770  
قديم 25-09-2021, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,027
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (393)
تفسير سورة الأنعام (26)


يؤدب الله عز وجل عباده المؤمنين ناهياً لهم عن سب آلهة المشركين من الأصنام والأوثان؛ لأن ذلك قد يحملهم على سب الله عز وجل، ظناً منهم أنهم بسبهم له تعالى قد انتصروا لآلهتهم، كما أن أهل الإيمان ليسوا سبابين ولا شتامين، ولا يتعاملون مع أهل الجهل بجهالتهم، وإنما هم يستقون تربيتهم الإيمانية من كتاب ربهم جل وعلا، ومن سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
تفسير قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة بضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) .
وها نحن مع سورة الأنعام المكية ومع هذه الآيات الثلاث، فهيا نصغي نستمع إلى تجويدها وترتيلها من أحد الأبناء ثم نشرع في دراستها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )[الأنعام:108-110].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:108]. ‏
سبب نزول الآية الكريمة وبيان حكم سب الله تعالى وسب نبيه صلى الله عليه وسلم
سبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتصر في مكة وخرج من ذلك الحصار وكثر الأصحاب أصبح بعض المؤمنين يسبون ويشتمون آلهة المشركين، فما كان من المشركين إلا أن أتوا عم النبي صلى الله عليه وسلم أبا طالب وقالوا: إن ابن أخيك يسب آلهتنا، فإما أن يترك أو نسب إلههم. هذا معنى قوله تعالى: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:108]،
ودل هذا على أن سب الله عز وجل وشتمه كفر، ومن سب الله أو شتم أو انتقص أو قال فيه ما هو منزه عنه فقد كفر بذلك، كما أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو قال فيه كلمة سوء فقد كفر وخرج من الإسلام.
وأما من سب غير النبي كأصحابه والمؤمنين فقد أثم وقارف ذنباً وارتكب جريمة يجب أن يتوب منها أو يهلك؛ لأن سباب المسلمين فسوق وقتالهم كفر.
دلالة الآية على أصل سد الذرائع
وهنا سد الذرائع، وهذا باب معلوم عند أهل العلم، الطريق الذي يوصل العبد إلى ارتكاب محرم يجب أن لا يسلكه، إذا سببت أو شتمت امرءاً سبك أو شتمك، فلا يحل لك أن تسب وتشتم، وقد جاء في الحديث تحريم شتم الآباء: ( لعن الله من سب أبويه. فقالوا: يا رسول الله! ومن يشتم أبويه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه )، وقلَّ من يقوم ويسب أمه وأباه، ولكن يسب أباء الآخرين فيسبوا أباه. الشاهد عندنا أنه إذا كان المسلك يؤدي بك إلى فعل محذور وارتكاب منهي فينبغي ألا تسلكه، ومن هنا نهينا عن مجالسة الفساق والفاسدين خشية أن يتسرب إلينا فسادهم، نهينا أن نتزيا بزي غير الصالحين خشية أن نصبح مثلهم، وهكذا هذه الآية تدل على سد الذرائع.
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:108] أي: لا تسبوا آلهتهم أو لا تسبوهم هم فيسبون إلهكم؛ لأنهم حمقى وجهلة، ويكفيهم أنهم كفار لا يؤمنون بالله، فأنت إذا سببته أو سببت اللات أو العزى أو صنمه فسوف يسب الله، فمن هنا حرم الله على المؤمنين أن يسبوا آلهة الكافرين.
الآن لو سببت عيسى عليه السلام لنصراني فإنه يسب محمداً صلى الله عليه وسلم، فلا يحل أن تسبه، ولو سببت شيخ فلان سب شيخك، فالطريق السليم أننا لسنا بسبابين ولا شتامين، لا نشتم أحداً ولا نسب أحداً خوفاً أن يسب من لا يستحق السب أو يشتم من هو بريء من الشتم.
دلالة الآية الكريمة على إطلاق الدعاء على العبادة
هذا معنى قوله جل ذكره: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:108]، أي: يعبدون غير الله، وأطلق الدعاء على العبادة لأنه مخها، الدعاء هو العبادة، الدعاء مخ العبادة، وقد بينت للصالحين غير ما مرة كيف كان الدعاء هو العبادة. وإليكم الصورة لتعرفوا هذه الحقيقة: سأقول لأحدكم: قف أنت هنا واستقبل القبلة وارفع يديك.
هذا الآن كيف نقرأ وقفته؟ إن هذا العبد فقير محتاج؟ ما الدليل على فقره واحتياجه؟ أنه رفع كفيه يتكفف ويسأل، فهو فقير محتاج.
ثانياً: الذي رفع إليه كفيه فوق سماواته، ما هو عن يمينه ولا عن شماله ولا تحته، وإنما عرف أنه فوقه فرفع كفيه إليه، فهل هذه قراءة سليمة لهذا الموقف أم لا؟ والله إنها قراءة صحيحة.
ثالثاً: هو يدعو وبصوت خافت لا يسمع، حتى من إلى جنبه لا يسمعه، هذا يعلم أن من يدعوه يسمع صوته متى تحركت بالكلمات شفتاه ونطق لسانه، مؤمن بأن الله يسمع صوته.
رابعاً: عرف أنه لا يوجد في الخليقة من يقضي حاجته حتى يقبل إليه ويمد كفيه إليه، عرف أنه لا يقضيها إلا الله، فهو رافع يديه إلى الله.
فهذه كلها تدل على أن الدعاء هو العبادة، فمن دعا غير الله فقد ألهه وآمن بكمالاته ولا كمال له، آمن بأنه يسمع وهو لا يسمعه، وأنه يبصر وهو لا يبصره، وأنه يقدر على أن يعطيه وهو لا يعطيه، فهو في ضلال كبير، ولهذا لا أضل من مشرك يترك الله ويستقبل غير الله يدعوه ويسأله.
الدعاء هو العبادة، والعبارة القائلة: (الدعاء مخ العبادة) لا بأس بها؛ لأن الإنسان يحيا بمخه، فلو فسد المخ هلك، ولو ترك العبد الدعاء بطلت العبادة وما بقي لها معنى.
فالله تعالى يقول: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:108] أي: يعبدونهم، وهم الأصنام والأحجار وغير الأصنام والأحجار من كل المعبودات المؤلهة، فلا نسب إله مشرك ولا بوذي ولا هندوسي ولا مسيحي ولا يهودي إلى يوم القيامة حتى لا يسب الله عز وجل ونكون السبب في ذلك، والمسلم ليس بسباب ولا شتام، والسب والشتم ليس من صفات المؤمنين أبداً.
معنى قوله تعالى: (فيسبوا الله عدواً بغير علم)
( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا )[الأنعام:108] أي: ظلماً واعتداءً ( بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام:108]؛ إذ لو علموا ما سبوه، لو عرفوا الله وكماله وصفاته فهل سيسبونه؟ لو يقطعون ويحرقون ويصلبون لا يسبون الله، لكن لا علم لهم. لو كانوا عالمين ما سبوا الله عز وجل، فشخص قوي ذو إرادة وقدرة تعرف أنه لو سببته لضربك لن تسبه، لن تقدر على أن تسبه بين الناس خشية أن يعذبك، فكيف بالله عز وجل؟! فلو عرفوه ما سبوه.
معنى قوله تعالى: (كذلك زينا لكل أمة عملهم)
ثم قال تعالى وقوله الحق: ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108] كهذا التزيين، وهو أن المشركين ينتصرون لآلهتهم ويقدسونها ويمدحونها ولا يسمحون بسبها ولا انتقادها،لم؟ كهذا التزيين زين الله تعالى لكل أمة عملهم، كل جماعة يقومون بعمل زينه الله لهم بحسب سنته في أن الشخص إذا أقبل على الشيء ورغب فيه وأخذ يزاوله العام بعد العام يصبح ذلك الشيء أحب شيء إليه، ولا يرى الجمال إلا به ولا الخير ولا الحسن إلا فيه. وهذه قاعدة لن تنخرم ولن تسقط إلى يوم القيامة، كل من زاول عملاً وباشره وروض نفسه عليه يوماً بعد يوم وشهراً بعد آخر وعاماً بعد عام يصبح في فطرته وغريزته يسري مع دمه.
يقول الخالق جل جلاله: ( كَذَلِكَ )[الأنعام:108] التزيين الذي شاهدناه في المشركين، حيث شكوا أن المسلمين يسبون آلهتهم، مع أن آلهتهم ملعونة وباطلة، لكن بما أنهم عبدوها والتفوا حولها وتوالدوا من أجلها وكانوا وكانوا أصبحت مؤلهة عندهم مقدسة، ما يسمحون لأحد أن ينالها بسوء، يموتون ولا يعصون الآلهة.
إذاً: يقول تعالى: ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108]، كهذا التزيين زين لكل أمة من الأمم وجماعة من الجماعات وفرد من الأفراد، الذي زين له الأغاني والضرب على العود والصوت هل تستطيع أن تقنعه بأن هذا لا يجوز وباطل؟ لا تستطيع، فقد أحبه، والذي ألف لعب الورق أو الكيرم ما يستطيع أن يجلس يوماً أو يومين دون أن يلعبه، انطبع في نفسه وأحبه أم لا؟ لو نهيته أو سببته يسبك ويشتمك.
والذي أقبل على الخير وأحبه وروض نفسه عليه فأصبح مفطوراً على حب الخير ما يقوى على فعل الشر أو حتى سماعه، هذه سنة من سنن الله في الخلق من باب ربط المسببات بأسبابها.
(كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108] الذي يعملونه، إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر، إن كان إيماناً وتوحيداً فإيمان وتوحيد، وإن كان شركاً أو كفراً فهو كذلك، أما خرجوا يقاتلون من أجل عاداتهم ودينهم الباطل؟
فهذه قاعدة نأخذها ونعمل بها ونعرف أن من اعتاد شيئاً فسوف يتأثر به ويصبح لا يرى فيه شيناً ولا قبحاً ولا سوءاً، فإن أردت أن تصلحه وتهديه فلا تسب ذلك، ولكن حاول أن تقنعه بأن هذا العمل لا يفيده ولا ينتج له خيراً، هكذا على دعاة الإسلام أن يعرفوا هذه الحقيقة: لا نسب ولا نشتم آلهة المشركين ولا غيرهم حتى لا يسبوا إسلامنا ويسبوا نبينا وديننا.
وهكذا يقول تعالى: ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ )[الأنعام:108] الذي يعيشون عليه ويعملونه خيراً أو شراً، هذا التزيين حسب سنته تعالى أن من ألف الشيء وروض نفسه شيئاً فشيئاً يصبح مفطوراً عليه لا يحب غيره، هل لأن الله أكرهه وألزمه به؟ هذا يتنافى مع دين الله وشرعه، ولكن الإنسان إذا أقبل على شيء باطلاً كان أو حقاً، خيراً أو شراً، ومشى وراءه زمناً يصبح في فطرته، ويصبح في قلبه ونفسه، فإن كان قبيحاً يراه أزين ما يكون، أليس الكفرة الآن يسخرون من الإسلام ويرون أنه دين رجعي ودين تخلف، لم؟ هذا هو عملهم: الكفر والإلحاد والعلمانية والباطل، ثبتوا عليه زمناً فأصبحوا لا يرون الدين شيئاً، بل يرونه معوقاً للكمال ومانعاً من السعادة في الدنيا.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 250.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 245.00 كيلو بايت... تم توفير 5.95 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]