|
|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#71
|
||||
|
||||
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
الحضارة العربيّة في الأندلس وأثرها في أوربا فكر العرب في تحرير أسبانيا بعد أن طردوا البيزنطيين من شمال أفريقيا، وكانت أسبانيا قبل الفتح قد ملكها الرومان حتى القرن الخامس للميلاد، ثم انقض الوندال والآلان والسويف، الذين هم من القبائل البربرية الجرمانية على أسبانيا، ولم يلبث القوط أن قهروهم واستولوا على أسبانيا في القرن السادس للميلاد وظلوا سادتها إلى أن جاء العرب. وقد اختلط القوط بالسكان الأسبان – الرومانيين، فاتخذوا اللاتينية لغة لهم، وتحولوا من الآريوسية إلى المذهب الكاثوليكي، وكان اختلاط القوط باللاتينيين قبل حركة التحرير العربي مقتصراً على علية القوم، وكان سكان البلاد الأصليون من الأرقاء، والذين كانوا مستعدين لقبول أي سلطان عليهم، كما أن التنافس على عرش أسبانيا أدى إلى نزاع سياسي اجتماعي، وفتن داخلية، وفقدان الروح العسكرية، وفتور عن الدفاع بين الأهلين المستعبدين، وكان من جراء ذلك تفرق الدولة القوطية وسهل للعرب تحرير أسبانيا[1]. ونتيجة للتعاون بين العرب والبربر بعد تحرير شمال أفريقية، دخل جيش مؤلف من اثني عشر ألف جندي بلاد أسبانيا في سنة 92هـ/ 711م وتم فتحها بقيادة طارق ابن زياد ثم القائد موسى بن نصير 93هـ/ 712م[2]، وقد وصفها القائد العربي في رسالة للخليفة الأموي أنها: (شامية في طيبها وهوائها يمنية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جباياتها، صينية في معادن جواهرها، عدنية في منافع سواحلها)[3]. وتميزت الفترة الأولى من تاريخ العرب في الأندلس بين 92- 138هـ/ 711- 756م والتي تسمى (عصر الولاة) بعدم الاستقرار وانشغال الولاة فيما بينهم بالمنازعات مما مهد لدخول عبدالرحمن الداخل الأموي (صقر قريش) بعد فراره من وجه العباسيين وأسس الدولة الأموية في الأندلس بعصريها (الأمارة والخلافة) والتي امتدت من سنة 138هـ - 422هـ/ 756- 1031م[4]. ولم يكن الفتح العربي لأسبانيا احتلالاً عسكرياً بل كان حدثاً حضارياً هاماً وحركة تحرير للشعوب الأسبانية فقد أمتزجت حضارة سابقة كالرومانية والقوطية مع حضارة جديدة هي الحضارة العربية الاسلامية، ونتج عن هذا المزج والصهر حضارة أندلسية مزدهرة أثرت في الحياة الأوربية وتركت آثاراً عميقة مازالت تتراءى مظاهرها بوضوح حتى اليوم. وباستكمال حركة تحرير أسبانيا استقر العرب والبربر مع سكان البلاد، وكان للسلوك العربي الانساني أثر كبير في تآلف القلوب إذ لم يلبث العرب أن أنسوا إليهم وحصل التزاوج والمصاهرة بينهم[5] فنشأت طبقة اجتماعية جديدة هي طبقة المولدين التي هي خليط من دم أهل البلاد الأصليين ودم العرب والبربر، كما ظهرت طبقة جديدة أخرى هي طبقة المستعربين وهم الأسبان المسيحيون الذين ظلوا على ديانتهم المسيحية، ولكنهم تعربوا بعد دراسة اللغة العربية وآدابها وثقافتها[6] وأحسن العرب سياسة سكان أسبانيا، فقد تركوا لهم كنائسهم وقوانينهم وأموالهم وحتى المقاضاة إلى قضاة منهم، ولم يفرضوا عليهم سوى جزية سنوية صغيرة، ولم يبق للعرب إلا أن يقاتلوا الطبقة الأرستقراطية المالكة للأرضين[7]. وحرص العرب على الوفاء بعهودهم لأهل الذمة حتى في الحالات التي كان يبدو للمسلمين أنهم خدعوا فيها، وقد وفى العرب رغم ذلك فقال الرازي: (فمضوا (العرب) على الوفاء لهم وكان الوفاء عادتهم)[8]. والحقيقة أن العرب الأولين كانوا يجرون على تسامح كريم صادر عن إيمان العرب برسالتهم الانسانية التي كان لها أثرها الكبير في اجتذاب أهل الذمة إلى الاسلام واقناعهم بعدالة الدولة العربية، وهذا هو السر في إقبال أهل الذمة على الدخول بأعداد كبيرة في الاسلام، وأدى ذلك إلى دخول كثير من الكلمات الاسلامية واستعمالها بألفاظها العربية من قبل سكان الأندلس مثل كلمة الله Alah ، القرآن Alcoran ، الحديث Hadith ، الاسلام Alislam، الفتوة Alfatea، رمضان Ramadan، السنة Alsonna، السلام عليك Al-salamalec، سورة Saurate، مؤذن Muezzin، رب Rab، بركة Baraka، ابليس Elb'is، جن Djiun، حرام Haramu، زكاة Zekkat، هجرة Hegira، طلسم Talisema، وقف Wakouf، خراج Carath[9]. لقد أثر العرب في أخلاق الشعوب النصرانية فقد علموهم التسامح الذي هو أثمن صفات الانسان، وبلغ حلم عرب الأندلس نحو الأهلين مبلغاً كانوا يسمحون لأساقفتهم أن يعقدوا مؤتمراتهم الدينية كمؤتمر أشبيلية الذي عقد سنة 782م، ومؤتمر قرطبة الذي عقد سنة 852م، وتعد كنائس النصارى الكثيرة التي بنوها أيام الحكم العربي من الأدلة على احترام العرب لمعتقدات الأمم التي خضعت لسلطانهم، فغدا اليهود والنصارى مساوين للمسلمين قادرين مثلهم على تقلد مناصب الدولة[10]. وفي مثل هذا الجو من التسامح أصاب البلاد الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي بحيث أصبحت الأندلس أكبر قوة سياسية في المنطقة، وعلى الرغم من هذا التسامح العظيم، فقد ظهر فرق واضح بين هذه السياسة المتسامحة، وبين سياسة الاضطهاد الأعمى الذي وقع على المسلمين بعد سقوط الأندلس، حيث ذبح نصارى الأندلس أعداداً كبيرة من المسلمين، وحتى أنهم رفضوا تنصر من تنصر منهم لعدم الثقة بهم وبنواياهم[11]. ولم يكد العرب يتمون تحرير أسبانيا حتى بدأوا بتطبيق رسالتهم الانسانية في الحضارة فاستطاعوا في أقل من قرن أن يحيوا ميت الأرضين، ويعمروا خراب المدن ويقيموا أفخم المباني، ويوطدوا وثيق الصلات التجارية بالأمم الأخرى، وشرعوا بدراسة العلوم والآداب وترجمة كتب اليونان واللاتين، وإنشاء الجامعات التي ظلت وحدها ملجأ للثقافة في أوربا زمناً طويلاً، وأخذت حضارة العرب تنهض في الأندلس منذ ارتقاء عبدالرحمن الأول العرش، أي منذ انفصالها عن الشرق سياسياً باعلان إمارة قرطبة سنة 138هـ/ 756م فغدت الأندلس أرقى دول العالم حضارة مدة ثلاثة قرون[12]. امتازت حضارة العرب في الأندلس بميلها الشديد إلى العناية بالآداب والعلوم والفنون، فأنشأوا المدارس والمكتبات في كل ناحية وترجموا الكتب المختلفة، ودرسوا العلوم الرياضية والفلكية والطبيعية والكيمياوية والطبية بنجاح ولم يكن نشاطهم في الصناعة والتجارة أقل من ذلك، فكانوا يصدرون منتجات المناجم ومعامل الأسلحة، ومصانع النسائج، والجلود والسكر وبرعوا في الزراعة براعتهم في العلوم والصناعات، ولا يوجد في الأندلس من أعمال الري خلا ما أتمه العرب، وأدخلوا إلى حقول الأندلس زراعة قصب السكر والأرز والقطن والموز[13]. وأكثروا من انشاء الطرق والجسور والفنادق والمشاتي والمساجد في كل مكان، وكانت البحرية العربية في الأندلس قوية جداً، وبفضلها كانت تتم صلات العرب التجارية بجميع مرافئ أوربا وأفريقيا وآسيا، وظل العرب وحدهم سادة البحر المتوسط زمناً طويلاً[14]. فانشأوا أسطولاً ضخماً لمواجهة قوة الأسطول البيزنطي، ولضمان أمن السواحل العربية من هجماتهم، كما اتخذوا من بعض جزره القريبة من السواحل العربية مراكز بحرية للأسطول العربي، منها كريت وصقلية، ومالطة، وجزر البليار، وجزر قبرص وسردينية، فكانت قبرص تحمي شواطئ سوريا، وكريت تحمي شواطئ مصر، كما تحمي صقلية شمال أفريقيا، وتحمي جزر البليار الأندلس، فأصبحت الشواطئ العربية في أواخر القرن التاسع للميلاد في مأمن من أي غزو بيزنطي[15] فازدهرت التجارة مما أدى إلى إزدهار الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتمكين العرب في الأندلس من الاتصال بالعالم الخارجي. فالحضارة العربية في الأندلس مرت بأدوار، وخضعت لمؤثرات حضارية منها ما ترجع أصولها إلى الأم (الحضارة العربية في المشرق) كما خضعت أيضاً لمؤثرات حضارية محلية بحكم البيئة التي نشأت فيها وبدرجة محدودة. فالنظم السياسية والادارية والعسكرية والمالية كانت صدى للنظم القائمة في العراق والشام، فأقاموا نظام الأمارة ثم الخلافة على غرار النظم العربية في المشرق، كما استحدثوا نظام الوزارة والدواوين كتلك التي كانت سائدة أيام الخلافة العباسية في بغداد، لكنهم طوروا في هذه المناصب، وخاصة الوزارة، حيث أصبحت متعددة المناصب ولها رئيس وزراء وهو الحاجب. كما عرف الأندلس نظام الأجناد أو (الكور المجندة) التي ينزلها الجند ويقابلها الثغور، يحكمها قائد عسكري، فنزل جند دمشق في كورة البيرة، وجند حمص في كورة أشبيلية وجند الأردن في كورة مالطة، وجند قنسرين في كورة باجة، وبعضهم بكورة ندمير، فهذه منازل العرب الشاميين، وبقي العرب والبربر والبلديون شركاءهم)[16]. وتحدث الجغرافي العربي المقدسي: عن التقسيمات الادارية في الأندلس فقال: إن في الأندلس ثماني عشرة كورة أورستاق كما في الشرق[17]. وهذه التقسيمات الادارية تنطبق على تعريف ياقوت للكورة والرستاق[18]. كما نقل عرب الأندلس من المشرق العربي نظام الوزارة وطوروه وقسموا خطتها أصنافاً وأفردوا لكل صنف وزيراً، فجعلوا لحسبان المال وزيراً، وللترسيل وزيراً، وللنظر في أحوال الثغور وزيراً، وهذا التعدد في مناصب الوزراء لا نجده في نظام الوزارة في المشرق العربي حيث كانت السلطة مركزة في يد وزير واحد لها رئيس وزراء وهو الحاجب الذي يتصل بالخليفة مباشرة[19]. وبعد سقوط الدولة العربية الأموية، وقيام الدولة العباسية قام العباسيون بمطاردة الأمويين فاستطاع الأمير عبدالرحمن الأموي الدخول إلى الأندلس ولقب (بالداخل) وأعاد تأسيس الدولة الأموية في الأندلس، فعادت قرطبة تأخذ مكانتها بين عواصم العالم المتحضر آنذاك في مجال السياسة والثقافة والعمارة وجميع مظاهر الحياة الحضارية، وصارت مقر الخلافة، وموطن أهل العلم والأدب، فقد عمل الأمراء الأمويون في الأندلس على تشجيع العلوم العربية، ونقلوها معهم من المشرق العربي وكان لها أثرها الكبير في النهضة الأوربية. وقد ترك الوجود العربي في الأندلس طابعه في مختلف مجالات الحياة ففي الادارة نجد كلمات في اللغات الأوربية بألفاظها وأصولها العربية مثل خليفة Calife، أمير Emir، والي Vali، وزير Visir، رئيس Reis، القاضي Alcaede، المحتسب Almotocie، الحاجب Alhaque، صاحب المدينة Falmedina، صاحب السوق Fabasouquae[20]، ديوان Diuan، ولاية Vilaget[21]. كما انتقلت كثير من الكلمات والألفاظ العسكرية في الأندلس إلى أوربا مثل: القائد Alcaide، أمير البحر Adbuirate، الدليل Aldalil، الطلائع Alataya، القارة A. Igurdde، الطائفة Aceifa، العرض Alarde، الرباط Rabate، نفير Anafir، الفارس Alfaroz، الدرقة Aldorgu[22]، بارود Baroud، طرادة Tarffe، جيش Djech، غزوة Rozzia، مرابط Marabout، حراثة Caraque[23]. اهتم عبدالرحمن الداخل بتنظيم قرطبة لتتلاءم وعظمة الدولة فجدد معانيها وشد مبانيها وحصنها بالسور، وابتنى قصر الأمارة، والمسجد الجامع ووسع فناءه، ثم ابتنى مدينة الرصافة[24] وفق فن العمارة الاسلامية في الشام سواء في زخارفها المعمارية أم في بعض عناصر بنائها، وفي نظام عقودها، كما بنى قصر الرصافة ونقل إلى مدينته غرائب الفرس وأكارم الثمر، فانتشرت إلى سائر أنحاء الأندلس[25]. وكان جامع قرطبة في غاية العظمة في بنائه وهندسته وأصبح أعظم جامعة عربية في أوربا في العصر الوسيط، فكان البابا سلفستر الثاني قد تعلم في هذا الجامع يوم كان راهباً كما أن كثيراً من نصارى الأندلس كانوا يتلقون علومهم العليا فيه، واستأثر المسجد في الأندلس بتدريس علوم الشريعة واللغة إضافة إلى العلوم الأخرى[26]. وأسس العرب في الأندلس الكتاتيب لتعليم الصبيان اللغة العربية وآدابها ومبادئ الدين الاسلامي، على غرار نظام الكتاتيب في المشرق العربي واتخذوا المؤدبين يعلمون أولاد الضعفاء والمساكين اللغة العربية ومبادئ الاسلام[27]. أما المناهج الدراسية في الأندلس فقد أشار إليها ابن خلدون بقوله: (وأما أهل الأندلس فمذهبهم تعليم القرآن والكتابة وجعلوه أصلاً في التعليم فلا يقتصرون لذلك عليه فقط بل يخلطون في تعليمهم الولدان رواية الشعر، والترسل وأخذهم بقوانين العربية وحفظها، وتجربة الخط والكتابة... إلى أن يخرج الولد من عمر البلوغ إلى الشبيبة وقد شد بعض الشيء في العربية والشعر وأبصر بهما، وبرز في الخط والكتاب وتعلق بأذيال العلم على الجملة[28]. واهتم خلفاء بني أمية في الأندلس بتأسيس المكتبات فنقلت من كتب الشرق العربي الشيء الكثير من الكتب وشارك الرحالة من الأندلسيين في ذلك وقام العلماء وطلاب العرب في نقل الكتب وأقبلوا على ترجمتها في مختلف صنوف العلم والمعرفة فيذكر ابن جلجل: أن الكتب الطبية دخلت من المشرق وجميع العلوم على عهد الخليفة الناصر سنة 300هـ- 350هـ[29]. وأنشأ المستنصر بالله 350- 366هـ/ 961- 976 مكتبة عظيمة فقد كان عالماً منصرفاً إلى العلم والقراءة واقتناء الكتب النادرة من بغداد ودمشق والقاهرة، وأنشأ مكتبة تحوي على ما يربو على 400 ألف مصنف في شتى العلوم والفنون، كما أنشأ داراً لنسخ الكتب وأودعها بمدينة الزهراء[30]. كما ألف الأندلسيون في علوم القرآن والحديث والفقه، وفي القضاء واللغة وآدابها وعلومها والمعاجم والتراجم، والتاريخ والسيرة والجغرافية، وألفوا في علوم الطب والحساب والهندسة والفلك والكيمياء والمنطق والفلاحة والملل والنحل، وفي الفلسفة والموسيقى، بحيث لم يتركوا حقلاً من حقول العلم والمعرفة إلا طرقوها[31]. وقد برز جملة من العلماء نذكرهم على سبيل المثال لا الحصر منهم عبدالملك بن حبيب السلمي (ت238هـ) ألف كتابه الموسوم (التاريخ) مخطوط ومحفوظ في مكتبة البودليانا في أكسفورد تناول فيه تاريخ العالم من بدء الخليقة حتى فتح الأندلس وإلى عصره هو[32]. والعالم اللغوي أبا علي القالي الذي وفد على الأندلس في أيام عبدالرحمن الناصر سنة 330هـ وأصله من العراق، ومن أهم أعماله كتاب (الأمالي) وهو عبارة عن محاضرات أملاها على تلاميذه الأندلسيين في مسجد قرطبة، ويتضمن فصولاً عن العرب ولغتهم وشعرهم وأدبهم وتاريخهم وألف أبو بكر محمد المعروف بابن القوطية (ت367هـ) كتاباً في تاريخ الأندلس أسماه (تاريخ افتتاح الأندلس) نشره المستشرق الأسباني جوليان رايبيرا سنة 1868م، وله كتاب في النحو يعرف بكتاب الأفعال[33] ومن شيوخ ذلك العصر العالم المغربي محمد بن حارث الخشني (ت361هـ) الذي ألف كتاب (القضاة بقرطبة) تناول فيه الحياة الاجتماعية في الأندلس نشره المستشرق الأسباني ريبيرا[34] وألف ابن حزم العديد من الكتب في أنساب العرب، وفي علماء الأندلس، وفي تاريخ الأديان وأبرز ما ألف في هذا المجال هو كتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل)[35]. ومما ساعد على انتشار الكتب وازدهار الحياة العلمية انتشار صناعة الوراقة في الأندلس حيث تولى الوراقون نسخ ما يظهر من مؤلفات، كما اشتهرت الأندلس بمصانع الورق، وتميزت بهذا الانتاج بعض المدن مثل غرناطة وبلنسية وطليطلة، وشاطبة، وقد حاز مصنع شاطبة شهرة واسعة في صناعة الورق الجيد[36]. وقد نقلها عرب الأندلس من بغداد التي أنشئت عام 794م كما انتقلت منها بواسطة عرب صقلية والأندلس إلى أوربا[37]. واتجه أهل الأندلس الذين اعتنقوا الاسلام خاصة إلى تعلم العربية وإلى إقبالهم على تعلم العلوم الاسلامية، واتسع بمرور الزمن عدد الداخلين في الاسلام وأخذ طلاب العلم يرتحلون بشكل خاص إلى الجامعات العربية في الأندلس والاختلاط بالسكان مما ساعد على انتشار اللغة العربية، ونتج عن ذلك ظهور لغة عربية عامية دخلتها بعض الكلمات الأسبانية[38] كما نتج عن انتشار اللغة العربية بين الأندلسيين اختراع فن شعبي أندلسي جديد، هو فن (الموشحات) ويقال: إن مخترع هذا الفن رجل ضرير من بلدة قبره Cabra بجوار قرطبة اسمه مقدم بن معافى القبري الذي عاش في أواخر القرن الثالث للهجرة التاسع للميلاد ويعتبر هذا الفن الجديد ثورة في الشعر العربي، وإذا كان المشرق العربي قد أعطى مغربه فن القصيدة الشعرية، فإن المغرب العربي، وأعني الأندلس، قد أعطى المشرق العربي فن (الموشح) ويلاحظ في الموشح أنه لم يلتزم بنظام القوافي الموحد كالقصيدة الشعرية، وإنما اشتمل على قوافي متعددة كذلك لم تكن وحدة البيت الشعري، وإنما المقطوعة الشعرية التي تتكون من غصن وقفل، ويسمى القفل الأخير بالخرجة، والتي تكون باللغة العامية الدارجة، ولم يلبث هذا الفن الجديد أن انتشر في المغرب والمشرق، وتفنن الشعراء في صياغته حتى صارت الموشحة كالقصيدة الشعرية واستخدمه الصوفية في مدائحهم وأذكارهم[39]. وقد أثرت الأغنية الشعبية العربية في الشعر الأوربي باسم الشعر البروفنسي الذي كان ينشده المتروبادور أي (المغنون المتجولون) في جنوب فرنسا وايطاليا وأسبانيا وغيرها من البلدان الأوربية، واستحدثوا فناً آخر سموه (الزجل) وجاءوا فيه بالغرائب، وهذه الطريقة الزجلية هي فن العامة بالأندلس، وهم ينظمونه في سائر البحور للخمسة عشر بالعامية[40]. وكان كبار العلماء والأدباء والشعراء يلتقون في قصور الخلفاء والأمراء في الأندلس فكانت بمثابة منتديات زاهرة، ومجامع للعلوم والآداب والفنون[41]. ولمع فحول الشعراء والأدباء العرب في الأندلس كابن عبد ربه وابن حزم وابن زيدون وابن خفاجة وكانت النتيجة من إزدهار الحياة الأدبية أن انتشرت اللغة العربية والثقافة العربية والعادات والتقاليد العربية الاسلامية في أوربا وقد زخرت الألفاظ العربية في اللغة الأسبانية والقونية والفرنسية[42] حيث أقبل أهل الذمة من الأندلسيين على تعلم العربية ويبدو أن الاستعراب كان قد سبق الاسلام، فقد اختلط أهل الذمة بالمسلمين، وأخذوا لغتهم وأسلوبهم في الحياة، وأقبلوا بصورة تدريجية على الاسلام وأظهروا تفوقاً في العربية بل تفوق منهم في الفقه فذكر ابن الفرضي (أنه كان من مسالمة أهل الذمة من ملأ أشبيلية علماً وبلاغة ولساناً حتى شرفت به العرب)[43] وقد أثار اقبال المسيحيين على الثقافة العربية حسد القساوسة ورجال الدين الذين كانت لهم أديرة وكنائس في شتى أنحاء الأندلس فأخذوا يعيبون على الشباب المسيحي اقباله على قراءة اللغة العربية وتركه اللغة اللاتينية[44]. واشتهرت الأندلس بالمنشآت المعمارية العظيمة، ويعد جامع قرطبة الذي بني في القرن الثاني للهجرة/ الثامن للميلاد، وبعض المباني في طليطلة من آثار الدور الأول لفن العمارة العربي في الأندلس، كما تعد منارة أشبيلية (لعبة الهواء) التي أنشأها الموحدون في القرن السادس للهجرة/ الثاني عشر للميلاد والقصر الأشبيلي من آثار الدور الوسيط لفن العمارة العربي، كما يعد قصر الحمراء في غرناطة الذي شيد في القرن الثامن للهجرة/ الرابع عشر للميلاد عنواناً لما انتهى إليه فن العمارة العربي ويرى لوبون أنها تدل باختلاف طرزهما على أصالتها العربية[45]. ومن مباني العرب العظيمة في الأندلس مدينة الزهراء التي شيدها عبدالرحمن الناصر على بعد ثمانية كيلومترات شمال غرب قرطبة على سفح جبل العروس ومازالت تحتفظ باسمها العربي في اللغة الأسبانية، وبنى فيها قصره المشهور بقصر الحمراء[46]. وظهرت فيه عظمة فن الهندسة عند العرب، وفن الزخرفة والنقوش والنحت، وقد وصفها الأدريسي بقوله: وهي (الزهراء) مدينة عظيمة مدرجة البنية، مدينة فوق مدينة، وفيها قصور يقصر الوصف عن صفاتها[47]. ويروى ابن عذاري: أن أعمدة الرخام في الزهراء بلغت حوالي 4313 سارية جلبت من قرطاجة وتونس والقسطنطينية وما وجد في أسبانيا[48]. ومن المباني التي تركها العرب في أسبانيا جامع قرطبة الشهير الذي بدأ بانشائه عبدالرحمن سنة 164هـ/ 780م، وهو من أجمل المباني العربية في أسبانيا، وكان يفوق جميع مساجد ومعابد الشرق قاطبة بعظمته وروعته، ولا يزال جامع قرطبة من المباني المهمة مع ما أصيب من التلف وما فقد من الأشياء الثمينة فيه[49]. والمستطلع إلى المباني العربية في طليطلة يرى مدى التأثير الحضاري العربي في الأمم التي حلت محلهم، فمدينة طليطلة القديمة لا تزال تحيط بها أبراجها وحصونها وأبوابها أشهرها (باب شفره) و(باب الشمس) والمباني العربية في أشبيلية عظيمة تناظر مثيلاتها في مدن الأندلس[50] وكلها تدل على أصالتها العربية. واستعملت الكثير من الألفاظ أو التسميات العربية في مجال العمارة في الأندلس وأوربا مثل البناء Albaenie، الربض Arrba، الحوز Alhoz، السطحية (السطح) Azatea، القبة (غرفة النوم) Aleobe، الأسطوان (مدخل البيت) Fayuon، الطوب Adube، القصر Alcosar ، [51] مسجد Mosuqee، منبر Minbar، منارة Minaret، محراب Mihrab[52]. إن الحضارة العربية التي نشأت في الأندلس، وازدهرت لم تقف عند حدود الأندلس فاستمرت العلاقات الاقتصادية والثقافية والحضارية بين الأندلس وأوربا وبينها وبين الشرق وبيزنطة ولم تنقطع رغم وقوع حروب بحرية وبرية طويلة، فالتبادل التجاري بين أسبانيا العربية وبين الشرق وبيزنطة تظل مستمراً، وعن هذه الطرق انتقل التراث الحضاري العربي في العصور الوسطى إلى أوربا ولا يمكن إدراك أهمية شأن العرب في الغرب إلا بتصور حالة أوربا حينما أدخلوا الحضارة إليها فيقول لوبون: إذا رجعنا إلى القرن التاسع من الميلاد وما بعده، حيث كانت الحضارة الاسلامية في أسبانيا ساطعة جداً رأينا أن مراكز الثقافة في أوربا كانت أبراجاً يسكنها سنيورات متوحشون يفخرون بأنهم لا يقرأون، وإن أكثر الرجال معرفة كانوا من الرهبان المساكين الذين يقضون أوقاتهم في أديارهم ليكشطوا كتب الأقدمين بخشوع، ودامت همجية أوربا حتى القرن الحادي عشر حين ظهر فيها أناس رأوا أن يرفعوا أكفان الجهل الثقيل عنهم فولوا وجوههم شطر العرب الذين كانوا أئمة وحدهم، ولم تكن الحروب الصليبية سبباً في إدخال العلوم إلى أوربا كما يردد على العموم، وإنما دخلت العلوم أوربا من أسبانيا وصقلية وإيطاليا، وذلك أن مكتباً للمترجمين في طليطلة بدأ منذ سنة 1130م بنقل أهم كتب العرب إلى اللغة اللاتينية تحت رعاية رئيس الأساقفة ريمون، ولم يتوان الغرب في أمر هذه الترجمة[53] فقد تدفقت العلوم العربية على أوربا من خلال الأندلس بعد أن فتح العرب الطريق عبر جبال البرت إلى فرنسا وإيطاليا، حيث عبر العلم والفلسفة العربيان من خلال رأس الجسر الثقافي الذي أقيم في شبه جزيرة ايبريا إلى أوربا[54] وظهر التأثير العربي في فن العمارة في الأندلس وأوربا، فكان الطراز السائد قبل تحرير أسبانيا هو الطراز القوطي، ولكن أقيمت في الأندلس في القرن الثالث عشر والرابع عشر المدن والمساجد والقصور على الطرز العربية مما يدفعنا على الاقرار أن الغرب اقتبس أصول فن عمارته من العرب، إذ ليس هناك من مشابهة بين الطراز العربي والطراز القوطي وإن تأثير فن العمارة العربية واضح في كثير من الكنائس الفرنسية ككنيسة مدينة (ماغلون) 1178م، التي كانت ذات صلات بالشرق، وكنيسة (كانده) وكنيسة (غاماش)... إلخ، وألمح مسيو شارل بلان إلى ما اقتبسه الأوروبيون من العرب في فن العمارة بقوله: أرى من غير مبالغة فيما لأمة من التأثير في أمة وذلك خلافاً لما يسار عليه اليوم أن الصليبيين الذين شاهدوا ما اشتمل عليه الفن العربي من المشربيات، وشرفة المآذن، والأخاريز أدخلوا إلى فرنسا المراقب والجواسق والأبراج والأطناف والسياجات التي استخدمت كثيراً في العمارات المدنية والحربية في القرون الوسطى[55]. لقد كان للاستقرار السياسي والاجتماعي، والرفاء الاقتصادي والتقدم العلمي والعمراني أثره الكبير في نشاط وازدهار التجارة في الأندلس، وأدى الاتصال التجاري بين الشرق والغرب وبين الأندلس وأوربا إلى دخول مفردات وألفاظ عربية كثيرة وأسماء منتجات وسلع تجارية ومكاييل ومقاييس وأوزان وعملات كانت تستعمل في التجارة إلى اللغة الفرنسية واللغات الأوربية مثل السوق Souk، ميناء Cabar، فنار Fanal، سمسار Cemcal، دكان Dogana، الديوان (الكمرك) Aduoma، مخزن Magozzia، معرفة (شركة تجارية) Maond، مخاطرة Moatra، التعريفة Tarifa، المناداة (المزايدة) Almoneda، ومن الألفاظ الأخرى التي كانت تستعمل في التجارة العملات والمقاييس والمكاييل والأوزان مثل: دينار Dinar، درهم Adorme، السكة Ceea، قنطار Kantar، قيراط Corat، مثقال Molacal، عشر Achour، أردب Ardib، القفيز abis، المد Almud، الرطل Arreelde، الربعة Arraba[56]. وعلى الرغم من وجود عدد هائل من الكلمات العربية في اللغة الانكليزية واللغات الأوربية الأخرى في مجالات العلوم المختلفة، إلا أننا نرى أن عدد هذه الكلمات في العلوم الرياضية قليل جداً، ولا يعني هذا أن العرب لم يؤثروا كثيراً على أوربا في مجال العلوم الرياضية ولكن العكس صحيح، إلا أن معظم الكتابة في هذه العلوم يعتمد على الرموز والأحرف بالاضافة إلى أن الأرقام الأوربية الحالية مأخوذة أصلاً عن طريق العرب ومازالت تسمى بالأرقام العربية ومثلاً على ذلك: الجبر Algebra، الخوارزمي (المقصود به الحساب) Algursime، المقابلة Almohabel، المجسطي Cipher، الصفر Cipher ، [57] وكلمة الصفر العربية تدل على انتقال طريقة الحساب العربي واستعمالها من قبل الأوربيين. وازدهر علم الهيئة (الفلك) عند العرب في الأندلس لحاجتهم إليه في تحديد القبلة وتعيين أوقات الصلاة، وقد تطور هذا العلم إلى دراسة حركات النجوم، وظهور حركة التنجيم، واخترعوا الساعات الشمسية لمعرفة الأوقات، فقد صنع عباس بن فرناس أول آلة (وهي نوع مبتكر من الساعات)[58]. ويبدو من مجرد النظر في المصطلحات الفلكية العديدة ذات الأصل العربي يدلنا على أن الغرب مدين لما قام به العرب من دراسات فلكية؛ لأن معظم هذه الأسماء قد تركت في الوقت الحاضر واستعيض عنها بأسماء غيرها ومن هذه الأسماء العذارىAdara ، السها Alcor، الجنب Algenib، الفكة Alphacca، الجبهة Algieba، عرش الجوزاء Arsh، بنات نعش Benatnasch، السرطان Cancer، الكلب الأكبر CamisMa,or، الكلب الأصغر Camis Minor، ذنب الدواجن Deneb Eldolphinas ، ذنب الجدي Deneb Elokab، ذنب العقاب Daneb Elkab، النصل Elnasl، الراعي التنين Etanin، فم الحوت Famu Lhout، رأس الأسد Res Al Asad، رأس الثعبان Res toban، سعد الملك Saod Al Melik، سعد السعود Saod Saoud، العذراء Virgo، الطائر Altair، قرن الثور Tauri، السموات amwet[59]. ولمس الأوربيون بشكل جلي الجهود العلمية البارزة التي بذلها عرب الأندلس في علم الكيمياء فوصلت إليهم ثروة كبيرة من المعرفة والحقائق، والتجارب والنظريات العلمية، فأخذ طلاب الغرب يقبلون على دراستها وترجمتها إلى لغاتهم فحفزت فيهم روح البحث والشغف باستقراء الحقائق وتتبعها، فزاد اطلاعهم على هذا النتاج العلمي الخصب، واعتمدوا الأدلة والبراهين في قضايا العلوم الطبيعية، فبدأت أوربا بحوثها في هذا المجال على أساس واقعي سليم وبناء نظري منسق وكان ذلك بفضل الانطلاق العربي في البحث العلمي والابتكار. وهذه ثمة كلمات عربية مستعملة في اللغات الأوربية في حقل الكيمياء تدل على جهود العرب في هذا العلم عند الغربيين[60] الكيمياء Alchemy، الكمل Alcuhal، زرنيخ Arsenic، بورق Barax، الاكسير Elixir، قرمز Kermes، كبريت Kibruit، الانبيق Linbick، نفط Naphta، عطر Attar، الزئبق Assoguc، قطران caudran، بنج Bang، سموم Simouim[61]. ولم يقتصر الأندلسيون على العلوم العملية بل كانت لهم دراسات في علوم أخرى كالفيزياء، وعلم العقاقير، والزراعة (علم الفلاحة) والذي أبدعوا فيه وصنفوا التصاميم المشهورة، مسجلين ما توصلت إليه تجاربهم في النباتات والتربة[62]، ويعد عباس بن فرناس القرطبي واحداً من عباقرة العرب المسلمين الذين استطاعوا تحقيق أروع الكشوفات في ميادين العلوم التجريبية وأن يمهدوا باكتشافاتهم العظيمة الطريق للأجيال اللاحقة من علماء العصر الحديث[63]. وأثمرت جهود العرب في تطوير علم الطب وتأثرت ثقافة الغرب الطبية تأثراً عميقاً بما اقتبسه من العرب في هذا المضمار[64]. والعرب أول من مارسوا عمليات الجراحة في العالم إطلاقاً، ووضعوا المؤلفات فيها وفي طرقها، والأمراض التي يجب استئصالها والآلات والأدوات التي تستعمل[65] وهم أول من اكتشفوا وسائل التخدير، وأنشأوا المستشفيات، وقسموها قسمين: قسم للرجال والنساء، وقسموا كل قسم إلى أقسام على حسب المرض، وأقاموا المعازل لعزل المرضى المصابين بأمراض معدية بل أن للمسلمين الفضل في إنشاء المستشفيات المتنقلة[66]. يتبع
__________________
|
#72
|
||||
|
||||
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
__________________
|
#73
|
||||
|
||||
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
البتاني .. فلكي ورياضي فذ صلاح عبد الستار الشهاوي - مجلة حراء بعد أن حمل المسلمون أنوار الإسلام إلى الدنيا، ورفعوا لواء الحضارة والعلم والمعرفة قرابة قرون ثمانية فيما بين الأندلس غربًا وبلاد السند شرقًا، تركوا للمعرفة الإنسانية تراثًا لم تتركه أمة قبلهم ولا بعدهم، يتمثل في أمهات الكتب والمعاجم والموسوعات التي خطتها أقلام العلماء والأدباء الذين أفنوا أعمارهم في التفكير المثمر والإنتاج الغزير نثرًا وشعرًا وعلمًا وفنًّا، وكانوا يطربون لصرير أقلامهم كما يطرب الموسيقار لألحان الآلة التي يعزف عليها. ومن هؤلاء العلماء الأفذاذ، الفلكي أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان البَتّاني. يكنى بـ"البتاني" نسبة إلى مسقط رأسه "بَتّان"، كما يكنى بـ"الرقّي" نسبة إلى مدينة "الرقة"، التي قضى بها معظم حياته مع الكثير من الأسر الحرانية، وأنجز بها الكثير من أرصاده وإنجازاته العلمية. ولد أبو عبد اللّٰه البتاني حوالي عام (240هـ/854م) في "بتان" بإقليم حران. وينسب إقليم حران إلى مدينة حران التي كانت تقع بشمال غرب العراق بين مدينتي الرقة والرها بشمال غرب العراق. وكانت أسرته تدرِّس قديمًا الديانة الصابئية، ومنها جاءت نسبة "الصابئي" إليه مع أنه كان مسلمًا قبل أن يكون عالمًا. أمضى البتاني معظم حياته يرصد الأجرام السماوية بمرصد الرقة أو مرصد "البتاني" من عام (264هـ/878م) حتى عام (306هـ/918م). وقصد بغداد في إحدى مهماته العلمية، لكنه توفي عام (317هـ/929م) في الطريق أثناء عودته في قصر "جيس" إلى الغرب من دجلة، قليلاً قرب سامراء. دراسة البتاني وحياته العلمية لا تتوافر تفاصيل عن أساتذة البتاني والمرحلة التعليمية في حياته، لكن المعروف أن "علي بن عيسى الأسطرلابي" و"يحيى بن أبي منصور" كانا أكبر الفلكيين في العصر الذي نشأ فيه، ويحتمل أنه تتلمذ على أحدهما -خصوصًا وإن الأول كان حرانيًّا مثله- أو على بعض تلاميذهما. الأمر المؤكد أن البتاني قد استوعب المؤلفات الفلكية المتوافرة في عصره، خصوصًا المجسطي لبطلميوس، والذي كتب فيما بعد تعليقًا عليه، وانتقد بعض آراء بطليموس الواردة فيه. ذكر ابن النديم في "الفهرست" أن البتاني بدأ رحلته مع الرصد الفلكي عام (264هـ/878م). ومن الثابت أن البتاني أقام فترة بمدينة الرقة، وأجرى بها قسمًا من أرصاده التي تواصلت حتى عام (306هـ/918م) وفقًا لما ذكره ابن النديم، وأنه أقام فترة أخرى بمدينة أنطاكية بشمال سوريا، حيث أنشأ المرصد الذي عرف باسم "مرصد البتاني". وعمومًا كان عصر البتاني، عصر ازدهار علم الفلك الإسلامي وعصر تتابع الإنجازات العلمية الإسلامية في مجال هذا العلم. والجدير بالذكر أن البتاني قد نشأ في عائلة جُلّ أفرادها علماء، فهو أحد أحفاد العالم الكبير "ثابت بن قرة" (ت 288هـ/901م). إنجازات البتاني العلمية حقق البتاني إنجازات بارزة في علم الهيئة (الفلك)، إضافةً إلى إنجازاته في العلوم الرياضية (حساب المثلثات، والجبر والهندسة) والجغرافيا. ونظرًا لروعة إنجازاته الفلكية، حاز لقب "بطليموس العرب" تشبيهًا له بالعالم الفلكي والرياضي والجغرافي السكندري "كلوديوس بطليموس" الذي عاش في القرن الثاني الميلادي. والبتاني يعرف في الغرب باسمه المحرف "ألباتيجنوس" (Albategnius)، و"ألباتيجين" (Albategni). إنجازات البتاني في علم الفلك أهم إنجازات البتاني الفلكية، أرصاده الصحيحة التي تعد أدق ما أجراه الفلكيون العرب من أرصاد، ومن أدق الأرصاد التي أجريت حتى القرن السابع عشر، الأمر الذي ما زال يثير دهشة وإعجاب علماء الفلك؛ نظرًا لافتقار البتاني للآلات الفلكية الدقيقة التي توافرت في القرنين الماضيين، ولا نقول ما هو موجود منها الآن! وفي إطار تلك الأرصاد الصحيحة، رصد البتاني زاوية الميل الأعظم، وقاس موضع أوج الشمس في مسيرتها الظاهرية فألفاه قد تغير عن القياس الذي أجراه بطليموس في القرن الثاني الميلادي. وهذه هي أهم إنجازات البتاني في الفلك: - صحح البتاني قيمة الاعتدالين الصيفي والشتوي. - حسب قيمة ميل فلك البروج على فلك معدل النهار فوجدها (35) دقيقة و(23) ثانية. والدراسات الفلكية تبين لنا أنه لم يخطئ إلا في دقيقة واحدة حسب طول السنة الشمسية بدرجة عالية من الدقة، وبخطأ مقداره دقيقتان واثنتان وعشرين ثانية فقط. - أجرى أرصادًا دقيقة للكسوف والخسوف. اعتمد عليها فلكيو الغرب في حساب تسارع القمر أثناء حركته خلال قرن من الزمان. - برهن على احتمال حدوث الكسوف الحلقي للشمس. وفي ذلك مخالفة وتصحيح لرأي الفلكي السكندري بطليموس. - حقق مواقع عدد كبير من النجوم، وصحح بعض نظريات حركات القمر وكواكب المجموعة الشمسية. - توصل إلى نظرية قوية الأسانيد، توضح وتفسر أطوار القمر عند ولادته. - أوضح البتاني حركة الذنب للأرض. إنجازات البتاني في حساب المثلثات - وصل البتاني إلى بعض المعادلات الأساسية والحلول المهمة في علم حساب المثلثات الكري (Spherical Trigonometry)، وهو العلم الرياضي الذي أسهم إسهامًا كبيرًا في ارتقاء علم الفلك. - البتاني هو أول من استبدل "الوتر" الذي كان بطليموس يستعمله بـ"الجيب"، وهو إحدى النسب المثلثية ويساوي حاصل قسمة طول الضلع المقابل للزاوية على وتر المثلث القائم الزاوية. - توصل البتاني إلى معادلة جبرية لحساب قيمة الزاوية بمعلومية النسبة بين جيبها وجيب تمامها. - البتاني هو أول من حسب الجداول الرياضية لنظير المماس. - البتاني هو من أوائل العلماء المسلمين الذين استخدموا الرموز في تسهيل العمليات الرياضية. البتاني يصحح رأي بطليموس كان الفلكيون قبل البتاني وعلى رأسهم بطليموس، يقولون بثبات ميل حركة أوج الشمس بحساب دائرة الفلك، إلى أن جاء البتاني فبيَّن أن الميل يتغير مع الزمن، وأن أوج الشمس والتباعد المركزي لمسارها قد تغير منذ عهد "أبرخس"، على الرغم من أن بطليموس أكد ثباتها. ولم ينس البتاني أن يوضح أن حركة أوج الشمس هي حركة الاعتدالين، ومن ذلك أوجد أن طوال السنة المدارية هو (365) يومًا و(5) ساعات و(46) دقيقة و(34) ثانية، أي بخطأ نقصانٍ مقداره دقيقتان و(22) ثانية. بينما كان خطأ بطليموس بزيادةٍ مقدارها (6) دقائق و(26) ثانية. كما أنه أوضح كيفية تغير القطر الظاهري للشمس والقمر، مثبتًا إمكانية حدوث الكسوف الحلقي للشمس، بعكس ما كان يظنه بطليموس. وقد استخدم البتاني في إثبات ذلك أجهزة فلكية من صنعه، منها جهاز لقياس الارتفاع الزاوي للشمس. هذا الجهاز الذي يتألف من عامود شاقولي طوله موضوع على مستوى أفقي يقاس عليه طول ظل هذا العامود. مؤلفات البتاني ألف البتاني عددًا كبيرًا من المؤلفات، تضمنت أرصاده الدقيقة ومقارناته بين التقاويم المعروفة لدى الأمم المختلفة (الهجري، الفارسي، الميلادي، القبطي)، وأوصافه للآلات المستخدمة في عمليات الأرصاد الفلكية وطرق صناعتها. ومن أهم مؤلفات البتاني: كتاب معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك، ورسالة تحقيق أقدار الاتصالات، وشرح المقالات الأربع لبطليموس، وكتاب تعديل الكواكب، وكتب ورسائل في علم الجغرافيا، وكتاب الزيج الصابئ أو زيج البتاني. و"الزيج" هو أهم كتب البتاني العلمية، وضعه عام (287هـ/900م) على أساس أرصاد قام بها في الرقة وأنطاكية في العام نفسه، متخذًا "زيج الممتحن" ليحيى بن منصور مرجعًا له. ويعد "الزيج الصابئ" أهم وأصح الأزياج المعروفة التي أثمرتها الحضارة الإسلامية، وسمي بـ"الزيج الصابئ" نظرًا لانتماء البتاني إلى طائفة صائبة حران، الذين عدّهم الرسولضمن أهل الكتاب قبل أن يسلموا. ويشتمل "الزيج الصابئ" على مقدمة، وسبعة وخمسين فصلاً، ضمّنها البتاني الكثير من أرصاده الفلكية وأفكاره ونظرياته في علم الفلك. وقد ترجم الكتاب إلى اللاتينية أكثر من مرة في القرن الثاني عشر، كما أمر "ألفونسو العاشر" في "قشتالة" بنقله إلى الإسبانية، وأطلع عليه كبار الفلكيين الأوربيين ومنهم "كوبرنيك" (Copernicus) في القرن السادس عشر الميلادي. وفي عام (1899م) طبع الزيح الصابئ بـ"روما"، بعد أن حققه "كارلو نللينو" عن النسخة المحفوظة بمكتبة الاسكوريال بإسبانيا. ويضم الكتاب أكثر من ستين موضوعًا أهمها: تقسيم دائرة الفلك وضرب الأجزاء بعضها في بعض وتجذيرها وقسمتها بعضها على بعض، معرفة أقدار أوتار أجزاء الدائرة، مقدار ميل فلك البروج عن فلك معدل النهار وتجزئة هذا الميل، معرفة أقدار ما يطلع من فلك معدل النهار، معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك، معرفة أوقات تحاويل السنين الكائنة عند عودة الشمس إلى الموضع الذي كانت فيه أصلاً، معرفة حركات سائر الكواكب بالرصد ورسم مواضع ما يحتاج إليه منها في الجداول في الطول والعرض. عرف البتاني قانون تناسب الجيوب، واستخدم معادلات المثلثات الكرية الأساسية. كما أدخل اصطلاح جيب التمام، واستخدم الخطوط المماسة للأقواس، واستعان بها في حساب الأرباع الشمسية، وأطلق عليها اسم "الظل الممدود" الذي يعرف باسم "خط التماس". البتاني في عيون علماء الغرب اعترف الفلكي الشهير "إدموند هالي" بدقة أرصاد البتاني، واعترف بذلك أيضًا "كاجوري" في كتابه "في تاريخ الرياضيات"، كما أشار مؤرخ العلم "جورج سارتون" إلى البتاني بإعجاب شديد باعتباره أعظم الفلكيين المسلمين. واعترف المستشرق الإيطالي "نللينو" أن أرصاد البتاني في الزيج الصابئ، كان لها أعظم الأثر على تطور علم المثلثات الكروية في أوربا. وقال عنه "جوزيف شاخت" في كتابه "تراث الإسلام": "يعتبر البتاني مبرزًا بين جميع الفلكيين العرب والمسلمين. فقد وضع جداول الزيج الصابئ، وقام بأرصاد عديدة لها جانب كبير من الدقة لدرجة أنه استطاع إثبات حدوث الكسوف الحلقي للشمس". وبعد ذلك بعدة قرون، تمكّن "دنثورن" (Dunthorne) بالاعتماد على أرصاد البتاني من تحديد تسارع القمر في حركته حول الأرض. وعن البتاني ذكرت دائرة المعارف الإسلامية الإنجليزية: "البتاني فلكي ورياضي عربي مشهور، ويعتبر أحد أعلام رجال الفلك في العالم، ولد في (بتان) بنواحي حران. وقد أسهم في وضع أساس علم المثلثات الحديثة ووسع نطاقها، واكتشف الكثير من حقائق علم الفلك، ولم يُعلَم أحدٌ في الإسلام بلغ مبلغ البتاني في تصحيح أرصاد الكواكب وامتحان حركتها. وهو أول من اكتشف (السمت) و(النظير) وحدد نقطتهما في السماء، وعني برصد الكسوف والخسوف، وصحح بعض نتائج بطليموس الإسكندري". ولمكانة البتاني العلمية، أطلق علماء الفلك الغربيون اسمه على أحد سهول القمر (Albategnius). كما ذكره معجم ماكميلان لعلم الفلك ضمن قائمة مشاهير علم الفلك عبر التاريخ. وفي كتابه "The Spirit of Islam" أي "روح الإسلام" يقول المفكر الإسلامي الهندي "سيد أمير علي" عن البتاني: "شكلت جداوله الفلكية -المترجمة إلى اللغة اللاتينية- ركائز علم الفلك لقرون عدة، ومع ذلك، فالبتاني معروف أكثر في تاريخ الرياضيات باعتباره أول من أدخل الجيب وجيب التمام بدلاً من الوتر في الحسابات الفلكية وحساب المثلثات". ويعتبر كتاب "الزيج الصابئ" واحدًا من أهم مائة كتاب في التراث العربي الإسلامي الكريم، وأهم كتاب فلك عربي إسلامي؛ لأن القائمة التي عددت المائة كتاب، لم تحو من كتب الفلك العربية الإسلامي شيئًا غيره.
__________________
|
#74
|
||||
|
||||
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
صفحة من تاريخ العلوم: الآمدي .. مستنبط الكتابة البارزة للمكفوفين يذكر التاريخ الحديث، أن رجلاً فرنسيًّا اسمه “لويس برايل” كان أعمى لا يبصر، استنبط في سنة 1829م أي منذ نحو مائة وخمسين سنة الأسلوب المنسوب إليه لتعليم العميان القراءة والكتابة، وقد خُلِّد اسمه وشرفه الفرنسيون بهذا الاستنباط الخطير، الذي أخذت به أمم العالم في تعليم العميان. ولكن من يدري أن رجلاً عربيًّا، كان أعمى أيضًا لا يبصر، اسمه “زين الدين علي بن أحمد الآمدي العابر” عاش في حدود سنة سبعمائة للهجرة أي قبل نحو سبعمائة سنة كان السابق في هذا المضمار، وإليه يرجع – دون سواه – الفضل كله في ابتداع الكتابة البارزة للعميان. كان أستاذاً في المدرسة المستنصرية ببغداد، وله فيها غرفة خاصة به، ترجم له الصفدي في كتاب “نكت الهميان في نكت العميان” ووصفه بقوله: “كان شيخًا مليحًا مهيبًا ثقة صدوقًا، كبير القدر والسن، أضر في أوائل عمره، وكان آية عظيمة في تعبير الرؤيا، مع مزايا أخرى عجيبة، تدل كلها على عبقريته وشدة فطنته وذكائه”. وله حكايات غريبة، ذكر الصفدي طائفة منها، غير أن أعجبها، ما جرى له مع السلطان “غازان” المغولي ببغداد، وهو من أحفاد “هولاكو بن جنكيز خان” قال: لما دخل السلطان غازان، المذكور، سنة خمس وتسعين وستمائة، أُعْلِم بالشيخ زين الدين الآمدي المذكور فقال السلطان غازان لأصحابه: إذا جئت غدًا المدرسة المستنصرية أجتمع به، فلما أتى السلطان غازان المستنصرية، احتفل الناس به، واجتمع بالمدرسة أعيان بغداد وأكابرها من القضاة والعلماء والعظماء، وفيهم الشيخ زين الدين الآمدي لتلقي السلطان، فأمر غازان أكابر أمرائه أن يدخلوا المدرسة قبله واحدًا بعد واحد، ويسلم كل منهم على الشيخ، ويوهمه الذين معه، أنه هو السلطان – امتحانًا له – فجعل الناس كلما قدم أمير يعظمونه ويأتون به إلى الشيخ زين الدين؛ ليسلم عليه، والشيخ يرد السلام على كل من أتى به إليه، من غير تحرك له ولا احتفال به، حتى جاء السلطان غازان، في دون تقدمه من الأمراء في الحفل، وسلَّم على الشيخ وصافحه، فحين وضع يده في يده نهض له قائمًا وأعظم ملتقاه والاحتفال به، وأعظم الدعاء للسلطان باللسان المغولي، ثم بالتركي، ثم بالفارسي ثم بالرومي ثم بالعربي، ورفع به صوته إعلامًا للناس، وكان زين المذكور عارفًا بكثير من الألسن واللغات، فعجب السلطان غازان من فطنته، وذكائه وحدة ذهنه ومعرفته مع أنه ضرير بحاسته (بحدسه) الذي فطن من معرفته للسلطان. صَنَّف الآمدي جملة كتب في اللغة والفقه، وكان يتّجر بالكتب، أما قصة اكتشافه الكتابة البارزة الخاصة بالعميان فهي أنه كان يحرز كتبًا كثيرة جدًّا، وكان إذا طُلب منه كتاب، وكان يعلم أنه عنده، نهض إلى خزانة كتبه واستخرجه من بينها، كأنه قد وضعه لساعته، وإن كان الكتاب عدة مجلدات، وطُلب منه الأول مثلاً أو الثاني أو الثالث أو غير ذلك، أخرجه بعينه وأتى به، وكان يمس الكتاب أولاً، ثم يقول: يشتمل هذا الكتاب على كذا وكذا كراسة، فيكون الأمر كما قال، وإذا أمَرّ يده على الصفحة، قال عدد أسطر هذه الصفحة كذا وكذا سطرًا، وفيها بالقلم الغليظ كذا وهذا الموضع كُتب به في الوجهة – أي في الجانب – وفيها بالحمرة هذا، وهذه المواضع كتبت فيها بالحمرة، وإن اتفق أنها كُتبت بخطين أو ثلاثة، قال: اختلف الخط من هناك إلى هنا، من غير إخلال بشيء مما يُمتحن به. والأدهى من ذلك، أنه كان يعرف أثمان جميع كتبه التي اقتناها بالشراء، وذلك أنه كان إذا اشترى كتابًا بشيء معلوم، أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل منها فتيلة لطيفة – أي صغيرة – وصنعها حرفًا – أو أكثر – من حروف الهجاء، لعدد ثمن الكتاب بحساب الحروف، ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من داخل، ويلصق فوقه ورقة بقدره لتتأبّد فإذا شدّ الكتاب بيده يعرف ثمنه من تنبيت (بروزات) العدد الملصق فيه. وهذا الأسلوب هو بعينه الكتابة البارزة الخاصة بالعميان؛ وهو أمر يدل دلالة قاطعة على عناية أولئك الأقدمين بأمور يُظَنّ أنها من مبتكرات العصور الحديثة ومستنبطات المدنية الحاضرة. خالد عزب
__________________
|
#75
|
||||
|
||||
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
المسلمون والرياضيات نورالدين قلالة يتمتع علم الرياضيات بجاذبية خاصة وسحر أخّاذ وبريق مبهر فهو مادة إيقاظ الفكر وشحذ المواهب وبناء العقول ، أن مادة الرياضيات هي مادة البناء في أبحاث الفضاء والفلك والأجهزة الإلكترونية التي دخلت جميع مجالات الحياة وتغلغلت بها وانتقلت بالناس من عالم إلى عالم آخر . لاشك في أن لا شي يعادل الرياضيات فهي بتركيبها الدقيق غنية بصورة لا تضاهيها أي مادة في دقتها وقوة منطقها وشدة تناسقها، والنظرية المبرهنة رياضيا تكون بمثابة يقين عقلي مطلق بصرف النظر إذا كان منطبقا على الواقع أم غير منطبق .. الأهم أن يتسق البناء المنطقي مع نفسه. أما في العلوم الإخبارية والتجريبية فوسائلها الحواس والتصورات ومدى التناغم والصدق مع الواقع، لذا فإن علوم الفلك والفيزياء تتعرض للتصديق والتكذيب، فتبطل النظريات الجديدة القديمة والشواهد على ذلك في تاريخ العلوم تكاد لا تحصى مثل كيفية الإبصار وطبيعة الكهرباء وعلوم الفلك والتصورات حول الكون .. الخ. لهذه الأسباب سميت المبرهنة الرياضية للدلالة على يقينها، أما في العلوم التجريبية والإخبارية فالنظرية مجرد تصور لا يرقى لليقين المطلق الذي تحظى به المبرهنة الرياضاتية، لهذا السبب سميت الرياضيات بلقب “ملكة العلوم “وهذا يعني تماما أن مهمة تكوين العقل الناقد وتمليكه أدوات ومقاييس الحكم ومفاهيم الصح والخطأ المجردة – هي مهمة تتعلق مباشرة وبالضرورة بالمنطق الرياضياتي المجرد ولا تتعلق بالحساب أو بالرياضيات التطبيقية والفيزياء فكلها لا تعدو أمثلة، وذلك لا ينفي بأي حال أن التطور الذي حققه الإنسان هو ” ثمرة اتحاد الاستدلال الرياضي ( بشقيه الاستقرائي والاستنتاجي ) مع التجريب ( الفيزياء وعلوم الفلك بشكل خاص). وبالرغم من أن الرياضيات مادة مشوقة ، تميل النفس إلى دراستها والبحث فيها إلا أنها في كثير من الأحيان تكون حجر عثرة أمام الكثيرين منا . وذلك بسبب عدم استيعابنا لأصولها ونظريتها وقوانينها .ومما لاشك فيه أن هذا العجز عن الفهم لم يكن عيباً في ذات المادة ولكنه نابع من ذاتنا نحن !! تعريف علم الرياضيات عرّف علماء الرياضيات هذا العلم بعدة تعريفات هي على النحو التالي : عرّفه البعض بأنه علم تراكمي البنيان (المعرفة التالية تعتمد على معرفة سابقة) يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة وغير مباشرة ويتكون من أسس ومفاهيم – قواعد ونظريات – عمليات – حل مسائل (حل مشكلات) وبرهان يتعامل مع الأرقام والرموز ويعتبر رياضة للعقل البشري . حيث تتم المعرفة فيه وفقا لاقتناع منطقي للعقل يتم قبل أو بعد حفظ القاعدة ، ويقاس تمكن لدارس من علم الرياضيات بقدرته ونجاحه في حل المسالة ( المشكلة ) وتقديم البرهان المناسب وعرّفه البعض الآخر بأنها علم دراسة البنية، الفضاء، و التغير، و بشكل عام على أنها دراسة البنى المجردة باستخدام المنطق و التدوين الرياضي. و بشكل أكثر عمومية، تعرف الرياضيات على أنها دراسة الأعداد و أنماطها. والحقيقة أن البنى الرياضية التي يدرسها الرياضيون غالبا ما يعود أصلها إلى العلوم الطبيعية، و خاصة الفيزياء والفيزياء، ولكن الرياضيين يقومون بتعريف و دراسة بنى أخرى لأغراض رياضية بحتة، لان هذه البنى قد توفر تعميما لحقول أخرى من الرياضيات مثلا، أو أن تكون عاملا مساعدا في حسابات معينة، و أخيرا فان الرياضيين قد يدرسون حقولا معينة من الرياضيات لتحمسهم لها، معتبرين أن الرياضيات هي[فن و ليس علما تطبيقيا. كما عرفه آخرون بأنه علم تراكمي البنيان يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة وغير مباشرة، ويتكون من :أسس ومفاهيم – قواعد ونظريات – عمليات –حل مسائل (حل مشكلات ) وبرهان، ويتعامل مع الأرقام والرموز . ويعتبر رياضة للعقل البشري، حيث تتم المعرفة فيه وفقا لاقتناع منطقي للعقل، يتم قبل أو بعد حفظ القاعدة ويقاس تمكن الدارس من علم الرياضيات بقدرته ونجاحه في حل المسألة (المشكلة) وتقديم البرهان المناسب “. الرياضيات عند العرب والمسلمين كان للعلماء المسلمين اليد الطولى والفضل الأكبر في تطور العلوم الرئيسية وعلى رأسها الرياضيات بكل علومها المعقدة ومنها الجبر والهندسة والحساب والمقابلة وأقسام العدد والعددان المتحابان وخواص الأعداد والكسور والضرب والقسمة والمساحة للأشكال الهندسية وقوانين الأشكال الهندسية والجذور والإحصاء وغيرها من العلوم الرياضية المعقدة ، وكان علماء المسلمين من أهل الرياضيات أعلاما ، فحسبك الخوارزمي محمد بن موسى المتوفى بعد سنة 232 هـ . والذي يعود له الفضل الأساس في علوم الحاسبات الحديثة وباعتراف الغرب بأجمعه، وكلمة (Algorithm) تعني الخوارزمي، كما أنه يعتبر مؤسس علم الجبر الحديث وكلمة (Algebra) مشتقة من كتابه (الجبر والمقابلة). وهو باعتراف الغربيين أساس لكل العلوم الحاضرة فلا يكاد يخلو علم من العلوم المعقدة الحديثة إلا وفيه جبر الخوارزمي، إضافة إلى إبداعاته في نظام الأرقام والأعداد وعلم الحساب والمتواليات العددية والهندسية والتآلفية والمعادلات الجبرية والجذور واللوغارتمات والفلك والمثلثات والأرقام الهندية والطريقة البيانية لإيجاد الجذور، وله أكثر من 27 مؤلفا في مختلف العلوم أشهرها “الجبر والمقابلة” الذي نقله إلى اللاتينية روبرت أوفشستر “عن كتاب بغداد مدينة السلام” . القرآن الكريم والرياضيات لقد دعا الإسلام إلى الأخذ بجميع العلوم التي تخدم المجتمع و تطوّر من شأنه ومنها علم الرياضيات. يقول الله تعالى في كتبه العزيز:{إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر : 49). ويقول :” {أنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}(الرعد: 17)، ويقول:{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }(الرحمن : 5). كما جل جلاله {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}(الأنعام : 62). بل إنّ هناك آيتين في القرآن الكريم صرّحت بالدعوة إلى تعلّم الحساب. ففي سورة الإسراء يقول الله سبحانه وتعالى : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} (الإسراء:12). وفي سورة يونس يقول الحقّ تبارك وتعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}( يونس:5). ولمّا استتبّ أمر الدولة الإسلامية أخذ خلفائها ينشرون العلم وينشئون المكاتب وينقلون إليها كتب حكماء اليونان والرومان، فأخذ بها المسلمون وصحّحوا أخطائها وزادوا عليها من علومهم الشيء الكثير . وقد برع الكثير من علماء المسلمين في علم الرياضيات أمثال جابر ابن حيّان الذي يُنسب إليه علم الجبر وثابت ابن قُرّة وغيرهم الكثير وقد قام علماء العرب المسلمون بترجمة وحفظ أعمال قدامى الإغريق من علماء الرياضيات بالإضافة إلى إسهاماتهم المبتكرة. ففي خلافة أبي جعفر المنصور ترجمت بعض أعمال العالم السكندري القديم بطليموس القلوذي CLAUDIUS PTOLOMY ت. 17 م، ومن أهمها كتابه المعروف، باسم “المجسطي “. واسم هذا الكتاب في اليونانية ” (EMEGAL MATHEMATIKE ، ” أي الكتاب الأعظم في الحساب. والكتاب دائرة معارف في علم الفلك والرياضيات. وقد أفاد منه علماء المسلمين وصححوا بعض معلوماته وأضافوا إليه. وعن الهندية، ترجمت أعمال كثيرة مثل الكتاب الهندي المشهور في علم الفلك والرياضيات، سد هانتاSiddhanta أي “المعرفة والعلم والمذهـب “. وألف عالم الرياضيات العربي الخوارزمي كتابًا حوالي عام 210هـ، 825م، وصف فيه نظام العد اللفظي المطور في الهند. وقد استخدم هذا النظام العشري قيمًا للمنزلة وكذلك الصفر، وأصبح معروفًا بالنظام العددي الهندي ـ العربي كما ألف الخوارزمي كذلك كتابا قيما في الجبر بعنوان كتاب الجبر والمقابلة. قد تطورت العلوم الرياضية تطورا سريعا على أيدي علماء الإسلام الذين سجلوا ابتكارات رياضية مهمة في حقول الحساب والجبر والمثلثات والهندسة، وقد أثارت أعمالهم إعجاب ودهشة علماء الغرب ، وقد أشاد الكثيرون منهم بفضل علماء المسلمين والعرب ومآثرهم الرياضية ، فقد ذكر بعضهم في كاباته، إن “للعرب عناية خاصة بالعلوم الرياضية كلها فكان لهم القدح المعلى وأصبحوا أساتذة لنا في هذا المضمار بالحقيقة” . وقال روم لاندو “على أيدي العرب دون غيرهم عرفت الرياضيات ذلك التحول الذي مكنها آخر الأمر أن تصبح الأساس الذي قام عليه العالم الغربي الحديث ن فلولا الرياضيات كما طورها العرب كان خليقا بمكتشفات كوبرينكوس و وديكارت ولاينبز أن يتأخر ظهورها كثيرا” . أما هوبر فذكر أن “التقدم الوحيد في الرياضيات الذي ابتدأ في عصر بطليموس وحتى عصر النهضة كان من جهة العرب فقط . أما في أوروبا فكانت جميع فروع الرياضيات من الجمود الذي شلّ الفكر بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية” . الخوارزميات و فضل علماء المسلمين علماء الرياضيات المسلمين ينتمون إلى عدة مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، من بغداد والشام ومصر والمغرب والأندلس وبلاد المشرق. ولم يقتصر الأمر على الرجال فقط، بل أن المرأة المسلمة شاركت أيضا في الإنجازات العلمية الرياضية ، ومن هؤلاء النسوة عالمة الرياضيات العربية أمة الواحد ستيتة المحاملي البغدادية المتوفاة سنة 377 هـ. . ومن بين أشهر علماء الرياضيات المسلمين نذكر على سبيل المثال لا الحصر: ابن سينا: وهو أبو العلي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن على بن سينا، والمولود عام 980م في إحدى القرى بأوزبكستان المعروفة ببخارى سابقاً، حفظ القران وهو في العاشرة، ويعد من أشهر وأهم علماء الرياضيات المسلمين، وصل علمه وانجازاته إلى الرياضيات والطب والفلسفة وعلم النفس وكتب العديد من الكتب في الرياضة منها مختصر علم الهيئة ومختصر إقليدس ورسالة الزاوية. عمر الخيام: وهو عمر بن إبراهيم الخيام النيسابوري والمولود عام 1048م وعرف بالخيام لأنه عمل في مجال نسج وصناعة الخيام في الصغر، ومن العلوم التي تفوق فيها الرياضيات والفقه والفلك واللغة ، ومن خلال حبه لعلم الرياضيات أبدع في علم الجبر وبحث في المعادلات من الدرجة الرابعة والثالثة ويعد من علماء المسلمين الذين تفوقوا في الجبر بعد الخوارزمي، كما أبدع في الهندسة التحليلية وعلم كل من المقطعين السيني والصادي، وتطرق إلى دراسة نظريات إقليدس. الخوارزمي: وهو محمد بن موسى الخوارزمي والمولود عام 780م بخوارزم ولكن عاش في بغداد وفي عهد الخليفة المأمون عمل بدار الحكمة من 813-833م وهو الأمر الذي جعله يدرس العلوم الجغرافية والفلكية وتميز في علم الرياضيات، وبالأخص في الجبر والحساب واشتُهر بالعالم الغربي من خلال كتبه التي ترجمت إلى العديد من اللغات ومنها اللغة اللاتينية مثل كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة وكتاب الجبر والمقابلة وكتاب علم الحساب، وللكتاب الأخر أهمية في معرفة الصفر والأرقام الهندية وأوجد الخوارزمي النسب المثلثية وظل زوايا المثلث، وتم استخدام الخوارزميات في الحواسيب والرياضيات والتي تم ترجمتها للغة الإنجليزية وهو السبب في إطلاق اسم أبي الحاسوب عليه لما له من إسهامات في هذا العلم من خلال الخوارزميات، وجميع مؤلفاته له القدر والمكانة حتى اليوم ويتم تدريسها والاعتماد عليها كمراجع، وتوفى عام 850م. البيروني: وهو أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني العالم المسلم البيروني تميز في الفلسفة والرياضيات حيث الذكاء الحاد والنبوغ المتميز اللذان اعتمد عليهما في اكتشاف الأسلوب والطريقة لعمل الاحتمالات الرياضية، ومن أهم الكتب التي كتبها استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني الواقع فيها، والذي حدد فيه طول الوتر والجيب ال 18 درجة وكانت قيمتها 0.30915 وتوجد بجداول النسب المثلثية ب 0.3090، واستطاع البيروني وضع معادلة حساب نصف قطر الكرة الأرضية. الطوسي: هو نصر الدين الطوسي والمعروف بالعلامة لأنه أجاد العديد من اللغات التي لها الأهمية في دراسة العلوم المختلفة، اهتم بحساب المثلثات والهندسة والفلك والرياضيات وألف كتاب القطاعات، وكان هو الكتاب الأول الذي تخصص في حساب المثلثات وتم ترجمته إلى عدد من اللغات وتم الاستفادة منه في العالم. ويحتاج البشر لهذا العلم لما له أهمية في تنظيم المجتمع والمعاملات التجارية والعديد من المجالات، واليوم يعد علم الرياضيات من العلوم المتواجدة بالحياة اليومية نظراً لضرورياته وتوظيفه في كافة الأمور الخاصة بالبشر، ولا يمكن إغفال دور علماء الرياضيات المسلمين في تطور هذا العلم الهام من حيث تقديم النظريات والمؤلفات، وإلى اليوم يتم استخدام أعمالهم التي تطورت علم الرياضيات ويتم تطوريها حتى اليوم. وقد كان اهتمام المسلمين بهذا العلم واضحا وملحا، ففي العصر العباسي كلف الخليفة المأمون عالم الرياضيات الخوارزمي الاهتمام بعلم الرياضة من خلال وضع نظرية لحل المعادلات الصعبة، وهو ما جعل الخوارزمي يؤلف كتاب الجبر والمقابلة. وبدأ غيره من العلماء في دراسة الهندسة ومن خلالها تم استخراج جذور الكسور التربيعية والتكعيبة والضرب والحساب وتقسيم الأعداد ومضاعفاتها، وفي عام 1436م تم اكتشاف الكسر العشري من خلال استخدام الصفر والذي اكتشفه هو العالم الكاشي، واكتشف العلماء المسلمين العديد من النظريات التي أفادت العالم العربي والغربي على حد سواء. العرب والصفر(0) معلوم أن العرب هم الذين ابتكروا الرقم (صفر) وهذا بحد ذاته فتح الآفاق الواسعة أمام علم الأرقام والعدد والرياضيات ، كما وأن الأرقام العربية المستخدمة الآن هي بالأصل أرقام هندية ، بينما الأرقام الإنجليزية المستخدمة دوليا فهي أصلا الأرقام العربية التي اكتشفها المسلمون بناء على طريقة الزوايا، إذ يمثل كل رقم رسما توضيحيا يعتمد على زوايا تقابل ذلك الرقم ، فالعدد (1) يمثل زاوية واحدة ، والعدد (2) يمثل زاويتين ورسمه الأصلي يشبه الحرف Z إلا أنه حرّف إلى شكله الحالي ، والعدد (3) كذلك وهلمّ جرّا…إلى أن نصل إلى العدد تسعة وهو مكون من تسع زوايا كما هو مبين بالشكل أدناه لمواقع الزوايا لكل رقم غباري عربي، ولم يُستعمل نظام الزوايا بالنسبة للصفر بل استعملت الدائرة لأنها ليست رقما أو عددا وإنما هي مكونة من لا شيء، والقصد من استعمالها هو للدلالة على موقع الفراغ بالنسبة للأرقام ووضعها في الخانات الصحيحة ، لتفرق بين الخانة الآحادية والعشرية والمئوية…إلخ. لكن من الغريب أن الأوربيين لم يتمكنوا من استعمال هذه الأرقام إلا بعد انقضاء قرون عديدة من اطلاعهم عليها، أي أنه لم يعم استعمالها في أوروبا و العالم إلا في أواخر القرن السادس عشر . أوائل في التاريخ لقد تميز العرب والمسلمون في العديد من العلوم، خاصة في علم الرياضيات الذي حظي باهتمام ليس له نظير، وكانوا الأوائل في العديد من الاكتشافات في هذا المجال: أول من وضع علم الجبر واستعمل لفظ الجبر ووضع أصوله و قوانينه هو الخوارزمي اول من أضاف العدد صفر إلى مجموعة الأعداد لتكون الأعداد الطبيعية هو الخوارزمي. أول من توصل لحساب طول السنة الشمسية هو ابو الحسن ثابت بن قرة ولدعام 836 م أول من اخترع النسب المثلثية هو أبو جابر البتاني محمد بن سنان الحراني ولد ببتان850 م. أول من أدخل علامة الكسر العشري واكتشف الصفر هو جمشيد بن محمود بن مسعود الملقب بغياث الدين ولد بمدينة كاشان ولذلك يعرف بالكاشي. أول من بيّن طريقة إيجاد الجذر التكعيبي هو أبو الحسن علي بن أحمد النسوي. أوّل من استعمل الأسس السالبة هو العالم المسلم السموأل المغربي. أوّل من استخدم الجذر التربيعي هو العالم المسلم الرياضي الخوارزمي، وأوّل من استعمله للأغراض الحسابية هو العالم أبو الحسن علي بن محمد القلصادي الأندلسي الذي ولد عام 825 هجرية وتوفي سنة 891 هجرية وانتشرهذا الرمز في مختلف لغات العالم. علماء العرب المسلمون أبو عبد الله البتاني والزرقلي ونصير الدين الطوسي هم أول من قام بتطوير علم حساب المثلثات (الذي أسسه الفراعنة القدماء) ووضعوا له الأسس الحديثة له لجعله علما مستقلا بذاته. أوّل من استعمل الرموز أو المجاهيل في علم الرياضيات هم العرب المسلمون ،فاستعملوا (س) للمجهول الأول ، و للثاني و (ج) للمعادلات للجذر. أوّل رسالة عن علم الرياضيات طبعت في أوروبا كانت مأخوذة من جداول العالم المسلم أبي عبد الله البتاني ،وقد طبعت هذه الرسالة الأولى عام 1493م في اليونان.
__________________
|
#76
|
||||
|
||||
هل اهتم المسلمون بعلم الحياة؟
هل اهتم المسلمون بعلم الحياة؟ نورالدين قلالة لم يهتم المسلمون بعلوم الشريعة الإسلامية فحسب، وإنما كان لهم مساهمات عظيمة في شتى العلوم الأخرى، حيث اهتم المسلمون بعلم الحياة، وبرعوا فيه وسجلوا اكتشافات غير مسبوقة لم يصل إليها أحد. وكان لهم الفضل الأول في الكشف عن بعض الأمور التي كانت سببا في تقديم خدمات جليلة للإنسانية جمعاء. فكيف اهتم المسلمون بعلم الحياة؟ تكمن أهمية علم الأحياء في أنه ساعد في دراسة جسم الإنسان ودراسة النباتات والعمليات التي تقوم بها، حيث صنفت البيولوجيا الكائنات الحية وساعدت ذلك في دراسة وفهم خصائصها ومراحل تطورها وكيفية تطورها. وقد صب اهتمام علم الحياة في دراسة جميع الكائنات الحية الموجودة على الأرض من العصور القديمة إلى عصرنا الراهن، ويعتبر علم الأحياء فضيلة عظيمة في فهم الإنسان للبيئة المحيطة به، وأظهر له كيف ينبغي عليه المضي قدما في استخدام الموارد التي من خلالها لتحقيق المنفعة العظيمة لجميع الكائنات، مثل فك تشفير الطبيعة التي كانت لفترة طويلة غامضة وغامضة. ما هو علم الأحياء؟ يعرف علم الأحياء بانه علم طبيعي يُعنى بدراسة الحياة والكائنات الحية، بما في ذلك هياكلها ووظائفها ونموها وتطورها وتوزيعها وتصنيفها. والأحياء الحديثة هي ميدانٌ واسعٌ يتألف من العديد من الفروع والتخصصات الفرعيَّة، لكنها تتضمن بعض المفاهيم العامّة الموحدة التي تربط بين فروعها المُختلفة وتسير عليها جميع الدراسات والبحوث. يُنظر إلى الخلية في علم الأحياء عموماً باعتبارها وحدة الحياة الأساسية، والجين باعتباره وحدة التوريث الأساسية، والتطور باعتباره المُحرّك الذي يولد الأنواع الجديدة. ومن المفهوم أيضاً في علم الأحياء في الوقت الحاضر أنّ جميع الكائنات الحيّة تبقى على قيد الحياة عن طريق استهلاك وتحويل الطاقة، ومن خلال تنظيم البيئة الداخلية للحفاظ على حالةٍ مُستقرةٍ وحيويّة. ينقسم علم الأحياء إلى فروع حسب نطاق الكائنات الحيَّة التي تدرسها، وأنواع الكائنات الحيَّة المدروسة، والأساليب المُستخدمة في دراستها. فتدرس الكيمياء الحيوية العمليات الكيميائية المُتعلقة بالكائنات الحيَّة، ويدرس علم الأحياء الجزيئي التفاعلات المُعقدة التي تحصل بين الجُزيئات البيولوجية، ويُعنى علم النبات بدراسة حياة النباتات المُختلفة، ويدرس علم الأحياء الخلوي الخلية التي تُعدّ الوحدة البنائية الأساسية للحياة، ويدرس علم وظائف الأعضاء الوظائف الفيزيائية والكيميائية لأنسجة وأعضاء وأجهزة الكائن الحي، بينما يدرس علم الأحياء التطوري العمليات التي أدّت إلى تنوّع الحياة، ويُعنى علم البيئة بالبحث في كيفيّة تفاعل الكائنات الحيَّة مع بيئتها. المسلمون وعلم الأحياء أسهم العلماء المسلمون إسهامات مهمة في علم الأحياء، مثل الجاحظ، وأبو حنيفة الدينوري الذي كتب في علوم النباتات، وأبو بكر الرازي الذي كتب في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء. كما أولى المسلمون الطب اهتماماً خاصاً، فترجموا علوم اليونانيين وأضافوا إليها الكثير. أمّا إسهاماتهم في التاريخ الطبيعي فكانت مُعتمدةً بشكلٍ كبيرٍ على الفكر الأرسطي. وعلى الرغم من ظهور علم الأحياء بشكله الحالي حديثا نسبيا، إلا أن العلوم التي تتضمنها الأحياء أو تتعلق فيها كانت تُدرس منذ العصور القديمة. فقد كانت الفلسفة الطبيعية تُدرس في بلاد الرافدين ومصر وشبه القارة الهندية والصين. بيد أنّ أصول علوم الأحياء الحديثة ومنهجها في دراسة الطبيعة تعود إلى اليونان القديمة. فكان أبقراط بمثابة مؤسس علم الطب، بالإضافة إلى مساهمة أرسطو الكبيرة في تطوير علم الأحياء، حيث كان لكتبه التي أظهر فيها ميوله للطبيعة أهمية خاصة مثل كتاب “تاريخ الحيوانات”، تبع ذلك أعمال أكثر تجريبية ركّزت على السببية البيولوجية وتنوع الحياة. وكتب ثيوفراستوس بعد ذلك سلسلة من الكتب في علم النبات اعتُبرت الأهم من نوعها في هذا العلم في العصور القديمة حتى العصور الوسطى. أشهر علماء الحياة من العرب والمسلمين لعب العرب والمسلمون دورا كبيرا في تطوير علم الأحياء، حيث كانت مساهماتهم في علم الحياة مساهمات سجلها التاريخ لهم واستفادت منها الإنسانية حتى هذا الوقت، حيث أظهر علماء الأحياء العرب والمسلمون الكثير من الغموض الذي لم يكتشفه أحد من قبل. فهل اهتم المسلمون بعلم الحياة حقيقة؟ وكيف كان اهتمامهم؟ هناك العديد من هؤلاء العلماء الذين ساهموا في تطور وتكوين علم الأحياء ومن أشهرهم:
تميز علماء الأحياء المسلمون بالعديد من المميزات والخصائص التي تميزهم عن غيرهم من العلماء في هذا المجال:
ترك علماء الأحياء العرب والمسلمون بصمات دقيقة وواضحة في علم الأحياء، فقد كانوا مجموعة من العلماء لا يتوقف عن الحديث عنهم في عصور معينة. لكن الغريب في الأمر، لا أحد يتحدث عنهم وعن انجازاتهم واكتشافاتهم في العصر الراهن. على الرغم من أن إسهاماتهم التي قدموها أثبتت -بما لا يدع مجالا للشك- أن المسلمين قادرون على بلوغ مراحل لا يستطيع أحد أن يصل إليها. كان عالم الأحياء ابن سينا هو المكتشف الرئيسي للدودة المستديرة، قبل أن يكتشفها علماء الأحياء الغربيون، بينما كانت مساهمات ابن النفيس في العلوم الطبية غير عادية، حيث اكتشف دوران الأوعية الدقيقة، وغيرها الكثير. فيما قيل عن عالم الأحياء ابن البيطار: “إنه عالم نباتي حكيم طويل الأمد”. لكن- للأسف -كثيرا ما يحتفل التاريخ بإنجازات علماء الغرب العظيمة في شتّى العلوم والمعارف، ويتناسى العلماء العرب والمسلمون، فيذكر أرسطو و سقراط ونيوتين وماري كوري و جاليلي وأينشتاين..ولا يذكر ابن سينا وابن النفيس وابن البيطار والدميري والقزويني وابن رشد.. علماؤهم بلغ صيتهم كل الدنى والدروب، حتى أصبحوا مفخرة للشعوب بما فيهم نحن. نحن الذين رفعنا من قيمتهم ودعمناهم وأدخلناهم إلى كلياتنا وجامعاتنا ومناهجنا التعليمية. ونسينا أن تاريخنا العربي والإسلامي يزخر بأمثالهم من العلماء والمفكرين الذين قد يكونوا سبقوا هؤلاء العلماء بإنجازاتهم، وحتى أن بعض علماء الغرب قد استندوا في دراساتهم على أبحاث العلماء المسلمين.
__________________
|
#77
|
||||
|
||||
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
مصنفات وكتب الفنون الحربية في التراث فاطمة حافظ لم يقتصر نبوغ العرب في عصورهم الزاهية على علوم الشريعة واللغة وإنما امتد ليشمل كافة مجالات العلوم بما فيها العلوم العسكرية والحربية، وإذا كان جل المحققون نشروا جوانب مختلفة من التراث العلمي منذ بدايات حركة نشر التراث في القرن التاسع عشر إلا أن التراث العسكري ظل بعيدا عن الاهتمام على الرغم من وجود تراث عسكري أشارت إليه كتب الببليوغرافيا وتصانيف العلوم وتقسيمها، وفي السطور التالية أحاول الإشارة إلى طائفة من الفنون العسكرية التي ظهرت في السياق العربي الإسلامي، وإلى بعض التآليف التي صنفت فيها، وجل مادة هذا المقال مستخرجة من: (مفتاح السعادة) لطاشكبري زادة، (كشف الظنون) لحاجي خليفة باعتبارهما أهم ببليوغرافية إسلامية، كما أفدت من (هدية العارفين) للبغدادي حيث يضم التصانيف المتأخرة في هذا المجال. نبذة حول العلوم الحربية أشار كلا من طاشكبري زادة وحاجي خليفة إلى بعض العلوم التي ظهرت في المجال الحربي والعسكري، مثل علم الفروسية، وعلم الصناعات الحربية، وعلم البنود (الرماح)، وعلم الميادين الذي يدرس كيفية النزال، ولكنهما تحدثا بإسهاب عن أربعة علوم رئيسة وهي:
أما المصنفات المتخصصة فهي أكثر من أن تحصى وبعضها يندرج في إطار العلوم الأربعة السالفة وبعضها يخرج عنها، وسنفتتح أولا بالعلوم الأربعة ثم نعرج على بعض المصنفات الأخرى. المصنفات في علم الآلات الحربية
استنتاجات ختامية استخلاصا مما سبق يمكن القول أن التصنيف في الفنون الحربية والعسكرية شغل قسما لا بأس به من المكتبة التراثية، وأن الحاجة لا تزال ماسة إلى بذل الجهد للتعريف به وتحقيقه ونشره نشرا علميا، وأولى المؤلفات في هذا المجال تعود إلى بدايات القرن الثالث الهجري ومؤلفوها لم يكونوا من العسكريين فقد كتب بعض الفلاسفة كالفارابي وابن سينا عن قيادة الجيوش، وكذلك كتب نفر من الفقهاء عن الفروسية والخيل، ولكن تطورا نوعيا ملحوظا يمكن رصده ابتداء من العصر الأيوبي الذي شهد المواجهة مع الصليبيين، وفيه نجد أن عملية التصنيف في المجالات العسكرية انتقلت إلى أيدي القواد والمقاتلين وصارت أكثر تخصصية وتتناول موضوعات فنية دقيقة، وقد وضع عدد من المصنفات بأمر مباشر صلاح الدين الأيوبي، واستمر التطور في العصر المملوكي الذي شهد توسعا في حركة التصنيف حيث اشتهر بعض القادة بوضع مصنفات كثيرة، مثل: ابن منكلي وهو رئيس حرس السلطات الأشرف شعبان، وابن جماعة الذي عاصر عددا من السلاطين المماليك، وقد استمرت حركة التصنيف خلال العصر العثماني وهنالك عدد ضخم من المؤلفات كتبت باللغة العثمانية، وهي تشير إلى أن المسلمين عبر تاريخهم لم يهملوا شأن العلوم والصناعات الحربية وأولوها عنايتهم.
__________________
|
#78
|
||||
|
||||
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
علم الفلك في الحضارة الإسلامية د. عبد الحليم عويس كانت لدى المسلمين بواعث عملية ودينية للاهتمام بعلم الفلك؛ فاتساع الأرض الإسلامية، وصحراوية كثير منها، يحتاج لمعرفة النجوم والسير على هداها. كما أن تعيين أوقات الصلاة في كل بلد يستلزم معرفة الموقع الجغرافي طولاً وعرضًا، وموقع الشمس في فلكها، ويقتضي تحديد القبلة معرفة موقع البلاد، وكذلك يوجب تحديد صيام رمضان ونهايته معرفة طرق رؤية الهلال، في ظل الظروف التي قد لا تكفي العين المجردة للقيام بالأمر. معرفة المسلمين بعلم الفلك قبل العصر العباسي ظلت معرفة المسلمين بعلم الفلك في فترة صدر الإسلام والعصر الأموي معرفة متواضعة، تقتصر على ما يدرك بمجرد العيان، كما ذكر "نلّينو"، دون أن تتكئ على أسس علمية ثابتة، أو معرفة موسعة بعلوم الرياضيات، باستثناء ما تردد عن ترجمة كتاب في الفلك بعنوان "عرض مفتاح النجوم" لهرمس الحكيم، ترجم في ذي القعدة من سنة (125هـ/ 743م). ورُوي كذلك أن الوزير الفاطمي "أبا القاسم علي بن محمد الجرجاني" عثر في خزانة الكتب الفاطمية عام (435هـ/ 1044م) على كرة من نحاس من علم بطليموس مكتوب عليها "حُملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية" حفيد معاوية بن أبي سفيان، وهي رواية تؤكد ما تردد عن اهتمام الأمير خالد بالفلك وغيره من علوم الأوائل، وأنه أول من تُرجم له كتب الطب والنجوم والكيمياء. ويوشك الإجماع بين المصادر التاريخية أن ينعقد على أن نهضة الفلك في العصور العباسية بدأت على يد أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني، الذي شغف بالعلوم خاصة بالفلك، فكان يصطحب معه نوبخت الفارسي المنجم، فلما ضعف عن الخدمة أمر المنصور بإحضار ولده (أبي سهل بن نوبخت)؛ ليقوم مقامه. وسعى الخليفة أبو جعفر المنصور إلى إحياء علم الفلك مستعينًا في ذلك بطائفة من علماء الهند؛ ففي سنة (154هـ/ 770م) حضر إلى بغداد عالم هندي ذو دراية واسعة بعلم الفلك، مصطحبًا معه كتابًا في الفلك باللغة السنسكريتية يسمى "السِّدَّ هَنتا" أو "السِّد هانْتَ"، ألفه أحد علماء الفلك الهنود. وقد عُرف الكتاب بعد ترجمته إلى العربية بكتاب "السند هند"، ويشتمل على مقدمة وجيزة، مُرْفَق بها عدد من الجداول الفلكية في تحركات الأجرام السماوية، وطلوع ومغيب البروج، وقد حسبت هذه الحركات على أسس دورات زمنية تضم آلاف السنين. وإذا كان الفزاري قد استعمل في كتابه الأسس والمناهج الهندية في الحساب، ووضع جداول فكلية جديدة (زيج)، وحفظ لنا على العموم أصل المذهب الذي أطلق عليه في العلم العربي "مذهب السند هند"، فإنه أجرى فيه تعديلات وإضافات جوهرية، وقام بتحويل حساب التوقيت الهندي إلى سني العرب؛ أي إنه استبدل به حساب السنين القمرية المستعمل لدى المسلمين. وفي عهد المنصور ظهر كتاب (السند هند) الذي اختصره الخوارزمي وصنع منه زيجه الشهير في طول البلاد العربية وعرضها، وعول فيه على أوصاف (السند هند) وخالفه في التعاديل والميل، فجعل تعاديله على مذهب الفرس، وميل الشمس فيه على مذهب بطليموس، واخترع فيه من أنواع التقرب أبوابًا حسنة، استحسنه أهل ذلك الزمان وطاروا به في الآفاق... لكن كتاب المجسطي البطليموسي كان أكثر الكتب التي أفادت العرب فلكيًّا. وقد نقل أبو يحيى البطريق كتاب المقالات الأربع لبطليموس في صناعة أحكام النجوم، وهي ذيل على كتابه (المجسطي). كما نُقلت كتب أخرى أرسلها ملك الروم إلى المنصور بناء على طلبه، وقد صنع إبراهيم الفزاري أول مرصد عربي لرصد الأجرام السماوية، وهو المسمى الأسطرلاب. وفي أيام المأمون، أنشأ المأمون في بغداد (بيت الحكمة)، وألحق به مكتبة ضخمة، وبنى مرصدًا في بغداد وآخر في تدمر، وقد أشرف على ذلك فريق عمل على رأسهم علي بن عيسى الأسطرلابي، الذي وضع كتابًا هو الأول من نوعه في كيفية عمل الأسطرلاب، وفي عهد المأمون قام بنو موسى بأعمال فلكية مهمة، وكتبوا في ذلك. كما أنهم شجعوا العلماء وبذلوا لهم الكثير لترجمة الكتب، ومساعدتهم في أبحاثهم. ونذكر أيضًا أبا سعيد الضرير الذي ألف كتابًا عن طرق رسم خط الزوال، والعباس بن سعيد الجوهري الذي اشترك في مرصد بغداد... وهناك الخوارزمي النابغة في علوم عديدة إلى جانب الفلك، ويقال إنه اشترك مع فريق من العلماء في قياس محيط الأرض أيام المأمون، وله جداول فلكية سماها السند هند الصغير، كما ذكرنا من قبل. وهناك كوكبة من علماء الفلك الكبار عاشوا في مصر، منهم الصوفي، الذي رصد مواضع النجوم وقاس مقدار لمعانها وتوزيعها في مجموعات رسمها بدقة، والخجندي، والصاغاني، والسجزي، والنسوي... والكوهي الذي كان رئيس الفلكيين بمرصد السلطان شرف الدولة البويهي... وفي الأندلس نجد النابغة أبا إسحاق إبراهيم بن يحيى النقاش المعروف بالزرقلي، وهو خير من قام بالأرصاد الفلكية وصناعة الأسطرلاب وتحسينه، حتى سمى إنجازه بالصحيفة الزرقالية. المراصد وآلاتها في الحضارة الإسلامية مما يدل على الربط المحكم بين العلمي والعملي، والديني والدنيوي في حضارتنا، وجود هذه المجالات التطبيقية القائمة على الفكر، والتي تخدم الدين والدنيا معًا، في هذه الفترات المبكرة من بروز الحضارة الإسلامية. ومما لا شك فيه أن علم الفلك من هذه العلوم، فهو علم متصل بالرياضيات، ولا بد فيه من إعمال العقل بقوة، ومن عمق النظر إلى الكون، ومن استعمال أدوات تجعل لعمله قيمة، بل تجعل له نتائج ذات قيمة. وقد بدأ إنشاء المراصد في سنة 215هـ تقريبًا عندما أمر الخليفة المأمون العباسي بإنشاء عدد من المراصد، وبإجراء دراسة تقويمية مقارنة للمعلومات التي جاءت في كتاب المجسطي، سواء في صميم علم الفلك أم في المراصد والآلات المستخدمة فيها؛ مما يوجب عليهم رصد الكواكب واختبار حقيقة ما جاء فيها، ومن ثَمَّ أقيم المرصد المأموني بالشماسية بأعلى بغداد تحت إشراف الفلكي "سند بن علي"، وأحمد المروزي الشهير بحبش الحاسب. وقد عمل في هذا المرصد عدد من مشاهير الفلكيين، منهم: يحيى بن أبي منصور كبير منجمي المأمون، والعباس بن سعيد الجوهري، وخالد بن عبد الملك، وأبناء موسى بن شاكر، وثابت بن قرة. وفي الوقت نفسه أمر المأمون بإنشاء مرصد في دمشق على جبل قاسيون، فأنجز وبوشر العمل فيه في السنة نفسها. ثم أقيمت بعد المأمون مراصد أخرى، منها مرصد أبناء موسى بن شاكر محمد والحسن وأحمد، وكانوا من المتقدمين في علوم الفلك والرياضيات الذي أقاموه قريبًا من الجسر ببغداد، كما أقيم مرصد بالرقة عرف بمرصد البتاني؛ لطيلة عمل محمد بن جابر البتاني فيه، ومرصد آخر في أنطاكية عمل فيه البتاني بعض الوقت. ومعروف أن أعمال الرصد تحتاج إلى آلات وعدد مختلفة لرصد الكواكب والأفلاك، وقد جهزت المراصد منذ عهد المأمون بالعدد والأجهزة المطلوبة، ولا سيما أن آلات الرصد المتوارثة عند الإغريق كانت بدائية بسيطة لا تفي بالمطالب العلمية للمسلمين المتطلعين إلى تطوير علم الفلك وتحسين أدواته ووسائله؛ ولذا اجتهد العلماء المسلمون في تطوير الآلات القديمة من ناحية، وفي اختراع آلات جديدة تعاونهم على النهوض برسالتهم من ناحية أخرى. يقول دونالد ر.هيل: "وقد أجرى المسلمون تحسينات على هذه الآلات، فأضافوا مقاييس جديدة، وابتكروا نسخًا معدلة، وأنشئوا آلات أكبر". والأسطرلاب أو أصطرلاب (أسطر لابون = أسطر: النجم، لابون: المرآة) كلمة يونانية قيل إنها لعلم قياس ارتفاع النجوم فوق الأفق، أو ما عرف بعلم النجوم (أسطرنوميا) "Esternomia"، وكان الفزاري أول من عمل الأسطرلاب في الإسلام في القرن الثاني للهجرة (القرن الثامن الميلادي)، وكتب الفزاري عنه، فتعرفنا من خلال ذلك إلى طريقة صناعته له، فكان هناك الأسطرلاب ذو الحلقة، والأسطرلاب المسطح الذي يعد أقدم الأنواع وأكثرها شيوعًا. وقد ألف في الأسطرلاب العديد من علماء الفلك العرب، مجددين ومضيفين، منهم: عمر بن عبد الرحمن الصوفي، وأبو الريحان البيروني... وغيرهم. ويستعمل الأسطرلاب في معرفة أوقات الصلاة، وتعيين اتجاه القبلة، وتعيين المواقع لقياس مساحة الأرض، ولاستخراج عمق الآبار. وهو في الأساس لاستخراج ارتفاع النجوم، أو معرفة محيط الكرة الأرضية، ومعرفة درجات الطول والعرض، وحساب الشهور والتواريخ؛ وقد يقوم الأسطرلاب بأعمال فلكية تعد بالمئات. أشهر أعلام الفلك في الحضارة الإسلامية من الصعب حصر أعلام الفلك وأشهر الفلكيين في الحضارة الإسلامية، بيد أننا نؤكد أن الفلك كان من أهم العلوم التي اهتم بها المسلمون والعرب، بل نستطيع القول إنه كان علمًا شائعًا، في كل الحواضر والبلاد؛ بحيث يصبح من الصعب أن نحصر علماء الفلك في بلد واحد من بلاد الحضارة الإسلامية، أو لدى جنس واحد من أجناس هذه الحضارة، عربًا أو تركًا أو فرسًا (وكلهم متعربون)، أو في لغة واحدة من لغات الحضارة الإسلامية كالعربية أو الأردية أو الفارسية أو التركية، وكلها ذات صلة بالعربية القرآنية (لغة الإسلام الأم). ونتيجة لهذه الصعوبة في حصر العلماء المشتغلين بالفلك وإعطاء هذه الصفحة المشرقة حقها في الحضارة الإسلامية نحيل الدارسين إلى الكتب المتخصصة في علم الفلك عند المسلمين، وإلى كتب أعلام الفلك أنفسهم، كما أن هذه الصعوبة تفرض علينا أن نقدم أبرز هؤلاء الأعلام بصفة عامة، فمن أبرزهم -عدا من ذكرنا في ثنايا الصفحات السابقة- ابن الهيثم وابن يونس، وابن الدمي، وابن برغوث، وابن عراق، وأبو جعفر الخازن الخراساني، وإسماعيل بن مصطفى، وأولغ بك، والجوهري، والدينوري، والشلي، والصاغاني، والطرابلسي، والفرغاني، وقاضي زاده الرومي، وقطب الدين الشيرازي، والكندي، والكوهي، والمجريطي (نسبة إلى مجريط- مدريد)، والبيروني (ت 440هـ) العلامة المعروف صاحب الآثار الباقية، وتحقيق ما للهند من مقولة، وله مؤلفات في الفلك نقل بعضها إلى الفرنسية وغيرها، وله نظرية فلكية سماها علماء أوربا: (قاعدة البيروني)... والبوزجاني (ت 376هـ) له ثمانية مؤلفات في الفلك، نقلها المستشرقون إلى بعض اللغات، ومنها الفرنسية، وقاموا بدراستها وتحليلها. وأخيرًا فإن فضل المسلمين في علم الفلك على العالم يتلخص في: 1- نقل المسلمين للكتب الفلكية القديمة عند اليونان والفرس والروم والسريان، وتصحيح بعض أغلاطها والتوسع فيها، لا سيما أن أصول تلك الكتب ضاعت ولم يبق منها غير ترجماتها في العربية، وهذا ما جعل الأوربيين يأخذون العلم عن المسلمين، فكانوا -أي المسلمون- بذلك أساتذة العالم فيه. 2- إضافاتهم المهمة واكتشافاتهم الجليلة التي تقدمت بعلم الفلك شوطًا بعيدًا. 3- جعلهم علم الفلك استقرائيًّا، وعدم وقوفهم فيه عند حد النظريات، كما فعل اليونان. 4- تطهير علم الفلك من أدران التنجيم. ـــــــــــــــــ
__________________
|
#79
|
||||
|
||||
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
صناعة الساعات عند المسلمين جميل حسين الأحمد اهتم المسلمون بالساعات لأجل تحديد أوقات الصلاة والأعمال الفلكية وغيرها منذ بداية الدولة الإسلامية فقد ذكر الجاحظ أن حكام المسلمين وعلماءهم كانوا يستعملون بالنهار الإسطرلاب وبالليل البنكامات (مصطلح فارسي معناه الساعات) وهي الساعة المائية الدقاقة وكان هناك نوعان منها نوع كبير الحجم وتملأ معداته غرفة كبيرة والآخر صغير قابل للنقل ويسمى صندوق الساعات ومثال ذلك الساعة التي أهداها هارون الرشيد إلى شارلمان ملك فرنسا (742-814م) وهي ساعة مائية دقاقة صنعت من الجلد والنحاس الأصفر المنقوش وكانت تدل على الوقت بفرسان من المعدن يفتحون كل ساعة بابًا يسقط منه العدد المطلوب من الكرات على صنجة ثم ينسحبون ويغلقون الباب وقد أثارت هذه الساعة دهشة بلاط شارلمان وظنوا أن بها عفاريت يقومون بتحريك أجزائها وجعلها تدق في الوقت المناسب مما يدل على أن العرب كانوا على جانب كبير من المهارة الآلية الفنية وأن الأوروبيين كانوا على جانب كبير من الجهل والتخلف في ذلك الوقت ووصف الغزالي هذه الساعات بقوله «فيه آلة على شكل أسطوانة تحوي قدرًا معلومًا من الماء وآلة أخرى مجوفة موضوعة في هذه الأسطوانة فوق الماء, وخيط مشدود أحد طرفيه في هذه الآلة المجوف وطرفه الآخر في أسفل ظرف صغير موضوع فوق الآلة المجوفة وفيه كرة وتحته طاس بحيث لو سقطت الكرة وقعت في الطاس وسمع طنينها ثم ثقب أسفل الآلة الأسطوانية ثقبًا بقدر معلوم ينـزل الماء فيه قليلًا قليلًا فإذا انخفض الماء انخفضت الآلة المجوفة الموضوعة على وجه الماء فامتد الخيط المشدود بها فحرك الظرف الذي فيه الكرة تحريكًا يقربه من الانتكاس إلى أن ينتكس فتتدحرج منه الكرة وتقع في الطاس وتطن وعند انقضاء كل ساعة تقع واحدة وإنما يتقدر الفصل بين الوقتين بتقدير خروج الماء وانخفاضه وذلك بتقدير سعة الثقب الذي يخرج منه الماء».شاع استخدام الساعات المائية الدقاقة في كل أنحاء الدولة الإسلامية وكانت من عجائب الدنيا في ذلك الوقت وكانت مقصد الزوار والرحالة وقد وصف ابن جبير ساعة باب جيرون وهو الباب الثاني للمسجد الأموي بدمشق والذي سمي «باب الساعات» فقال: «وعن يمين الخارج من باب جيرون في جدار البلاط الذي أمامه غرفة ولها هيئة طارق كبير مستدير فيه طيقان (أقواس) صفر (نحاس) فقد فتحت أبوابًا صغارًا على عدد ساعات النهار ودبرت تدبيرًا هندسيًا فعند انقضاء ساعة من النهار تسقط صنجتان (كرتان) من صفر (نحاس) من فمي بازيين مصورين من صِفْر قائمين على طاستين من صِفْر تحت كل واحد منهما: إحداهما تحت أول باب من تلك الأبواب والثاني تحت آخرها والطاستان مثقوبتان فعند وقوع البندقتين (الكرتين) فيهما تعودان داخل الجدار إلى الغرفة وتبصر البازيين يمدان أعناقهما بالبندقتين في الطاستين ويقذفانهما بسرعة بتدبير عجيب تتخيله الأوهام سحرًا وعند وقوع البندقتين في الطاستين يسمع لها دوي وينغلق الباب الذي هو لتلك الساعة للحين بلوح من الصفر لا يزال كذلك عند كل انقضاء ساعة من النهار حتى تنغلق الأبواب كلها وتنقضي الساعات ثم تعود إلى حالها الأول ولها بالليل تدبيرًا آخر وذلك أن في القوس المنعطف على تلك الطيقان المذكورة اثنتي عشرة دائرة من النحاس مخرمة وتعترض في كل دائرة زجاجة من داخل الجدار في الغرفة، مدبر ذلك كله منها خلف الطيقان المذكورة وخلف الزجاجة مصباح يدور به الماء على ترتيب مقدار الساعة فإذا انقضت عم الزجاجة ضوء المصباح وفاض على الدائرة أمامها شعاعها فلاحت للأبصار دائرة محمرة ثم انتقل ذلك إلى الأخرى حتى تنقضي ساعات الليل وتحمر الدوائر كلها وقد وكل بها في الغرفة متفقد لحالها درب بشأنها وانتقالها يعيد فتح الأبواب وصرف الصنج إلى موضعها وهي التي يسميها الناس المنجانة أي الساعة. الجدير بالذكر أن هذه الساعة من صنع رضوان بن محمد الساعاتي المتوفى سنة (617 هـ) وقد تعرضت لحريق سنة (618 هـ) وقد جددت بعد ذلك وحينما زار دمشق الرحالة ابن بطوطة سنة (726 هـ) وصف ساعات كانت على الباب الشرقي للجامع الأموي وقد اختلف وصف ابن بطوطة لتلك الساعات عن الوصف الذي ذكره ابن جبير فقال ابن بطوطة: وعن يمين الخارج من باب جيرون وهو باب الساعات غرفة لها هيئة طاق كبير فيه طيقان صغار مفتحة لها أبواب على عدد ساعات النهار والأبواب مصبوغ باطنها بالخضرة وظاهرها بالصفرة فإذا ذهبت ساعة من النهار انقلب الباطن الأخضر ظاهرًا والظاهر الأصفر باطنًا ويقال إن بداخل الغرفة من يتولى قلبها بيده عند مشي الساعات. ومن بين العلماء العرب الذين اهتموا بدارسة الساعات والمسائل العلمية المتعلقة بعلم السوائل والآلات الميكانيكية ابن الرزاز الجزري الذي ذاع صيته في القرن السادس الهجري وكان معاصرا لرضوان بن محمد الخراساني وصنع الجزري ساعة أثبتها في أول كتابه الجامع «بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل» ثم ذكر كيفية صنعها هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الذين صنعوا ساعات في بغداد وديار بكر ومالطة ومصر وتونس والرباط وغيرها وقد صنع ساعة فاس السلطان أبوعنان الديني في سنة (758 هـ) وكانت هذه الساعة تسقط أوتوماتيكيًا كل ساعة زمنية صنجة من النحاس في كأس من النحاس أيضًا وفي نفس الوقت ينفتح الطاق الدال على الساعة الزمنية. ومازالت بقايا هذه الساعة ماثلة في مدينة فاس في المغرب ويقصدها السائحون من أنحاء الدنيا ولا غرو فقد كانت من أعاجيب الزمان في عصرها وتمثل قمة التقدم التكنولوجي في القرن الرابع عشر الميلادي. وقد طور تكنولوجيا الساعات علي بن إبراهيم المعروف بابن الشاطر (777 هـ / 1375 م ) فأخرجها من دائرة الماء إلى دائرة الميكانيكا ومن دائرة الخشب إلى دائرة المعدن وصنع ساعة صغيرة لا تزيد عن (30 سم) بعد أن كانت تبلغ عدة أمتار وأدخل فيها الآلات المعدنية واستغنى عن الماء وآلاته الخشبية الكبيرة. ونقل الفلكي والرياضي المصري علي بن عبدالرحمن يونس (399 هـ/ 1009 م) تكنولوجيا الساعات نقلة نوعية وذلك باختراعه البندول (رقاص الساعة) وكان يستعمل لحساب الفترات الزمنية أثناء الرصد كما استعمل في الساعات الدقاقة وسبق العربُ بهذا الاختراع جاليليو الإيطالي (1564 – 1642 م ) بستة قرون وكانت لدى العرب فكرة عن قانون البندول الذي استنبطه جاليليو بعد تجارب عملية وأثبت من خلالها أن مدة ذبذبة الرقاص (البندول) تتوقف على طول الرقاص وقيمة عجلة التثاقل وساعد هذا القانون على توسيع مجال استعمال الرقاص. وظل العرب يحسنِّون الساعات ويختصرون حجمها ويزيدون في دقتها حتى جعلوها ساعة حائط لا يزيد حجمها عن نصف ذراع بعد أن كانت آلات الساعة المائية غير المتنقلة تحتاج إلى غرفة لا تقل مساحتها عن 14×14 مترا مثل ساعة باب جيرون بالمسجد الأموي (وتعرف أيضًا بساعة الوزير الساعاتي نسبة إلى صانعها وهو رضوان بن محمد الساعاتي الخراساني الدمشقي (617 هـ / 1220 م) أحد وزراء دمشق أيام الملك عيسى بن الملك العادل). ثم أخذ الأوروبيون تكنولوجيا الساعات عن العرب وأخذوا يدخلون عليها التحسينات حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. هارون الرشيد أهدى ملك فرنسا ساعة مائية دقاقة وظن بلاط الملك أن بها عفاريت يحركون أجزاءها! كاتب صحافي المراجع - رضوان بن محمد الساعاتي: مقدمة في علم الساعات والعمل بها – تحقيق محمد أحمد دهمان مكتبة الدراسات الإسلامية , دمشق 1981. - رحلة ابن بطوطة – دار التراث – بيروت 1968. - رحلة ابن جبير – دار مكتبة الهلال – بيروت 1986. - كتاب الحيوان لأبي عثمان عمر بن بحر الجاحظ – شرح عبدالسلام محمد هارون – مكتبة الحلبي. - وتاريخ العلوم والتكنولوجيا – د.مصطفى محمود سليمان – الهيئة العامة للكتاب 2006.
__________________
|
#80
|
||||
|
||||
رد: من مشاهير علماء المسلمين ..
جابر بن حيان..أبو الكيمياء نورالدين قلالة يعتبر العالم العربي الإسلامي الكبير جابر بن حيان من أعظم علماء العصر الذهبي للإسلام وأحد أهم العلماء العرب، ويعد رائد الكيمياء العربية وأول من قام بعمل مركبات ماء الذهب وحمض النتريك وأول عالم كيميائي يقوم باكتشاف حمض الكبريتيك كما قام بتطوير مجموعة من العمليات الكيميائية مثل التبلور والانصهار والتبخير، وهو من اخترع الورق غير القابل للاحتراق والطلاء الذي يمنع الحديد من الصدأ. عاش جابر بن حيان في القرن الثامن الميلادي، في الوقت الذي تجمدت فيه العلوم في أوروبا، حيث طور طرقا عملية لفحص افتراضاته وخلق تفاعلات كيميائية معقدة. وقد أتاحت وفرة الأموال والغِنى في هذه الحقبة من الزّمن المجال للكثير من الأبحاث والاكتشافات اللافتة بينما كانت أوروبا غارقة في سبات القرون الوسطى العميق. تم ترجمة العديد مؤلفات جابر بن حيان إلى عدة لغات خاصة اللاتينية، وذُيلَت هذه التّرجمات باسم (جبر (geber الأمر الذي أتاح المجال للعلماء الأوروبيين قراءتها والاعتماد على الاستنتاجات التي توصل إليها. وما زالت المصطلحات الكيميائية الّتي أوجدها واستخدمها في كتاباته، كالحمض والقاعدة، تستخدم حتى اليوم. وهناك من يقول أنه أول من وضع لبِنات الأساس في علم الكيمياء بفضل البروتوكولات والمؤلفات التي خلفها، ذلك على الرغم من تطور علم الكيمياء في أوروبا بعد وفاته. جابر بن حيان: التجربة كمال العلم و كعادة العلماء في ذلك العصر، يعتبر جابر بن حيان عالم في الفلسفة والطبيعة والأدب والفلك والكيمياء..وعلى الرغم من أنه اهتم بمجالات كثيرة، إلا أن الأثر الرئيسي لأعماله كان في “الكيمياء” من خلال آلاف الكتابات والكتب الّتي تركها بعد موته، فهو مؤسس علم الكيمياء التجريبي، حيث تمكن من استنتاج مجموعة المعلومات ووضع العديد من النظريات حول الكيمياء، وذلك عن طريق التجارب والقراءة التي ساعدته على الوصول إلى العديد من الاكتشافات في مجال الكيمياء، وكان يقول: “إن دراسة العلوم الطبيعية أساسها التجربة، وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب لأن من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان فبالتجربة كمال العلم”. وفيما امتازت أعمال جابر بن حيان بالتجارب والاختبارات، تمحور اهتمام الباحثين الآخرين في الكيمياء في عصره حول النظريات والمعتقدات والأساطير. فقد اتخذ ابن حيان منهجا عمليا مميزا لإيجاد طرق للتّعامل مع المواد وتصنيعها. ونجح إلى جانب دراساته الكثيرة، في تصنيع أحماض مختلفة لأول مرة في التاريخ مثل حمض كلوريد الهيدروجين وحمض النيتريك وحمض السّتريك. كم أن صبغ الملابس وإعاقة صدأ الفلزات كانت عمليات أخرى ضمن النهج العملي الذي قاد نظريات “الكيمياء” نحو متطلَّبات الحياة اليوميّة. لكنه استخدم في بعضٍ من كتاباته لغة مشفرة يفهمها تلاميذه المقربون فقط، الأمر الذي جعل البعض يعتقد أن كتبه تجمع في طيّاتها أمورا بعيدة عن المنطق ليس إلا. كان جابر بن حيان باحثا مهما مرموقا قربه الخليفة العباسيّ هارون الرّشيد إليه وجعله “كيميائيّ” البلاط، كما كان طبيبا لوزراء الدولة العباسية. من هو جابر بن حيان؟ هو أبو عبد الله جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي (101 هـ/721 م – 199 هـ/815 م) أبو الكيمياء. عالم يمني الأصل ولد على أشهر الروايات في سنة101 هـ/721 م [1] وقيل أيضاً 117 هـ / 737 م وقد اختلفت الروايات على تحديد مكان مولده فمن المؤرخين من يقول بأنه من مواليد الكوفة على الفرات، ومنهم من يقول أن أصله من مدينة حران من أعمال بلاد ما بين النهرين ويوجد حتى من يقول أن أصله يونانياً أو أسبانياً. ولعل هذا الانتساب ناتج عن تشابه في الأسماء فجابر المنسوب إلى الأندلس هو عالم فلكي عربي ولد في إشبيلية وعاش في القرن الثاني عشر الميلادي. ولكن معظم المصادر تشير إلى أنه ولد في مدينة طوس من أعمال خراسان. هاجر والده حيان بن عبد الله الأزدي من اليمن إلى الكوفة في أواخر عصر بني أمية، وعمل في الكوفة صيدليا وبقي يمارس هذه المهنة مدة طويلة (ولعل مهنة والده كانت سبباً في بداياته في الكيمياء وذلك لارتباط العلمين) وعندما ظهرت دعوة العباسيين ساندهم حيان، فأرسلوه إلى خراسان لنشر دعوتهم، وهناك ولد النابغة جابر بن حيان المؤسس الحقيقي لعلم الكيمياء. وعندها شعر الأمويون خطر نشاط حيان بن عبد الله الأزدي في بلاد فارس فألقوا القبض عليه وقتلوه. ولهذا اضطرت عائلة حيان الأزدي أن تعود إلى قبيلة الأزد في اليمن. وهناك ترعرع جابر بن حيان الأزدي. وعندما سيطر العباسيين على الموقف سنة 132 هـ في الكوفة واستتب الأمن، رجعت عائلته إلى الكوفة. وتعلم هناك ثم اتصل بالعباسيين وقد أكرموه اعترافاً بفضل أبيه عليهم وكان أيضاً صاحب البرامكة. تعلم جابر بن حيان من أستاذه حربي الحميري وتعلم اللغة اليمنية القديمة (الحميرية):ويعد حربي الحميري من أهم معلميه. نشأته وتعليمه حينما استقر جابر بن حيان في الكوفة بعد عودة عائلته من اليمن، انضم إلى حلقات الإمام جعفر الصادق ولذا نجد أن جابر بن حيان تلقى علومه الشرعية و اللغوية على يد الإمام جعفر الصادق. وذكر أنه درس أيضا العلوم الكيميائية والمعدن والرياضيات على يد العالم اليمني حربي الحميري عندما كان جابر بن حيان في اليمن. ومعظم مؤرخي العلوم يعتبرون جابر بن حيان تلقى علومه من مصدرين: الأول من أستاذه الحقيقي الإمام جعفر الصادق، والثاني من مؤلفات ومصنفات خالد بن يزيد بن معاوية. فعن طريق هذه المصادر تلقى علومه ونبغ في مجال الكيمياء وأصبح بحق أبو الكيمياء فقد وضع الأسس لبداية للكيمياء الحديثة. الكيمياء في عصر جابر بن حيان بدأت الكيمياء خرافية تستند على الأساطير البالية، حيث سيطرت فكرة تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة وذلك لأن العلماء في الحضارات ما قبل الحضارة الإسلامية كانوا يعتقدون المعادن المنطرقة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير من نوع واحد، وأن تباينها نابع من الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة الكامنة فيها وهي أعراض متغيرة (نسبة إلى نظرية العناصر الأربعة، النار والهواء والماء والتراب)، لذا يمكن تحويل هذه المعادن من بعضها البعض بواسطة مادة ثالثة وهي الإكسير. ومن هذا المنطلق تخيل بعض علماء الحضارات السابقة للحضارة الإسلامية أنه بالإمكان ابتكار إكسير الحياة أو حجر الحكمة الذي يزيل علل الحياة ويطيل العمر. وقد تأثر بعض العلماء العرب و المسلمين الأوائل كجابر بن حيان وأبو بكر الرازي بنظرية العناصر الأربعة التي ورثها علماء العرب والمسلمين من اليونان. لكنهما قاما بدراسة علمية دقيقة لها، أدت هذه الدراسة إلى وضع وتطبيق المنهج العلمي التجريبي في حقل العلوم التجريبية. فمحاولة معرفة مدى صحة نظرية العناصر الأربعة ساعدت علماء العرب والمسلمين في الوقوف على عدد كبير جداً من المواد الكيماوية، وكذلك معرفة بعض التفاعلات الكيماوية، لذا يرجع الفضل إلى علماء المسلمين في تطوير اكتشاف بعض العمليات الكيميائية البسيطة مثل: التقطير والتسامي والترشيح والتبلور والملغمة والتكسيد. وبهذه العمليات البسيطة استطاع جهابذة العلم في مجال علم الكيمياء اختراع آلات متنوعة للتجارب العلمية التي قادت علماء العصر الحديث إلى غزو الفضاء. بعض اكتشافات واختراعات جابر بن حيان هذه قائمة بسيطة وموجزة حول بعض منجزات واكتشافات جابر بن حيان في علوم الكيمياء:
يدرك الكثير من العلماء في العالم أن جابر بن حيان هو الذي وضع الأسس العلمية للكيمياء الحديثة والمعاصرة، وشهد بذلك كثير من علماء الغرب .
وقال عنه أبو بكر الرازي في “سر الأسرار”: إن جابرًا من أعلام العرب العباقرة وأوَّل رائدٍ للكيمياء”، وكان يشير إليه باستمرار بقوله: “الأستاذ جابر بن حيان”. أما ابن النديم فتحدث عن جابر بن حيان في مؤلفاته في “الفهرست” وذكر نبذة عنه، فيما وصفه أنور الرفاعي في كتابه “تاريخ العلوم في الإسلام” بأنه: “أشتهر بإيمانه وورعه، وكذلك بتصوفه”. جابر بن حيان سر القنبلة الذريّة قبل ألف عام رأى بعض العلماء أن جابر بن حيان مهَّد لاختراع القنبلة الذريّة حيث أنه أول من أشار إلى قوة الربط الذرية التي بني على أساسها عملية تفجير طاقة الذرة، بل أنه قال بالنص: “في قلب كل ذرة قوة لو أمكن تحريرها لأحرقت بغداد“. كما قال “إن أصغر جزء من المادة وهو الجزء الذي لا يتجزأ (الذرة) يحتوي على طاقة كثيفة. وليس من الصحيح أنه لا يتجزأ مثلما ادعى علماء اليونان القدامى، بل يمكن أن يتجزأ، وأن هذه الطاقة التي تنطلق من عملية التجزُّؤ هذه، يمكن أن تقلب مدينة بغداد عاليها سافلها. وهذه علامة من علامات قدرة الله تعالى”. ومعروف عن جابر بن حيان أنه قد عمد إلى التجربة في بحوثه ، وآمن بها إيمانا عميقا . وكان يوصي تلاميذه بقوله :”وأول واجب أن تعمل وتجري التجارب، لأن من لايعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان. فعليك يابني بالتجربة لتصل إلى المعرفة”. وعلى الرغم من ذلك، بعد القرن العاشر الميلادي شكك بعض العلماء بنسبة بعض المؤلفات لجابر بن حيان. وقد شكك عالم الكيمياء الفرنسي مارسيلان بيرتيلو في صحة عائدية بعض الكتب إلى جابر بن حيان. وقد ذكر ابن تيمية “وأما ا جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيماوية فمجهول لا يعرف وليس له ذكر بين أهل العلم ولا بين أهل الدين”. ولكن كلام ابن تيمية هذا، يأتي في سياق الجهل بحال ابن حيان من ناحية الجرح والتعديل عند علماء الشريعة المختصين بعلم الرجال، وليس من ناحية إنكار وجوده. مؤلفات جابر بن حان..ما يقارب 500 كتاب جاء في “الأعلام” للزركلي أن جابر بن حيان له تصانيف كثيرة تتراوح ما بين مائتين واثنين وثلاثين وخمسمائة كتاب، لكن ضاع أكثرها. وقد ترجمت بعض كتب جابر إلى اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، كما ترجم بعضها من اللاتينية إلى الإنجليزية عام 1678م ، وفي سنة 1928م أعاد هوليارد صياغتها، وقدم لها بمقدمة وافية، وظل الأوربيون يعتمدون على كتبه لعدة قرون . من أهم هذه الكتب :
عندما أحس جابر ابن حيان أن موعده قد حان، قام وتوضأ وصلى الفجر، وهو في السجدة الأخيرة رفعت روحه إلى الله تعالى، فتوفي رحمه الله حوالي ومشى في جنازته الخليفة المأمون ابن الخليفة هارون الرشيد وتلميذه ومجموعة كبيرة من العلماء. وقد توفي جابر بن حيان وهو في الخامسة والتسعين من عمره- في مدينة الكوفة بالعراق، بعدما فر إليها من العباسيين بعد نكبة البرامكة وذلك سنـة 197هـ (813م ) وقيل أيضا 195 هـ/810 م.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |