{من يتخذ من دون الله أندادا} - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215427 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61209 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29185 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-11-2022, 05:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي {من يتخذ من دون الله أندادا}

{من يتخذ من دون الله أندادا}
د. خالد النجار


﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 165 - 167].

﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾ تقديم الخبر ﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾ مُؤذِن بأنه تعجُّب من شأنهم.

﴿ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ معناه «مع الله»؛ لأن "دون" تُؤذِن بالحيلولة، بمعنى وراء، فإذا قالوا: "أتخذه دون الله" فالمعنى أنه أفرده وأعرض عن الله، وإذا قالوا: "من دون الله" فالمعنى أنه جعله بعض حائل عن الله؛ أي: أشركه مع الله؛ لأن الإشراك يستلزم الإعراض عن الله أوقات الشغل بعبادة ذلك الشريك.

﴿ أَنْدَادًا ﴾ جمع نِدٍّ؛ وهو الشبيه والنظير، والمراد بالأنداد الأمثال في الألوهية والعبادة.. ولفظ "الناس" عام، والأحسن حمله على الطائفتين من أهل الكتاب وعَبَدة الأوثان.

فالأنداد، باعتبار أهل الكتاب هم رؤساؤهم وأحبارهم، اتبعوا ما رتَّبوه لهم من أمرٍ ونهيٍ، وإن خالف أمر الله ونهيه، قال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31] والأنداد، باعتبار عبادة الأوثان هي الأصنام، اتخذوها آلهةً وعبدوها من دون الله.

﴿ يُحِبُّونَهُمْ ﴾ يُعظِّمونهم ويخضعون لهم، وأصل الحب في اللغة: اللزوم؛ لأن المحب يلزم حبيبه ما أمكن ﴿ كَحُبِّ اللّهِ ﴾؛ أي: كحُبِّهم لله، مفيد لمساواة الحب، وهذا كقوله تعالى: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 97، 98].

ووجه هذا التعميم أن أحوال المشركين مختلفة، فمنهم من يعبد الأنداد من الأصنام أو الجن أو الكواكب، ويعترف بوجود الله، ويُسوِّي بين الأنداد وبينه، ويُسمِّيهم شركاء أو أبناء الله تعالى، ومنهم مَن يجعل لله تعالى الإلهِيَّة الكبرى، ويجعل الأنداد شفعاء إليه، ومنهم مَن يقتصر على عبادة الأنداد، وينسى الله تعالى.

قال ابن عاشور: واعلم أن المراد إنكار محبَّتِهم الأندادَ من أصلها لا إنكار تسويتها بحُبِّ الله تعالى؛ وإنما قيدت بمماثلة محبة الله لتشويهها، وللنداء على انحطاط عقول أصحابها، وفيه إيقاظ لعيون معظم المشركين وهم الذين زعموا أن الأصنام شفعاء لهم، كما كثُرتْ حكاية ذلك عنهم في القرآن، فنُبِّهُوا إلى أنهم سوَّوا بين محبة التابع ومحبة المتبوع، ومحبة الخالق ومحبة المخلوق؛ لعلهم يستفيقون، فإذا ذهبوا يبحثون عمَّا تستحقُّه الأصنام من المحبَّةِ، وتطلبوا أسباب المحبة وجدوها مفقودةً؛ كما قال إبراهيم عليه السلام: ﴿ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 42] مع ما في هذا الحال من زيادة موجب الإنكار.

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾؛ أي: أشدُّ حبًّا لله من محبة أصحاب الأنداد أندادَهم، على ما بلغوا من التصلب فيها، ومن محبة بعضهم لله ممن يعترف بالله مع الأنداد؛ لأن محبة جميع هؤلاء المحبين- وإن بلغوا ما بلغوا من التصلب في محبوبيهم- لما كانت محبةً مجردةً عن الحُجَّة، لا تبلغ مبلغ أصحاب الاعتقاد الصميم المعضود بالبرهان، ولأن إيمانهم بهم لأغراض عاجلة؛ كقضاء الحاجات ودفع الملمَّات بخلاف حب المؤمنين لله، فإنه حُبٌّ لذاته، وكونه أهلًا للحبِّ، ثم يتبع ذلك أغراضٌ، أعظمُها الأغراضُ الآجلة لرفع الدرجات وتزكية النفس.

قال صاحب البحر المحيط: ومقتضى التمييز بالأشديَّة، إفراد المؤمنين له بالمحبَّة، أو لمعرفتهم بموجب الحبِّ، أو لمحبتهم إياه بالغيب، أو لشهادته تعالى لهم بالمحبَّة؛ إذ قال تعالى: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54]، أو لإقبال المؤمن على ربِّه في السرَّاء والضرَّاء والشدَّة والرَّخاء، أو لعدم انتقاله عن مولاه، ولا يختار عليه سواه، أو لعلمه بأن الله خالق الصنم وهو الضارُّ النافعُ، أو لكون حبِّه بالعقل والدليل، أو لامتثاله أمرَه حتى في القيامة حين يأمر الله تعالى مَن عبَدَه لا يشرك به شيئًا أن يقتحم النار، فيبادرون إليه، فتبرد عليهم النار، فينادي منادٍ تحت العرش: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ ويأمر مَن عَبَد الأصنام أن يدخل معهم النار فيجزعون؛ قاله ابن جبير.

تسعة أقوال ثبتت نقائضها ومقابلاتها لمتَّخِذ الأنداد، وهذه كلها خصائص ميَّز الله بها المؤمنين في حبِّه على الكافرين، فذكر كل واحد من المفسِّرين خصيصة.

والمجموع هو المقتضي لتمييز الحب، فلا تَبايُن بين الأقوال على هذا؛ لأن كل قول منها ليس على جهة الحصر فيه؛ إنما هو مثال من أمثلة مقتضى التمييز.

والمقصود تنقيص المشركين حتى في إيمانهم بآلهتهم، فكثيرًا ما كانوا يعرضون عنها إذا لم يجدوا منها ما أملوه.

وروي أن امرأ القيس لما أراد قتال بني أسد حين قتلوا أباه حُجْرًا مَلِكَهُمْ مرَّ على ذِي الْخَلَصَةِ الصنم الذي كان بِتَبَالَةَ بين مكة واليمن فاستقسم بالأزلام التي كانت عند الصنم، فخرج له القدح الناهي ثلاث مرات، فكسر تلك القِداح، ورمى بها وجه الصنم، وشتمه، وأنشد:
لَوْ كُنْتَ يَا ذَا الْخُلَصِ الْمُوتُورَا
مِثْلِي وَكَانَ شَيْخُكَ الْمَقْبُورَا

لَمْ تَنْهَ عَنْ قَتْلِ الْعُدَاةِ زُورَا
ثم قصد بني أسد، فظفر بهم.
وذو الْخَلَصَةِ صنم كان لخثعم وزبيد ودوس وهوازن، وهو صخرة قد نقشت فيها صورة الْخَلَصَةِ؛ وهي زهرة معروفة، وكان عند ذي الخَلَصة أزلام ثلاثة يستقسمون بها؛ وهي: الناهي، والآمر، والمرتضى، وذو الخَلَصة هدمه جرير بن عبدالله البجلي بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروي أن رجلًا من بني مَلْكَان جاء إلى «سعد» الصنم بساحل جُدَّة، وكان معه إبل فنفرت إبله لما رأت الصنم [كَانَ هَذَا الصَّنَم حجرًا طَويلًا ضخمًا] فغضب الْمَلْكَانِيُّ على الصنم ورماه بحجر، وقال:
أَتَيْنَا إِلَى سَعْدٍ لِيَجْمَعَ شَمْلَنَا
فَشَتَّتَنَا سَعْدٌ فَمَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ
وَهَلْ سَعْدٌ إِلَّا صَخْرَةٌ بِتَنَوْفَةٍ
مِنَ الْأَرْضِ لَا تَدْعُو لِغَيٍّ وَلَا رُشْدِ


ومن فوائد الآية: أن محبَّة الله من العبادة؛ لأن الله جعل مَن سوَّى غيره فيها مشركًا متخذًا لله نِدًّا؛ فالمحبة من العبادة؛ بل هي أساس العبادة؛ لأن أساس العبادة مبني على الحب والتعظيم؛ فبالحُبِّ يفعل المأمور، وبالتعظيم يُجتنَب المحظور؛ هذا إذا اجتمعا، وإن انفرد أحدُهما استلزم الآخر.

وأنه كلما ازداد إيمان العبد ازدادت محبَّتُه لله؛ وجه ذلك أن الله سبحانه وتعالى رتَّب شدة المحبة على الإيمان، وقد عُلِم أن الحكم إذا عُلِّق على وصف فإنه يقوى بقوة ذلك الوصف، وينقص بنقصه؛ فكلما ازداد الإنسان إيمانًا بالله عز وجل ازداد حبًّا له.

﴿ وَلَوْ يَرَى ﴾ جواب "لو" محذوف لقصد التفخيم وتهويل الأمر لتذهب النفس في تصويره كل مذهب ممكن، ونظيره قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ﴾ [الأنعام: 93]، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ﴾ [الأنعام: 27].

﴿ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ هم الذين اتَّخذوا من دون الله أندادًا، فهو من الإظهار في مقام الإضمار؛ ليكون شاملًا لهؤلاء المشركين وغيرهم، وجعل اتخاذهم الأنداد ظلمًا؛ لأنه اعتداء على عدة حقوق؛ فقد اعتدوا على حق الله تعالى من وجوب توحيده، واعتدوا على من جعلوهم أندادًا لله على العقلاء منهم؛ مثل: الملائكة وعيسى، ومثل: وَدٍّ وسُواعٍ ويَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْر، فقد ورد في "الصحيح" عن ابن عباس أنهم كانوا رجالًا صالحين من قوم نوح، فلمَّا ماتوا اتخذ قومُهم لهم تماثيلَ، ثم عبدوها، ومثل اللات يزعم العرب أنه رجل كان يلتُّ السويق للحجيج، وأن أصله اللاتُّ بتشديد التاء، فبذلك ظلموهم؛ إذ كانوا سببًا لهول يحصل لهم من السؤال يوم القيامة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 116]، وقال: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴾ [سبأ: 40]، وقال: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ﴾ [الفرقان: 17]، وظلموا أنفسهم في ذلك بتعريضها للسخرية في الدنيا، وللعذاب في الآخرة، وظلموا أعقابهم وقومهم الذين يتبعونهم في هذا الضلال فتمضي عليه العصور والأجيال؛ ولذلك حذف مفعول ﴿ ظَلَمُوا ﴾ لقصد التعميم، ولك أن تجعل ﴿ ظَلَمُوا ﴾ بمعنى أشركوا كما هو الشائع في القرآن؛ قال تعالى عن لقمان: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، وعليه فالفعل منزَّل منزلة اللازم لأنه صار كاللقب.

﴿ إِذْ ﴾ حين ﴿ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ فلا يشذُّ منها شيء؛ فكل القوة لله سبحانه وتعالى.. أي: لرأيت ما هو هائل؛ لأنه عذاب الله، ولله القوة جميعًا، فجميع أنواع القوى ثابتة مستقرة له تعالى، وهو مبالغة لعدم الاعتداد بقوة غيره ﴿ وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ وتأخَّر وصفه تعالى بأنه شديد العذاب عن وصف القوة؛ لأن شدة العذاب هي من آثار القوة.

قال عطاء: ولو يرى الذين ظلموا يوم القيامة، إذ يرون العذاب حين تخرج إليهم جهنم من مسيرة خمسمائة عام تلتقطهم كما يلتقط الحمام الحبة، لعلموا أن القوة والقدرة لله جميعًا.

فإن قيل: كيف يكون الله عز وجل شديد العذاب مع أنه أرحم من الوالدةِ بوَلَدِها؟

فالجواب: إن هذا من كمال عِزِّه، وسلطانه، وعَدْلِه، وحكمته؛ لأنه أنذر مستحق العذاب، وأعذر منهم بإرسال الرسل؛ فلم يبق لهم حجة تُوجِب تخفيف العذاب عنهم؛ فلو رحم هؤلاء الكافرين به؛ لكان لا فرق بينهم والمؤمنين به.

وشدة عذاب الله لهؤلاء مذكورة في القرآن والسُّنَّة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا ﴾ [الكهف: 29]؛ أي: أهل النار ﴿ يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ﴾ [الكهف: 29]؛ فما بالك لو وصلت إلى الأمعاء؟! ولهذا قال تعالى في آية أخرى: ﴿ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 15]؛ ومع ذلك تتقطَّع، وتلتئم بسرعة؛ كما قال تعالى في جلودهم: ﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ﴾ [النساء: 56]؛ و﴿ كُلَّمَا ﴾ تفيد التكرار؛ وجوابها يفيد الفورية؛ والحكمة: ﴿ لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 56]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾ [الدخان: 43 - 46]؛ ويقال له أيضًا: تبكيتًا، وتوبيخًا، وتنديمًا، وتلويمًا ﴿ ذُقْ ﴾؛ ويذكَّر أيضًا بحاله في الدنيا، فيُقال له: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾ [الدخان: 49]، فحينئذٍ يتقطَّع ألمًا، وحسرة، ولا شَكَّ أن المؤمنين يسرون بعذاب أعداء الله؛ فعذابهم رحمة للمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴾ [المطففين: 34، 35].

﴿ إِذْ تَبَرَّأَ ﴾ التبرُّؤ: التنصُّل من الشيء والتباعُد والتخلي عنه لكرهه ﴿ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ ﴾ المعبودون والرؤساء المضلون، ومعنى براءتهم منهم تنصُّلهم من مواعيد نَفْعِهم في الآخرة الذي وعدوهم في الدنيا والشفاعة فيهم، وصرفهم عن الالتحاق بهم حين هرعوا إليهم.

﴿ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ ﴾ المشركين والملقدين لرؤسائهم في الضلال.

ولا يشمل قوله تعالى: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ ﴾ مَن اتَّبَع أئمة الهدى؛ فالمتبعون للرسل لا يتبرَّأ منهم الرسل، والمتَّبِعون لأئمة الهدى لا يتبرَّأ منهم أئمة الهدى؛ لقوله تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، فالأخِلَّاء والأحِبَّة يوم القيامة يتبرَّأ بعضُهم من بعض إلا المتقين.

﴿ وَرَأَوُاْ ﴾ لتحقُّق وقوعه عبَّرَ عنه بالماضي؛ وهذا كثير في القرآن، ومثله ﴿ تَبَرَّأ ﴾، ﴿ الْعَذَابَ ﴾؛ أي: تبرءوا في حال رؤيتهم العذاب، ومعنى رؤيتهم إياه أنهم رأوا أسبابه، وعلموا أنه أُعِدَّ لمن أضَلَّ الناس، فجعلوا يتباعدون من أتباعهم؛ لئلا يحِقَّ عليهم عذاب المضللين.

ويمكن أن يكون ضمير ﴿ وَرَأَوُاْ ﴾ ضمير مبهم عائد إلى فريقي الذين اتُّبِعوا والذين اتَّبَعوا.

﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ﴾ جمع سبب، وهي لغة: "الحبل"، ثم استُعمِل في كل ما يربط بين شيئين، وفي كل ما يُتوصَّل به إلى مقصد وغرض خاص.. كناية عن أن لا منجى لهم من العذاب، ولا مُخلِّص، ولا مُنقِذ، ولا تعلُّق بشيء ينجيهم من عذاب الله، وهو عام في كل ما يمكن أن يتعلَّق به.

وللمفسرين في الأسباب أقوال: الوصلات، الأرحام، الأعمال المتلزمة، العهود، وصلات الكفر، منازلهم من الدنيا في الجاه، أسباب النجاة، المودَّات التي كانت بينهم في الدنيا... والظاهر دخول الجميع في الأسباب؛ لأنه لفظ عام.

فالمتبوعون بالباطل لا ينفعون أتباعهم؛ بل إن الأمر لا يقتصر على عدم النفع؛ بل يتعدَّاه إلى البراءة منهم، والتباعد عنهم، وهذا يكون أشد حسرة على الأتباع مما لو كان موقفهم سلبيًّا.

وأن الله سبحانه وتعالى يجمع يوم القيامة بين الأتباع والمتبوعين توبيخًا، وتنديمًا لهم؛ ويتبرَّأ بعضُهم من بعض؛ لأن هذا- لا شكَّ- أعظمُ حسرة إذا صار متبوعه الذي كان يُعظِّمه في الدنيا يتبرَّأ منه وجهًا لوجه.

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ ﴾ تنبيهًا على إغاظة المتبوعين وإثارة حسرتهم، وذلك عذاب نفساني يُضاعِف العذاب الجثماني ﴿ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ﴾ رجعة وعودة إلى الحياة الدنيا ﴿ فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا ﴾ تمنَّوا أن يعودوا إلى الدنيا بعدما علموا الحقيقة، وانكشف لهم سوء صنيعهم، فيدعوهم الرؤساء إلى دينهم فلا يجيبونهم ليشفوا غيظهم من رؤسائهم الذين خذلوهم، ولتحصل للرؤساء خيبة وانكسار كما خيبوهم في الآخرة.

﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ ﴾ يريهم عواقب أعمالهم إراءً مثل هذا الإراءِ؛ إذ لا يكون إراءٌ لأعمالهم أوقعَ منه، كأنه يُرام أن يريهم أعمالهم في كيفية شنيعة، فلم يوجد أشنع من هذه الحالة.

﴿ أَعْمَالَهُمْ ﴾ والظاهر أنها الأعمال التي اتَّبَعوا فيها رؤساءهم وقادتهم، وهي الكفر والمعاصي، وكانت حسرة عليهم؛ لأنهم رأوها مسطورةً في صحائفهم، وتيقَّنوا الجزاء عليها، وكان يمكنهم تركها والعدول عنها.

﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ جمع حسرة؛ وهي الندم الشديد الذي يكاد يحسر صاحبه، فيقعد به عن الحركة والعمل، وقيل: الحسرة حزن فيه ندامة وتلهف، واشتقاقها من الحسر وهو الكشف؛ لأن الكشف عن الواقع هو سبب الندامة على ما فات من عدم الحيطة له.

﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ قال السدي: "ترفع لهم الجنة فينظرون إلى بيوتهم فيها، لو أطاعوا الله تعالى، فيُقال لهم: تلك مساكنكم لو أطعتم الله تعالى، ثم تقسم بين المؤمنين فيرثونهم، فذلك حين يندمون"، وهذ كقوله تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].

﴿ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾؛ لأنهم إذا كانوا لا يخرجون من النار تعيَّن أن تمنيهم الرجوع إلى الدنيا وحدوث الخيبة لهم من صنع رؤسائهم لا فائدة فيه إلا إدخال ألم الحسرات عليهم، وإلا فهم يُلقَون في النار على كل حال.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.59 كيلو بايت... تم توفير 1.65 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]