أخلاق النبي الأمين في رحلة الشوق والحنين - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191049 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2649 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 656 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 929 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1089 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 851 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 835 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 918 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92797 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-07-2022, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي أخلاق النبي الأمين في رحلة الشوق والحنين

أخلاق النبي الأمين في رحلة الشوق والحنين
السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى
الحمد لله الذي دعا عبادَه المؤمنين إلى حجِّ بيته الحرام؛ ليشهدوا منافعَ لهم، وليذكروا اسم الله على ما رزَقهم من بهيمة الأنعام، نحمَده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن آله، ومن دعا بدعوته، وعمل بسُنته، ونصَح لأُمته، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فإخوة الإسلام، إن حجةَ الوداع التي حجَّها النبي صلى الله عليه وسلم كانت ترجمة فعلية لأخلاق خير البرية صلى الله عليه وسلم، فقد ترجم النبي هذه الأخلاق إلى واقع محسوس وملموس، فكانت الواقع التطبيقي للرسالة وكانت منهجًا تربويًّا يربي الأمة على الرحمة والتواضع والرِّفق واليسر، ورفع المشقة والعنَت عن الأمة، فهيَّا أعيروني القلوب والأسماع أيها الأحباب:

أولًا: رحلة الشوق والحنين:
لنعيش مع الحج، مع رحلة الشوق والحنين إلى بيت الله الأمين إلى رحلة الطهارة... إلى رحلة المغفرة... إلى رحلة العتق من النار... إليها يشتاق العاشقين، وإليها يهفو الفقراء والمساكين إجابةً لنداء إبراهيم عليه السلام... هامت الأنفس وطارت الأفئدة، ودمعت العيون واشتاقت الجوانح؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27].

هجرتُ الخلق طرًّا في هواك
وأَيتمت العيالَ لكي أراكَا
ولو قطَّعتني في الحب إِرْبًا
لَما حنَّ الفؤادُ إلى سواكا
تجاوز عن ضعيفٍ قد أتاك
وجاءك راجيًا يرجو نداكا
وإن يكُ يا مهيمنُ قد عصاكا
مقرًّا بالذنوب وقد دعاكا
وإن تغفِر فأنت لذاك أهلٌ
وإن تَطرُد فمن يرحَم سواكا


ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ [إبراهيم: 37].

واسمع إلى حال المنقطعين عن البيت لفقرٍ أو مرضٍ، ذكر الهروي في كتابه أنوار الحجج في أسرار الحج قال: خرجت أم أيمن زوجة أبي علي الروذباري من مصر وقت خروج الحاج إلى الصحراء، وترى الجمال تتجه إلى مكة وتتقطع أنفاسها، وهي تقول: هذه حسرة من انقطع عن البيت، فكيف حسرة من انقطع عن رب البيت؟![1].

ذكر ابن الجوزي رحمه الله عن محمد بن صالح قال: بينما أنا في الطواف إذ نظرت إلى أعرابي بدوي متعلق بأستار الكعبة، وقد شخَص بصره نحو السماء وهو يقول: يا خير من وفد الأنام إليه ذهبت أيامي وضعفت قوتي، وقد وردت بيتك الحرام المعظم المكرم بذنوب كثيرة لا تسعها الأرض ولا تغسلها البحار مستجيرًا بعفوك منها، وحططت رحلي بفنائك، واتفقت مالي في رضاك، فماذا الذي يكون من جزائك يا مولاي؟

ثم أقبل على الناس بوجهه، فقال: يا معشر الناس، ادعوا مَن وكزته الخطايا وغمرته البلايا، ارحموا أسيرَ ضرٍّ غريبَ فاقةٍ، سألتكم بالذي عمَّتكم الرغبة إليه، إلا سألتم الله تعالى أن يهبَ لي جُرمي ويغفر لي ذنوبي، ثم عاد فتعلق بأستار الكعبة، وقال: إلهي وسيدي عظيم الذنب مكروب وعن صالح الأعمال مردود، وقد أصبحت ذا فاقة إلى رحمتك يا مولاي.

يقول محمد بن صالح: ثم رأيته بعرفات وقد وضع يساره على أم رأسه يصرُخ ويبكي ويشهق ويقول: إلهي وسيدي ومولاي أضحكت الأرض بالزهر، وأمطرت السماء بالرحمة، والذي أعطيت الموحدين إن نفسي لواثقة لي ولهم منك بالرضا، وكيف لا يكون كذلك، وأنت حبيب من تحبَّب إليك، وقرةُ عين من لاذ بك وانقطع إليك؟ يا مولاي حقًّا حقًّا أقول، لقد أمرت بمكارم الأخلاق، فاجعل وفودي إليك عتقَ رقبتي من النار[2].

ثانيًا: أخلاق النبي الأمين في رحلة الشوق والحنين:
هيَّا أيها الأحباب لنُشنف الآذان بأخلاق النبي العدنان صلى الله عليه وسلم في رحلة الشوق والحنين.

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج:
اعلموا بارك الله فيكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جمَّ التَّواضُع، لا يعتريه كِبرٌ ولا بَطَرٌ على رِفْعَة قَدْرِه وعلوِّ منزلته، يخفض جناحه للمؤمنين ولا يتعاظم عليهم، ويجلس بينهم واحدًا منهم، ولا يُعْرَف مجلسه مِن مجلس أصحابه؛ لأنَّه كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويجلس بين ظهرانيهم، فيجيء الغريب فلا يدري أيُّهم هو حتى يسأل عنه....

عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ، فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ فَلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ، فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ، قَالَ: فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا مِنْ طِينٍ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيْهِ، وَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْخَبَرِ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ فَذَكَرَ هَيْئَتَهُ، حَتَّى سَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ: «فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»[3].

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ»[4].

أما إن سالت عن تواضع الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقد ظهر تواضعه في حجه صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يمشي كما يمشي الناس لا حراسة ولا طرد للناس من بين يديه، ولا يزاحم أحدًا صلى الله عليه وسلم، نستشعر في هذه المواطن التواضع لله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ، لَا ضَرَبَ، وَلَا طَرَدَ، وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ»[5].

أي: لا توسع له الطرق، ولا يضرب الناس، ولا يطردون الناس من أجله صلى الله عليه وسلم، بل كان يمشي عليه الصلاة والسلام متواضعًا مع الماشين، لا يطرد الناس من حوله، ولا يضرب الناس من أجله، إنما يأتي وقورًا متواضعًا لله خاشعًا له، يرمي الجمرة كما يرميها الناس، منه يتعلم الناس وبه يقتدون، ويلتمسون منه التواضع، يلتمسون منه صحيح العبادة والنسك، فيمتثلون أمره، ويقتفون أثره عليه الصلاة والسلام.

قال الطيبي رحمه الله: أي: ما كان يضربون الناس، ولا يطردونهم، ولا يقولون: تنحوا عن الطريق كما هو عادة الملوك، والجبابرة، والمقصود التعريض بالذين كانوا يعملون ذلك؛ اهـ.

وذكر السيوطي رحمه الله أن أول بدعة ظهرت قول الناس: الطريق الطريق، أقول: قد رضينا في هذا الزمان بإليك وإليك، وبـ(الطريق الطريق) عليك، فإنه نشأ ناس يدفعون بأيديهم، وأرجلهم، ويدوسون بدوابهم، وهم ساكتون، ﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179][6].

ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يمشي بسكينة دون تكبُّر ولا خُيلاء، ويدعو الناس إلى ذلك، وكان إذا تسير إليه تسليم الحجر يستلمه، أو أشار إليه بمحجن كان معه، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ»[7].

فنلتمس من رسولنا التواضع، وعدم الزحام، وعدم أذى العباد، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يطوف بالبيت، فإن استطاع أن يستلم الحجر بيده فعلٍ ولا يزاحم، وإن لم يستطع أشار إليه بمحجنه، ثم انصرف عليه الصلاة والسلام، لا يزاحم الناس ولا يؤذيهم.

ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم في الحج أنه أبَى أن يُخَصَّ بماء دون الناس وشرب من زمزم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ كَانَ مَعَهُ، قَالَ: وَأَتَى السِّقَايَةَ، فَقَالَ: "اسْقُونِي"، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا يَخُوضُهُ النَّاسُ، وَلَكِنَّا نَأْتِيكَ بِهِ مِنَ البَيْتِ، فَقَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، اسْقُونِي مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ النَّاسُ"[8].

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ، فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا، فَقَالَ: "اسْقِنِي"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ، فَقَالَ: "اسْقِنِي"، فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ: "اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ"، ثُمَّ قَالَ: "لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَعْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ" - يَعْنِي عَاتِقَهُ - وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ..[9].

فقد رد النبي -صلى الله عليه وسلم- إكرام العباس بشراب خاص؛ لأن ذلك الإكرام تعارض مع مصلحة أخرى هي مصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس، وعدم التقذر من المأكولات والمشروبات التي يضع الناس أيديهم فيها.

رحمة النبي صلى الله عليه في حجة الوداع بأمته:
إخوة الإسلام، يقول الله تعالى في شأن حبيبه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، ويقول جل شأنه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

ويقول تعالى ذكره: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، ويقول سبحانه: وتعالي في شأن الرسالة: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وإذا تأمَّلنا في رحلة الشوق والحنين، لرأينا كيف تجلت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم.

رحمة في فرض الحج مرة واحدة:
إخوة الإسلام، من رحمة النبي بأمته أنه جعل الحج مرة واحدة في العمر لأجل التيسير والرحمة، وهذا تيسير عظيم ورحمة كبيرة، وتقدير لظروف عموم الناس..

ومع هذا التيسير الكبير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع الأمر برحمته المعهودة، وبرفقه العظيم، فزاد الأمرَ تيسيرًا ورفقًا..

لقد وقف يومًا يخطب في الناس، فقال: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا وَقَالَ مَرَّةً: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ"، ثُمَّ قَالَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَدَعُوهُ»[10].

كان النبي قادرًا على الحج كل عام، بل من المؤكد أنه كان يشتاق لمثل هذه العبادة الجليلة، لكنه لا يريد أن يقيس الأمر على نفسه، بل يريد أن يقيس الأمر على عموم المسلمين، وذلك بمن فيهم من الضعفاء والكبار والنساء، والمشغولين أو غير المشتاقين إلى هذه العبادة، والرجل يسأل ويكرر أفي كل عام يا رسول الله؟ والرسول لن يُجيب بنعم إلا إذا أراد الله، ولكنه يعلم أن الأمة - كما ذكرنا قبل ذلك - إذا شدَّدت على نفسها شدَّد الله عليها، ولذلك ذكَّرهم رسول الله بما حدث مع الأمم السابقة التي كانت تُكْثِر من الأسئلة دون احتياج، والرسول يريد أن يرحم هذه الأمة، وينقذها من أي هَلَكَة.

الخطبة الثانية
صور من رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج:
وفي حجته الوحيدة ظهرت آيات رحمة النبي صلى الله عليه وسلم تَتْرَى، فمن دلائل رحمته بالحجاج في هذه الحجة أنه كان يعلم أن مناسك الحج غير مشهورة بين الناس كمناسك الصلاة والصيام، وذلك لأن الحج لا يتكرر إلا قليلًا، وقد لا يتكرر أبدًا في حياة الإنسان، ولذلك كان يقبل صلى الله عليه وسلم تغييرات في ترتيب المناسك ولا يلوم أبدًا فاعليها، من ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ، فَيَقُولُ الْقَائِلُ: مِنْهُمْ يَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إِني لَمْ أَكُنْ أَشْعُرُ أَن الرَّمْيَ قَبْلَ النَّحْرِ فَنَحَرْتُ قَبْلَ الرمْيِ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَارْمِ وَلا حَرَجَ"، قَالَ: وَطَفِقَ آخَرُ يَقُولُ: إِني لَمْ أَشْعُرْ أَن النَّحْرَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ فَيَقُولُ: "انْحَرْ وَلا حَرَجَ"، قَالَ: فَمَا سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ مِما يَنْسَى الْمَرْءُ وَيَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الأُمُورِ قَبْلَ بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهَا، إِلا قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "افْعَلُوا ذَلِكَ وَلا حَرَجَ"[11].

رمي الجمرات بحصى صغير:
ومن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى الجمرات بحصى مثل حصى الخذف عَنْ جَابِرٍ قَالَ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَأَوْضَعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ، فَأَرَاهُمْ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ، وَأَمَرَهُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَقَالَ: «لِتَأْخُذْ أُمَّتِي مَنْسَكَهَا، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاهُمْ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا»[12]، وهو حصى صغير في حجم حبة الباقلَّا؛ كما يقول الإمام النووي وهذا الحجم الصغير حتى لا يؤذي إنسانًا بطريق الخطأ..

وكان -صلى الله عليه وسلم- أرحمَ الخلق بآله وأهل بيته، وأسهلَهم وألينَهم عريكةً، ويتجلى ذلك في مواقف أكثر من أن تحصر؛ منها: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ يَا عَائِشَةُ؟»، فَقَالَتْ: قُلْتُ: يَرْجِعُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ، ثُمَّ أَرْجِعُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ قَالَ: «وَلِمَ ذَاكَ؟» قُلْتُ: إِنِّي حِضْتُ قَالَ: «ذَاكَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ».

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الْحَجِّ، فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي وَلْيُرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ، فَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ [13].

سقوطُ طواف الوداع عن الحائض والنفساء، فيجب على الحاج إذا فرغ من حجِّه أن يطوف طواف الوداع، ثم يرجع إلى أهله، لكن خُفِّف عن الحائض والنفساء، فلا يجب عليهما البقاء في مكة حتى تطهرا ثم تودعان، فعن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ»[14].

الإذنُ للضَّعفة أن يدفعوا من مزدلفة إلى منًى قبل الناس؛ حتى لا يضايقهم الأقوياء أثناء دفعهم إلى منى، فقد كان عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي مِنًى لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ وَأُولَئِكَ ضَعَفَةُ أَهْلِهِ. وَيَقُولُ: أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي ذَلِكَ [15].

الدعاء..


[1] كتاب صفة الصفوة ج2 ص931.

[2] كتاب صفة الصفوة ج2 ص932 ،933.

[3] رواه أبو داود (4698)، والنَّسائي (4991). وسكت عنه أبو داود، وصحَّحه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (4698).

[4] رواه أحمد (3/153) (12573)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9 /103) مِن حديث أنس رضي الله عنه. وجوَّد إسناده الشَّوكاني كما في ((الفتح الرباني)) (1 /336)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/611).

[5] مسند أحمد ط الرسالة (24/ 138) وأخرجه النسائي في "المجتبى" 5 /270، وفي "الكبرى" (4067) ، وابن ماجه (3035)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1499)، والطبراني في "الكبير" 19/ (78).

[6] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1793).

[7] مسند أحمد ط الرسالة (24/ 139)، وأخرجه الطبراني في "الكبير" 19/ (80)، وفي "الأوسط" (8024).

[8] مسند أحمد ط الرسالة (3/ 341) وأخرجه البخاري (1635).

[9] رواه البخاري: 1635.

[10] مسند أحمد، ط الرسالة (16/ 355)، وأخرجه مسلم (1337).

[11] مسند أحمد ط الرسالة (11/ 488)، وأخرجه مسلم (1306) (332)، وابن الجارود في "المنتقى" (488).

[12] مسند أحمد ط الرسالة (23/ 205) وأخرجه ابن أبي عاصم في "الجهاد" (113)، وأبو يعلى (2075)، والطبراني في "مسند الشاميين" (755)

[13] صحيح البخاري ط- أخرى (7/ 511).

[14] رواه البخاري (1755)، ومسلم (1328).

[15] رواه البخاري (1676)، ومسلم (1295).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.97 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]