هل لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مصادر غير إسلامية؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12481 - عددالزوار : 213276 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-05-2023, 03:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,859
الدولة : Egypt
افتراضي هل لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مصادر غير إسلامية؟

هل لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مصادر غير إسلامية؟
أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد وعلى آله وأصحابه ومَن والاه.

وبعد:
فقد كَتَب فاضلٌ تغريدةً حول مصادر السيرة النبوية، وحاول الرد على بعض الأوهام التي ذكرَها -حسب رأيه- مشكورًا.

وهذه إجابة عن السؤال الذي اخترتُه عنوانًا لهذا الموضوع -تعليقًا على تغريدته على وجه الإيجاز-.

والواقع أننا في إجابةِ مثل هذا السؤال بحاجةٍ إلى إيضاحِ منهجٍ، لا إلى مجرد معلوماتٍ، وهذا ما توخّيتُه في هذا التعليق.

وبدايةً: أشكر هذا الفاضل، وأرجو أن يتقبل صدره الطيب بعض الملحوظات؛ لنشترك في أجر النصح والإفادة وإنضاج الأفكار.

وملحوظاتي على تغريدته، التي قرر فيها بعض ما ينبغي التوقف عنده، أذكرها في النقاط التالية:
قال الفاضل: "من الأخطاء الشائعة.. والأكاذيب التي يتم ترويجها: أنه لا توجد مصادر تاريخية معاصرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأن أقرب مصدر تاريخي لهم كان بعد ٢٠٠ سنة من زمن النبوة".

ثم ذكر نقاطًا، يتلخص مجملها في:
أن مصادر التاريخ ليست كتب المؤرخين فقط. ‏
وأن مصادر التاريخ الإسلامي ليست المصادر الإسلامية فقط.. إلخ.
ثم ذكر أنواعًا ثمانية من المصادر غير الإسلامية، وذكر تحتها عددًا من المصادر….

وهذا في الجملة ليس على إطلاقه.

ومما يؤكد أهمية مناقشة بعض هذه النقاط، ما رأيته مِن سرعة استجابة المتابعين الكرام وطلبهم اقتناء هذه المصادر الخطيرة وسرورهم بها! لأن الناس على وجه العموم طيبون فيُحسنون الظن بنا نحن المغردين والمتحدثين.

ولعل مِن المفيد أنْ أُشير منذ البداية إلى ملحوظةٍ مهمّة تجاه تعليقي هذا، وهي أنه وإنْ كنتُ أَكتب هذا التعليق مِن الذاكرة، وليس بحثًا علميًّا، إلا أني أقول ما قلتُ عن اطّلاعي وتخصصي زمنًا طويلًا في تخصص الحديث الشريف، وفي السيرة النبوية، وفي مجال الدراسات الاستشراقية.

وأني كتبتُ عدة مؤلفاتٍ وكتاباتٍ في تخصص الحديث الشريف، وكذلك، في مجال السيرة النبوية، وفي مجال الاستشراق، كذلك.

ومما كتبتُه في مجال الاستشراق، مثلًا:
موضوع بعنوان: (ضوابط مناقشة شبهات المستشرقين)، أسأل الله تيسير نشْره.
وموضوع بعنوان: (المستشرقون والسيرة النبوية)، أسأل الله تيسير نشْره.
وموضوع بعنوان: (المستشرقون والسنّة والسيرة النبوية)، أسأل الله تيسير نشْره.
قواعد ومنطلقات في أُصول الحوار وردّ الشبهات، (مطبوع).
حوار حول منهج المحدثين في نقْد الروايات سندًا ومتنًا، (مطبوع).
وما إلى ذلك، مما لا أستحضره الآن.

ولْنشرع في وقفات عند النقاط الواردة في التغريدة:
الوقفة الأولى: صحيحٌ ما ذكره الفاضل من خطأ بعضهم، بل مِن الكذب والزعم بعدم وجود مصادر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، معاصرة له! وأظن أنه لا يقع في هذا الادعاء إلا مغفّلون أو مغلّفون في جهلهم؛ فلا يعرفون:
1- حجم المصادر الإسلامية في السيرة النبوية التي يصعب حصرها لكثرتها فعلًا -وأنا بهذا خبير. وأكتفي بذكر كتابٍ واحد فقط ألّفه د. المنجد في قوائم مصادر سيرته صلى الله عليه وسلم، فهو كالفهرس لمصادر السيرة النبوية، ذكر فيه نحو (1000) مصدر في سيرة السيرة، على اختلاف مجالاتها، وكونها في صميم السيرة أو حولها!

2- أنّ سيرته صلى الله عليه وسلم مرويّة بالأسانيد المتصلة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

3- بل إنّ سيرته صلى الله عليه وسلم مروية وحيًا إلهيًا: (القرآن والحديث الشريف).

4- أنّ ميدان سيرته الأساسي هو تخصص الحديث، لا كتب التاريخ، واسألوا المتخصصين في الحديث عن مادة السيرة في كتب الحديث.

5- أنّ سيرته صلى الله عليه وسلم قد حُفظتْ بتفاصيلها من قبل الولادة إلى ما بعد الوفاة؛ وصفًا لِخَلقه وخُلقه وأقواله وأفعاله وجميع تصرفاته في حياته العامة والخاصة حتى كأنها رأي العين؛ لأنه هو القدوة والأسوة الحسنة.

وأنّ سيرته مليئة بما أكرمه الله به مِن المعجزات والنصر والتأييد، وأنها سيرةٌ شاهدةٌ شهادةً قطعية بأنه خاتم رسل الله عليه وعليهم صلوات الله وسلامه.

6- أننا نحن المسلمين لنا منهجٌ علميٌّ فريدٌ في تلقّي سيرته صلى الله عليه وسلم هدفه: التثبت في روايتها والتثبت في فقهها! وأنا ممن أكرمه الله بتأليف كتابين في هذا، وإن لم أنشرهما.

فدعوى تأخر كتابة السيرة النبوية إلى ما بعد 200 سنة مِن وفاته مجرّد افتراء صريح.

ومَن يزعم تأخر كتابة مصادر السيرة عن وفاته صلى الله عليه وسلم 200 سنة، ويتفوّه به رغم هذه الحقائق والأدلة، إنما يفضح نفسه، ويُضحِك الناس عليه!

وأكتفي بهذه النقاط في هذه الوقفة.

الوقفة الثانية: (القول بأنّ مصادر السيرة ليست كتب المؤرخين وحدها):
1- وهذا صحيح، لكن السبب هو أنّ السيرة متضمَّنة في وحْي الله: كتابًا وسنّةً؛ فكفى بهذا ثبوتًا لا يَجْرؤ على الشك فيه أو التشكيك فيه مسلم -وأمّا غير المسلم فلا غرابة أن يَشكّ ويُشكّك في رسولٍ يتوهمه عدوًّا له ولدينه- وقد أُلّفتْ كتب في سيرته المستخرجة من القرآن، وسيرته المستخرجة من أحاديثه، وكتبٌ في (حديثه صلى الله عليه وسلم عن نفسه)، ولا أحد يَعرف الإنسان -أيّ إنسان- أكثر مِن معرفته نفسه!

فمَن يَدّعي نقصًا في مادة السيرة النبوية وفي مصادرها، والحالة هذه؛ فهو متجاهلٌ لهذا الواقع من مادة السيرة ومصادرها، ومناقضٌ لهذا الواقع وهذه المصادر!

2- ويضاف إلى هذه المادة وهذه المصادر: المؤلفات المتخصصة في السيرة النبوية، التي بدأت من عهدٍ مبكّر، وهذا بابٌ يستوعِبُ بيانه والتفصيل فيه كتابًا.

الوقفة الثالثة: (القول بأنّ مصادر السيرة النبوية ليست هي المصادر الإسلامية وحدها):
وهذه قضية مفصلية خطيرة، وأوضّحها في التالي:
أوّلًا: فيما يتعلق بتواريخ الأمم:
1- فالتاريخ معدودٌ لدى كل أُمّة أنه مِن أخصّ خصوصياتها، وكل أُمّة أعرفُ بتاريخها مِن أيّ أُمّة أخرى سواها؛ وبناءً عليه: لا يستقيم-منطقًا وعقلًا، فضلًا عن الدين والعقيدة- أنْ يتولى كتابة تاريخ أُمّةٍ سواها، ولعلها تكون أُمَّة معادية لها، أو أن يتولّى تدريس تاريخ الأُمّة مَن ليس منتسبًا إليها.

هذه قضيةٌ مفصلية بحكم العقل والمنطق وأصول البحث العلمي، كما أنها مُسلَّمة عقلًا وشرعًا لدينا نحن المسلمين.

ولهذا لم نَرَ أُمّة تبحث عن تاريخها عند أُمّةٍ أخرى!

2- وبالنسبة لتاريخنا الإسلاميّ -ومِن أخصّ موضوعاته سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم- فنحن بفضل الله، لسنا فقراء فيه، بل نحن الذين تولّينا تدوينه وحفْظه بتفاصيله عن طريق الرواية والأسانيد المتصلة الموثّقة، بل تولّى الله حفظه، بما أَثبتَه منه بحفظه في وحْيه سبحانه: القرآن الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: التوجيه بأنْ تلتفت الأُمّة إلى مصادر خصومها، مِن أيّ أُمَّة كانت؛ لتأخذ عنها تاريخها، بل تأخذ عنها حياة وتاريخ رسولها صلى الله عليه وسلم، إصابةٌ للأمّة في مقتل في الحقيقة! ومثل هذا التوجيه إنما هو افتراضٌ خياليّ بأنّ خصوم المسلمين مِن النزاهة بحيث يستقيم تلقّينا تاريخنا عنهم وهم خصوم المسلمين!

هذه قضية نرجو أن يتنبه لها المسلم والمسلمة؛ فيحذروا الوقوع في هذا الفخّ؛ طالما أنّ عندهم مخّ!

ثم ما الذي ستجده عنك وعن تاريخك، أيها المسلم، لدى خصومك وخصوم أُمّتك!

ألا ما أحوجنا إلى الاحتكام للعقل والمنطق!

الوقفة الرابعة: اعرفْ واقع هذه المصادر المعادية ومضمونها قبل أنْ تأخذ عنها:
لقد بلَوْنا هذا الموضوع بعمومه والدراسات والكتابات الاستشراقية فيه؛ فعرفنا غثها مِن سمينها، وسمّها الزعاف مِن عسَلها، إِنْ كان فيها عسل، وذلك في ضوء واقعها، وفي ضوء أصول البحث العلمي، ومِن أهمها مبدأ (التجرد والموضوعية)، بحسب منهجنا نحن المسلمين.

وقد رأينا في كتابات المنصّرين وكثيرٍ مِن المستشرقين ما لا يُصدّقه واقعٌ أو عقل أو نزاهة وموضوعية! وإني لخبير بكتابات كثير منهم، التي لا تَمُتُّ للحقيقة بصِلةٍ!

تَجِد هذا في كتابات: "قولدزيهر" في مثل كتابه (دراسات محمدية)، وقد رددتُ عليه في كلامٍ كتبتُ لطلابي بمرحلة الماجستير، المتخصصين في الاستشراق، لعلني أنشره، و"شاخت"، وعلى هذين اعتمد كثير من المستشرقين، و"مونتغمري واط" في مختلف كتبه وكتاباته، ومنها: "محمد في مكة"، و"محمد في المدينة"، وسلسلته في التعريف بالإسلام، على حدّ زعمه، وهو يُحرف الإسلام ويُشوّه سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قابلتُ هذا الرجل أيام الشباب في مدينة "أدنبرة" في بريطانيا بقسم الدراسات الشرقية بعد تقاعده، وسألني بعض الأسئلة عن الإسلام، وقال بأنهم، أي المستشرقين، الآن بعد أنْ آلت القوّة إلى الغرب في العصر الحديث، يكتبون الحقيقة عن الإسلام دون تزييف؛ لأنهم ليسوا مدفوعين إلى تحريفه بالخوف من الإسلام كما كان عليه شأن المستشرقين السابقين مِن قبلُ!

لكن الحقيقة أنه لم يَصْدق في هذا القول، وقد طَعن في رسول الله وفي صدْق وحي الله إليه، بأسلوب ماكرٍ مكشوف. ولعلني ناقشتُه في بعض ما كتبتُ.

وهذا إضافةً إلى أن "مونتغمري واط" صاحبُ وظيفةٍ في الكنيسة، وهي التي وجّهتْه لدراسة الإسلام والمسلمين وشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنّى تأتي الموضوعية مع هذه الحال!

ومثلُ ذلك ما سمّي: "دائرة المعارف (الإسلامية)"، وليستْ إسلامية، وإنما هي دائرةُ تحريف الإسلام وتشويهه!

وغير هؤلاء من المستشرقين كثير، وقلّةٌ منهم الذين جنحوا إلى الموضوعية في كتابتهم عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، مثل: "دِرْمنقم.."، الذي كتب كتابًا عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، "حياة محمد"، وكتبَ فيه كتابة فيها بعض الحقائق وبعض الإنصاف، إلى جانبِ ملحوظاتٍ عليه وشطحات.

ومِن أخطرِ ما يؤخذ على كتابات المستشرقين تلك: الاشتغال بالتزييف، ولاسيما في كتابات المنصّرين والمستشرقين الشموليين في بدايات أمرهم، وهم الأشخاص الذين تخصصوا تخصصًا عامًّا في كل العلوم المرتبطة بالشرق وتواريخه وأديانه، ومنها: الإسلام؛ فكتبوا كما يحلو لهم وعلى ما أوصلتْهم إليه خيالاتهم!

فلمّا جاء العصر الحديث، أَخذ المستشرقون بالدخول في التخصصات الدقيقة المحددة، والكلام عن الإسلام والمسلمين مِن خلالها، وأخذوا يتبرّأون من الاستشراق الشموليّ، ويتحسسون من الانتساب إليه ويشعرون بالعار من ذلك؛ وذلك لِما اشتملت عليه كتاباتهم من خلاله مِن التحريف والتزوير والتزييف بكل ما له صلة بالإسلام والمسلمين!

ولك أن تتخيل أنّ بعضهم قال معرّفًا بالمسلمين بأنهم أُناسٌ يعبدون صنمًا كبيرًا اسمه محمد!
وبعضهم عرّف الكعبة بأنها صنمٌ مِن ذهب يعبده المسلمون!
وبعضهم قال معرّفًا بالرسول صلى الله عليه وسلم، بأنه كاردينال منشقّ على الكنيسة!
ولا نحصي مثل هذه الاختراعات الغرائب الغربية الاستشراقية والتنصيرية.

الوقفة الخامسة: فيما يتعلق بتراجم الأشخاص وسِيَرهم:
فينبغي أنْ يَتنبه كل عاقلٍ إلى أنْ موضوع ترجمة الشخص، أي: سيرته موضوع حسّاس، وتكتنفه أسبابٌ هي مظنةٌ للخطأ في كتابة سيرته وتصوير أو تَصَوّر حياته، ومن ذلك:
1- أَخْذ سيرة الشخص عن مصدرٍ بعيد عنه، فلا صلةَ له تؤهّل للحديث عن سيرته، وحينئذٍ تَعملُ الخيالات والظنون عملَها...

2- أَخْذ سيرة الشخص عن مخالفيه وخصومه؛ فحينئذٍ تَعمل العداوةُ عملها، ثم يقال: هذه سيرة فلان..

وإنّ مِن مفاخر المسلمين وتَميّز منهجهم في كتابة تاريخ الرجال، والتثبت والعدل، ما تقرر عند أئمة الحديث مِن:
عدم صحة قبولهم كلام المخالف في مخالفه.
عدم قبولهم قول المبْغِض في مبغضه.

بل عدم قبولهم رواية مَن يحقد على مسلمٍ إلى درجة تمنّيه الشرَّ له؛ فإنهم قد عدُّوا هذا سببًا مِن أسباب خوارم المروءة، الموجبة ردّ رواياتِ صاحبها عامّةً!

بل قد تقرر لدى الأئمة أنّ الموضوعية والعدالة والإنصاف، تَقضي بعدم نَقْل المذهب الفقهي عن غير أصحاب المذهب؛ إذْ لا يَصحّ نقْله عن المخالفين له! فما بالك لو كان الخلاف ليس في المذهب الفقهي وإنما في الدين والعقيدة!

وبتطبيق هذه القواعد؛ يَسقط منهج اتّخاذ المصادر المخالفة للرسول صلى الله عليه وسلم، والمختلفة عن رسالته مصدرًا لسيرته، ولا شك في صحة هذا المنهج عقلًا ومنطقًا.

الوقفة السادسة: حقائق ختامية:
وأخيرًا، تتعيّن الإشارة إلى حقائقَ مهمّةٍ ختامية في هذا الموضوع، أَذكرُها في النقاط التالية:
1- أنّ مصادر الوحي السابقة، لدى غير المسلمين، كالتوراة والإنجيل، قد اشتملتْ على حقائق عن محمدٍ، خاتم أنبياء الله ورُسُله، عليه وعليهم صلوات الله وسلامه جميعًا، لكنْ هذا كان في أَصل هذه الكتب الإلهية قبل تحريفها. ومِن ذلك أنّ الله قد أَخذ العهد على رسله السابقين لئنْ أَدركوا محمدًا خاتم الرسل والأنبياء -عليه وعليهم الصلاة والسلام- ليُؤمِنُنّ به.

أمّا بعد تحريف هذه الكتب المقدّسة؛ فقد اختلطَ فيها الحق بالباطل، واختلط الصحيح بالزيادات فيها والنقص مِنها والتحريف؛ وبناءً عليه فنحن المسلمين نؤمِن بما بقي فيها مِن الحق، ونَردّ ما طرأَ عليها مِن الباطل بتحريف المحرِّفين.

2- أننا نحن المسلمين لا نَقبل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ما ثبَتَ، ونَردُّ غير الثابت، فهذا منهجٌ أساسٌ في تَلقِّي سيرته عليه الصلاة والسلام، وفي صفاته وأخلاقه وشمائله؛ فالمعيار عندنا هو الثبوت مِن حيث الرواية، بغضّ النظر عن المصدر ما هو؟ سواءٌ وردَ في مصدرٍ إسلاميّ، أو مصدرٍ مِن مصادر غير المسلمين، التي ليست معاديةً للإسلام ورسوله الخاتم.

3- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم شخصيةٍ مرّتْ على البشرية، وأنه قد كَتبَ عنها الشرق والغرب، والمسلمون وغير المسلمين -الذين كتبَ كثير منهم عنه؛ مدْحًا وثناءً على رسول الله بما هو أهله- والقاعدة عندنا أننا نقْبل كتابات الكاتبين عنه منهم بحذرٍ؛ إذْ نَقبل ما كان اعترافًا به وبرسالته، ونَردّ ما كان جحودًا للحقيقة وشكًّا وتشكيكًا؛ فنقبل كلام المادحين، ونردّ شناءة الشانئين المعادين؛ تطبيقًا لِما ذكرناه مِن القواعد المنهجية.

4- أنّ مصادرنا هي مصادر سيرة رسول الله، وأهمّها: القرآن الكريم، والحديث الشريف، وكُتُب السيرة النبوية، وأنّ هذه هي الأساس في مصادر السيرة النبوية، وهي مصادر لم تأتِ متأخرةً -على ما زعَمَهُ الزاعمون- وهذه حقيقةٌ ثابتة واضحة لكل ذي عينين، ولكل ذي أُذنين، ما لم يكن قد أَفسَدَ عليه عقلَهُ المفسِدات للعقل.

5- أنّ المصادر الإسلامية هي المعيار، الذي يَجِب أنْ تُصحّح عليه المصادر الأخرى، التي لدى غير المسلمين، وقد تَبيّن لنا في وحْي الله حقائق عن أنبياء الله السابقين وحقائق مما وردَ في القرآن والحديث بشأنهم، وحقائق عن أَخْذِ الله العهد عليهم لَيُؤمِنُنَّ برسول الله محمدٍ، إنْ أدركوه؛ وأصبحتْ القاعدة المنهجية عندنا هي: أنّ كل ما ورد ثابتًا في مصادرنا عن الأنبياء السابقين وأُممهم وعن رسول الله محمد؛ فهو حق. وكل ما وردَ في مصادر الأُمم السابقة أو في كتبهم المحرّفة مخالفًا، أو معارِضًا لِما وردَ ثابتًا في مصادرنا؛ فهو باطل مردود!

6- أنّ الله قد أجرى معجزاتٍ على يَدي خاتم رسله، عليه وعليهم الصلاة والسلام، قد تواترتْ، فهي ثابتة بصفةٍ قطعية، تتعلق برسالته وبأخباره وبسيرته، ودلائل الإعجاز هذه مِن أعظمِ حُجج الله على العالمين، مسلمهم وكافرهم؛ فمَن لم تُقنِعْه هذه الدلائل والمعجزات؛ فأيُّ شيء يُقْنِعْه!

7- أنّ خاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم قد جاء بمبدأ الأخوّة بين الرسل، وإجلالهم واحترمهم جميعًا والدفاع عنهم، على ما يَقع فيه بعض المتعصبين مِن أتْباعهم، وهذا مِن حُجج الله عليهم، الشاهدة بالسيرة العطِرة لمحمد صلى الله عليه وسلم، وصِدْق نبوّته، وصحة رسالته.

8- أنّ سيرة محمدٍ في مصادرنا الإسلامية قد جاءت بتفاصيلها الدقيقة مِن قبل ولادته إلى ما بعد وفاته، ثابتةً واضحةً تحت ضوء الشمس! وهذا يَقطع تَقوّل المتقوّلين عليه، وطَعْن الطاعنين فيه كذبًا وتزويرًا!

وإني لأرجو أن يَتقبّل الله هذا البيان المقتَضَب في التوضيح؛ رغبةً في بيان الحقائق عن السيرة النبوية، وحماية لهذا الدِّين الإلهيّ الخاتم للأديان الإلهية، وحمايةً لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسالته الخاتمة للرسائل الإلهية إلى البشرية.

وقد قامتْ حجّة الله علينا وعلى العالمين؛ فمن شاء فليؤمنْ، ومَن شاء فليَكْفر؛ فلن يَضِير إلا نفسَه، وأمّا دِين الله وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم فمحفوظة بحفْظ الله رب العالمين.

والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.05 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]