تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 75 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3952 - عددالزوار : 390904 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4419 - عددالزوار : 856299 )           »          حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #741  
قديم 26-08-2021, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

[ وقوله تعالى: ( وَذَكِّرْ بِهِ )[الأنعام:70]، أي: بالقرآن، ( أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ )[الأنعام:70]، أي: كي لا تبسل ]، ومعنى الإبسال -كما علمتم- الارتهان والحجز، ثم إلى جهم وبئس المصير، ( وَذَكِّرْ بِهِ )[الأنعام:70] أي: بالقرآن قبل ( أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ )[الأنعام:70]، أي: لكي لا تبسل.
[ ( بِمَا كَسَبَتْ )[الأنعام:70]، أي: كي لا تسلم نفس للعذاب بما كسبت من الشرك والمعاصي، ( لَيْسَ لَهَا )[الأنعام:70] يوم تسلم للعذاب ( مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ )[الأنعام:70] يتولى خلاصها، ( وَلا شَفِيعٌ )[الأنعام:70] يشفع لها فينجيها من عذاب النار ]، ( وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ )[الأنعام:70] وتتقدم بكل ما تستطيع أن تقدمه للفداء، ولو قدمت جبال الأرض كلها ذهباً، ولو قدمت قبائل وعشائر لا يقبل ذلك منها أبداً. [ ( وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا )[الأنعام:70]، أي: وإن تقدم ما أمكنها -حتى ولو كان ملء الأرض ذهباً- فداء لها لما نفعها ذلك ولما نجت من النار].
ثم قال تعالى: ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا )[الأنعام:70]، الباء -كما علمتم- سببية، لم ارتهنوا واحتجزوا؟ ليجازوا في عالم الشقاء؛ لأنهم كسبوا ذنوباً أخبثت أرواحهم ولوثت نفوسهم، وهي ذنوب الشر والكفر والاعتداء والظلم والطغيان، إذاً: فهؤلاء الذين لو تقدم أحدهم بملء الأرض ذهباً ليفتدي به ما فدي ولا قبل ذلك منه.
قال: [ أبسلوا: أسلموا وأخذوا إلى جهنم بما كسبوا من الذنوب والآثام، لهم في جهنم شراب من ماء حميم وعذاب موجع اليم ]، ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا )[الأنعام:70]، أخبرنا عنهم يا رب؟! قال: ( لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ )[الأنعام:70]، وقد عرفنا الشراب الحميم، وهو الذي تناهت فيه الحرارة في القوة، وصلت إلى مستوى لا زيادة فوقه، هذا شرابهم.
قال: [ أبسلوا: أي: أسلموا وأخذوا إلى جهنم بما كسبوا من الذنوب والآثام، لهم في جهنم شراب من ماء حميم حار وعذاب موجع أليم؛ وذلك بسبب كفرهم بالله وآياته ورسوله، حيث نتج عن ذلك خبث أرواحهم، فما أصبح يلائم وصفهم ] أي: خبث أرواحهم [ إلا عذاب النار. قال تعالى من هذه السورة: ( سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )[الأنعام:139] ]، الوصف الذي يكون في الروح البشرية، إن كان نوراً وطهراً وصفاء يجزيه الله بالجنة دار النعيم، وإن كان خبثاً ونتناً وعفناً يجزيه به عذاب الجحيم، ( سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ )[الأنعام:139] في عمله هذا وقضائه، حكيم فيه كذلك.
هداية الآيات
هذه الآيات كررناها، فهيا بنا نتأمل هداياتها: قال: [ من هداية الآيات:
أولاً: حرمة الجلوس في مجالس يسخر فيها من الإسلام وشرائعه وأحكامه وأهله ]، من أين أخذنا هذه الحرمة؟
من قوله تعالى: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )[الأنعام:68]، فهل هدت الآية إلى هذا أم لا؟
ومعنى هذا: أنه لا يحل لك ولا لي ولا لأي مؤمن في الشرق أو الغرب أن يجلس مجلساً يسب فيه أو يشتم الإسلام وأهله أو شرائعه وتبقى جالساً معهم، يجب أن تقوم، فإن أبيت إلا أن تجلس فقد هلكت، فإنك -إذاً- مثلهم.
إن هناك مجالس للهو واللعب فقط، فهل تجلس أنت مع قوم يلعبون الكيرم والورق ويضحكون وقد مضى وقت الصلاة وهم يلعبون، هل تجلس هذا المجلس وترضاه لنفسك؟ أيحل لك هذا؟ والله لا يحل، يجب أن تقول: قوموا فلقد نودي للصلاة، ولا يحل لكم هذا، لسنا من أهل اللهو واللعب.
إذاً اللهو واللعب لا يحلان للمسلمين إلا في نقاط بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تلاعب طفلك الصغير، أن تداعب امرأتك، أن تمرن نفسك على الرماية وإصابة الأهداف، أو تروض دبابتك أو طيارتك أو فرسك على الجهاد، هذه الأربع فقط ، وما عدا ذلك لهو ولعب، كل من يقول: لا بأس به، هو ترويح النفس، نقول له: والله ما هو إلا زيادة ظلمها وظلمتها.
[ ثانياً: وجوب القيام ] والوقوف [ احتجاجاً من أي مجلس يعصى فيه الله ورسوله ].
وأصحاب الدشوش أو الصحون الهوائية سكرى، وسوف يفيقون عند سكرات الموت، لقد قلت غير ما مرة -والله أسأل أن أكون على علم وبصيرة-: إن الذين يرضون بهذه الصحون الهوائية، ويجلسون ليشاهدوا تلك المناظر الفظيعة العجيبة هم وأطفالهم ونساؤهم؛ فإني لا أكاد أشك أن من أصر منهم بعدما علم وأبى إلا هذا أن يموت على سوء الخاتمة، وها نحن نمر بالشوارع، ونشاهد هذه الصحون الهوائية على البيوت القصيرة والطويلة، بيوت الفقراء كالأغنياء، كأنهم لا يؤمنون بالله ولقائه.
فالذي يصر بعد ما سمع فتوى عالم الإسلام الشيخ عبد العزيز بن باز أن هذا لا يحل أبداً ولا يصح، ثم يصر ويركب رأسه ويحتج بأن فلاناً عنده كذا وكذا؛ فهذا -والله أعلم- إن استمر على هذه المناظر يومياً وليلياً فسوف يموت على سوء الخاتمة.
فقد نهينا عن أي مجلس نجلس فيه إذا كان فيه نقد أو طعن للإسلام، وإذا كان فيه إعلان عن إباحة الباطل والمنكر والشر فكيف تجلس معهم؟
[ ثالثاً: مشروعية الإعراض في حال الضعف عن المستهزئين بالإسلام الذين غرتهم الحياة الدنيا من أهل القوة والسلطان ]، وحسبك يا عبد الله [ وحسب المؤمن أن يعرض عنهم فلا يفرح بهم ولا يضحك لهم ]، ما دام عاجزاً ضعيفاً، والمجلس أهله أقوياء، فحسبه أن يعرض عنهم ولا يلتفت إليهم في حال الضعف كما كانوا في مكة، وفي حال القوة ينبغي أن ينكر المنكر وأن يعترض عليهم.
[ رابعاً: وجوب التذكير بالقرآن وخاصة المؤمنين الذين يرجى توبتهم ]، من أين أخذنا هذا؟ كيف عرفناه؟
أما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( وَذَكِّرْ بِهِ )[الأنعام:70]؟ ما هو هذا؟ إنه القرآن الكريم، ذكر به المؤمنين، الذين غلبتهم الشهوات والأهواء والأطماع والمفاسد، هؤلاء لوجود عنصر الإيمان في قلوبهم ذكرهم علهم ينتهون ويتقون، وآية أخرى: ( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ )[ق:45]، ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )[الذاريات:55] بوصفهم أحياء، بخلاف الكافرين فإنهم أموات أو كالأموات.
[وجوب التذكير بالقرآن]، كيف يذكر بالقرآن؟ بالآيات التي تنذر وتحذر أو تتوعد وتوعد بالعذاب، أو تبشر بالخير وأهله، [وجوب التذكير بالقرآن وخاصة المؤمنين الذين يرجى توبتهم]، فلهذا -وأنا كما تعرفون ظاهري كباطني- قلت: لو كوَنَّا لجنة من خمسة أفاضل، لنزور إخواننا الذين في بيوتهم الدشوش، وبأدب واحترام نسلم عليهم وننصح لهم بأن هذا لا ينبغي لكم، ولا يحل لكم، وما نرضى لكم أن تتأذوا أو تفقدوا رضا ربكم، أو تحرموا هداية مولاكم، ما حملكم على هذا؟ هل تجلبون بهذا أموالاً لأنفسكم؟ هل تكتسبون صحة في أبدانكم؟ هل ترتفع بهذا قيمتكم ويعلوا شرفكم؟ الجواب: لا. أبداً، فيا أخانا.. يا شيخنا.. يا ابننا! نرجو -إن شاء الله- أن تنهي هذا.
هل هذا واجب أم لا؟ والله إنه لواجب علينا، وإننا والله لآثمون، فأين الأخوة؟ ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، هل هي أخوة بالكذب؟ إن لسان حال الواحد منهم: أنقذوني فأنا متورط بسبب زوجتي أو بسبب أولادي، فلهذا وضعت هذا الدش على سطح بيتي فأنقذوني أنتم بزيارتكم، حتى أتشجع، وأسأل الله عز وجل أن يعينني لأبعد هذا الفساد من دار الإيمان وبين المسلمين.
هل أهل المدينة فيهم كفار ومنافقون؟ لا والله، بل هم مؤمنون، لماذا -إذاً- لا يذكرون بالقرآن؟ وهل يكفي التذكير في المسجد وهم في المنازل؟ فلم لا نكون في كل حي ثلاثة أنفار أو أربعة، يزورون إخوانهم بالابتسامة والوجه الطلق والكلمة الطيبة، فيربتون على كتف الرجل وينصحونه حتى يترك هذه الفتنة.
[ خامساً: من مات على كفره لم ينج من النار؛ إذ لا يجد فداء ولا شفيعاً يخلصه من النار بحال ]، من أين أخذنا هذه الهداية؟
من قوله تعالى: ( لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )[الأنعام:51]، الولي: الذي يتولى، والشفيع: الذي يشفع، فمن مات على الخبث والظلم والفسق والكفر هذا مصيره.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #742  
قديم 26-08-2021, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (379)
تفسير سورة الأنعام (12)



الله عز وجل هو وحده المستحق للحمد والثناء، فهو سبحانه خالق السماوات والأرض، وهو موجد الظلمات والنور، وهو خالق الإنسان من سلالة من طين، وهو الذي يعلم السر وأخفى، لا تعزب عنه مثقال حبة في السماوات أو في الأرض، وذلك يستلزم الرغبة فيما عنده من خير، والرهبة مما عنده من عذاب.
تابع تفسير قوله تعالى: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود، على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع فاتحة سورة الأنعام، وبالأمس تدارسنا منها ثلاث آيات، وما أكملنا دراستها، فهيا بنا نعيد دراستها بعد تلاوتها المرة والمرتين والثلاث.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:1-3].
المبادئ العقدية الثلاثة التي قررتها السورة
أُعيد إلى أذهانكم أن هذه السورة المكية المباركة الميمونة، والتي زفها سبعون ألف ملك وهم يسبحون الله عز وجل في زجل عجيب، هذه السورة من أولها إلى آخرها تقرر المبادئ الثلاثة الآتية:أولاً: توحيد الله عز وجل، بأن يُعبد وحده ولا يُعبد معه سواه؛ لأن هذه العبادة هي مفتاح دار السعادة، فو الله لا نجاة ولا كمال ولا سعادة إلا بواسطتها، فمن عرف الله معرفة حقيقية أثمرت له حبه في قلبه، فأصبح يحب الله أكثر من نفسه، فضلاً عن ماله وولده والناس أجمعين، ثم تثمر له الرهبة من الله، والخوف منه، هذا الإيمان الذي يثمر الحب والخشية هو العامل الأول الذي يقوي صاحبه على أن يستقيم على منهج الله طوال حياته، فلا يميل يميناً ولا شمالاً، ولا يتأخر القهقرى، بل يواصل سيره إلى باب الجنة دار السلام، وذلك بوفاته ولفظ أنفاسه الأخيرة.
ثانياً: الإيمان بهذا القرآن كتاب الله عز وجل، ومن أنزله عليه، ألا وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: الإيمان بالبعث والجزاء، البعث من الأرض من جديد، ثم الوقوف في ساحة فصل القضاء، ثم الحساب، ثم الجزاء، إما بالنزول في دار السلام، وإما بالهبوط إلى دار البوار.
هذه السورة من أولها إلى آخرها تعمل على تقرير هذه المبادئ الثلاثة.
حقيقة حمد الله تعالى وبيان علته وسببه
فقوله: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ )[الأنعام:1]، وما الحمد إن لم يكن عبادة الله عز وجل، بإجلاله وإكباره وتعظيمه، وطاعته والإذعان لأمره ونهيه، فالوصف بالجمال والحمد والثناء من يستحقهما غير الله؟ وسر ذلك أو علته أنه خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور.عهدنا فيما بيننا: أن من صنع باب خشب وأحسن صنعه يمدح ويثنى عليه، من خاط ثوباً فقط وأحسن خياطته يمدحونه ويثنون عليه، طاهية تطهو طعاماً فيلذ ويطيب للآكلين تمدح ويثنى عليها.
والله هو الذي خلق السماوات والأرض، ونحن نقول: السماوات والأرض، فما السماوات وما الأرض؟ هذه الطباق السبع، سماء فوق سماء، وما فيها من المخلوقات، كيف يتم خلقها، من يقدر على خلقها وقد خلقت؟ هو الله جل جلاله، فهذا الذي استحق الحمد بمعنى كلمة الحمد.
ثم من أوجد الظلمات والأنوار، والظلمات جمع ظلمة، والنور واحد، وهذا التعبير القرآني، الظلمات تجمع لأنها متعددة، ظلمة كل معصية بظلام، وأما النور فواحد، النور واحد، وهو نور الحياة الذي به يشاهد بعضنا بعضا، والنور المعنوي الذي هو نور القلوب، الذي بواسطته تنظر القلوب إلى ربها وتعرفه، فهذا الذي يستحق أن يعبد بكامل العبادة، وهو الذي يستحق الحمد والثناء، والوصف بالجميل، أما من عداه ممن عُبدوا دونه وعظموا وأكبروا، وتمدح بهم، وأثني عليهم؛ فهل هم أهل لذلك؟! ولهذا استحق العبادة وحده، ولا يستحقها معه سواه.
العجب من حال الكفار في شركهم بربهم عز وجل
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )[الأنعام:1]، وهنا حال المتعجب مع هذا، والكفار يعدلون بربهم غيره، الكفار أصحاب ظلمة النفس، الذين كفروا بالله وجحدوا آياته، كفروا بالله وجحدوا آلاءه وإنعامه فعموا فضلوا، فهم في متاهاتهم، هؤلاء يعدلون بالخالق الجبار خالق السماوات والأرض، يعدلون به ويسوون به مخلوقاً من مخلوقات الله، لو سووا به جميع المخلوقات لكانوا قد يعذرون، يسوون به مخلوقا واحدا، لو تجتمع الخليقة كلها فلن تساوي خالقها، مستحيل، فكيف يُعدل بالله عز وجل عبد من عباده أو خلق من مخلوقاته؛ إذ منهم من عبد الظلام، المانوية عبدوا الظلام والضوء، النور والظلمة، ألَّهوهما، قالوا: لفوائدهما ومصالحهما! إن من أوجد الظلام والنور هو الذي يعبد، لا نفس الظلام والضياء، وكذلك الذين عبدوا الشمس والقمر وبعض الكواكب، من خلق هذه الكواكب؟ لم لا نسأل؟ وكذلك الذين هبطوا وعبدوا عيسى ووالدته، من خلق عيسى، من أوجده، من رفعه؟ أمه من خلقها، من صانها وحفظها، من أكرمها؟ كيف يعبدان مع الله؟ وعبدوا غير عيسى وأمه، وعبدنا نحن أيام ظلمتنا الأولياء، عبادة كما يعبد الله، بالعكوف على الأضرحة، بالتمرغ على التربة، بالإقسام والحلف، بالاستغاثة والدعاء، بالذبح والنذر وما إلى ذلك، كيف يجوز تسوية مخلوق بخالق، كالذي يريد أن يسوي النعل بصانعه، هل يعقل هذا؟ نعلك في رجلك تسويه بمن صنعه وهو ذو عقل وكرامة آدمية، كيف يمكن هذا؟! تدعو صانعه فيسمعك ويجيبك، وتدعو النعل فهل يجيبك؟! يسمع صوتك؟! يعطيك حاجتك؟! ولهذا تعجَّب الجبار عز وجل فقال: ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )[الأنعام:1] بربهم: أي بخالقهم ورازقهم، ومدبر حياتهم، وهو الذي يملك حياتهم وموتهم، وغناهم وفقرهم، يسوون به غيره، أين العقول؟! أين الفهوم؟! أين المدارك؟! أين.. أين؟! والجواب: الكفر موت، من كفر مات، والميت هل يلام إذا لم يسمع؟! يلام إذا لم يجب؟! لا يلام. فالكافرون أموات غير أحياء وما يشعرون.
فمن نفخت فيه روح الإيمان فحيي، فأصبح يسمع ويبصر، ويقول ويفهم، ويعطي ويأخذ، نعم هذا حي، أما من فقد روحه فقد مات، والإيمان بمثابة الروح، من فقده مات وهو ميت.
اختصاص الله تعالى بخلق الإنسان وإيجاده
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )[الأنعام:1]، (هُوَ )[الأنعام:2] لا غيره، لا سواه، ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ )[الأنعام:2]، هل هناك من يقول: لا؟! ألا تعترف بأن الله الذي خلقنا من طين؟! فقل لنا إذاً: تعترف بمن؟! تقول: ما خلقنا أحد؟! أنت مجنون. أنت مخلوق، تقول: غير الله! أشر إليه. من هو؟! فلم يبق إلا أن تطأطئ رأسك وتقول: آمنت بالله، خلقكم من طين، فلم ترفعون أنفسكم وتتكبرون؟ أصل مادتكم من الطين، وفيه أيضاً عبرة كبيرة لمن ينكرون البعث الآخر، فإذا أعلمتهم أنهم خلقوا من طين؛ إذاً تموتون وتصبحون طيناً من جديد وتخلقون، لو كنتم لا تموتون نعم تقولون: لا نبعث، ولا حياة أخرى، لكن ما دمتم تقولون: ( أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ )[المؤمنون:82]، نعم هذه هي الحجة عليكم، لما تموتون تتحللون وتصبحون ترابا، ويخلقكم الذي خلقكم أولاً من تراب، هذا أقرب إلى العقل والفهم.لو كان الكافر يقول: لا نموت نعم لا يبعث، لكن ما دام يموت ويتحلل ويصبح تراباً؛ إذاً لا يملك أن لا يبعث، فالذي خلقه أولاً من طين يخلقه مرة ثانية.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا )[الأنعام:2]، أية قدرة أعظم من هذه؟ قضى آجالنا، هذا يعيش خمسين، وهذا عشرا، وهذا سنة، ولا يتخلف أبداً ولو على لحظة واحدة، ولا يستطيع إنسان تحت السماء أن يقول: أنا أملك ألا أموت، أو لا يموت ولدي أو أبي، أو أنا أستطيع أن أؤخر هذا سبعين سنة أخرى.
تقدير الله تعالى أجل الإنسان وأجل الحياة الدنيا
(ثُمَّ قَضَى أَجَلًا )[الأنعام:2] وحكم به، هل هناك من يستطيع أن يقول: لا نسلم بهذا القضاء ولا بهذا الحكم الإلهي؟ ولن نموت إلا إذا اشتهينا الموت؟ هل هناك من يتكلم بهذا؟ قضى أجلاً. وأجل آخر للبشرية كلها، مسمى عنده ومعروف يومه وساعته ولحظته، هذا الذي يستحق أن يعبد أم عيسى؟ هذا الذي يستحق أن يعبد أم الملائكة؟ هذا الذي يستحق أن يعبد أم الأولياء، فضلاً عن الأحجار والأصنام والتماثيل؟ إذ تلك ما عبدوها لذاتها، وإنما عبدوها يستشفعون بها عند الله عز وجل.
العرب أذكياء بالفعل، ومع هذا عبدوا اللات والعزى، ولكن ما قالوا: تخلق ولا ترزق، ولا تميت ولا تحيي، أبداً، قالوا: إنما نتقرب بها إلى الله.
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ )[الزمر:1-3] ماذا يقولون: ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )[الزمر:3].
لأنك إذا سألت عربياً في البادية، في الحضر: من خلق السماوات ؟ ما يقول: اللات، وهو إذا استطاع أن يبول عليها بال عليها، فكيف يقول: اللات؟ من خلقك أنت؟ ما يقول: العزى ولا اللات، يقول: الله. ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ )[الزخرف:87]، ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السماوات وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )[لقمان:25] قل فأنى تؤفكون.
الجهل في حياة المشركين المعاصرين
والغريب أن الخلاف بين مشركينا ومشركيهم أن مشركينا أجهل كما بينا أمس، ومشركونا ما يسمون الولي إلهاً، ما يقولون: إله أبداً، يقولون: ولي، أما المشركون الكفار فيقولون: إله، إلا أن أولياءنا نعبدهم لجهلنا وذهاب نور القرآن من قلوبنا أكثر مما يعبد المشركون اللات والعزى، أنذبح لهم أم لا؟! هذا عجل السيد البدوي ، هذه شاتي لـعبد القادر ، هذه نخلة مولاي فلان! ذبائح ونذور، أما الحلف فلا تسأل، ممكن أن يحلف بالله مرة ويحلف بالولي سبعين مرة، والمشركون قل ما يحلفون بغير الله، يحلفون بالله عز وجل.
المؤامرة على المسلمين بإبعادهم عن الاستهداء بالقرآن الكريم
وهنا ما يجدينا البكاء ولا ينفعنا، ولكن نقول: الذي أوقعنا في هذه الفتنة هو العدو المكون من المجوس واليهود والنصارى، فهيا نبغضهم لله، فهيا لا نذعن لهم، ولا ننقاد لحالهم، ونحاول أن نتفصى عنهم تمام التفصي، ما استطعنا مخالفتهم في شيء إلا خالفناهم فيه لنستقل، لأنهم مكروا بنا، تعرفون ماذا فعلوا بنا؟ درسوا كيف ارتقت هذه الأمة التي كانت لاصقة بالأرض، كيف عزت وسادت وكانت مستعمرة للفرس من جهة، وللأحباش من جهة، والرومان من جهة، كيف علت؟! كيف سمت؟! كيف حكمت وسادت؟! بحثوا عن سر ذلك، فعثروا -والله- عليه، ألا وهو القرآن والنور المحمدي، الكتاب والسنة، هذا سر ارتفاعهم وعزهم وكمالهم، إي والله الذي لا إله غيره، القرآن روح، ولا حياة بدونه، السنة النبوية نور ولا هداية بدونها، فماذا يفعلون، اجتمعوا مرة القسس والرهبان، وقالوا: هل في الإمكان أن نسقط من القرآن كلمة (قل)، حرفان القاف واللام فقط، إذا استطعنا أن نسقط كلمة (قل) فيتخلى عنها المسلمون نستطيع أن نذهب القرآن بالمرة، اجتمعوا أكثر من عشرين يوماً، ما استطاعوا، قالوا: لأن القرآن يحفظه النساء والرجال، البدو والحاضرة، مكتوب في السطور، كيف نحذف كلمة قل هذه، وسر (قل) إذا أسقطوها أنهم يقولون للمسلمين: القرآن ليس بكلام الله أبداً، هذا من كلام محمد صلى الله عليه وسلم، فاضت به روحه لذكائه وصفائه، لأنه في أرض حارة صحراوية، هذه تنتج له هذه المعاني والمعارف، أما مع قل: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ )[الأعراف:158]، من الذي يقول له: قل؟ إذًا: محمد مربوب والخالق يأمر، ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )[الكافرون:1]، هذا ما هو بمحمد، واحد يقول له: (قل) من هو؟ هذا هو الله، ( قُلْ هُوَ اللَّهُ )[الإخلاص:1] ، وهكذا.فاقتنعوا بأن هذا القرآن كلام الله، ما هو من عند محمد صلى الله عليه وسلم، بل يوحى إليه ويملى عليه ويؤمر بأن يقول. واستطاعوا أن يضعوا لنا قاعدة، وهي موجودة في هوامش كتب الفقه المالكي وخاصة الحطاب على خليل، يقولون: تفسير القرآن صوابه خطأ، من فسر القرآن كتفسيرنا هذا إن أصاب فهو مخطئ آثم، وأنتم أيها المستمعون آثمون، فاحذروا من الحلقة.
وخطؤه كفر، وإذا فسر وأخطأ فقد كفر، فأصبح لا يجتمع الناس على تفسير كتاب الله، في القرى والمدن والحواضر حتى في مكة، ما يجتمعون عليه، إذاً ماذا يصنعون بالقرآن؟ يقرءونه على الموتى، إذا مات السيد فلان الغني الرئيس الفقيه العالم؛ فإنهم يقرءون عليه ثلاث ليال، وبعضهم سبع ليال، وبعضهم أربعين ليلة، وقد ذكرت لكم ما بلغني أنهم جعلوا نقابة، النقيب فلان في التلفون، إذا توفي لك قريب فدق عليه التلفون: نريد طلبة قرآن الليلة عندنا ميت، يقول: من فئة المائة ريال أم المائتين، يعني: إذا كان غنيا فمن فئة مائتي ريال لليلة الواحدة، وإذا كان فقيرا فمش الحال بالمائة ريال.
هكذا فعلوا بكتاب الله من إندونيسيا إلى موريتانيا، لا يقرأ القرآن إلا على الموتى، وإلى الآن ما زالوا يتشدقون بعض التشدق، يسمونه عشاء القبر.
والشاهد عندنا في أن النور الإلهي ما استطاعوا أن يطفئوه، كلام الله ما استطاعوا أن يمحوه، فاحتالوا فصرفوا القلوب عنه؛ لتعيش الأمة في الظلام والموت لا في الحياة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #743  
قديم 26-08-2021, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

دليل نجاح اليهود والنصارى في تنحية القرآن والسنة عن الحياة العملية لدى المسلمين
ومن قال كبرياء: ما الدليل على هذا؟ نقول: هل ذلت أمة الإسلام ودانت للكفار وحكموها وساسوها وأذلوها من إندونيسيا إلى موريتانيا أم لا؟ حكموا وسادوا أم لا؟ كيف حصل مثل هذا والله يقول: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا )[النساء:141]؟ فلو كنا -والله- مؤمنين بحق ما حكمنا النصارى ولا الغرب ولا الشرق، لكن كنا مؤمنين، أما المؤمنون بصدق وحق فهيهات هيهات أن يسودهم الكافر ويحكمهم، ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )[النساء:141]، المؤمنون بصدق وحق، المؤمنون حق الإيمان، الذين عرفوا ربهم وآمنوا به، عرفوه أولاً بجلاله وكماله، وعظمته وسلطانه، ورحمته وعدله، فذلوا وهانوا له وعبدوه، أولئك هم المؤمنون.والسنة تقرأ للبركة، في الجوامع الكبيرة حين يدخل رمضان يجتمع أعيان البلاد والأغنياء وأهل الفراغ، ويقرءون فيه البخاري للبركة، هذا رأيناه في الديار الجزائرية ووجدناه في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وموجود في غيرهما، السنة تقرأ للبركة، كيف للبركة! نتبرك بالحديث، والحديث يقول: ( من أحدث فليتوضأ )، تعاليم، كيف نتبرك به؟ ماذا نصنع به ما دمنا لا يجوز لنا أن نعمل به، ولا نقرأه للهداية؛ لأن فيه الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، وغير ذلك، ونحن استغنينا بكتب فقهائنا نصلي ونصوم ونحج ونعتمر، فماذا نصنع إذاً بهذه السنة؟ أنهجرها؟ دعنا نجتمع عليها للبركة، فهمتم ما فعل العدو أم لا! هذا ما هو بعدو جاهل مثلنا، هؤلاء كبار المفكرين في النصارى واليهود والمجوس، كيف وصلوا إلى هذا؟ واستطاعوا أن يربطونا إلى الأرض ويلصقونا بها، وإلى الآن نحن لاصقون بالأرض.
والله لو كنا أحياء ما رضينا ليلة واحدة أن تنقسم أمتنا إلى ثلاثين أو أربعين دولة، لتبقى مهانة فقيرة ، وقد كان في أربع وعشرين ساعة إمام المسلمين فلان والأمة كلها أمة واحدة، ويطبق كتاب الله وهدي رسول صلى الله عليه وسلم.
وأوضح من هذا حفنة من اليهود أذلتنا وأهانتنا، وداست كرامتنا، وحطمت هكذا شرفنا، ونحن في حياء نتخبط ليل نهار، ماذا نصنع مع اليهود؟ أين يذهب بعقولنا؟ إننا متنا. اللهم أحينا! اللهم أحينا!
إذاً: من خلق الظلمات والنور؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه هو الذي خلقنا من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده، ما الأجل المسمى عند الله؟ قلنا: الأجل أجل يوم القيامة، والأجل الذي قضاه لنا ما هو؟ أجلنا. الذين نصلي عليهم كل صلاة انتهت آجالهم أم استعجلت؟ انتهت. محددة باللحظة والثانية، هذا هو الله خالق السماوات والأرض والظلمات والنور.
حال الكفار بعد تقرير الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى
(ثُمَّ أَنْتُمْ )[الأنعام:2] يا بني آدم ( ثُمَّ أَنْتُمْ )[الأنعام:2] يا بني الناس، يا معشر الكفار على اختلاف مذاهبكم ( تَمْتَرُونَ )[الأنعام:2]، مع هذه الآيات، خلق السماوات والأرض، والظلمات والنور، والآجال والموت والحياة، مع هذا تشكون في ربكم، وما تصرحون بأن لا إله إلا الله، ( ثُمَّ أَنْتُمْ )[الأنعام:2]يا للعجب ( تَمْتَرُونَ )[الأنعام:2]، والامتراء نوع من الشك والاضطراب وعدم اليقين، فلو كانوا ينظرون إلى هذه الأكوان نظرة حقيقية لذهبوا يبحثون عن الله، من هذا الذي رفع هذا الكوكب في السماء فأنار به الدنيا، من هذا الذي أوجد هذا الليل المظلم، من أوجد كذا وكذا، سيجدون من يقول: هذا الله، من هو الله؟ الذي خلقك، وخلق أمك وأباك، إذًا: ماذا نصنع؟ إن أمرك أطعه، واطلب محبته وطاعته حتى تذوب في ذلك، لكن لا يسأل ولا يفكر ولا يبحث، أما إذا كان الطعام أمامه يأكل ويشرب؛ فإنه ما يفكر من أين هذا النعيم، من أين حصل، كيف كان، كيف تم، كالبهيمة، ( ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ )[الأنعام:2].
استحقاق الله تعالى وحده العبادة في السموات والأرض
(وَهُوَ اللَّهُ )[الأنعام:3] كلمة (الله) عرفنا أنها علم على ذات الرب جل جلاله وعظم سلطانه، (الله) علم، كما نقول للمخلوق: خالد، فهذا علم على هذه الذات، فالذوات البشرية متساوية، فكيف نميز بعضها عن بعض؟ بالأسماء. إذاً: فـ(الله) علم، خالقنا اسمه الله، الذي خلق السماوات والأرض والظلمات والنور، وخلقنا، وخلق لنا الآجال والدنيا والآخرة، اسمه الله، هذا هو الاسم وهو الاسم الأعظم، هذا الاسم الذي ينادى به الجبار عز وجل، هذا الذي تتناول طعامك باسمه: باسم الله، هذا الذي تحمده وتقول: الحمد لله، هذا الذي يملأ قلبك حبه والخوف منه، هذا هو الله.
(وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ )[الأنعام:3]، وهو الله في السماوات وفي الأرض إله معبود، لطيفة: ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ )[الأنعام:3]، والمعنى: وهو المعبود في السماوات وفي الأرض، أي نعم، هو المعبود بحق، ولا يستحق العبادة غيره من العوالم العلوية أو السفلية، كقوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ )[الزخرف:84]، أي: المعبود في السماء، والمعبود في الأرض، الخلق خلقه، والنعمة نعمته، وهو الذي يستحق أن يعبد في السماوات وفي الأرض.
اختصاص الله تعالى بعلم السر والجهر ودلالة ذلك على عظمته ووحدانيته
وأخرى: ( يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ )[الأنعام:3]، اجتمعوا في الظلام في السراديب، اختفوا وتساروا بالكلام بينكم، والله ليعلمنه، ولو شاء لقال: قلتم كذا وكذا، فلهذا هذا الذي يستحق أن يعبد، هذا الذي يستحق أن يخاف منه ويرهب، هذا الذي ينبغي أن نتقرب إليه ونتزلف، هذا الذي معنا، يعلم سرنا ونجوانا، وهو بائن من خلقه، فوق سماواته، فوق عرشه، ونحن بين يديه وفي قبضته، لا يخفى عليه من أمرنا شيء، آه لم لا نأخذ بهذه؟! ندخل في الصلاة ونصلي وكأننا لسنا مع الله، نمشي ونتكلم ونجلس ونأكل ونشرب وما نذكر أننا مع الله، من صرف قلوبنا؟ العدو إبليس؛ لأن نسيان الله هو الهلاك، فلا تُرتكب كبيرة، ولا تغشى معصية ولا يسيل دم إلا بعد نسيان الله عز وجل. إياك أن تفهم أن عبداً قلبه مع الله يذكره، ويمد يده ليقتل فلانا وفلانا، القلب مع الله يذكره ويمد يده ليتناول مالاً حراماً، قلبه مع الله وينظر إليك بنظرة كذا، أو يسبك أو يشتمك وأنت ولي الله معه، العلة هي نسيان الله، وإن شئت فقل: الغفلة.
علم الله تعالى المحيط بما تكسبه جوارح عباده
(وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:3]، نكسب بماذا؟ بالآلات الأمريكانية، الكسب يتم بماذا؟ بالجوارح، كم جارحة عندنا؟ الجوارح عندنا ما يلي: السمع نجترح به الحسنة والسيئة، تصغي تسمع العلم والمعرفة والذكر هذه حسنة، وتصغي تسمع الباطل والمنكر والأغاني هذه سيئة.الجارحة الثانية: البصر، العينان نبصر بهما، نكسب بهما أم لا؟ انظر إلى السماوات، إلى الكواكب، إلى المخلوقات؛ يزيد إيمانك وتعظم مودتك ومحبتك لله، انظر نظرة حسد تتحطم، انظر نظرة محرمة إلى مؤمنة، إلى أمرد تتلذذ به تهلك، وتكون قد اجترحت سيئة عظيمة.
واللسان وهو أعظمها، المصريون يقولون: لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن خنته خانك، هذا مثل مصري، يقولون: لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن خنته خانك، وحسبنا أن يقول الحبيب هكذا بيده: ( كف عليك هذا ) أي: لسانك، ( قال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ).
الشاهد عندنا أن هذه الجارحة أكبر مصيبة، هذه جارحة اللسان.
رابعاً: اليدان، بهما تأخذ وتعطي، الذي يتناول سيجارة بيده اليمنى ويدخلها في فمه اجترح سيئة أم لا؟ اجترح سيئة. والحلاق في صالون الحلاقة وبيده الموسى تلمع، فيحلق لحى الرجال فلا يبقى لهم شعر، ولا ما يدل على فحولتهم، هذا ماذا صنع؟ اجترح سيئة أم لا؟ أكبر سيئة تخنث رجالنا، على الأقل اترك بعض اللحية -لحية سعودية- لنعرف أنه ذكر، أما أن تحلق الشارب واللحية فأنت تخنثه أم لا؟ كيف يجوز هذا مقابل عشرين ريال، والله لو تعطى مليون ريال ما تقبل هذا، فكيف تخنث فحلاً من فحول الإسلام، إلا أنك تقول: هو الذي طلب، انصح له، بين له، لا تسمح له أبداً أن يفعل هذا، حسن له اللحية وزينها لا بأس، أما أن تحلق اللحية والشارب فلا.
واليد بها السرقة والدم والدمار، وبها العطاء والزيادة، فهي جارحة.
والرجل أيضاً تمشي بها أم لا؟ يمشي في ليال سوداء أربعين كيلو متر ليحضر عرسا، وخمس خطوات عند المسجد ما يخطوها، أربعين كيلو متر يمشيها ليحضر حفل فلان والزوجة الفلانية، والمسجد عند الباب لا يستطيع الذهاب إليه! يصلي في البيت، إذاً: الرجل جارحة أم لا؟
وأعظم الجوارح الفرج، الفرج الذي ينتج البنين والبنات.
هذه هي الجوارح أم وإلا لا؟ بها الكسب، فقول ربنا: ( وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:3]، ما معنى: نكسب؟ ما نجترحه بجوارحنا من خير وشر، هذه الجوارح، وحتى الفرج أيضاً فيه حسنة، أي نعم: ( وفي بضع أحدكم صدقة ).
(وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:3]، ولازم علمه ما نكسب الجزاء، وليس المراد أنه يعلم فقط، معناه أنه سوف يحاسبنا بدقة على كسبنا الخير والشر على حد سواء، فعجب هذه الآيات، نسمعكم شرحها مرة ثانية لتتأكدوا، وأنا أطلب منكم أن تحفظوا هذه الآيات، ثلاث آيات تصلون بها النافلة، لو عزمتم عليها أمس والله لحفظتموها.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
معنى الآيات

يقول الشارح غفر الله لنا وله وإياكم والمؤمنين: [ يخبر تعالى بأنه المستحق للحمد كله] ما الحمد؟ قال: [ وهو الوصف بالجلال والجمال، والثناء بهما عليه، وضمن ذلك يأمر عباده أن يحمدوه، كأنما قال: قولوا: الحمد لله ]، ولهذا في الفاتحة: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الفاتحة:2]، كأنه قال: قولوا: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )[الفاتحة:2-4] ثم تملقوه وقولوا: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة:5]، ثم اطلبوا منه حاجتكم: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الفاتحة:6].فهمتم هذه أم لا؟ احمدوه وأثنوا عليه، ومجدوه وتملقوه واطلبوه، أما من أول وهلة تقول: ربنا اهدنا فما ينفع، والعوام يعرفون هذا، إذا أراد أن يطلب من شيخ أو من غني مسألة لا يقول له: أعطني، يقول: يا عم، يا سيد، عرفناك بكذا، سمعنا أنك كذا وكذا وكذا، بعد ذلك يقول: أعطنا كذا، فالله أولى بهذا أم لا؟
فكأنه تعالى يقول: قولوا: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )[الفاتحة:1-5]، تملق هذا أم لا؟! لا نعبد إلا أنت، ولا نستعين إلا بك، إذاً: اهدنا الصراط المستقيم.
فلهذا قال: [كأنما قال: قولوا الحمد لله، ثم ذكر تعالى موجبات حمده دون غيره].
موجبات الحمد له ما هي؟
أولاً: [(الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ )[الأنعام:1] فالذي أوجد السماوات والأرض وما فيهما، وما بينهما من سائر المخلوقات، وجعل الظلمات والنور وهما من أقوى عناصر الحياة؛ هو المستحق للحمد والثناء لا غيره، ومع هذا فالذين كفروا من الناس يعدلون به أصناماً وأوثاناً ومخلوقات، فيعبدونها معه، يا للعجب! هذا ما دلت عليه الآية الأولى.
أما الثانية: فإنه تعالى يخاطب المشركين موبخاً لهم على جهلهم، مندداً بباطلهم فيقول: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ )[الأنعام:2]، لأن آدم أباهم خلقه من طين، ثم تناسلوا منه، فباعتبار أصلهم فهم مخلوقون من طين، ثم الغذاء الذي هو عنصر حياتهم من طين، ثم قضى لكلٍ أجلاً وهو عمره المحدد له، وقضى أجل الحياة كلها الذي تنتهي فيه، وهو مسمى عنده معروف له، لا يعرفه غيره، ولا يطلع عليه سواه، ولحكم عالية أخفاه، ولم يُطلع عليه سواه، ثم أنتم أيها المشركون الجهلة تشكون في وجوب توحيده وقدرته على إحيائكم بعد موتكم لحسابكم ومجازاتكم على كسبكم خيره وشره، حسنه وسيئه.
وفي الآية الثالثة: يخبر تعالى أنه هو الله المعبود بحق في السماوات وفي الأرض، لا إله غيره ولا رب سواه، ( يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:3] من خير وشر، فهو تعالى فوق عرشه، بائن من خلقه، ويعلم سر عباده وجهرهم، ويعلم أعمالهم وما يكسبونه بجوارحهم، ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )[غافر:19].
لذا وجبت الرغبة فيما عنده من خير، والرهبة مما لديه من عذاب، ويحصل ذلك لهم بالإنابة إليه وعبادته والتوكل عليه].
اللهم ارزقنا ذلك، وأعنا عليه، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #744  
قديم 26-08-2021, 04:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (380)
تفسير سورة الأنعام (13)



من أحبه الله من عباده وفقه للإيمان، ويسر له طريق الهداية والرشاد، فالواجب في حقه أن يعرض عمن يريدون له أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، والعاقل لا يستبدل سبل الشياطين بسبيل الهدى الذي أرشده إليه رب العالمين، بل يقيم على طاعة الله عز وجل، وأداء العبادات، وترك المعاصي والسيئات، ما امتدت به الحياة، حتى يحشر إلى ربه يوم القيامة راضياً مرضياً.
تفسير قوله تعالى: (قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
هذا ولنذكر أننا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلك السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، ونحن مع الآيات الثلاث التي سنسمع -إن شاء الله- تلاوتها مجودة مرتلة من أحد الأبناء، ثم نأخذ في تدبرها وشرحها وفهم مراد الله منها، رجاء أن نعلم فنعمل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:71-73].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ )[الأنعام:71]، من الآمر؟ إنه الله. من المأمور؟ رسول الله، ( قُلْ )[الأنعام:71] يا رسولنا لهؤلاء المشركين الكافرين، الذين يحاولون أن يردوكم عن دينكم.
محاولة المشركين صرف المسلمين عن عبادة الله تعالى إلى عبادة أوثانهم
وهنا أذكركم بأن سورة الكافرون التي بين سورتي الكوثر والنصر، سورة: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )[الكافرون:1] نزلت بشأن رغبة المشركين؛ إذ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم والجماعة المؤمنة معه: اعبدوا معنا آلهتنا سنة ونعبد معكم إلهكم سنة! عرض رخيص، ولولا حماية الله فلربما قبل، لم؟ قد نقول: هم ما عرفوا الله، لكن إذا عبدوه معنا سوف يعرفون ويؤمنون ويستقيمون، ولكن الله عز وجل لم يرض ذلك، وأنزل على رسوله قوله: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ )[الكافرون:1-6]، فكان فيصلاً، أيأسهم وقطع آمالهم والحمد لله. وهذا التأكيد الظاهر في التكرار لييأسوا، ومع هذا أخذوا أيضاً يخلون ببعض المؤمنين ويعرضون عليهم:لم الاستمرار في هذا الدين الجديد، وها أنت في كرب، وأنت في كذا، لم تعدلون عن دين آبائكم وأجدادكم؟
وأنتم تعرفون السياسة وتعرفون أصحاب الأهواء والأطماع، الآن تعرفهم في كل مكان بأساليب خاصة، فأنزل الله تعالى على رسوله قوله: ( قُلْ )[الأنعام:71] يا رسولنا ( أَنَدْعُوا )[الأنعام:71]، أنعبد، ( مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا )[الأنعام:71]، والاستفهام للإنكار، كيف يكون هذا؟ ( أَنَدْعُوا )[الأنعام:71]، بمعنى: أنعبد، لأن الدعاء هو العبادة، ما كانوا يصومون ولا يصلون للآلهة، ولكن كانوا يعبدونها بدعائها، والاستغاثة بها، والاستعاذة بها، وذبح القربان لها، والحلف بها، هذه هي مظاهر العبادة، والدعاء يشملها، فلهذا من دعا غير الله كفر، لم يبق له حظ في الإسلام، ولم ندعو غير الله؟ هل الذي ندعوه يجيب دعاءنا؟ هل يفرج كربنا؟ هل يقضي حوائجنا؟ هل سيدفع الضرر عنا؟ هل سيجلب الخير؟ لا؛ لأنه لا يملك لنفسه ولا لنا شيئاً.
على سبيل المثال: عيسى بن مريم روح الله وكلمته، لو وقفت ألف سنة تقول: يا ابن مريم، يا روح الله، يا عيسى! امرأتي بها كذا.. أنا مصاب بكذا وكذا؛ فوالله ما استجاب لك، ولا سمع دعاءك ولا عرف حاجتك، ولا يقوى على أن يعطيك شيئاً، فكيف بالأولياء والصالحين الذين ألهتهم هذه الأمة أيام جهلها وظلمة نفوسها؟!
آثار الجهل الناشئ عن انصراف المسلمين عن هدي القرآن الكريم
هذه الآية ما كانوا يقرءونها، لو اجتمعوا عليها اجتماعنا هذا وقرءوها والله ما دعوا عبد القادر ولا العيدروس ولا البدوي ولا فاطمة ، ولا الحسين أبداً، لكن القرآن يقرءونه على الموتى، لا يجتمعون عليه ليتفكروا ويتدبروا ويعرفوا مراد الله من كلامه وما أراده منهم وما طلبه لهم، فكيف يعلمون؟ هل سيوحى إليهم؟ فعلتنا أنهم صرفونا عن القرآن، لا بالحديد والنار، ولكن بالسحر والباطل والكلام، فما أصبح اثنان يجتمعان على آية يتدبرانها، ولا على سورة يفهمان مراد الله منها، فعم الجهل والظلام وأصبحنا كالمشركين، وقد ظهرت لنا مظاهر كان المشركون خيراً منا فيها، فالمشركون -عليهم لعائن الله- كانوا إذا كانوا في الشدة لا يفزعون إلا إلى الله، إذا أصابهم قحط أو مرض أو بلاء أو مصيبة لا يعرفون إلا الله عز وجل، لا يذكرون معه اللات ولا العزى ولا غيرهما، لكن إذا جاء الرخاء واللهو يعبدون غير الله، وأما المسلمون الجاهلون من القرن الرابع إلى اليوم -إلا من رحم الله- فلا فرق عندهم بين الشدائد والرخاء واليسر، في الكل: يا سيدي عبد القادر ، يا مولاي إدريس ، يا سيدي فلان يا فلان.. والسيارات مكتوب عليها: يا فاطمة ، يا حسين ، فلا إله إلا الله إلا الله! ما سبب هذا يرحمكم الله؟
إنه الجهل الذي نتج عن إبعادنا عن القرآن الكريم، وافهموا هذا وبلغوه، نظر الخصوم ذلكم الثالوث المظلم المكون من المجوسية واليهودية والصليبية، نظروا في اجتماعات خاصة، فرأوا أن هذه الأمة ما علت ولا ارتفعت، ولا طابت ولا طهرت إلا بالوحي الإلهي القرآني الكريم، فقالوا: إذاً: نقضي عليها، كيف نقضي عليها؟ هل ندخل معها في حروب؟ ما نجحنا، دخلنا وما فزنا، إذاً: السر في عزها وكمالها وعلمها القرآن، أبعدوا القرآن عنها. وهل يستطيعون أن ينتزعوه من صدور المؤمنين والمؤمنات؟ ما استطاعوا، هل يستطيعون أن يأخذوا كل مصحف في الأرض؟ لا يمكنهم. إذاً: الطريقة الوحيدة أن نبعدهم عن تدبره وتفهمه، ومن هنا نحوله إلى الموتى، إذا مات السيد أو ماتت السيدة يجتمعون عليهما ويقرءون القرآن، قرابة ألف سنة وهذا هو الوضع، فمن ثم شاع فينا الضلال والباطل وانتشر الكفر والشرك، والحمد لله على أن ردنا الله.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #745  
قديم 26-08-2021, 04:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

التصوير القرآني للردة بعد الهداية في معرض الإنكار على المشركين
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ )[الأنعام:71]، بعد ما مشينا في طريق السعادة والكمال والطهر والصفاء نرجع إلى الوراء؟ كيف يتم هذا؟ كيف نقبل هذا؟ كيف نطالب به؟ فلهذا من عرف الله فوالله الذي لا إله غيره لو مُلِّك ما على الأرض كلها على أن يكفر ما كفر، والله لو عرضت عليه خزائن بريطانيا المالية على أن يكفر ما قبل، والذين ما عرفوا وانتسبوا إلى الإسلام بالنسبة فإنه بوظيفة فقط يتخلى أحدهم عن الإسلام، وظيفة فقط، بل رخيصة أيضاً، ولا لوم؛ فما عرف الله حتى يحبه ويخشاه. أسمعتم هذا الإنكار؟ قل يا رسولنا لهؤلاء الذين يعرضون الردة عليك وعلى إخوانك: أنرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، فنصبح كالذي استهوته الشياطين حيران، يصبح حالنا حال من تاه في الصحراء، زينت له شياطين الإنس والجن أطماعاً وأغراضاً وتاه في صحراء لا يعرف الطريق ولا إلى أين يذهب ولا كيف يعود، هذا مثل من خرج من دين الله الحق الإسلام وتدين بدين الباطل، سواء كان مسيحية أو يهودية أو مجوسية أو غيرها.
(كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ )[الأنعام:71]، استمالته، ( الشَّيَاطِينُ )[الأنعام:71]، بالوساوس والتزيين والتحسين في صحراء فتاه، و( لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا )[الأنعام:71]، يا فلان! هذه الطريق، فما يسمع ولا يقوى على أن يجيبهم ولا يعرف كيف يجيبهم حتى هلك كذلك، أتريدون أن نصبح نحن هكذا؟ قال: لا، أنرد على أعقابنا إلى الكفر بعد الإيمان، إلى الشرك بعد التوحيد، إلى الطهر بعد الخبث، فتصبح حالنا كحال الذي استهوته الشيطان، (اسْتَهْوَتْهُ): استمالته بهواها وهواه، وغررت به ورمت به في صحراء، وله أصحاب يدعونه أن: تعال، الطريق هنا، أنت أخطأت، فما يسمع. معنى قوله تعالى: (قل إن هدى الله هو الهدى)
ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ )[الأنعام:71]، يا رسولنا: ( إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى )[الأنعام:71]، هدى اللَّه أما تعرفونه؟ والله إنه للإسلام، لا الصليبية ولا المجوسية ولا أية ملة، الهدى الموصل إلى رضوان الله، ثم النزول بدار السلام، والمحقق للسعادة والكمال في الدنيا قبل الآخرة، إنه دين الله الذي هو الإسلام، أما قال تعالى: ( قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ )[آل عمران:73]؟ وقال: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ )[آل عمران:19]، وقال تعالى: ( وَمَنْ يَبْتَغِ )[آل عمران:85] يطلب ( غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[آل عمران:85].(قُلْ )[الأنعام:71]، يا رسولنا والمبلغ عنا: ( إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى )[الأنعام:71]، لا غيره، أما ما تزينه الشياطين من الشرك والباطل والخلاعة والدعارة والفسق والفجور فلن يكون هذا ديناً لله أبداً، ولن يسعد صاحبه بحال من الأحوال.
معنى قوله تعالى: (وأمرنا لنسلم لرب العالمين)
وقال له: قل أيضاً: وأمرنا أن نسلم لرب العالمين، ( وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ )[الأنعام:71] قلوبنا ووجوهنا ( لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )[الأنعام:71]، فهذا الذي يستحق أن تسلم له القلوب والوجوه؛ لأنه خالق العالمين ومدبر حياتهم ووجودهم، رب العالمين، مالك العالمين، المدبر أمرهم والمتصرف فيهم، هذا الذي أسلم له قلبي ووجهي، فإذا أعطيته قلبي فأصبح قلبي لا يتقلب إلا في طلب رضاه، وأسلمت وجهي فلا أقبل على أحد إلا عليه؛ فهذا الذي ينفعني إذا أسلمت له قلبي ووجهي، أما الذي لا يملك شيئاً فلن ينفعني بشيء، حتى عيسى عليه السلام، قال تعالى في عيسى ووالدته البتول مريم عليهما السلام لما ألهوهما وعبدوهما وجادلوا رسول الله فيهما، قال تعالى: ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ )[المائدة:75]، من الصديقات، ( كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ )[المائدة:75]، والذي يأكل الطعام يرمي العفن أم لا؟ هذا الذي يحمل العذرة والبول والأوساخ في جسمه يستحق أن يعبد؟ كيف ذلك يا عقلاء؟! عجب هذا القرآن، ولقد صدقت الجن حين قالت: ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا )[الجن:1]. فالقرآن أسكتهم، يقول: تعبدون مريم وولدها عيسى وهما يأكلان الطعام؟ ولازم ذلك أنهما يفرزان القذى والوسخ، ولهذا قالوا: عجباً للإنسان كيف يتكبر وأصله نطفة قذرة، وفي بطنه العذرة، وغداً يصبح جيفة منتنة، كيف يتكبر هذا؟! أما يستحي؟! أنت أصلك من ذهب أم من نحاس أم من حديد؟ ألست نطفة منتنة قذرة؟ وماذا تحمل في بطنك؟ الخرء والبول، أعوذ بالله، ونهايتك كيف هي؟ جيفة منتنة ما تشم رائحتها ولا يجلس إليها، أمثل هذا يتكبر ولا يعبد الله عز وجل؟
قال تعالى: ( وَأُمِرْنَا )[الأنعام:71]، من الذي أمرنا؟ إنه الله جل جلاله ربنا؛ ( وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )[الأنعام:71]، نسلم له قلوبنا ووجوهنا، فقلوبنا طول الحياة لا تفكر إلا في رضا الله عز وجل، وكيف تحققه، لا نلتفت يميناً ولا شمالاً بوجوهنا، وإنما كل أملنا وكل ما نطلبه من ربنا عز وجل، لا نطلب عيسى ولا مريم ولا صنماً ولا حجراً ولا ولياً ولا قطباً من الأقطاب الباطلة.
تفسير قوله تعالى: (وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون)
ثالثاً: قال تعالى: ( وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ )[الأنعام:72]، أي: وأمرنا أيضاً أن نقيم الصلاة؛ إذ لم يكن يومها من عبادة في مكة إلا الصلاة فقط، ما فرض صيام ولا حج ولا زكاة، إلا الصلاة. يقول: أمرنا أن نقيم الصلاة ونتقيه عز وجل، فكيف نتقي الله، هل ندخل في الكهوف والسراديب، ما قيمتها؟ هل نبني الحصون العالية؟ هل بالجيوش الجرارة؟ هل بقوة الدفاع؟ والله ما يتقى الله بشيء من هذا؛ لأنك بين يديه، والله إنك بين يديه يراك ظاهراً وباطناً، إن شاء أخذ منك وإن شاء أعطى، فأين تغيب عنه والملكوت كله في قبضته؟
إذاً: لا يتقى الله إلا بالإيمان به وطاعته وطاعة رسوله، كيف يتقى غضب الله وجبروته وسلطانه وقدرته على الإشقاء والتعذيب، يتقى بماذا؟
آمن واستقم تكن وليه، لا يغضب عليك ولا يسخط أبداً، وأنت من أحب أحبائه إليه، فقط بتقواه، بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن طاعة الله وطاعة رسوله عبارة عن أدوات تزكية للنفس، الركعتان تصليهما ينتج عنهما نور يملأ قلبك، تركك معصية له بترك واجب أو فعل محرم يحفظ ذلك النور في نفسك، فلا تزال تعبده، وتزكي نفسك وتبعد معصيته عنك، فتحتفظ بتلك الزكاة حتى تصبح روحك كأرواح الملائكة في طهرها وصفائها، ومن ثم يحبك الله عز وجل، عرفتم سر هذه الطاعة؟ ودعنا مما تنتجه من الإخاء والمودة والعزة والطهارة والصفاء في هذه الحياة، هذا شيء إضافي، والمقصود: أن الطاعة تنتج طهارة الروح البشرية، فإذا طهرت النفس وزكت وأصبحت كأرواح أهل الملكوت الأعلى رضي الله عنها وقبلها وأنزلها بجواره في الملكوت الأعلى، وهل تذكرون قسم الله الذي أقسمه أم لا؟
قال تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10]، هذا حكم الله أم لا؟ هل هذا يحتاج إلى شرح وبيان؟ أفلح من زكى نفسه، وخاب وخسر من دسى نفسه، والسؤال: بم نزكي نفوسنا؟ ما هي أدوات التزكية، هل توجد في الصيدليات؟ هل هي مواد التنظيف؟ إن النفس البشرية تزكو بما شرع خالقها لها من هذه العبادات، من كلمة (لا إله إلا الله) إلى إماطة الأذى من طريق المؤمنين، هذه العبادات كلها مشروعة أساساً لتزكية النفس على شرطين: أن تخلصها لله ولا تلتفت إلى غيره، وأن تفعلها كما بين رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ( وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ )[الأنعام:72]، إلى من نحشر ونجمع ونساق؟
والله ما هو إلا إلى الله، هو الذي إليه لا إلى غيره تحشرون، لم تحشرنا الملائكة بعد أن نقوم من قبورنا؟ تحشرنا للحساب والعقاب، للحساب والجزاء، فلو كنا نحشر إلى غير الله فلن نعبده، ولن نكون منه خائفين؛ لأنه لا سلطان له علينا، لكن ما دام أن حشرنا وجمعنا إليه لا إلى غيره، ثم يصدر حكمه علينا إما بالسعادة وإما بالشقاء؛ فحينئذ يجب أن نعبده.
تفسير قوله تعالى: (وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون...)
ثم قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ )[الأنعام:73]، هل معه آخر؟ هل معه لينين ؟ أو ستالين ؟ أو سحرة اليهود؟ وهل هناك من يرفع يده في العالم ويقول: جدي هو الذي أوجد هذا الكوكب مع الله؟ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ )[الأنعام:73]، لا باللهو واللعب والباطل، لم خلق السماوات والأرض يا أهل العلم؟ من أجل أن يعبد فيهما، خلق السماوات والأرض، وخلق المواد اللازمة من الضوء والحرارة والماء والطعام والشراب، وخلق هذا الآدمي وأهبطه من أجل أن يسمع ذكره، ويرى شكره، فمن ذكر وشكر رفعه إلى الملكوت الأعلى، ومن نسي وكفر وأعرض أهبطه إلى أسفل سافلين في الكون، واقرءوا: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[الذاريات:56]، سر خلق السماوات والأرض أن يذكر الله ويشكر؛ إذ العبادة ما هي إلا ذكر الله وشكره.

إذاً: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ )[الأنعام:73]، هذا أولاً، ( وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ )[الأنعام:73]، إذا قال للشيء: كن فوالله لا يتخلف لحظة، لا بد أن يكون، هذا ذو العظمة، هذا الجبار، هذا الله رب السماوات والأرض، ( وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ )[الأنعام:73] في ذلك الوقت.
معنى قوله تعالى: (قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور)
(قَوْلُهُ الْحَقُّ )[الأنعام:73]، لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو حق، ولا يوجد ولا يعدم إلا بما هو حق.وقوله: ( وَلَهُ الْمُلْكُ )[الأنعام:73]، متى؟ ( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ )[الأنعام:73]، الآن تملكون القصور والمباني والبساتين، لكن إذا نفخ في الصور هل يبقى ملك لأحد؟
النفخة الأولى يكون بعدها الفناء الكامل، والثانية يكون بعدها البعث والوقوف حفاة عراة بين يدي الله، ( قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ )[الأنعام:73]، ما الصور هذا؟ الصور في لسان العرب: هو البوق، وكان في الزمن الأول عبارة عن قرن غزال أو وعل كبير، يحفر أو يفتح، ويتكلمون فيه يرفعون به أصواتهم، ما عندهم آلات تكبر الصوت، وإلى عهد قريب كانوا يجلعونه حديدة يصيحون فيها، أليس كذلك؟ هذا هو الصور.
من ينفخ في الصور؟ إسرافيل، له ثلاث نفخات: النفخة الأولى للفناء، فيتحلل كل شيء ويتبخر، وتعود العوالم كلها إلى سديم، السماوات والأرضون، والنفخة الثانية للقيام من القبور، والثالثة: نفخة الصعق، وهي حين تقف البشرية على سطح الأرض الذي وجدت للوقوف عليها وهم كذلك فينفخ إسرافيل فيصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ النفخة الرابعة فإذا هم قيام ينظرون، ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )[الفجر:22]، ( وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ )[الزمر:69-71].. ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ )[الزمر:73]، آخر سورة الزمر.
معنى قوله تعالى: (عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير)
قال تعالى: ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ )[الأنعام:73]، أولياء الله هل يعلمون الغيب والشهادة؟ قد يعلمون ما يرونه ولا يعلمون ما غاب عنهم، يعرفون الجهر بالكلام والسر لا يسمعونه ولا يعلمونه، ولكن الله عز وجل عالم الغيب، وهو ما غاب، وعالم الشهادة وما حضر وشوهد، وهذه الصفة لن تكون إلا لله عز وجل، لا للات ولا للعزى وعبد القادر ولا لأي كائن، لا عيسى ولا أمه ولا هارون ولا موسى، هذا الذي يستحق أن يعبد؛ لأنه يعلم ما شاهدناه وما لم نشاهده، يعلم ما حضر وما غاب، هذا الذي يجب أن يعبد بحبه والخوف منه، والتملق له والتزلف إليه حتى بتعفير الرأس في التراب، هذا هو الله رب العالمين.(وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:73]، صفتان عظيمتان أخريان:
(الْحَكِيمُ): الذي يضع كل شيء في موضعه، مستحيل أن يقع شيء في غير موضعه، من كل الكائنات ومن كل الأحكام، ومن كل القضايا والنوازل، هذا الحكيم، هذا الذي يستحق أن يؤله ويعبد، هذا الذي يتقرب إليه ويتزلف. (الْخَبِيرُ) بخفايا الأمور وبواطنها وظواهرها على ما هي عليه وعلى ما تكون وعلى ما كانت قبل أن تكون، هذا هو الله عز وجل، فكيف نعبد غيره إذاً؟
اسمعوا الآيات مرة ثانية: قال تعالى: ( قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:71-73].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #746  
قديم 08-09-2021, 04:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (381)
تفسير سورة المائدة (14)


كان بعض المشركين يعرضون على المؤمنين الصادقين أن يعبدوا معهم آلهتهم اللات والعزى ومناة، وغيرها من الأصنام والأحجار المنصوبة، التي كانوا يعبدونها بدعائها، والذبح لها، والنذر لها، وما إلى ذلك، فأمر الله رسوله وعباده المؤمنين أن يردوا على عرضهم الرخيص هذا، بأن من فعل هذا من المؤمنين فإنه مرتد عن دين الله، ناكص على عقبيه، وخارج من التوحيد إلى الشرك، ومن الهداية إلى الضلالة.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة العظيمة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح.
وها نحن مع الآيات الثلاث، التي تدارسناها بالأمس، وما وفيناها حقها، ولا وقفنا على أنواع هداياتها، ولهذا نعيد دراستها بعد تلاوتها إن شاء الله ربنا، فرتل يا بني.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )[الأنعام:71-73]. سبحانه لا إله إلا هو.
معنى الآيات
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [يدل السياق على أن عرضاً من المشركين كان لبعض المؤمنين]، وقد علمنا بالأمس أنهم أتوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرضوا عليه أن يعبد معهم آلهتهم سنة ويعبدوا معه إلهه سنة، ولكن الله لم يرض بهذا، ونزلت سورة الكافرون حداً فاصلاً كإعلان رسمي تكرر ليفقه كل من في مكة وخارجها: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ )[الكافرون:1-6]، فكانت حداً فاصلاً.وهنا عرضوا هذا على بعض المؤمنين كـبلال وعمار الضعفاء قائلين: لو أنك عدت إلى دين آبائك وأجدادك لتسلم من هذا الذل والهموم والتعب وما إلى ذلك. فأنزل الله تعالى هذه الآيات المباركات.
قال: [يدل السياق ] سياق الآيات التي سمعناها [ على أن عرضاً من المشركين كان لبعض المؤمنين ليعبدوا معهم آلهتهم ، اللات، والعزى، ومناة، وهبل، وما إلى ذلك من الأصنام والأحجار المنصوبة التي يعبدونها بدعائها، والذبح لها، والنذر لها، وما إلى ذلك.
قال: [ فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم عرضهم الرخيص، منكراً عليهم ذلك أشد الإنكار ]، إذ قال تعالى: [( قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ )[الأنعام:71]، الاستفهام للإنكار ]، كيف ندعو من دون الله؟ من الذي ندعوه من دون الله؟ [ ( مَا لا يَنفَعُنَا )[الأنعام:71] إن عبدناه ( وَلا يَضُرُّنَا )[الأنعام:71] إن تركنا عبادته ]، فكيف نعبد من لا ينفع ولا يضر، نحن نعبد من ينفعنا ونعبد من يدفع الضر عنا، أما الذي لا يملك نفعاً ولا ضراً فكيف نعبده؟!
قال: [ وبذلك نصبح وقد رددنا على أعقابنا من التوحيد إلى الشرك، ( بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ )[الأنعام:71] إلى الإيمان به، وبمعرفته، ومعرفة دينه، فيكون حالنا -إذاً- كحال من أضلته الشياطين في الصحراء فتاه فيها، فلا يدري أين يذهب ولا أين يجيء].
إذا نحن عدنا إليكم وعبدنا آلهتكم وتركنا عبادة الله بعد أن آمنا به وعرفناه؛ تصبح حالنا كحال من تاه في صحراء، فلا يدري أين يذهب، ولا إلى أين يأتي.
[و( لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا )[الأنعام:71]، وهو لا يقدر على إجابتهم، ولا الإتيان إليهم، وذلك لشدة ما فعل استهواء الشياطين في عقله].
وهل تعرفون لهذا مثلاً؟ كم من إنسان كان يعبد الله مستقيماً في قرية أو مدينة، ثم تستهويه الشياطين فيفسق ويضجر ويتيه في متاهات الضلال، لا يعرف حلالاً ولا حراماً.
[ثم أمره أن يقول أيضاً] أي: أمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم: [( قُلْ إِنَّ الْهُدَى )[الأنعام:71] أي: الحق الذي لا ضلال ولا خسران فيه ( هُدَى اللَّهِ )[الأنعام:71] الذي هدانا إليه، ألا إنه الإسلام.
وقد أمرنا ربنا أن نسلم له قلوبنا ووجوهنا لأنه رب العالمين، فأسلمنا كما أمرنا، كما أمرنا أن نقيم الصلاة فأقمناها، وأن نتقيه فاتقيناه، وأعلمنا أنَّا سنحشر إليه يوم القيامة فصدقناه في ذلك، ثم هدانا فلن نرجع بعدُ إلى الضلالة. هذا ما تضمنته الآيتان الأولى والثانية، أما الثالثة فقد تضمنت تمجيد الرب بذكر مظاهر قدرته وعلمه وعدله، فقال تعالى: ( وَهُوَ )[الأنعام:73]، أي: الله رب العالمين الذي أمرنا أن نسلم له قلوبنا فأسلمنا ( الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ )[الأنعام:73]، فلم يخلقهما عبثاً وباطلاً، بل خلقهما ليذكر فيهما ويشكر.
(ووَيَوْمَ يَقُولُ )[الأنعام:73] لما أراد إيجاده أو إعدامه أو تبديله: ( كُنْ )[الأنعام:73]، فهو يكون كما أراد في قوله الحق دائماً وأبداً.
(وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ )[الأنعام:73]، نفخة الفناء، فلا يبقى شيء إلا هو الواحد القهار، فيقول جل ذكره: ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ )[غافر:16]، فلا يجيبه أحد، فيجيب نفسه بنفسه قائلاً: ( للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )[غافر:16]، ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ )[الأنعام:73] أي: يعلم ما غاب في خزائن الغيب عن كل أحد، ويعلم الشهادة والحضور، لا يخفى عليه أحد، ( وَهُوَ الْحَكِيمُ )[الأنعام:73] في تصرفاته وسائر أفعاله وتدابيره لمخلوقاته، ( الْخَبِيرُ )[الأنعام:73] ببواطن الأمور وظواهرها، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، بهذا كان المعبود الحق الذي لا يجوز أن يعبد سواه بأي عبادة من العبادات التي شرعها سبحانه وتعالى ليعبد بها].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #747  
قديم 08-09-2021, 04:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

هداية الآيات
قال: [من هداية الآيات: أولاً: قبح الردة وسوء عاقبتها]، ما الردة؟ الارتداد هو الرجوع إلى الكفر بعد الإيمان، ارتد إذا رجع، وهل للردة سوء عاقبة؟ نعم؛ إذا ارتد عن الإسلام هلك، وتمزق وخسر الدنيا والآخرة، ومن أين عرفنا قبح الردة؟ من قوله تعالى عن المؤمنين حين عرضوا عليهم الردة: ( وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ )[الأنعام:71]، كيف يكون هذا؟!
[ثانياً: حرمة إجابة أهل الباطل لما يدعون إليه من الباطل]، من أين أخذنا هذه الهداية؟ أما قال تعالى: ( وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ )[الأنعام:71]؟
حرمة إجابة أهل الباطل، فإذا دعاك اليوم أهل الباطل إلى باطلهم فإنه يجب أن لا تجيبهم، حرام أن تجيبهم، جماعة في مجلس باطل ومنكر يقولون لك: تعال تجلس معنا، فهل تجيبهم؟! لا تجبهم. جماعة افتتحوا مخمرة أو مزناة أو باطلاً ودعوك، فهل تحضر معهم؟! أهل بدعة اجتمعوا عليها يعبدون الله بغير ما شرع لأنهم ضالون، هل تجيبهم فتجلس معهم؟!
فإن قالوا: لم لا تجلس معنا فبم تجيب؟! تجيب بقوله تعالى: ( وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ )[الأنعام:71] فنصبح ( كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى )[الأنعام:71]، كيف ننتقل من الهدى إلى الضلال؟
[ثالثاً: لا هدى إلا هدى الله تعالى، أي لا دين إلا الإسلام]، احلف بالله أنه لا دين حق في الأرض إلا الإسلام، ولا تشك ولا تتردد، أما قال تعالى: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ )[آل عمران:19]؟
وهنا من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ) [الأنعام:71]، لا هدى بعده، أيما شخص يأتي بهدى يريد أن يدعوا الناس إليه فهو هدى باطل، وهدى ضلال، ولا يمكن أن يسعد أصحابه لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا هدى إلا هدى الله تعالى، أي: لا دين حق إلا الإسلام.
[رابعاً: وجوب الإسلام لله تعالى]، نسلم لله ماذا؟ أسلم الشيء: أعطاه، نسلم له شيئين: قلوبنا، فلا تتقلب إلا في طلب مرضاته طول الحياة، ونسلم له وجوهنا فلا نقبل على مخلوق سواه في قضاء حوائجنا، وفي طلبنا ما نحتاج إليه.
فمن أسلم قلبه ووجهه لله فقد أسلم وسلم.
أخذنا هذا من قوله تعالى: ( وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )[الأنعام:71]، لنسلم له ماذا؟ القلوب والوجوه، لا البيوت ولا البساتين، أمرنا أن نسلم له ماذا؟! هل المال والرجال؟! لا. بل القلوب والوجوه.
[وجوب الإسلام لله تعالى، وإقام الصلاة، واتقاء الله عز وجل]، هذا موجود في الآية: ( وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ )[الأنعام:72]، نتقي من؟ نتقي الله. بماذا نتقيه؟
أولاً: نحن نتقي الله، أي: نتقي غضبه وعذابه، هذا هو المقصود، اتق الله: أي: اتق غضبه حتى لا يغضب عليك فيعذبك، واتق عذابه، فإذا ما أطعته فإنه يعذبك، إذاً: يتقى الله عز وجل في غضبه وعذابه.
وبم نتقيه؟ لا شيء سوى طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتقى بأي شيء، لا بالرجال ولا بالمال ولا بالسلاح ولا بالحصون، ما يتقى الله إلا بأن نطيعه طاعة كاملة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك نجعل بيننا ويبن غضبه وعذابه وقاية وستراً مانعاً.
ولهذا قال: [وجوب الإسلام لله تعالى، وإقامة الصلاة، واتقاء الله تعالى بفعل المأمور وترك المنهي.
خامساً: تقرير المعاد والحساب والجزاء]، هل دلت الآيات على هذا؟ قررت المعاد والحياة الثانية، والحساب بعد ذلك، ثم الجزاء، ماذا قال تعالى؟ ( وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ )[الأنعام:73]، الملك لمن؟ ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )[غافر:16]، يوم ينفخ في الصور وتبعث الخليقة يجيء الحساب بعد ذلك، وبعد الحساب يتم الجزاء إما بالنعيم المقيم وإما بالعذاب الأليم، إما في عالم السعادة وإما في عالم الشقاء، إما في الجنة وإما في النار، هل هناك واسطة؟ لا واسطة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #748  
قديم 08-09-2021, 04:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (382)
تفسير سورة الأنعام (15)


قص الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم قصة إبراهيم مع أبيه وقومه، وإنكاره عليهم عبادة الأصنام والأحجار التي يضعونها بأيديهم، ومشاهدته لملكوت السماوات والأرض الناطقة بعظمة الله ووحدانيته وتفرده بالخلق، واستحقاقه وحده للإفراد بالعبادة، واستدراجه لقومه بمثل هذه المظاهر من الكواكب والقمر والشمس، ليقف بهم على مظاهر ربوبية الله وعلمه وقدرته وحكمته، علهم يؤمنون به سبحانه فيدركون الفلاح.
تفسير قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله ربه بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك لهم زجل وتسبيح، والآن نستمع إلى تلاوة الآيات من مرتلها، ثم نأخذ إن شاء الله في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها:
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )[الأنعام:74-79].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ )[الأنعام:74]، يقول تعالى لرسوله ومصطفاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: أُذكر لقومك العادلين عن الله، العابدين غير الله من الأصنام -يعني المشركين في مكة- أُذكر لهم الحادثة الآتية ليتعظوا ويعتبروا، ما هي؟
قال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ )[الأنعام:74]، إبراهيم -كما علمتم سابقاً- معناه بالعربية: الأب الرحيم، وبالعبرية: إبراهيم، ووالده يسمى آزر ، وقيل: له اسم ثان ولا بأس؛ فيعقوب اسمه يعقوب وإسرائيل، فـآزر وشالخ كلاهما اسم لوالد إبراهيم.
الرد على منكري أبوة آزر لإبراهيم عليه السلام
والذي ينبغي ألا ننساه - معشر المستمعين والمستمعات - أن هناك ضلالاً من المسلمين يقولون: إن آزر هذا أو شالخ عم إبراهيم وليس بوالده، وكتب التفسير موجود فيها هذا، ومعنى هذا أنهم كذبوا الله عز وجل، أو قالوا: إن الله خاننا، حيث أطلق على عمه اسم الأب والمفروض أن يقول: العم، فهل هذا الموقف يقفه مسلم فيكذب الله؟! الله يقول: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ )[الأنعام:74]، وأنت تقول: لعمه! أسألكم بالله: هل يصح لمؤمن أن يرد على الله فينسب إلى الله أنه أخفى هذا الاسم؟! فلهذا من قال لك: إن آزر عم إبراهيم أو شالخ فقل له: صدق الله وكذبت. وحجتنا أن الله تعالى قال: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ )[الأنعام:74]. وهذه الكذبة العظيمة لها سبب، سببها في نظرهم أن يبرئوا والد الرسول صلى الله عليه وسلم من دخول النار، والد نبينا اسمه عبد الله بن عبد المطلب ، قالوا: لن يدخل النار، فقيل لهم: ها هو والد إبراهيم يدخل النار! قالوا: ليس هذا أباه، بل هذا عمه.
وهذا التزمت وهذا التخبط لأي شيء؟ كل هذا في حب الرسول وآل بيته بزعمهم، تدجيل وكذب، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أبي وأبوك في النار ).
ونحن أصبحنا -والحمد لله- من ذوي البصائر، عرفنا أنه لا قيمة للنسب أبداً، كل ما في الأمر هل نفسك زكية طاهرة، أم خبيثة منتنة؟ كن ابن من شئت أو أباً لمن شئت، إذا ما زكت النفس ولا طابت ولا طهرت فأنت من أهل العذاب.
لعلمنا بحكم الله في الخليقة: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا )[الشمس:9]، لا من كان أبوه نبياً أو ولياً؟ فهل تصورتم هذه الصورة أم لا؟!
بل ذهبوا إلى أن عم الرسول في الجنة أيضاً، وهذا مذهب الروافض الذين يحومون حول هذه الترهات والأباطيل، نحن علمنا من طريق مصطفانا صلى الله عليه وسلم أن آزر لما يبعث الله الخليقة يقوم إبراهيم ويقول: يا رب! لقد وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون -وهذا في سورة الشعراء: ( وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ )[الشعراء:87]- والآن هذا أبي الأبعد في النار، فأي خزي أعظم من هذا الخزي، فيقول له الرب تعالى: انظر تحت قدميك، فإذا آزر في صورة ضبع ملطخ بالدماء والقيح، ما إن يراه حتى يقشعر جلده ويقول: سحقاً سحقاً سحقاً! فيؤخذ من قوائمه الأربع ويلقى في عذاب النار.
فهل بعد هذا تقول: أبوه في الجنة؟! هذا شأن أمة تعرض عن كتاب الله وهدي رسولها، وتتلقى العلم من (قال فلان وقال فلان).
رحمة إبراهيم عليه السلام وتمحيص الله وابتلاؤه له
هل عرفتم أن إبراهيم الأب الرحيم أم لا؟ وتتجلى رحمة إبراهيم في موقف لا تنسوه، هذا الموقف في آخر سورة إبراهيم عليه السلام، عندما قال: ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ )[إبراهيم:37-38]، إلى أن قال: ( وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[إبراهيم:36]، معنى هذا: لا تعذبه.ذكر هذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم في ضمن ثلاثة مواقف: له صلى الله عليه وسلم موقف ولعيسى موقف ولإبراهيم موقف، فعيسى قال: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )[المائدة:118]، وإبراهيم قال: ( وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[إبراهيم:36]، معناه: اغفر له وارحمه، ورسولنا صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أمتي أمتي.
والشاهد عندنا في تجلي هذه الرحمة، ومن ثم ابتلاه الله بأربعة ابتلاءات لم يبتل بها غيره:
الأول: الهجرة، وكانت أول هجرة في التاريخ البشري، لما حكم عليه بالإعدام وأنجاه الله هاجر مع زوجه وابن عمه إلى أرض الغرب، لا يدري أين يذهب، فأول هجرة كانت هجرة إبراهيم عليه السلام.
ثم ابتلاه بذبح إسماعيل، كيف يبتلى الرجل بذبح ابنه؟! كيف يقوى على ذلك؟
ثم ابتلاه بأن يذهب بجاريته وابنه إلى صحراء قاحلة ليس فيها أحد، ذهب بإسماعيل وهاجر.
ثم أمر بأن يذبح إسماعيل، كما قال تعالى عنه: ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى )[الصافات:102]، وبالفعل طيبته أمه وطهرته، وأخذه إلى منى، وطأطأه على الأرض والمدية في يده، ولما هم بذبحه نودي أن: اترك إسماعيل وخذ هذا الفداء العظيم: ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )[الصافات:107].
إعلان ضلال المنصرف عن عبادة ربه إلى عبادة سواه
قال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ )[الأنعام:74]، قال له منكراًعليه: ( أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً )[الأنعام:74]، تعبدها؟ هذا الاستفهام للإنكار وعدم الرضى بصنيع والده، كيف تتخذ أصناماً آلهة تعبدها؟ ( إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ )[الأنعام:74] يا آزر ( فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) [الأنعام:74]، فسجل له ولقومه أنهم في ضلال واضح بيِّن.وأي ضلال أعظم من أن يترك الإنسان خالقه لا يعبده ويعبد مصنوعاً صنعه بيده؟! هل هناك ضلال أعظم من هذا؟! ينحت حجراً ويعكف عليه يعبده ويترك عبادة من خلقه وسواه ورزقه وحفظه.
(إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )[الأنعام:74]، بين واضح، هذا الضلال هو البعد عن الهداية الإلهية؛ إذ الإنسان مخلوق ليعبد الله، هذه علة خلقه، هذا سر خلقه: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )[الذاريات:56]، فقط لا لشيء آخر.
ثم إن هذه العبادة هي التي تؤهله للسعادة والكمال، لا أن الله ينتفع بهذه العبادة، وإنما العبادة ينتفع بها العابدون، تزكو أنفسهم وتطيب وتطهر، فيحتلون الفراديس وينزلون الجنة.
كما أن هذه العبادة -وهي أوامر ونواه- تحفظ أعراضهم وأموالهم وأبدانهم، تجنبهم المكاره والمهالك والمعاصي؛ لحكمة الله عز وجل.
الشاهد عندنا أن إبراهيم عليه السلام واجه والده فقال له: ( أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )[الأنعام:74].
تفسير قوله تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين)
وبعدها قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ )[الأنعام:75]، وهكذا نري إبراهيم، من الذي يريه؟ إنه الله. ( نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )[الأنعام:75]، الملكوت بمعنى الملك العظيم، كالجبروت، والرغبوت بمعنى الرغبة الواسعة، ،الطاغوت: الطاغية الكبير، والرهبوت، كل هذه بمعنى العظمة، كذلك الملكوت أي: الملك العظيم، ( وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ )[الأنعام:75]، نريه ذلك ليصبح من أهل الإيمان، بل من أهل اليقين.وهنا روي أن إبراهيم كشف الله تعالى له الحجاب، فرأى ما تحت العرش إلى الأرض، ورأى ما تحت الأرض إلى أسفلها، ولا غرابة ولا عجب أن يريه الملكوت بدون حجاب، يرى السماوات وما فوقها من الجنة والعرش وهو في مكانه، ثم يرى ما تحت الأرض السفلى، أو الملكوت الأسفل، أخذوا هذا من قوله: ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )[الأنعام:75]، وإن قلنا: هل صح أم لم يصح؟ نقول: الآية ستأتي.
تفسير قوله تعالى: (فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي...)
قال تعالى في بيان كيف أراه الله ملكوت السموات والأرض ليكون من الموقنين، قال تعالى: ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ )[الأنعام:76]، أي: أظلم، جن الليل: دخل الظلام وذهب الضوء، ( رَأَى كَوْكَبًا )[الأنعام:76] لاح وطلع، قد يكون الزهرة، رآه يلوح في الأفق، وهو هنا يتدرج مع قومه وأهله وأبيه وعشيرته ليعرفوا الحق من طريق التعليم والهداية والتبصير. ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي )[الأنعام:76]، لك أن تقول: حرف الاستفهام محذوف، والتقدير: (أهذا ربي؟)، وهو كذلك، يجوز حذف الاستفهام في كثير من المواطن، لا سيما هنا: (أهذا ربي؟)، حيث رفع رءوسهم إلى الزهرة الكوكب العظيم هذا قائلاً: أهذا أحق بالربوبية والألوهية؟ أهذا ربي؟
قال تعالى: ( فَلَمَّا أَفَلَ )[الأنعام:76]، أفل النجم: ذهب ضوءه، ( قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ )[الأنعام:76].
ولا ننسى أن الكلدانيين قوم إبراهيم -وهم في ديار بابل والعراق- كانوا صابئة يعبدون الكواكب، ثم صنعوا لتلك الكواكب أصناماً وتماثيل، فيتمسحون بها ويتقربون وهم يعبدون في الواقع الكواكب، ولهذا فهم ليسوا ملاحدة لا يؤمنون بالله، بل يؤمنون بالله، ويتوسلون إليه بهذه الكواكب والأصنام.
وهذه الحقيقة قررناها مئات المرات، فكلمة (لا إله والحياة مادة) هذه كذبة يهودية، نسج اليهود خيوطها، وقدموها لروسيا، ونهض بها لينين وستالين وأتباعهم، ونفوا وجود الله، قبل هذه لم تكن البشرية تنكر وجود الله أبداً، وإنما كانوا يعرفونه ويتوسلون إليه بهذه الأصنام والكواكب وما إلى ذلك.
إذاً: فلنستمع: ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي )[الأنعام:76]، لا يعني أنه ربه، ولكن على حذف الاستفهام: (أهذا ربي)؟
(فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ )[الأنعام:76]، ما دام أنه ذهب وتركني فكيف أعبده؟ لن يكون ربي هذا.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #749  
قديم 08-09-2021, 04:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي ...)
قال تعالى: ( فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا )[الأنعام:77] طلع القمر، لاح وصعد، ( فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي )[الأنعام:77]، لأن الكوكب اضمحل وتلاشى وذهب وظهر القمر ةلاح وبزغ، ( قَالَ هَذَا رَبِّي )[الأنعام:77]، أي: (أهذا ربي)؟ ( فَلَمَّا أَفَلَ )[الأنعام:77]القمر أيضاً، ذهب وزال ( قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ )[الأنعام:77]. إن الذين يسمعون كلامه معهم يتعجبون، كأنه طالب الهداية يبحث، وهو واجب كل إنسان أن يبحث عن ربه عسى أن يعرفه، وهذا أسلوب حكيم.
فلما أفل القمر قال: ( لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي )[الأنعام:77] إليه ( لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ )[الأنعام:77]، بدليل أن القمر أفل وغاب وغرب.
تفسير قوله تعالى: (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر ...)
قال تعالى: ( فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً )[الأنعام:78] والشمس بزوغها عظيم، ( قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ )[الأنعام:78]، أي: من القمر ومن الكوكب، يستدرجهم حتى يقفوا على الحقيقية، ( فَلَمَّا أَفَلَتْ )[الأنعام:78] غابت، غربت الشمس وغابت، ( قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ )[الأنعام:78]، والبراءة: البعد الكامل، ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )[الأنعام:79]. لقد قال: ( يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ )[الأنعام:78] من هذه الآلهة، سواء كانت الكواكب في السماء، سواء كان القمر أو الشمس، وفي اليمن كانت تعبد الشعرى، وجاء في القرآن: ( رَبُّ الشِّعْرَى )[النجم:49]، كوكب معروف؛ لأن الإنسان إذا فقد البيان والهادي الذي يهديه يتخبط، والشياطين تزين له، منهم من يعبد الشمس، ومنهم من يعبد القمر، ومنهم من يعبد الكوكب الفلاني، وعبدوا ما دون ذلك من المخلوقات، أما صنع التماثيل فلتمثل فقط ما يعبدونه في السماء، ولهذا يسمى تمثالاً، لا أنه الإله المعبود.

تفسير قوله تعالى: (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين)

قال تعالى: ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ )[الأنعام:79] أي: قلبي ووجهي، ( لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ )[الأنعام:79]، خالق السموات والأرض، هذا الذي أعطيه قلبي ووجهي، هذا الذي أعبده وأرغب فيما عنده، وأرهب مما عنده، هذا ربي لا رب لي سواه؛ لأنه خالق السموات والأرض، ( حَنِيفًا )[الأنعام:79] أي: مائلاً عن كل هذه الأصنام والتماثيل والعبادات الباطلة إلى عبادة الله وحده، ( حَنِيفًا )[الأنعام:79] مائلاً، من الحنف وهو الميل، أي: مائلاً عن كل هذه الآلهة الباطلة إلى ربه عز جل.( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )[الأنعام:79] تبرأ براءة كاملة، لا صلة لي بالمشركين، لا أعرفهم، ولا أمشي وراءهم، ولا أحبهم، ولا أتعامل معهم؛ لأنهم أشركوا هذه الأصنام في عبادة ربهم فعبدوها معه.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
معنى الآيات قال الشارح غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ما زال السياق ] سياق الآيات [ في بيان الهدى للعادلين بربهم أصناماً يعبدونها لعلهم يهتدون]، ما زال سياق الآيات التي يتبع بعضها بعضاً في بيان الهدى والطريق المستقيم للعادلين بربهم، عدلوا بربهم أصناماً وآلهة، سووها مثل الله وعبدوها. [ فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ )[الأنعام:74] أي: واذكر لهم يا نبينا قول إبراهيم لأبيه آزر : ( أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً )[الأنعام:74]، أي: أتجعل تماثيل من حجارة آلهة أرباباً تعبدها أنت وقومك، ( إِنِّي أَرَاكَ )[الأنعام:74] يا أبت ( وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )[الأنعام:74] عن طريق الحق الذي ينجو ويفلح سالكه، هذا ما دلت عليه الآية الأولى.
أما الثانية فإن الله تعالى يقول: ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )[الأنعام:75]، أي: كما أريناه الحق في بطلان عبادة أبيه للأصنام نريه أيضاً مظاهر قدرتنا وعلمنا وحكمنا الموجبة لألوهيتنا في ملك السموات والأرض]؛ لأن الله عليم حكيم، وحكمته لا يخلو منها شيء، ما من ذرة إلا وخلقها وإيجادها لحكمة، إذاً: نريه أيضاً مظاهر قدرتنا وعلمنا وحكمتنا الموجبة لألوهيتنا في ملك السموات والأرض، أي: نريه الآيات في ملك السموات والأرض [ليكون بذلك من جملة الموقنين، واليقين من أعلى مراتب الإيمان]، فالإيمان إيمان، واليقين يقين، واليقين أعلى من الإيمان، ( لَتَرَوْنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ )[التكاثر:7]، مؤمن وموقن، وأما المؤمن غير الموقن فهو مريض قد يهلك في الطريق.
قال:[هذا ما دلت عليه الآية الثانية، وفي الثالثة فصّل الله تعالى ما أجمله في قوله: ( نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )[الأنعام:75]]، الآن يفصل هذا الملكوت، كيف أن آيات الله تعالى تدل على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته، [فقال تعالى: ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ )[الأنعام:76]، أي: أظلم، ( رَأَى كَوْكَبًا )[الأنعام:76]، قد يكون الزهرة، ( قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ )[الأنعام:76]، أي: غاب الكوكب، ( قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ )[الأنعام:76]، ( فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا )[الأنعام:77]، أي: طالعاً، ( قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ )[الأنعام:76]، أي: غاب، ( قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ )[الأنعام:77]، أي: في معرفة ربهم الحق. ( فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً )[الأنعام:78]، أي: طالعة، ( قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ )[الأنعام:78]، يعني: من الكوكب والقمر، ( فَلَمَّا أَفَلَتْ )[الأنعام:78]، أي: غابت بدخول الليل، ( قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ )[الأنعام:78].
هكذا واجه إبراهيم قومه عبدة الكواكب التي تمثلها أصنام منحوتة، واجههم بالحقيقة التي أراد أن يصل إليها معهم، وهي إبطال عبادة غير الله تعالى فقال: ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا )[الأنعام:79]، لا كما توجهون أنتم وجوهكم لأصنام نحتموها بأيديكم، وعبدتموها بأهوائكم لا بأمر ربكم، وأعلن براءته في وضوح وصراحة، فقال: ( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )[الأنعام:79]].
هذا الموقف وقفه إبراهيم ليستدرج قومه، ليقف بهم على مظاهر ربوبية الله وعلمه وقدرته وحكمته، ليؤمنوا بالله ويعبدوه وحده.
هداية الآيات لهذه الآيات هداية، فدعونا ننظر كيف استنبطناها:قال: [ من هداية الآيات:
أولاً: إنكار الشرك على أهله] هل يجب أم لا؟ إذا رأيت من يقول: يا رسول الله! مدد. يا إبراهيم! يا زكريا! يا فاطمة! هل تسكت أم تنكر؟ يجب أن تنكر، أما أنكر إبراهيم؟ أما قال لوالده: ( أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً )[الأنعام:74] بأبشع الإنكار، إنكار الشرك على أهله؟
إذا وجدت من يقول: والنبي، والكعبة، ورأس فلان، فهل تسكت؟ ألست على منهج إبراهيم؟ كلنا على منهج محمد صلى الله عليه وسلم، أما قال له رجل: ( ما شاء الله وشئت يا رسول الله، فقال: قل: ما شاء الله وحده )؟
إذاً: هذه الآية فيها هدايات، منها: [إنكار الشرك على أهله، وعدم إقرارهم ولو كانوا أقرب إلى المرء]، فإبراهيم هل أنكر على والده أم لا؟ لا تقل: هذا أبي فأنا لا أزعجه، أو هذه أمي لا نغضبها، إذا رأيت من يشرك بربك غيره يجب أن تنكر عليه، وتصبر لذلك، لكن ليس بالهراوة والسب والشتم، فهل إبراهيم رفع العصا على والده؟ هل قال: يا مجنون يا أحمق يا كذا؟ ما قال ذلك أبداً، ولكن بالمنطق السليم: ( إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )[الأنعام:74].
[ثانياً: فضل الله تعالى وتفضله على من يشاء بالهداية الموصلة إلى أعلى درجاتها]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ )[الأنعام:75]، فمن وصل به إلى هذه المستوى؟ إنه الله عز وجل، فإذا أراد الله لك ذلك أخذ بيدك، وإذا بك تتنقل في الكون وتشاهد آيات الله، وتصبح أكثر الناس إيماناً وأكثرهم يقيناً.
[ثالثاً: مطلب اليقين وأنه من أشرف المطالب وأعزها]، فاليقين أعظم من الإيمان، لن يكون يقين إلا بعد أن يوجد إيمان، فإذا قوي الإيمان انتقل إلى اليقين، تصبح كأنك ترى الله عز وجل، [مطلب اليقين وأنه من أشرف المطالب وأعزها، ويتم بالتفكر والنظر في الآيات].
فلهذا قال العلماء: عندنا كتابان: أولهما: كتاب الله، فإذا قرأت وتدبرت منه الآيات لا تلبث حتى تصبح موقناً أعظم يقين؛ لأنه كلام الله تعالى، وكلامه حكم وعلوم ومعارف، وهكذا تتدرج في الآيات آية بعد آية وإيمانك يرتفع، حتى تصل إلى اليقين، فتقول: بالله الذي لا إله غيره إن هذا لكلام الله، وإنه لا إله إلا الله، وهكذا تبلغ درجة اليقين.
ثانياً: كتاب الكون، تخرج فقط من بيتك فتنظر إلى السماء: من رفعها؟ هذه الكواكب من نثرها فيها، من أضاءها، هذا الكوكب النهاري الشمس من سخره؟ هذا الكوكب الليلي من أوجده؟ وتنظر إلى الأرض: هذه الجبال من أرساها؟ من جمع غبراتها وذراتها؟ وتنظر إلى نفسك أنت: ما أنت؟ كيف تسمع؟ كيف تبصر؟ وحينها تقول: يا إلهي آمنت بالله، فيصبح إيمانك يقيناً.
قال: [ثالثاً: مطلب اليقين]، ينبغي أن نطلب اليقين ليل نهار، [وأنه من أشرف المطالب وأعزها]، ليس كطلب المال والدنيا، [ويتم] ويحصل عليه العبد [بالتفكر والنظر في الآيات].
ومن الآيات العجيبة أني كل يوم مندهش حين نخرج من المسجد فنجد هذا الخليط من الناس، شرقي وغربي وعربي وعجمي، وألوان، ما تجد اثنين بلون واحد، قف الآن في الحلقة وانظر فلن تجد اثنين شكلهما واحد لا يميز بينهما؟ بل البشرية كلها في صعيد واحد لن تجد فيها اثنين لا يفرق بينهما، أي علم أعظم من هذا؟ أية قدرة أجل من هذ؟ أية حكمة أعظم من هذه الحكمة؟ كيف يعبد مع الله غيره، قولوا: آمنا بالله، لكن العميان ما ينظرون حتى إلى أنفسهم، يأكل ويشرب ولا يسأل.
قال: [رابعاً: الاستدلال بالحدوث على وجود الصانع الحكيم وهو الله عز وجل]، من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا )[الأنعام:76] ( رَأَى الْقَمَرَ )[الأنعام:77] ( رَأَى الشَّمْسَ )[الأنعام:78]، استدل بالحدوث على وجود المحدث، واستدل بالوجود على وجود الذي أوجد، ألا وهو الصانع الحكيم الله عز وجل.
[خامساً: سنة التدرج في التربية والتعليم]، وهذه السنة فرطنا فيها، لا بد من التدرج درجة درجة حتى تصل إلى القمة، ليس في يوم واحد تعلم العلوم كلها.
[سادساً: وجوب البراءة من الشرك وأهله]، من أين أخذنا هذه؟ من قوله تعالى: ( قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ )[الأنعام:78]، تبرأ منهم أم لا؟ وهذا يجب علينا، ولو كان المشركون آباءنا وأمهاتنا، فكيف نقر الكفار والمشركين على الشرك ونرضى به ونسكت؟
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #750  
قديم 08-09-2021, 04:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (383)
تفسير سورة الأنعام (16)


لما أقام إبراهيم عليه السلام الدليل على بطلان ما يفعله قومه من عبادة غير الله، وتبرأ منهم ومن شركهم، قام قومه يحاجونه في ذلك، فأخبرهم أنه بعد أن هداه الله لن يضره ما يطرحون أمامه من الشبهات، ولا ما يخوفونه به من غضب آلهتهم وتسلطها عليه؛ لأنها أصنام جامدة، وهي أعجز وأحقر من أن تملك لنفسها ضراً أو نفعاً، فضلاً عن أن تملكه لأحد من الناس، وبين لهم أهل الحق والإيمان أولى بالأمن والاطمئنان من أهل الزيغ والبهتان.
تفسير قوله تعالى: (وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله ربه بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وما زلنا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، والآيات التي سنتدارسها -إن شاء الله- نسمع تلاوتها مرتلة مجودة من أحد الأبناء فليتفضل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )[الأنعام:80-83].
معاشر المستمعين والمستمعات، من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ )[الأنعام:80]، من هو هذا الذي يخبر تعالى أن قومه حاجوه؟ إنه إبراهيم، الأب الرحيم، تذكرون بالأمس كيف كان يستدرجهم إلى التوحيد، ينتقل بهم من حالة إلى أخرى، حتى يستقر الأمر أنه لا إله إلا الله، وذلك مما علمه الله: ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ )[الأنعام:83].
يقول تعالى: ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ )[الأنعام:80]، حاجوه: بمعنى: جادلوه وخاصموه بالحجج، من أجل أن يحقوا الباطل ويبطلوا الحق، وهم في ذلك مخطئون وهالكون، قال: ( أَتُحَاجُّونِي )[الأنعام:80]، وفي قراءة: (أتحاجوني)، ويصح إدغام النون في النون، وهي قراءة سبعية، ( أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ )[الأنعام:80] أي: أتجادلونني وتخاصمونني بالحجج الواهية الباطلة في ربي، كيف يمكن هذا؟ ( وَقَدْ هَدَانِ )[الأنعام:80]، وعرفت الطريق إليه، وعرفت ما عنده وما لديه، وعرفته بأسمائه وصفاته، وعرفت أنه لا إله إلا هو ولا رب سواه، فما ذا تريدون مني؟ لو جادلتموني في شيء غير هذا فإنه ممكن، أما أن تجادلوني في ربي وقد هدان فهذا الجدال باطل، ولا خير فيه، وأنتم مبطلون ولا خير فيكم.
معنى قوله تعالى: (ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً)
ثم قال: ( وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ )[الأنعام:80]، لا شك أنهم خوفوه، وقالوا: إن لم تقبل ما ندعوك إليه، أو إن لم تعرض عن النقد والطعن فآلهتنا سوف تصيبك بالخبال، وتصبح مجنوناً بين الناس، فقال لهم: ( وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ )[الأنعام:80]، أي: بالله ربي الذي هداني وعرفته، وهداني إلى صراطه المستقيم، اللهم ( إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا )[الأنعام:80]، هذه لطيفة من لطائف الكلام، لما قال: ( وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ )[الأنعام:80] وكان من الممكن أن يعثر في حجر ويسيل دمه، فيقولوا: انظروا فالآلهة غضبت، ومن الممكن أن يصاب بمرض عارض فيقولوا: انظر إلى الآلهة ماذا فعلت به. فمن هنا قال: ( إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا )[الأنعام:80]، إذا شاء ربي أن أصاب بمرض أو بأذى فله ذلك، أما كون آلهتكم تضرني وتؤذيني فهذا لن يكون؛ لأنها أحجار وتماثيل تمثل كواكب في السماء، وليست بآلهة، فهي لا تنفع ولا تضر، ولا أخافها، لكن إذا شاء الله ربي فقد ( وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا )[الأنعام:80].ومن اللطائف من هذه المواقف -لأن البشرية هي هي- أنه مرض أحد الإخوان في المدينة بعد أن جاء من الديار المغربية، فقال أحدهم -وهو طالب علم-: ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يقول بالمولد ولا بغيره!
فلما خوفوه بآلهتهم قال لهم: كيف أخاف ما أشركتم به -وهو آلهتكم- وأنتم لا تخافون من الله الذي أشركتم به، اللهم إلا أن يشاء ربي شيئاً فإنه يقع، ( وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا )[الأنعام:80].
معنى قوله تعالى: (أفلا تتذكرون)
ثم قال لهم: ( أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ )[الأنعام:80]، لو تذكرتم لذكرتم، لو تأملتم في آلهتكم: هل خلقت! رزقت! أماتت! أحيت! أنتم الذين صنعتموها، ونصبتموها هنا وهناك، وقدستموها وطهرتموها، وقلتم ما قلتم، كيف تكون هذه آلهة؟ والذي خلق السموات والأرض وما بينهما، وخلق كل المخلوقات من الشمس والقمر والكواكب وكل البشر، هذا لا تعبدونه، ولا تعرفونه، فلو تذكرتم لذكرتم.لكنهم لا يريدون أن يتفكروا حتى يهتدوا ويعرفوا، فلامهم وقبح مسلكهم بهذا الاستفهام: ( أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ )[الأنعام:80].
تفسير قوله تعالى: (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً...)
ثم قال لهم: ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا )[الأنعام:81]، أي الموقفين أسلم: موقفي أو موقفكم؟ ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ )[الأنعام:81] من هذه الأصنام والتماثيل، ( وَلا تَخَافُونَ )[الأنعام:81] أنتم ( أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ )[الأنعام:81] جل جلاله وعظم سلطانه ما لم ينزل به عليكم حجة ولا برهاناً ولا أدنى خبر عن الله عز وجل يأذن لكم بعبادة هذه الأصنام؟لو أن الله أنزل عليكم كلامه وأوحى إلى أحدكم وقال: اعبدوا هذه؛ لكان لكم حجة، أما أنا فقد خلقني لعبادته، وأوحى إلي ونبأني وأرسلني إليكم رسولاً، وأنا أعرفه أنه ربي لا رب لي غيره، وإلهي لا إله سواه، فكيف -إذاً- لا أعبده؟ وتريدون مني أن أترك عبادته وأعبد هذه الأحجار والتماثيل!
يقول: ( فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )[الأنعام:81]، إذا كان لكم علم ومعرفة وبصيرة فهل أنا أو أنتم أحق بالأمن والسلامة والنجاة من الخزي والعذاب في الدنيا والآخرة؟ هل الذي يعبد الله وحده، أم الذي يعبد أصناماً وأحجاراً وتماثيل؟
والجواب معلوم بالضرورة: الذي يعبد الله وحده أحق وأجدر بأن يؤمنه الله ويحفظه، وأما الذي يعبد غير الله فكيف ينجيه ذاك المعبود من أي مكروه وهو صنم وحجر، أو كوكب معلق في السماء؟! ( فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )[الأنعام:81]، لو كانوا يعلمون لقالوا: أنت، إذاً: آمنوا معنا، لماذا أنتم منحازون هناك، لكنهم لا يعلمون، الشياطين أفسدت قلوبهم، وزينت لهم الباطل فعموا وصموا. ‏

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 240.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 234.46 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]