تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 25 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12712 - عددالزوار : 222882 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4432 - عددالزوار : 868425 )           »          صلة الأرحام.. فضلها وأثرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          رسالة إلى رواد المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          مرض السكري والعلاج بمنتجات النحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          محبطات الأعمال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          200 يوم من الحرب.. كشف حساب لحماس وإسرائيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          عيد شم النسيم .. أصله، شعائره، حكم الاحتفال به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          الغناء وأهل الطرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          الثمرات اليانعات من روائع الفقرات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 1737 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #241  
قديم 04-07-2022, 12:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَعْرَافِ
الحلقة (241)
صــ281 إلى صــ 287




فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون

قوله تعالى: فخلف من بعدهم أي: من بعد الذين وصفناهم . "خلف" وقرأ الجوني ، والجحدري: "خلف" بفتح اللام . قال أبو عبيدة: الخلف والخلف واحد; وقوم يجعلون المحرك اللام ، للصالح ، والمسكن لغير الصالح . وقال ابن قتيبة: الخلف: الرديء من الناس ومن الكلام ، يقال: هذا خلف من القول . وقال ابن الأنباري: أكثر ما تستعمل العرب الخلف ، بإسكان اللام ، في الرديء المذموم ، وتفتح اللام في الفاضل الممدوح . وقد يوقع الخلف على الممدوح ، والخلف على المذموم; غير أن المختار ما ذكرناه . وفي المراد بهذا الخلف ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم اليهود ، قاله ابن عباس ، وابن زيد . والثاني: النصارى . والثالث: أن الخلف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والقولان عن مجاهد .

فإن قيل الخلف واحد ، فكيف قال: يأخذون وكذلك قال في [مريم:59] أضاعوا فقد ذكر ابن الأنباري عنه جوابين .

[ ص: 281 ] أحدهما: أن الخلف: جمع خالف ، كما أن الركب: جمع راكب ، والشرب: جمع شارب .

والثاني: أن الخلف مصدر يكون للاثنين والجميع ، والمذكر والمؤنث .

قوله تعالى: ورثوا الكتاب أي: انتقل إليهم انتقال الميراث من سلف إلى خلف ، فيخرج في الكتاب ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه التوراة . والثاني: الإنجيل . والثالث: القرآن .

قوله تعالى: يأخذون عرض هذا الأدنى أي: هذه الدنيا ، وهو ما يعرض لهم منها . وقيل: سماه عرضا ، لقلة بقائه . قال ابن عباس : يأخذون ما أحبوا من حلال أو حرام . وقيل: هو الرشوة في الحكم . وفي وصفه بالأدنى قولان .

أحدهما: أنه من الدنو . والثاني: أنه من الدناءة .

قوله تعالى: سيغفر لنا فيه قولان .

أحدهما: أن المعنى: إنا لا نؤاخذ ، تمنيا على الله الباطل .

والثاني: أنه ذنب يغفره الله لنا ، تأميلا لرحمة الله تعالى .

وفي قوله: وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه قولان .

أحدهما: أن المعنى: لا يشبعهم شيء ، فهم يأخذون لغير حاجة ، قاله الحسن .

والثاني: أنهم أهل إصرار على الذنوب ، قاله مجاهد .

قوله تعالى: ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق قال ابن عباس : وكد الله عليهم في التوراة أن لا يقولوا على الله إلا الحق ، فقالوا الباطل ، وهو ما أوجبوا على الله من مغفرة ذنوبهم التي لا يتوبون منها ، وليس في التوراة ميعاد المغفرة مع الإصرار .

[ ص: 282 ] قوله تعالى: ودرسوا ما فيه معطوف على ورثوا ومعنى " درسوا ما فيه " قرؤوه ، فكأنه قال: خالفوا على علم . والدار الآخرة أي: ما فيها من الثواب ( خير للذين يتقون أفلا يعقلون ) أن الباقي خير من الفاني . قرأ ابن عامر ، ونافع ، وحفص عن عاصم: بالتاء ، والباقون: بالياء .
والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين

قوله تعالى: والذين يمسكون بالكتاب قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم "يمسكون" مشددة ، وقرؤوا ولا تمسكوا بعصم الكوافر مخففة[الممتحنة:10] وقرأهما أبو عمرو بالتشديد . وروى أبو بكر عن عاصم أنه خففهما . ويقال: مسكت بالشيء ، وتمسكت به ، واستمسكت به ، وامتسكت به . وهذه الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب الذين حفظوا حدوده ولم يحرفوه منهم [عبد الله] بن سلام وأصحابه . قال ابن الأنباري: وخبر "الذين": "إنا" وما بعده ، وله ضمير مقدر بعد "المصلحين" تأويله: والذين يمسكون بالكتاب إنا لا نضيع أجر المصلحين منهم ، ولهذه العلة وعدهم حفظ الأجر بشرط ، إذ كان منهم من لم يصلح . قال: وقال بعض النحويين: المصلحون يرجعون على الذين وتلخيص المعنى عنده: والذين يمسكون بالكتاب ، وأقاموا الصلاة ، إنا لا نضيع أجرهم ، فأظهرت كنايتهم بالمصلحين ، كما يقال: علي لقيت الكسائي ، وأبو سعيد رويت عن الخدري ، يراد: لقيته ورويت عنه قال الشاعر: [ ص: 283 ]


فيارب ليلى أنت في كل موطن وأنت الذي في رحمة الله أطمع


أراد في رحمته ، فأظهر ضمير الهاء .
وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون

قوله تعالى: وإذ نتقنا الجبل فوقهم أي: واذكر لهم إذ نتقنا الجبل ، أي: رفعناه . قال مجاهد: أخرج الجبل من الأرض ، ورفع فوقهم كالظلة ، فقيل لهم: لتؤمنن أو ليقعن عليكم . وقال قتادة: نزلوا في أصل الجبل ، فرفع فوقهم ، فقال: لتأخذن أمري ، أو لأرمينكم به .

قوله تعالى: وظنوا أنه واقع بهم فيه قولان .

أحدهما: أنه الظن المعروف . والثاني: أنه بمعنى اليقين . وباقي الآية مفسر في سورة [البقرة:63] .
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين

قوله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان" - ونعمان قريب من عرفة - ذكره ابن قتيبة ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرهم بين يديه كالذر ، ثم كلمهم قبلا ، وقال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا [ ص: 284 ] عن هذا غافلين ومعنى الآية: وإذا أخذ ربكم من ظهور بني آدم . فقوله من ظهورهم بدل من بني آدم وقيل: إنما قال: من ظهورهم ولم يقل: من ظهر آدم ، لأنه أخرج بعضهم من ظهور بعض ، فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لأنه قد علم أنهم بنوه ، وقد أخرجوا من ظهره . و قوله تعالى: ذرياتهم قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي " ذريتهم " على التوحيد . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر " ذرياتهم " على الجمع . قال أبو علي: الذرية تكون جمعا ، وتكون واحدا .

وفي قوله: وأشهدهم على أنفسهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أشهدهم على أنفسهم بإقرارهم ، قاله مقاتل .

والثاني: دلهم بخلقه على توحيده ، قاله الزجاج .

والثالث: أنه أشهد بعضهم على بعض بإقرارهم بذلك ، قاله ابن جرير .

قوله تعالى: ألست بربكم والمعنى: وقال لهم: ألست بربكم؟ وهذا سؤال تقرير . قالوا: بلى شهدنا أنك ربنا . قال السدي: قوله "شهدنا:" خبر [ ص: 285 ] من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم . ويحسن الوقف على قوله "بلى" لأن كلام الذرية قد انقطع . وزعم الكلبي أن الذرية لما قالت "بلى" قال الله للملائكة إشهدوا فقالوا شهدنا وروى أبو العالية عن أبي بن كعب قال: جمعهم جميعا ، فجعلهم أزواجا ، ثم صورهم ، ثم استنطقهم ، ثم قال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا إنك إلهنا . قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع . والأرضين السبع ، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين لم نعلم بهذا . وقال السدي: أجابته طائفة طائعين ، وطائفة كارهين تقية .

قوله تعالى: ( أن يقولوا ) قرأ أبو عمرو " أن يقولوا " ، " أو يقولوا" بالياء فيهما . وقرأ الباقون بالتاء فيهما . قال أبو علي: حجة أبي عمرو قوله: وإذ أخذ ربك وقوله قالوا بلى ، وحجة من قرأ بالتاء أنه قد جرى في الكلام خطاب ألست بربكم قالوا بلى شهدنا . ومعنى قوله: يقولوا لئلا يقولوا ، ومثله " أن تميد بكم " وفي قوله: إنا كنا قولان .

أحدهما: أنه إشارة إلى الميثاق والإقرار .

والثاني: أنه إشارة إلى معرفة أنه الخالق . قال المفسرون: وهذه الآية تذكير من الله تعالى بما أخذ على جميع المكلفين من الميثاق ، واحتجاج عليهم لئلا يقول الكفار: إنا كنا على هذا الميثاق غافلين لم نذكره ، ونسيانهم لا يسقط الاحتجاج بعد أن أخبر الله تعالى بذلك على لسان النبي صلى الله عليه وسلم الصادق . وإذا ثبت هذا بقول الصادق ، قام في النفوس مقام الذكر ، فالاحتجاج به قائم .
أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون [ ص: 286 ] قوله تعالى: أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فاتبعنا منهاجهم على جهل منا بآلهيتك أفتهلكنا بما فعل المبطلون في دعواهم أن معك إلها ، فقطع الله احتجاجهم بمثل هذا ، إذ أذكرهم أخذ الميثاق على كل واحد منهم . وجماعة أهل العلم على ما شرحنا من أنه استنطق الذر ، وركب فيهم عقولا وأفهاما عرفوا بها ما عرض عليهم . وقد ذكر بعضهم أن معنى أخذ الذرية: إخراجهم إلى الدنيا بعد كونهم نطفا ، ومعنى إشهادهم على أنفسهم: اضطرارهم إلى العلم بأنه خالقهم بما أظهر لهم من الآيات والبراهين . ولما عرفوا ذلك ودعاهم كل ما يرون ويشاهدون إلى التصديق ، كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهدين على أنفسهم بصحته ، كما قال: شاهدين على أنفسهم بالكفر [التوبة:17] يريدهم بمنزلة الشاهدين ، وإن لم يقولوا: نحن كفرة ، كما يقول الرجل: قد شهدت جوارحي بصدقك ، أي: قد عرفته . ومن هذا الباب قوله: شهد الله [آل عمران:19] أي: بين وأعلم وقد حكى نحو هذا القول ابن الأنباري ، والأول أصح ، لموافقة الآثار .
وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون

قوله تعالى: وكذلك نفصل الآيات أي: كما بينا في أخذ الميثاق الآيات ، ليتدبرها العباد فيعملوا بموجبها . ولعلهم يرجعون أي: ولكي يرجعوا عما هم عليه من الكفر إلى التوحيد .
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين

قوله تعالى: واتل عليهم قال الزجاج : هذا نسق على ما قبله ، والمعنى: [ ص: 287 ] أتل عليهم إذ أخذ ربك ، واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا وفيه ستة أقوال .

أحدها: أنه رجل من بني إسرائيل يقال له: بلعم بن أبر ، قاله ابن مسعود . وقال ابن عباس : بلعم بن باعوراء . وروي عنه: أنه بلعام بن باعور ، وبه قال مجاهد ، وعكرمة ، والسدي . وروى العوفي عن ابن عباس أن بلعما من أهل اليمن . وروى عنه ابن أبي طلحة أنه من مدينة الجبارين .

والثاني: أنه أمية بن أبي الصلت ، قاله عبد الله بن عمرو بن العاص ، وسعيد بن المسيب ، وأبو روق ، وزيد بن أسلم ، وكان أمية قد قرأ الكتب ، وعلم أن الله مرسل رسولا ، ورجا أن يكون هو فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، حسده وكفر .

والثالث: أنه أبو عامر الراهب ، روى الشعبي عن ابن عباس قال: الأنصار تقول: هو الراهب الذي بني له مسجد الشقاق ، وروي عن ابن المسيب نحوه .

والرابع: أنه رجل كان في بني إسرائيل ، أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيهن ، وكانت له امرأة له منها ولد ، وكانت سمجة دميمة ، فقالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل ، فدعا الله لها ، فلما علمت أنه ليس في بني إسرائيل مثلها ، رغبت عن زوجها وأرادت غيره ، فلما رغبت عنه ، دعا الله أن يجعلها كلبة نباحة ، فذهبت منه فيها دعوتان ، فجاء بنوها وقالوا: ليس بنا على هذا صبر أن صارت أمنا كلبة نباحة يعيرنا الناس بها ، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها أولا ، فدعا الله ، فعادت كما كانت ، فذهبت فيها الدعوات الثلاث ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، والذي روي لنا في هذا الحديث "وكانت سمجة" بكسر الميم ، وقد روى سيبويه عن العرب أنهم يقولون: رجل سمج: بتسكين الميم ، ولم يقولوا: سمج; بكسرها .

والخامس: أنه المنافق ، قاله الحسن .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #242  
قديم 04-07-2022, 12:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَعْرَافِ
الحلقة (242)
صــ288 إلى صــ 294





[ ص: 288 ] والسادس: أنه كل من انسلخ من الحق بعد أن أعطيه من اليهود والنصارى والحنفاء ، قاله عكرمة . وفي الآيات خمسة أقوال .

أحدها: أنه اسم الله الأعظم ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال ابن جبير .

والثاني: أنها كتاب من كتب الله عز وجل . روى عكرمة عن ابن عباس قال: هو بلعام أوتي كتابا فانسلخ منه .

والثالث: أنه أوتي النبوة ، فرشاه قومه على أن يسكت ، ففعل وتركهم على ما هم عليه ، قاله مجاهد ، وفيه بعد لأن الله تعالى لا يصطفي لرسالته إلا معصوما عن مثل هذه الحال .

والرابع: أنها حجج التوحيد ، وفهم أدلته .

والخامس: أنها العلم بكتب الله عز وجل . والمشهور في التفسير أنه بلعام ، وكان من أمره على ما ذكره المفسرون أن موسى عليه السلام غزا البلد الذي هو فيه ، وكانوا كفارا ، وكان هو مجاب الدعوة ، فقال ملكهم: ادع على موسى ، فقال: إنه من أهل ديني ، ولا ينبغي لي أن أدعو عليه ، فأمر الملك أن تنحت خشبة لصلبه ، فلما رأى ذلك ، خرج على أتان له ليدعو على موسى ، فلما عاين عسكرهم ، وقفت الأتان فضربها ، فقالت: لم تضربني ، وهذه نار تتوقد قد منعتني أن أمشي؟ فارجع ، فرجع إلى الملك فأخبره ، فقال: إما أن تدعو عليهم ، وإما أن أصلبك ، فدعا على موسى باسم الله الأعظم أن لا يدخل المدينة ، فاستجاب الله له ، فوقع موسى وقومه في التيه بدعائه ، فقال موسى: يا رب ، بأي ذنب وقعنا في التيه؟ فقال: بدعاء بلعم . فقال: يا رب ، فكما سمعت دعاءه علي ، فاسمع دعائي عليه ، فدعا الله أن ينزع منه الاسم الأعظم ، فنزع منه . وقيل إن بلعام أمر قومه أن [ ص: 289 ] يزينوا النساء ويرسلوهن في العسكر ليفشوا الزنا فيهم ، فينصروا عليهم . وقيل: إن موسى قتله بعد ذلك . وروى السدي عن أشياخه أن بلعم أتى إلى قومه متبرعا ، فقال: لا ترهبوا بني إسرائيل ، فإنكم إذا خرجتم لقتالهم ، دعوت عليهم فهلكوا ، فكان فيما شاء عندهم من الدنيا ، وذلك بعد مضي الأربعين سنة التي تاهوا فيها ، وكان نبيهم يوشع ، لا موسى .

قوله تعالى: فانسلخ منها أي: خرج من العلم بها .

قوله تعالى: فأتبعه الشيطان قال ابن قتيبة: أدركه . يقال: اتبعت القوم: إذا لحقتهم ، وتبعتهم: سرت في أثرهم وقرأ طلحة بن مصرف: "فاتبعه" بالتشديد . وقال اليزيدي: أتبعه واتبعه: لغتان . وكأن "اتبعه" خفيفة بمعنى: قفاه ، و"اتبعه" مشددة: حذا حذوه . ولا يجوز أن تقول: أتبعناك ، وأنت تريد: اتبعناك ، لأن معناها: اقتدينا بك . وقال الزجاج : يقال: تبع الرجل الشيء واتبعه بمعنى واحد . قال الله تعالى: فمن تبع هداي [البقرة:38] وقال: فأتبعهم فرعون

قوله تعالى: فكان من الغاوين فيه قولان .

أحدهما: من الضالين ، قاله مقاتل . والثاني: من الهالكين الفاسدين ، قاله الزجاج .
ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون

قوله تعالى: ولو شئنا لرفعناه بها في هاء الكناية في "رفعناه" قولان . [ ص: 290 ] أحدهما: أنها تعود إلى الإنسان المذكور ، وهو قول الجمهور; فيكون المعنى: ولو شئنا لرفعنا منزلة هذا الإنسان بما علمناه .

والثاني: أنها تعود إلى الكفر بالآيات ، فيكون المعنى: لو شئنا لرفعنا عنه الكفر بآياتنا ، وهذا المعنى مروي عن مجاهد . وقال الزجاج : لو شئنا لحلنا بينه وبين المعصية .

قوله تعالى: ولكنه أخلد إلى الأرض أي: ركن إلى الدنيا وسكن . قال الزجاج : يقال: أخلد وخلد ، والأول أكثر في اللغة . والأرض هاهنا عبارة عن الدنيا ، لأن الدنيا هي الأرض بما عليها . وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما: أنه ركن إلى أهل الدنيا ، ويقال: إنه أرضى امرأته بذلك ، لأنها حملته عليه . وقيل: أرضي بني عمه وقومه .

والثاني: أنه ركن إلى شهوات الدنيا; وقد بين ذلك بقوله: واتبع هواه والمعنى أنه انقاد لما دعاه إليه الهوى . قال ابن زيد: كان هواه مع قومه . وهذه الآية من أشد الآيات على أهل العلم إذ مالوا عن العلم إلى الهوى .

قوله تعالى: فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث معناه: أن هذا الكافر ، إن زجرته لم ينزجر ، وإن تركته لم يهتد ، فالحالتان عنده سواء كحالتي الكلب ، فإنه إن طرد وحمل عليه بالطرد كان لاهثا ، وإن ترك وربض كان أيضا لاهثا ، والتشبيه بالكلب اللاهث خاصة; فالمعنى: فمثله كمثل الكلب لاهثا; وإنما شبهه بالكلب اللاهث ، لأنه أخس الأمثال على أخس الحالات وأبشعها . وقال ابن قتيبة: كل لاهث إنما يلهث من إعياء أو عطش ، إلا الكلب ، فإنه يلهث في حال راحته وحال كلاله ، فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته ، فقال: إن [ ص: 291 ] وعظته فهو ضال ، وإن لم تعظه فهو ضال ، كالكلب إن طردته وزجرته فسعى لهث ، أو تركته على حاله رابضا لهث . قال المفسرون: زجر في منامه عن الدعاء على بني إسرائيل فلم ينزجر ، وخاطبته أتانه فلم ينته ، فضرب له هذا المثل ولسائر الكفار; فذلك قوله: ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا لأن الكافر إن وعظته فهو ضال ، وإن تركته فهو ضال; وهو مع إرسال الرسل إليه كمن لم يأته رسول ولا بينة .

قوله تعالى: فاقصص القصص قال عطاء قصص الذين كفروا وكذبوا أنبياءهم .
ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون

قوله تعالى: ساء مثلا يقال: ساء الشيء يسوء: إذا قبح ، والمعنى: ساء مثلا مثل القوم ، فحذف المضاف ، فنصب "مثلا" على التمييز .

قوله تعالى: وأنفسهم كانوا يظلمون أي: يضرون بالمعصية .
ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون

قوله تعالى: ولقد ذرأنا أي: خلقنا . قال ابن قتيبة: ومنه ذرية الرجل ، إنما هي الخلق منه ، ولكن همزها يتركه أكثر العرب . [ ص: 292 ] قوله تعالى: لجهنم هذه اللام يسميها بعض أهل المعاني لام العاقبة ، كقوله: ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص:8] ومثله قول الشاعر:


أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها


ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز يعزيه بموت ابنه ، فقال:


تعز أمير المؤمنين فإنه لما قد ترى يغذى الصغير ويولد


وقد أخبر الله عز وجل في هذه الآية بنفاذ علمه فيهم أنهم يصيرون إليها بسبب كفرهم .

قوله تعالى: لهم قلوب لا يفقهون بها لما أعرض القوم عن الحق والتفكر فيه ، كانوا بمنزلة من لم يفقه ولم يبصر ولم يسمع . وقال محمد بن القاسم النحوي: أراد بهذا كله أمر الآخرة ، فإنهم يعقلون أمر الدنيا .

قوله تعالى: أولئك كالأنعام شبههم بالأنعام لأنها تسمع وتبصر ولا تعتبر ، ثم قال: بل هم أضل لأن الأنعام تبصر منافعها ومضارها ، فتلزم بعض ما تبصره ، وهؤلاء يعلم أكثرهم أنه معاند ، فيقدم على النار ، أولئك هم الغافلون عن أمر الآخرة .
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون

قوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى سبب نزولها أن رجلا دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن ، فقال أبو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا ، فما بال هذا يدعو اثنين؟ فأنزل الله هذه الآية ، قاله مقاتل . فأما الحسنى ، فهي تأنيث الأحسن . ومعنى الآية أن أسماء الله حسنى ، وليس المراد أن فيها ما ليس [ ص: 293 ] بحسن . وذكر الماوردي أن المراد بذلك ما مالت إليه النفوس من ذكره بالعفو والرحمة دون السخط والنقمة وقوله: فادعوه بها أي: نادوه بها ، كقولك: يا الله ، يا رحمن .

قوله تعالى: وذروا الذين يلحدون في أسمائه قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر: " يلحدون " بضم الياء ، وكذلك في [النحل:103] و[السجدة ][فصلت:40] . وقرأ حمزة: "يلحدون " بفتح الحاء والياء فيهن ، ووافقه الكسائي ، وخلف في [النحل:103] . قال الأخفش: ألحد ولحد: لغتان; فمن قرأ بهما أراد الأخذ باللغتين ، فكأن الإلحاد: العدول عن الاستقامة . وقال ابن قتيبة: يجورون عن الحق ويعدلون; [فيقولون: اللات والعزى ومناة وأشباه ذلك] ومنه لحد القبر ، لأنه في جانب . قال الزجاج : ولا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يسم به نفسه ، فيقول: يا جواد ، ولا يقول: يا سخي; ويقول: يا قوي ، ولا يقول: يا جلد ، ويقول: يا رحيم ، ولا يقول: يا رفيق ، لأنه لم يصف نفسه بذلك . قال أبو سليمان الخطابي: ودليل هذه الآية أن الغلط في أسمائه والزيغ عنها إلحاد ، ومما يسمع على ألسنة العامة قولهم: يا سبحان ، يا برهان ، وهذا مهجور مستهجن لا قدوة فيه ، وربما قال بعضهم: يا رب طه ويس . وقد أنكر ابن عباس على رجل قال: يا رب القرآن . وروي عن ابن عباس أن إلحادهم في أسمائه أنهم سموا بها أوثانهم ، وزادوا فيها ونقصوا منها ، فاشتقوا اللات من الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان .

فصل

والجمهور على أن هذه الآية محكمة ، لأنها خارجة مخرج التهديد ، كقوله: ذرني [ ص: 294 ] ومن خلقت وحيدا [المدثر:11] ، وقد ذهب بعضهم إلى أنها منسوخة بآية القتال ، لأن قوله: وذروا الذين يلحدون في أسمائه يقتضي الإعراض عن الكفار ، وهذا قول ابن زيد .
وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون

قوله تعالى: وممن خلقنا أمة يهدون بالحق أي: يعملون به ، وبه يعدلون أي: وبالعمل به يعدلون . وفيمن أريد بهذه الآية أربعة أقوال .

أحدها: أنهم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان من هذه الأمة ، قاله ابن عباس . وكان ابن جريج يقول: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذه أمتي ، بالحق يأخذون ويعطون ويقضون" . وقال قتادة: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تلا هذه الآية قال: "هذه لكم وقد أعطي القوم مثلها" ثم يقرأ: ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [الأعراف:159] .

والثاني: أنهم من جميع الخلق ، قاله ابن السائب .

والثالث: أنهم الأنبياء . والرابع: أنهم العلماء ، ذكر القولين الماوردي .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #243  
قديم 04-07-2022, 12:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَعْرَافِ
الحلقة (243)
صــ295 إلى صــ 301





والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين

قوله تعالى: والذين كذبوا بآياتنا قال أبو صالح عن ابن عباس: هم أهل مكة . وقال مقاتل: نزلت في المستهزئين من قريش .

قوله تعالى: سنستدرجهم قال الخليل ابن أحمد: سنطوي أعمارهم في اغترار [ ص: 295 ] منهم . وقال أبو عبيدة: الاستدراج: أن يتدرج إلى الشيء في خفية قليلا قليلا ولا يهجم عليه ، وأصله من الدرجة ، وذلك أن الراقي والنازل يرقى وينزل مرقاة مرقاة; ومنه: درج الكتاب: إذا طواه شيئا بعد شيء; ودرج القوم: إذا ماتوا بعضهم في أثر بعض . وقال اليزيدي: الاستدراج: أن يأتيه من حيث لا يعلم . وقال ابن قتيبة: هو أن يذيقهم من بأسه قليلا قليلا من حيث لا يعلمون ، ولا يباغتهم به ولا يجاهرهم . وقال الأزهري: سنأخذهم قليلا قليلا من حيث لا يحتسبون; وذلك أن الله تعالى يفتح عليهم من النعم ما يغتبطهم به ويركنون إليه ، ثم يأخذهم على غرتهم أغفل ما يكونون . قال الضحاك: كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة .

وفي قوله: من حيث لا يعلمون قولان .

أحدهما: من حيث لا يعلمون بالاستدراج . والثاني: بالهلكة .

قوله تعالى: وأملي لهم الإملاء: الإمهال والتأخير .

قوله تعالى: إن كيدي متين قال ابن عباس : إن مكري شديد . وقال ابن فارس: الكيد: المكر; فكل شيء عالجته فأنت تكيده . قال المفسرون: مكر الله وكيده: مجازاة أهل المكر والكيد على نحو ما بينا في سورة [البقرة:15] و[آل عمران:54] من ذكر الاستهزاء والخداع والمكر .
أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون [ ص: 296 ] قوله تعالى: أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علا على الصفا ليلة ، ودعا قريشا فخذا فخذا: يا بني فلان يا بني فلان ، يا بني فلان ، فحذرهم بأس الله وعقابه ، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون ، بات يصوت حتى الصباح ، فنزلت هذه الآية ، قاله الحسن ، وقتادة . ومعنى الآية: أولم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنة ، أي: جنون ، فحثهم على التفكر في أمره ليعلموا أنه بريء من الجنون . "إن هو" أي: ما هو "إلا نذير" أي: مخوف " مبين " يبين طريق الهدى . ثم حثهم على النظر المؤدي إلى العلم فقال: أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ليستدلوا على أن لها صانعا مدبرا; وقد سبق بيان الملكوت في سورة [الأنعام:75] .

قوله تعالى: وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم قرأ ابن مسعود ، وأبي ، والجحدري: آجالهم ومعنى الآية: أولم ينظروا في الملكوت وفيما خلق الله من الأشياء كلها ، وفي أن عسى أن تكون آجالهم قد قربت فيهلكوا على الكفر ، ويصيروا إلى النار فبأي حديث بعده يؤمنون يعني: القرآن وما فيه من البيان . ثم ذكر سبب إعراضهم عن الإيمان ، فقال: من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر: " ونذرهم " بالنون والرفع . وقرأ أبو عمرو: بالياء والرفع . وقرأ حمزة ، والكسائي: " ويذرهم " بالياء مع الجزم خفيفة . فمن قرأ بالرفع استأنف ، ومن جزم " ويذرهم " عطف على موضع الفاء . قال سيبويه: وموضعها جزم; فالمعنى: من يضلل الله يذره; وقد سبق في سورة [البقرة:15] معنى الطغيان والعمه .
[ ص: 297 ] يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون

قوله تعالى: يسألونك عن الساعة في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن قوما من اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا متى الساعة؟ فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .

والثاني: أن قريشا قالت: يا محمد ، بيننا وبينك قرابة ، فبين لنا متى الساعة؟ فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة . وقال عروة: الذي سأله عن الساعة عتبة بن ربيعة . والمراد بالساعة هاهنا التي يموت فيها الخلق .

قوله تعالى: أيان مرساها قال أبو عبيدة: أي: متى مرساها؟ أي: منتهاها . ومرسا السفينة: حيث تنتهي . وقال ابن قتيبة: "أيان" بمعنى: متى; و"متى" بمعنى: أي حين ، ونرى أن أصلها: أي أوان ، فحذفت الهمزة [والواو] ، وجعل الحرفان واحدا ، ومعنى الآية: متى ثبوتها؟ يقال: رسا في الأرض ، أي: ثبت ، ومنه قيل للجبال: رواسي . قال الزجاج : ومعنى الكلام: متى وقوعها؟

قوله تعالى: قل إنما علمها عند ربي أي: قد استأثر بعلمها لا يجليها أي: لا يظهرها في وقتها إلا هو .

قوله تعالى: ثقلت في السماوات والأرض فيه أربعة أقوال . [ ص: 298 ] أحدها: ثقل وقوعها على أهل السماوات والأرض ، قاله ابن عباس ، ووجهه أن الكل يخافونها ، محسنهم ومسيئهم .

والثاني: عظم شأنها في السماوات والأرض ، قاله عكرمة ، ومجاهد ، وابن جريج .

والثالث: خفي أمرها ، فلم يعلم متى كونها ، قاله السدي .

والرابع: أن "في" بمعنى "على" فالمعنى: ثقلت على السماوات والأرض ، قاله قتادة .

قوله تعالى: لا تأتيكم إلا بغتة أي . فجأة .

قوله تعالى: كأنك حفي عنها فيه أربعة أقوال .

أحدها: أنه من المقدم والمؤخر ، فتقديره: يسألونك عنها كأنك حفي ، أي: بر بهم ، كقولهم: إنه كان بي حفيا [مريم:47] . قال العوفي عن ابن عباس ، وأسباط عن السدي: كأنك صديق لهم .

والثاني: كأنك حفي بسؤالهم ، مجيب لهم . قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: كأنك يعجبك سؤالهم . وقال خصيف عن مجاهد: كأنك تحب أن يسألوك عنها . وقال الزجاج : كأنك فرح بسؤالهم .

والثالث: كأنك عالم بها ، قاله الضحاك عن ابن عباس ، وهو قول ابن زيد ، والفراء . [ ص: 299 ] والرابع: كأنك استحفيت السؤال عنها حتى علمتها ، قاله ابن أبي نجيح عن مجاهد . وقال عكرمة: كأنك سؤول عنها . وقال ابن قتيبة: كأنك معني بطلب علمها . وقال ابن الأنباري: فيه تقديم وتأخير ، تقديره: يسألونك عنها كأنك حفي بها ، والحفي في كلام العرب: المعني .

قوله تعالى: قل إنما علمها عند الله أي: لا يعلمها إلا هو ولكن أكثر الناس لا يعلمون قال مقاتل في آخرين: المراد بالناس هاهنا أهل مكة . وفي قوله: لا يعلمون قولان . أحدهما: لا يعلمون أنها كائنة ، قاله مقاتل . والثاني: لا يعلمون أن هذا مما استأثر الله بعلمه ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون

قوله تعالى: قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا سبب نزولها أن أهل مكة قالوا: يا محمد ، ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو ، فتشتري فتربح ، وبالأرض التي تريد أن تجدب ، فترتحل عنها إلى ما قد أخصب؟ فنزلت هذه الآية ، روي عن ابن عباس . وفي المراد بالنفع والضر قولان .

أحدهما: أنه عام في جميع ما ينفع ويضر ، قاله الجمهور .

والثاني: أن النفع: الهدى ، والضر: الضلالة ، قاله ابن جريج .

قوله تعالى: إلا ما شاء الله أي: إلا ما أراد أن أملكه بتمليكه إياي; ومن هو على هذه الصفة فكيف يعلم علم الساعة . !

قوله تعالى: ولو كنت أعلم الغيب فيه أربعة أقوال . [ ص: 300 ] أحدها: لو كنت أعلم بجدب الأرض وقحط المطر قبل كون ذلك لهيأت لسنة الجدب ما يكفيها ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: لو كنت أعلم ما أربح فيه إذا اشتريته لاستكثرت من الخير ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

والثالث: لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح قاله مجاهد .

والرابع: لو كنت أعلم ما أسأل عنه من الغيب لأجبت عنه . وما مسني السوء أي: لم يلحقني تكذيب ، قاله الزجاج . فأما الغيب ، فهو كل ما غاب عنك . ويخرج في المراد بالخير هاهنا ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه العمل الصالح . والثاني: المال . والثالث: الرزق .

قوله تعالى: وما مسني السوء فيه أربعة أقوال .

أحدها: أنه الفقر ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه كل ما يسوء ، قاله ابن زيد . والثالث: الجنون ، قاله الحسن . والرابع: التكذيب ، قاله الزجاج . فعلى قول الحسن ، يكون هذا الكلام مبتدأ ، والمعنى: وما بي من جنون إنما أنا نذير ، وعلى باقي الأقوال يكون متعلقا بما قبله .
هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون

قوله تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة يعني بالنفس: آدم ، [ ص: 301 ] وبزوجها: حواء . ومعنى ليسكن إليها : ليأنس بها ويأوي إليها . فلما تغشاها أي: جامعها . قال الزجاج : وهذا أحسن كناية عن الجماع . والحمل ، بفتح الحاء: ما كان في بطن ، أو أخرجته شجرة . والحمل ، بكسر الحاء: ما يحمل . والمراد بالحمل الخفيف: الماء .

قوله تعالى: فمرت به أي: استمرت به ، قعدت وقامت ولم يثقلها . وقرأ سعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، وابن عباس ، والضحاك: فاستمرت به وقرأ أبي بن كعب ، والجوني " استمارت به " بزيادة ألف . وقرأ عبد الله بن عمرو ، والجحدري: فمارت به بألف وتشديد الراء . وقرأ أبو العالية ، وأيوب ، ويحيى بن يعمر: فمرت به خفيفة الراء ، أي: شكت وتمارت أحملت ، أم لا؟ فلما أثقلت أي: صار حملها ثقيلا . وقال الأخفش: صارت ذا ثقل . يقال: أثمرنا ، أي: صرنا ذوي ثمر .

قوله تعالى: دعوا الله ربهما يعني آدم وحواء لئن آتيتنا صالحا وفي المراد بالصالح قولان .

أحدهما: أنه الإنسان المشابه لهما ، وخافا أن يكون بهيمة ، هذا قول الأكثرين .

والثاني: أنه الغلام ، قاله الحسن ، وقتادة .

شرح السبب في دعائهما


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #244  
قديم 04-07-2022, 12:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَعْرَافِ
الحلقة (244)
صــ302 إلى صــ 308





ذكر أهل التفسير أن إبليس جاء حواء ، فقال: ما يدريك ما في بطنك ، لعله كلب أو خنزير أو حمار; وما يدريك من أين يخرج ، أيشق بطنك ، أم يخرج من فيك ، أو من منخريك؟ فأحزنها ذلك ، فدعوا الله حينئذ ، فجاء إبليس [ ص: 302 ] فقال: كيف تجدينك؟ قالت: ما أستطيع القيام إذا قعدت ، قال: أفرأيت إن دعوت الله ، فجعله إنسانا مثلك ومثل آدم ، أتسمينه باسمي؟ قالت: نعم . فلما ولدته سويا ، جاءها إبليس فقال: لم لا تسمينه بي كما وعدتني؟ فقالت: وما اسمك؟ قال: الحارث ، وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث ، فسمته: عبد الحارث ، وقيل: عبد شمس برضى آدم ، فذلك قوله: فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء . قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم: " شركاء " بضم الشين والمد ، جمع شريك . وقرأ نافع . وأبو بكر عن عاصم: " شركا " مكسورة الشين على المصدر ، لا على الجمع . قال أبو علي: من قرأ " شركا " حذف المضاف ، كأنه أراد: جعلا له ذا شرك ، وذوي شريك; فيكون المعنى: جعلا لغيره شركا ، لأنه إذا كان التقدير: جعلا له ذوي شرك ، فالمعنى: جعلا لغيره شركا; وهذه القراءة في المعنى كقراءة من قرأ "شركاء" وقال غيره: معنى "شركاء": شريكا ، فأوقع الجمع موقع الواحد كقوله: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم [آل عمران:173] . والمراد بالشريك: إبليس ، لأنهما أطاعاه في الاسم ، فكان الشرك في الطاعة ، لا في العبادة; ولم [ ص: 303 ] يقصدا أن الحارث ربهما ، لكن قصدا أنه سبب نجاة ولدهما; وقد يطلق العبد على من ليس بمملوك . قال الشاعر:


وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا وما في إلا تلك من شيمة العبد


وقال مجاهد: كان لا يعيش لآدم ولد ، فقال الشيطان: إذا ولد لكما ولد فسمياه عبد الحارث ، فأطاعاه في الاسم ، فذلك قوله: جعلا له شركاء فيما آتاهما ، هذا قول الجمهور ، وفيه قول ثان ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما أشرك آدم ، إن أول الآية لشكر ، وآخرها مثل ضربه الله لمن يعبده في قوله: جعلا له شركاء فيما آتاهما . وروى قتادة عن الحسن ، قال: هم اليهود والنصارى ، رزقهم الله أولادا فهودوهم ونصروهم . وروي عن الحسن ، وقتادة قالا: الضمير في قوله: جعلا له شركاء عائد إلى النفس وزوجه من ولد آدم ، لا إلى آدم وحواء . وقيل: الضمير راجع إلى الولد الصالح ، وهو السليم الخلق; فالمعنى: جعل له ذلك الولد شركاء . وإنما قيل: "جعلا" لأن حواء كانت تلد في كل [ ص: 304 ] بطن ذكرا وأنثى . قال ابن الأنباري: الذين جعلوا له شركاء اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الذين هم أولاد آدم وحواء . فتأويل الآية: فلما آتاهما صالحا ، جعل أولادهما له شركاء ، فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كما قال: واسأل القرية [يوسف:82] . وذهب السدي إلى أن قوله: فتعالى الله عما يشركون في مشركي العرب خاصة ، وأنها مفصولة عن قصة آدم وحواء .

أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون

قوله تعالى: أيشركون ما لا يخلق شيئا قال ابن زيد: هذه لآدم وحواء حيث سميا ولدهما عبد شمس ، والشمس لا تخلق شيئا . وقال غيره: هذا راجع إلى الكفار حيث أشركوا بالله الأصنام ، وهي لا تخلق شيئا . وقوله: وهم يخلقون أي: وهي مخلوقة . قال ابن الأنباري: وإنما قال: "ما" ثم قال: وهم يخلقون لأن "ما" تقع على الواحد والاثنين والجميع; وإنما قال: وهم وهو يعني الأصنام ، لأن عابديها ادعوا أنها تعقل وتميز ، فأجريت مجرى الناس ، فهو كقوله: رأيتهم لي ساجدين [يوسف : 4] ، وقوله: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم [النمل:18] ، وقوله: وكل في فلك يسبحون [يس:40] ، قال الشاعر:


تمززتها والديك يدعو صباحه إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا


وأنشد ثعلب لعبدة بن الطبيب:


إذ أشرف الديك يدعو بعض أسرته لدى الصباح وهم قوم معازيل


[ ص: 305 ] لما جعله يدعو ، جعل الديكة قوما ، وجعلهم معازيل ، وهم الذين لا سلاح معهم ، وجعلهم أسرة; وأسرة الرجل: رهطه وقومه .
ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون

قوله تعالى: ولا يستطيعون لهم نصرا يقول: إن الأصنام لا تستطيع نصر من عبدها ، ولا تمنع من نفسها .
وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون

قوله تعالى: وإن تدعوهم فيه قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى الأصنام ، فالمعنى: وإن دعوتم أيها المشركون أصنامكم إلى سبيل رشاد لا يتبعوكم ، لأنهم لا يعقلون .

والثاني: أنها ترجع إلى الكفار ، فالمعنى: وإن تدع يا محمد هؤلاء المشركين إلى الهدى ، لا يتبعوكم ، فدعاؤكم إياهم وصمتكم عنهم سواء ، لأنهم لا ينقادون إلى الحق . وقرأ نافع لا يتبعوكم بسكون التاء .
إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين [ ص: 306 ] قوله تعالى: إن الذين تدعون من دون الله يعني الأصنام عباد أمثالكم في أنهم مسخرون مذللون لأمر الله . وإنما قال "عباد" وقال فادعوهم وإن كانت الأصنام جمادا ، لما بينا عند قوله: وهم يخلقون

قوله تعالى: فليستجيبوا لكم أي: فليجيبوكم إن كنتم صادقين أن لكن عندهم نفعا وثوابا . ألهم أرجل يمشون بها في المصالح أم لهم أيد يبطشون بها في دفع ما يؤذي . وقرأ أبو جعفر "يبطشون" بضم الطاء هاهنا وفي [القصص:19] و[الدخان:16] . أم لهم أعين يبصرون بها المنافع من المضار أم لهم آذان يسمعون بها تضرعكم ودعاءكم؟ وفي هذا تنبيه على تفضيل العابدين على المعبودين ، وتوبيخ لهم حيث عبدوا من هم أفضل منه . قل ادعوا شركاءكم قال الحسن: كانوا يخوفونه بآلهتهم ، فقال الله تعالى: قل ادعوا شركاءكم ، ثم كيدون أنتم وهم فلا تنظرون أي: لا تؤخروا ذلك . وكان ابن كثير ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي يقرؤون " ثم كيدون " بغير ياء في الوصل والوقف . وقرأ أبو عمرو ، ونافع في رواية ابن حماد بالياء في الوصل . وروى ورش ، وقالون ، والمسيبي بغير ياء في الوصل ، ولا وقف . فأما "تنظرون" فأثبت فيها الياء يعقوب في الوصل والوقف . إن وليي الله أي: ناصري الذي نزل الكتاب وهو القرآن ، أي: كما أيدني بإنزال الكتاب ينصرني .
والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون

قوله تعالى: والذين تدعون من دونه يعني الأصنام لا يستطيعون نصركم أي: لا يقدرون على منعكم ممن أرادكم بسوء ولا يمنعون أنفسهم من سوء أريد بهم .
[ ص: 307 ] وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون

قوله تعالى: وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا في المراد بهؤلاء قولان .

أحدهما: أنهم الأصنام . ثم في قوله: وتراهم ينظرون إليك قولان . أحدهما يواجهونك ، تقول العرب: داري تنظر إلى دارك ، وهم لا يبصرون لأنه ليس فيهم أرواح . والثاني: وتراهم كأنهم ينظرون إليك ، لأن لهم أعينا مصنوعة ، فأسقط كاف التشبيه ، كقوله: وترى الناس سكارى [الحج:2] أي: كأنهم سكارى ، وهم لا يبصرون في الحقيقة . وإنما أخبر عنهم بالهاء والميم ، لأنهم على هيئة بني آدم ،

والقول الثاني: أنهم المشركون ، فالمعنى: وتراهم ينظرون إليك بأعينهم ولا يبصرون بقلوبهم .
خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين

قوله تعالى: خذ العفو العفو: الميسور ، وقد سبق شرحه في سورة [البقرة:219] . وفي الذي أمر بأخذ العفو منه ثلاثة أقوال .

أحدها: أخلاق الناس ، قاله ابن الزبير ، والحسن ، ومجاهد ، فيكون [ ص: 308 ] المعنى: أقبل الميسور من أخلاق الناس ، ولا تستقص عليهم فتظهر منهم البغضاء .

والثاني: أنه المال ، وفيه قولان . أحدهما: أن المراد بعفو المال: الزكاة ، قاله مجاهد في رواية الضحاك . والثاني: أنها صدقة كانت تؤخذ قبل فرض الزكاة ، ثم نسخت بالزكاة ، روي عن ابن عباس .

والثالث: أن المراد به: مساهلة المشركين والعفو عنهم ، ثم نسخ بآية السيف ، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: وأمر بالعرف أي: بالمعروف .

وفي قوله: وأعرض عن الجاهلين قولان .

أحدهما: أنهم المشركون ، أمر بالإعراض عنهم ، ثم نسخ ذلك بآية السيف .

والثاني: أنه عام فيمن جهل ، أمر بصيانة النفس عن مقابلتهم على سفههم ، وإن وجب عليه الإنكار عليهم . وهذه الآية عند الأكثرين كلها محكمة ، وعند بعضهم أن وسطها محكم ، وطرفيها منسوخان على ما بينا .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #245  
قديم 04-07-2022, 12:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَعْرَافِ
الحلقة (245)
صــ309 إلى صــ 315





وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون [ ص: 309 ] قوله تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ قال ابن زيد: لما نزلت "خذ العفو" قال النبي صلى الله عليه وسلم "يا رب كيف بالغضب"؟ فنزلت هذه الآية . فأما قوله "وإما" فقد سبق بيانه في سورة [البقرة] في قوله: فإما يأتينكم مني هدى [البقرة:38] ، وقال أبو عبيدة: ومجاز الكلام: وإما تستخفنك منه خفة وغضب وعجلة . وقال السدي: النزغ: الوسوسة وحديث النفس . قال الزجاج : النزغ: أدنى حركة تكون ، تقول: قد نزغته: إذا حركته . وقد سبق معنى الاستعاذة .

قوله تعالى: ( إذا مسهم طيف ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي: "طيف" بغير ألف . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة: "طائف" بألف ممدودا مهموزا . وقرأ ابن عباس ، وابن جبير ، والجحدري ، والضحاك: "طيف" بتشديد الياء من غير ألف . وهل الطائف والطيف بمعنى واحد ، أم يختلفان؟ فيه قولان .

أحدهما: أنهما بمعنى واحد ، وهما ما كان كالخيال والشيء يلم بك ، حكي عن الفراء . وقال الأخفش: الطيف أكثر في كلام العرب من الطائف ، قال الشاعر:


ألا بالقوم لطيف الخيال أرق من نازح ذي دلال


والثاني: أن الطائف: ما يطوف حول الشيء ، والطيف اللمة والوسوسة [ ص: 310 ] والخطرة ، حكي عن أبي عمرو وروي عن ابن عباس أنه قال: الطائف: اللمة من الشيطان ، والطيف: الغضب . وقال ابن الأنباري: الطائف: الفاعل من الطيف; والطيف عند أهل اللغة: اللمم من الشيطان; وزعم مجاهد أنه الغضب .

قوله تعالى: تذكروا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: تذكروا الله إذا هموا بالمعاصي فتركوها ، قاله مجاهد .

والثاني: تفكروا فيما أوضح الله لهم من الحجة ، قاله الزجاج .

والثالث: تذكروا غضب الله; والمعنى: إذا جرأهم الشيطان على ما لا يحل ، تذكروا غضب الله ، أمسكوا ، فإذا هم مبصرون لمواضع الخطإ بالتفكر .
وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون

قوله تعالى: وإخوانهم في هذه الهاء والميم قولان .

أحدهما: أنها عائدة على المشركين; فتكون هذه الآية مقدمة على التي قبلها ، والتقدير: وأعرض عن الجاهلين ، وإخوان الجاهلين ، وهم الشياطين يمدونهم في الغي قرأ نافع: "يمدونهم" بضم الياء وكسر الميم . والباقون: بفتح الياء وضم الميم . قال أبو علي: عامة ما جاء في التنزيل فيما يحمد ويستحب: أمددت ، على أفعلت ، كقوله: أتمدونن بمال [النمل:36] أنما نمدهم به من مال [المؤمنون:55] وأمددناهم بفاكهة [الطور:22] ، وما كان على خلاف يجيء على: مددت; كقوله: ويمدهم في طغيانهم [البقرة: 15]; فهذا يدل على أن الوجه فتح الياء ، إلا أن وجه قراءة نافع بمنزلة فبشرهم بعذاب أليم قال المفسرون: "يمدونهم في الغي" أي: يزينونه لهم ، [ ص: 311 ] ويريدون منهم لزومه; فيكون معنى الكلام: أن الذين اتقوا إذا جرهم الشيطان إلى خطيئة ، تابوا منها ، وإخوان الجاهلين ، وهم الشياطين ، يمدونهم في الغي ، هذا قول الأكثرين من العلماء . وقال بعضهم: الهاء والميم ترجع إلى الشياطين ، وقد جرى ذكرهم لقوله: "من الشيطان "فالمعنى: وإخوان الشياطين يمدونهم .

والثاني: أن الهاء والميم ترجع إلى المتقين; فالمعنى: وإخوان المتقين من المشركين ، وقيل: من الشياطين يمدونهم في الغي ، أي: يريدون من المسلمين أن يدخلوا معهم في الكفر ، ذكر هذا القول جماعة منهم ابن الأنباري . فإن قيل: كيف قال: "وإخوانهم" وليسوا على دينهم؟ فالجواب: أنا إن قلنا: إنهم المشركون ، فجائز أن يكونوا إخوانهم في النسب ، أو في كونهم من بني آدم ، أو لكونهم يظهرون النصح كالإخوان; وإن قلنا: إنهم الشياطين ، فجائز أن يكونوا لكونهم مصاحبين لهم ، والقول الأول أصح .

قوله تعالى: ثم لا يقصرون وقرأ الزهري ، وابن أبي عبلة: "لا يقصرون" بالتشديد . قال الزجاج : يقال: أقصر يقصر ، وقصر يقصر . قال ابن عباس : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ، ولا الشياطين تقصر عنهم; فعلى هذا يكون قوله: "يقصرون" من فعل الفريقين ، وهذا على القول المشهور; ويخرج على القول الثاني أن يكون هذا وصفا للإخوان فقط .
وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون

قوله تعالى: وإذا لم تأتهم بآية يعني به المشركين . وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما: إذا لم تأتهم بآية ، سألوها تعنتا ، قاله ابن السائب . [ ص: 312 ] والثاني: إذا لم تأتهم بآية لإبطاء الوحي ، قاله مقاتل .

وفي قوله: لولا اجتبيتها قولان .

أحدهما: هلا افتعلتها من تلقاء نفسك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد ، والفراء ، والزجاج ، وابن قتيبة في آخرين ، وحكي عن الفراء أنه قال: العرب تقول: اجتبيت الكلام ، واختلقته ، وارتجلته: إذا افتعلته من قبل نفسك .

والثاني: هلا طلبتها لنا قبل مسألتك؟ ذكره الماوردي ; والأول أصح .

قوله تعالى: قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي أي: ليس الأمر لي .

قوله تعالى: هذا بصائر من ربكم يعني القرآن . قال أبو عبيدة: البصائر بمعنى الحجج والبرهان والبيان ، واحدتها: بصيرة . وقال الزجاج : معنى البصائر: ظهور الشيء وبيانه .
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون

قوله تعالى: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له اختلفوا في نزولها على خمسة أقوال .

أحدها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة المكتوبة ، فقرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .

والثاني: أن المشركين كانوا يأتون رسول الله إذا صلى ، فيقول بعضهم لبعض: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ، فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن المسيب . [ ص: 313 ] والثالث: أن فتى من الأنصار كان كلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، قرأ هو ، فنزلت هذه الآية ، قاله الزهري .

والرابع: أنهم كانوا يتكلمون في صلاتهم أول ما فرضت ، فيجيء الرجل فيقول لصاحبه: كم صليتم؟ فيقول: كذا وكذا ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة .

والخامس: أنها نزلت تأمر بالإنصات للإمام في الخطبة يوم الجمعة ، روي عن عائشة ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، ومجاهد ، وعمرو بن دينار في آخرين .
واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين

قوله تعالى: واذكر ربك في نفسك في هذا الذكر أربعة أقوال .

أحدها: أنه القراءة في الصلاة ، قاله ابن عباس; فعلى هذا ، أمر أن يقرأ في نفسه في صلاة الإسرار .

والثاني: أنه القراءة خلف الإمام سرا في نفسه ، قاله قتادة .

والثالث: أنه ذكر الله باللسان .

والرابع: أنه ذكر الله باستدامة الفكر ، لا يغفل عن الله تعالى ، ذكر القولين الماوردي . وفي المخاطب بهذا الذكر قولان .

أحدهما: أنه المستمع للقرآن ، إما في الصلاة ، وإما من الخطيب ، قاله ابن زيد .

والثاني: أنه خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعناه عام في جميع المكلفين . [ ص: 314 ] قوله تعالى: تضرعا وخيفة التضرع: الخشوع في تواضع; والخيفة الحذر من عقابه .

قوله تعالى: ودون الجهر من القول الجهر: الإعلان بالشيء; ورجل جهير الصوت: إذا كان صوته عاليا . وفي هذا نص على أنه الذكر باللسان; ويحتمل وجهين .

أحدهما: قراءة القرآن . والثاني: الدعاء ، وكلاهما مندوب إلى إخفائه ، إلا أن صلاة الجهر قد بين أدبها في قوله: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت [الإسراء: 110] . بها فأما الغدو فهو جمع غدوة; والآصال جمع أصل ، والأصل جمع أصيل; فالآصال جمع الجمع ، والآصال: العشيات . وقال أبو عبيدة: هي ما بين العصر إلى المغرب; وأنشد:


لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفيائه بالأصائل


وروي عن ابن عباس أنه قال: يعني بالغدو: صلاة الفجر; والآصال: صلاة العصر .
إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون

قوله تعالى: إن الذين عند ربك يعني الملائكة . لا يستكبرون أي: لا يتكبرون ويتعظمون (عن عبادته) وفي هذه العبادة قولان . [ ص: 315 ] أحدهما: الطاعة . والثاني: الصلاة والخضوع فيها .

وفي قوله: ويسبحونه قولان .

أحدهما: ينزهونه عن السوء . والثاني: يقولون: سبحان الله .

قوله تعالى: وله يسجدون أي: يصلون . وقيل: سبب نزول هذه الآية أن كفار مكة قالوا: أنسجد لما تأمرنا؟ فنزلت هذه الآية تخبر أن الملائكة وهم أكبر شأنا منكم ، لا يتكبرون عن عبادة الله . وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله ، أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #246  
قديم 04-07-2022, 12:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
الحلقة (246)
صــ316 إلى صــ 322





بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ



سُورَةُ الْأَنْفَالِ

وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ . وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ فِيهَا سَبْعَ آَيَاتٍ مَكِّيَّاتٍ ، أَوَّلُهَا: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الْأَنْفَالِ:30] .

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا ، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا" ، فَأَمَّا الْمَشْيَخَةُ ، فَثَبَتُوا تَحْتَ الرَّايَاتِ ، وَأَمَّا الشُّبَّانُ ، فَسَارَعُوا إِلَى الْقَتْلِ وَالْغَنَائِمِ ، فَقَالَ الْمَشْيَخَةُ لَلشُّبَّانِ: أَشْرِكُونَا مَعَكُمْ ، فَإِنَّا كُنَّا لَكُمْ رِدَءًا; فَأَبَوْا ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ سُورَةُ [الْأَنْفَال] رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

[ ص: 317 ] وَالثَّانِي: أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَصَابَ سَيْفًا يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَبْهُ لِي ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، رَوَاهُ مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَتَلْتُ سَعْدَ بْنَ الْعَاصِ ، وَأَخَذْتُ سَيْفَهُ فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ: "اذْهَبْ فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبْضِ" فَرَجَعْتُ ، وَبِي مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ; فَمَا جَاوَزْتُ إِلَّا قَرِيبًا حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ (الْأَنْفَال) ، فَقَالَ: "اذْهَبْ فَخُذْ سَيْفَكَ" .

وَقَالَ السُّدِّيُّ: اخْتَصَمَ سَعْدٌ وَنَاسٌ آَخَرُونَ فِي ذَلِكَ السَّيْفِ ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ .

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْأَنْفَالَ كَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهَا شَيْءٌ ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهَا شَيْئًا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَفِي الْمُرَادِ بِالْأَنْفَالِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ: [ ص: 318 ] أَحَدُهَا: أَنَّهَا الْغَنَائِمُ ، رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَعَطَاءٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ ، وَالزَّجَّاجُ ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ فِي آَخَرِينَ . وَوَاحِدُ الْأَنْفَالِ: نَفْلٌ ، قَالَ لَبِيدٌ:


إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفْلٍ وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلِ


وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَا نَفَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَاتِلُ مَنْ سَلَبَ قَتِيلَهُ .

وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ بِغَيْرِ قِتَالٍ ، قَالَهُ عَطَاءٌ . وَهَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ مَرْوِيَّانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا .

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ الْخَمْسُ الَّذِي أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَنَائِمِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ .

وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ أَنْفَالُ السَّرَايَا ، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ . وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هِيَ السَّرَايَا الَّتِي تَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْجُيُوشِ .

وَالسَّادِسُ: أَنَّهَا زِيَادَاتٌ يُؤْثِرُ بِهَا الْإِمَامُ بَعْضَ الْجَيْشِ لِمَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ . وَفِي "عَنْ" قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا زَائِدَةٌ ، وَالْمَعْنَى: يَسْأَلُونَكَ الْأَنْفَالَ; وَكَذَلِكَ قَرَأَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَأُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ: "يَسْأَلونك الْأَنْفَالَ" بِحَذْفِ "عَنْ"

وَالثَّانِي: أَنَّهَا أَصْلٌ ، وَالْمَعْنَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ لِمَنْ هِيَ؟ أَوْ عَنْ حُكْمِ الْأَنْفَالِ; وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلَيْنِ . وَذَكَرَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا عَنْ حُكْمِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ حَرَامًا عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ . [ ص: 319 ] فَصْلٌ

وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي هَذِهِ الْآَيَةِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا نَاسِخَةٌ مِنْ وَجْهٍ ، مَنْسُوخَةٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَنَائِمَ كَانَتْ حَرَامًا فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِي نَ ، فَنَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآَيَةِ ، وَجَعَلَ الْأَمْرَ فِي الْغَنَائِمِ إِلَى مَا يَرَاهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الْأَنْفَالِ:41] . وَقَالَ آَخَرُونَ: الْمُرَادُ بِالْأَنْفَالِ شَيْئَانِ .

أَحَدُهُمَا: مَا يَجْعَلُهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَطَائِفَةٍ مِنْ شُجْعَانِ الْعَسْكَرِ وَمُتَقَدِّمِيه ِ ، يَسْتَخْرِجُ بِهِ نُصْحَهُمْ ، وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ .

وَالثَّانِي: مَا يُفْضُلُ مِنَ الْغَنَائِمِ بَعْدَ قِسْمَتِهَا كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ ، فَغَنِمْنَا إِبِلًا ، فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا ، وَنَفَلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا; فَعَلَى هَذَا هِيَ مَحْكَمَةٌ ، لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بَاقٍ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا .

فَصْلٌ

وَيَجُوزُ النَّفْلُ قَبْلَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ . فَأَمَّا بَعْدَ إِحْرَازِهَا ، فَفِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ . وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْقَاتِلُ سَلْبَ الْمَقْتُولِ إِذَا لَمْ يَشْرُطْهُ لَهُ الْإِمَامُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: يَسْتَحِقُّهُ ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَالشَّافِعِيُّ .

وَالثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَيَكُونُ غَنِيمَةً لَلْجَيْشِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ; وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْقَوْلَيْنِ . [ ص: 320 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ يَحْكُمَانِ فِيهَا مَا أَرَادَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ بِتَرْكِ مُخَالَفَتِهِ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ قَالَ الزَّجَّاجُ : مَعْنَى "ذَاتَ بَيْنِكُمْ" حَقِيقَةُ وَصْلِكُمْ . وَالْبَيْنُ: الْوَصْلُ; كَقَوْلِهِ: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الْأَنْعَامِ:94] .

ثُمَّ فِي الْمُرَادِ بِالْكَلَامِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرُدَّ الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ ، قَالَهُ عَطَاءٌ . وَالثَّانِي: تَرَكَ الْمُنَازَعَةَ تَسْلِيمًا لَلَّهِ وَرَسُولِهِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَيِ: اقْبَلُوا مَا أَمَرْتُمْ بِهِ فِي الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا .
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون

قوله تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله قال الزجاج : إذا ذكرت عظمته وقدرته وما خوف به من عصاه ، فزعت قلوبهم ، قال الشاعر:


لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تعدو المنية أول


يقال: وجل يوجل وياجل وييجل وييجل ، هذه أربع لغات حكاها سيبويه . وأجودها: يوجل . وقال السدي: هو الرجل يهم بالمعصية ، فيذكر الله فينزع عنها .

قوله تعالى: وإذا تليت عليهم آياته أي: آيات القرآن .

وفي قوله: زادتهم إيمانا ثلاثة أقوال .

أحدها: تصديقا ، قاله ابن عباس . والمعنى: أنهم كلما جاءهم شيء عن الله آمنوا به فيزدادوا إيمانا بزيادة الآيات .

والثاني: يقينا ، قاله الضحاك . [ ص: 321 ] والثالث: خشية الله ، قاله الربيع بن أنس . وقد ذكرنا معنى التوكل في (آل عمران:122) .
الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون

قوله تعالى: الذين يقيمون الصلاة قال ابن عباس : يعني الصلوات الخمس . ومما رزقناهم ينفقون يعني الزكاة .
أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم

قوله تعالى: أولئك هم المؤمنون حقا قال الزجاج : "حقا" منصوب بمعنى دلت عليه الجملة ، والجملة أولئك هم المؤمنون ، فالمعنى: أحق ذلك حقا: وقال مقاتل: المعنى: أولئك هم المؤمنون لا شك في إيمانهم كشك المنافقين .

قوله تعالى: لهم درجات عند ربهم قال عطاء: درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم ، والرزق الكريم: ما أعد لهم فيها .
كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون

قوله تعالى: كما أخرجك ربك في متعلق هذه الكاف خمسة أقوال .

أحدها: أنها متعلقة بالأنفال . ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها: أن تأويله: امض لأمر الله في الغنائم وإن كرهوا ، كما مضيت في خروجك من بيتك وهم كارهون ، قاله الفراء . والثاني: أن الأنفال لله والرسول صلى الله عليه وسلم بالحق الواجب ، كما [ ص: 322 ] أخرجك ربك بالحق ، وإن كرهوا ذلك ، قاله الزجاج . والثالث: أن المعنى: يسألوك عن الأنفال مجادلة ، كما جادلوك في خروجك ، حكاه جماعة من المفسرين .

والثاني: أنها متعلقة بقوله: فاتقوا الله وأصلحوا ، والمعنى: إن التقوى والإصلاح خير لكم ، كما كان إخراج الله نبيه محمدا خيرا لكم وإن كرهه بعضكم ، هذا قول عكرمة .

والثالث: أنها متعلقة بقوله: يجادلونك ، فالمعنى: مجادلتهم إياك في الغنائم كإخراج الله إياك إلى بدر وهم كارهون ، قاله الكسائي .

والرابع: أنها متعلقة بقوله : أولئك هم المؤمنون والمعنى: وهم المؤمنون حقا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، ذكره بعض ناقلي التفسير .

والخامس: أن "كما" في موضع قسم ، معناها: والذي أخرجك من بيتك ، قاله أبو عبيدة ، واحتج بأن "ما" في موضع "الذي" ومنه قوله: وما خلق الذكر والأنثى [الليل:3] قال ابن الأنباري: وفي هذا القول بعد؛ لأن الكاف ليست من حروف الإقسام . وفي هذا الخروج قولان .

أحدهما: أنه خروجه إلى بدر ، وكره ذلك طائفة من أصحابه ، لأنهم علموا أنهم لا يظفرون بالغنيمة إلا بالقتال .

والثاني: أنه خروجه من مكة إلى المدينة للهجرة .

وفي معنى قوله: "بالحق" قولان . أحدهما: أنك خرجت ومعك الحق .

والثاني: أنك خرجت بالحق الذي وجب عليك .

وفي قوله: وإن فريقا من المؤمنين لكارهون قولان



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #247  
قديم 04-07-2022, 12:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
الحلقة (247)
صــ323 إلى صــ 329





أحدهما: كارهون خروجك . [ ص: 323 ] والثاني: كارهون صرف الغنيمة عنهم ، وهذه كراهة الطبع لمشقة السفر والقتال ، وليست كراهة لأمر الله تعالى .

قوله تعالى: يجادلونك في الحق يعني في القتال يوم بدر ، لأنهم خرجوا بغير عدة ، فقالوا: هلا أخبرتنا بالقتال لنأخذ العدة ، فجادلوه طلبا للرخصة في ترك القتال . وفي قوله: بعدما تبين ثلاثة أقوال .

أحدها: تبين لهم فرضه . والثاني: تبين لهم صوابه . والثالث: تبين لهم أنك لا تفعل إلا ما أمرت به . وفي "المجادلين" قولان .

أحدهما: أنهم طائفة من المسلمين ، قاله ابن عباس ، والجمهور .

والثاني: أنهم المشركون ، قاله ابن زيد ، فعلى هذا يكون جدالهم في الحق الذي هو التوحيد ، لا في القتال . فعلى الأول ، يكون معنى قوله: كأنما يساقون إلى الموت أي: في لقاء العدو وهم ينظرون ، لأن أشد حال من يساق إلى الموت أن يكون ناظرا إليه ، وعالما به . وعلى قول ابن زيد: كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام لكراهتهم إياه .
وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون

قوله تعالى: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين قال أهل التفسير: أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش ، حتى إذا دنا من بدر ، نزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فخرج في جماعة من أصحابه يريدهم ، فبلغهم ذلك فبعثوا عمرو بن ضمضم الغفاري إلى مكة مستغيثا ، فخرجت قريش للمنع عنها ، ولحق أبو سفيان [ ص: 324 ] بساحل البحر ، ففات رسول الله ، ونزل جبريل بهذه الآية: وإذ يعدكم الله والمعنى: اذكروا إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين . والطائفتان: أبو سفيان وما معه من المال ، وأبو جهل ومن معه من قريش; فلما سبق أبو سفيان بما معه ، كتب إلى قريش: إن كنتم خرجتم لتحرزوا: ركائبكم ، فقد أحرزتها لكم . فقال أبو جهل: والله لا نرجع . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد القوم ، فكره أصحابه ذلك وودوا أن لو نالوا الطائفة التي فيها الغنيمة دون القتال; فذلك قوله: وتودون أن غير ذات الشوكة أي: ذات السلاح . يقال: فلان شاكي السلاح; بالتخفيف ، وشاك في السلاح; بالتشديد ، وشائك . قال أبو عبيدة: ومجاز الشوكة الحد; يقال: ما أشد شوكة بني فلان ، أي: حدهم . وقال الأخفش: إنما أنث "ذات الشوكة" لأنه يعني الطائفة .

قوله تعالى: ويريد الله أن يحق الحق في المراد بالحق قولان .

أحدهما: أنه الإسلام ، قاله ابن عباس في آخرين .

والثاني: أنه القرآن ، والمعنى: يحق ما أنزل إليك من القرآن .

قوله تعالى: "بكلماته" أي: بعداته التي سبقت من إعزاز الدين ، كقوله: ليظهره على الدين كله [التوبة:33] .

قوله تعالى: ويقطع دابر الكافرين أي: يجتث أصلهم; وقد بينا ذلك في (الأنعام:45) .

قوله تعالى: ليحق الحق المعنى: ويريد أن يقطع دابر الكافرين كيما يحق الحق . وفي هذا الحق القولان المتقدمان . فأما الباطل ، فهو الشرك; والمجرمون هاهنا: المشركون .
[ ص: 325 ] إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم - قوله تعالى: إذ تستغيثون ربكم سبب نزولها ما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف ، ونظر إلى المشركين وهم ألف وزيادة ، فاستقبل القبلة ، ثم مد يديه وعليه رداؤه وإزاره ، ثم قال: "اللهم أنجز ما وعدتني ، اللهم أنجز ما وعدتني ، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبدا" فما زال يستغيث ربه ويدعوه ، حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر الصديق فأخذ رداءه فرداه به ، ثم التزمه من ورائه ، وقال يا نبي الله كذاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك; وأنزل الله تعالى هذه الآية .

قوله تعالى: "إذ" قال ابن جرير: هي من صلة "يبطل" . وفي قوله: تستغيثون قولان .

أحدهما: تستنصرون . والثاني: تستجيرون . والفرق بينهما أن المستنصر يطلب الظفر ، والمستجير يطلب الخلاص . وفي المستغيثين قولان .

أحدهما: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قاله الزهري .

والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله السدي . فأما الإمداد فقد سبق في [ ص: 326 ] [آل عمران:124] . وقوله: بألف قرأ الضحاك ، وأبو رجاء: "بآلاف" بهمزة ممدودة وبألف على الجمع . وقرأ أبو العالية ، وأبو المتوكل: "بألوف" برفع الهمزة واللام وبواو بعدها على الجمع . وقرأ ابن حذلم ، والجحدري: "بألف" بضم الألف واللام من غير واو ولا ألف ، وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران: "بيلف" بياء مفتوحة وسكون اللام من غير واو ولا ألف . فأما قوله: مردفين فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: "مردفين" بكسر الدال . قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد ، والفراء: هم المتتابعون . وقال أبو علي: يحتمل وجهين .

أحدهما: أن يكونوا مردفين مثلهم ، تقول أردفت زيدا دابتي; فيكون المفعول الثاني محذوفا في الآية .

والثاني: أن يكونوا جاؤوا بعدهم; تقول العرب: بنو فلان مردوفونا ، أي: هم يجيؤون بعدنا . قال أبو عبيدة: مردفين: جاؤوا بعد . وقرأ نافع ، وأبو بكر ، عن عاصم: "مردفين" بفتح الدال . قال الفراء: أراد: فعل ذلك بهم ، أي: إن الله أردف المسلمين بهم . وقرأ معاذ القارئ ، وأبو المتوكل الناجي ، وأبو مجلز: "مردفين" بفتح الراء والدال مع التشديد . وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران: "مردفين" برفع الراء وكسر الدال . وقال الزجاج : يقال: ردفت الرجل: إذا ركبت خلفه ، وأردفته: إذا أركبته خلفي . ويقال: هذه دابة لا ترادف ، ولا يقال: لا تردف . ويقال: أردفت الرجل: إذا جئت بعده . فمعنى "مردفين" يأتون فرقة . بعد فرقة ويجوز في اللغة: مردفين ومردفين ومردفين ، فالدال مكسورة مشددة على كل حال ، والراء يجوز فيها الفتح والضم والكسر . قال [ ص: 327 ] سيبويه: الأصل مرتدفين ، فأدغمت التاء في الدال فصارت مردفين لأنك طرحت حركة التاء على الراء; وإن شئت لم تطرح حركة التاء ، وكسرت الراء لالتقاء الساكنين . والذين ضموا الراء ، جعلوها تابعة لضمة الميم . وقد سبق في (آل عمران) تفسير قوله: وما جعله الله إلا بشرى [آل عمران:126] ، وكان مجاهد يقول: ما أمد الله النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذه الألف التي ذكرت في [الأنفال:10] ، وما ذكر الثلاثة والخمسة إلا بشرى ، ولم يمدوا بها; والجمهور على خلافه ، وقد ذكرنا اختلافهم في عدد الملائكة في [آل عمران:126] .
إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام

قوله تعالى: " إذ يغشاكم النعاس أمنة منه " قال الزجاج : "إذ" موضعها نصب على معنى: وما جعله الله إلا بشرى ، في ذلك الوقت ، ويجوز أن يكون المعنى: اذكروا إذ يغشاكم النعاس . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو: "إذ يغشاكم" بفتح الياء وجزم الغين وفتح الشين وألف "النعاس" بالرفع . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: "يغشيكم" بضم الياء وفتح الغين مشددة الشين مكسورة "النعاس" بالنصب . وقرأ نافع "يغشيكم" بضم الياء وجزم الغين وكسر الشين النعاس بالنصب . وقال أبو سليمان الدمشقي: الكلام راجع على قوله: ولتطمئن به قلوبكم إذ يغشاكم النعاس . قال الزجاج : "وأمنة" منصوب: مفعول له ، كقولك: فعلت ذلك حذر الشر . يقال: أمنت آمن أمنا وأمانا وأمنة . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو المتوكل ، وأبو العالية ، وابن يعمر ، وابن محيصن: "أمنة منه" بسكون الميم . [ ص: 328 ] قوله تعالى: وينزل عليكم من السماء ماء قال ابن عباس : نزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وبينه وبين الماء رملة ، وغلبهم المشركون على الماء ، فأصاب المسلمين الظمأ ، وجعلوا يصلون محدثين ، وألقى الشيطان في قلوبهم الوسوسة ، يقول: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله ، وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم تصلون محدثين ، فأنزل الله عليهم مطرا ، فشربوا وتطهروا ، واشتد الرمل حين أصابه المطر ، وأزال الله رجز الشيطان ، وهو وسواسه ، حيث قال: قد غلبكم المشركون على الماء . وقال ابن زيد: رجز الشيطان: كيده ، حيث أوقع في قلوبهم أنه ليس لكم بهؤلاء القوم طاقة . وقال ابن الأنباري: ساءهم عدم الماء عند فقرهم إليه ، فأرسل الله السماء ، فزالت وسوسة الشيطان التي تكسب عذاب الله وغضبه ، إذ الرجز: العذاب .

قوله تعالى: وليربط على قلوبكم الربط: الشد . و"على" في قول بعضهم صلة ، فالمعنى: وليربط قلوبكم . وفي الذي ربط به قلوبهم وقواها ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الصبر ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: أنه الإيمان ، قاله مقاتل . والثالث: أنه المطر الذي أرسله يثبت به قلوبهم بعد اضطرابها بالوسوسة التي تقدم ذكرها .

قوله تعالى: ويثبت به الأقدام في هاء "به" قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى الماء; فإن الأرض كانت رملة ، فاشتدت بالمطر ، وثبتت عليها الأقدام ، قاله ابن عباس . ومجاهد ، والسدي في آخرين .

والثاني: أنها ترجع إلى الربط ، فالمعنى: ويثبت بالربط الأقدام ، ذكره الزجاج .
[ ص: 329 ] إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار

قوله تعالى: إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم قال الزجاج : "إذ" في موضع نصب ، والمعنى: وليربط إذ يوحي . ويجوز أن يكون المعنى: واذكروا إذ يوحي . قال ابن عباس : وهذا الوحي إلهام .

قوله تعالى: إلى الملائكة وهم الذين أمد بهم المسلمين . أني معكم بالعون والنصرة . فثبتوا الذين آمنوا فيه أربعة أقوال .

أحدها: قاتلوا معهم . ، قاله الحسن .

والثاني: بشروهم بالنصر; فكان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل ، ويقول: أبشروا فإن الله ناصركم ، قاله مقاتل .

والثالث: ثبتوهم بأشياء تلقونها في قلوبهم تقوى بها ، ذكره الزجاج .

والرابع: صححوا عزائمهم ونياتهم على الجهاد ، ذكره الثعلبي . فأما الرعب ، فهو الخوف . قال السائب بن يسار: كنا إذا سألنا يزيد بن عامر السوائي عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين كيف؟ كان يأخذ الحصى فيرمي به الطست فيطن ، فيقول: كما نجد في أجوافنا مثل هذا .

قوله تعالى: فاضربوا فوق الأعناق في المخاطب بهذا قولان .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #248  
قديم 04-07-2022, 12:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
الحلقة (248)
صــ330 إلى صــ 336





أحدهما: أنهم الملائكة . قال ابن الأنباري: لم تعلم الملائكة أين تقصد بالضرب من الناس ، فعلمهم الله تعالى ذلك . [ ص: 330 ] والثاني: أنهم المؤمنون ، ذكره جماعة من المفسرين . وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما: فاضربوا الأعناق ، و"فوق" صلة ، وهذا قول عطية ، والضحاك ، والأخفش ، وابن قتيبة . وقال أبو عبيدة: "فوق" بمعنى "على" ، تقول: ضربته فوق الرأس ، وضربته على الرأس .

والثاني: اضربوا الرؤوس بها فوق الأعناق ، وبه قال عكرمة .

وفي المراد بالبنان ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الأطراف ، قاله ابن عباس ، والضحاك . وقال الفراء: علمهم مواضع الضرب ، فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل . وقال أبو عبيدة ، وابن قتيبة: البنان: أطراف الأصابع . قال ابن الأنباري: واكتفى بهذا من جملة اليد والرجل .

والثاني: أنه كل مفصل ، قاله عطية ، والسدي .

والثالث: أنه الأصابع وغيرها من جميع الأعضاء ، والمعنى: أنه أباحهم قتلهم بكل نوع ، هذا قول الزجاج . قال: واشتقاق البنان من قولهم: أبن بالمكان: إذا أقام به; فالبنان به يعتمل كل ما يكون للقامة والحياة .

قوله تعالى: ذلك بأنهم شاقوا الله "ذلك" إشارة إلى الضرب ، و"شاقوا" بمعنى: جانبوا ، فصاروا في شق غير شق المؤمنين .

قوله تعالى: ذلكم فذوقوه خطاب للمشركين; والمعنى: ذوقوا هذا في عاجل الدنيا . وفي فتح "أن" قولان .

أحدهما: بإضمار فعل ، تقديره: ذلكم فذوقوه واعلموا أن للكافرين .

والثاني: أن يكون المعنى: ذلك بأن للكافرين عذاب النار . فإذا ألقيت [ ص: 331 ] الباء ، نصبت . وإن شئت ، جعلت "أن" في موضع رفع; يريد: ذلكم فذوقوه ، وذلكم أن للكافرين عذاب النار ، هذا معنى قول الفراء .
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير

قوله تعالى: إذا لقيتم الذين كفروا زحفا الزحف: جماعة يزحفون إلى عدوهم; قاله الليث . والتزاحف: التداني والتقارب ، قال الأعشى:

لمن الظعائن سيرهن تزحف

قال الزجاج : ومعنى الكلام: إذا واقفتموهم للقتال فلا تدبروا (ومن يولهم) يوم حربهم (دبره) إلا أن يتحرف ليقاتل ، أو يتحيز إلى فئة; ف "متحرفا" و"متحيزا" منصوبان على الحال . ويجوز أن يكون نصبهما على الاستثناء; فيكون المعنى: إلا رجلا متحرفا أو متحيزا وأصل متحيز: متحيوز; فأدغمت الياء في الواو .

قوله تعالى: ومأواه جهنم أي: مرجعه إليها; ولا يدل ذلك على التخليد .

فصل

اختلف العلماء في حكم هذه الآية ، فقال قوم: هذه خاصة في أهل بدر ، وهو مروي عن ابن عباس ، وأبي سعيد الخدري ، والحسن ، وابن جبير ، وقتادة ، والضحاك . وقال آخرون: هي على عمومها في كل منهزم; وهذا مروي عن ابن عباس أيضا . وقال آخرون هي على عمومها ، غير أنها نسخت بقوله: فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين [الأنفال:66] فليس للمسلمين أن يفروا من مثليهم ، وبه قال [ ص: 332 ] عطاء بن أبي رباح . وروى أبو طالب عن أحمد أنه سئل عن الفرار من الزحف ، فقال: لا يفر رجل من رجلين; فإن كانوا ثلاثة ، فلا بأس . وقد نقل نحو هذا عن ابن عباس . وقال محمد بن الحسن: إذا بلغ الجيش اثني عشر ألفا ، فليس لهم أن يفروا من عدوهم ، وإن كثر عددهم . ونقل نحو هذا عن مالك; ووجهه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما هزم قوم إذا بلغوا اثني عشر ألفا من قلة" إذا صبروا وصدقوا .

فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين

قوله تعالى: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وقرأ ابن عامر ، وأهل الكوفة إلا عاصما "ولكن الله قتلهم" "ولكن الله رمى" بتخفيف النون ورفع اسم الله فيهما . وسبب نزول هذا الكلام أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجعوا عن بدر جعلوا يقولون: قتلنا وقتلنا ، هذا معنى قول مجاهد .

فأما قوله تعالى: وما رميت إذ رميت ففي سبب نزوله ثلاثة أقوال .

أحدها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: ناولني كفا من حصباء ، فناوله ، فرمى به في وجوه القوم ، فما بقي منهم أحد إلا وقعت في عينه حصاة" . وقيل: أخذ قبضة من تراب ، فرمى بها ، وقال: "شاهت الوجوه" فما بقي مشرك إلا شغل بعينه يعالج التراب الذي فيها ، فنزلت وما رميت إذ رميت ولكن الله [ ص: 333 ] رمى وذلك يوم بدر; هذا قول الأكثرين . وقال ابن الأنباري: وتأويل شاهت: قبحت; يقال: شاه وجهه يشوه شوها وشوهة ، ويقال: رجل أشوه ، وامرأة شوهاء: إذا كانا قبيحين .

والثاني: أن أبي بن خلف أقبل يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده ، فاعترض له رجال من المؤمنين ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخلوا سبيله ، وطعنه النبي صلى الله عليه وسلم بحربته ، فسقط أبي عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم ، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور ، فقالوا: إنما هو خدش ، فقال والذي نفسي بيده ، لو كان الذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون ، فمات قبل أن يقدم مكة; فنزلت هذه الآية ، رواه سعيد بن المسيب عن أبيه .

والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى يوم خيبر بسهم ، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق وهو على فراشه ، فنزلت هذه الآية ، ذكره أبو سليمان الدمشقي في آخرين .

قوله تعالى: ولكن الله قتلهم اختلفوا في معنى إضافة قتلهم إليه على أربعة أقوال .

أحدها: أنه قتلهم بالملائكة الذين أرسلهم . والثاني: أنه أضاف القتل إليه لأنه تولى نصرهم . والثالث: لأنه ساقهم إلى المؤمنين ، وأمكنهم منهم . والرابع: لأنه ألقى الرعب في قلوبهم . وفي قوله: وما رميت إذ رميت ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المعنى: وما ظفرت أنت ولا أصبت ، ولكن الله أظفرك وأيدك ، قاله أبو عبيدة . [ ص: 334 ] والثاني: وما بلغ رميك كفا من تراب أو حصى أن تملأ عيون ذلك الجيش الكثير ، إنما الله تولى ذلك; قاله الزجاج .

والثالث: وما رميت قلوبهم بالرعب إذ رميت وجوههم بالتراب; ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى: وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا أي: لينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والأجر . إن الله سميع لدعائهم عليم بنياتهم .

قوله تعالى: ذلكم قال الزجاج : موضعه رفع; والمعنى: الأمر ذلكم . وقال غيره: "ذلكم" إشارة إلى القتل والرمي والبلاء الحسن . وأن الله أي: واعلموا أن الله . والذي ذكرناه في فتح "أن" في قوله: وأن للكافرين عذاب النار هو مذكور في فتح "أن" هذه .

قوله تعالى: موهن قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمر "موهن" بفتح الواو وتشديد الهاء منونة "كيد" بالنصب . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم "موهن" ساكنة الواو "كيد" بالنصب . وروى حفص عن عاصم "موهن كيد" مضاف . والموهن: المضعف ، والكيد: المكر .
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون

قوله تعالى: إن تستفتحوا في سبب نزولها خمسة أقوال .

أحدها: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استنصروا الله وسألوه الفتح ، فنزلت هذه الآية; وهذا المعنى مروي عن أبي بن كعب ، وعطاء الخراساني . [ ص: 335 ] والثاني: أن أبا جهل قال: اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث: أن المشركين أخذوا بأستار الكعبة قبل خروجهم إلى بدر ، فقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم القبيلتين; فنزلت هذه الآية; قاله السدي .

والرابع: أن المشركين قالوا: اللهم إنا لا نعرف ما جاء به محمد ، فافتح بيننا وبينه بالحق; فنزلت هذه الآية ، قاله عكرمة .

والخامس: أنهم قالوا بمكة: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية[الأنفال:32] ، فعذبوا يوم بدر ، قاله ابن زيد . فخرج من هذه الأقوال أن في المخاطبين بقوله: "إن تستفتحوا" قولان .

أحدهما: أنهم المؤمنون . والثاني: المشركون; وهو الأشهر .

وفي الاستفتاح قولان .

أحدهما: أنه الاستنصار; قاله ابن عباس ، والزجاج في آخرين . فإن قلنا: إنهم المسلمون ، كان المعنى: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر بالملائكة; وإن قلنا: إنهم المشركون; احتمل وجهين . أحدهما: إن تستنصروا فقد جاء النصر عليكم . والثاني: إن تستنصروا لأحب الفريقين إلى الله ، فقد جاء النصر لأحب الفريقين .

والثاني: أن الاستفتاح: طلب الحكم ، والمعنى: إن تسألوا الحكم بينكم وبين المسلمين ، فقد جاءكم الحكم; وإلى هذا المعنى ذهب عكرمة ، ومجاهد ، وقتادة . فأما قوله: وإن تنتهوا فهو خير لكم فهو خطاب للمشركين على قول الجماعة .

وفي معناه قولان .

أحدهما: إن تنتهوا عن قتال محمد صلى الله عليه وسلم ، والكفر ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . [ ص: 336 ] والثاني: إن تنتهوا عن استفتاحكم ، فهو خير لكم ، لأنه كان عليهم ، لا لهم ، ذكره الماوردي .

وفي قوله: وإن تعودوا نعد قولان .

أحدهما: وإن تعودوا إلى القتال ، نعد إلى هزيمتكم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: وإن تعودوا إلى الاستفتاح ، نعد إلى الفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله السدي .

قوله تعالى: ولن تغني عنكم فئتكم شيئا أي: جماعتكم وإن كثرت ، وأن الله مع المؤمنين بالعون والنصر . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم: "وإن الله" بكسر الألف . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم: "وأن" بفتح الألف فمن قرأ بكسر "أن" استأنف . قال الفراء: وهو أحب إلي من فتحها . ومن فتحها ، أراد: ولأن الله مع المؤمنين .

قوله تعالى: ولا تولوا عنه فيه قولان .

أحدهما: لا تولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والثاني: لا تولوا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تسمعون ما نزل من القرآن ، روي القولان عن ابن عباس .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #249  
قديم 04-07-2022, 12:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
الحلقة (249)
صــ337 إلى صــ 343




ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون

قوله تعالى: ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال . [ ص: 337 ] أحدها: أنها نزلت في بني عبد الدار بن قصي ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: في اليهود ، قريظة والنضير ، روي عن ابن عباس أيضا .

والثالث: في المنافقين ، قاله ابن إسحاق ، والواقدي ، ومقاتل .

وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما: أنهم قالوا: سمعنا ولم يتفكروا فيما سمعوا ، فكانوا كمن لم يسمع ، قاله الزجاج .

والثاني: أنهم قالوا: سمعنا سماع من يقبل ، وليسوا كذلك ، حكي عن مقاتل .

قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم اختلفوا فيمن نزلت على قولين

أحدهما: أنها نزلت في بني عبد الدار بن قصي ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: في المنافقين ، قاله ابن إسحاق ، والواقدي . والدواب: اسم كل حيوان يدب; وقد بينا في سورة (البقرة:18) معنى الصم والبكم ، ولم سماهم بذلك .
ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون

قوله تعالى: ولو علم الله فيهم خيرا فيه أربعة أقوال .

أحدها: ولو علم فيهم صدقا وإسلاما . والثاني: لو علم فيهم خيرا في سابق القضاء . والثالث: لو علم أنهم يصلحون . والرابع: لو علم أنهم يصغون .

وفي قوله: لأسمعهم ثلاثة أقوال . [ ص: 338 ] أحدها: لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه ، قاله الزجاج . والثاني: لرزقهم الفهم ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والثالث: لأسمعهم كلام الموتى يشهدون بنبوتك ، حكاه الماوردي . وفي قوله: وهم معرضون قولان .

أحدهما: مكذبون ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: وهم معرضون عما أسمعهم لمعاندتهم ، قاله الزجاج :
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون

قوله تعالى: استجيبوا أي: أجيبوا .

قوله تعالى: إذا دعاكم يعني الرسول (لما يحييكم) وفيه ستة أقوال .

أحدها: أن الذي يحييكم: كل ما يدعو الرسول إليه ، وهو معنى قول أبي صالح عن ابن عباس . وفي أفراد البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي في المسجد ، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم أجبه ، ثم أتيته فقلت: يا رسول الله ، إني كنت أصلي ، فقال "ألم يقل الله: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم؟" قلت: بلى ، ولا أعود إن شاء الله .

والثاني: أنه الحق ، رواه شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد .

والثالث: أنه الإيمان ، رواه ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال السدي . [ ص: 339 ] والرابع: أنه اتباع القرآن ، قاله قتادة ، وابن زيد .

والخامس: أنه الجهاد ، قاله ابن إسحاق . وقال ابن قتيبة: هو الجهاد الذي يحيي دينهم ويعليهم .

والسادس: أنه إحياء أمورهم ، قاله الفراء . فيخرج في إحيائهم خمسة أقوال .

أحدها أنه إصلاح أمورهم في الدنيا والآخرة .

والثاني: بقاء الذكر الجميل لهم في الدنيا ، وحياة الأبد في الآخرة .

والثالث: أنه دوام نعيمهم في الآخرة .

والرابع: أنه كونهم مؤمنين ، لأن الكافر كالميت .

والخامس: أنه يحييهم بعد موتهم ، وهو على قول من قال: هو الجهاد ، لأن الشهداء أحياء ، ولأن الجهاد يعزهم بعد ذلهم ، فكأنهم صاروا به أحياء .

قوله تعالى: واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وفيه عشرة أقوال .

أحدها: يحول بين المؤمن وبين الكفر ، وبين الكافر وبين الإيمان ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير .

والثاني: يحول بين المؤمن وبين معصيته ، وبين الكافر وبين طاعته ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك والفراء .

والثالث: يحول بين المرء وقلبه حتى لا يتركه يعقل ، قاله مجاهد . قال ابن الأنباري: المعنى: يحول بين المرء وعقله ، فبادروا الأعمال ، فإنكم تأمنون زوال العقول ، فتحصلون على ما قدمتم .

والرابع: أن المعنى: هو قريب من المرء ، لا يخفى عليه شيء من سره ، كقوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق:16] وهذا معنى قول قتادة . [ ص: 340 ] والخامس: يحول بين المرء وقلبه ، فلا يستطيع إيمانا ولا كفرا إلا بإذنه ، قاله السدي .

والسادس: يحول بين المرء وبين هواه ، ذكره ابن قتيبة .

والسابع: يحول بين المرء وبين ما يتمنى بقلبه من طول العمر والنصر وغيره .

والثامن: يحول بين المرء وقلبه بالموت ، فبادروا الأعمال قبل وقوعه .

والتاسع: يحول بين المرء وقلبه بعمله ، فلا يضمر العبد شيئا في نفسه إلا والله عالم به ، لا يقدر على تغييبه عنه .

والعاشر: يحول بين ما يوقعه في قلبه من خوف أو أمن ، فيأمن بعد خوفه ، ويخاف بعد أمنه ، ذكر معنى هذه الأقوال ابن الأنباري .

وحكى الزجاج أنهم لما فكروا في كثرة عدوهم وقلة عددهم ، فدخل الخوف قلوبهم ، أعلمه الله تعالى أنه يحول بين المرء وقلبه بأن يبدله بالخوف الأمن ، ويبدل عدوه بالقوة الضعف; وقد أعلمت هذه الآية أن الله تعالى هو المقلب للقلوب ، المتصرف فيها .

قوله تعالى: وأنه إليه تحشرون أي: للجزاء على أعمالكم .
[ ص: 341 ] واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب

قوله تعالى: واتقوا فتنة اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، قاله ابن عباس ، والضحاك . وقال الزبير بن العوام: لقد قرأناها زمانا ، وما نرى أنا من أهلها ، فإذا نحن المعنيون بها .

والثاني: أنها نزلت في رجلين من قريش ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، ولم يسمهما .

والثالث: أنها عامة ، قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: في هذه الآية ، أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم ، فيعمهم الله بالعذاب . وقال مجاهد: هذه الآية لكم أيضا .

والرابع: أنها نزلت في علي ، وعمار ، وطلحة ، والزبير ، قاله الحسن . وقال السدي: نزلت في أهل بدر خاصة ، فأصابتهم يوم الجمل .

وفي الفتنة هاهنا سبعة أقوال .

أحدها: القتال . والثاني: الضلالة . والثالث: السكوت عن إنكار المنكر . والرابع: الاختبار . والخامس: الفتنة بالأموال والأولاد . والسادس: البلاء . والسابع: ظهور البدع . فأما قوله: لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة فقال الفراء: أمرهم ، ثم نهاهم ، وفيه طرف من الجزاء . وإن كان نهيا ، كقوله: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان [النمل:18] أمرهم ، ثم نهاهم; وفيه تأويل الجزاء . وقال الأخفش: "لا تصيبن" ليس بجواب ، وإنما هو نهي [ ص: 342 ] بعد نهي; ولو كان جوابا ما دخلت النون . وذكر ابن الأنباري فيها قولين .

أحدهما: أن الكلام تأويله تأويل الخبر ، إذ كان المعنى: إن لا يتقوها ، تصب الذين ظلموا ، أي: وغيرهم ، أي: لا تقع بالظالمين دون غيرهم لكنها تقع بالصالحين والطالحين; فلما ظهر الفعل ظهور النهي ، والنهي راجع إلى معنى الأمر ، إذ القائل يقول: لا تقم ، يريد: دع القيام ، ووقع مع هذا جوابا للأمر ، أو كالجواب له فأكد له شبه النهي ، فدخلت النون المعروف دخولها في النهي وما يضارعه .

والثاني: أنها نهي محض ، معناه: لا يقصدن الظالمون هذه الفتنة ، فيهلكوا; فدخلت النون لتوكيد الاستقبال ، كقوله: "لا يحطمنكم" . وللمفسرين في معنى الكلام قولان .

أحدهما: لا تصيبن الفتنة الذين ظلموا .

والثاني: لا يصيبن عقاب الفتنة . فإن قيل: فما ذنب من لم يظلم؟ فالجواب: أنه بموافقته للأشرار ، أو بسكوته عن الإنكار ، أو بتركه للفرار ، استحق العقوبة . وقد قرأ علي ، وابن مسعود ، وأبي بن كعب "لتصيبن الذين ظلموا" بغير ألف .
واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون [ ص: 343 ] قوله تعالى: واذكروا إذ أنتم قليل قال ابن عباس . نزلت في المهاجرين خاصة ، كانت عدتهم قليلة ، وهم مقهورون في أرض مكة ، يخافون أن يستلبهم المشركون ، وفي المراد بالناس ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم أهل مكة . قاله ابن عباس . والثاني: فارس والروم ، قاله وهب بن منبه . والثالث: أنهم المشركون الذين حضروا بدرا ، والمسلمون قليلون يومئذ ، قاله قتادة .

قوله تعالى: فآواكم فيه قولان .

أحدهما: فآواكم إلى المدينة بالهجرة ، قاله ابن عباس ، والأكثرون .

والثاني: جعل لكم مأوى تسكنون فيه آمنين ، ذكره الماوردي .

وفي قوله: وأيدكم بنصره قولان .

أحدهما: قواكم بالملائكة يوم بدر ، قاله الجمهور . والثاني: عضدكم بنصره في بدر وغيرها ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وفي قوله: ورزقكم من الطيبات قولان .

أحدهما: أنها الغنائم التي أحلها لهم ، قاله السدي .

والثاني: أنها الخيرات التي مكنهم منها ، ذكره الماوردي .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #250  
قديم 04-07-2022, 12:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثالث
سُورَةُ الْأَنْفَالِ
الحلقة (250)
صــ344 إلى صــ 350




يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون

قوله تعالى: لا تخونوا الله والرسول اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر; وذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما حاصر قريظة سألوه أن يصالحهم على ما صالح عليه بني النضير ، على أن يسيروا إلى أرض الشام ، فأبى أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأبوا ، [ ص: 344 ] وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة ، وكان مناصحا لهم ، لأن ولده وأهله كانوا عندهم ، فبعثه إليهم ، فقالوا: ما ترى ، أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه: إنه الذبح فلا تفعلوا ، فأطاعوه ، فكانت تلك خيانته; قال أبو لبابة: فما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ، ونزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس ، والأكثرين . وروي أن أبا لبابة ربط نفسه بعد نزول هذه الآية إلى سارية من سواري المسجد ، وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي ، فمكث سبعة أيام كذلك ، ثم تاب الله عليه ، فقال: والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني ، فجاء فحله بيده ، فقال: أبو لبابة: إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجزئك الثلث" .

والثاني: أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا ، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه "اخرجوا إليه واكتموا" فكتب إليه رجل من المنافقين: إن محمدا يريدكم ، فخذوا حذركم ، فنزلت هذه الآية ، قاله جابر بن عبد الله .

والثالث: أنها نزلت في قتل عثمان بن عفان ، قاله المغيرة بن شعبة .

والرابع: أن قوما كانوا يسمعون الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيفشونه حتى يبلغ المشركين ، فنزلت هذه الآية ، قاله السدي . وفي خيانة الله قولان . [ ص: 345 ] أحدهما: ترك فرائضه . والثاني: معصية رسوله . وفي خيانة الرسول قولان . أحدهما: مخالفته في السر بعد طاعته في الظاهر . والثاني: ترك سنته .

وفي المراد بالأمانات ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها الفرائض ، قاله ابن عباس . وفي خيانتها قولان . أحداهما: تنقيصها . والثاني: تركها .

والثاني: أنها الدين ، قاله ابن زيد; فيكون المعنى: لا تظهروا الإيمان وتبطنوا الكفر .

والثالث: أنها عامة في خيانة كل مؤتمن ، ويؤكده نزولها في ما جرى لأبي لبابة .
واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم

قوله تعالى: واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة قال ابن عباس : هذا خطاب لأبي لبابة ، لأنه كانت له أموال وأولاد عند بني قريظة . فأما الفتنة ، فالمراد بها: الابتلاء والامتحان الذي يظهر ما في النفس من اتباع الهوى أو تجنبه وأن الله عنده أجر عظيم خير من الأموال والأولاد . [ ص: 346 ] قوله تعالى: إن تتقوا الله أي: بترك معصيته ، واجتناب الخيانة لله ورسوله .

قوله تعالى: يجعل لكم فرقانا فيه أربعة أقوال .

أحدها: أنه المخرج ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وابن قتيبة ، والمعنى: يجعل لكم مخرجا في الدين من الضلال .

والثاني: أنه النجاة ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والسدي .

والثالث: أنه النصر ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال الفراء .

والرابع: أنه هدى في قلوبهم يفرقون به بين الحق والباطل ، قاله ابن زيد ، وابن إسحاق .
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

قوله تعالى: وإذ يمكر بك الذين كفروا هذه الآية متعلقة بقوله: واذكروا إذ أنتم قليل [الأعراف: 86] فالمعنى: أذكر المؤمنين ما من الله به عليهم ، واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا .

الإشارة إلى كيفية مكرهم

قال أهل التفسير: لما بويع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ، وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة ، أشفقت قريش أن يعلو أمره ، وقالوا: والله لكأنكم به قد كر عليكم بالرجال ، فاجتمع جماعة من أشرافهم ليدخلوا دار الندوة فيتشاوروا في أمره ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ كبير ، فقالوا: من أنت؟ قال أنا شيخ من [ ص: 347 ] أهل نجد ، سمعت ما اجتمعتم له ، فأردت أن أحضركم ، ولن تعدموا من رأيي نصحا ، فقالوا: ادخل ، فدخل معهم ، فقالوا: انظروا في أمر هذا الرجل ، فقال بعضهم: احبسوه في وثاق ، وتربصوا به ريب المنون . فقال إبليس: ما هذا برأي ، يوشك أن يثب أصحابه فيأخذوه من أيديكم . فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم . فقال: ما هذا برأي ، يوشك أن يجمع عليكم ثم يسير إليكم . فقال أبو جهل: نأخذ من كل قبيلة غلاما ، ثم نعطي كل غلام سيفا فيضربوه به ضربة رجل واحد ، فيفرق دمه في القبائل ، فما ظن هذا الحي من قريش يقوى على ضرب قريش كلها ، فيقبلون العقل ونستريح . فقال إبليس: هذا والله الرأي . فتفرقوا عن ذلك . وأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه ، وأخبره بمكر القوم ، فلم يبت في مضجعه تلك الليلة ، وأمر عليا فبات في مكانه ، وبات المشركون يحرسونه ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أذن له الله في الخروج إلى المدينة ، وجاء المشركون لما أصبحوا ، فرأوا عليا ، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري ، فاقتصوا أثره حتى بلغوا الجبل ، فمروا بالغار ، فرأوا نسج العنكبوت ، فقالوا: لو دخله لم يكن عليه نسج العنكبوت . فأما قوله: ليثبتوك فقال ابن قتيبة: معناه: ليحبسوك . يقال: فلان مثبت وجعا: إذا لم يقدر على الحركة . وللمفسرين فيه قولان . [ ص: 348 ] أحدهما: ليثبتوك في الوثاق ، قاله ابن عباس ، والحسن في آخرين .

والثاني: ليثبتوك في الحبس ، قاله عطاء ، والسدي في آخرين . وكان القوم أرادوا أن يحبسوه في بيت ويشدوا عليه بابه ويلقوا إليه الطعام والشراب ، وقد سبق بيان المكر في [آل عمران:54] .
وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين

قوله تعالى: وإذا تتلى عليهم آياتنا ذكر أهل التفسير أن هذه الآيه نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة ، وأنه لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر قصص القرون الماضية ، قال: لو شئت لقلت مثل هذا . وفي قوله: قد سمعنا قولان .

أحدهما: قد سمعنا منك ولا نطيعك .

والثاني: قد سمعنا قبل هذا مثله ، وكان النضر يختلف إلى فارس تاجرا ، فيسمع العباد يقرؤون الإنجيل . وقد بين التحدي كذب من قال: لو نشاء لقلنا مثل هذا وقد سبق معنى الأساطير في [الأنعام:25]
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم

قوله تعالى: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في النضر أيضا ، رواه جماعة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، والسدي . [ ص: 349 ] والثاني: أنها نزلت في أبي جهل ، فهو القائل لهذا; قاله أنس بن مالك ، وهو مخرج في "الصحيحين" .

والثالث: أنها نزلت في قريش ، قالوا هذا ، ثم ندموا فقالوا: غفرانك اللهم ، فأنزل الله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، رواه أبو معشر عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس وفي المشار إليه بقوله: إن كان هذا ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه القرآن . والثاني: كل ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر بالتوحيد وغيره . والثالث: أنه إكرام محمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة من بين قريش .

وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون

قوله تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم في المشار إليه قولان .

أحدهما: أهل مكة . وفي معنى الكلام قولان . أحدهما: وما كان الله ليعذبهم وأنت مقيم بين أظهرهم . قال ابن عباس : لم تعذب قرية حتى يخرج نبيها والمؤمنون معه . والثاني: وما كان الله ليعذبهم وأنت حي; قاله أبو سليمان .

والثاني: أن المشار إليهم المؤمنون ، والمعنى وما كان الله ليعذب المؤمنين بضرب من العذاب الذي أهلك به من قبلهم وأنت حي; ذكره أبو سليمان الدمشقي .

فصل

قال الحسن ، وعكرمة: هذه الآية منسوخة بقوله: وما لهم ألا يعذبهم [ ص: 350 ] الله [الأنفال:34] ، وفيه بعد ، لأن النسخ لا يدخل على الأخبار . وقال ابن أبزى: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأنزل الله عز وجل وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم فخرج إلى المدينة ، فأنزل الله وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وكان أولئك البقية من المسلمين بمكة يستغفرون ، فلما خرجوا أنزل الله وما لهم ألا يعذبهم الله . وجميع أقوال المفسرين تدل على أن قوله: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، كلام مبتدأ من إخبار الله عز وجل . وقد روي عن محمد بن إسحاق أنه قال: هذه الآية من قول المشركين ، قالوا: والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر . فرد الله عليهم ذلك بقوله: وما لهم ألا يعذبهم الله .

قوله تعالى: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وفي معنى هذا الكلام خمسة أقوال .

أحدها: وما كان الله معذب المشركين ، وفيهم من قد سبق له أن يؤمن; رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، واختاره الزجاج

والثاني: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون الله ، فإنهم كانوا يلبون ويقولون: غفرانك; وهذا مروي عن ابن عباس أيضا ، وفيه ضعف ، لأن استغفار المشرك لا أثر له في القبول .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 404.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 399.05 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]