الفكاهة والسخرية في أدب ربيع السملالي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التوبة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          فضل صلاة التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          خطر الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          مجازر الطحين.. إرهاصات نصر وعز وتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          ليكن زماننا كله كرمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          حديث:ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          وصايا نبوية مهمة للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          حديث:من رَكعَ أربعَ رَكعاتٍ قبلَ الظُّهرِ وأربعًا بعدَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أنوية العلمانيين، وهم يواجهون أعداءهم من أهل القبلة، وحراس العقيدة... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          لفظ (الناس) في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-10-2022, 08:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي الفكاهة والسخرية في أدب ربيع السملالي

الفكاهة والسخرية في أدب ربيع السملالي

لطيفة أسير

الإنسان بجِبِلَّته وطبيعة خِلقته كائنٌ بديع، امتزجت فيه جملة من التناقضات: فبَيْن جِدِّه وهزله، وضحكه وبكائه، وحزنه وفرحه، وحِنكته وسذاجته، تتلوَّن نفسُه البشرية لتعَبِّر كلَّ حينٍ عن ذاتها وذوات مَن حولها، ولأن الأدب مرآة عاكسة لهذه النفس فقد تعدَّدَت مشاربه وتنوعت ألوانه، حيث عرَف التاريخ الأدبي الإنساني فنونًا أدبية مختلفة، كانت خير معبِّر عن أحوال الناس في حِلِّها وتَرْحالها، وسُموها ودناءتها، ومن بينها الأدب الفكاهي.
ولعلَّ القارئ يقول متهكِّمًا: ما لَنا وللفكاهة في عصرٍ بلغ فيه النَّزْفُ مداه؟! وأنَّى للقلوب أن تبتسم وقد ألقت غيومُ القهر والظلم بظلالها علينا، وأبَتْ إلا أن تُلازم ديارنا؟!
ولعلَّ هذا الموقف ليس من بِدع القول؛ لأن إنكار هذا اللون من الفنِّ كان دَيْدن البعض قديمًا وحديثًا، حتى عدَّه لامارتين ضربًا من ضروب التهريج، فقال: "إن شعبًا جادًّا لا يؤسِّس شعره على الهزل، والجديةُ في كل شيء جزءٌ من الجمال، والإنسانية ليست ضربًا من التهريج"[1].
لكن المآسي الإنسانية ما بَرِحَتْ تَتناسل عبر التاريخ، ورغم ذلك ما فتئ الأدب يُمتِّع النفوس بما يخطه أرباب البيان بين الحين والآخر من لطائف وبدائعَ تنتزع البسمة من بين ركام الأحزان، وترسم الفرحة ولو للحظاتٍ على ثَغْر الشِّفاه الأسيفة، وما أجمل قول أبي الفتح البُستي:
أفِدْ طبعَك المكدودَ بالجِدِّ راحةً
يُجَمُّ وعَلِّلْه بشيءٍ من المَزْحِ
ولكِنْ إذا أعطيتَه المزْحَ فلْيَكُن
بمقدارِ ما تُعطي الطَّعامَ من المِلْحِ

فمِلْح الأدب الإنساني تلك الفكاهة الهادفة التي يخطُّ سطورَها الكاتبُ المبدع بقدَرٍ، بعيدًا عن الإسفاف والتهريج، بل ينثر مستملَحاته؛ لتطيب بها قلوب القراء، وتتحرر مؤقتًا من أحزانها، وتتطهر مما يكدِّر صفوها؛ يقول الدكتور عبدالعزيز شرف: "الأدب الفكاهي يقوم بوظيفة تطهيرية؛ حيث يُزيل من النفس أدران الهمِّ والقلق، واليأس والحقد، والتشاؤم والإحباط"[2].
وحاجة المرء إلى الفكاهة والمرح أمرٌ لا يجادل فيه سَويُّ الشخصية لبيبُ الفكر؛ فالضحك أحد أسرار الخِلقة الإلهية في النفس البشرية، وكما أودَع الله فينا خاصية البكاء، جعل مقابلها وهو الضحك، فقال سبحانه: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ [النجم: 43]، بل إنَّ الدراسات قديمًا وحديثًا أكَّدَت أن للضحك آثارًا نفسية عديدة؛ يقول أبو حيان التوحيدي: "إياك أن تَعافَ سماع هذه الأشياء المضروبة بالهَزْل، الجاريةِ على السُّخف؛ فإنك لو أضربتَ عنها جُملةً لنَقُص فَهمُك وتبلَّد طبعُك، واجعَل الاسترسال بها ذَريعةً إلى إحماضك، والانبساطَ فيها سُلَّمًا إلى جِدِّك؛ فإنك ما لم تُذِقْ نفسك فَرح الهزل كَرَبها غمُّ الجدِّ، وقد طُبِعَت في أصل تركيبها على الترجيح بين الأمور المتفاوتة، فلا تَحمِلْ في شيء من الأشياء عليها، فتَكونَ في ذلك مُسيئًا إليها."[3].
ولهذا نجد المعنى اللُّغويَّ للفكاهة يكاد يُلامس هذا المعنى من التلطُّف والإمتاع، والضحك والمزاح؛ فقد جاء في لسان العرب تحت مادة "فكه" ما يلي: "والفُكاهة بالضَّم: المزاح، وفاكهتُ: مازحت، وتفَكَّهتُ بالشيء: تمتعتُ به"، "والمزاح: الدعابة. والْمُزَّح من الرجال: الخارجون من طبع الثقلاء، المتميِّزون من طبع البغضاء"[4].
وحين نتحدث عن الفكاهة لا نجد مَناصًا من الحديث عن السخرية؛ إذ قيل في المقارنة بينهما الشيء الكثير، وغالب القول: إن السخرية في معناها اللغوي تأتي بمعنى الاستهزاء؛ يقال: "سخر منه وبه سخرًا: هَزِئ به، وقال الأخفشُ: سَخرتُ منه وسخرتُ به، وضحكتُ منه وضحكت به، وهَزئتُ منه وهزئتُ به"؛ لهذا "تَلتقي الفكاهة والسخرية بالضحك على المستوى الأفقي، والالتقاء على اعتبار الضحك أصلًا، أو بالأحرى قاسمًا مشتركًا يجمع الفكاهة والسخرية"[5].
ويقول الدكتور وئام محمد أنس: "الفكاهة والسخرية فنَّانان متَّحدان متآلفان ومتلازمان، لا غناء لأحدهما عن الآخر، عدا أن السخرية تأتي أحيانًا غير مضحكة، تعوِّل على النقد والإيلام وحدَهما، وتدع التفكُّه جانبًا، وكذلك يندُر أن تأتي الفكاهة خاليةً من السخرية"[6].
وقد بزغ فجرُ الفكاهة والسخرية في الأدب العربي منذ القرون الأولى، إلا أنه بلغ ذروته مع الجاحظ وأدبياته الساخرة؛ سواء مع "البخلاء" أو في "رسالة التدوير والتربيع".
وفي عصرنا يشير البنان في هذا المقام إلى أديب عُرف ببساطة أسلوبه وبُعده عن التكلف، وهو الأديب الأريب (إبراهيم المازني)، الذي اتضحَت معالم الفكاهة في شخصيته في كثير من مقالاته؛ سواء في "قبض الريح"، أو "صندوق الدنيا"، أو في مجموعته القصصية "في الطريق".
وقد حَذا بعضُ الأدباء الشباب حذْوَ هؤلاء الأماجد؛ أمثال الأديب المغربي (ربيع السملالي)، الذي يغلب على الكثير من أدبه الجِدُّ والصرامة؛ بحُكم تخصصه في الحديث عن الكتب والقراءة، وسعيه لشحذ الهمم؛ لتنمية هذه الملكة عند الشباب، لكن بين الحين والآخر تجد له شَذراتٍ مَرِحةً تنتزع منك البسمةَ قسرًا وأنت تُطالعها.
والغالب على فكاهياته نظرتُه الساخرة للظواهر الاجتماعية والثقافية، والسياسية والدينية؛ إذ تَستشعِر بين ثنايا تلك الابتسامات مَرارة يتَفطَّر من كمَدِها قلبُه، ومعه قلبُ كل غَيور على قيم المجتمع، انظر - رعاك الله - إلى هذا الموقف الذي ساقه في إصداره الأول "أفكار على ضفاف الانكسار": "أُنموذج من نماذج الأميَّة الدينية:
في أحد البرامج اعترضَت مذيعةٌ رجلًا في عُرض الطريق؛ لتأخذ رأيه في مسألة، فتكلَّم قليلًا ثم قال: إنَّ الله تعالى يقول في كتابه العزيز: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا)! فما كان من صاحبتِنا المذيعة إلا أن قالت له: صدق الله العظيم!
لو كان العلَّامة ابن الجوزي حيًّا لذكَر هذه (المصيبة) في كتابه الرائع: "أخبار الحمقى والمغفلين!"؛ ص 38.
أليست بسمةً ممزوجة بمَرارة من عينٍ ناقدة، ترى الجهل الدينيَّ استفحل في مجتمعنا، حتى بِتْنا لا نميز كلام الربِّ من كلام العبد؟!
وهل تُراك تضحك مِلءَ فيك أم تتميز من الغيظ وأنت تقرأ هذا الموقف: "سألتُ صديقة على (الفايس بوك): هل تَعرفين مَن هو ابن تيميَّة الذي تَطعنين فيه؟ فقالت: نعم، هو اسم حيٍّ شعبي من الأحياء القديمة بمراكش"[7]!
وانظر إلى حال هذا الْمُصَحِّف الذي لا يميز بين "الْمُحْدِث" و"المحَدِّث": "قرأتُ في بعض كتب الشَّيخ المُنجد قديمًا: أنَّ بعضَ المُتعالِمِين تصدَّر للتَّدريس قبل الأوان، فأراد أن يَقرأ مرَّة في حَلْقة من حلقات العلم من كتابٍ يَنظرُ فيه: لا يجوزُ للمُحْدِثِ مسُّ المُصحف، فقرأها هكذا: لا يجوز للمُحَدِّثِ مسُّ المصحف! فقال له طالب ذكيٌّ: والمُفَسِّر يا شيخ؟! فأجابه بكلِّ ثِقَة: المُفسِّر مِن باب أَولى!
قال ربيعٌ: وهذا له مِن الجهل والغباء ما تُشَدُّ إليه الرِّحال؛ وتُضرب في سبيله أكبادُ الإبل، لا للأخذ عنه والتَّتلمُذ له، لكن لهَجوِه بقول القائل:
وكنتُ أرى زيدًا كما قيل سيِّدًا ♦♦♦ إذا إنَّه عَبْدُ القفا واللَّهازِم!"
إنه الألم حين تمتلئ به النَّفس، فلا يجد متنفَّسًا له غير البسمة، وقديمًا قيل في المثل الشعبي المغربي: " كَثْرة الهَمِّ كالضَّحك".
كما لامسَ بنظرته الثاقبة - رغم حداثة سنِّه - بعض القضايا الاجتماعية؛ كحال نساء اليوم اللواتي يَحرِصن كل الحرص على التجمُّل والتزين خارجَ البيت، في حين يُهمِلن ذلك أمام بُعولتهن، فيقول ساخرًا: "تَخرجُ إلى الشَّارع بكاملِ زينتها وسُفورِها وتهتُّكِها، وعطورُها تُنادي على الرِّجال: هِيتَ لك! حتَّى إذا عادتْ إلى بيت زوجها (الغلبان) ألقَتْ عصا التَّجوال، ونزعَتْ عنها فِتنتَها؛ لتعودَ حليمَة إلى ملابسها القديمة، المُنتنةِ برائحة الثُّوم والبصل والعرق وبولِ رضيعها... استعدادًا للنَّوم كما تنامُ الأنعام! وصدقَ من قال: تكون في البيت مثل (السيكليس)، وفي الشارع كأنَّه يومُ زفافها، ما أكثرهن! لا كثَّرَهن الله".
"و(السِّيكْلِيسْ) مصطلح مغربي، يُطلَق على العامل الذي يقوم بإصلاح الدَّرَّاجات العادية والنارية، فتجد ثيابه دومًا ملطَّخة بزيوت المُحرِّكات، وفي ذلك إظهارٌ لحالة الإهمال التي تكون عليها الكثيرُ من الزوجات في بيوتهن".
ولأن عصرنا عصرُ مواقع التواصل الاجتماعي، فإن احتكاك ربيع السملالي بهذا الفضاء الافتراضي جعَله يقتَنِص الكثير من المواقف المضحكة والساخرة، فيَنثرها بين الحين والآخر على صفحاته وبين تغريداته، لكن الملاحَظ تركيزُه على تاء التأنيث؛ كأداةٍ للفكاهة أحيانًا، والسخرية أحيانًا أخرى، فيقول مُمازحًا: "عدتُ من السَّفر متعبًا مَكدودًا، ففتحت الجهازَ بعدما استرحتُ قليلًا لألقي نظرةً عابرة على هذا العالَم الأزرق (فيس بوك)، فكان حظُّ عينيَّ أن تصطدما بمنشورٍ لصبيَّة تُغرِّد خارج السِّرب قائلة: سألبسُ القصير، وأشربُ العصير، وأجلسُ على الحصير"!
ويقول ساخرًا وقد بلغ سَيلُ التَّفاهة الزُّبَى، واستأنسَ القوم بما سفُل وانحطَّ من المنشورات: "تافهة فيسبوكية لها آلافُ المتابعين، كتبَت مرَّة: (أنا حامل!) فعلَّق عليها المئات، وأعجب بها الملايين، وقام بمشاركتها العشرات! فهالَني الأمر بعدما أخبرَني أحدُ الأصدقاء، فكتبتُ لها: يُعجَب بحملِك كلُّ هذا الكم الهائل من النَّاس ويُباركونه، وكأنَّكِ حامل بصلاح الدِّين الأيُّوبي، الذي سيُحرِّر الأمَّةَ من هذا الذُّل الذي فيه ترزحُ!".
وقد أزاح هذا الفضاءُ الافتراضي السِّتار عن كثير من الجهَّال الذين ارتدَوا لَبوس العلم، فكشفَت كتاباتُهم عَوراتهم العلميةَ والفكرية، لهذا لم يَسْلم أمثالُ هؤلاء من قلَم السملالي، فتراه يحرص على اقتناص مثل هذه النوادر قائلًا ذات مرة: "كتبَ بعض الأصدقاء على حائطه (الفيسبوكي) قبل أيام: اقتَرِحوا عليَّ كتابٌ! هكذا؛ برَفعِ (كتاب) الذي مِن حقِّه النَّصب على المفعوليَّة!
فقلتُ له ناصحًا: عليك بكتاب "النَّحو الواضح" لعلي الجارم! فقال: هل هي روايةٌ أخي الكريم؟ فقلتُ له بعدما تأكَّدتُ أنَّه لم يَفهم المغزى: لا، بل هو كتاب يبحثُ في فنون الطَّبخ!".
ولأن السرقات الأدبية والعلمية صارت أكثرَ ذُيوعًا بسبب هذه الفضاءات الافتراضية؛ فقد عرَض ربيع السملالي لهذا الأمر الذي عانى منه كثيرًا، فلم يجد بدًّا من عرض المشكل في قالب هزلي ساخر؛ فقال: "مِن أغرب السَّرقات الأدبية التي رأيتُ في هذا الفضاء الأزرق، حينَ كتبتُ عن مرَضي وتعبي في بداية الصَّيف الفائت؛ وجدتُ شابًّا في العشرينيات يتألَّم بكلماتي، ويَنوح بأسلوبي، ويضَع يده على رأسه بقلمي، طالبًا الدُّعاء من أصدقائه، فتحسَّستُ مَلامحي، ونظرتُ في مرآتي، وخشيتُ على نفسي أن تكون روحي قد حلَّت في جسده، فتَنتصِر نظريةُ ابن عربيٍّ، وابنِ سبعين، وابن الفارض... وبعدما تأكَّدتُ أنَّ هذه النَّظرية الفاسدةَ غيرُ صحيحة، ولا يمكن أن تكون صحيحة - اكتفيتُ بتعليق يسيرٍ مفاده: لا شفاك الله إن لم تكن (أنا)! ثمَّ انصرفتُ ورائحةُ (البلوك) تُشيِّعني!".
وغنيٌّ عن البيانِ أنَّ الشهرة اليوم غدَت أهمَّ من الإبداع عند الكثير من حمَلة الأقلام ممَّن ألْفَوْا أنفسهم في زمرة الأدباء سهوًا، وقد فتحَت مواقعُ التواصل البابَ على مِصراعيه أمام كثير من أدعياء الأدب، حتى أضحى مَن يَنْظم بيتًا أو بيتين، أو يُدبِّج سطرًا أو سطرين، يَصول ويجول في مَعارض الكتاب حاملًا "تُحفته الفريدة" وكأنَّه فتَح عكَّا!
وهذا ما عبَّر عنه ربيع السملالي في هذه القصة القصيرة جدًّا بأسلوبه المقتضب السَّاخر: "صدَر له أوَّلُ ديوان شعري في عشر ورقات، ثمَّ كتب في صفحته الفيسبوكية لمتابعيه الكثيرين: غدًا أكون في المعرض الدَّولي للكتاب لمن يُريد رؤية فضيلتي، والتقاط صورة مع حضرة سموِّي! وفي الغد لم يَلتفِت إليه أحد، فأخذ الدِّيوانَ وأعاد قراءته بعين فاحصة!".
وبعيدًا عن هذه اللمسة الساخرة نجد ضربًا آخرَ من ضروب الفكاهة في كتابات السملالي، وهي الفكاهة التي تقصد إلى الإمتاع والإضحاك المحض، من خلال مَواقِفَ عاشها وتَعايش معها، كما هو الحال في نَوادره مع شيخه (محمد بلبصير)، فيقول في نادرته الأولى: "من النَّوادر التي حكاها لي الشَّيخ محمد بن إدريس بلبصير الضَّرير حينَ كنتُ قارئَه وقائِدَه، قال: عندما كنتُ طالبًا بجامع القرويين بفاس كانَ يسكن بالقرب من البيت الذي أقيم فيه مع الطَّلبة فقيهٌ له مكتبة فوق السُّطوح، يظَلُّ فيها الليلَ كلَّه يقرأ ويبحث، ويتدبَّر ويستنبط، وكان إذا فتَح الله عليه في مسألة من المسائل، يأخذُ دُفًّا كانَ يعلِّقه في حائطِ غرفته، ويبدأ في الضَّرب عليه بسعادة وفرح، وكان الناس إذا سمعوا ضرب الدُّف، يقولون: ها هو الشيخُ قد فَهِم!".
ويقول في النادرة الثانية مع شيخه: "في رمضان الفائت جلستُ إلى الشَّيخ الأديب محمد بن إدريس بلبصير في بيته بعد صلاة التَّراويح، وبعد حوار جميل ونافع كالعادة، ذكرتُ له أنَّني أبحث عن جهاز (كمبيوتر) ثابت؛ لأنَّ المحمول يرهقني في الكتابة! فقال لي ضاحكا: إيَّاك أن تقتنيَه مستعمَلًا! فهذه الأجهزة المستعملة كبعض النِّساء المتزوجات، لا تَظهر عيوبها إلَّا بعد مرور الأيَّام وتعاقب اللَّيالي".
والأجمل من ذلك سردُه الجميل لِحدَثٍ طفولي ظلَّ عالقًا في ذهنه، حين ذهب مرة إلى حمَّام عمومي بحيِّه، فأبدع في وصف تلك النظرة الطفولية لحدثٍ عادي، لكنه بأسلوبِ حكايتِه جعَله حدَثًا كوميديًّا مضحكًا، فيقول: "ذهبتُ مرة في صِغري لحمام الحيِّ؛ قصد الاستحمام والتَّخلُّص من الأوساخ التي علقَت بجسدي طيلة الأسبوع، وعندما نزعت ملابسي ودخلتُ للغرفة الساخنة لفتَ انتباهي رجلٌ كبير الشأن في مدينتي، له مرتبةُ قائدٍ ممتاز! وقفتُ أملأ عينيَّ من هذا المشهد الغريب؛ إذ لم أكن أتصوَّر - لحداثة سِنِّي وجهلي البسيط - أن يكون هذا الرجل الذي يُشار إليه بالبنان متَّسِخًا أيضًا، ويحتاج للحمام كما يحتاجه الفقراء والمساكينُ من أمثالي!
اتخذتُ لي مكانًا بقربه، مُسترِقًا النظر إلى تفاصيل جسده الذي يَفْركه بِخِرْقةٍ خشنةٍ؛ لاستخراج فسائل الأوساخ المتمردة! محاوِلًا مقارنةَ جسدي بجسده، فلم أجده يختلف عني بشيء، اللهم إلا ذلك البطن المنتفخ الذي يحجبُ عنه جزءَه الأسفل!
سئمت من رؤيته فأعرضتُ عنه، وأقبلتُ على جسدي النحيل أفركه بحماس، حتى نظفته جيِّدًا حسب استطاعتي، ثم انصرفتُ إلى حال سبيلي ولساني يردِّد: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث"[8].
وهذه مستملحة سملالية أخيرة أسوقها مسكًا للختام: "قبلَ أيَّام أرسلَتْ لي فتاةٌ طلبَ صداقة، وقبل أن أُضيفها زرت صفحتها - كعادتي؛ لكي أعرف توجُّه الفتاة وأخلاقَها من خلال ما تنشر - فقَبِلتُها... ثمَّ بعد يومين أرسلَت لي رسالة تقول فيها: ممكن أعرف مَن معي أخي؟ وما اسمك؟

فأجبتها: معَكِ عمرُو بن بحرٍ الجاحظ، واسمي محمَّد بن سلَّام الجُمَحي!".
هذه النماذج التي أدرَجتُها في عُجالة تكشف روحًا مرِحة خفيَّة عند ربيع السملالي، تكاد لا تظهر في الكثير من كتاباته؛ بسبب غلَبة الجدِّية والصرامة في إبداعاته، لكنها تَطفو بين الحين والآخر كلَّما كلَّ الذهن وتعب الفكر، وطلَب ترويحًا عن النفس، وسعى لكسر طوق الجدية الباعثِ أحيانًا على الملل والسأم.
إن الفكاهة التي تحمل بين طِيَّاتها رسالة إنسانية لَمِن أعظم الفنون الأدبية وأنبلها، أيًّا كان جنسها الأدبي؛ شعرًا، أو نثرًا، أو مسرحًا، أو غير ذلك، ومَن يتولى الكتابة فيها يُفترض فيه امتلاكُ براعةٍ في النقد لا تَخدِش الحياء، ولا تَسقط في فخ الهجاء المذموم، وروحًا مرحة لا يستثقلها القارئ وإلا مجَّ فكاهته وأنِف منها.
وحاجتنا اليوم إلى هذا الفن الأدبي حاجةٌ ماسَّة، في ظل الأزمات التي أثقلَت كاهلنا، والهموم التي نخَرَت أجسامَنا، نحتاج إلى هذه الفسحة الأدبية الهادفة التي تنتقد الواقعَ بلغةٍ سلسلة، بعيدةٍ عن العبث والتهريج.
[1] "الأدب الفكاهي"؛ للدكتور عبدالعزيز شرف، ص 14.
[2] الدكتور عبدالعزيز شرف في كتابه "الأدب الفكاهي"، ص 15.
[3] "الأدب الفكاهي"، ص 15.
[4] "الفكاهة والسخرية في أدب مارون عبُّود"، سيمون بطيش، ص 7، نقلًا عن "لسان العرب" لابن منظور (5/ 3453).
[5] من كتاب "الفكاهة والسخرية في أدب مارون عبُّود"، ص 9.
[6] من كتاب "الفكاهة والسخرية في الشعر المصري" للدكتور وئام محمد أنس.
[7] "أفكار على ضفاف الانكسار"، ربيع السملالي، ص 105.
[8] "أفكار على ضفاف الانكسار"، ص 35 - 36.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.29 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]