تغذية المواليد

[ابوالوليد المسلم]

تغذية المواليد

د. عبد الرحمن النمر






تختلف الظروف المعيشية والاقتصادية من أسرة إلى أخرى. مما قد يكون له تأثير مباشر على اختيار طريقة تغذية المواليد؛ فالأم التي تعمل خارج البيت تفضل الرضاعة الصناعية على الطبيعية، لأن أي إنسان غير الأم يمكن أن يساعد الوليد على الرضاعة الصناعية. كذلك فقد تضطر أم إلى اللجوء إلى الرضاعة الصناعية عندما لا يكون في ثدييها مقدار كاف من اللبن، أو عندما تضطرها ظروفها المعيشية إلى ترك الرضاعة الطبيعية.



علاوة على ذلك، فإن اختيار نوع أو طريقة تغذية الوليد يتأثر بدرجة المعرفة عند الوالدين.


في استقصاء (استفتاء أو استبيان) أجرته جامعة «جلاسجو» «Glasgow» في المملكة المتحدة على مئة وسبعين (170) سيدة حديثة الولادة، كان رأي الأم أن الرضاعة الطبيعية ليس لها مزية على الرضاعة الصناعية عند خمسة في المئة من المجموع. بينما كان اتجاه الأم نحو الرضاعة الصناعية لموافقة رأي الزوج عند اثنتي عشرة في المئة من المجموع.


الأمر الذي لاشك فيه هو أن لبن الأم أفضل غذاء للمواليد. وللرضاعة الطبيعية مزايا عدة يمكن تلخيصها فيما يلي:


- لبن الثدي جاهز للرضاعة لا يحتاج إلى تحضير. وفي هذا توفير للوقت والجهد.


- لبن الثدي مصدر طبيعي للتغذية بدون نفقة. وعلى ذلك فإنه أوفر من الناحية الاقتصادية.


- لا يحتاج لبن الثدي إلى تسخين أو تبريد. فدرجة حرارته مناسبة تماما للمولود. وهذا كذلك يوفر الجهد والوقت.


- يحتوي لبن الثدي على أجسام مناعة. وبذا فإنه وسيلة طبيعية لوقاية المولود من المرض، علاوة على كونه غذاء كاملا.


- لا يسبب لبن الثدي أمراض الحساسية التي تنشأ عند بعض المواليد نتيجة تغذيتهم بألبان البقر.


- على الرغم من المزايا العظيمة للبن الثدي، فإنه ينصح بتجنب الرضاعة الطبيعية في بعض الأحوال نتيجة أسـباب تتعلق بالأم أو بالمولود. من ذلك ما يلي:


- إصابة الأم بمرض خطير، مثل إخفاق الكليتين المزمن.


- إصابة الأم بمرض معد، مثل السل الرئوي (الدرن) أو خراج الثدي.


- إذا كانت حلمة الثدي غائرة (منغمدة) وأخفق العلاج في إبرازها.


- عند تعاطي أدوية معينة، مثل العقاقير السامة للخلايا (وتستخدم في علاج السرطان وبعض أنواع أمراض المناعة الذاتية) والعقاقير الكابحة لجهاز المناعة.


- إذا كانت الأم تتعرض للإشعاع، سواء للعلاج أو بسبب طبيعة العمل.


- إذا كان المولود مصابا بتشوه خلقي يعوق تغذيته بامتصاص حلمة الثدي مثل «انشطار سقف الحنك» «cleft palate» أو انشطار الشفة المعروف باسم «شفة الأرنب» «cleft lip».


- إذا كان المولود مصابا بأحد أمراض الأيض (أمراض الهضم والتحول الغذائي).


«الأيض» «****bolism» اسم يطلق على مجموع العمليات الغذائية في الخلية الحية، والتي من خلالها تحصل الخلية على الطاقة اللازمة للأنشطة والعمليات الحيوية، وتعوض المندثر من مواد بناء الخلية.


< الرضاعة الصناعية



البديل المتاح للرضاعة الطبيعية، سواء بالاختيار أو بالاضطرار، هو الرضاعة الصناعية. والمزية الكبرى للرضاعة الصناعية هي تحرير الأم من قيد إرضاع المولود من ثديها، إذ يمكن لأي أحد أن يساعد المولود على الرضاعة عن طريق زجاجة الرضاعة.


توجد في الأسواق عدة أنواع من ألبان تغذية المواليد، أهمها ما يلي:


< ألبان البقـر



تنتج هذه الألبان لتغذية المواليد من لبن البقر، بعد معالجته ليكون تركيبه الكيميائي قريبا من لبن الثدي. ومع ذلك فإن محتوى هذه الألبان من البروتين يكاد يكون ضعف محتوى لبن الثدي. ومعظم هذه الألبان يضاف إليها الفيتامينات والأملاح المعدنية.


جدير بالذكر أن أصناف ألبان البقر المتوفرة في الأسواق لتغذية المواليد ليست بينها فروق جوهرية، بل يكاد يكون تركيبها جميعا متماثلا. لذلك فإن الأصناف الغالية منها لا تعني بالضرورة أنها الأجود.


< لبن الصويا



ألبان الصويا لا تحتوي على سكر اللبن (لاكتوز) كما أن مصدر البروتين فيها هو نبات الصويا «Soya» (نوع من البقول). وتستعمل هذه الألبان لتغذية المواليد الذين يثبت عندهم حساسية لألبان البقر، ويجب أن يقتصر استعمالها على هذه الحالة فحسب. وكذلك تضاف الفيتامينات والأملاح المعدنية إلى هذا اللبن.


< ألبان الجبنين



«الجبنين» «Casein» هو البروتين الرئيسي في اللبن. ويعالج الجبنين معالجة خاصة لإنتاج ما يسمى «لبن الجبنين» «Casein Milk» ولا يحتوي هذا النوع من غذاء المواليد على سكر اللبن (لاكتوز). لذا فإنه مثل لبن الصويا يعتبر غذاء خاصا للمواليد المصابين بحساسية لألبان البقر. كما يعطى لبن الجبنين للمواليد المصابين بأمراض الأيض، كذلك يعطى لفترة قصيرة في أعقاب الإصابة بنزلة معوية.


الأنواع الخاصة من ألبان تغذية المواليد، مثل لبن الصويا ولبن الجبنين يجب عدم إعطائها للمولود إلا تحت إشـراف طبيب أو متخصص في تغذية المواليد.



< مشاكل الرضاعة



إذا كانت الأم حديثة الولادة تنوي إرضاع مولودها طبيعيا، فيجب أن تبدأ ذلك في أسرع وقت ممكن بعد الولادة، لأن الإسراع في إرضاع المولود سوف يحث (أو يزيد) إدرار اللبن في الثدي. وإذا حدث ورفض المولود مص الثدي، دون وجود علة مرضية تؤدي إلى ذلك، فيجب ألا تسرع الأم إلى إعطاء المولود تغذية صناعية، لأنه سوف يتعود عليها ويرفض الثدي نهائيا. وإنما يجب أن تعاود الأم محاولاتها لإرضاع المولود من الثدي، إلى أن يقبل الرضيع على مص الثدي. وأثناء هذه المحاولات، يمكن إعطاء المولود لبن الثدي بملعقة صغيرة.


من الأمور الشائعة قلة اللبن في ثدي الأم في أول أسبوعين بعد الولادة. ويجب ألا يكون ذلك دافعا إلى تغذية الطفل صناعيا، إذ سوف يزيد إدرار اللبن في الثدي مع استمرار إرضاع المولود منه. أما اللجوء إلى الرضاعة الصناعية فسوف يؤدي إلى نتيجة عكسية.


ومن الأمور الشائعة كذلك بكاء المولود في أعقاب الرضاعة. وكثير من الأمهات يـفــســرن ذلك بأن المولود لم يحصل على كفايته من اللبن وأنه مازال جائعا. وقد يكون الأمر كذلك حقا، لكن يتعين على الأم الجديدة أن تعلم أن الوليد يمكن أن يبكي لعدة أسباب، وليس لمجرد الجوع فحسب. ومن أسباب بكاء المولود ما يلي:


< الرغبة في النوم، ولكن يحول دونها وجود إضاءة قوية أو ضوضاء عالية.


< الإمساك. هنا نلفت نظر الأمهات إلى أن عدد مرات التبرز إذا كان قليـلا، أو إذا كان أقل من المعتاد، فلا يعني هذا بالضرورة وجود إمساك. وإنما يكون هناك إمساك إذا كانت مادة الإخراج (البراز) صلبة (جامدة) مع وجود تعب شديد وتعنية أثناء قضاء الحاجة.


< إذا كان المولود عطشانا.


< إذا كانت الحفاظة مبتلة.


< إذا كان المولود يشعر بالحر أو بالبرد.


على أن أكثر أسباب بكاء المواليد بعد الرضاعة شيوعا هو عدم إشباع الرغبة في المص. أي إن المولود قد يكون شبع من اللبن ولكن لم يشبع من مص الحلمة. ويلي ذلك على قائمة الأسباب الشائعة للبكاء بعد الرضاعة، الرغبة في التجشـؤ (أي إخراج ما في البطن من غازات عن طريق الفم). ثم هناك رغبة المولود في الصحبة. فبعض الأمهات تترك مولودها وحيدا بمجرد الفراغ من إرضاعه. بتعبير آخر، فإن الطعام ليس هو كل شيء لهذه المخلوقات الصغيرة!


< مشاكل التغذية


بشكل عام، تبدأ المشاكل الحقيقية لتغذية المولود في الظهور حول الشهر الرابع، عندما تبدأ الأم في إعطاء مولودها أطعمة إضافية إلى جانب اللبن. إذ قد تتكرر المحاولات من جانب الأم، والرفض من جانب المولود، إلى أن تصاب الأم بالإحباط. وحلا لهذه المشكلة يجب أن يكون تعويد المولود على الأطعمة الإضافية تدريجيا ودون إكراه. مع ملاحظة أن حاسة التذوق عند المولود تكون قد نمت في ذلك الوقت من عمره (بين الشهر الرابع إلى السادس) بحيث يصبح المولود ذواقا يختار من الأطعمة ما يطيب له! كذلك يجب ألا تستعجل الأم الأمور، طالما ليست هناك علة مرضية. إذ سوف يقبل المولود على الطعام، طال به الأمد أم قصر.


من أسباب إحباط الأم الجديدة كذلك، عدم زيادة وزن المولود بسرعة أو بصورة مطردة، مما قد يدفع الأم إلى الاعتقاد بأن مولودها غير سوي. وقد تشتغل الأم بمحاولة إطعام المولود طول الوقت، ظنا منها أنه ربما لا يحصل على كفايته من الطعام!


هذا والمعيار الحقيقي لجودة التغذية وتوازنها هو نمو الطفل نموا سليما مطردا، وليس مجرد زيادة الوزن. والقاعدة الذهبية لتغذية المواليد هي عدم التقيد بنظام جامد للتغذية. فما يصلح لمولود قد لا يصلح لآخر. وواجب كل أم أن تراعي طبيعة مولودها وتحاول مسايرته ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.