بيان الإيمان والإسلام والإحسان - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-02-2021, 08:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي بيان الإيمان والإسلام والإحسان

بيان الإيمان والإسلام والإحسان


د. محمد سيد شحاته




قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ"[1].

♦♦ ♦♦ ♦♦

الراوي الأعلى:
اسمه:
عمر بن الخطاب بن نُفيل - بنون وفاء مصغرًا - بن عبدالعزى القرشي العدوي، يقال له: الفاروق.

مولده:
روي عنه قال: "ولدتُ قبل الفجار الأعظم بأربع سنين"، وقال غيره: "ولِد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة"[2].

إسلامه:
أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فكان إسلامه عزًّا ظهر بِهِ الإسلام بدعوة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3].

وأخرج ابن سعد بسند حسن عن سعيد بن المسيب: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلَّم إذا رأى عمر أو أبا جهل، قال: "اللَّهم اشْدُد دينك بأحبِّهما إليك"[4].

وأخرج أحمد من رواية صفوان بن عمرو عن شُريح بن عبيد، قال: قال عمر: خرجتُ أتعرَّض لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلَّم، فوجدته سبَقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أتعجَّب من تأليف القرآن، فقلت: هذا واللَّه شاعر كما قالت قريش، قال: فقرأ: {﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ ﴾ [الحاقة: 40، 41]، فقلت: كاهن، قال: ﴿ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الحاقة: 42]، حتى ختم السورة، قال: فوقع الإسلام في قلبي كلَّ موقع [5].

مناقبه:
(1) من المهاجرين الأولين، وشهِد بدرًا وبيعة الرضوان، وكل مشهد شهده رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(2) توفي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُ راضٍ.

(3) ولي الخلافة بعد أَبِي بَكْر، بويع لَهُ بها يَوْم مات أَبُو بكر رضي الله عنه باستخلافه لَهُ سنة ثلاث عشرة، فسار بأحسن سيرة، وأنزل نفسَه من مال الله بمنزلة رجلٍ من الناس.

(4) فتح الله لَهُ الفتوح بالشام، والعراق، ومصر.
(5) دوَّن الدواوين فِي العطاء، ورتَّب الناس فِيهِ على سوابقهم.
(6) كَانَ لا يخاف فِي الله لومةَ لائمٍ.
(7) هُوَ الَّذِي نوَّر شهر الصوم بصلاة الإشفاع فِيهِ.
(8) أرَّخ التاريخ من الهجرة الَّذِي بأيدي الناس إِلَى اليوم.
(9) أول مَن سُمِّي بأمير المؤمنين [6].
(10) كان نقش خاتمه كفى بالموت واعظًا، أمير المؤمنين مشهور، جم المناقب.

وفاته:
استُشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ووَلِيَ الخلافة عشر سنين ونصفًا [7].

المفردات:
قوله: "ذَاتَ يَوْمٍ" ذات هنا تفيد النكرة؛ أي: في يوم من الأيام.
قوله: "إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ": الرجل هنا مبهم، وهو رجل في شكله، لكن حقيقته أنه مَلَك.
قوله: "شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ"؛ أي: عليه ثياب.
قوله: "شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ"؛ أي: إنه شاب.

قوله: "لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ"؛ لأن ثيابه بيضاء، وشعره أسودُ، ليس فيه غبار ولا شعث السفر، ولهذا قال: "لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ"؛ لأن المسافر في ذلك الوقت يُرى عليه أثر السفر، فيكون أشعثَ الرأس، مغبرًّا، ثيابه غير ثياب الحضر، لكن لا يرى عليه أثر السفر.

قوله: "وَلا يَعْرِفْهُ مِنَّا أَحَدٌ"؛ أي: وليس من أهل المدينة المعروفين، فهو غريب.
قوله: "حَتَّى جَلَسَ إِلىَ النبي صلى الله عليه وسلم"، ولم يقل عنده ليفيد الغاية؛ أي: إن جلوسه كان ملاصقًا للنبي صلى الله عليه وسلم.

ولهذا قال: أَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلىَ رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ - (أي: كفَّي هذا الرجل) - عَلَى فخِذيه.
قوله: "فَخِذَيْهِ"؛ أي: فخِذي هذا الرجل، وليس على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من شدة الاحترام.

قوله: "وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ"، ولم يقل: يا رسول الله؛ ليوهمَ أنه أعرابي؛ لأن الأعراب ينادون النبي صلى الله عليه وسلم باسمه العلم، وأما أهل الحضر فينادونه بوصف النبوة أو الرسالة عليه الصلاة والسلام.

قوله: "أَخْبِرْنيِ عَنِ الإِسْلامِ"؛ أي: ما هو الإسلام؟ أخبرني عنه.

قوله: "فَقَالَ: الإسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ"، تشهد؛ أي: تُقرُّ وتعترف بلسانك وقلبك، فلا يكفي اللسان، بل لا بد من اللسان والقلب؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86].

قوله: "وَأَنَّ مُحَمَّدَا رَسُولُ اللهِ"؛ أي: وتشهد أن محمدًا رسول الله، ولم يقل: إني رسول الله، مع أن السياق يقتضيه؛ لأنه يخاطبه، لكن إظهاره باسمه العلم أوكدُ وأشد تعظيمًا.

قوله: "رَسُولُ اللهِ": رسول بمعنى مرسل، والرسول هو مَن أوحى الله إليه بشرع، وأُمِر بتبليغه والعمل به.
قوله: "تُقِيْمَ الصَّلاةَ"؛ أي: تأتي بها قائمة تامة معتدلة.
وكلمة: الصَّلاةَ تشمل الفريضة والنافلة.

قوله: "وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ": تؤتي بمعنى تعطي، والزكاة هي المال الواجب بذله لمستحقه من الأموال الزكوية تعبدًا لله، وهي الذهب والفضة والماشية، والخارج من الأرض وعروض التجارة.

قوله: "وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ"؛ أي: تُمسك عن المفطرات تعبدًا لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وقوله: "وَتَحُجَّ البَيْتَ"؛ أي: تقصد البيت لأداء النسك في وقت مخصوص تعبدًا لله تعالى.

قوله: "صَدَقْتَ": القائل صدقت جبريل عليه السلام، وهو السائل، فكيف يقول: صدقت وهو السائل؟ لأن الذي يقول: صدقت للمتكلم يعني أن عنده علمًا سابقًا، علِم بأن هذا الرجل أصابه، وهو محل عجب، ولهذا تعجب الصحابة كيف يسأله ويُصدِّقه [8].

قوله: "الإيمان أن تؤمنَ بالله وملائكته وكتبه ورُسله إلى آخر ما ذكر"، فرَّق في هذا الحديث بين الإيمان والإسلام، فجعل الإيمان عمل قلب، والإسلام عمل جوارح [9].

قوله: أن تؤمن بـ(ملائكته): أي أن تصدق بوجودهم على ما وصفوا به في كتاب الله سبحانه وتعالى.

قوله: أن تؤمن بـ (كتبه): أي أن تصدق بأنها كلامه الحق، سواء نزلت مكتوبة كالتوراة، أو وحيًا كالقرآن، جملة كالكتب السابقة، أو نجومًا كالقرآن الكريم.

قوله: أن تؤمن بـ (رسله): أي أن تصدق بأن لله سبحانه رُسلًا صادقين فيما أخبروا به عن الله تعالى، مؤيدين من الله تعالى بالمعجزات الدالة على صدقهم، وأنهم بلَّغوا عن الله رسالاته، وبيَّنوا للمكلفين ما أمرهم الله ببيانه لهم، وأنه يجب احترامهم، وألا يُفرَّق بين أحد منهم.

قوله: أن تؤمن بـ(اليوم الأخر): أي أن تصدق بوجود اليوم الآخر وبمجيئه، وبجميع ما اشتمل عليه من الإعادة بعد الموت والحشر، والحساب والميزان، والصراط والجنة والنار، وأنهما دارا ثوابه وجزائه للمحسنين والمسيئين، إلى غير ذلك مما صح نصُّه وثبت نقله، وسُمِّي آخرًا؛ لأنه آخرُ أيام الدنيا، ولأنه آخر الأزمنة المحدودة، وقيامةً لقيام الناس على أقدامهم.

قوله: (أن تومن بالقدر): أعاد معه لفظة تؤمن لعلمه أن الأمة تختلف فيه؛ أي: وأن تصدق بالقدر؛ أي: بتقدير الله سبحانه الكائنات في الأزل على هيئة وجودها فيما لا يزال؛ أي: عِلمه بمقاديرها وهيئاتها وأزمنتها وأمكنتها قبل وجودها.

وقوله: (خيره وشره): بدل من القدر، بدل تفصيل من مجمل؛ أي: وأن تصدق بخير ذلك المقدر ونفعه للعباد كالإيمان والطاعات، وبشرِّه وضرِّه للعباد كالكفر والمعاصي من الله تعالى [10].

(قال) الرجل السائل: (صدقت) يا محمد؛ أي: نطَقت كلامًا صادقًا فيما أخبرت به من الإيمان.

ثم (قال) الرجل: (فأخبرني) يا محمد (عن) حقيقة (الإحسان)؛ يعني بالإحسان الإخلاص؛ لأنه فسَّره بما معناه ذلك، وقيل: يعني به إجادة العمل، مِن: أحسن في كذا: إذا أجاد فعلَه.

قوله: (أن تعبد الله) سبحانه وتعالى.
قوله: (كأنك تراه) سبحانه وتعالى؛ أي: حال كونك مستحضرًا خشية مَن يراه سبحانه، آتيًا بعبادتك مستوفاة الشرائط والأركان، فهذا إشارة إلى مقام المشاهدة، وهو أن تعبد الله سبحانه كأنك تراه، (فإن لم تكن) أنت (تراه) سبحانه وتعالى، (فإنه) سبحانه (يراك) أيها العابد.

قوله: (قال) الرجل: (فأخبرني) يا محمد (عن الساعة)؛ أي: عن القيامة؛ أي: عن وقت مجيئها، وسُمِّيت ساعة لسرعة قيامها.

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له: (ما المسؤول عنها)؛ أي: عن الساعة يريد نفسه (بأعلم من السائل)، يريد جبريل عليه السلام، أو المراد التعميم لكل سائل ومسؤولٍ عنها.

(قال) الرجل السائل: إن لم تخبرني يا محمد عن وقت مجيئها، (فأخبرني عن أمارتها) وعلاماتها؛ أي: عن القرائن الدالة على قربها، والأمارات: جمع أمارة بفتح الهمزة وبالهاء، والأمارُ بحذفها هي العلامة [11].

قوله: (أن تلد) وتضع (الأمة)؛ أي: الرقيقة المستفرشة (ربَّتها)؛ أي مالكها، هكذا جاء في رواية بالتأنيث، وفي أخرى ربها بالتذكير، وفي الأخرى بعلها وهو السيد، والرب المالك، وأُنث بالرواية الأولى على معنى النسمة؛ ليشمل الذكر والأنثى، وقيل كراهية أن يقول ربها تعظيمًا للفظ الرب ولذا ورد: "لا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي ومولاي".

وقيل: المراد به فُشوُّ العقوق، وأن يكون الولد في الصَّوْل على أُمِّه وقلة بِره بها كأنه مولاها.
وقيل: هو تنبيه على فُشو النعمة آخر الزمان، وكثرة السبي؛ كما قال في بقية الحديث عن تطاول رعاء الشاء في البنيان.
وقيل: المراد به ارتفاع أسافل الناس، وأن الإماء والسبايا يلدن من ساداتهن أمثالهم، فشرفن بسببهم [12].

قوله: "الحُفاة": جمع حاف، وهو من لا نعل في رجله.
قوله: "العُراة": جمع عار، وهو من لا شيء على جسده.
قوله: "العالة": جمع عائل، وهو الفقير.
قوله: "رعاء الشاء": رعاة الغنم.
قوله: "يتطاولون في البنيان": يتباهون ويتفاخرون برفع المباني.
قوله: "لبثنا": مكَثنا.
قوله: "مليًّا" زمنًا طويلًا قبل ثلاثة أيام [13].

مكانة الحديث:
هذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة؛ من عقود الإيمان، وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إن علوم الشريعة كلها راجعةٌ إليه، ومتشعبة منه؛ إذ لا يشذ شيء من الواجبات والسنن والرغائب والمحظورات والمكروهات عن أقسامه الثلاثة [14].

دلالة ظهور جبريل عليه السلام على هذه الهيئة:
يدل على أمور:
أحدها: أن الملك ممكنٌ خروجُهُ بصورة البشر بأمر الله تعالى، وليس ذلك باختياره وقوله، بل بتصييره الله إياه على أيِّ شكل شاء الله.

فإن قيل: هل يمكن لجميع الملائكة الخروجُ بصورة البشر أم لا؟
قلنا: هذا من علم الغيب، لا يعلمه أحدٌ إلَّا بطريق الوحي، وصاحبُ الوحي نبينا عليه السلام أخبر عن نزول الملائكة على صورة البشر، راكبين على الأفراس يوم البدر، ويوم حُنين، وفي غزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، فما وجدنا فيه نصًّا نعتقده ونتحدث به، وما لم نجدْ فيه نصًّا نَكِلُ علمه إلى الله تعالى وإلى الرسول، ولا نتكلم به، ولا عبرة بأقوال الحكماء وأصحاب المعقول، فإن الدينَ سمعيٌّ عن صاحب الشريعة، وليس فيها للعقل استقلالٌ واهتداءٌ بنفسه دون إخبار صاحب الشريعة.

والثاني: أن النظافةَ وبياضَ الثوب سنةٌ مرضية لله تعالى؛ لأنه لو لم يكن مُرضية لم يصيِّر الله تعالى جبريل على تلك الهيئة.

والثالث: زمان طلب العلم هو زمان الشباب؛ لأن سواد الشعر يكون في زمان الشباب؛ فإن الشابَّ إذا صرف مدة من عمره في طلب العلم، تبقى مدة أخرى من عمره إلى زمان الشيخوخة يعمل بذلك العلم ويعلِّمه الناس [15].

حكم طلب العلم:
طلبُ العلم قدرَ ما يعرف به الرجل صحةَ ما يجب عليه وفسادَه، فريضةٌ على كل بالغ عاقل من الرجال والنساء والشبان والشيوخ، وأما قدرُ ما زاد على ما يجبُ عليه، فمستحبٌّ أيضًا للشبان والشيوخ، إلا أنه في حق الشبان أكثر استحبابًا.

وفي الجملة: طلبُ العلم بقدرِ ما يصير الرجل صاحبَ الإفتاء والاجتهاد والقضاء، فرضٌ على الكفاية، ينبغي أن يكون بكلِّ ناحية رجلٌ واحد بهذه الصفة، حتَّى يفتيَ ويقضيَ ويقومَ ويحفظَ أمورَ الشرع، وإن لم يكن في ناحية واحدٌ بهذه الصفة، عصى جميعُ أهل تلك الناحية حتى يبلغَ واحدٌ منهم إلى هذه الصفة في العلم [16].

سبب جلوس جبريل عليه السلام بهذه الكيفية.
جلس جبريل عند النبي عليه السلام هكذا؛ ليتعلم الحاضرون كيفيةَ جلوس السائل عند المسؤول؛ لأن الجلوس على الركبة أقربُ إلى التواضع والأدب.

واتصال ركبة السائل بركبة المسؤول يكون أبلغَ في استماع كلَّ واحدٍ من السائل والمسؤول كلامَ صاحبه، وأبلغَ في حضور القلب، وألزمَ في الجواب؛ لأن الجلوس على هذه الهيئة دليلٌ على شدة حاجة السائل إلى المسؤول، وتعلُّق قلبه واهتمامه إلى استماع الجواب، فإذا عرف المسؤولُ هذا الحرصَ والاحتياجَ من السائل يُلزِم على نفسِهِ جوابَهُ، وبالغ في الجواب أكثر وأتم مما سأل السائل[17].

الفرق بين الإيمان والإسلام.
أن الإيمان هو تصديق القلب وإقراره ومعرفته مع الأعمال بجميع ما فرَض الله، والإسلام هو استسلام العبد لله وخضوعه وانقياده، وذلك يكون بالعمل وهو الدين كما سمَّى الله الإسلام دينًا في كتابه تعالى.

وهما يجتمعان في مواضع، فيقال للمسلم مؤمن، وبالعكس، ويفترقان في مواضع فكل مؤمن مسلم دون العكس، فما يتفقان فيه هو أن يستوي الظاهر والباطن، وما يفترقان فيه هو ألا يستويا، ويقال له عند ذلك: مسلم، بمعنى أنه مستسلم، وهو بمعنى ما جاء في الحديث، أو مسلم، وفي الآية: ﴿ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ [الحجرات: 14]؛ أي: استسلمنا [18].

علامات الساعة:
قال القرطبي: وهي تنقسم إلى معتاد؛ كالمذكورين في الحديث، وكرفع العلم، وظهور الجهل وكثرة الزنا وشرب الخمر، وإلى غير معتاد؛ كالدجال ونزول عيسى عليه السلام، وخروج يأجوج ومأجوج والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، قال ابن رُشد: واتفقوا على أنه لا بد من ظهور هذه الخمسة، واختلفوا في خمسة أُخَر: خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب، والدخان ونار تخرج من قعر عدن، تروح معهم حيث راحوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وزاد بعضهم، وفتح القسطنطينية وظهور المهدي [19].

ما يستفاد من الحديث:
(1) حُسن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يجلس مع أصحابه ويجلسون إليه، وليس ينفرد، ويرى نفسه فوقهم.

(2) جواز جلوس الأصحاب إلى شيخهم ومَن يفوقهم، لكن هذا بشرط إذا لم يكن فيه إضاعة وقت على الشيخ ومَن يفوقه علمًا.

(3) أن الملائكة يتشكلون بما شاؤوا من الصور.
(4) آداب المتعلم والمسترشد مع العالم.
(5) استحباب التجمل وتحسين الهيئة للعالم والمتعلم.

(6) أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا يفسَّر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة.
(7) أن الإسلام والإيمان والإحسان كلٌّ يُسمى دينًا.

(8) أن الساعة من الأمور التي استأثر الله بعلمها: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ [لقمان: 34].
(9) أن من علامات الساعة كثرة السراري وأولادها، أو عقوق الأولاد لأمهاتهم كأنهن عندهم إماءٌ.
(10) وجوب الإيمان بالقدر، وأن ما قدَّره الله على الإنسان من خيرٍ أو شرٍّ، يجب الرضا به.

(11) ترك الإنسان الخوض في الأمور التي ليس عنده علمٌ بها.
(12) كراهية ما لا تدعو إليه الحاجة من تطويل البناء وزخرفته.

(13) الإخبار بأن من علامات الساعة أن تفتح الدنيا على أهل البادية والفاقة، فتنصرف هِمَمُهم إلى تشييد المباني وليس لهم هم إلا ذلك.

الآثار المترتبة على امتثال توجيهات الحديث:
(1) حرص المسلمين على طلب العلم النافع.
(2) التسليم والرضا بالقدر.
(4) الاستعداد الدائم لتقلُّب الزمان.


[1] أخرجه مسلم، كِتَابُ الإِيمَانِ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، (1/ 28) رقم (1).

[2] تهذيب التهذيب (7/ 439).

[3] الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1145).

[4] الطبقات الكبرى ط دار صادر (3/ 267).

[5] الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 485).

[6] الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 1145).

[7] الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 484) رقم(5752)، تقريب التهذيب (ص: 412) رقم (4888).

[8] شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 19- 22).

[9] إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 202).

[10] الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (2/ 39).

[11] الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (2/ 43).

[12] إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 206).

[13] الأحاديث الأربعين النووية مع ما زاد عليها ابن رجب وعليها الشرح الموجز المفيد (ص: 8).

[14] إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 205).

[15] المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 38).

[16] المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 38).

[17] المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 40).

[18] الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 131).

[19] الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (2/ 43).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.13 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]