تأثير المسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          خطورة الإشاعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          من الخذلان الجهل بالأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الليبراليون الجدد.. عمالة تحت الطلب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 100 )           »          فتنة التفرق والاختلاف المذموم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          رغبة المؤمنين ورهبتهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          رسالة إلى الأبناء – مدرستك هي مجتمعك الصغير.. فمن أنت في المجتمع؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          فانتقِ منهم أطيب ثمارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-04-2021, 01:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,600
الدولة : Egypt
افتراضي تأثير المسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية

تأثيرالمسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية(1)



































(فئة المراهقين أنموذجًا)







د. شميسة خلوي









((1))




بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيِّدنا محمد خاتم النبيِّين وعلى آله وصحبه الطيِّبين.









أمَّا بعدُ:




بريقٌ أخَّاذ طبع الكلمة والصُّورة الآتية من وراء البحار عبر مختلف وسائل الإعلام والاتِّصال، المقروءة والمسموعة والمرئية، أغلبها أجنبية وافدة من الغرب أو متأثِّرة به، ولا ريْب أن تأثيرات هذه الوسائل قد ضربت الأخلاق والمبادئ الإسلاميَّة في الصَّميم، وأثَّرت على توجُّهات قطاع كبير من أبناء الأمَّة وبناتها فكريًّا وسلوكيًّا، ولعلَّنا لا نبالغ لو قُلنا: إنَّ الإعلام العربي سهَّل مهمَّة دُعاة الغرب وتلقَّف كل منتن منهم، ليروِّج له في أوساط مجتمعاتنا على أنه الطَّبيعي والعادي.









ذاك هو الإعلام وما يقدِّمه من سموم في شكلٍ يروق النَّاظرين، ولن نجانب الصَّواب لو قُلنا أيضًا: إنَّ المسلسلات المدبلجة هي من أخطر ما وفد إلينا عبر وسائل الإعلام.









وعلى هذا الأساس تتمحور إشكاليَّة هذه الدِّراسة المتواضعة حول تساؤلات جوهرية ومنهجية؛ أهمها:




ما هي أهم القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة؟









كيف استطاعت هذه المسلسلات إبهار المشاهدين وكسْب متابعتهم؟









ما هي القنوات التي تبثُّ هذه السُّموم بشكل أكبر؟









كيف تؤثِّر المسلسلات المدبلجة على شخصيَّة ونفسيَّة المراهق الجزائري خصوصًا، والذي يمثِّل صورة واقعية وعاكسة لبقيَّة الشَّباب في البلدان العربيَّة الأخرى؟









وهل من حلول للحدِّ من هذا التَّأثير الهدَّام، بما في ذلك دور الإعلام الهادف في تغيير القيم السِّلبية التي تتركها هذه المسلسلات في عقول المشاهدين؟









وقد قسَّمتُ الدراسة إلى قسمين؛ قسم تنظيري، وآخر تطبيقي؛ بحيث خصَّصت القسم الأوَّل للحديث عن أهم القيم الدَّخيلة التي تنطوي عليها هذه المسلسلات، ووسائل جلْب الجمهور إليها، وقراءة في عناوين المسلسلات، ثم اقترحت مجموعة من التوصيات القابلة للتنفيذ.









في حين أفردتُ القسم الثَّاني من الدِّراسة لعرض نتائج الاستبيانات التي مُلئت من طرف (200) من تلاميذ المرحلة الثَّانوية بالجزائر، ثم قمتُ بالتَّعليق عليها.









وسأعرض ما تقدَّم في أجزاء مقسَّمة حسب العناوين التي اخترتُ أن أضبط بها هذه الدِّراسة:




القسم التنظيري من الدراسة:




إنَّنا لا نختلف لو قُلنا: إن الإعلام يقوم على خمسة ركائز، أولاها المرسل، وثانيها الرِّسالة الإعلامية، وثالثها الوسيلة الإعلامية النَّاقلة للرِّسالة ورابعها المستقبِل، وخامسها التَّأثير.









فماذا لو كانت الرِّسالة الإعلامية مجموعة من الأفكار والقيم الدَّخيلة المستترة في مسلسلات قادمة من خارج حدودنا، لتلج عقر ديارنا وتعشِّش تفاصيلها في عقول بناتنا وأبنائنا؟









لنقف بدءًا عند بعض المصطلحات التي ستتحَّكم في مسيرة هذا البحث، فأما التلفاز أو التلفزيون أو الرائي، فهو وسيلة من وسائل الإعلام والاتِّصال التي تعتمد على الصوت والصورة والحركة لنقلها إلى المشاهد.









بينما تُعَّرف القناة على أنها محطَّة بها مجموعة من التَّجهيزات وطاقم عامل بها، تعمل على بثِّ برامجها المختلفة عبر الهوائي إذا كانت قناة محليَّة، أو بوساطة الطَّبق اللاَّقط، مرورًا عبر الأقمار الصِّناعية إذا كانت قناة فضائية، وتختلف القنوات التلفزية ما بين مفتوحة وأخرى مشفَّرة، وما بين حكومية، وأخرى خاصَّة.









في حين يُعرَّف المسلسل المدبلج إلى العربية على أنَّه كل مسلسل يقوم بتمثيله مجموعة من الممثِّلين غير العرب، وبغير اللُّغة العربية، ويأتي من يترجم كلامهم صوتيًّا؛ حتى يخيَّل للمُشاهِد أن الممثِّل الأصلي هو من يتحدَّث، وقد تكون الترجمة حرفية فقط بإدراج العبارة المناسبة للحديث مكتوبة في شريط أسفل الشَّاشة.









والرَّائج في المجتمعات العربية حاليًّا هو وجود مسلسلات مدبلجة من تركيا والمكسيك، والهند وكوريا وأمريكا، وأمَّا السَّائد في الدبلجة، فهو استخدام اللَّهجة السُّورية خصوصًا.









أمَّا فيما يخصُّ الدِّراسة التَّطبيقية، فكانت العيِّنة المدروسة من فئة المراهقين، وليس من السَّهل تحديد فترة المراهقة عمليًّا؛ نظرًا للصعوبة التي تُواجه المختصِّين في تحديد نهاية وبداية فترة الطُّفولة ومرحلة المراهقة؛ لأنَّ التغيُّرات التي تحدث فيهما تتمُّ في مُدَّة تتراوح ما بين تسع سنوات وعشر، ويختلف الأطفال فيما بينهم في السنِّ التي يبدؤون فيها الدُّخول في مرحلة المراهقة، كما يختلف البنون عن البنات؛ إذْ تسبق البنات البنين بسنة أو اثنتين[1].









أوَّلا: أهم القيم غير الإسلامية التي تُمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة:




يعدُّ التلفاز من أكثر الوسائل الإعلامية انتشارًا بين فئات المجتمع المختلفة، ومن أشدِّها تأثيرًا مقارنة بالوسائط الإعلامية الأخرى، فنجد هذا الجهاز يبثُّ الغثَّ والسَّمين، ويستقطب الصِّغار والشَّباب، الرِّجال والنِّساء، ولعلَّ المسلسلات المدبلجة قد أخذت نصيبا مُعتبرا من أوقات تتبُّع البرامج التلفزية، فنلفيها قد أثَّرت بطريقة سلبية على سلوك شبابنا وجعلته يتشرَّب قيما دخيلة عنه.









وفي ذلك تنافست الكثير من القنوات الفضائية العربية، محاوِلةً صرْف أبصار الشَّباب عن الطيِّب إلى الخبيث، كيف لا والعين مرآة القلب؟ ولذلك كانت اللحظات هي التي تولِّد الخطرات فاللفظات فالخطوات!









إن هذه المسلسلات تُسلسل عقول المتتبِّعين، ولا سيَّما المراهقين وهم في هذه الفترة الحرجة من حياتهم بحكايات قيس وليلى في القرن الحادي والعشرين، فتعْلق ملامح التبرُّج والسُّفور في عقولهم ويصير الحرام حلالاً والممنوع مرغوبًا بشدَّة، تمهيدا للتحرُّر تدريجيًّا من قيم المجتمع الإسلامية.









ونرصد الآن أهم ما تدعو إليه تلك المسلسلات من قِيَمٍ دخيلة على مجتمعاتنا المسلمة، والتي تنعكس على مسار تربية المراهق وسلوكه، وما كان هذا ليحدث لولا وجود كمٍّ معتبر من القنوات التي ديدنها إفساد أخلاق شبابنا، وتزيين الباطل لهم، وتقريب المنكرات منهم وهم جالسون في عقر ديارهم؛ لأنه باختصار: غزو ثقافي منظَّم يسعى لعلْمنة المجتمع المسلم!









1- تغريب المرأة المسلمة من خلال تقديم النَّموذج الغربي البرَّاق:




الاختلاط، الحريَّة المطلقة، التبرُّج، التملُّص من الواجبات الأسرية، وغير ذلك، كلُّها أساليب جعل منها الغرب طريقه لدخول المجتمع الإسلامي، متَّخذين أبواقًا عديدة يتصدَّرهم: الإعلام والعلمانيون، وقد جمعنا أساليب تغريب المرأة لبثِّها بين طيَّات هذا البحث، حصرًا لها وطلبًا لجمع شتاتها تحت عنوان واحد، وإن كان الحديث عنها يطول ويطول، فلو أطلقنا العنان لما يجول في الجَنَان، لما كفتْنا عشرات الدَّفاتر والأقلام!









إنَّ توظيف الإعلام من أجل تغريب المرأة المسلمة هي محاولة في طريق تغريب المجتمع المسلم كله؛ لأن المرأة هي نصف المجتمع وولدت النِّصف الآخر، وهذا مما لا يخفى على ذي بصرٍ، فكيف بذي بصيرة؟!









إنَّ ما تُقدِّمه المسلسلات المدبلجة من نموذج حياة، يدعو بطريقة غير مباشرة لإبراز المرأة الغربية وقد تجرَّدت من قيود المجتمع، لها الحرية المطلقة، لا يشوب حياتها سوى أخت لها أرادت بها مكرًا بسلب صديقها، أو تدبير المكائد لها مثلما هو شأن المسلسلات الآتية من المكسيك وأمريكا، وكوريا والهند.









ولا يختلف الأمر بالنسبة للمسلسلات التركية التي تُبيِّن المرأة المسلمة بنفس الطريقة، وذلك أَمَرُّ وأشدُّ وطأةً على قلوب من يدرك مدى تأثير مثل هذا الأمر على نفوس الفتيات والنِّساء المسلمات، اللَّواتي يبهرهنَّ هذا النَّموذج الحياتي، ويَحسبنَ أن المرأة الغربية في أحسن أحوالها، كيف لا والمساواة قائمة والحريَّة موجودة!









ومما يندرج تحت محاولة تغريب المرأة المسلمة، عن طريق بثِّ القيم غير الإسلامية التي تبثها المسلسلات المدبلجة ما يلي:




أ- تشجيع المرأة على المطالبة بالمساواة مع الرجل: تعرض مختلف المسلسلات المدبلجة المرأة ندًّا للندِّ مع الرَّجل، تفعل ما يفعل، وتسعى إلى ما يسعى إليه، وتُطالب بما هو حقٌّ له؛ ليكون حقًّا لها أيضًا، إنها دعوة غير مباشرة للمرأة المسلمة لتَحْذو حَذْوها.









يا لها من دعوة زائفة، بأصوات تحاكي الغرب وتنعق بما اتَّفق، ويا له من شعار أجوف، وتمرُّد على الأخلاق والطبيعة الإنسانية وانتكاس للفطرة!



يتبع






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-04-2021, 01:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,600
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأثير المسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية

بل تمرُّد على المصطلحات أيضًا، فأي مُساواة يقصدون؟




لعل الجواب المختصر هو: تغريب المرأة المسلمة؛ لأن طلب المساواة هو جزءٌ من هذا المخطَّط.









إنهم يريدون إبعاد المرأة عن دورها الأساسي في مملكتها، وتقويض نظام الأسرة التي تُبنى بها المجتمعات، إنهم يودُّون من المرأة المسلمة مُزاحمة الرجال في الوظائف التي لا تستقيم لأنثى ولا تتوافق مع طبيعة المرأة، إنهم يريدون إشاعة رُوح العداء والتحدِّي بين المرأة والرجل، دعوةٌ أطلقها الغرب وتلقَّفتها عقول أذيالهم من دُعاة تحرير المرأة في مجتمعاتنا، وما تلك المسلسلات إلا حلقة من حلقات التغريب.









إنَّ الإسلام قد أعطى المرأة حقوقًا، وفرض عليها واجبات، ولم يُفرِّق بينها وبين الرَّجل، فقال جلَّ وعلا: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228].









فحُقوقها مع الرَّجل مُتبادلة، كل طرف بما يُلائمه، ويتَّسق مع خِلقته وفِطرته التي فطره الله عليها، أمَّا الدَّرجة الزائدة للرَّجل في الآية، فهي درجة القَوامة، وهذا لا يتنافى أبدًا مع حُريَّة المرأة، فليست القوامة تسلُّط الرجل على الأنثى ولا إلغاء لشخصيتها، بل هي حفاظٌ عليها دُرَّة مصونة ولؤلؤة مكنونة، إنَّها مساواة تكامل، لا مساواة تنافُر، وإنَّه العدل الإلهي!









ب- تشجيع المرأة على المطالبة بالحرية: تُصوِّر مشاهد كثير من المسلسلات المدبلجة - وخصوصًا الآتية من المكسيك وأمريكا - أن المرأة يجب أن تكون حرَّة في تصرُّفاتها، تعمل ما تريد دون قيدٍ، ليس لتحرُّكاتها ضوابط، نجدها تضع كل ما يحدُّ من حريَّتها وراء ظهرها غير مبالية به.









أي حُريَّة يقصدون؟ وأي عُصَارَة لؤْمٍ فِي قرارة خُبْثٍ يرمون؟




إنهم يريدون ترْك الحبل على الغارِب للنِّساء، يريدون أن ينفلت زمام الأخلاق الفاضلة والقيم النَّبيلة من المجتمع المسلم، وإن انفرَط عقدُ الفضيلة، فستتهاوى حلقاته - حلقة، حلقة - حتى تحقِّق المرأة المسلمة الحرية المزعومة، ويعلو صوتها حينها: مرحى، لقد صرتُ حُرّة، كسرتُ قيود التخلُّف والرجعية، يا له من نصر تاريخي!









أقول لكل فتاة مسلمة ولكل امرأة مسلمة: حُريَّتُك في انقيادك لله، حُريَّتُك في امتثالك لأوامر دينك وتطبيقها، حُريَّتُك في برِّك وطاعتك لوالديك، حُريَّتُك في حُسن تبعُّلك لزوجك، حُريَّتُك في حِشمتك ووقارك وحجابك.









تحرَّري من الهوى الفاسد ومن الشهوة في غير محلِّها، تحرَّري من أنانيتك وسلبيتك، تحرَّري من قيود التَّبعية، كُوني أَمَةً لله، تَأْتَمِرين بأوامِره وتقِفين عند حُدوده التي شرعها لكِ، حينها فقط قولي ولن يلومك أحد: إنَّني حُرَّة!









ج- تزيين صورة الحضارة الغربية في عيون نسائنا: تعمل المسلسلات المدبلجة على إبراز النَّموذج الغربي بأبهى صوره، وأجمل حُلله، وكأنَّ المرأة الغربية في أزهى عهودها، فهل هو فعلاً كذلك؟!









إن الواقع يكذِّب كل هذه الدَّعاوى، فلا يَغُرَّننا النَّموذج الحضاري الغربي، وليس علينا أن نتشدَّق بهذا الوهم؛ لأنَّه نموذج زائف، لستُ أنا القائلة وإنما شهد شاهد من أهلها، وما أكثرهم!









هذه "سالي جان مارش" التي عاشت بعيدة عن الله سنوات من عُمرها حتى هداها الله وأنار بصيرتها، تقول: "إنَّنا نخشى أن تخرج المرأة الشَّرقية إلى الحياة العصرية، ينتابها الرُّعب لما تشهده لدى أخواتها الغربيات، اللاَّئي يسعين للعيش وينافسن في ذلك الرَّجل، من أمثلة الشَّقاء والبؤس كثيرة"[2].









وهذه الكاتبة "مس إترود" تستهجن ما آل إليه المجتمع الإنكليزي، مع بداية تحقيق مبدأ المساواة، وخروج المرأة من مملكتها، فتقول: "إنّه لعارٌ على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلاً للرَّذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالُنا لا نسعى وراء ما يجعل بناتنا تعمل على ما يُوافق فطرتها الطبيعية، من القيام في البيت، وترْك أعمال الرجال للرجال؛ سلامةً لشرفها؟!"[3].









د- تشجيع الاختلاط: إننا نجد المسلسلات المدبلجة تُزيِّن الاختلاط بين الذكور والإناث، وتجعله من رُوح العصر ومتطلَّباته، فالاختلاط في المنزل؛ حيث يصير إخوان الزَّوج والأصدقاء والجيران وكل من يدخل المنزل من محارم المرأة!









وتصير بنات الخال وبنات العمِّ في عيون الرَّجل مثل الأخوات!









والاختلاط في أماكن الدراسة والعمل، لا كوضع مفروض يتعامل معه بوقار واحترام وحشمة، بل بكل ميوعة وانفتاح!









أضف إلى هذا ضعف الوازع الديني ورقَّة الدِّين، فماذا ننتظر؟!




إنَّ لمشاهد الاختلاط بين الجنسين مفاسدَ كثيرة، تتكرَّس أكثر حين يُشاهد المراهق خصوصًا أبطاله المزعومين من الجنسين وهم يضحكون ويتبادلون الكلام اللَّطيف دون أدنى حياء، فيُهوَّن هذا المنكر العظيم في النُّفوس، ويصير عدم الاختلاط هو الأمر غير العادي، وهنا يكون ما بعد الاختلاط من الإفساد أهون وأسهل!









هـ- تشجيع ثقافة العُري للمرأة بين أفراد الأسرة، وتشجيع ثقافة التبرُّج والعري، والتعطُّر والزِّينة خارج البيت: لعلَّنا نبدأ هذا العنصر بسؤال: من أين للمرأة المسلمة بمظاهر التبرُّج والعُري والسُّفور من دون ذاك الجهاز الذي يبثُّ الغثَّ والسَّمين؟









وإنَّه مما زاد انتشار هذه الثَّقافة الغريبة عنَّا تلك المسلسلات القادمة إلينا من وراء البحار بثقافة غير ثقافتنا، فنجد الممثِّلين يتبارون في لُبْس أجمل الثِّياب، والأجمل في عُرف الغالبية من مصدِّري تلك السُّموم، هو ما يكشف أكثر مما يغطي جسم تلك البطلة، وما يتماشى مع الموضة هو الأنسب!









فتظلُّ تلك المراهقة مشدودة للبطلة بلباسها وأناقتها، معجبة بها، ولعلَّها تردِّد في سرِّها: ليتني هي!




ولا تتعلَّق ثقافة العُري بالخروج من المنزل، بل نجد اللِّباس القصير والضيِّق وغير اللاَّئق من لوازم أناقة الممثِّلة أمام محارمها أيضًا داخل البيت - حسب الدَّور الذي تلعبه في المسلسل - فتلبس البنت أمام والدها وأخيها ما لا يجوز أن تلبسه المسلمة أمام امرأة من بنات جنسها!









ولن يكتمل جمال البطلة دون الزِّينة التي تضعها على وجهها، ورشَّات العطر التي عليها أن تفوح وتترك أثرًا خلفها!









وبعد كل هذا تخرج وكأنَّ شيئًا لم يحدث! والوجهة جامعة لتدرس أو مكان لأداء وظيفتها، أو ربما مرقص أو مكان للقاء الحبيب!









وحين تتكرَّر الصورة من مسلسل لآخر، يصبح العُري ثقافة عادية، والتعطُّر والزِّينة قبل الخروج من مكمِّلات الأنوثة، ولا يهم إن كان أمام المحارم أو غيرهم، ولا يهم أيضًا إن كان داخل البيت أو خارجه، فنجد المراهقة تقتدي بجزءٍ أو أجزاء من تلك المشاهد المصدَّرة إلينا؛ لأنَّ ترسُّب الأفكار يولِّد لدينا التعوُّد والقَبول.









لقد عاد تصدير مثل هذه النَّماذج الدَّخيلة وتثبيتها في الأذهان مهمَّة سهلة جدًّا بوجود الإقبال الشَّديد من فتياتنا على هذه المسلسلات، فعوض أن ترى الفتاة نماذج من النِّساء المسلمات اللَّواتي يفتخرن بالحجاب والعِفَّة وحُسن الخُلق، فإنها ترى نماذج لنساء يتباهين بالموضة وعرض المفاتن، وما أبعد هذا عن ديننا وأخلاقنا العامَّة!









وديننا لا يمنع التزيُّن ولا الظهور بهيئة حسنة، لكنَّه يضع ضوابط لذلك، فلقد خلق الله عزَّ وجلَّ الإنسان في أحسن صورة وحباهُ من الصِّفات ما جعله في أحسن تكوين، وأتَم خلق، والإنسان بطبعه يميل إلى إضْفاء لمسات جمالية على خِلقته الأصلية، أوَّلها؛ الاعتناء بنظافة البدن، كالغُسل والوضوء وسُنن الفِطرة، ونظافةُ الملْبس والمكان.









على أنَّ الزِّينة بالنِّسبة للمرأة المسلمة تحكُمها ضوابط وتقيِّدُها شُروطٌ، نوجزُها دون تفصيل في: عدم التبرُّج وضرورة ستر الزِّينة، وعدم إظهارها إلا لمن تجوز له رُؤيتها، ومراعاة حدود الزِّينة أمام النِّساء، وألا ترتكب المرأة بزينتها حرامًا، وألا تتشبَّه بالكافرات وأهل الكتاب والفُسَّاق، وألا تتزيَّن بما فيه ضرر وبما يخالف الشَّرع - من الثَّوب الضيِّق أو الشفَّاف - وأن تتجنَّب لباس الشهرة، وتراعي الاعتدال وعدم الإسراف، مع حُسن القصد وعدم التغرير[4]، فأين بناتنا من هذه الضَّوابط؟!









و- الدعوة الصريحة لإقامة العلاقات المحرَّمة والتساهل في تكوينها وممارسة الزِّنا: أكاد أجزم أن في كلِّ مسلسل مدبلج علاقة محرَّمة أو أكثر، بل قد يُبنى المسلسل كلُّه على تلك العلاقة، وليس مسلسل العشق الممنوع ببعيد! فموضوع المسلسل الذي تدور حوله 165 حلقة يتحدَّث عن علاقة حبٍّ بين امرأة متزوِّجة وشابٍّ ربَّاه زوجها كبير السن بعد وفاة والديه!









وما هذا إلا غيض من فيض، والخطر أكبر حينما يحاولون إبراز الظَّاهرة لا على أنها مرض اجتماعي وَجَبَ محاربته، بل يجدُّون في اختلاق الأعذار لتصوير الذَّنب في صورة حبٍّ تلقائي، والإجهاض كحلٍّ مؤكَّد لعلاقات الزِّنا، والخيانة الزَّوجية كنتيجة حتميَّة للخلافات!









والحبُّ المزعوم كثيرًا ما يبدأ بتحرُّش جنسي يُقابل بالتَّرحاب من الطَّرف الآخر، وقد تعدَّدت مظاهره في هذه المسلسلات، فقد يكون التحرُّش الجنسي بحركات كنظرات ثاقبة تُذيب الحياء، أو لفظيا بإطلاق كلمات نحو المرأة توحي إلى ذلك أو تحرُّشًا جسديًّا باللَّمس، أو محاولة المداعبة، وهو تَعَدٍّ صريح على شرف المرأة.









فيُزيَّن هذا المنكر في عيون شبابنا، ولن يعود خدْشًا للفطرة السَّليمة، وانحصارًا لرداء الحياء، وإثارة محرَّمة للغرائز والرَّغبات، بل يصير القدرة على امتلاك قلوب الفتيات، أو التمكُّن من اصطياد الشَّباب، وإيقاعهم في الشِّباك!









2- نشر المعتقدات النَّصرانية والبوذية والعادات الغربية:




معتقدات نصرانية وبوذية وعادات اجتماعية، لا تَمُتُّ للمسلمين بصلة، نجدها ماثلة في جل المسلسلات الوافدة علينا من المكسيك والهند وأمريكا، بشكل يوحي أنها جزء من تفاصيل المسلسل، بيْد أنها ليست بريئة!









مثل ذلك أعياد النَّصارى واحتفالاتهم، والنَّتيجة مجاراة الكفَّار والكافرات في أعيادهم، وبالتَّالي تَضعُف عقيدة الولاء والبراء لدى المسلم، ولنصغي لكلام من لا ينطق عن الهوى، وهو يخاطب أُمَّته عليه صلوات من ربي وسلام، قائلاً: (((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى، قَالَ: ((فَمَنْ))[5].









وكم كثُرت المناسبات التي يقلِّد فيها المسلمون غيرهم؛ سواء التي تعلَّقت بالدِّين، أو بالتقاليد، وازدادت العقدة تعقيدًا حينما اعتُرف بهذه المناسبات كأعياد، والكثير يردِّد دون استحياء: إنَّه عيد رأس السَّنة، وإنَّه عيد الأمِّ، وإنه عيد الحبِّ! متناسين أن الأعياد من خصائص الأديان، والإسلام الذي ارتضاه لنا ربُّنا دينًا، قد أكمله وأتمَّ نعمته علينا، فكيف نبتغي الهدى ونرجو السَّلامة في غيره؟









3- الترويج للحصص الفنيَّة الهابطة والمنتجات الأجنبية، عن طريق الإشهار الذي يتخلَّل عرض المسلسلات:




لا شك أن الإشهار يأخذ حيِّزًا من وقت البثِّ التلفزيوني في مختلف البرامج التي تقدِّمها أي قناة، فماذا لو كان البرنامج مسلسلاً يستقطب عددًا هائلاً من المشاهدين؟









يبدو أنها فرصة لا تُعوَّض لعرض ما أمكن من منتجات أجنبية، فإن لم يكن منتجًا، فهو تذكير بموعد سهرة فنيَّة، ويستمر العفن في كل دقائق العرض من لحظة بداية المسلسل إلى آخره!









5- الترويج للغناء والموسيقا:




يبدو أن المسلسل لا يكتفي بعرض ما هو سلبي من القيم أثناء سير الأحداث فقط، بل إنه يروِّج للغناء والموسيقا عن طريق شارات البداية والنِّهاية لكل مسلسل، وما قد يتخلَّلُه من الأغاني المناسبة للموقف الرومنسي بين البطلين؛ حتى يحلو الكلام، ويندمج المُشاهد مع المشهد!









وماذا لو تابع المشاهد أغنية البداية والنِّهاية مائة مرة بدايةً ومائة مرة نهايةً خلال أيَّام العرض، الأكيد أنَّه سيحفظ الأغنية عن ظهر قلب، وربما حفظ نوتاتها أيضًا، وصار يُدندن بها من غير قصد!









6- التَّهوين من أمر التَّدخين والخمور والمخدرات:




كثيرًا ما تكون السيجارة رفيقة رجل الأعمال، أو تكون التعبير المباشر عن الغضب والقلق، وكثيرًا ما يُعاقر الرَّجل الخمرة في مشهد خليع، وقد تكون المخدرات السُّلوك الإرادي لنسيان الهموم والمشاكل، فتهون في نظر المشاهد هذه السُّموم مع كثرة تَكرارها في مشاهد المسلسل الواحد، فكيف إن تكرَّرت في أغلب المسلسلات!









7- الإجرام:




الإنسان ليس كائنًا يعيش بمَعزلٍ عن المجتمع، بل هو جزء منه يتأثَّر به ويؤثِّر فيه سلبًا وإيجابًا، ومن هنا فقد يتأثَّر المشاهد بما يراه من عنفٍ في محيطه وداخل مجتمعه، أو قد يتأثَّر بما تعْرضه وسائل الإعلام المختلفة من مشاهد تُروِّج للعنف وتُشجِّع عليه، وهذا ما نلفيه في كثير من المسلسلات المدبلجة، خصوصًا الأمريكية منها، فقد أكَّدت بعض الدِّراسات وجود علاقة بين وسائل الإعلام والسُّلوك الإجرامي، وذلك من خلال عرضها للصُّور الإجرامية عرضًا مُغريًّا مُشوِّقًا، يُسلِّط الأضواء على بعض أنواع الإجرام، ويُغري بارتكابها[6]، فيتولَّد العنف لدى الصَّغير ويكبر معه، أو كبيرا فيتقبَّله، إلى أن يكون طرفًا فيه.









يتبع...








[1] جلال سعد؛ الطُّفولة والمراهقة، دار الفكر العربي، القاهرة، ص229.




[2] عماد الدِّين خليل، قالوا عن الإسلام، النَّدوة العالمية للشَّباب الإسلامي، ط1، الرياض، 1412هـ/1992م، ص433.




[3] عبيد الرفاعي منصور، المرأة ماضيها وحاضرها، أوراق شرقيَّة للطِّباعة والنَّشر والتَّوزيع، بيروت، 1421هـ/2000م، ص167.




[4] ينظر: ازدهار بنت محمود بن صابر المدني، أحكام تجميل النِّساء في الشَّريعة الإسلامية، ط1، دار الفضيلة، الرياض، 1422هـ/2002م، ص92-117.




[5] صحيح البخاري، دار طوق النَّجاة، بيروت، 1422هـ، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله ﴿ وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [مريم: 16]، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، حديث رقم 3456، ج4، ص 169.





[6] خالد بن سعود البشر، أفلام العنف والإباحة وعلاقتهما بالجريمة، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 1426هـ/2005م، ص 09.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-04-2021, 01:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,600
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأثير المسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية

تأثيرالمسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية(2)
(فئة المراهقين أنموذجًا)







تعرَّفنا في الجزء السَّابق من الدِّراسة على مختلف القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة.





ونتعرَّف في هذا الجزء على الوسائل التي تُتَّخذ لجلب الجمهور العريض لتتبُّع هذه المسلسلاتبما في ذلك فئة المراهقين.






ثانيا: وسائل جلب المشاهدين:


يعمد المنتجون وأصحاب القنوات العارضة للمسلسلات إلى اتِّباع وسائل مختلفة من أجل جلب المشاهدين والتَّأثير فيهم، من أهمها:


1- العمل على انتقاء الممثِّلين انتقاء يعتمد على جمال الشَّكل والوسامة، فيكون البطل رشيق القدِّ أهيف القامة، وتكون البطلة من ذوات الحُسْن البارع كأنها دمية عاج، بدليل أنَّ مِن الممثِّلات في الدراما التركية مَن هُنَّ ملكات جمال تركيا، أو كنَّ من المتنافسات على اللَّقب، ومن الممثِّلين مَن هم مِن عارضي الأزياء! ناهيك عن توظيف المختصِّين في تسريحات الشَّعر وتزيين الوجوه ليزداد جمال النُّجوم جمالا، ويزداد تعلُّق المشاهد بأنواع الحُسن المصطنع!





2- إتقان لغة الصُّورة المرئية في شكلها النِّهائي بكل ما تحمله من العناصر الجزئية التي تساهم في إتمام العمل، من تصوير ومونتاج وإخراج، وعمل جماعي منسجم بين طاقم إعداد المسلسل.





3- دون أن نغفُل عن: عُمْر المسلسل الواحد، فعنه حدِّث ولا حرج! وليس من العبث في عقول من يدبِّر ويخطِّط، أن يكون المسلسل المدبلج الواحد ممتدَّا عبر أشهر من العرض اليومي، في جزء أو أكثر! فكلَّما طالت عِشرة المشاهد لشخصيات المسلسل الواحد، كلَّما زاد الرِّباط الذي يجمع بينهما، وحتى بعد آخر قطرة سُمٍّ تُبثُّ مُعلنة انتهاء المسلسل تبقى الذِّكريات قائمة تصحب المشاهد في لا وعيه، لتَظهر على تصرُّفاته من حيث يدري ومن حيث لا يدري!





ثم إنَّ المسلسل الواحد الذي يفرَع أترابه طولا، لن يجد مُنتِجوه سوى التَّدقيق في التَّفاصيل ليتمَّ العدد المنشود من الحلقات، وهذا بدوره يُساهم في رسوخ الأحداث لدى المشاهد.





4- دبلجة المسلسلات بلسان اللَّهجة الشَّاميَّة، آخذين بعين الاعتبار انتشار ونجاح الدراما السُّورية عند الجمهور العربي قبل الدراما المدبلجة، مما يسهِّل مهمة البثِّ من طرف القناة والاستقبال من طرف الجمهور.





5- القُدرة على المواءمة بين كلام الممثِّل بلغته الأم، واللَّهجة المترجم إليها، بالاعتماد على تطابق حركة الشِّفاه النِّهائية، والتي تُعرَض على الشَّاشة أخيرا، مما يُقرِّب المشهد من المُشاهد.





6- ومن أجل جلب الجمهور المشاهد أيضا، غُيِّرت عناوين بعض المسلسلات وأسماء بعض الممثِّلين، فلمَ يُغيَّر عنوان مسلسل تركي مدبلج يحكي قصَّة السُّلطان سليمان القانوني – مع تحفُّظي على المسلسل - من (القرن العظيم) إلى (حريم السُّلطان) إذا لم يكن لغاية ما!؟





إنَّني لا أرى سببا غير التركيز على الجانب العاطفي من حياة السُّلطان سليمان، ووضع لمسة أنثوية على أحداث المسلسل لحصد متابِعات أكبر!





وكثير من الأسماء الأجنبية للممثِّلين عُدِّلت إلى أسماء عربية، والهدف أيضا هو تقريب حياة أبطال المسلسل -بدءا من أسمائهم- إلى البيئة العربية، لتلقى قَبولا من طرف المشاهد العربي.





7- لجوء القنوات التي تعرض المسلسلات المدبلجة إلى البثِّ الحصري الذي يضمن لها التفرُّد بعرض المسلسل، فيتهافت عليه المشاهدون رغبةً في التميُّز بمشاهدة الحصري أيضا.





8- الدعاية للمسلسل الذي يسبق عرضه، ثم يتزامن مع بثِّه أيضا وبطريقة مشوِّقة، فيصير العمل الدرامي مُنتظرا باليوم والسَّاعة والدَّقيقة، ويصير لسان حال المدمن على متابعة المسلسلات: إن الغد لناظره قريب، فصبرًا جميلاً!





9- اتَّصل.. أجب عن الأسئلة... واربح... تلك طريقة أخرى للتَّرويج المؤسَّس للمسلسلات المدبلجة، إذ تُقام مسابقات عبر القنوات التي تَعرض لهذه المسلسلات، تدور أسئلتها حول أحداث المسلسل، بُغية كسب الجمهور المتابع، ينال فيها الفائز مبلغا من المال أو رحلة سياحية، مما يُضيف سببا آخر للمُشاهد لمتابعة الحلقات المعروضة، وبتركيز أكبر واهتمام أكثر!





10- إفراد المقالات والصُّور المتعلِّقة بأحداث المسلسل المدبلج وأبطاله، وصفحات أخرى لأخبار نجوم سماء الدراما المدبلجة، مع إمكانية التَّعليق عليها، وكل هذا عبر بعض المواقع التَّابعة لقنوات عرض تلك المسلسلات.





11- أضف إلى ما ذكرنا: التنوُّع الحاصل في عرض المسلسل، فنراه على شاشة التلفاز على تردُّد إحدى القنوات الأرضية أو الفضائية في وقته المعتاد والمعلن عنه، ولكي لا يبتئس من فاتته حلقة منه، فإنَّ أغلب القنوات تُبرمج إعادة ثانية للحلقة السَّابقة، ولعلَّ المشاهد العربي يُظهر ذكاء متَّقدا في مثل هذه المواقف، ويجد حلاًّ لمصيبته... عفوا، بل لفوات أحداث حلقة من مسلسله المفضَّل، فيقلِّب نظره في مختلف القنوات ليجد عرضا موازيا في قناة أخرى لمسلسله الذي أدمن عليه!





وربما أعيد المسلسل بأكمله في فترة لاحقة، إذا ما نال شهرة واسعة، فكل المسلسلات إذن تُقدَّم للمشاهد العربي على طبق من ذهب، ليس عليه سوى التفرُّغ للمشاهدة وضغطة زر!





12- أمَّا إن كان المشاهد يملك اتِّصالا بشبكة الإنترنت، ففُرص المشاهدة تُضاعف، لأنَّ أغلب حلقات المسلسلات ولا سيَّما المنتشرة منها، نُلفيها كاملة عبر مواقع بعينها مثل اليوتيوب وغيره، مما يسمح للمُتابِع بمشاهدة أو إعادة مشاهدة ما يشاء من حلقات، أو تحميل ما يريد من الحلقات لمتابعتها وإعادة متابعتها وإعادة إعادة متابعتها!





يتبع...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-04-2021, 01:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,600
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأثير المسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية

تأثيرالمسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية(3)
(فئة المراهقين أنموذجًا)
د. شميسة خلوي












تعرَّفنا في الجزء الأوَّل من الدِّراسة على مختلف القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة، ثم توقَّفنا في الجزء الثاني عند الوسائل التي تُتَّخذ لجلب الجمهور العريض لتتبُّع هذه المسلسلات بما في ذلك فئة المراهقين.





ونتحدَّث في هذه الأسطر عن عناوين المسلسلات وما تخلِّفه من آثار اجتماعية ونفسية.





ثالثا: قراءة في عناوين المسلسلات المدبلجة:


يعتبر بوَّابة المسلسل، والعتبة التي يلج منها المشاهد لأحداثه... إنَّه العنوان، تلك الكلمات التي تُطوِّق المسلسل، وتُتيح لنا فهما مُسبقا لحبكة أحداثه ومآلها، وتعطينا تصوُّرا عن شخصياته، لذلك لنا وقفة مع عناوين المسلسلات، لما لهذا العنصر من أثر في استيفاء عناصر الصُّورة التي رسمناها لموضوعنا.





ومن ملاحظاتنا المختلفة وتتبُّعنا لعناوين المسلسلات التي عُرضت وتُعرض على مختلف القنوات، فإنَّنا نلفي عناوين متنوِّعة تطبع المشهد الدرامي، ولكن رغم اختلافها فإنها لا تخرج عن أربعة أطر:


عناوين بمسمَّيات أبطال المسلسلات.


عناوين تدلُّ على الضَّياع والأحاسيس السِّلبية.


عناوين توحي بجمال الحياة والأحاسيس الايجابية.


عناوين تجمع بين نقيضين.





أ. عناوين بمسمَّيات أبطال المسلسلات:


إنَّ هذا النوع من العناوين يعمل على ترسيخ صفات معيَّنة تحت مسمى البطل أو البطلة، ولعلَّ هذا الأمر كان من الأسباب المباشرة التي أدَّت إلى انتشار أسماء بعينها بين المواليد الجُدد خلال فترات عرض بعض المسلسلات المدبلحة، كردِّ فعل للإعجاب بهذه الشخصيات.





وكثيرا ما تختار الأسماء أثناء دبلجة المسلسل بعناية فائقة ويُبدَّل الاسم الحقيقي إلى اسم آخر مناسب للبيئة العربية، مما يسهِّل رواجها بين المشاهدين، وكعيِّنة على ذلك نجد بين مسمَّيات المسلسلات التركية: نور، ميرنا وخليل، فاطمة، عاصي، جواهر، وغيرها كثير.





أما المسلسلات القادمة من أمريكا الشَّمالية فكثيراً ما يُحتفظ بأسمائها اللاَّتينية على شاكلة روبي وتريزا وماريا إيلينا وماريانا وماري تشوي، ومن الهند نسمع بسلمى ولالي، وطلَّ علينا الجنس الأصفر بدوره بعناوين ذات أسماء غريبة عنَّا بكل المقاييس، ورغم ذلك لاقت رواجاً وتتبُّعا ملحوظا مثل السَّاحرة يوهي وهانا كيمي!





من غير أن نتناسى الدراما الإيرانية التي تبثُّ مسلسلاتها تحت شعار الدِّين، وتحت مسمَّيات لا يجهلها أقل مطَّلع مِنَّا على قصص القرآن الكريم وسير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعرض حياة بعض الأنبياء والصَّحابة، فنجد: يوسف وأيُّوب -عليهما السَّلام- ومريم بنت عمران والإمام علي وابنه الحسن –رضي الله عنهما- وتبقى أعمالا تبشيريّة للمذهب الشِّيعي الإثني عشري، تحاول من خلالها السياسة الإيرانية استقطاب أبناء المسلمين من السُنَّة عبر عناوين المسلسلات التي تُعبِّر عن مضامين تاريخية محرَّفة تخدم مذهبهم.





فالعنوان في هذه الحالة إذن، يجعل المشاهد -ولا سيما المراهق- مشدودا لشخص معيَّن، بكل ما يحمله من صفات من خلال أداء دوره في المسلسل، أو يجعل المشاهد يتطلَّع لمشاهدة المسلسل إذا ما رُبط بسيرة أحد الأعلام.





ب. عناوين تدلُّ على الضَّياع والأحاسيس السلبية:


إنَّ هذا الصِّنف من العناوين له دلالات مباشرة عن حالات الضَّياع النَّفسي للفرد، مثل: العمر الضَّائع، سنوات الضَّياع، غربة امرأة، صرخة حجر، اللَّحن الحزين، لحظة وداع، رماد الحب، قلوب منسية، الغريب، رجل بلا قلب، المرأة الجافَّة، حدُّ السكِّين.





ولعلَّها هي الأخرى تُعدُّ منفذا لكل من يعاني من مشكلة مشابهة، بحيث يُسقط معاني أحداث المسلسل المختزلة في ذلك العنوان على حياته، فيتعلَّق بالمسلسل وأبطاله، ويحس أنَّ الشخصية تمثِّله وتُعبِّر عن أحواله، فينفصل جزئيا عن المجتمع ليُلقي بأحلامه وآماله على ما سيشاهده من تطوُّر في أحداث المسلسل.





لكن هناك ما هو أخطر من هذا، حين نتساءل: أي ضياع وأي ألم وأي حزن يقصدون؟


إنَّ المتتبع للمنحى الدرامي لمثل هذه المسلسلات يجد أن الحزن ينبع من خيانة صديق لصديقته، والضَّياع يتولَّد من عدم نجاح علاقة محرَّمة، والألم ينبعث من قلب شاب أخفق في امتلاك فتاة فاتنة!





فالعنوان في هذه الحالة إذن، يجعل المشاهد -ولا سيما المراهق- مربوطا بالحالة الاجتماعية أو العاطفية لأبطال المسلسل بكل ما تحمله من معاناة وآلام ومتاعب، والتي تسير في غير منحاها الصَّحيح.





ج. عناوين توحي بجمال الحياة والأحاسيس الايجابية:


تعبِّر هذه العناوين عن كل ما هو جميل من الأحاسيس الإنسانية السَّامية التي يحتاجها كل واحد منَّا، لكن هذه المشاعر الطيِّبة غالبا ما تأتي من العلاقات المحرَّمة، فيزيَّن الشُّعور الفطري الجميل في إطار من الخبث والمكر، مثل: ويبقى الحب، رباط الحب، زهرة الحب، قَصر الحب، طريق الصَّداقة، حُلم الشَّباب، الرَّجل اللَّطيف، شريك عمري.





فيرسخ اعتقاد لدى المشاهد المراهق الذي لم تصقله تجارب الحياة بعد، أنَّ الحب لا يأتي إلا عند لقاء حبيب بحبيبته بعد أن حُرم منها، ولا يُستلذُّ طعم الهناء إلا إذا تمرَّدت الفتاة على قيم مجتمعها وقرَّرت أن تربط مصيرها بمن أحبَّته رغم كل الصِّعاب، ولا يكون الاستقرار النَّفسي إلا إذا تصادقت المرأة مع رجل يعرف معنى الصَّداقة الحقيقية، ولا يعرف الرجل معنى الرومنسية إلا إذا أحاط بها صديقته قبل الزواج!





فالعنوان في هذه الحالة إذن، يقلب المعاني الحقيقية للقيم النَّبيلة ويحصرها في مواقف بعيدة عن ديننا وعن مجتمعنا كل البعد، فترتسم الدنيا أمام المشاهد بطريقة الآخر.





د. عناوين تجمع بين نقيضين:


ونأتي للفئة الرابعة، والتي يجمع فيها العنوان بين متناقضين، وليس التَّناقض هنا تناقض ضدٍّ معنوي خالص، وإنما هو نقضٌ للقيمة الإنسانية الأولى، فبعد أن يُدغدغَ الشُّعور بمعنى جميل من أوَّل كلمة في العنوان، تنهار القيمة مباشرة بعده، مما يدلُّ على تيه المتلقي بين جمال القيمة الشُّعورية واستحالة تحقُّقها في الواقع، وبهذا يختلُّ المؤشِّر العاطفي، خصوصًا إنْ كان المتلقي من صنف المراهقين يُعايش شعورا شبيها، مثل ذلك: الحب... المستحيل، الحب... المحرَّم، الحب... والحرب، الحب... والعقاب، الحب... الأسير، الحب... السيء، حب... وندم، العشق... الممنوع، الحلم... الممنوع، الحلم... الضَّائع.





فالعنوان في هذه الحالة إذن، يجعل من الحياة مقبرة للأحاسيس الجميلة، ويعمد إلى ترسيخ فكرة انعدام الحب بين الأفراد، واستحالة تحقيق الأحلام والآمال، وحين يصبح الفرد مؤمنا بهذه الفكرة فإنَّ نبع الأحاسيس الجميلة عنده ينضب، لعدم وجود من يبادله نفس الشعور، أو لنقل: لاعتقاده أن كل شيء جميل في الحياة لا بد أن يصطدم بالمستحيل وما يدور في فلكه.





وبنظرة عامَّة عن تلك العناوين -وبغض النَّظر عن تصنيفها- نجد أن كلمة (الحب) قد شغلت الحيِّز الأكبر منها، وتكرَّرت وبصيغ مشابهة، مثل العشق والهوى، مما يثبت ما ذهبنا إليه سابقا من كوْن العلاقات العاطفية هي أبرز الموضوعات التي تُعالجها الدراما المدبلجة الآتية من وراء البحار.





أما المسلسلات الأمريكية فيُحتفظ بأسمائها وبلغتها الإنجليزية غالبا، حتى لو كان المسلسل مدبلجاً صوتياً، خلافا للمسلسلات سابقة الذكر، والأمر لا يختلف كثيرا مع بقية أنواع الدراما الأخرى.





ونشير -ونحن نتحدَّث عن عناوين المسلسلات- إلى ظهور مصطلح جديد أصبح ينتشر بين فئات المراهقين والمراهقات كعنوان جامع، ويُدعى بالدراما المدرسية، وخُصَّت به المسلسلات الكورية واليابانية، بحيث يحاول أبطال هذه المسلسلات تصوير المحيط المدرسي، وكل ما يمكن أن يحدث لمراهقين ومراهقات جمعتهم أسوار الثَّانويات، من مشاكل وصعاب وحب وغيرة، في جو من الاختلاط المباح والصَّداقة "البريئة"!





يتبع...
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-04-2021, 01:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,600
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأثير المسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية

تأثيرالمسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية(4)
(فئة المراهقين أنموذجًا)
د. شميسة خلوي



لقد تحدَّثنا في أجزاء سابقة من الدِّراسة عن مختلف القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة، ثم توقَّفنا عند الوسائل التي تُتَّخذ لجلب الجمهور العريض لتتبُّع هذه المسلسلات بما في ذلك فئة المراهقين، وتتبَّعنا بعد ذلك عناوينها موضِّحين ما تخلِّفه من آثار اجتماعية ونفسية لدى المشاهد.

ونأتي في هذه الأسطر إلى بسط الجزء التطبيقي - الذي يسبق الحلول المقترحة - كدعامة أساسية لما ذهبنا إليه في الأجزاء السَّابقة من البحث، ومنه فسَّرنا الظاهرة وأعطينا أحكامًا وحلولاً.

لقد قُمنا بدراسة إحصائية اتَّبعنا فيها منهج مسح جمهور المسلسلات المدبلجة من المراهقين، من خلال توزيع استبيانات ميدانية كأداة رئيسة لجمع المعلومات على (200) مراهق ومراهقة كعيِّنة عشوائية من تلاميذ المدارس الثَّانوية بالجزائر.

وقد تنوَّعت عيِّنة الدِّراسة بين الذُّكور والإناث، وإن كانت نسبة الإناث أكبر نظرا لاكتساحهن صفوف المرحلة الثَّانوية على حساب الذُّكور، بحيث بلغ عدد المتمدرسات ما نسبته 72.5٪ وبلغ عدد المتمدرسين 27.5٪ من مجموع العيِّنة المدروسة.

وتراوح سن التلاميذ الذين طُبِّق عليهم المسح، ما بين خمسة عشر سنة وعشرون سنة؛ لأنَّ العيِّنة وُزِّعت على تلاميذ المستويات الثلاثة في المرحلة الثانوية، السنة الأولى والثانية والثالثة.

كما عمدنا إلى تنويع التخصُّص الدراسي لهؤلاء التلاميذ ما بين الشُّعب العلمية والشُّعب الأدبية، لتكون النتائج معبِّرة عن فئة المراهقين المتمدرسين بالثَّانويات بصفة عامة.

إضافة إلى اعتمادنا على أسئلة لها أجوبة اختيارية بـ (نعم) أو (لا)، وأسئلة أخرى سجَّلنا فيها الاحتمالات المتوقَّعة وتركنا للتلميذ اختيار ما يُناسب حالته، وأسئلة أخرى طُلب فيها من التلميذ أن يجيب عنها كتابيا بُغية التَّعبير عن وجهة نظره أو أحاسيسه.

فيا ترى ما هي أهم النَّتائج التي خرجنا بها من دراسة الاستبيانات؟
سنحاول عبر هذه النِّقاط التالية أن نلخِّص أهم ما استطعنا أن نتبيَّنه من خلال دراسة متأنية لإجابات التلاميذ المختلفة:
1- إن أكثر القنوات التي يُدمن عليها شبابنا لمتابعة أغلب المسلسلات المدبلجة هي مجموعة قنوات مركز تلفزيون الشَّرق الأوسط المعروفة باسم: (mbc) وما أطلق من قنوات تابعة لها، والتي تبثُّ برامجها من مدينة دبي للإعلام، والمتمثِّلة حسب نتائج الاستبيانات في: mbc، mbc4، mbc drama، mbc2، mbc max، mbc action، إذ بلغت نسبة تتبُّع المسلسلات المدبلجة عبر هذه القنوات ما نسبته 60.5٪ من مجموع القنوات التي تُلتقط بالجزائر.

بينما حلَّت قناة أبو ظبي الأولى وأبو ظبي دراما في المركز الثاني بنسبة 23.5٪ تليها قناة زي ألوان بنسبة 6.5٪ ثم القناة الجزائرية الثالثة بنسبة لا تتعدى 3٪، بينما كانت 3٪ المتبقية موزَّعة بين القنوات: نسمة، دبي، 2m، fox.

2- لقد استطاعت المسلسلات التركية المدبلجة أن تستقطب أكبر عدد من المتابعين على حساب الهويات المختلفة لبقية المسلسلات، بحيث استحوذت على ما نسبته 36٪، ثم تليها المسلسلات الهندية بنسبة 20.5٪، ثم المسلسلات الأمريكية بنسبة 15.5٪، لنجد بعدها المسلسلات الكورية بنسبة 15٪، وأخيرا المسلسلات المكسيكية بنسبة 13٪.

مع الإشارة إلى أنَّ النسبة الأكبر من المتتبعين للدراما التركية تقع بين الفتيات بخلاف الذكور الذين يفضل أغلبهم متابعة المسلسلات الأمريكية مع القلة من الفتيات أيضا.

وهذا ليس مختصا بالجزائر فحسب، فآخر نتائج بعض الاستفتاءات توحي بأن الدراما التركية هي المتصدِّرة للمشهد عربيَّا!

فبالرجوع لأشهر القنوات العربية التي تبثُّ المسلسلات المدبلجة (mbc) نجد أنها استرعت اهتمام ما يُقارب سبعة ملايين صوت عربي قام بالتَّصويت للأفضل عام 2013م على موقعها الرسمي، وفيها تنافس (140) نجما -كما شاعت تسميتهم- عربياًّ وتركيًّا وكذا (40) مسلسلا ما بين عربي ومدبلج، ليُتوَّج في الأخير مسلسل تركي ويتصدّر القائمة.

3- حسب نتائج الاستبيان بلغ عدد المسلسلات المشاهدة ما بين مسلسل واحد إلى أربعة مسلسلات يوميا لكل واحد من التلاميذ، ومعلوم أن أسئلة الاستبيانات تمحورت حول المسلسلات المدبلجة، فماذا لو أضفنا إليها المسلسلات العربية؟!

4- من خلال سبر آراء التلاميذ حول الحالة النَّفسية التي تنتابهم إذا ما فاتتهم حلقة من حلقات مسلسلهم المدبلج المفضل لديهم، وجدنا ما نسبته 60٪ ما بين متضايق وغاضب وحزين والإحساس بفقد أمر ما، بينما أبدت النسبة الباقية والمتمثلة في 40٪ عن عدم اكتراثها.

لكن هذه النِّسبة التي توحي مبدئيا بعدم الاكتراث حيال فوات الحلقة، جعلتنا نُفتِّش عن أسباب عدم الاهتمام المتناقض مع الإقبال على المتابعة، فوجدناها في الخيارات المتاحة التي تمكِّن مَن فاتته الحلقة من متابعتها من جديد أو معرفة ما حدث خلالها، بحيث يقوم 43.5٪ من العيِّنة المدروسة بالتَّواصل مع من تابع الحلقة لمعرفة ما حدث، مما يؤكد إقبال من حولنا على مشاهدة هذه المسلسلات وسهولة ايجاد من تابع الحلقة، في حين بلغت نسبة من يشاهدون الحلقة التي تلي الحلقة التي لم يشاهدوها لفهم ما حدث حوالي 35٪، وهذا يعني أنه بالإمكان تجاهل حلقة كاملة لكثرة التفاصيل التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وهذا من أسباب إطالة المسلسل إلى عشرات الحلقات.

ويقوم آخرون بتحميل الحلقة عبر الأنترنت لمشاهدتها وهو ما يعادل 19٪ من المجموع الكلي، خصوصا إن كانت الحلقة الأخيرة، فالخبر ليس كالمعاينة! ويعتمد البقية على مشاهدة الإعادة التي تبثُّها نفس القنوات للحلقة بما نسبته 2.5٪.

5- يؤثر تتبُّع المسلسلات المدبلجة على العبادة بشكل ملحوظ، بحيث سجَّلنا ما يعادل 48.5٪ من مجموع العيِّنة يكملون مشاهدة ما تبقى من المسلسل رغم دخول وقت الصلاة وسماع صوت الأذان، و41٪ منهم يقطعون تتبعهم للمسلسل ويصلُّون، بينما يجد 4٪ منهم مخرجا أثناء عرض الإشهار بغية أداء الصلاة ثم الرجوع لمتابعة الحلقة، وبنفس النسبة سجَّلنا مَن لا ينتبه أصلاً لرفع الأذان حين تكون جوارحه كلها متَّصلة بالمسلسل وأبطاله وأحداثه، إضافة إلى 3٪ من التلاميذ لا يصلون أصلا.

بينما نجد ما يعادل 44.5٪ من العدد الإجمالي للعيِّنة يشاهدون المسلسلات المدبلجة في شهر رمضان، مما يؤثِّر سلبا على العبادة في شهر الصِّيام بإطلاق النَّظر والسَّمع لما حرَّم الله، وقد استرعت انتباهي وجود بعض التعليقات التي لم أطلبها منهم على شاكلة تكرار (نعم) للدلالة على استحالة مرور شهر رمضان دون تتبُّع المسلسلات المدبلجة، أو مثل: (أكيد) أو كقول أحدهم: (إذا لم أتابع المسلسلات في رمضان كيف أقضي على الوقت!).

6- يؤثر تتبُّع المسلسلات المدبلجة بشكل جليٍّ على المردود الدراسي أيضا، بحيث يفضِّل التلميذ الجزائري متابعة الحلقة أولا ثم إنجاز الواجبات المنزلية ثانيا، إذْ بلغت نسبة هذا التفضيل 65٪، ونلفي 16.5٪ منهم ينجزونها قبل بداية الحلقة، للتفرُّغ التَّام للمتابعة، بينما نجد 14.5٪ منهم يتركون واجباتهم لقُبيل تقديمها، أما ما تبقى فيلجؤون إلى الاعتماد على حلول زملائهم.

7- تعدُّ الأسرة المنبع الأوَّل لتفشي ظاهرة الإدمان على متابعة المسلسلات المدبلجة بدليل وجود من يُتابع المسلسل مع المراهق كالإخوة والأخوات والأم التي يُفترض أن تكون القدوة، ثم المحيط الدراسي بالتفاهم مع الزملاء والزميلات.

وبلغة الأرقام سجَّلنا 42.5٪ من العيِّنة المدروسة يشاهدون المسلسلات المدبلجة مع الأخوات والإخوة، و32٪ منهم يشاهدونها رفقة الأمهات، كما يتَّفق جزء منهم مع زملائهم لمتابعة الحلقات بما نسبته 9.5٪، وتتَّفق مجموعة أخرى مع الأصدقاء من غير زملاء الدراسة وكذا الجيران بمعدل 8.5٪، في حين يفضِّل 5٪ من المشاهدين المراهقين تتبُّع المسلسلات المدبلجة بمفردهم، ونجد مرافقة الأب أمام الشاشة الصغيرة في ذيل القائمة بما نسبته 2.5٪.

وقد تجمع بعض الحالات السابقة، فيَجمع المسلسل المدبلج الأم والبنات مثلا، أو الأم مع البنات وبالاتِّفاق مع الجارات، وهكذا.

8- بطرح سؤال جوهري على التلاميذ المعنيين بالاستبيان قلنا: هل لهؤلاء الأبطال وجود في حياتك ومجتمعك؟ فكانت النِّسب متفاوتة بين من يقول: (لا) ومن يقول: (مستحيل) بما نسبته 39٪، وبين من يقول: (لا أدري) بنسبة 36٪، بينما اعتبر 25٪ منهم أن هذه الشخصيات (موجودة في حياتنا).

9- ولأن حق الوالدين قُرن بحق الله تعالى علينا حاولنا معرفة مدى تجاوب المراهق مع نداء والديه وقضاء حوائجهما أثناء عرض المسلسل المدبلج، فكان ما نسبته 76.5٪ من الفئة المدروسة يأتمرون بما يطلب الوالدان ثم يعودون إلى متابعة الحلقة، و20.5٪ منهم يكملون الحلقة ثم يقومون بما طُلب منهم، و3٪ منهم لا ينتبهون أصلا لنداء الوالدين.

وهناك بعض التعليقات التي لم أطلبها ووجدتها في هذا العنصر، مثل قول إحداهن -كتابةً-: (إن كان والدي هو الذي يناديني أأتمر بأمره أما والدتي فأنتظر حتى آخر لقطة من الحلقة!).

بينما كان تعليق آخر يقول: (إن كان الطلب يُنجز داخل البيت أنجزه وأعود لمتابعة الحلقة، أما إن تطلَّب الخروج من البيت فلن أخرج حتى انتهاء الحلقة!).

10- من أهم الأسئلة التي تكشف لنا لمَ يُدمن المراهق على متابعة المسلسلات المدبلجة، هو قولنا في إحدى أسئلة الاستبيان: ما هي الشخصية التي تمنيت أن تكون أنتَ/أنتِ؟ وما الذي يعجبك في هذه الشخصية؟

فكانت مجموعة من القيم التي يفتقدها المراهق أو يسعى لتحقيقها في شخصيته أو التي انعدمت في محيطه، ووجدها من خلال أبطال المسلسل، ونلخصها في: الجمال، حنان الأم، الحب، الصَّبر، الثِّقة بالنفس، مواجهة مصاعب الحياة، الصَّراحة، الجرأة، تحمُّل المسؤولية، التَّسامح، الطيبة، حب الوطن، الشَّجاعة، القوة، وكلها حسب ما نلاحظ قيم ايجابية في ظاهرها، لكن أي حب وأي ثقة بالنفس وأي جرأة يسوِّقونها لشبابنا؟

إن الإطار الذي يجمع هذه الصفات خاطئ من أساسه، فقد يكون الحب بين امرأة ورجل أجنبي عنها وقد تكون الجرأة لفتاة في مواقف غير أخلاقية –وهذا ما تناولناه في عنصر سابق من البحث.

ولكن هنا نطرح السؤال: ألا توجد نماذج صالحة للاقتداء حتى يصبح البطل فلان رمزا للحب، والبطلة فلانة رمزا للثِّقة بالنفس وهلم جرا؟ إنه باختصار فقدان القدوة لدى المراهق!

ومن ذلك أيضا قيم دخيلة قلبًا وقالبًا، ألفيناها في عداد أسباب التعلُّق بأبطال تلك المسلسلات - حسب نتائج الاستبيانات دائما - كاتِّباع الموضة، واللِّباس العصري الفاضح، وطريقة العيش، وحب أكثر من حبيب، والقدرة على كسب قلوب الفتيات، وطريقة كبت مشاعر الحب اتجاه الزميلة في العمل، واللَّطافة في الحديث مع النِّساء، والتَّضحية من أجل العشيق، وطريقة الايقاع بشاب غني رغم فقر البطلة، وأغرب إجابة رثيت لحال صاحبتها كانت: لأن حبيبها هو مهنَّد!

ومن ذلك أيضا حالات عبَّرت فيها بعض التلميذات عن رغباتهن المكبوتة والتي انعكست في صورة البطلات، مثل قول بعضهن: البطلة نحيفة والسَّبب أنها هي نفسها بدينة وتتمنى أن تكون رشيقة القدِّ، وقول أخرى: البطلة طبيبة، والسبب أنها هي من ترغب أن تصبح طبيبة!

والقِلَّة القليلة والتي تعدُّ على أصابع اليد الواحدة ردَّدوا قائلين: أنا تعجبني شخصيتي ولا أريد أن أكون صورة طبق الأصل لشخصية منهم.

11- حاول التلاميذ تذكُّر عدد المسلسلات التي تابعوها طيلة حياتهم التي لا تتعدى العشرين سنة، فكانت العشرات!

12- الفتيات أكثر متابعة للمسلسلات المدبلجة مقارنة بالذكور نظرا لوجود برامج أخرى تستميلهم مثل مباريات كرة القدم وكثرة الخروج من البيت.

13- أغلبية المسلسلات المدبلجة يتخلَّلها إشهار، مما يُساهم في توسيع دائرة القيم الدخيلة المتنافية مع الإسلام، فالإشهار يكون ترويجا للمنتجات الأجنبية أو منتجات محلية بوجوه وأجسام أجنبية، أو إشهار لحصص فنية، فإلى أين المفر؟

لكن النُّفور من الإشهار لحدِّ الكره هو النُّقطة الوحيدة التي عليها شبه إجماع من طرف العيِّنة المعنية بالدراسة، بسبب قطعها لذلك التآلف والتعايش الجميل بين الأحداث والمشاهد.


هذا هو الدَّاء... فكيف تكون أولى خطوات العلاج؟!


يتبع...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13-04-2021, 01:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,600
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأثير المسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية

تأثيرالمسلسلات المدبلجة على الأسرة العربية(5)
(فئة المراهقين أنموذجًا)
د. شميسة خلوي






لقد تحدَّثنا في أجزاء سابقة من الدِّراسة عن مختلف القيم غير الإسلامية التي تمرَّر عبر المسلسلات المدبلجة، ثم توقَّفنا عند الوسائل التي تُتَّخذ لجلب الجمهور العريض لتتبُّع هذه المسلسلات بما في ذلك فئة المراهقين، وتتبَّعنا بعد ذلك عناوينها موضِّحين ما تخلِّفه من آثار اجتماعية ونفسية لدى المشاهد، وبعدها بسطنا الجزء التطبيقي الذي تمثَّل في دراسة إحصائية اتَّبعنا فيها منهج مسح جمهور المسلسلات المدبلجة من المراهقين، من خلال توزيع استبيانات ميدانية كأداة رئيسة لجمع المعلومات على (200) مراهق ومراهقة كعيِّنة عشوائية من تلاميذ المدارس الثَّانوية بالجزائر.



ونقترح في هذه الأسطر بعض الحلول التي رأينا فيها أُولى خطوات العلاج لهذا الدَّاء.



رابعا: المقترحات والتوصيات:

ليس ديْدننا أن نبكي على اللَّبن المسكوب فنعلِّل الأسباب وننقد الظروف ونلقي التبعة واللائمة على الآخرين، ثم نسكت، فنزيد طابور المتفرّجين على التلوُّث الإعلامي متفرِّجا آخر!



وليس من عادتنا أيضا أن نُتقن حركة إدارة الظهور للمشكلة ظنًّا منَّا أنها لا مشكلة، حيث ندرك يقينا أن الاعتراف بوجودها هو أوَّل خطوة في طريق حلِّها ولو كان الطريق بطول ألف ميل!



وإنما نحاول بسْط جُهدنا المتواضع قدر ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، مدركين أن للباطل جولة ثم يضمحل مهما طال الزمان به، وعليه، ما لنا إلا عرْض مجموعة من المقترحات التي نتمنى أن ترى نور الحياة، منها ما هو موجَّه للقائمين على القنوات الفضائية ووزارات الإعلام والاتِّصال في الدول العربية، ومنها ما يخصُّ المؤسَّسات الفاعلة في المجتمع كالمدرسة والمسجد والجمعيات الناشطة، ومنها ما هو موجَّه لرجال الأعمال من أبناء المسلمين، ومنها ما هو موجَّه لأفراد الأسرة، ولأن التغيير يبدأ من الفرد أوَّلا، سنستهل الاقتراحات بما يتعلَّق بالفرد، ثم نتدرَّج للبقيَّة.



1. ما تعلَّق بالفرد والأسرة:

إن آفاق التغيير المنشود للإنسان يبدأ من داخله، من نفسه أولاً، ثم ينعكس على حياته كلها قولا وعملا، ليتعدَّاه ويؤثِّر في مَن حوله ثانياً، هذا التغيير الذي ننشده يُعدُّ سُنَّة من سُنن الله في خَلقه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، لهذا الاعتبار فإنَّ رغبتنا في رؤية مجتمعا تسوده الأخلاق السويَّة يحملنا على أن نتَّسم بها نحن ثم دعوة باقي المجتمع إليها.



لذا فالأوْلى أن نبدأ بأنفسنا ونجعل بيننا وبين هذه المسلسلات سدَّا منيعا، فلا نقرب الأذى، كي لا تتلوَّث عقولنا ونكون من النَّادمين، وهذا ما يسمى بتفعيل قيم الضَّبط الذَّاتي والتِّلقائي، وهو ينبع من نفس المسلم بدافع وقناعة ذاتية، فلا أحد يمكن منعه إن أراد التملُّص من كريم الأخلاق وهو منفرد في غرفة أمام جهاز التلفاز إلا ضميره ووعيه الكامل أنها خطوة خاطئة.



أما إذا كان الفرد هو رب أسرة، فالمسؤولية تتضاعف وتنتقل من صفتها الفردية إلى صفتها الجماعية، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالمرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[1]، والشَّاهد أن الرجل راعٍ على أهل بيته، بتعهُّده لهم بكل ما يُصلح حالهم ويُقيمه، وصيانته لهم من التعرُّض لكل ما يحيدهم عن الطريق القويم، وفي ذلك وقاية لهم من سوء العاقبة، يقول عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].



وعليه، فربُّ الأسرة هو من يسمح أو يمنع بوجود القنوات بشتَّى أشكالها وأنواعها في بيته، وهو الذي يُوجِّه وينتقي ما يصلح لأبنائه المراهقين، وهو من يجلس معهم ويحاورهم ويميط اللِّثام عن أهداف الغرب ودعاتهم لكي تَثْبت هذه القيمة الأخلاقية في نفوس الأبناء، ولا يتحيَّنون الفرصة بعيدا عنه ليُتابعوا البرامج الهدَّامة.



والأم راعية في بيت زوجها، بتقديم تربية إيمانية سلوكية صحيحة لأبنائها، فهي راعية على عقول بناتها، ترشدهن وتوعيهن بما يحاك لأمة الإسلام، لتُكوِّن أسرة مسلمة آمنة، فالأم هي منبع صلاح الأمَّة، ولعلَّنا نردِّد ونُعيد:



لَيْسَ يَرْقَى الأَبْنَاءُ فِي أُمَّةٍ مَا

لَمْ تَكُنْ قَدْ تَرَقَّتْ الأُمَّهَاتُ






فلا يكفي رعاية الأبوين لأجسام صغارهم بتوفير الأكل والشُّرب واللِّباس، بل لا بد من رعاية العقول وتنشئة الأبناء على محاسن الأخلاق لتثمر خيرا للمجتمع، ولا بأس بشيء من الشدَّة، لأن الحزم في هذه الأمور يُرجى منه حُسن العاقبة، «فإنَّ المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلِع الوسخ إلا بنوع من الخشونة؛ لكن ذلك يُوجب من النَّظافة والنُّعومة ما نحمد معه ذلك التخشين» [2]، لذلك نرى أن تفعيل مراقبة الوالدين مُهمٌّ جدًّا في عصر صار العالم قرية صغيرة، فللَّه در أبوين أحسنا صنيعا!



لكن، ماذا لو كانت الأم هي أوَّل من تجلس أمام التلفاز لتُتابع حلقة جديدة من مسلسل سَلْسَلَ عقول أفراد العائلة كلِّها؟

وماذا ننتظر من بنت ترى في أمِّها قدوة وهي تُتابع الميوعة المعروضة في هذه المسلسلات وتشجِّعها؟

وماذا نقول عن أبٍ يشتري لابنته ما تراه على جسم نجمة مُسلسلها المفضَّل؟



لا نرى ونقول إلا كما قال الشاعر:



إذا كَانَ رَبُّ البَيْتِ بالدفِّ ضَارِبًا

فَشِيمَة أهْلِ البَيْتِ كُلِّهِمُ الرَّقْصُ!






من جهة أخرى، فإن الفرد منَّا يمكنه إحياء شعيرة النهي عن المنكر وتقديم النَّصيحة لكل من يُدمن مشاهدة العفن الذي تقدِّمه المسلسلات عبر وسائل إعلام يحكمها أناس من بني جلدتنا.



إنَّ النَّهي عن المنكر هو علاجٌ ناجع للأمَّة لما وقعتْ فيه من دركات المنكرات، فنحن أمَّة وصفها ربها بالدَّعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].



ولن نُغادر هذا العنصر دون وقفة لا بد منها، ولعلِّي أجعل لها شعارا: (ما أفقده من حب وحنان في بيتنا أعوضِّه في بيوت أبطال المسلسلات!)



نعم أيَّتها الأم، نعم أيُّها الأب، إن حرمان الابن أو البنت من الحنان داخل الأسرة يجعلها تبحث عنه في أي مكان آخر وبأي طريقة كانت، وقد يكون المسلسل الذي تحرص على متابعته ابنتك سببه هو تعويض ذلك النُّقص العاطفي الذي حُرمت منه، لذلك وجب على الأبوين التفطُّن لمثل هذا الأمر.



كما نلفت انتباه الأبوين لمحاولة ملأ أوقات أبنائهم بما ينفع، كصرف أوقاتهم في أداء واجباتهم المدرسية وإدماجهم ضمن حلقات تحفيظ القرآن الكريم، والمطالعة النَّافعة، وممارسة الرياضة والمساعدة في أداء الأشغال المنزلية، فأنى لهم بعد هذا التفكير في متابعة الرَّخيص من المسلسلات وقد استهلكت فيهم كل فائض من الطاقات؟



ولعلنا نشير ها هنا إلى أنَّ الأم قد تكون في ذاتها تعيش فقراً عاطفياً وتحتاج لحنان زوجها، وتشتاق لكلمات حب تزيِّن حياتها، فتبدأ بمتابعة قيس زمانه، وتُعجب بمن يقوم بالدور الذي أهمله زوجها كنوع من التَّعويض، وحينها يغدو الوهْم بلسما! وهنا نقول: أيُّها الزوج المسلم، ألا بداراً لحب تغدقه على من صافيتها الود، ولا تتعلَّل بالمشاغل أو الملل، فإن ذلك من أقبح الأعذار.



ونأتي الآن للجهد الجماعي الذي نراه مُهِمًّا ومكمِّلا للجهد الفردي المذكور آنفاً:

2. ما تعلَّق بالقائمين على القنوات الفضائية الإسلامية ووزارات الإعلام والاتِّصال:

إنَّ دور القائمين على القنوات الفضائية وكذا وزارات الإعلام والاتِّصال هو بالأهمية ما يجعلنا نؤكِّد على ضرورة صرف الجهود لإقناعها بتدارك بعض الأمور التي تُساهم في نشر القيم الدَّخيلة على مجتمعاتنا، لذلك فإنَّنا ندعوهم إلى:

أ. فرض ضوابط وقوانين رقابية على كل منتوج إعلامي يبُثُّ أخلاقا تتعارض مع الإسلام وتتنافى مع الهويَّة العربية وتبتعد عن الأخلاق العامة، لأن هناك من يكتفي بتفعيل مقص الرقابة حين يتعلَّق الأمر بمشاهد الرذيلة التي يُقام عليها الحد! أما ما دون ذلك من مقدِّمات فالأمر هيّن، وما هو عند الله بهيِّن، أفلا يعقلون!



أما القنوات الإسلامية الفاعلية على السَّاحة، فندعوها إلى:

ب. تنظيم حملات إعلامية إرشادية توعوية تبيِّن خطورة تسريب القيم الدخيلة على مجتمعاتنا، والتي تروِّجها المسلسلات المدبلجة.



3. ما تعلَّق بالمؤسَّسات الفاعلة في المجتمع كالمدرسة والمسجد والجمعيات النَّاشطة:

هي مؤسسات فاعلة في المجتمع يرتادها الكبير والصغير، المتعلِّم والأمي، تساهم كل واحدة منها في بناء لبنة من لبنات صرح الأمة، إنها منظومة المدرسة والمسجد والجمعيات.



أ. المدرسة: إنَّ التعليم رسالة قبل أن يكون وظيفة، كونه من مهام الأنبياء؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].



ويعتبر المعلِّم الحجر الأساس في العملية التعليمية والتربوية التي يتلقَّاها المتعلِّم، والمستأمَن على عقول أبناء المسلمين، ولعلَّ دوره قد يفوق دور أقرب الأشخاص للمتعلِّم، فأثره يمتد إلى خارج أسوار المدرسة، فإذا ما نبَّه إلى الخطر الذي يأتي من تلك المسلسلات، يكون بذلك قد ساهم في التوعية الجماعية، ولن يعْدم المعلم الوسيلة لتوصيل ما يريد لتلامذته، وإلا كيف يكون المعلِّم كما وصفه الشاعر:



قُمْ للمُعلِّم وَفِّهِ التَّبْجِيلا

كَادَ المُعلِّمُ أنْ يكُونَ رَسُولا






ب. المسجد: لقد عُدَّ المسجد قاعدة الحضارة الإسلامية منذ أقام عليه الصلاة والسلام أوَّل مسجد في الإسلام، وليست الصلاة وظيفته التي لا يحيد عنها، بلْه هناك وظائف أخرى تُسند له، أو بالأحرى لمن يتولاه، إنها التوعية والإرشاد، وتصحيح المفاهيم والتنبيه على المنكرات التي تفشَّت في المجتمع، ومن ثمة فعلى المسجد أن يقوم بدوره في التوجيه الدِّيني فيما يخص التَّنبيه على انتشار المسلسلات المدبلجة التي أصبحت المادة الرائجة في حديث الأطفال والكبار.



ج. الجمعيات الناشطة: تعرف الدول العربية نشاط المئات من الجمعيات الثَّقافية، والتي تضمُّ إليها شبابا من مختلف الأعمار والمستويات، فحبَّذا لو استُغلَّت هذه التجمُّعات في الإرشاد لمغبَّة الإدمان على متابعة المسلسلات المدبلجة.



4. ما تعلَّق برجال الأعمال المسلمين:

نعمة المال من نِعم الله العظيمة التي منَّ الله بها على عباده، يقول عز وجل: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، وقد جبل الله النُّفوس على حب المال يقول جلا وعلا: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20].



وقد جعل الله المال سبيلاً لعمارة الأرض وفعل الخيرات، لذا فعلى من رُزق هذه النعمة أن يُنفق منها، وما أكثر الأبواب التي يُرجى وُلوجها من قبل مُلاَّك الأموال، خدمة للإسلام والمسلمين!



لذلك ندعو رجال الأعمال من المسلمين للمُساهمة في مشروع تجسيد قنوات ملتزمة، والمشاركة في دفع تكاليف المسلسلات البديلة التي يمكن أن تسد الثَّغرات القائمة في الإنتاج الإعلامي الإسلامي.



5. ما تعلّق بالعلماء والدُّعاة:

إن الدُّعاة من علماء ومشايخ لهم الأثر الكبير في تصحيح الرُّؤى وتقويم المعوَجّ من أخلاق المسلمين، والتَّنبيه على ما يُفسد النُّفوس، والإشادة بما ينفع العباد والبلاد، وما أعظم مدح الله للداعية القائم بأمور الدعوة إلى الله! يقول عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].



والدُّعاة هم أولى الناس بمخاطبة هؤلاء الذين يَعْرضون عقول أبناء الأمَّة للتخدير الخارجي، وذلك بنصح القائمين على القنوات التي تعرض المسلسلات الهابطة، إذا وُجد لطريقهم سبيل...



أمَّا إذا لم ينفع النُّصح فالحلُّ لا أراه إلا في الفضْح!



على الدُّعاة والمشايخ فضح القنوات التي تريد بالإسلام شرًّا والتحذير منها ومن القائمين عليها، وليس في ذلك مجاهرة بالسُّوء وإشاعته، وإنما فضحٌ لأساليب غزو المبادئ الإسلامية، نقَل ابن حجر عن ابن العربي وهو يتحدَّث عن السِّتر على النَّفس قوله: «هذا كلُّه في غير المجاهر فأمَّا إذا كان متظاهرا بالفاحشة مجاهراً فإني أحب مكاشفته والتبريح به لينزجر هو وغيره» [3]، وهل بعد نشر الرذيلة والفسوق عبر ترويج مسلسلات بياعي الهوى بعدٌ عن المجاهرة بالمعصية! وهل هناك أرذل ممن يبغون أن تشيع الفاحشة بين المسلمين؟!



يجيبنا ربنا في سورة النور التي وضعت منهجاً رائداً لحفظ المجتمع الإسلامي من الرذائل وانتشارها، يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].



6. ما تعلَّق بأهل المهنة:

إن كل واحد منا ميَّسر لما خلق له بما وهبه الله من إمكانات تجعله يتفوَّق على أقرانه فيها، ولأنَّ لكل مجال رواده، فإن الأمر لا يختلف إذا كان حديثنا عن الفن الملتزم وأهله، ومنه وجب التنبيه لضرورة توجيه بعض الاقتراحات للعاملين في مجال القنوات والإنتاج الفني الذي يكتسي الطابع الإسلامي، والتي اختصرناها في ما يلي:

أ. العمل الجماعي: لا بُدَّ من تنسيق إعلامي مشترك بين الفضائيات الإسلامية أوَّلا، ثم العمل المشترك بين من يملكون رؤية مشتركة لضرورة النُّهوض بإعلام إسلامي هادف، فإذا ما وُجِّهت الجهود الفردية باتجاه هدف واحد وتكاثفت فإن المهام تُقسَّم ويصير النَّجاح واحدا مشتركا، وليس علينا أن نستهين بالاقتراحات، ألا إنَّ جُهد المقل غير قليل!



ب. التخطيط الجماعي المتزِّن من أهله: إن التخطيطُ سُنَّة يتَّبعها كل من أراد النَّجاح وتحقيق الأهداف، وحتى لا تتعثَّر الخطوات وتتعطَّل المسيرة، ينبغي على من يخوض هذا الميدان أن يجعل من التخطيط بداية له، على أن يكون التخطيط جماعيا ومن أهل التخصَّص والكفاءات العِلمية والعملية، وأن تُراعى في ذلك الإمكانيات المتاحة، فيُجمع بين الكاتب والمخرج والمصحِّح اللُّغوي.... فإنَّ لكل علم أو فن أسسا يُبنى عليها وقواعد لا يستقيم إلا بها، حينها تُتَّخذ التدابير اللازمة وتكون النتائج طيِّبة.



ج. تجسيد الأقوال والمشاريع الورقية إلى أعمال حقيقة: كثيرة هي المشاريع التي بقيت حبيسة الأدراج ورهينة العقول دون أن ترى نور الحياة، فالعمل أبلغ خطابٍ لمن أراد أن يرى جُهده منتشرا بين الناس، لذلك ندعو للعمل بعد القول، وليس القول بعد القول.



د. الاتِّعاظ بالتجارب السَّابقة لتفادي الفشل: إن الإنسان معرَّض للفشل في كل تفاصيل حياته، ومثل ذلك ظهور محاولات كثيرة للنهوض بمستوى الإعلام الإسلامي وفشلها بعد مدة، وليس علينا أن نكرِّر نفس الطريقة لأنَّنا حينها سنحصل على نفس النتيجة، فلا بد إذن من تدبُّر الأمر جيِّدا، والوقوف عند أسباب إخفاق التجارب السابقة، لكي لا تتكرَّر معنا، ولا تضيع الجهود في الفراغ.



هـ. تشجيع القنوات الإسلامية لسدِّ الفراغ والنقص الحاصل في الإعلام: إنَّ الامتعاض والإنكار لن يبدِّل في الأمر شيئا وإنما علينا أن نجد البديل الإسلامي، ولا بأس من محاولات أولى لتكون بداية الطريق، وليس علينا أن نستعجل الثِّمار مادامت الخطى ثابتة، وليكن شعار من بدأ: إنَّ مع اليوم غدا يا مسْعدة!



وهنا نقصد إنشاء قنوات ذات توجُّه إسلامي وتقسيم تخصُّصاتها، فنجد للطفل قناته وللشاب قناته وللمرأة قناتها، ودواليك، وتشجيع ما هو موجود على السَّاحة الإعلامية ودعمه، وحث العاملين بها على دعم وتعزيز القيم الإسلامية في المجتمع، مع ضرورة تحسين الخدمات القائمة، لكي تكون قادرة على المنافسة، فإن لم يكن ذلك مُتاحاً، فقناة واحدة منافسة بقوة لهي أفضل من قنوات لا تقوى على البروز والظهور بما يليق بالإعلام الإسلامي.



و. تشجيع ودعم البدائل الأوَّلية المنافِسة للمسلسلات الوافدة: إنَّ من أهم ما نراه ضروريًّا كعرضٍ لبدائل عن المسلسلات الوافدة إلينا هو إنتاج مسلسلات على الطريقة الإسلامية، ويكون على مراحل حتى يحلَّ البديل مكان المستورَد، وعلى هذا الأساس ينبغي التنبُّه إلى أمور أهمها: تأهيل من يُناط إليهم كتابة السيناريوهات، لأنَّ من عوامل نجاح أي مسلسل مهما كان مصدره ومنهجه وهدفه هو إتقان كتابته بما يشدُّ انتباه المشاهد، ولن يشذ العمل الإسلامي عن القاعدة إن أراد النَّجاح وكسب الرهان، إذاً لا بد من توفير كُتَّاب سيناريو للدراما مؤهَّلين قادرين على إبداع ما يتناسب مع العمل الدرامي، أما في حالة وجود أعمال درامية ذات صبغة تاريخية وجب عرضها على لجنة متكاملة متخصِّصة من الشَّرعيين والمشتغلين بالتاريخ لإجازتها.



مع الالتفات إلى ضرورة تحقُّق شروط الإبداع الأخرى، بما في ذلك التَّمثيل والتصوير والديكور والإضاءة والإخراج، وتوفير الإمكانات المادية والتقنية كالاستديوهات والأجهزة، وهنا يأتي دور المموِّل المسلم الذي عنَيناه في عنوان سابق، أفنتركهم يُزيِّنون الباطل في عيون شبابنا، ونحن نتقاعس عن تزيين الحق لهم؟



هذا، إضافة إلى تشجيع القنوات الإسلامية لهذه الأعمال الدرامية ذات الطابع الإسلامي ودعمها بعرضها على القناة لتكون بداية بديلٍ إسلامي للمسلسلات الوافدة إلينا من الثَّقافات الأخرى.



7. نشر ثقافة الانتقاء بين الشَّباب: إنَّ ثقافة الانتقاء من أهم الأمور التي يجب أن نراعيها في حياتنا، فليس كل طريق أرمقه أمامي أسلكه، وليس كل فكرة تُعرض عليَّ أتبنَّاها، وليس كل عرض تلفزيوني يُروَّج له أقبع لمتابعته، فلنتبنى ولنشجِّع سياسة النَّحلة، تتَّبع الزهور لتقع على الطيِّب منها وتتجنَّب الخبيث، فيا ليتنا نتدبَّر فقه الانتقاء!



8. الانفتاح على الثقافات بطرق آمنة: إنَّ الانفتاح على الثقافات الأخرى يُضيف لمكتسباتنا القبلية أشياء جديدة تنمِّي معارفنا، وتوسِّع إدراكنا بمن حولنا، لذلك نحاول أن يكون هذا التَّواصل بطرق آمنة، فكي لا يبقى الجسر الأوحد لمعرفة ثقافات الغير هو المسلسل، وجب التنويه بمبادرات الانفتاح الآمن، مثل ذلك التَّشجيع على مطالعة الكتب التي تعتبر أحد المنافذ الموثوقة للفرد، ولنقتدي بأسلافنا في القراءة، لقد كانوا يجالسون الكتاب لما فيه من جليل الفوائد والفرائد، يقول ابن الأعرابي:



لنَا جُلَسَاءٌ مَا نَمَلُّ حَدِيثَهُمْ

أَلِبَّاءُ مَأْمُونُونُ غَيْبًا وَمَشْهَدَا



يُفِيدُونَنَا مِنْ عِلْمِهِمْ عِلْمَ مَا مَضَى

وَعَقْلًا وَتَأْدِيبا وَرَأْيًا مُسَدَّدَا



بِلَا فِتْنَةٍ تُخْشَى وَلَا سُوءِ عِشْرَةٍ

وَلَا يُتَّقَى مِنْهُمْ لِسَانًا وَلَا يَدَا



فَإِنْ قُلْتَ أَمْوَاتٌ فَلَا أَنْتَ كَاذِبٌ

وَإِنْ قُلْتَ أَحْيَاءٌ فَلَسْتَ مُفَنَّدَا[4]






ومن ذلك أيضا إنتاج الأفلام الوثائقية التي تُبرز جوانب من حياة الشعوب الأخرى بما في ذلك الايجابي والسلبي من حياتهم، ليظهر الجانب الممزَّق من الصورة التي تعرضها المسلسلات.



خامسا: قد يقول قائل!

بعد الحلول التي اقترحناها وعلى فرضية البدء بتطبيقها على المستوى الفردي والجماعي، قد يخرج ناعق من بعيد ليقول قائل: إنَّ تتبع المسلسلات المدبلجة هو نافذة للتواصل والتَّبادل الثقافي بين الشعوب، فلا ضير إن تعرَّفتُ على حضارات الغير عبر ما ينتجون، ألم يقل عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13]؟



أقول: بلى! لكن من جعل المسلسلات جسر التواصل بينكم وبين الآخر؟ ومن حَصَر التعرُّف على حضارتهم عبر ذاك الصندوق الصغير؟



التعارف بين الشُّعوب والقبائل كما أراده الله جلا وعلا هو الذي يبدأ منك لتبليغ الدعوة، ولا ينطلق من الآخر إليك لتجد نفسك مفتونا بألوان برَّاقة تغلِّف ظاهر المجتمع الآخر، فتلك هي المهمة فهل أنت لها؟



وقد يقول قائل: إنَّ تتبُّع المسلسلات المدبلجة هو فرصة لاستغلال الوقت وصرفه فيما أجد فيه متعتي، فتتبُّع مثل هذه المسلسلات هوايتي المفضَّلة، أوَ ليست الهواية مشروعة في الإسلام؟



أقول: بئس الهواية والغواية هي! أوَ انقرضت الهوايات حتى لم تجد غير هذا السم الذي صُدِّر إلينا ليسري في العقول لا في الأوردة!



وقد يقول قائل: لستُ الوحيد الذي يُتابع المسلسلات المدبلجة، انظري لمن حولك وستدركين أن الغالبية العظمى منا تتابعها؟ هل يعقل أن نكون جميعا على خطأ وأنت على صواب؟



أقول: رُويدكم، إنه عُذرٌ لم يَتَولَّ الحقُّ نَسْجَهُ، لا يغرنَّكم الألوف من الذين زَيَّن لهن الشيطان الابتعاد عن هدي خير البريّة، واستأمنوا المسلسلات عقولهم، ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾ [المائدة: 100].



وأخيرا نشير أن النتيجة التي خلصنا إليها لا تتعلَّق بالجزائر وحدها، وإنما يمكن أن تسحب على الدول العربية كافة، نظرا للتشابه بين المجتمعات العربية من حيث تبني الإسلام دينا للدولة، والنظم الاجتماعية المتقاربة.



كما أن النتائج لربما كانت أفضل وأدق لو شارك في العمل نخبة من المختصين بين علم النفس وعلم الاجتماع والشريعة، ولذلك نأمل أن يكون هذا البحث المتواضع انطلاقة جدية لبحث الموضوع بعمق.



كان هذا رصد لتأثير المسلسلات المدبلجة على فئة المراهقين، وقد بذلتُ جهدا لإخراج هذه الأسطر على وجه يرضي القارئ ويُفيد طالب المنفعة ويُساهم في إبراز هذه الظاهرة الوافدة إلينا، وفي بالي أنه «لو عُورِضَ الكتاب مائة مرَّة ما كاد يسلم من أن يكون فيه سقْطٌ» [5]، فحنانيكم على كاتبته!



فإن وُفّقْتُ لعرض هذه الأفكار، ففضل من الله ونعمة، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، وإن أخطأتُ فحسبي أنَّني أخلصتُ النيّة، وكذلك أحسبُ نفسي، والله من وراء القصد وهو يهدي إلى السَّبيل القويم، أسأل الله أن يرزقنا علما نافعا وقلبا خاشعا، ويوفقنا لشكر أنعمه، والحمد لله رب العالمين.





[1] البخاري، صحيح البخاري، كتاب: لزوجك عليك حق، باب: المرأة راعية في بيت زوجها، حديث رقم: 5200، ج7، ص31.




[2] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، 1416هـ/1995م، ج28، ص:53.



[3] ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1379هـ، ج12، ص:125.



[4] ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، تحقيق: أبو الأشبال الأزهري، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1414هـ/1994م، ج1، ص:429.



[5] المصدر السَّابق، ج1، ص: 338.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 210.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 206.13 كيلو بايت... تم توفير 4.27 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]