|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() القاعدة الفقهية: يحرُم من الرَّضاعة ما يحرُم بالصِّهر عبدالله بن يوسف الأحمد الحمد لله... هل يحرُم من الرَّضاع ما يحرم من الصِّهر والجمع؛ كأم الزوجة من الرضاع، وبنت امرأته من الرضاع مما نزل بوطء زوج غيره، وامرأة الابن من الرضاع، والجمع بين الأختين من الرضاعة، وبين المرأة وعمتها من الرضاعة، وبينها وبين خالتها من الرضاعة؟ القول بالتحريم هو المشهور عند الأئمة الأربعة وأتباعهم، حتى حكى ابنُ حزم الاتفاقَ على "أن أمَّ الزوجة من الرضاعة بمنزلتها من الولادة، وأن ابنتها من الرضاعة كابنتها من الولادة، ولا فرقَ"، كما حكى القرطبيُّ الإجماعَ على حرمة حليلة الابن من الرَّضاع، ونصَّ على أن مستند الإجماع في ذلك هو الخبر المرفوع: ((يحرُم من الرَّضاع ما يحرم من النسب))، ولم أرَ من خالف ذلك ممن قال بتحريم لبن الفحل، إلا ما كان من أبي العباس ابن تيمية حين توقَّف، وقال: "إن كان قد قال أحد بعدم التحريم، فهو أقوى"؛ ا. ه، والواقع أن الفقهاء لم يذكروا في هذا قولًا آخر، بل حكوا عدم علمهم بالخلاف، لكن نسب المرداويُّ إلى تقي الدين ابن تيمية أنه لا يحرِّم من الرضاع ما يحرُم من المصاهرة، وأردفها بفتوى للإمام أحمد يقرِّر فيها التحريم بالرضاع نظير المصاهرة. وقد كان دليلُ الجماهير إلى ما ذهبوا إليه في تحريم نكاح من صاهرهن القريب الرَّضاعِيُّ، وتحريم نكاح من كان قريبًا بالرضاعة للصِّهر، هو: أن تحريم هذا داخل بالقياس في قول النبي صلى الله عليه وسلم المخرَّج في الصحيح: ((يحرُم من الرَّضاعة ما يحرُم من النسب))؛ لأنه أجرى الرضاعة مجرى النسب، وشبَّهها به، فثبت تنزيل ولد الرضاعة وأبي الرضاعة منزلةَ ولد النسب وأبيه؛ فما ثبت للنسب من التحريم ثبت للمصاهرة قياسًا؛ كامرأة الأب، والابن، وأم المرأة، وابنتها من النسب، وإذا حرُم الجمع بين أختي النسب، حرُم بين أختي الرضاعة. ويَرِدُ على هذا الدليل من المناقشات ما يأتي: أ- إن الله سبحانه حرَّم سبعًا بالنسب وسبعًا بالصِّهر؛ كما قال ابن عباس في تفسير الآية من سورة النساء: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ... ﴾ [النساء: 23]، ومعلوم أن تحريم الرضاعة لا يُسمَّى صهرًا، وإنما يحرُم منه ما يحرُم من النسب، ولم يقُل في الحديث: ما يحرُم بالمصاهرة، ولا ذكره الله سبحانه في كتابه كما ذكر تحريم الصهر من النسب، ولا ذكر تحريم الجمع في الرضاع كما ذكره في النسب، وإثباتكم له جاء من طريق القياس، وقد غفلتم عن كون الفارق بين الأصل والفرع أضعافَ أضعافَ الجامع؛ فإذا الرضاعة جُعِلت كالنسب في حكمٍ، لم يلزم أن تكون مثله في كل حكم، بل ما افترقا فيه من الأحكام أضعافَ ما اجتمعا فيه منها، وقد ثبت جواز الجمع بين اللتين بينهما مصاهرة محرَّمة، كما جمع الحسن بن الحسن بن علي بين بنتي عمٍّ في ليلة، وجمع عبدالله بن جعفر بين امرأة عليٍّ وابنته، وإن كان بينهما تحريمٌ يمنع جواز نكاح أحدها للآخر لو كان ذكرًا، فهذا نظير الأختين من الرضاعة سواء؛ لأن سبب تحريم النكاح بينهما في أنفسهما، وهؤلاء نساء النبي صلى الله عليه وسلم هن أمهات المؤمنين في التحريم والحُرمة فقط، لا في المحرمية؛ فليس لأحدٍ أن يخلوَ بهن ولا ينظر إليهن، بل قد أمرهن الله بالاحتجاب عمن حرُم عليه نكاحهن من غير أقاربهن ومَن بينهن وبينه رضاع؛ فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ [الأحزاب: 53]، ثم هذا الحكم لا يتعدَّى إلى أقاربهن ألبتةَ، فليس بناتهن أخوات المؤمنين يحرُمن على رجالهم، بل هن حلال للمسلمين باتفاق المسلمين. وأُجيب: بأن جابر بن زيد وغيره قد كرِهوه للقطيعة، ولم يكن فيه تحريم؛ لقول الله عز وجل: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ [النساء: 24]. ب- إن الصِّهر قسيم النسب وشقيقه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾ [الفرقان: 54]، فالعلاقة بين الناس بالنسب والصهر، وهما سببا التحريم، والرضاع فرع على النسب، ولا تُعقَل المصاهرة إلا بين الأنساب. ج- إن الله تعالى إنما حرَّم الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها؛ لئلا يُفضِيَ إلى قطيعة الرحم المحرَّمة، ومعلوم أن الأختين من الرضاع ليس بينهما رَحِمٌ محرَّمة في غير النكاح، ولا ترتَّب على ما بينهما من أُخُوَّةِ الرَّضاع حكمٌ قطُّ غيرَ تحريم أحدهما على الآخر؛ فلا يعتق عليه بالملك، ولا يرثه، ولا يستحق النفقة عليه، ولا يثبت له عليه ولاية النكاح ولا الموت، ولا يعقِل عنه، ولا يدخل في الوصية والوقف على أقاربه وذوي رَحِمِه، ولا يحرُم التفريق بين الأم وولدها الصغير من الرضاعة، ويحرم من النسب، والتفريق بينهما في الملك كالجمع بينهما في النكاح سواء، ولو ملك شيئًا من المحرمات بالرضاع لم يعتق عليه بالملك. د- قول الله تعالى في المحرمات: ﴿ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴾ [سورة النساء: 23]، فمعلوم أن لفظ الابن إذا أُطلِقَ لم يدخل فيه ابن الرضاع، فكيف إذا قُيِّد بكونه ابنَ صلبٍ؟ وقَصْدُ إخراج ابن التبنِّي بهذا لا يمنع إخراج ابن الرضاع. وأُجيب عنه: بأن هذا القيد إنما كان لإسقاط اعتبار التبني وإبطاله، وبأن امرأة الابن من الرضاع تحرُم بالإجماع، كما تحرُم امرأة الابن الصُّلْبِيِّ. هذا، وإن عامة ما في هذه المناقشات لا يخرج من معقول يخالف صريح المنقول، أو منقول - وما في حكمه - يخالفه منقولٌ أخصُّ، فاستبان ترجُّحُ قولِ الجمهور في التحريم بالرضاعة ما يحرم بالنسب والصهر. ولعل من أسباب الخلاف في مسألة حرمة نظير المصاهرة بالرضاع المسألةَ الآتيةَ: ما المعتبر في دليل الخطاب؟ فمن لم يحتجَّ بمفهوم المخالفة - وهم أكثر الحنفية - لم يَرَوا في قوله تعالى: ﴿ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴾ [سورة النساء: 23] ما يدل على حِلِّ نكاح زوجة الابن من الرضاع، ومن احتج به في بعض الصور دون الجميع - وهو قول طائفة؛ كتقي الدين ابن تيمية - أمْكَنَهُ ألَّا يُعَدِّي مفهوم المخالفة في الآية الكريمة إلى غير أبناء التبنِّي، ومن احتجَّ بعموم جميع مفاهيم المخالفة - وهم الجمهور في غير مفهوم اللقب - فأصوله تحمله على القول بحِلِّ حلائل الأبناء سوى أبناء الصُّلب. ولقائلٍ أن يقول: إذا كان الجمهور يعتبرون مفهوم المخالفة حُجَّةً، فما بالهم أغفلوا مفهوم المخالفة من الآية، وحرَّموا حلائل أبنائنا الذين من أصلابنا وحلائلَ أبنائنا من الرضاعة، مع كون الآية نصَّت على حلائل أبناء الصلب، ومقتضى مفهوم المخالفة الذي يحتجون بعمومه حِلُّ زوجاتِ الأبناء من الرضاعة؟ والجواب: إن شروط الاحتجاج بمفهوم المخالفة عندهم لم تتوافر في هذا النص؛ وذلك أن تخصيص الأبناء ذوي الحليلات بوصف الصُّلبية جرى مجرى الغالب، وحينذاك لا يُحتَجُّ به؛ إذ الغالب كون الابن صلبيًّا، ومن الذي يكون له ابنٌ من الرضاع إذا ما قُورِن بمن له ابن من النسب والصُّلب؟ فإن قيل: فما معنى قول الحق جل ذكره: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ [سورة النساء: 24]، بعد قوله سبحانه في بيان من يحرُم نكاحهن: ﴿ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴾ [سورة النساء: 23]، إلا أن تكون حلائل أبناء غير الصُّلب مما أحلَّ بنص الآية؟ كان الجواب: إن الله تبارك وتعالى لمَّا ذكر في الآية التي بيَّن فيها المحرَّمات من ذكر، اقتصر على من هو محرَّم بكل حال؛ مثل: الأم، والأخت، والعمة، والخالة... حتى ذكر حليلة ابنه الصلبي، وهي من تحرم عليه بالاتفاق ولو طلقها الابن، فأما من لم يحرُم نكاحه بإطلاق؛ كأخت الزوجة، أو عمتها، أو الأجنبية الخامسة، فلم يكن هذا محلها؛ لأن نكاحها ليس حرامًا بكل حال، وكذلك الشأن في حليلة ابن الرضاع، تحرُم على أبيه ما لم يُطلِّقها؛ ولذلك كان التقدير: وأحل لكم ما وراء ذلكم بالحال التي أحلها به. [المرجع: كتاب: النوازل في الرضاع، المؤلف: عبدالله بن يوسف الأحمد، ص: 109 – 111، بترقيم الشاملة آليًّا].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |