كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 33 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الحب يهزم قلق الموت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          التغيير الناجح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          تخلص من أوهامك ! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          قصة ذي القرنين ومعادلة الحضارة عند مالك بن نبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          كتاب قضايا الطفولة في ميزان الشريعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          ( لا تحصوها ) .. دعوة للتأمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          منهج التفسير النبوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          مقتل أبي عفك وغزوة بني سليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          أبو هريرة رضي الله عنه وقصة إسلام أمه: دروس وعبر وفوائد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          يزيد بن معاوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #321  
قديم 05-12-2024, 10:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,480
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (321)
صــــــــــ 290 الى صـــــــــــ 297





تبيح المحرم بإحاطة بغير إحاطة؟ قلت نعم قال: ما هو؟ .
قلت ما تقول في هذا لرجل أجنبي أمحرم الدم والمال؟ قال: نعم قلت: فإن شهد عليه شاهدان بأنه قتل رجلا وأخذ ماله فهو هذا الذي في يديه قال: أقتله قودا وأدفع ماله الذي في يديه إلى ورثة المشهود له قال: قلت أويمكن في الشاهدين أن يشهدا بالكذب والغلط؟ قال: نعم قلت: فكيف أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشاهدين وليسا بإحاطة قال: أمرت بقبول الشهادة قلت أفتجد في كتاب الله تعالى نصا أن تقبل الشهادة على القتل؟ .
قال: لا ولكن استدلالا أني لا أؤمر بها إلا بمعنى قلت: أفيحتمل ذلك المعنى أن يكون لحكم غير القتل ما كان القتل يحتمل القود والدية؟ قال: فإن الحجة في هذا أن المسلمين إذا اجتمعوا أن القتل بشاهدين قلنا: الكتاب محتمل لمعنى ما أجمعوا عليه وأن لا تخطئ عامتهم معنى كتاب الله وإن أخطأ بعضهم فقلت له أراك قد رجعت إلى قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإجماع دونه قال: ذلك الواجب علي وقلت له: نجدك إذا أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة بشهادة وهي غير إحاطة؟ قال كذلك أمرت: قلت: فإن كنت أمرت بذلك على صدق الشاهدين في الظاهر فقبلتهما على الظاهر ولا يعلم الغيب إلا الله وإنا لنطلب في المحدث أكثر مما نطلب في الشاهد فنجيز شهادة البشر لا نقبل حديث واحد منهم ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ وبالكتاب والسنة ففي هذا دلالات ولا يمكن هذا في الشهادات قال: فأقام على ما وصفت من التفريق في رد الخبر وقبول بعضه مرة ورد مثله أخرى مع ما وصفت من بيان الخطأ فيه وما يلزمهم من اختلاف أقاويلهم وفيما وصفنا ههنا وفي الكتاب قبل هذا دليل على الحجة عليهم وعلى غيرهم فقال لي: قد قبلت منك أن أقبل الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلمت أن الدلالة على معنى ما أراد بما وصفت من فرض الله طاعته فأنا إذا قبلت خبره فعن الله قبلت ما أجمع عليه المسلمون فلم يختلفوا فيه وعلمت ما ذكرت من أنهم لا يجتمعون ولا يختلفون إلا على حق إن شاء الله تعالى أفرأيت ما لم نجده نصا في كتاب الله عز وجل ولا خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أسمعك تسأل عنه فتجيب بإيجاب شيء وإبطاله من أين وسعك القول بما قلت منه؟ وأتى لك بمعرفة الصواب والخطأ فيه؟ .
وهل تقول فيه اجتهادا على عين مطلوبة غائبة عنك أو تقول فيه متعسفا؟ فمن أباح لك أن تحل وتحرم وتفرق بلا مثال موجود تحتذي عليه؟ فإن أجزت ذلك لنفسك جاز لغيرك أن يقول بما خطر على قلبه بلا مثال يصير إليه ولا عبرة توجد عليه يعرف بها خطؤه من صوابه فأين من هذا إن قدرت ما تقوم لك به الحجة وإلا كان قولك بما لا حجة لك فيه مردودا عليك فقلت له: ليس لي ولا لعالم أن يقول في إباحة شيء ولا حظره ولا أخذ شيء من أحد ولا إعطائه إلا أن يجد ذلك نصا في كتاب الله أو سنة أو إجماع أو خبر يلزم فما لم يكن داخلا في واحد من هذه الأخبار فلا يجوز لنا أن نقوله بما استحسنا ولا بما خطر على قلوبنا ولا نقوله إلا قياسا على اجتهاد به على طلب الأخبار اللازمة ولو جاز لنا أن نقوله على غير مثال من قياس يعرف به الصواب من الخطأ جاز لكل أحد أن يقول معنا بما خطر على باله ولكن علينا وعلى أهل زماننا أن لا نقول إلا من حيث وصفت فقال الذي أعرف أن القول عليك ضيق إلا بأن يتسع قياسا كما وصفت ولي عليك مسألتان: إحداهما أن تذكر الحجة في أن لك أن تقيس والقياس بإحاطة كالخبر إنما هو اجتهاد فكيف ضاق أن تقول على غير قياس؟ واجعل جوابك فيه أخصر ما يحضرك قلت إن الله أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء والتبيين من وجوه منها ما بين فرضه فيه ومنها ما أنزله جملة وأمر بالاجتهاد في طلبه ودل على ما يطلب به بعلامات خلقها في عباده دلهم بها على وجه طلب ما افترض عليهم فإذا أمرهم بطلب ما افترض ذلك - ذلك والله أعلم - على
دلالتين: إحداهما أن الطلب لا يكون إلا مقصودا بشيء أن يتوجه له لا أن يطلبه الطالب متعسفا والأخرى أنه كلفه بالاجتهاد في التأخي لما أمره بطلبه قال: فاذكر الدلالة على ما وصفت قلت: قال الله عز وجل {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144] وشطره قصده وذلك تلقاؤه قال: أجل.
قلت: وقال: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} [الأنعام: 97] وقال: وسخر لكم النجوم والليل والنهار والشمس والقمر وخلق الجبال والأرض وجعل المسجد الحرام حيث وضعه من أرضه فكلف خلقه التوجه إليه فمنهم من يرى البيت فلا يسعه إلا الصواب بالقصد إليه ومنهم من يغيب عنه وتنأى داره عن موضعه فيتوجه إليه بالاستدلال بالنجوم والشمس والقمر والرياح والجبال والمهاب كل هذا قد يستعمل في بعض الحالات ويدل فيها ويستغني بعضها عن بعض قال: هذا كما وصفت ولكن على إحاطة أنت من أن تكون إذا توجهت أصبت قلت: أما على إحاطة من أني إذا توجهت أصبت ما أكلف وإن لم أكلف أكثر من هذا فنعم قال: أفعلى إحاطة أنت من صواب البيت بتوجهك؟ قلت: أفهذا شيء كلفت الإحاطة في أصله البيت وإنما كلفت الاجتهاد قال: فما كلفت؟ قلت: التوجه شطر المسجد الحرام فقد جئت بالتكليف وليس يعلم الإحاطة بصواب موضع البيت آدمي إلا بعيان فأما ما غاب عنه من عينه فلا يحيط به آدمي قال: فنقول أصبت قلت: نعم على معنى ما قلت أصبت على ما أمرت به فقال: ما يصح في هذا جواب أبدا غير ما أجبت به وإن من قال: كلفت الإحاطة بأن أصيب لزعم أنه لا يصلي إلا أن يحيط بأن يصيب أبدا وإن القرآن ليدل كما وصفت على أنه إنما أمر بالتوجه إلى المسجد الحرام والتوجه هو التأخي والاجتهاد لا الإحاطة فقال: اذكر غير هذا إن كان عندك.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقلت له قال الله عز وجل {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل} [المائدة: 95] على المثل يجتهدان فيه لأن الصفة تختلف فتصغر وتكبر فما أمر العدلين أن يحكما بالمثل إلا على الاجتهاد ولم يجعل الحكم عليهما حتى أمرهما بالمثل وهذا يدل ما دلت عليه الآية قبله من أنه محظور عليه إذا كان في المثل اجتهاد أن يحكم بالاجتهاد إلا على المثل ولم يؤمر فيه ولا في القبلة إذا كانت مغيبة عنه فكان على غير إحاطة من أن يصيبها بالتوجه أن يكون يصلي حيث شاء من غير اجتهاد بطلب الدلائل فيها وفي الصيد معا ويدل على أنه لا يجوز لأحد أن يقول في شيء من العلم إلا بالاجتهاد والاجتهاد فيه كالاجتهاد في طلب البيت في القبلة والمثل في الصيد ولا يكون الاجتهاد إلا لمن عرف الدلائل عليه من خبر لازم كتاب أو سنة أو إجماع ثم يطلب ذلك بالقياس عليه بالاستدلال ببعض ما وصفت كما يطلب ما غاب عنه من البيت واشتبه عليه من مثل الصيد فأما من لا آلة فيه فلا يحل له أن يقول في العلم شيئا ومثل هذا أن الله شرط العدل بالشهود والعدل العمل بالطاعة والعقل للشهادة فإذا ظهر لنا هذه قبلنا شهادة الشاهد على الظاهر وقد يمكن أن يكون يستبطن خلافه ولكن لم نكلف المغيب فلم يرخص لنا إذا كنا على غير إحاطة من أن باطنه كظاهره أن نجيز شهادة من جاءنا إذا لم يكن فيه علامات العدل هذا يدل على ما دل عليه ما قبله وبين أن لا يجوز لأحد أن يقول في العلم بغير ما وصفنا قال: أفتوجد نية بدلالة مما يعرف الناس؟ .
فقلت: نعم قال: وما هي؟ قلت أرأيت الثوب يختلف في عيبه والرقيق وغيره من السلع من يريه الحاكم ليقومه قال: لا يريه إلا أهل العلم به قلت: لأن حالهم مخالفة حال أهل الجهالة بأن يعرفوا أسواقه يوم يرونه وما يكون فيه عيبا ينقصه وما لا ينقصه؟ قال: نعم قلت ولا يعرف ذلك غيرهم؟ قال: نعم قلت ومعرفتهم فيه الاجتهاد بأن يقيسوا الشيء بعضه ببعض على سوق سومها؟ قال: نعم قلت وقياسهم اجتهاد لا إحاطة؟ قال: نعم قلت فإن قال.
غيرهم من أهل العقول نحن نجتهد إذ كنت على غير إحاطة من أن هؤلاء أصابوا أليس تقول لهم إن هؤلاء يجتهدون عالمين وأنت تجتهد جاهلا فأنت متعسف فقال: ما لهم جواب غيره وكفى بهذا جوابا تقوم به الحجة قلت ولو قال: أهل العلم به إذا كنا على غير إحاطة فنحن نقول فيه على غير قياس ونكتفي في الظن بسعر اليوم والتأمل لم يكن ذلك لهم؟ قال: نعم قلت فهذا من ليس بعالم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبما قال العلماء وعاقل ليس له أن يقول من جهة القياس والوقف في النظر ولو جاز لعالم أن يدع الاستدلال بالقياس والاجتهاد فيه جاز للجاهلين أن يقولوا ثم لعلهم أعذر بالقول فيه لأنه يأتي الخطأ عامدا بغير اجتهاد ويأتونه جاهلين قال: أفتوجدني حجة في غير ما وصفت أن للعالمين أن يقولوا؟ .
قلت: نعم قال: فاذكرها، قلت لم أعلم مخالفا في أن من مضى من سلفنا والقرون بعدهم إلى يوم كنا قد حكم حاكمهم وأفتى مفتيهم في أمور ليس فيها نص كتاب ولا سنة وفي هذا دليل على أنهم إنما حكموا اجتهادا إن شاء الله تعالى قال: أفتوجدني هذا من سنة؟ قلت: نعم أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» وقال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة (قال الشافعي) : فقال: فأسمعك تروي «فإذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر.»
[باب حكاية قول من رد خبر الخاصة]
(أخبرنا الربيع) قال قال محمد بن إدريس الشافعي فوافقنا طائفة في أن تثبيت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لازم للأمة ورأوا ما حكيت مما احتججت به على من رد الخبر حجة يثبتونها ويضيقون على كل أحد أن يخالفها ثم كلمني جماعة منهم مجتمعين ومتفرقين بما لا أحفظ أن أحكي كلام المنفرد عنهم منهم وكلام الجماعة ولا ما أجبت به كلا ولا أنه قيل لي وقد جهدت على تقصي كل ما احتجوا به فأثبت أشياء قد قلتها ولمن قلتها منهم وذكرت بعض ما أراه منه يلزمهم وأسأل الله تعالى العصمة والتوفيق قال فكانت جملة قولهم أن قالوا لا يسع أحدا من الحكام ولا من المفتين أن يفتي ولا يحكم إلا من جهة الإحاطة، والإحاطة كل ما علم أنه حق في الظاهر والباطن يشهد به على الله، وذلك الكتاب والسنة المجتمع عليها وكل ما اجتمع الناس ولم يفترقوا فيه فالحكم كله واحد يلزمنا أن لا نقبل منهم إلا ما قلنا مثل أن الظهر أربع لأن ذلك الذي لا منازع فيه ولا دافع له من المسلمين ولا يسع أحدا يشك فيه قلت له لست أحسبه يخفى عليك ولا على أحد حضرك أنه لا يوجد في علم الخاصة ما يوجد في علم العامة قال وكيف؟ قلت علم العامة على ما وصفت لا تلقى أحدا من المسلمين إلا وجدت علمه عنده ولا يرد منها أحد شيئا على أحد فيه كما وصفت في جمل الفرائض وعدد الصلوات وما أشبهها، وعلم الخاصة علم السابقين والتابعين من بعدهم إلى من لقيت تختلف أقاويلهم وتتباين تباينا بينا فيما ليس فيه نص كتاب يتأولون فيه ولم يذهبوا إلى القياس فيحتمل القياس الاختلاف فإذا اختلفوا فأقل ما عند المخالف لمن أقام عليه خلافه أنه مخطئ عنده، وكذلك هو عند من خالفه وليست هكذا المنزلة الأولى وما قيل قياسا فأمكن في القياس أن يخطئ القياس لم يجز عندك أن يكون القياس إحاطة ولا يشهد به
كله على الله كما زعمت فذكرت أشياء تلزمه عندي سوى هذا فقال بعض من حضره دع المسألة في هذا وعندنا أنه قد يدخل عليه كثير مما أدخلت عليه ولا يدخل عليه كله قال فأنا أحدث لك غير ما قال قلت فاذكره قال العلم من وجوه منها ما نقلته عامة عن عامة أشهد به على الله وعلى رسوله مثل جمل الفرائض قلت هذا العلم المقدم الذي لا ينازعك فيه أحد.
ومنها كتاب يحتمل التأويل فيختلف فيه فإذا اختلف فيه فهو على ظاهره وعامه لا يصرف إلى باطن أبدا وإن احتمله إلا بإجماع من الناس عليه فإذا تفرقوا فهو على الظاهر قال ومنها ما اجتمع المسلمون عليه وحكوا عمن قبلهم الاجتماع عليه وإن لم يقولوا هذا بكتاب ولا سنة فقد يقوم عندي مقام السنة المجتمع عليها وذلك أن إجماعهم لا يكون عن رأي لأن الرأي إذا كان تفرق فيه قلت فصف لي ما بعده قال ومنها علم الخاصة ولا تقوم الحجة بعلم الخاصة حتى يكون نقله من الوجه الذي يؤمن فيه الغلط
، ثم آخر هذا القياس، ولا يقاس منه الشيء بالشيء حتى يكون مبتدؤه ومصدره ومصرفه فيما بين أن يبتدئ إلى أن ينقضي سواء، فيكون في معنى الأصل. ولا يسع التفرق في شيء مما وصفت من سبيل العلم والأشياء على أصولها حتى تجتمع العامة على إزالتها عن أصولها والإجماع حجة على كل شيء لأنه لا يمكن فيه الخطأ قال فقلت أما ما ذكرت من العلم الأول من نقل العوام عن العوام فكما قلت أفرأيت الثاني الذي قلت لا تختلف فيه العوام بل تجتمع عليه وتحكي عمن قبلها الاجتماع عليه أتعرفه فتصفه أو تعرف العوام الذين ينقلون عن العوام أهم كمن قلت في جمل الفرائض فأولئك العلماء ومن لا ينسب إلى العلم ولا نجد أحدا بالغا في الإسلام غير مغلوب على عقله يشك أن فرض الله أن الظهر أربع أم هو وجه غير هذا؟ قال بل هو وجه غير هذا قلت فصفه قال هذا إجماع العلماء دون من لا علم له يجب اتباعهم فيه لأنهم منفردون بالعلم دونهم مجتمعون عليه فإذا اجتمعوا قامت بهم الحجة على من لا علم له وإذا افترقوا لم تقم بهم على أحد حجة وكان الحق فيما تفرقوا فيه أن يرد إلى القياس على ما اجتمعوا عليه فأي حال وجدتهم بها؟ دلتني على حال من قبلهم إن كانوا مجتمعين من جهة علمت أن من كان قبلهم من أهل العلم مجتمعون من كل قرن لأنهم لا يجتمعون من جهة.
فإن كانوا متفرقين علمت أن من كان قبلهم كانوا متفرقين من كل قرن وسواء كان اجتماعهم من خبر يحكونه أو غير خبر للاستدلال أنهم لا يجتمعون إلا بخبر لازم وسواء إذا تفرقوا حكوا خبرا بما وافق بعضهم أو لم يحكوه لأني لا أقبل من أخبارهم إلا ما أجمعوا على قبوله فأما ما تفرقوا في قبوله فإن الغلط يمكن فيه فلم تقم حجة بأمر يمكن فيه الغلط قال فقلت له هذا تجويز إبطال الأخبار وإثبات الإجماع لأنك زعمت أن إجماعهم حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وأن افتراقهم غير حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وقلت له: ومن أهل العلم الذي إذا أجمعوا قامت بإجماعهم حجة؟ قال هم من نصبه أهل بلد من البلدان فقيها رضوا قوله وقبلوا حكمه قلت فمثل الفقهاء الذين إذا أجمعوا كانوا حجة أرأيت إن كانوا عشرة فغاب واحد أو حضر ولم يتكلم أتجعل التسعة إذا اجتمعوا أن يكون قولهم حجة؟ قال، فإن قلت لا؟ قلت أفرأيت إن مات أحدهم أو غلب على عقله أيكون للتسعة أن يقولوا؟ قال، فإن قلت نعم؟ ، وكذا لو مات خمسة أو تسعة للواحد أن يقول؟ قال، فإن قلت لا قلت فأي شيء قلت فيه كان متناقضا قال فدع هذا قلت فقد وجدت أهل الكلام منتشرين في أكثر البلدان فوجدت كل فرقة منهم تنصب منها من تنتهي إلى قوله وتضعه الموضع الذي وصفت أيدخلون في
الفقهاء الذين لا يقبل من الفقهاء حتى يجتمعوا معهم أم خارجون منهم قال، فإن قلت إنهم داخلون فيهم؟ قلت، فإن شئت فقله قال فقد قلته قلت فما تقول في المسح على الخفين؟ .
قال، فإن قلت لا يمسح أحد لأني إذا اختلفوا في شيء رددته إلى الأصل والأصل الوضوء قلت، وكذلك تقول في كل شيء؟ قال نعم قلت فما تقول في الزاني الثيب أترجمه قال: نعم.
قلت: كيف ترجمه ومما نص بعض الناس على أن لا رجم على زان لقول الله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] فكيف ترجمه ولم ترده إلى الأصل من أن دمه محرم حتى يجتمعوا على تحليله ومن قال هذا القول يحتج بأنه زان داخل في معنى الآية وأن يجلد مائة قال إن أعطيتك هذا دخل علي فيه شيء يجاوز القدر كثرة قلت: أجل، فقال: فلا أعطيك هذا وأجيبك فيه غير الجواب الأول قلت فقل قال لا أنظر إلى قليل من المفتين وأنظر إلى الأكثر قلت أفتصف القليل الذين لا تنظر إليهم أهم إن كانوا أقل من نصف الناس أو ثلثهم أو ربعهم قال ما أستطيع أن أحدهم ولكن الأكثر قلت أفعشرة أكثر من تسعة قال هؤلاء متقاربون قلت فحدهم بما شئت قال ما أقدر أن أحدهم قلت فكأنك أردت أن تجعل هذا القول مطلقا غير محدود فإذا أخذت بقول اختلف فيه قلت عليه الأكثر وإذا أردت رد قول قلت: هؤلاء الأقل أفترضى من غيرك بمثل هذا الجواب رأيت حين صرت إلى أن دخلت فيما عبت من التفرق أرأيت لو كان الفقهاء كلهم عشرة فزعمت أنك لا تقبل إلا من الأكثر فقال ستة فاتفقوا وخالفهم أربعة أليس قد شهدت للستة بالصواب وعلى الأربعة بالخطأ؟ قال، فإن قلت بلى؟ .
قلت فقال الأربعة في قول غيره فاتفق اثنان من الستة معهم وخالفهم أربعة قال فآخذ بقول الستة قلت فتدع قول المصيبين بالاثنين وتأخذ بقول المخطئين بالاثنين وقد أمكن عليهم مرة وأنت تنكر قول ما أمكن فيه الخطأ فهذا قول متناقض وقلت له أرأيت قولك لا تقوم الحجة إلا بما أجمع عليه الفقهاء في جميع البلدان أتجد السبيل إلى إجماعهم كلهم ولا تقوم الحجة على أحد حتى تلقاهم كلهم أو تنقل عامة عن عامة عن كل واحد منهم؟ قال ما يوجد هذا قلت، فإن قبلت عنهم بنقل الخاصة فقد قبلت فيما عبت وإن لم تقبل عن كل واحد إلا بنقل العامة لم نجد في أصل قولك ما اجتمع عليه البلدان إذا لم تقبل نقل الخاصة لأنه لا سبيل إليه ابتداء لأنهم لا يجتمعون لك في موضع ولا تجد الخبر عنهم بنقل عامة عن عامة قلت فأسمعك قلدت أهل الحديث وهم عندك يخطئون فيما يدينون به من قبول الحديث فكيف تأمنهم على الخطأ فيما قلدوه الفقه ونسبوه إليه فأسمعك قلدت من لا ترضاه وأفقه الناس عندنا وعند أكثرهم أتبعهم للحديث وذلك أجهلهم لأن الجهل عندك قبول خبر الانفراد، وكذلك أكثر ما يحتاجون فيه إلى الفقهاء ويفضلونهم به مع أن الذي ينصف غير موجود في الدنيا قال فكيف لا يوجد؟ قال هو أو بعض من حضر معه فإني أقول إنما أنظر في هذا إلى من يشهد له أهل الحديث بالفقه قلت ليس من بلد إلا وفيه من أهله الذين هم بمثل صفته يدفعونه عن الفقه وتنسبه إلى الجهل أو إلى أنه لا يحل له أن يفتي ولا يحل لأحد أن يقبل قوله وعلمت تفرق أهل كل بلد بينهم
، ثم علمت تفرق كل بلد في غيرهم فعلمنا أن من أهل مكة من كان لا يكاد يخالف قول عطاء ومنهم من كان يختار عليه
، ثم أفتى بها الزنجي بن خالد فكان منهم من يقدمه في الفقه ومنهم من يميل إلى قول سعيد بن سالم وأصحاب كل واحد من هذين يضعفون الآخر ويتجاوزون القصد وعلمت أن أهل المدينة كانوا يقدمون سعيد بن المسيب
، ثم يتركون بعض قوله
، ثم حدث في زماننا منهم مالك كان كثير منهم من يقدمه وغيره يسرف عليه في تضعيف مذاهبهم وقد رأيت ابن أبي الزناد يجاوز القصد في ذم مذاهبه ورأيت المغيرة وابن أبي حازم
والدراوردي يذهبون من مذاهبه ورأيت من يذمهم ورأيت بالكوفة قوما يميلون إلى قول ابن أبي ليلى يذمون مذاهب أبي يوسف وآخرين يميلون إلى قول أبي يوسف يذمون مذاهب ابن أبي ليلى وما خالف أبا يوسف وآخرين يميلون إلى قول الثوري وآخرين إلى قول الحسن بن صالح وبلغني غير ما وصفت من البلدان شبيه بما رأيت مما وصفت من تفرق أهل البلدان ورأيت المكيين يذهبون إلى تقديم عطاء في العلم على التابعين وفي بعض العراقيين من يذهبون إلى تقديم إبراهيم النخعي
، ثم لعل كل صنف من هؤلاء قدم صاحبه أن يسرف في المباينة بينه وبين من قدموا عليه من أهل البلدان.
وهكذا رأيناهم فيمن نصبوا من العلماء الذين أدركنا فإذا كان أهل الأمصار يختلفون هذا الاختلاف فسمعت بعض من يفتي منهم يحلف بالله ما كان لفلان أن يفتي لنقص عقله وجهالته وما كان يحل لفلان أن يسكت يعني آخر من أهل العلم ورأيت من أهل البلدان من يقول ما كان يحل له أن يفتي بجهالته يعني الذي زعم غيره أنه لا يحل له أن يسكت لفضل علمه وعقله ثم وجدت أهل كل بلد كما وصفت فيما بينهم من أهل زمانهم فأين اجتمع لك هؤلاء على تفقه واحد أو تفقه عام؟ وكما وصفت رأيهم أو رأي أكثرهم وبلغني عمن غاب عني منهم شبيه بهذا، فإن أجمعوا لك على نفر منهم فتجعل أولئك النفر علماء إذا اجتمعوا على شيء قبلته قال وإنهم إن تفرقوا كما زعمت باختلاف مذاهبهم أو تأويل أو غفلة أو نفاسة من بعضهم على بعض فإنما أقبل منهم ما اجتمعوا عليه معا فقيل له، فإن لم يجمعوا لك على واحد منهم أنه في غاية فكيف جعلته عالما؟ قال لا ولكن يجتمعون على أنه يعلم من العلم قلت نعم ويجتمعون لك على أن من لم تدخله في جملة العلماء من أهل الكلام يعلمون من العلم فلم قدمت هؤلاء وتركتهم في أكثر هؤلاء أهل الكلام وما اسمك وطريقك إلا بطريق التفرق.
إلا أنك تجمع إلى ذلك أن تدعي الإجماع وإن في دعواك الإجماع لخصالا يجب عليك في أصل مذاهبك أن تنتقل عن دعوى الإجماع في علم الخاصة قال فهل من إجماع؟ قلت نعم نحمد الله كثيرا في جملة الفرائض التي لا يسع جهلها، فذلك الإجماع هو الذي لو قلت: أجمع الناس؛ لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها وفي أشياء من أصول العلم دون فروعه ودون الأصول غيرها فأما ما ادعيت من الإجماع حيث قد أدركت التفرق في دهرك وتحكي عن أهل كل قرن فانظره أيجوز أن يكون هذا إجماعا؟ قال فقال قد ادعى بعض أصحابك الإجماع فيما ادعى من ذلك فما سمعت منهم أحدا ذكر قوله إلا عائبا لذلك وإن ذلك عندي لمعيب قلت من أين عبته وعابوه؟ وإنما ادعاء إجماع فرقة أحرى أن يدرك من ادعائك الإجماع على الأمة في الدنيا قال إنما عبناه أنا نجد في المدينة اختلافا في كل قرن فيما يدعي فيه الإجماع ولا يجوز الإجماع إلا على ما وصفت من أن لا يكون مخالف فلعل الإجماع عنده الأكثر وإن خالفهم الأقل فليس ينبغي أن يقول إجماعا ويقول الأكثر إذا كان لا يروي عنهم شيئا ومن لم يرو عنه شيء في شيء لم يجز أن ينسب إلى أن يكون مجمعا على قوله كما لا يجوز أن يكون منسوبا إلى خلافه فقلت له إن كان ما قلت من هذا كما قلت فالذي يلزمك فيه أكثر.
لأن الإجماع في علم الخاصة إذا لم يوجد في فرقة كان أن يوجد في الدنيا أبعد قال وقلت قولك وقول من قال الإجماع خلاف الإجماع قال فأوجدني ما قلت.
قلت إن كان الإجماع قبلك إجماع الصحابة أو التابعين أو القرن الذين يلونهم وأهل زمانك فأنت تثبت عليهم أمرا تسميه إجماعا قال ما هو؟ اجعل له مثالا لأعرفه قلت كأنك ذهبت إلى أن جعلت ابن المسيب عالم أهل المدينة وعطاء عالم أهل مكة والحسن عالم أهل البصرة والشعبي عالم أهل الكوفة من التابعين فجعلت الإجماع ما أجمع
عليه هؤلاء قال نعم قلت زعمت أنهم لم يجتمعوا قط في مجلس علمته وإنما استدللت على إجماعهم بنقل الخبر عنهم وأنك لما وجدتهم يقولون في الأشياء ولا تجد فيها كتابا ولا سنة استدللت على أنهم قالوا بها من جهة القياس فقلت القياس العلم الثابت الذي أجمع عليه أهل العلم أنه حق قال هكذا قلت وقلت له قد يمكن أن يكونوا قالوا ما لم تجده أنت في كتاب ولا سنة وإن لم يذكروه وما يرون لم يذكروه وقالوا بالرأي دون القياس قال إن هذا وإن أمكن عليهم فلا أظن بهم أنهم علموا شيئا فتركوا ذكره ولا أنهم قالوا إلا من جهة القياس فقلت له لأنك وجدت أقاويلهم تدل على أنهم ذهبوا إلى أن القياس لازم لهم أو إنما هذا شيء ظننته لأنه الذي يجب عليهم وقلت له فلعل القياس لا يحل عندهم محله عندك قال ما أرى إلا ما وصفت لك فقلت له هذا الذي رويته عنهم من أنهم قالوا من جهة القياس توهم، ثم جعلت التوهم حجة قال فمن أين أخذت القياس أنت ومنعت أن لا يقال إلا به؟ قلت من غير الطريق التي أخذته منها وقد كتبته في غير هذا الموضع.
وقلت أرأيت الذين نقلوا لك عنهم أنهم قالوا فيما تجد أنت فيه خيرا فتوهمت أنهم قالوه قياسا وقلت إذا وجدت أفعالهم مجتمعة على شيء فهو دليل على إجماعهم أنقلوا إليك عنهم أنهم قالوا من جهة الخبر المنفرد فروى أبو المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا وأخذ به وله فيه مخالفون من الأمة وعن أبي سعيد الخدري في الصرف شيئا فأخذ به وله فيه مخالفون من الأمة وروى عطاء عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المخابرة شيئا وأخذ به وله فيه مخالفون وروى الشعبي عن علقمة عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم وروى الحسن عن رجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم ورووا لك عنهم أنهم عاشوا يقولون بأقاويل يخالف كل واحد منهم فيها قضاء صاحبه وكانوا على ذلك حتى ماتوا قال نعم قد رووا هذا عنهم فقلت له فهؤلاء جعلتهم أئمة في الدين وزعمت أن ما وجد من فعلهم مجمعا عليه لزم العامة الأخذ به ورويت عنهم سننا شتى وذلك قبول كل واحد منهم الخبر على الانفراد وتوسعهم في الاختلاف
، ثم عبت ما أجمعوا عليه لا شك فيه وخالفتهم فيه فقلت لا ينبغي قبول الخبر على الانفراد ولا ينبغي الاختلاف وتوهمت عليهم أنهم قاسوا فزعمت أنه لا يحل لأحد أن يدع القياس ولا يقول إلا بما يعرف أن قولك الإجماع خلاف الإجماع بهذا وبأنك زعمت أنهم لا يسكتون على شيء علموه وقد ماتوا لم يقل أحد منهم قط الإجماع علمناه والإجماع أكثر العلم لو كان حيث ادعيته أو ما كفاك عيب الإجماع أنه لم يرو عن أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوى الإجماع إلا فيما لا يختلف فيه أحد إلا عن أهل زمانك هذا فقال فقد ادعاه بعضهم قلت أفحمدت ما ادعى منه قال لا قلت فكيف صرت إلى أن تدخل فيما ذممت في أكثر مما عبت ألا تستدل من طريقك أن الإجماع هو ترك ادعاء الإجماع ولا تحسن النظر لنفسك إذا قلت هذا إجماع فيوجد سواك من أهل العلم من يقول لك معاذ الله أن يكون هذا إجماعا بل فيما ادعيت أنه إجماع اختلاف من كل وجه في بلد أو أكثر من يحكي لنا عنه من أهل البلدان قال وقلت لبعض من حضر هذا الكلام منهم نصير بك إلى المسألة عما لزم لنا ولك من هذا قال وما هو؟ قلت: أفرأيت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأي شيء تثبت.
قال أقول القول الأول الذي قاله لك صاحبنا.
فقلت: ما هو؟ قال زعم أنها تثبت من أحد ثلاثة وجوه.
قلت فاذكر الأول منها قال خبر العامة عن العامة قلت أكقولكم الأول مثل أن الظهر أربع؟ قال نعم.
فقلت هذا مما لا يخالفك فيه أحد علمته فما الوجه الثاني؟ قال تواتر الأخبار؟ فقلت له حدد لي تواتر الأخبار بأقل مما
يثبت الخبر واجعل له مثالا لعلم ما يقول وتقول قال نعم إذا وجدت هؤلاء النفر للأربعة الذين جعلتهم مثالا يروون واحدا فتتفق روايتهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم شيئا أو أحل شيئا استدللت على أنهم بتباين بلدانهم وأن كلا منهم قبل العلم عن غير الذي قبله عنه صاحبه وقبله عنه من أداه إلينا ممن لم يقبل عن صاحبه أن روايتهم إذا كانت هذا تتفق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالغلط لا يمكن فيها قال فقلت له لا يكون تواتر الأخبار عندك عن أربعة في بلد ولا إن قبل عنهم أهل بلد حتى يكون المدني يروي عن المدني والمكي يروي عن المكي والبصري عن البصري والكوفي عن الكوفي حتى ينتهي كل واحد منهم بحديثه إلى رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - غير الذي روى عنه صاحبه ويجمعوا جميعا على الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - للعلة التي وصفت قال نعم لأنهم إذا كانوا في بلد واحد أمكن فيهم التواطؤ على الخبر ولا يمكن فيهم إذا كانوا في بلدان مختلفة فقلت له لبئسما نبثت به على من جعلته إماما في دينك إذا ابتدأت وتعقبت قال فاذكر ما يدخل علي فيه فقلت له أرأيت لو لقيت رجلا من أهل بدر وهم المقدمون ومن أثنى الله تعالى عليهم في كتابه فأخبرك خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تلفه حجة ولا يكون عليك خبره حجة لما وصفت أليس من بعدهم أولى أن لا يكون خبر الواحد منهم مقبولا لنقصهم عنهم في كل فضل وأنه يمكن فيهم ما أمكن فيمن هو خير منهم وأكثر منه؟ قال بلى فقلت أفتحكم فيما تثبت من صحة الرواية فاجعل أبا سلمة بالمدينة يروي لك أنه سمع جابر بن عبد الله يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل أبي سلمة وفضل جابر واجعل الزهري يروي لك أنه سمع ابن المسيب يقول سمعت عمر أو أبا سعيد الخدري يقول سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - واجعل أبا إسحاق الشيباني يقول سمعت الشعبي أو سمعت إبراهيم التيمي يقول أحدهما سمعت البراء بن عازب أو سمعت رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسميه واجعل أيوب يروي عن الحسن البصري يقول سمعت أبا هريرة أو رجلا غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحليل الشيء أو تحريم له أتقوم بهذا حجة؟ قال نعم فقلت له أيمكن في الزهري عندك أن يغلط على ابن المسيب وابن المسيب على من فوقه وفي أيوب أن يغلط على الحسن والحسن على من فوقه؟ فقال، فإن قلت نعم قلت يلزمك أن تثبت خبر الواحد على ما يمكن فيه الغلط ممن لقيت وممن هو دون من فوقه ومن فوقه دون أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وترد خبر الواحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خير ممن بعدهم فترد الخبر بأن يمكن فيه الغلط عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم خير الناس وتقبله عمن لا يعدلهم في الفضل لأن كل واحد من هؤلاء ثبت عمن فوقه ومن فوقه ثبت عمن فوقه حتى ينتهي الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذه الطريق التي عبت قال هذا هكذا إن قلته ولكن أرأيت إن لم أعطك هذا هكذا؟ قلت لا يدفع هذا إلا بالرجوع عنه أو ترك الجواب بالروغان والانقطاع والروغان أقبح قال، فإن قلت لا أقبل من واحد نثبت عليه خبرا إلا من أربعة وجوه متفرق كما لم أقبل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عن أربعة وجوه متفرقة قال فقلت له فهذا يلزمك أفتقول به؟ قال: إذا نقول به.
لا يوجد هذا أبدا قال فقلت أجل وتعلم أنت أنه لا يوجد أربعة عن الزهري ولا ثلاثة الزهري رابعهم عن الرجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أجل ولكن دع هذا قال وقلت له من قال أقبل من أربعة دون ثلاثة؟ أرأيت إن قال لك رجل لا أقبل إلا من خمسة أو قال آخر من سبعين ما حجتك عليه ومن وقت لك الأربعة؟ قال إنما مثلتهم قلت أفتجد من يقبل منه؟ قال لا قلت أوتعرفه فلا تظهره لما


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #322  
قديم 05-12-2024, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,480
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (322)
صــــــــــ 298 الى صـــــــــــ 305







يدخل عليك فتبين انكساره وقلت له أو لبعض من حضر معه فما الوجه الثالث الذي يثبت به عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال إذا روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواحد من أصحابه الحكم حكم به فلم يخالفه غيره استدللنا على أمرين أحدهما أنه إنما حدث به في جماعتهم والثاني أن تركهم الرد عليه بخبر يخالفه إنما كان عن معرفة منهم بأن ما كان كما يخبرهم فكان خبرا عن عامتهم قلت له فلما رأيتكم تنتقلون إلى شيء إلا احتججتم بأضعف مما تركتم فقال أبن لنا ما قلت.
قلت له أيمكن لرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث بالمدينة رجلا أو نفرا قليلا ما تثبته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويمكن أن يكون أتى بلدا من البلدان فحدث به واحدا أو نفرا أو حدث به في سفر أو عند موته واحدا أو أكثر قال، فإن قلت لا يمكن أن يحدث واحدهم بالحديث إلا وهو مشهور عندهم قلت فقد تجد العدد من التابعين يروون الحديث فلا يسمون إلا واحدا ولو كان مشهورا عندهم بأنهم سمعوا من غيره سمعوا من سمعوه منه وقد نجدهم يختلفون في الشيء قد روي فيه الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول بعضهم قولا يوافق الحديث وغيره قولا يخالفه قال فمن أين ترى ذلك؟ قلت لو سمع الذي قال بخلاف الحديث الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال إن شاء الله تعالى بخلافه وقلت له قد روى اليمين مع الشاهد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس وغيره ولم يحفظ عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمته خلافها فيلزمك أن تقول بها على أصل مذهبك وتجعلها إجماعا فقال بعضهم ليس ما قال من هذا مذهبنا قلت ما زلت أرى ذلك فيه وفي غيره مما كلمتمونا به والله المستعان قال فاليمين مع الشاهد إجماع بالمدينة فقلت لا هي مختلف فيها غير أنا نعمل بما اختلف فيه إذا ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطريق الذي يثبت منها قال وقلت له من الذين إذا اتفقت أقاويلهم في الخبر صح وإذا اختلفوا طرحت لاختلافهم الحديث؟ قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر الخاصة قال لا قلت فهل يستدرك عنهم العلم بإجماع أو اختلاف بخبر عامة؟ قال ما لم أستدركه بخبر العامة نظرت إلى إجماع أهل العلم اليوم فإذا وجدتهم ما أجمعوا عليه استدللت على أن اختلافهم عن اختلاف من مضى قبلهم قلت له أفرأيت استدلالا بأن إجماعهم خبر جماعتهم؟ قال فنقول ماذا؟ قلت أقول لا يكون لأحد أن يقول حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يقبل على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا بخبر الجماعة عن الجماعة قال، فإن قلته؟ قلت فقله إن شئت قال قد يضيق هذا جدا فقلت له وهو مع ضيقه غير موجود ويدخل عليك خلافه في القياس إذا زعمت للواحد أن يقيس فقد أجزت القياس والقياس قد يمكن فيه الخطأ وامتنعت من قبول السنة إذا كان يمكن فيمن رواها الخطأ فأجزت الأضعف ورددت الأقوى وقلت لبعض أرأيت قولك إجماعهم يدل لو قالوا لك مما قلنا به مجتمعين ومتفرقين ما قبلنا الخبر فيه والذي ثبت مثله عندنا عمن قبلنا ونحن مجمعون على أن جائزا لنا فيما ليس فيه نص ولا سنة أن نقول فيه بالقياس وإن اختلفنا أفتبطل أخبار الذين زعمت أن أخبارهم وما اجتمعت عليه أفعالهم حجة في شيء وتقبله في غيره؟ أرأيت لو قال لك قائل أنا أتبعهم في تثبيت أخبار الصادقين وإن كانت منفردة وأقبل عنهم القول بالقياس فيما لا خبر فيه فأوسع أن يختلفوا فأكون قد تبعتهم في كل حال أكان أقوى حجة وأولى باتباعهم وأحسن ثناء عليهم أم أنت؟ قال بهذا نقول قلت نعم وقلت أرأيت قولك إجماع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ما معناه أتعني أن يقولوا أو أكثرهم قولا واحدا أو يفعلوا فعلا واحدا قال لا أعني هذا وهذا غير موجود ولكن إذا حدث واحد منهم الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يعارضه منهم معارض بخلافه فذلك دلالة على رضاهم به وأنهم علموا أن ما قال منه كما قال قلت أوليس قد يحدث ولا يسمعونه ويحدث ولا علم لمن سمع حديثه منهم أن ما قال كما قال وأنه خلاف ما قال وإنما على المحدث أن يسمع فإذا لم يعلم خلافه فليس له رده قال قد يمكن هذا على ما قلت ولكن الأئمة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يمكن أبدا أن يحدث محدثهم بأمر فيدعوا معارضته إلا عن علم بأنه كما قال، وقال فأقول فإذا حكم حاكمهم فلم يناكروه فهو علم منهم بأن ما قال الحق وكان عليهم أن يقيموا على ما حكم فيه قلت أفيمكن أن يكونوا صدقوه بصدقه في الظاهر كما قبلوا شهادة الشاهدين بصدقهما في الظاهر؟ قال، فإن قلت لا؟ فقلت إذا قلت لا فيما عليهم الدلالة فيه بأنهم قبلوا خبر الواحد وانتهوا إليه علمت أنك جاهل بما قلنا وإذا قلت فيما يمكن مثله لا يمكن كنت جاهلا بما يجب عليك قال فتقول ماذا؟ قلت أقول إن صمتهم عن المعارضة قد يكون علما بما قال وقد يكون عن غير علم به ويكون قبولا له ويكون عن وقوف عنه ويكون أكثرهم لم يسمعه لا كما قلت واستدلالا عنهم فيما سمعوا قوله ممن كان عندهم صادقا ثبتا قال فدع هذا قلت لبعضهم هل علمت أن أبا بكر في إمارته قسم مالا فسوى فيه بين الحر والعبد وجعل الجد أبا؟ قال نعم قلت فقبلوا منه القسم ولم يعارضوه في الجد في حياته؟ قال نعم ولو قلت عارضوه في حياته قلت فقد أراد أن يحكم وله مخالف قال نعم ولا أقوله قال فجاء عمر ففضل الناس في القسم على النسب والسابقة وطرح العبيد من القسم وشرك بين الجد والإخوة؟ قال نعم قلت وولي علي فسوى بين الناس في القسم قال نعم قلت فهذا على أخبار العامة عن ثلاثتهم عندك قال نعم قلت فقل فيها ما أحببت قال فتقول فيها أنت ماذا؟ قلت أقول إن ما ليس فيه نص كتاب ولا سنة إذا طلب بالاجتهاد فيه المجتهدون وسع كلا إن شاء الله تعالى أن يفعل ويقول بما رآه حقا لا على ما قلت فقل أنت ما شئت قال لئن قلت العمل الأول يلزمهم كان ينبغي للعمل الثاني والثالث أن يكون مثله لا يخالفه ولئن قلت بل لم يكونوا وافقوا أبا بكر على فعله في حياته ليدخل على أن له يمضي له اجتهاده وإن خالفهم قلت أجل قال، فإن قلت لا أعرف هذا عنهم ولا أقبله حتى أجد العامة تنقله عن العامة فتقول عنهم حدثنا جماعة ممن مضى قبلهم بكذا فقلت له ما نعلم أحدا شك في هذا ولا روى عن أحد خلافه فلئن لم تجز أن يكون مثل هذا ثابتا فما حجتك على أحد إن عارضك في جميع ما زعمت أنه إجماع بأن يقول مثل ما قلت فقال جماعة ممن حضر منهم فإن الله عز وجل ذم على الاختلاف فذممناه فقلت له في الاختلاف حكمان أم حكم؟ قال حكم قلت فأسألك قال فسل قلت أتوسع من الاختلاف شيئا؟ قال لا قلت أفتعلم من أدركت من أعلام المسلمين الذين أفتوا عاشوا أو ماتوا وقد يختلفون في بعض أمور يحكون عمن قبلهم؟ قال نعم: قلت فقل فيهم ما شئت قال، فإن قلت قالوا بما لا يسعهم قلت فقد خالفت اجتماعهم قال أجل قال فدع هذا قلت أفيسعهم القياس قال نعم قلت، فإن قاسوا فاختلفوا يسعهم أن يمضوا على القياس؟ قال، فإن قلت لا؟ قلت فيقولون إلى أي شيء نصير؟ قال إلى القياس قلت قالوا قد فعلنا فرأيت القياس بما قلت ورأى هذا القياس بما قال؟ قال فلا يقولون حتى يجتمعوا قلت من أقطار الأرض؟ قال: فإن قلت نعم؟ قلت فلا يمكن أن يجتمعوا ولو أمكن اختلفوا قال فلو اجتمعوا لم يختلفوا.
قلت قد اجتمع اثنان فاختلفا فكيف إذا اجتمع الأكثر؟ قال ينبه بعضهم بعضا قلت ففعلوا فزعم كل واحد من المختلفين أن الذي قاله القياس قال، فإن قلت يسع
الاختلاف في هذا الموضع قلت قد زعمت أن في اختلاف كل واحد من المختلفين حكمين وتركت قولك ليس الاختلاف إلا حكما واحدا قال ما تقول أنت؟ قلت الاختلاف وجهان فما كان لله فيه نص حكم أو لرسوله سنة أو للمسلمين فيه إجماع لم يسع أحدا علم من هذا واحدا أن يخالفه وما لم يكن فيه من هذا واحد كان لأهل العلم الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة فإذا اجتهد من له أن يجتهد وسعه أن يقول بما وجد الدلالة عليه بأن يكون في معنى كتاب أو سنة أو إجماع،
فإن ورد أمر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشيء وغيره بخلافه وهذا قليل إذا نظر فيه قال فما حجتك فيما قلت؟ قلت له الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع قال فاذكر الفرق بين حكم الاختلاف قلت له قال الله عز وجل {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} [آل عمران: 105] وقال {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} [البينة: 4] فإنما رأيت الله ذم الاختلاف في الموضع الذي أقام عليهم الحجة ولم يأذن لهم فيه قال قد عرفت هذا فما الوجه الذي دلك على أن ما ليس فيه نص حكم وسع فيه الاختلاف؟ فقلت له فرض الله على الناس التوجه في القبلة إلى المسجد الحرام فقال {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون - ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 149 - 150] أفرأيت إذا سافرنا واختلفنا في القبلة فكان الأغلب على أنها في جهة والأغلب على غيري في جهة ما الفرض علينا؟ ، فإن قلت الكعبة فهي وإن كانت ظاهرة في موضعها فهي مغيبة عمن نأوا عنها فعليهم أن يطلبوا التوجه لها غاية جهدهم على ما أمكنهم وغلب بالدلالات في قلوبهم فإذا فعلوا وسعهم الاختلاف وكان كل مؤديا للفرض عليه بالاجتهاد في طلب الحق المغيب عنه وقلت قال الله {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: 282] وقال {ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] أفرأيت حاكمين شهد عندهما شاهدان بأعيانهما فكانا عند أحد الحاكمين عدلين وعند الآخر غير عدلين.
قال فعلى الذي هما عنده عدلان أن يجيزهما وعلى الآخر الذي هما عنده غير عدلين أن يردهما قلت له فهذا الاختلاف قال نعم فقلت له أراك إذن جعلت الاختلاف حكمين فقال لا يوجد في المغيب إلا هذا وكل وإن اختلف فعله وحكمه فقد أدى ما عليه قلت فهكذا قلنا وقلت له قال الله عز وجل {ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة} [المائدة: 95] ، فإن حكم عدلان في موضع بشيء وآخران في موضع بأكثر أو أقل منه فكل قد اجتهد وأدى ما عليه وإن اختلفا وقال {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم} [النساء: 34] الآية وقال عز وجل {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] أرأيت إذا فعلت امرأتان فعلا واحدا وكان زوج إحداهما يخاف نشوزها وزوج الأخرى لا يخاف به نشوزها؟ قال يسع الذي يخاف به النشوز العظة والهجر والضرب ولا يسع الآخر الضرب وقلت وهكذا يسع الذي يخاف أن لا تقيم زوجته حدود الله الأخذ منها ولا يسع الآخر وإن استوى فعلاهما قال نعم قال: قال وإني قلت هذا فلعل غيري يخالفني وإياك ولا يقبل هذا منا فأين السنة التي دلت على سعة الاختلاف قلت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» .
قال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة قال وماذا: قلت ما وصفنا من أن الحكام والمفتين إلى اليوم قد اختلفوا في بعض ما حكموا
فيه وأفتوا وهم لا يحكمون ويفتون إلا بما يسعهم عندهم وهذا عندك إجماع فكيف يكون إجماعا إذا كان موجودا في أفعالهم الاختلاف؟ والله أعلم.
[بيان فرائض الله تعالى]
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي) : فرض الله عز وجل في كتابه من وجهين: أحدهما أبان فيه كيف فرض بعضها حتى استغنى فيه بالتنزيل عن التأويل وعن الخبر
، والآخر أنه أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم أثبت فرض ما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه بقوله عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] وبقوله تبارك اسمه {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء: 65] إلى تسليما وبقوله عز وجل {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36] مع غير آية في القرآن بهذا المعنى فمن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبفرض الله عز وجل قبل (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فالفرائض تجتمع في أنها ثابتة على ما فرضت عليه
، ثم تفرقت شرائعها بما فرق الله عز وجل ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فنفرق بين ما فرق منها ونجمع بين ما جمع منها فلا يقاس فرع شريعة على غيرها وأول ما نبدأ به من الشرائع الصلاة فنحن نجدها ثابتة على البالغين غير المغلوبين على عقولهم ساقطة عن الحيض أيام حيضهن، ثم نجد الفريضة منها والنافلة مجتمعتين في أن لا يجوز الدخول في واحدة منهما إلا بطهارة الماء في الحضر والسفر ما كان موجودا أو التيمم في السفر وإذا كان الماء معدوما وفي الحضر أو كان المرء مريضا لا يطيق الوضوء لخوف تلف في العضو أو زيادة في العلة ونجدهما مجتمعتين في أن لا يصليا معا إلا متوجهين إلى الكعبة ما كانا في الحضر ونازلين بالأرض ونجدهما وإذا كانا مسافرين تفترق حالهما فيكون للمصلي تطوعا إن كان راكبا أن يتوجه حيث توجهت به دابته يومئ إيماء ولا نجد ذلك للمصلي فريضة بحال أبدا إلا في حال واحدة من الخوف ونجد المصلي صلاة تجب عليه إذا كان يطيق ويمكنه القيام لم تجز عنه الصلاة إلا قائما ونجد المتنفل يجوز له أن يصلي جالسا ونجد المصلي فريضة يؤديها في الوقت قائما، فإن لم يقدر أداها جالسا، فإن لم يقدر أداها مضطجعا ساجدا إن قدر وموميا إن لم يقدر.
ونجد الزكاة فرضا تجامع الصلاة وتخالفها ولا نجد الزكاة تكون إلا ثابتة أو ساقطة فإذا ثبتت لم يكن فيها إلا أداؤها مما وجبت في جميع الحالات مستويا ليست تختلف بعذر كما اختلفت تأدية الصلاة قائما أو قاعدا ونجد المرء إذا كان له مال حاضر تجب فيه الزكاة وكان عليه دين مثله زالت عنه الزكاة حتى لا يكون عليه منها شيء في تلك الحال والصلاة لا تزول في حال يؤديها كما أطاقها (قال الربيع) وللشافعي قول آخر إذا كان عليه دين عشرين دينارا وله مثلها فعليه الزكاة يؤديها من قبل أن الله عز وجل قال {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103] فلما كانت هذه العشرون لو وهبها جازت هبته ولو تصدق بها جازت صدقته ولو تلفت كانت منه فلما كانت أحكامها كلها تدل على أنها مال من ماله وجبت عليه فيها الزكاة لقول الله تبارك وتعالى {خذ من أموالهم} [التوبة: 103] الآية (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ونجد المرأة ذات المال تزول عنها الصلاة في أيام حيضها ولا تزول عنها الزكاة، وكذلك الصبي والمغلوب على عقله
باب الصوم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ونجد الصوم فرضا بوقت كما أن الصلاة فرض بوقت ثم نجد الصوم مرخصا فيه للمسافر أن يدعه وهو مطيق له في وقته
، ثم يقضيه بعد وقته وليس هكذا الصلاة لا يرخص في تأخير الصلاة عن وقتها إلى يوم غيره ولا يرخص له في أن يقصر من الصوم شيئا كما يرخص في أن يقصر من الصلاة ولا يكون صومه مختلفا باختلاف حالاته في المرض والصحة ونجده إذا جامع في صيام شهر رمضان وهو واجد أعتق وإذا جامع في الحج نحر بدنة وإن جامع في الصلاة استغفر ولم تكن عليه كفارة والجماع في هذه الحالات كلها محرم
، ثم يكون جماع كثير محرم لا يكون في شيء منه كفارة ثم نجده يجامع في صوم واجب عليه في قضاء شهر رمضان أو كفارة قتل أو ظهار فلا يكون عليه كفارة ويكون عليه البدل في هذا كله ونجد المغمى عليه والحائض لا صوم عليهما ولا صلاة فإذا أفاق المغمى عليه وطهرت الحائض فعليهما قضاء ما مضى من الصوم في أيام إغماء هذا وحيض هذه وليس على الحائض قضاء الصلاة في قول أحد ولا على المغمى عليه قضاء الصلاة في قولنا.
ووجدت الحج فرضا على خاص وهو من وجد إليه سبيلا
، ثم وجدت الحج يجامع الصلاة في شيء ويخالفها في غيره فأما ما يخالفها فيه فإن الصلاة يحل له فيها أن يكون لابسا للثياب، ويحرم على الحاج، ويحل للحاج أن يكون متكلما عامدا، ولا يحل ذلك للمصلي، ويفسد المرء صلاته، فلا يكون له أن يمضي فيها ويكون عليه أن يستأنف صلاة غيرها بدلا منها ولا يكفر ويفسد حجه فيمضي فيه فاسدا لا يكون له غير ذلك
، ثم يبدله ويفتدي والحج في وقت والصلاة في وقت، فإن أخطأ رجل في وقته لم يجز عنه الحج
، ثم وجدتهما مأمورين بأن يدخل المصلي في وقت، فإن دخل المصلي قبل الوقت لم تجز عنه صلاته وإن دخل الحاج قبل الوقت أجزأ عنه حجه ووجدت للصلاة أولا وآخرا فوجدت أولها التكبير وآخرها التسليم ووجدته إذا عمل ما يفسدها فيما بين أولها وآخرها أفسدها كلها ووجدت للحج أولا وآخرا ثم أجزأ بعده فأوله الإحرام ثم آخر أجزائه الرمي والحلاق والنحر فإذا فعل هذا خرج من جميع إحرامه في قولنا ودلالة السنة إلا من النساء خاصة وفي قول غيرنا إلا من النساء والطيب والصيد
، ثم وجدته في هذه الحال إذا أصاب النساء قبل يحللن له نحر بدنة ولم يكن مفسدا لحجه وإن لم يصب النساء حتى يطوف حل له النساء وكل شيء حرمه عليه الحج معكوفا على نسكه من حجه من البيتوتة بمنى ورمي الجمار والوداع يعمل هذا حلالا خارجا من إحرام الحج وهو لا يعمل شيئا في الصلاة إلا وإحرام الصلاة قائم عليه ووجدته مأمورا في الحج بأشياء إذا تركها كان عليه فيها البدل بالكفارة من الدماء والصوم والصدقة وحجة ومأمورا في الصلاة بأشياء لا تعدو واحدا من وجهين إما أن يكون تاركا لشيء منها فتفسد صلاته ولا تجزيه كفارة ولا غيرها إلا استئناف الصلاة أو يكون إذا ترك شيئا مأمورا به من غير صلب الصلاة كان تاركا لفضل والصلاة مجزية عنه ولا كفارة عليه
، ثم للحج وقت آخر وهو الطواف بالبيت بعد النحر الذي يحل له به النساء
، ثم لهذا آخر وهو النفر من منى
، ثم الوداع وهو مخير في النفر إن أحب تعجل في يومين وإن أحب تأخر.
أخبرنا الربيع بن سليمان قال (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة بإسناده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لا يمسكن الناس علي بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله» (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - هذا منقطع ونحن نعرف فقه طاوس ولو ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبين فيه أنه على ما وصفت إن شاء الله تعالى قال «لا يمسكن الناس علي بشيء» ولم يقل لا تمسكوا عني بل قد أمر أن يمسك عنه وأمر الله عز وجل بذلك (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة
عن أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا أعرفن ما جاء أحدكم الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه وهو متكئ على أريكته فيقول ما ندري. هذا وما وجدنا في كتاب الله عز وجل اتبعناه»
وقد أمرنا باتباع ما أمرنا واجتناب ما نهى عنه وفرض الله ذلك في كتابه على خليقته وما في أيدي الناس من هذا إلا تمسكوا به عن الله تبارك وتعالى، ثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عن دلالته ولكن قوله إن كان قاله «لا يمسكن الناس علي بشيء» يدل على أن رسوله - صلى الله عليه وسلم - إذ كان بموضع القدوة فقد كانت له خواص أبيح له فيها ما لم يبح للناس وحرم عليه منها ما لم يحرم على الناس فقال «لا يمسكن الناس علي بشيء» من الذي لي أو علي دونهم، فإن كان علي ولي دونهم لا يمسكن به وذلك مثل أن الله عز وجل إذا أحل له من عدد النساء ما شاء وأن يستنكح المرأة إذا وهبت نفسها له قال الله تعالى {خالصة لك من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50] فلم يكن لأحد أن يقول قد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أكثر من أربع ونكح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة بغير مهر وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفيا من المغانم وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الله عز وجل قد بين في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك له دونهم وفرض الله تعالى عليه أن يخير أزواجه في المقام معه والفراق فلم يكن لأحد أن يقول علي أن أخير امرأتي على ما فرض الله عز وجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان قاله «لا يمسكن الناس علي بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله» ، وكذلك صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبذلك أمره وافترض عليه أن يتبع ما أوحي إليه ونشهد أن قد اتبعه فما لم يكن فيه وحي فقد فرض الله عز وجل في الوحي اتباع سنته فيه فمن قبل عنه فإنما قبل بفرض الله عز وجل قال الله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] وقال عز وعلا {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]
وأخبرنا عن صدقة بن يسار عن عمر بن عبد العزيز سأل بالمدينة فاجتمع له على أنه لا يبين حمل في أقل من ثلاثة أشهر (قال الشافعي) : إن الله عز وجل وضع نبيه - صلى الله عليه وسلم - من كتابه ودينه بالموضع الذي أبان في كتابه فالفرض على خلقه أن يكونوا عالمين بأنه لا يقول فيما أنزل الله عليه إلا بما أنزل عليه وأنه لا يخالف كتاب الله وأنه بين عن الله عز وعلا معنى ما أراد الله وبيان ذلك في كتاب الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي} [يونس: 15] وقال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {اتبع ما أوحي إليك من ربك} [الأنعام: 106] وقال مثل هذا في غير آية وقال عز وجل {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80] وقال {فلا وربك لا يؤمنون} [النساء: 65] الآية (قال الشافعي) : أخبرنا الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ما تركت شيئا مما أمركم الله تعالى به إلا وقد أمرتكم به ولا تركت شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» ومثل هذا إن الله عز وجل فرض الصلاة والزكاة والحج جملة في كتابه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معنى ما أراد الله تعالى من عدد الصلاة ومواقيتها وعدد ركوعها وسجودها وسنن الحج وما يعمل المرء منه
ويجتنب وأي المال تؤخذ منه الزكاة وكم ووقت ما تؤخذ منه وقال الله عز وجل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38] وقال عز ذكره {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] فلو صرنا إلى ظاهر القرآن قطعنا من لزمه اسم سرقة وضربنا كل من لزمه اسم زنا مائة جلدة ولما قطع النبي في ربع دينار ولم يقطع في أقل منه ورجم الحرين الثيبين ولم يجلدهما استدللنا على أن الله عز وجل إنما أراد بالقطع والجلد بعض السراق دون بعض وبعض الزناة دون بعض ومثل هذا لا يخالفه المسح على الخفين قال الله عز وجل {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6] فلما مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخفين استدللنا على أن فرض الله عز وجل غسل القدمين إنما هو على بعض المتوضئين دون بعض وأن المسح لمن أدخل رجليه في الخفين بكمال الطهارة استدلالا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يمسح والفرض عليه غسل القدم كما لا يدرأ القطع عن بعض السراق وجلد المائة عن بعض الزناة والفرض عليه أن يجلد ويقطع، فإن ذهب ذاهب إلى أنه قد يروى عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال سبق الكتاب المسح على الخفين فالمائدة نزلت قبل المسح المثبت بالحجاز في غزاة تبوك والمائدة قبله، فإن زعم أنه كان فرض وضوء قبل الوضوء الذي مسح فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفرض وضوء بعده فنسخ المسح فليأتنا بفرض وضوءين في القرآن فإنا لا نعلم فرض الوضوء إلا واحدا وإن زعم أنه مسح قبل يفرض عليه الوضوء فقد زعم أن الصلاة بلا وضوء ولا نعلمها كانت قط إلا بوضوء فأي كتاب سبق المسح على الخفين المسح كما وصفنا من الاستدلال بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كان جميع ما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فرائض الله تبارك وتعالى مثل ما وصفنا من السارق والزاني وغيرهما (قال الشافعي) : ولا تكون سنة أبدا تخالف القرآن.
والله تعالى الموفق.
[كتاب صفة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم]
- (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أصل النهي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كل ما نهى عنه فهو محرم حتى تأتي عنه دلالة تدل على أنه إنما نهى عنه لمعنى غير التحريم إما أراد به نهيا عن بعض الأمور دون بعض وإما أراد به النهي للتنزيه عن المنهي والأدب والاختيار ولا نفرق بين نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أمر لم يختلف فيه المسلمون فنعلم أن المسلمين كلهم لا يجهلون سنة وقد يمكن أن يجهلها بعضهم مما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان على التحريم لم يختلف أكثر العامة فيه أنه نهى عن الذهب بالورق إلا هاء وهاء وعن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد ونهى عن بيعتين في بيعة فقلنا والعامة معنا إذا تبايع المتبايعان ذهبا بورق أو ذهبا بذهب فلم يتقابضا قبل أن يتفرقا فالبيع مفسوخ وكانت حجتنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نهى عنه صار محرما وإذا تبايع الرجلان بيعتين في بيعة فالبيعتان جميعا مفسوختان بما انعقدت.
وهو أن يقول أبيعك على أن تبيعني لأنه إنما انعقدت العقدة على أن ملك كل واحد منهما عن صاحبه شيئا ليس في ملكه ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر ومنه أن أقول سلعتي هذه لك بعشرة نقدا أو بخمسة عشر إلى أجل فقد وجب عليه بأحد الثمنين لأن البيع لم ينعقد بشيء معلوم وبيع الغرر فيه أشياء كثيرة نكتفي بهذا منها ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الشغار والمتعة فما انعقدت على شيء محرم علي ليس في ملكي بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - لأني قد ملكت المحرم بالبيع المحرم فأجرينا النهي مجرى واحدا إذا لم يكن عنه دلالة تفرق بينه ففسخنا هذه الأشياء والمتعة والشغار كما فسخنا البيعتين ومما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الحالات دون بعض واستدللنا على أنه إنما أراد بالنهي عنه أن يكون منهيا عنه في حال دون حال بسنته - صلى الله عليه وسلم - ذلك أن أبا هريرة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» فلولا الدلالة عنه كان النهي في هذا مثل النهي في الأول فيحرم إذا خطب الرجل امرأة أن يخطبها غيره فلما «قالت فاطمة بنت قيس قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حللت فآذنيني فلما حلت من عدتها أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ولكن انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته فقال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به» استدللنا على أنه لا ينهى عن الخطبة ويخطب على خطبة إلا ونهيه عن الخطبة حين ترضى المرأة فلا يكون بقي إلا العقد فيكون إذا خطب أفسد ذلك على الخاطب المرضي أو عليها أو عليهما معا وقد يمكن أن يفسد ذلك عليهما
، ثم لا يتم ما بينها وبين الخاطب ولو أن فاطمة أخبرته أنها رضيت واحدا منهما لم يخطبها إن شاء الله تعالى على أسامة ولكنها أخبرته بالخطبة واستشارته فكان في حديثها دلالة على أنها لم ترض ولم ترد فإذا كانت المرأة بهذه الحال جاز أن





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #323  
قديم 05-12-2024, 11:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,480
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (323)
صــــــــــ 306 الى صـــــــــــ 314






تخطب وإذا رضيت المرأة الرجل وبدا لها وأمرت بأن تنكحه لم يجز أن تخطب في الحال التي لو زوجها فيها الولي جاز نكاحه، فإن قال قائل فإن حالها إذا كانت بعد أن تركن بنعم مخالفة حالها بعد الخطبة وقبل أن تركن فكذلك حالها حين خطبت قبل الركون مخالفة حالها قبل أن تخطب، وكذلك إذا أعيدت عليها الخطبة وقد كانت امتنعت فسكتت والسكات قد لا يكون رضا فليس ههنا قول يجوز عندي أن يقال إلا ما ذكرت بالاستدلال ولولا الدلالة بالسنة كانت إذا خطبت حرمت على غير خاطبها الأول أن يخطبها حتى يتركها الخاطب الأول
، ثم يتفرق نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجهين فكل ما نهى عنه مما كان ممنوعا إلا بحادث يحدث فيه يحله فأحدث الرجل فيه حادثا منهيا عنه لم يحله وكان على أصل تحريمه إذا لم يأت من الوجه الذي يحله وذلك مثل أن أموال الناس ممنوعة من غيرهم وأن النساء ممنوعات من الرجال إلا بأن يملك الرجل مال الرجل بما يحل من بيع أو هبة وغير ذلك وأن النساء محرمات إلا بنكاح صحيح أو ملك يمين صحيح فإذا اشترى الرجل شراء منهيا عنه فالتحريم فيما اشترى قائم بعينه لأنه لم يأته من الوجه الذي يحل منه ولا يحل المحرم، وكذلك إذا نكح نكاحا منهيا عنه لم تحل المرأة المحرمة عنه من فعل شيء في ملكي أو شيء مباح لي ليس بملك لأحد فذلك نهي اختيار ولا ينبغي أن نرتكبه فإذا عمد فعل ذلك أحد كان عاصيا بالفعل ويكون قد ترك الاختيار ولا يحرم ما له ولا ما كان مباحا له وذلك مثل ما روي عنه أنه أمر الآكل أن يأكل مما يليه ولا يأكل من رأس الثريد ولا يعرس على قارعة الطريق، فإن أكل مما لا يليه أو من رأس الطعام أو عرس على قارعة الطريق أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالما بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يحرم ذلك طعام عليه وذلك أن الطعام غير الفعل ولم يكن يحتاج إلى شيء يحل له به الطعام كان حلالا فلا يحرم الحلال عليه بأن عصى في الموضع الذي جاء منه الأكل ومثل ذلك النهي عن التعريس على قارعة الطريق.
الطريق له مباح وهو عاص بالتعريس على الطريق ومعصيته لا تحرم عليه الطريق وإنما قلت يكون فيها عاصيا إذا قامت الحجة على الرجل بأنه كان علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه.
والله أعلم.
[كتاب إبطال الاستحسان]
الحمد لله على جميع نعمه بما هو أهله وكما ينبغي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله بعثه بكتاب عزيز {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 42] فهدى بكتابه
، ثم على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - بما أنعم عليه وأقام الحجة على خلقه {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165] وقال {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة} [النحل: 89] وقال {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] وفرض عليهم اتباع ما أنزل عليه وسن رسوله لهم فقال {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله} [الأحزاب: 36] فاعلم أن معصيته في ترك أمره وأمر رسوله ولم يجعل لهم إلا اتباعه، وكذلك قال لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال {ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم - صراط الله} [الشورى: 52 - 53] مع ما أعلم نبيه بما فرض من اتباع كتابه فقال {فاستمسك بالذي أوحي إليك} [الزخرف: 43] وقال {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} [المائدة: 49] وأعلمهم أنه أكمل لهم دينهم فقال عز وجل {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3] وأبان الله عز وجل لخلقه أنه تولى الحكم فيما أثابهم وعاقبهم عليه على ما علم من سرائرهم وافقت سرائرهم علانيتهم أو خالفتها وإنما جزاهم بالسرائر فأحبط عمل كل من كفر به
، ثم قال تبارك وتعالى فيمن فتن عن دينه {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} [النحل: 106] فطرح عنهم حبوط أعمالهم والمأثم بالكفر إذا كانوا مكرهين وقلوبهم على الطمأنينة بالإيمان وخلاف الكفر وأمر بقتال الكافرين حتى يؤمنوا وأبان ذلك جل وعز حتى يظهروا الإيمان
، ثم أوجب للمنافقين إذا أسروا نار جهنم فقال {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: 145] وقال {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون - اتخذوا أيمانهم جنة} [المنافقون: 1 - 2] يعني والله تعالى أعلم من القتل فمنعهم من القتل ولم يزل عنهم في الدنيا أحكام الإيمان مما أظهروا منه وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار لعلمه بسرائرهم وخلافها لعلانيتهم بالإيمان فأعلم عباده مع ما أقام عليهم من الحجة بأن ليس كمثله أحد في شيء إن علمه بالسر والعلانية واحد فقال تعالى ذكره {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق: 16] وقال عز وعلا {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} [غافر: 19] مع آيات أخر من الكتاب (قال الشافعي) : فعرف جميع خلقه في كتابه أن لا علم إلا ما علمهم فقال عز وجل {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} [النحل: 78] وقال {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} [البقرة: 255] (قال الشافعي) :
، ثم من عليهم بما آتاهم من العلم وأمرهم بالاقتصار عليه وأن لا يتولوا غيره إلا بما علمهم وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى: 52] وقال عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا - إلا أن يشاء الله} [الكهف: 23 - 24] وقال لنبيه
{قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} [الأحقاف: 9]
، ثم أنزل على نبيه أن قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعني والله أعلم ما تقدم من ذنبه قبل الوحي وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب فعلم ما يفعل به من رضاه عنه وأنه أول شافع ومشفع يوم القيامة وسيد الخلائق وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36] «وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل في امرأة رجل رماها بالزنا فقال له يرجم فأوحى الله إليه آية اللعان فلاعن بينهما» وقال الله تعالى {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} [النمل: 65] وقال {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام} [لقمان: 34] الآية وقال لنبيه {يسألونك عن الساعة أيان مرساها - فيم أنت من ذكراها} [النازعات: 42 - 43] فحجب عن نبيه علم الساعة وكان من جاور ملائكة الله المقربين وأنبياءه المصطفين من عباد الله أقصر علما من ملائكته وأنبيائه لأن الله عز وجل فرض على خلقه طاعة نبيه ولم يجعل لهم بعد من الأمر شيئا وأولى أن لا يتعاطوا حكما على غيب أحد لا بدلالة ولا ظن لتقصير علمهم عن علم أنبيائه الذين فرض الله تعالى عليهم الوقف عما ورد عليهم حتى يأتينهم أمره فإنه جل وعز ظاهر عليهم الحجج فيما جعل إليهم من الحكم في الدنيا بأن لا يحكموا إلا بما ظهر من المحكوم عليه وأن لا يجاوزوا أحسن ظاهره ففرض على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا وأن يحقن دماءهم إذا أظهروا الإسلام
، ثم بين الله
، ثم رسوله أن لا يعلم سرائرهم في صدقهم بالإسلام إلا الله فقال عز وجل لنبيه {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} [الممتحنة: 10] (قرأ الربيع) إلى قوله {فلا ترجعوهن إلى الكفار} [الممتحنة: 10] يعني والله تعالى أعلم بصدقهن بإيمانهن قال {فإن علمتموهن مؤمنات} [الممتحنة: 10] يعني ما أمرتكم أن تحكموا به فيهن إذا أظهرن الإيمان لأنكم لا تعلمون من صدقهن بالإيمان ما يعلم الله فاحكموا لهن بحكم الإيمان في أن لا ترجعوهن إلى الكفار {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} [الممتحنة: 10] (قال الشافعي) :
، ثم أطلع الله رسوله على قوم يظهرون الإسلام ويسرون غيره ولم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} [الحجرات: 14] الآية (قال الشافعي) : أسلمنا يعني أسلمنا بالقول بالإيمان مخافة القتل والسباء
، ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله يعني إن أحدثوا طاعة رسوله وقال له في المنافقين وهم صنف ثان {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] إلى {اتخذوا أيمانهم جنة} [المنافقون: 2] يعني والله تعالى أعلم أيمانهم بما يسمع منهم من الشرك بعد إظهار الإيمان جنة من القتل وقال في المنافقين {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم} [التوبة: 95] الآية فأمر بقبول ما أظهروا ولم يجعل لنبيه أن يحكم عليهم خلاف حكم الإيمان، وكذلك حكم نبيه - صلى الله عليه وسلم - على من بعدهم بحكم الإيمان وهم يعرفون أو بعضهم بأعيانهم منهم من تقوم عليه البينة بقول الكفر ومنهم من عليه الدلالة في أفعاله فإذا أظهروا التوبة منه والقول بالإيمان حقنت عليهم دماؤهم وجمعهم ذكر الإسلام وقد أعلم الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنهم في الدرك الأسفل من النار فقال {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: 145] فجعل حكمه عليهم جل وعز على سرائرهم وحكم نبيه عليهم في الدنيا على علانيتهم بإظهار التوبة وما قامت عليه بينة من المسلمين بقوله وما أقروا بقوله وما جحدوا من قول الكفر مما لم يقروا به ولم تقم به بينة عليهم وقد كذبهم على قولهم في كل، وكذلك أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله عز وجل (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار «أن رجلا سار النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ندر ما ساره حتى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يشاوره في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس
يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال بلى ولا شهادة له فقال أليس يصلي؟ قال بلى ولا صلاة له فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولئك الذين نهاني الله تعالى عنهم» أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أسامة بن زيد قال شهدت من نفاق عبد الله بن أبي ثلاثة مجالس أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» (قال الشافعي) : فأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن فرض الله أن يقاتلهم حتى يظهروا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها يعني إلا بما يحكم الله تعالى عليهم فيها وحسابهم على الله بصدقهم وكذبهم وسرائرهم والله العالم بسرائرهم المتولي الحكم عليهم دون أنبيائه وحكام خلقه وبذلك مضت أحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق وأعلمهم أن جميع أحكامه على ما يظهرون وأن الله يدين بالسرائر.
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة «وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العجلاني وهو أحيمر سبط نضو الخلق فقال يا رسول الله رأيت شريك ابن السحماء يعني ابن عمه وهو رجل عظيم الأليتين أدعج العينين حاد الخلق يصيب فلانة يعني امرأته وهي حبلى وما قربتها منذ كذا فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شريكا فجحد ودعا المرأة فجحدت فلاعن بينها وبين زوجها وهي حبلى، ثم قال ابصروها، فإن جاءت به أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمرا كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب فجاءت به أدعج عظيم الأليتين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا إن أمره لبين لولا ما قضى الله»
يعني أنه لمن زنا لولا ما قضى الله من أن لا يحكم على أحد إلا بإقرار أو اعتراف على نفسه لا يحل بدلالة غير واحد منهما وإن كانت بينة.
وقال «لولا ما قضى الله لكان لي فيهما قضاء غيره» ولم يعرض لشريك ولا للمرأة والله أعلم وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب
، ثم علم بعد أن الزوج هو الصادق (قال الشافعي) أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن «ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية ألبتة، ثم أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة ألبتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لركانة والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان - رضي الله عنهما -»
(قال الشافعي) : وفي جميع ما وصفت ومع غيره مما استغنيت بما كتبت عنه مما فرض الله تعالى على الحكام في الدنيا دليل على أن حراما على حاكم أن يقضي أبدا على أحد من عباد الله إلا بأحسن ما يظهر وأخفه على المحكوم عليه وإن احتمل ما يظهر منه غير أحسنه كانت عليه دلالة بما يحتمل ما يخالف أحسنه وأخفه عليه أو لم تكن لما حكم الله في الأعراب الذين قالوا آمنا وعلم الله الإيمان لم يدخل في قلوبهم وما حكم الله تعالى به في المنافقين الذين أعلم الله أنهم آمنوا ثم كفروا وأنهم كذبة بما أظهروا من الإيمان وبما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المتلاعنين حين وصف قبل أن تلد إن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق فجاء به على الوصف الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لزوجها فلا أراه إلا قد صدق.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن أمره لبين» أي لقد زنت وزنى بها شريك الذي رماه زوجها بالزنى
، ثم لم يجعل الله إليهما سبيلا إذا لم يقرا ولم تقم عليهما بينة وأبطل في حكم الدنيا عليهما استعمال الدلالة التي لا يوجد في الدنيا دلالة بعد دلالة الله على المنافقين
والأعراب أقوى مما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مولود امرأة العجلاني قبل يكون
، ثم كان كما أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأغلب على من سمع «الفزاري يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن امرأتي ولدت غلاما أسود وعرض بالقذف أنه يريد القذف، ثم لم يحده النبي - صلى الله عليه وسلم -»
إذ لم يكن التعريض ظاهر قذف فلم يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه حكم القاذف والأغلب على من سمع قول ركانة لامرأته أنت طالق ألبتة أنه يعقل أنه قد أوقع الطلاق بقوله طالق وأن ألبتة إرادة شيء غير الأول أنه أراد الإبتات بثلاث ولكنه لما كان ظاهرا في قوله واحتمل غيره لم يحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بظاهر الطلاق وذلك واحدة (قال الشافعي) : فمن حكم على الناس بخلاف ما ظهر عليهم استدلالا على أن ما أظهروا يحتمل غير ما أظهروا بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنة وذلك أن يقول قائل من رجع عن الإسلام ممن ولد على الإسلام قتلته ولم أستتبه ومن رجع عنه ممن لم يولد على الإسلام استتبته ولم يحكم الله تعالى على عباده إلا حكما واحدا مثل أن يقول من رجع عن الإسلام ممن أظهر نصرانية أو يهودية أو دينا يظهر كالمجوسية استتبته، فإن أظهر التوبة قبلت منه ومن رجع إلى دين يخفيه لم أستتبه (قال الشافعي) : وكل قد بدل دينه دين الحق ورجع إلى الكفر فكيف يستتاب بعضهم ولا يستتاب بعض وكل باطل، فإن قال لا أعرف توبة الذي يسر دينه.
قيل ولا يعرفها إلا الله وهذا مع خلافه حكم الله ثم رسوله كلام محال يسأل من قال هذا هل تدري لعل الذي كان أخفى الشرك يصدق بالتوبة والذي كان أظهر الشرك يكذب بالتوبة؟ ، فإن قال نعم قيل فتدري لعلك قتلت المؤمن الصادق بالإيمان واستحييت الكاذب بإظهار الإيمان، فإن قال ليس علي إلا الظاهر قيل فالظاهر فيهما واحد وقد جعلته اثنين بعلة محالة والمنافقون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يظهروا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية بل كانوا يستسرون بدينهم فيقبل منهم ما يظهرون من الإيمان فلو كان قائل هذا القول حين خالف السنة أحسن أن يعتل بشيء له وجه ولكنه يخالفها ويعتل بما لا وجه له كأنه يرى النصرانية واليهودية لا تكون إلا بإتيان الكنائس.
أرأيت إذا كانوا ببلاد لا كنائس فيها أما يصلون في بيوتهم فتخفى صلاتهم على غيرهم؟ قال وما وصفت من حكم الله
، ثم حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - في المتلاعنين إن جاءت به المتلاعنة على النعت المكروه يبطل حكم الدلالة التي هي أقوى من الذرائع فإذا أبطل الأقوى من الدلائل أبطل له الأضعف من الذرائع كلها وأبطل الحد في التعريض بالدلالة.
فإن من الناس من يقول: إذا تشاتم الرجلان فقال أحدهما ما أبي بزان ولا أمي بزانية حد لأنه إذا قاله على المشاتمة فالأغلب إنما يريد به قذف أم الذي يشاتم وأبيه وإن قاله على غير المشاتمة لم أحده إذا قال لم أرد القذف مع إبطال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم التعريض في حديث الفزاري الذي ولدت امرأته غلاما أسود، فإن قال قائل فإن عمر حد في التعريض في مثل هذا قيل واستشار أصحابه فخالفه بعضهم ومع من خالفه ما وصفنا من الدلالة ويبطل مثله من قول الرجل لامرأته أنت طالق ألبتة لأن طالق إيقاع طلاق ظاهر والبتة تحتمل زيادة في عدد الطلاق وغير زيادة فعليه الظاهر والقول قوله في الذي يحتمل غير الظاهر حتى لا يحكم عليه أبدا إلا بظاهر، ويجعل القول قوله في غير الظاهر قال وهذا يدل على أنه لا يفسد عقد أبدا إلا بالعقد نفسه لا يفسد بشيء تقدمه ولا تأخره ولا بتوهم ولا بأغلب، وكذلك كل شيء لا تفسده إلا بعقده ولا نفسد البيوع بأن يقول هذه ذريعة وهذه نية سوء ولو جاز أن نبطل من البيوع بأن يقال متى خالف أن تكون ذريعة إلى الذي لا يحل كان أن يكون اليقين من البيوع بعقد ما لا يحل أولى أن يرد به من الظن ألا ترى أن رجلا لو
اشترى سيفا ونوى بشرائه أن يقتل به كان الشراء حلالا وكانت النية بالقتل غير جائزة ولم يبطل بها البيع.
قال، وكذلك لو باع البائع سيفا من رجل يراه أنه يقتل به رجلا كان هكذا، وكذلك لو اشترى فرسا وهو يراها عقوقا فقال هو والله ما اشتريتها بمائة إلا لعقاقها وما تسوى لولا العقاق خمسين وقال البائع ما أردت منها العقاق لم يفسد البيع بهذه النية إذا انعقدت صفقة البيع على الفرس ولم يشترط فيها العقاق ولو اشترط فيها العقاق فسد البيع لأنه بيع ما لا يدري أيكون أو لا يكون ألا ترى لو أن رجلا شريفا نكح دنية أعجمية، أو شريفة نكحت دنيا أعجميا فتصادقا في الوجهين على أن لم ينو واحد منهما أن يثبتا على النكاح أكثر من ليلة لم يحرم النكاح بهذه النية لأن ظاهر عقدته كانت صحيحة إن شاء الزوج حبسها وإن شاء طلقها فإذا دل الكتاب ثم السنة ثم عامة حكم الإسلام على أن العقود إنما يثبت بالظاهر عقدها ولا يفسدها نية العاقدين كانت العقود إذا عقدت في الظاهر صحيحة أولى أن لا تفسد بتوهم غير عاقدها على عاقدها
ثم، سيما إذا كان توهما ضعيفا والله تعالى أعلم.
باب إبطال الاستحسان (قال الشافعي) : وكل ما وصفت مع ما أنا ذاكر وساكت عنه اكتفاء بما ذكرت منه عما لم أذكر من حكم الله ثم حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم -
، ثم حكم المسلمين دليل على أن لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكما أو مفتيا أن يحكم ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم وذلك الكتاب ثم السنة أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه أو قياس على بعض هذا لا يجوز له أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان إذ لم يكن الاستحسان واجبا ولا في واحد من هذه المعاني، فإن قال قائل فما يدل على أن لا يجوز أن يستحسن إذا لم يدخل الاستحسان في هذه المعاني مع ما ذكرت في كتابك هذا؟ قيل قال الله عز وجل {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} [القيامة: 36] فلم يختلف أهل العمل بالقرآن فيما علمت أن السدى الذي لا يؤمر ولا ينهى ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد أجاز لنفسه أن يكون في معاني السدى وقد أعلمه الله أنه لم يتركه سدى ورأى أن قال أقول بما شئت وادعى ما نزل القرآن بخلافه في هذا وفي السنن فخالف منهاج النبيين وعوام حكم جماعة من روى عنه من العالمين، فإن قال فأين ما ذكرت من القرآن ومنهاج النبيين صلى الله عليهم وسلم أجمعين؟ قيل قال الله عز وجل لنبيه - عليه الصلاة والسلام - {اتبع ما أوحي إليك من ربك} [الأنعام: 106] وقال {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} [المائدة: 49] الآية ثم جاءه قوم فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم فقال أعلمكم غدا يعني أسأل جبريل ثم أعلمكم فأنزل الله عز وجل {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا - إلا أن يشاء الله} [الكهف: 23 - 24] الآية وجاءته امرأة أوس بن الصامت تشكو إليه أوسا فلم يجبها حتى أنزل الله عز وجل {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} [المجادلة: 1] وجاءه العجلاني يقذف امرأته قال لم ينزل فيكما وانتظر الوحي فلما نزل دعاهما فلاعن بينهما كما أمره الله عز وجل وقال لنبيه {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 49] وقال عز وجل {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق} [ص: 26] الآية.
وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق إلا وقد علم الحق ولا يكون الحق معلوما إلا عن الله نصا أو دلالة من الله فقد جعل الله الحق في كتابه ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فليس تنزل بأحد نازلة إلا والكتاب يدل عليها نصا أو جملة، فإن قال وما النص والجملة؟ قيل النص ما حرم الله وأحل نصا حرم الأمهات والجدات والعمات والخالات ومن ذكر معهن وأباح من سواهن وحرم الميتة والدم
ولحم الخنزير والفواحش ما ظهر منها وما بطن وأمر بالوضوء فقال {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم} [المائدة: 6] الآية فكان مكتفى بالتنزيل في هذا عن الاستدلال فيما نزل فيه مع أشباه له، فإن قيل فما الجملة؟ قيل ما فرض الله من صلاة وزكاة وحج فدل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف الصلاة وعددها ووقتها والعمل فيها وكيف الزكاة وفي أي المال هي وفي أي وقت هي وكم قدرها وبين كيف الحج والعمل فيه وما يدخل فيه وما يخرج به منه (قال الشافعي) : فإن قيل فهل يقال لهذا كما قيل للأول قبل عن الله؟ قيل نعم، فإن قيل فمن أين قيل؟ قبل عن الله لكلامه جملة وقبل تفسيره عن الله بأن الله فرض طاعة نبيه فقال عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] وقال {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80] مع ما فرض من طاعة رسوله، فإن قيل فهذا مقبول عن الله كما وصفت فهل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوحي؟ قيل الله أعلم أخبرنا مسلم بن خالد عن طاوس قال الربيع هو عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن عنده كتابا من العقول نزل به الوحي.
(قال الشافعي) : وما فرض رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - شيئا قط إلا بوحي فمن الوحي ما يتلى ومنه ما يكون وحيا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستن به أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ولا شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه وإن الروح الأمين قد ألقى في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فأحملوا في الطلب» (قال الشافعي) : وقد قيل ما لم يتل قرآنا إنما ألقاه جبريل في روعه بأمر الله فكان وحيا إليه وقيل جعل الله إليه لما شهد له به من أنه يهدي إلى صراط مستقيم أن يسن وأيهما كان فقد ألزمهما الله تعالى خلقه ولم يجعل لهم الخيرة من أمرهم فيما سن لهم وفرض عليهم اتباع سنته (قال الشافعي) : فإن قال قائل فما الحجة في قبول ما اجتمع الناس عليه؟ قيل لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلزوم جماعة المسلمين لم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا لزوم قول جماعتهم وكان معقولا أن جماعتهم لا تجهل كلها حكما لله ولا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن الجهل لا يكون إلا في خاص وأما ما اجتمعوا عليه فلا يكون فيه الجهل فمن قبل قول جماعتهم فبدلالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل قولهم.
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإن قال قائل أرأيت ما لم يمض فيه كتاب ولا سنة ولا يوجد الناس اجتمعوا عليه فأمرت بأن يؤخذ قياسا على كتاب أو سنة أيقال لهذا قبل عن الله؟ قيل نعم قبلت جملته عن الله، فإن قيل ما جملته؟ قيل الاجتهاد فيه على الكتاب والسنة، فإن قيل أفيوجد في الكتاب دليل عن ما وصفت؟ قيل نعم نسخ الله قبلة بيت المقدس وفرض على الناس التوجه إلى البيت فكان على من رأى البيت أن يتوجه إليه بالعيان وفرض الله على من غاب عنه البيت أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام لأن البيت في المسجد الحرام فكان المحيط بأنه أصاب البيت بالمعاينة والمتوجه قصد البيت ممن غاب عنه قابلين عن الله معا التوجه إليه وأحدهما على الإحاطة والآخر متوجه بدلالة فهو على إحاطة من صواب جملة ما كلف وعلى غير إحاطة كإحاطة الذي يرى البيت من صواب البيت ولم يكلف الإحاطة (قال الشافعي) : فإن قيل فيم يتوجه إلى البيت؟ قيل قال الله تعالى {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} [الأنعام: 97] وقال {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} [النحل: 16] وكانت العلامات جبالا يعرفون مواضعها من الأرض وشمسا وقمرا ونجما مما يعرفون من الفلك ورياحا يعرفون مهابها على الهواء تدل على قصد البيت الحرام فجعل عليهم طلب الدلائل على شطر المسجد الحرام فقال {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 150] وكان معقولا

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #324  
قديم 05-12-2024, 11:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,480
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (324)
صــــــــــ 315 الى صـــــــــــ 324







عن الله عز وجل أنه إنما يأمرهم بتولية وجوههم شطره بطلب الدلائل عليه لا بما استحسنوا ولا بما سنح في قلوبهم ولا خطر على أوهامهم بلا دلالة جعلها الله لهم لأنه قضى أن لا يتركهم سدى وكان معقولا عنه أنه إذا أمرهم أن يتوجهوا شطره وغيب عنهم عينه أن لم يجعل لهم أن يتوجهوا حيث شاءوا لا قاصدين له بطلب الدلالة عليه.
(قال الشافعي) : وقال الله عز وجل {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] وقال {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: 282] فكان على الحكام أن لا يقبلوا إلا عدلا في الظاهر وكانت صفات العدل عندهم معروفة وقد وصفتها في غير هذا الموضع وقد يكون في الظاهر عدلا وسريرته غير عدل ولكن الله لم يكلفهم ما لم يجعل لهم السبيل إلى عمله ولم يجعل لهم إذ كان يمكن إلا أن يردوا من ظهر منه خلاف العدل عندهم وقد يمكن أن يكون الذي ظهر منه خلاف العدل خيرا عند الله عز وجل من الذي ظهر منه العدل ولكن كلفوا أن يجتهدوا على ما يعلمون من الظاهر الذي لم يؤتوا أكثر منه.
(قال الشافعي) : وقال الله جل ثناؤه {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم} [المائدة: 95] فكان معقولا عن الله في الصيد النعامة وبقر الوحش وحماره والثيتل والظبي الصغير والكبير والأرنب واليربوع وغيره ومعقولا أن النعم الإبل والبقر والغنم وفي هذا ما يصغر عن الغنم وعن الإبل وعن البقر فلم يكن المثل فيه في المعقول وفيما حكم به من حكم من صدر هذه الأمة إلا أن يحكموا في الصيد بأولى الأشياء شبها منه من النعم ولم يجعل لهم إذ كان المثل يقرب قرب الغزال من العنز والضبع من الكبش أن يبطلوا اليربوع مع بعده من صغير الغنم وكان عليهم أن يجتهدوا كما أمكنهم الاجتهاد وكل أمر الله جل ذكره وأشبه لهذا تدل على إباحة القياس وحظر أن يعمل بخلافه من الاستحسان لأن من طلب أمر الله بالدلالة عليه فإنما طلبه بالسبيل التي فرضت عليه ومن قال أستحسن لا عن أمر الله ولا عن أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقبل عن الله ولا عن رسوله ما قال ولم يطلب ما قال بحكم الله ولا بحكم رسوله، وكان الخطأ في قول من قال هذا، بينا بأنه قد قال: أقول وأعمل بما لم أومر به ولم أنه عنه وبلا مثال على ما أمرت به ونهيت عنه وقد قضى الله بخلاف ما قال فلم يترك أحدا إلا متعبدا.
(قال الشافعي) : في قول الله عز وجل {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} [القيامة: 36] إن من حكم أو أفتى بخير لازم أو قياس عليه فقد أدى ما عليه وحكم وأفتى من حيث أمر فكان في النص مؤديا ما أمر به نصا وفي القياس مؤديا ما أمر به اجتهادا وكان مطيعا لله في الأمرين.
ثم لرسوله فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بطاعة الله ثم رسوله
، ثم الاجتهاد فيروى «أنه قال لمعاذ بم تقضي؟ قال بكتاب الله قال، فإن لم يكن في كتاب الله قال بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال، فإن لم يكن قال أجتهد قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وقال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر» فأعلم أن للحاكم الاجتهاد والمقيس في موضع الحكم
(قال الشافعي) : ومن استجاز أن يحكم أو يفتي بلا خبر لازم ولا قياس عليه كان محجوجا بأن معنى قوله أفعل ما هويت وإن لم أومر به مخالف معنى الكتاب والسنة فكان محجوجا على لسانه ومعنى ما لم أعلم فيه مخالفا، فإن قيل ما هو؟ .
قيل لا أعلم أحدا من أهل العلم رخص لأحد من أهل العقول والآداب في أن يفتي ولا يحكم برأي نفسه إذا لم يكن عالما بالذي تدور عليه أمور القياس من الكتاب والسنة والإجماع والعقل لتفصيل المشتبه فإذا زعموا هذا قيل لهم ولم لم يجز لأهل العقول التي تفوق كثيرا من عقول أهل العلم بالقرآن والسنة والفتيا أن يقولوا فيما قد نزل مما يعلمونه معا أن ليس فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع
وهم أوفر عقولا وأحسن إبانة لما قالوا من عامتكم؟ ، فإن قلتم لأنهم لا علم لهم بالأصول قيل لكم فما حجتكم في علمكم بالأصول إذا قلتم بلا أصل ولا قياس على أصل؟ هل خفتم على أهل العقول الجهلة بالأصول أكثر من أنهم لا يعرفون الأصول فلا يحسنون أن يقيسوا بما لا يعرفون وهل أكسبكم علمكم بالأصول القياس عليهم أو أجاز لكم تركها؟ فإذا جاز لكم تركها جاز لهم القول معكم لأن أكثر ما يخالف عليهم ترك القياس عليها أو الخطأ
، ثم لا أعلمهم إلا أحمد على الصواب إن قالوا على غير مثال منكم لو كان أحد يحمد على أن يقول على غير مثال لأنهم لم يعرفوا مثالا فتركوه وأعذر بالخطأ منكم وهم أخطئوا فيما لا يعلمون ولا أعلمكم إلا أعظم وزرا منهم أتركتم ما تعرفون من القياس على الأصول التي لا تجهلون، فإن قلتم فنحن تركنا القياس على غير جهالة بالأصل قيل، فإن كان القياس حقا فأنتم خالفتم الحق عالمين به وفي ذلك من المأثم ما إن جهلتموه لم تستأهلوا أن تقولوا في العلم وإن زعمتم أن واسعا لكم ترك القياس والقول بما سنح في أوهامكم وحضر أذهانكم واستحسنته مسامعكم حججتم بما وصفنا من القرآن
، ثم السنة وما يدل عليه الإجماع من أن ليس لأحد أن يقول إلا بعلم وما لا تختلفون فيه من أن الحاكم لو تداعى عنده رجلان في ثوب أو عبد تبايعاه عيبا لم يكن للحاكم إذا كان مشكلا أن يحكم فيه وكان عليه أن يدعو أهل العلم به فيسألهم عما تداعيا فيه هل هو عيب، فإن تطالبا قيمة عيب فيه وقد فات سألهم عن قيمته فلو قال أفضلهم دينا وعلما إني جاهل بسوقه اليوم وإن كنت عالما بها قبل اليوم ولكني أقول فيه لم يسعه أن يقبل قوله بجهالته بسوق يومه وقبل قول من يعرف سوق يومه ولو جاء من يعرف سوق يومه فقال إذا قست هذا بغيره مما يباع وقومته على ما مضى وكان عيبه دلني القياس على كذا ولكني أستحسن غيره لم يحل له أن يقبل استحسانه وحرم عليه إلا أن يحكم بما يقال إنه قيمة مثله في يومه.
وكذلك هذا في امرأة أصيبت بصداق فاسد يقال كم صداق مثلها في الجمال والمال والصراحة والشباب واللب والأدب فلو قيل مائة دينار ولكنا نستحسن أن نزيدها درهما أو ننقصها لم يحل له وقال للذي يقول أستحسن أن أزيدها أو أنقصها ليس ذلك لي ولا لك وعلى الزوج صداق مثلها وإذا حكم بمثل هذا في المال الذي نقل رزيته على من أخذ منه ولم يسع فيه الاستحسان وألزم فيه القياس وأهل العلم به ولم يجهل لأهل الجهالة قياسا فيه لأنهم لا يعلمون ما يقيسون عليه فحلال الله وحرامه من الدماء والفروج وعظيم الأمور أولى أن يلزم الحكام والمفتين (قال الشافعي) : أفرأيت إذا قال الحاكم والمفتي في النازلة ليس فيها نص خبر ولا قياس وقال أستحسن فلا بد أن يزعم أن جائزا لغيره أن يستحسن خلافه فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن فيقال في الشيء الواحد بضروب من الحكم والفتيا، فإن كان هذا جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا وإن كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه وإن قال الذي يرى منهم ترك القياس بل على الناس اتباع ما قلت قيل له من أمر بطاعتك حتى يكون على الناس اتباعك؟ أو رأيت إن ادعى عليك غيرك هذا أتطيعه أم تقول لا أطيع إلا من أمرت بطاعته؟ فكذلك لا طاعة لك على أحد وإنما الطاعة لمن أمر الله أو رسوله بطاعته والحق فيما أمر الله ورسوله باتباعه ودل الله ورسوله عليه نصا أو استنباطا بدلائل أورأيت إذ أمر الله بالتوجه قبل البيت وهو مغيب عن المتوجه هل جعل له أن يتوجه إلا بالاجتهاد بطلب الدلائل عليه؟ أورأيت إذا أمر بشهادة العدل فدل على أن لا يقبل غيرها هل يعرف العدل من غيره إلا بطلب الدلائل على عدله؟ أورأيت إذا أمر بالحكم بالمثل في الصيد هل أمر أن يحكم إلا بأن يحكم بنظره؟ فكل هذا اجتهاد وقياس أورأيت إذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاجتهاد في الحكم
هل يكون مجتهدا على غير طلب عين وطلب العين لا يكون إلا باتباع الدلائل عليها وذلك القياس لأن محالا أن يقال اجتهد في طلب شيء من لم يطلبه باحتياله والاستدلال عليه لا يكون طالبا لشيء من سنح على وهمه أو خطر بباله منه.
(قال الشافعي) : وإنه ليلزم من ترك القياس أكثر مما ذكرت وفي بعضه ما قام عليه الحجة وأسأل الله تعالى لي ولجميع خلقه التوفيق وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع أحدا ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب وعلم ناسخه ومنسوخه خاصه وعامه وأدبه وعالما بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا وعالما بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس.
فإن عدم واحدا من هذه الخصال لم يحل له أن يقول قياسا، وكذلك لو كان عالما بالأصول غير عاقل للقياس الذي هو الفرع لم يجز أن يقال لرجل قس وهو لا يعقل القياس وإن كان عاقلا للقياس وهو مضيع لعلم الأصول أو شيء منها لم يجز أن يقال له قس على ما لا تعلم كما لا يجوز أن يقال قس لأعمى وصفت له اجعل كذا عن يمينك، وكذا عن يسارك فإذا بلغت كذا فانتقل متيامنا وهو لا يبصر ما قيل له يجعله يمينا ويسارا أو يقال سر بلادا ولم يسرها قط ولم يأتها قط وليس له فيها علم يعرفه ولا يثبت له فيها قصد سمت يضبطه لأنه يسير فيها عن غير مثال قويم وكما لا يجوز لعالم بسوق سلعة منذ زمان ثم خفيت عنه سنة أن يقال له قوم عبدا من صفته كذا لأن السوق تختلف ولا لرجل أبصر بعض صنف من التجارات وجهل غير صنفه والغير الذي جهل لا دلالة عليه ببعض علم الذي علم قوم كذا كما لا يقال لبناء انظر قيمة الخياطة ولا لخياط انظر قيمة البناء، فإن قال قائل فقد حكم وأفتى من لم يجمع ما وصفت قيل فقد رأيت أحكامهم وفتياهم فرأيت كثيرا منها متضادا متباينا ورأيت كل واحد من الفريقين يخطئ صاحبه في حكمه وفتياه والله تعالى المستعان، فإن قال قائل أرأيت ما اجتهد فيه المجتهدون كيف الحق فيه عند الله؟ قيل لا يجوز فيه عندنا والله تعالى أعلم أن يكون الحق فيه عند الله كله إلا واحدا لأن علم الله عز وجل وأحكامه واحد لاستواء السرائر والعلانية عنده وأن علمه بكل واحد جل ثناؤه سواء، فإن قيل من له أن يجتهد فيقيس على كتاب أو سنة هل يختلفون ويسعهم الاختلاف؟ .
أو يقال لهم إن اختلفوا: مصيبون كلهم أو مخطئون أو لبعضهم مخطئ وبعضهم مصيب؟ قيل لا يجوز على واحد منهم إن اختلفوا إن كان ممن له الاجتهاد وذهب مذهبا محتملا أن يقال له أخطأ مطلقا ولكن يقال لكل واحد منهم قد أطاع فيما كلف وأصاب فيه ولم يكلف علم الغيب الذي لم يطلع عليه أحد، فإن قال قائل فمثل لي من هذا شيئا قيل لا مثال أدل عليه من الغيب عن المسجد الحرام واستقباله فإذا اجتهد رجلان بالطريقين عالمان بالنجوم والرياح والشمس والقمر فرأى أحدهما القبلة متيامنا منه ورأى أحدهما القبلة منحرفة عن حيث رأى صاحبه كان على كل واحد منهما أن يصلي حيث يرى ولا يتبع صاحبه إذا أداه اجتهاده إلى غير ما أدى صاحبه اجتهاده إليه ولم يكلف واحد منهما صواب عين البيت لأنه لا يراه وقد أدى ما كلف من التوجه إليه بالدلائل عليه، فإن قيل فيلزم أحدهما اسم الخطأ قيل أما فيما كلف فلا وأما خطأ عين البيت فنعم لأن البيت لا يكون في جهتين، فإن قيل فيكون مطيعا بالخطأ قيل هذا مثل جاهد يكون مطيعا بالصواب لما كلف من الاجتهاد وغير آثم بالخطأ إذ لم يكلف صواب المغيب العين عنه فإذا لم يكلف صوابه لم يكن عليه خطأ ما لم يجعل عليه صواب عينه، فإن قيل أفتجد سنة تدل على ما وصفت؟ قيل نعم.
أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «إذا حكم الحاكم
فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» قال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة، فإن قال قائل فما معنى هذا؟ قيل ما وصفت من أنه إذا اجتهد فجمع الصواب بالاجتهاد وصواب العين التي اجتهد كان له حسنتان وإذا أصاب الاجتهاد وأخطأ العين التي أمر يجتهد في طلبها كانت له حسنة ولا يثاب من يؤدي في أن يخطئ العين ويحسن من يؤدي أن يكف عنه وهذا يدل على ما وصفت من أنه لم يكلف صواب العين في حال، فإن قيل ذم الله على الاختلاف قيل الاختلاف وجهان فما أقام الله تعالى به الحجة على خلقه حتى يكونوا على بينة منه ليس عليهم إلا اتباعه ولا لهم مفارقته، فإن اختلفوا فيه فذلك الذي ذم الله عليه والذي لا يحل الاختلاف فيه، فإن قال فأين ذلك؟ قيل قال الله تعالى {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} [البينة: 4] فمن خالف نص كتاب لا يحتمل التأويل أو سنة قائمة فلا يحل له الخلاف ولا أحسبه يحل له خلاف جماعة الناس وإن لم يكن في قولهم كتاب أو سنة ومن خالف في أمر له فيه الاجتهاد فذهب إلى معنى يحتمل ما ذهب إليه ويكون عليه دلائل لم يكن في من خلاف لغيره وذلك أنه لا يخالف حينئذ كتابا نصا ولا سنة قائمة ولا جماعة ولا قياسا بأنه إنما نظر في القياس فأداه إلى غير ما أدى صاحبه إليه القياس كما أداه في التوجه للبيت بدلالة النجوم إلى غير ما أدى إليه صاحبه، فإن قال ويكون هذا في الحكم؟ قيل نعم، فإن قيل فمثل هذا إذا كان في الحكم دلالة على موضع الصواب قيل قد عرفناها في بعضه وذلك أن تنزل نازلة تحتمل أن تقاس فيوجد لها في الأصلين شبه فيذهب ذاهب إلى أصل والآخر إلى أصل غيره فيختلفان، فإن قيل فهل يوجد السبيل إلى أن يقيم أحدهما على صاحبه حجة في بعض ما اختلفا فيه؟ قيل نعم إن شاء الله تعالى بأن تنظر النازلة، فإن كانت تشبه أحد الأصلين في معنى والآخر في اثنين صرفت إلى الذي أشبهته في الاثنين دون الذي أشبهته في واحد وهكذا إذا كان شبيها بأحد الأصلين أكثر
، فإن قال قائل فمثل من هذا شيئا قيل لم يختلف الناس في أن لا دية للعبد يقتل خطأ مؤقتة إلا قيمته، فإن كانت قيمته مائة درهم أو أقل أو أكثر إلى أن تكون أقل من عشرة آلاف درهم فعلى من قتله وذهب بعض المشرقيين إلى أنه إن زادت ديته على عشرة آلاف درهم نقصها من عشرة آلاف درهم وقال لا أبلغ بها دية حر وقال بعض أصحابنا نبلغ بها دية أحرار فإذا كان ثمنه مائة درهم لم يزد عليها صاحبه لأن الحكم فيها أنها ثمنه، وكذلك إذا زادت على دية أحرار أخذها سيده كما تقتل له دابة تسوى ديات أحرار فتؤخذ منه كان وهذا عندنا من قول من قال من المشرقيين أمرا لا يجوز الخطأ فيه لما وصفت
، ثم عاد بعض المشرقيين فقال يقتل العبد بالعبد وآخذ الأحرار بالعبيد ولا يقتص العبد من حر ولا من العبد فيما دون النفس فقلت لبعض من تقدم منهم ولم قتلتم العبد والأعبد بالعبد قودا ولم تقيدوا العبد من العبد فيما دون النفس؟ قال من أصل ما ذهبنا إليه في العبيد إذا قتلوا خطأ أن فيهم أثمانهم وأثمانهم كالدواب والمتاع فقلنا لا نقص لبعضهم من بعض في الجراح لأنهم أموال فقلت لهم أفيقاس القصاص على الديات والأثمان أم القصاص مخالف للديات والأثمان؟ ، فإن كان يقاس على الديات فلم تصنع شيئا قتلت عبدا يسوى ألف دينار بعبد يسوى خمسة دنانير وقتلت به عبيدا كلهم ثمنه أكثر من ثمنه ولم تصنع شيئا حين قتلت بعض العبيد ببعض وأنت تمثلهم بالبهائم والمتاع وأن ولا تقتل بهيمة ببهيمة لو قتلتها، فإن زعمت أن الديات أصل
والديات عبرة لأنك تقتل الرجل بالمرأة وديتها نصف دية الرجل فلم تذهب مذهبا بتركك القصاص بين العبيد فيما دون النفس إذا قتلت العبد بالعبد كان أن يتلف بعضه ببعضه أقل وإن اختلفت أثمانهم مع ما يلزمك من هذا القول قال وما يلزمني بقولي هذا؟ قلت أنت تزعم أن من قتل عبدا فعليه الكفارة وعليه ما على من قتل الحر من الإثم لأنه مسلم عليه فرض الله وله حرمة الإسلام ولا تزعم هذا فيمن قتل بعيرا أو حرق متاعا وتزعم أن على العبد حلالا وحراما وحدودا وفرائض وليس هذا على البهائم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إن الله عز وجل حكم على عباده حكمين حكما فيما بينهم وبينه إن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا كما فعل بهم فيما أعلنوا وأعلمهم إقامة للحجة عليهم وبينها لهم أنه علم سرائرهم وعلم علانيتهم فقال {يعلم السر وأخفى} [طه: 7] وقال {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} [غافر: 19] وخلقه لا يعلمون إلا ما شاء عز وجل وحجب علم السرائر عن عباده وبعث فيهم رسلا فقاموا بأحكامه على خلقه وأبان لرسله وخلقه أحكام خلقه في الدنيا على ما أظهروا وأباح دماء أهل الكفر من خلقه فقال {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وحرم دماءهم إن أظهروا الإسلام فقال {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39] وقال {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} [النساء: 92] وقال {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} [النساء: 93] فجعل حينئذ دماء المشركين مباحة وقتالهم حتما وفرضا عليهم إن لم يظهروا الإيمان
، ثم أظهره قوم من المنافقين فأخبر الله نبيه عنهم أن ما يخفون خلاف ما يعلنون فقال {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} [التوبة: 74] وقال {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم} [التوبة: 95] مع ما ذكر به المنافقين فلم يجعل لنبيه قتلهم إذا أظهروا الإيمان ولم يمنعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناكحة المسلمين ولا موارثتهم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ورأيت مثل هذا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» «وقال المقداد أرأيت يا رسول الله لو أن مشركا قاتلني فقطع يدي، ثم لاذ مني بشجرة فأسلم أفأقتله؟ قال لا تقتله»
وقال الله تبارك وتعالى {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} [النور: 6] وقال عز وجل {ويدرأ عنها العذاب} [النور: 8] الآية فحكم بالأيمان بينهما إذا كان الزوج يعلم من المرأة ما لا يعلمه الأجنبيون ودرأ عنه وعنها بها على أن أحدهما كاذب وحكم في الرجل يقذف غير زوجته أن يحد إن لم يأت بأربعة شهداء على ما قال ولاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين العجلاني وامرأته بنفي زوجها وقذفها بشريك بن السحماء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «انظروها، فإن جاءت به - يعني الولد - أسحم أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا صدق» وتلك صفة شريك الذي قذفها به زوجها وزعم أن حبلها منه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كذب عليها» وكانت تلك الصفة صفة زوجها فجاءت به يشبه شريك ابن السحماء.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن أمره لبين لولا ما حكم الله» أي لكان لي فيه قضاء غيره يعني والله أعلم لبيان الدلالة بصدق زوجها فلما كانت الدلالة لا تكون عند العباد إحاطة دل ذلك على إبطال كل ما لم يكن إحاطة عند العباد من الدلائل إن لم يقروا به من الحكم عليه لم يمتنع مما وجب عليه أو تقوم عليه بينة فيؤخذ من حيث أمر الله أن يؤخذ لا يؤخذ بدلالة «وطلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ألبتة، ثم أتى النبي
صلى الله عليه وسلم - فأحلفه ما أراد إلا واحدة وردها عليه» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : لما كان كلامه محتملا لأن لم يرد إلا واحدة جعل القول قوله كما حكم الله فيمن أظهر الإيمان بأن القول قوله في الدنيا فينكح المؤمنات ويوارث المؤمنين وأعلم بأن سرائرهم على غير ما أظهروا وأنه يغلب على من سمع طلاق ألبتة أنه يريد الإبتات الذي لا غاية له من الطلاق «وجاءه رجل من بني فزارة فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فجعل يعرض بالقذف فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - هل لك من إبل؟ قال نعم قال ما ألوانها قال حمر قال فهل فيها من أورق قال نعم قال فأنى أتاه؟ قال لعله نزعه عرق قال ولعل هذا نزعه عرق» ولم يحكم عليه بحد ولا لعان إذ لم يصرح بالقذف لأنه قد يحتمل أن لا يكون أراد قذفا وإن كان الأغلب على سامعه أنه أراد القذف مع أن أحكام الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - تدل على ما وصفت من أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بالظن.
وإن كانت له عليه دلائل قريبة فلا يحكم إلا من حيث أمره الله بالبينة تقوم على المدعى عليه أو إقرار منه بالأمر البين وكما حكم الله أن ما أظهر فله حكمه كذلك حكم أن ما أظهر فعليه حكمه لأنه أباح الدم بالكفر وإن كان قولا فلا يجوز في شيء من الأحكام بين العباد أن يحكم فيه إلا بالظاهر لا بالدلائل.
[كتاب الرد على محمد بن الحسن] [باب الديات]
باب الديات أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - في الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وزن سبعة وقال أهل المدينة على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم وقال محمد بن الحسن بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه فرض على أهل الذهب ألف دينار في الدية وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم.
حدثنا بذلك أبو حنيفة - رضي الله عنه - عن الهيثم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب وزاد وعلى أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الغنم ألف شاة.
أخبرنا سفيان الثوري قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن عن الشعبي. قال على أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار.
وقال أهل المدينة إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فرض على أهل الورق اثني عشر ألف درهم وقال محمد بن الحسن كلا الفريقين روى عن عمر وانظر أي الروايتين أقرب إلى ما قال المسلمون في غير هذا فهو الحق أجمع المسلمون جميعا لا اختلاف بينهم في القولين كافة أهل الحجاز وأهل العراق أن ليس في أقل من عشرين دينارا من الذهب صدقة وليس في أقل من مائتي درهم من الورق صدقة فجعلوا لكل دينار عشرة دراهم ففرضوا الزكاة على هذا فهذا لا اختلاف فيه بينهم فإذا فرضوا هذا في الصدقة فكيف ينبغي لهم أن يفرضوا الدية كل دينار بعشرة دراهم أو يفرضوا كل دينار باثني عشر درهما إنما ينبغي أن يفرضوا الدية بما يفرضون عليه الزكاة وقد جاء عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وعبد الله بن مسعود أنهما قالا لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم فجعلوا الدينار بمنزلة العشرة الدراهم فعلى هذا الأحرى ما فرضوا في مثل هذا، فإن زاد سعر أو نقص لم ينظر في ذلك ألا ترى لو كان له مائة درهم وعشرة دنانير وجب في ذلك الزكاة وجعل في كل صنف منها زكاة وجعل دينار على عشرة دراهم فهذا أمر واضح ليس ينبغي لهم أن يفرضوا الدية فيه إلا على ما فرضت عليه الزكاة ونحوها ونحن فيما نظن أعلم بفريضة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين فرض الدية دراهم أهل المدينة لأن الدراهم على أهل العراق وإنما كان يؤدي الدية أهل العراق وقد صدق أهل المدينة أن عمر - رضي الله عنه - فرض الدية اثني عشر ألف درهم ولكنه فرضها اثني عشر ألف درهم وزن ستة.
أخبرنا الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال كانت الدية الإبل فجعلت الإبل الصغير والكبير كل بعير بمائة وعشرين درهما وزن ستة فذلك عشرة آلاف درهم وقيل لشريك بن عبد الله إن رجلا من المسلمين قال شريك قال أبو إسحاق فأتى رجل منا رجلا من العدو وضربه فأصاب رجلا منا فكبه على وجهه
حتى وقع على حاجبيه وأنفه ولحيته وصدره فقضى فيه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - اثني عشر ألف درهم وكانت الدراهم يومئذ وزن ستة (قال الشافعي) : روى مكحول وعمرو بن شعيب وعدد من الحجازيين أن عمر فرض الدية اثني عشر ألف درهم ولم أعلم بالحجاز أحدا خالف فيه عن الحجازيين ولا عن عثمان بن عفان وممن قال الدية اثنا عشر ألف درهم ابن عباس وأبو هريرة وعائشة ولا أعلم بالحجاز أحدا خالف في ذلك قديما ولا حديثا ولقد روى عكرمة «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى بالدية اثني عشر ألف درهم» وزعم عكرمة أنه نزل فيه {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} [التوبة: 74] فزعم محمد بن الحسن عن عمر حديثين مختلفين قال في أحدهما فرض الدية عشرة آلاف درهم وقال في الآخر اثني عشر ألفا وزن ستة قلت لمحمد بن الحسن أفتقول إن الدية اثنا عشر ألف درهم وزن ستة فقال لا فقلت من أين زعمت إن كنت أعلم بالدية فيما زعمت من أهل الحجاز لأنك من أهل الورق ولأنك عن عمر قلتها فإن عمر قضى فيها بشيء لا تقضي به قال لم تكونوا تحسبون قلت أفتروي شيئا تجعله أصلا في الحكم فأنت تزعم أن من تروي عنه لا يعرف قضى به وكيف تقضي بالدية وزن سبعة أفرأيت ما جعلت فيه الزكاة وغير ذلك مما جعلت فيه القطع وجاء تسمية دراهم ليس فيها وزن ستة ولا وزن سبعة وقال لك قائل بل هي على وزن ستة لا وزن سبعة لأن عمر لا يفرض الدية وزن ستة ويفرض فيما سواها وزن سبعة ما تقول؟ قال أقول إن الدراهم إذا جاءت جملة فهي على وزن الإسلام قلنا: فكيف أخرجت الدية من وزن الإسلام إذا كان وزن الإسلام عندك وزن سبعة ثم زعمت أنك أعلم بالدية منهم لأنكم من أهلها وزعمت لنا أن الدراهم إنما كانت صنفين.
أحدهما الدرهم وزن مثقال والآخر كل عشرة دراهم وزن ستة حتى ضرب زياد دراهم الإسلام فلو قال لك قائل كل درهم جاءت به الزكاة أو في الدية أو في القطع أو غير ذلك فهو بوزن المثقال وقال آخر بوزن ستة وقال آخر كل درهم فهو بوزن الإسلام قيل له فهكذا ينبغي لك أن تقول في الدية (قال الشافعي) : يقول لقائل قوله أرأيت لو قال لك قائل قد خرجت من حديث أبي إسحاق الهمداني إن الدية اثنا عشر ألفا وزن ستة ومن حديث الشعبي أن الدية عشرة آلاف درهم لأنه لم يذكر فيما تروون فيها وزن ستة كما حدث أبو إسحاق لأن أبا إسحاق يذكر وزن ستة فهو أولى بها وقال آخرون وزن المثاقيل لأن الأكثر أولى بها، فإن قال بل وزن الإسلام فادعى محمد على أهل الحجاز أنهم أعلم بالدية منهم وإنما عمر قبل الدية من أهل الورق ولم يجعل لهم أنهم أعلم بالدية منه إذا كان منهم فمن كان الحاكم منهم أولى بالمعرفة بالدراهم منه إذا كان الحكم إنما وقع بالحاكم وقال محمد بن الحسن فرض المسلمون الزكاة في كل عشرين دينارا وفي مائتي درهم كل دينار بعشرة دراهم، فإن قيل له ومن أخبرك أنهم فرضوا الزكاة قياسا؟ أرأيت إذا فرضت الزكاة في أربعين من الغنم وفي ثلاثين من البقر أقاسوا البقر على الغنم؟ ، فإن قاسوها فالقياس لا يصلح إلا عددا وعدد البقر أقل من عدد الغنم أو بالقيمة فقيمة ثلاثين من البقر أكثر من قيمة أربعين من الغنم وهكذا خمس من الإبل لا عددها عدد واحد منها ولا قيمتها قيمة واحد منها قال ما الزكاة بقياس قلنا ولذلك كانت الدواب سوى البقر والغنم والإبل لا زكاة فيها والتبر سوى الذهب والورق لا زكاة فيه وكل واحد منها أصل في نفسه لا قياس على غيره قال نعم قلنا فكيف زعمت أن الذهب يقاس على الورق والورق يقاس على الذهب.
فإن زعمت أن أحدهما قياس على الآخر فأيهما

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #325  
قديم 05-12-2024, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,480
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (325)
صــــــــــ 325 الى صـــــــــــ 332



الأصل؟ ، فإن زعمت أنه الذهب لزمك أن تقول عشرين دينارا إذا كانت فيها الزكاة فلو كانت أربعين درهما تسوى عشرين دينارا كانت فيها الزكاة أو ألف درهم لا تسوى عشرين دينارا لم يكن فيها الزكاة وإن زعمت أن الورق هي الأصل قيل لك فيها كما قيل لك في الذهب والورق قال فما هي؟ قلنا كما قلت في الماشية كل واحد منهما أصل في نفسه قال فالدية قلنا فأصل الدية الإبل في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقومها عمر ألف دينار واثني عشر ألف درهم الذهب على أهل الذهب والورق على أهل الورق فاتبع في ذلك قضاء عمر كما قضى قال فكيف كان الصرف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر وعثمان - رضي الله عنهما -؟ قيل أما ما روي من الأخبار بينا فعلي اثنا عشر درهما بدينار وقطع عثمان سارقا في أترجة ثمن ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار وقضى في امرأة قتلت في الحرم بدية وثلث ثمانية آلاف درهم.
(قال الشافعي) أخبرنا بذلك سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه وأما الدلالة في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - فبمثل هذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا» وروى ابن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم» وهذا يشبه قضاء عثمان وقيل لمحمد بن الحسن من زعم لك أن في عشرة دنانير ومائة درهم زكاة؟ أرأيت من قال في وسقين ونصف زبيبا ووسقين ونصف تمرا زكاة؟ قال ليس ذلك له حتى يكون من كل واحد منهما ما يجب فيه الزكاة قال، وكذلك في عشرين شاة وخمس عشرة بقرة؟ قال نعم قيل ولم؟ قال لأن كل واحد منهما صنف غير صنف صاحبه قيل، وكذلك الحنطة والشعير لا يضم واحد منهما إلى صاحبه؟ قال نعم قيل فالحنطة من الشعير والتمر من الزبيب أقرب أو الذهب من الورق في القيمة واللون؟ قال وما للقرب ولهذا؟ وكل واحد منهما صنف قيل فكيف جمعت بين الأبعد المختلف من الفضة والذهب وأبيت أن تجمع ما بين الأقرب المختلف؟ قال فإنا نقول هذا قلنا فمن قال قولك هذا هل تجد به أثرا يتبع؟ قال لا قلنا فقياس؟ قال لا قلنا فلا قياس ولا أثر قال فإن بعض أصحابكم يقوله معنا قلنا، فإن كانت الحجة إنما هي لك بأن ذلك الصاحب يقوله معك يجمع بين الحنطة والشعير والسلت فيضم بعضها إلى بعض ويجمع بين القطنية قال هذا خطأ قلنا وما دلك على خطئه؟ أليس إذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» فإنما عنى من صنف واحد لا من صنفين قال نعم قلنا أفرأيت إن قال لك هي صنف واحد؟ .
قال إذا يقول لي ما يعرف العقل غيره فلا أقبله منه ما قيمتها ولا خلقتها بواحدة قلنا فالذهب أبعد من الورق في القيمة والخلقة من الحنطة من الشعير والسلت فأراك تتخذ قوله إذا وافقك حجة وتزعم في موضع غيره من قوله أنه يخطئ ويحيل وقلنا له لا يثبت عن ابن مسعود ما ذكرت من القطع في عشرة دراهم وأنت تروي عن الثوري عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن ابن مسعود أن «النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقا في خمسة دراهم» قال هذا مقطوع قلنا والذي رويت عنه القطع في عشرة دراهم عن ابن مسعود مقطوع بروايته عن رجل أدنى في الثقة عندك من رواية هذا وأما روايتنا عن علي فجعفر بن محمد يروي عن أبيه أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال القطع في ربع دينار فصاعدا.
أخبرنا بذلك حاتم بن إسماعيل قال هذا منقطع قلنا وحديثكم مقطوع عن رجل لا نعرفه، فإن قال قائل فإنما جمعنا بين الذهب والفضة في الزكاة من قبل أنهما ثمن لكل شيء قيل له إن شاء الله تعالى أفيكونان ثمنا لكل شيء مجموعين، فإن قال ما تعني بمجموعين؟ قيل يقال لك أرأيت من استهلك لرجل متاعا يغرم قيمته ذهبا وورقا أو أحدهما، فإن قال بل إحداهما وإنما يقوم الورق على أهل الورق الذين هي أموالهم والذهب على أهل الذهب
الذين هي أموالهم قيل فما أسمعك جمعت بينهما في قيمة ما استهلك ولا في دية وما أنت إلا تفرد كلا منهما على حدته فكيف لم تفردهما هكذا في الزكاة؟ أو رأيت إذا كانا والإبل والبقر والغنم تجتمع في أنها أثمان للأحرار المقتولين أتجمع بينها في الزكاة.
فإن قلت لا وليس اجتماعها في شيء يدل على اجتماعها في غيره قيل فهكذا ما أخرجت الأرض مما فيه الزكاة وفيه العشر كله فهو مجتمع في أن فيه العشر كما في الذهب والورق ربع العشر ويفترق في أنه ليس بثمن لكل شيء كما الذهب والورق عندك ثمن لكل شيء ويفترق في أنه مأكول كما الذهب والورق عندك غير مأكول أفتجمع بينه لاجتماعه فيما وصفنا؟ ، فإن قال لا ولا يدلني اجتماعه في معنى ولا في معان أن أجمع بينه في كل شيء قيل فهكذا فافعل في الجمع بين الذهب والفضة.
أخبرنا سفيان قال أخبرنا المغيرة عن إبراهيم أنه قال لا يكون شبه العمد إلا في النفس والعمد ما أصبت بسلاح والخطأ إذا تعمدت الشيء فأصبت غيره وشبه العمد كل شيء تعمدت ضربه بلا سلاح.
[القصاص بين العبيد والأحرار]
قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لا قود بين العبيد والأحرار إلا في النفس فإن العبد إذا قتل حرا متعمدا أو قتله الحر متعمدا قتل به وقال أهل المدينة ليس بين العبيد والأحرار قود إلا أن يقتل العبد الحر فيقتل العبد بالحر وقال محمد بن الحسن كيف يكون نفسان تقتل بصاحبتها إن قتلتها الأخرى ولا تقتل بها الأخرى إن قتلتها؟ قالوا لنقصان العبد عن نفس الحر فهذا الرجل يقتل المرأة عمدا وديتها نصف دية الرجل فيقتل بها، وكذلك الوجه الأول وقد بلغنا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: إذا قتل الحر العبد متعمدا قتل به.
أخبرنا محمد بن أبان بن صالح القرشي عن حماد عن إبراهيم أنه قال: ليس بين الرجال والنساء ولا بين الأحرار والمملوكين فيما بينهم قصاص فيما دون النفس (قال الشافعي) : إذا كان الحر القاتل للعبد فلا قود بينهما في نفس ولا غيرها وإذا قتل العبد الحر أو جرحه فلأولياء الحر أن يستقيدوا منه في النفس وللحر أن يستقيد منه في الجراح إن شاء أو يأخذ الأرش في عنقه إن شاء ويدع القود قال محمد بن الحسن إن المدنيين زعموا أنهم إنما تركوا إقادة العبد من الحر لنقص نفس العبد عن نفس الحر وقد يقيدون المرأة من الرجل وهي أنقص نفسا منه (قال الشافعي) : - رحمه الله: ولا أعرف من قال هذا له ولا احتج به عليه من المدنيين إلا أن يقوله له من ينسبونه إلى علم فيتعلق به وإنما منعنا من قود العبد من الحر ما لا اختلاف بيننا فيه والسبب الذي قلناه له مع الاتباع أن الحر كامل الأمر في أحكام الإسلام والعبد ناقص الأمر في عام أحكام الإسلام وفي الحدود فيما يتصف منها بأن حده نصف حد الحر ويقذف فلا يحد له قاذفه ولا يرث ولا يورث ولا تجوز شهادته ولا يأخذ سهما إن حضر القتال وأما المرأة فكاملة الأمر في الحرية والإسلام وحدها وحد الرجل في كل شيء سوى وميراثها ثابت بما جعل الله لها وشهادتها جائزة حيث أجيزت وليست ممن عليه فرض الجهاد فلذلك لا تأخذ سهما ولو كان المعنى الذي روى محمد عمن روى عنه من المدنيين أنه لنقص الدية كان المدنيون قد يجعلون في نفس العبد قيمته وإن كانت عدد ديات أحرار فكان ينبغي لهم أن لا يقتلوا العبد الذي قيمته ألفا دينار بحر إنما قيمته ألف دينار ولكن الدية ليست عندهم من معنى القصاص بسبيل وقول محمد بن الحسن ينقض بعضه بعضا أرأيت إذا قتله به وأقاد النفس التي هي جماع البدن كله من الحر بنفس العبد فكيف لا
يقصه منه في موضحة إذا كان الكل بالكل فالبعض بالبعض أولى، فإن جاز لأحد أن يفرق بينهم جاز لغيره أن يقصه منه في الجراح ولا يقصه منه في النفس
، ثم جاز لغيره أن يبعض الجراح فيقصه في بعضها ولا يقصه في بعض في الموضع الذي ذكر الله عز وجل فيه القصاص فقال {النفس بالنفس} [المائدة: 45] الآية إلى قوله {والجروح قصاص} [المائدة: 45] وأصل ما يذهب إليه محمد بن الحسن في الفقه أنه لا يجوز أن يقال بشيء من الفقه إلا بخبر لازم أو قياس وهذا من قوله ليس بخبر لازم فيما علمت وضد القياس فأما قول محمد بن الحسن - رحمه الله تعالى - كيف يكون نفسان تقتل إحداهما بالأخرى ولا تقتل الأخرى بها فلنقص القاتل فإذا كان القاتل ناقص الحرمة لم يكن النقص يمنعه من أن يقتل إذا قتل من هو أعظم حرمة منه والنقص لا يمنع القود وإنما يمنع الزيادة.
، فإن قال قائل: فأوجدنيه يقول مثل هذا قيل نعم وأعظم منه يزعم أن رجلا لو قتل أباه قتل له ولو قتله أبوه لم يقتل به لفضل الأبوة على الولد وحرمتهما واحدة ويزعم أن رجلا لو قتل عبده لم يقتله به ولو قتله عبده قتله به ولو قتل مستأمنا لم يقتل به ولو قتله المستأمن يقتل به.
[الرجلان يقتلان الرجل أحدهما ممن يجب عليه القصاص]
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في الصغير والكبير يقتلان الرجل جميعا عمدا إن على الكبير نصف الدية في ماله وعلى الصغير نصف الدية على عاقلته وقال أهل المدينة يقتل الكبير ويكون على الصغير نصف الدية قال محمد بن الحسن.
وكيف يقتل الكبير وقد شركه في الدم من لا قود عليه أرأيتم لو أن رجلا قتل نفسه هو ورجل آخر معه أكان على ذلك الرجل القود وقد شركه في دم المقتول نفسه؟ ينبغي لمن قال القول الأول أن يقول هذا أيضا أرأيتم لو أن رجلا وجب عليه القود في قطع يده فقطعت يده وجاء رجل آخر فقطع رجله فمات من القطعين جميعا أيقتل الذي قطع الرجل وقد شركه في الدم حد من حدود الله؟ أرأيتم لو أن رجلا عقره سبع وشجه رجل موضحة عمدا فمات من ذلك كله أيقتل صاحب الموضحة الضارب وقد شركه في الدم من ليس في فعله قود ولا أرش؟ ينبغي لمن قال هذا أن يقول لو أن رجلا وصبيا سرقا سرقة واحدة إنه يقطع الرجل ويترك الصبي وينبغي له أيضا أن يقول لو أن رجلين سرقا من رجل ألف درهم لأحدهما فيها شرك قطع الذي لا شرك له ولا يقطع الذي له الشرك أرأيتم رجلا وصبيا رفعا سيفا بأيديهما فضربا به رجلا ضربة واحدة فمات من تلك الضربة أتكون ضربة واحدة بعضها عمد فيه القود وبعضها خطأ، فإن كان ذلك عندكم فأيها العمد وأيها الخطأ؟ أرأيتم إن رفع رجلان سيفا فضربا به أحدهما متعمدين لذلك فمات من تلك الضربة وهي ضربته وضربة صاحبه ولم ينفرد أحدهما بضربة دون صاحبه أيكون في هذا قود ليس في هذا قود إذا أشرك في الدم شيء لا قود فيه ولا تبعيض في شيء من النفس أرأيتم رجلا ضرب رجلا فشجه موضحة خطأ
، ثم ثنى فشجه موضحة عمدا فمات في مكانه من ذلك جميعا ينبغي في قولكم أن تجعلوا على عاقلته نصف الدية بالشجة الخطأ وتقتلوه بالشجة العمد فيكون رجل واحد عليه في نفس واحدة نصف الدية والقتل وينبغي لكم أن تقولوا لو أن رجلا وجب له على رجل قصاص في شجة موضحة فاقتض منه
، ثم زاد على حقه متعمدا فمات المقتص منه من ذلك أنه يقتل الذي اقتص بالزيادة التي تعمد أخبرنا عباد بن العوام قال حدثنا هشام بن حسان عن الحسن البصري أنه سأل عن قوم قتلوا رجلا عمدا فيهم مصاب
قال تكون فيه الدية أخبرنا عباد بن العوام قال أخبرنا عمر بن عامر عن إبراهيم النخعي أنه قال إذا دخل خطأ في عمد فهي دية (قال الشافعي) : إذا قتل الرجل البالغ والصبي معه أو المجنون معه رجلا وكان القتل منهما جميعا عمدا فلا يجوز عندي والله أعلم لمن قتل اثنين بالغين قتلا رجلا عمدا برجل إلا أن يقتل الرجل ويجعل نصف الدية على الصبي والمجنون، وأصل هذا أن ينظر إلى القتل فإذا كان عمدا كله لا يخالطه خطأ فاشترك فيه اثنان أو ثلاثة فمن كان عليه القود منهم أقيد منه ومن زال عنه القود أزاله وجعل عليه حصته من الدية (قال الربيع) ترك الشافعي العاقلة لأنه عمد عنده ولكنه مطروح عنه للصغر والجنون، فإن قال قائل ما يشبه هذا؟ قيل له الرجلان يقتلان الرجل عمدا فيعفو الولي عن أحدهما أو يصالحه فلا يكون له سبيل على المعفو عنه ولا المصالح ويكون له السبيل على الذي لم يعف عنه فيقتله فيأخذ من أحد القاتلين بعض الدية أو يعفو عنه ويقتل الآخر، فإن قال قائل فهذان كان عليهما القود فزال عن أحدهما بإزالة الولي قيل له أفرأيت إن أزاله الولي عنه أزال عن غيره؟ ، فإن قال لا قيل وفعلهما واحد، فإن قال نعم قيل ويحكم على كل واحد منهما حكم نفسه لا حكم غيره، فإن قال نعم قيل فإذا كان هذا عندك هكذا في هذين فكيف إذا قتل الرجلان الرجل عمدا وأحد القاتلين ممن عليه القود والآخر ممن لا قود عليه كيف لم تقد من الذي عليه القود وتأخذ الدية من الذي لا قود عليه مثل الصبي والمجنون والأب (قال الشافعي) : ويقال له إن كنت إنما رفعت القود في الصبي والمجنون يقتلان الرجل ومعهما عاقل من قبل أن القلم مرفوع عنهما فحكمت بأن أحدهما خطأ فقد تركت هذا الأصل في الرجل المستأمن يقتله مسلم ومستأمن إذا كنت تحكم على المستأمن وتجعل على المسلم حصته من الدية أو رأيت أبا رجل ورجلا أجنبيا قتلا رجلا لم تقتل الأجنبي وتجعل على الأب نصف الدية إذا كان هؤلاء ممن يعقل ويكون عليه القود ولا يكون القلم عنه مرفوعا وتجعل عليه الدية في ماله لا على عاقلته وتجعل عمده عمدا لا خطأ وتفرق بينه وبين الصغير والمعتوه فتزعم أن عمد أولئك خطأ وأن عمدهما على عاقلتهما فما الحجة في أن تجمع بين ما فرقت بينه؟ ، فإن زعم أن حجته أن عمد الصبي والمعتوه خطأ تعقله عاقلته وعمد الأب يقتل ابنه معه غيره أو ليس معه غيره عمد يزول عنه القود لمعنى فيه ويجعل عليه الدية في ماله دون عاقلته، وكذلك عمد المستأمن يقتل المستأمن مع المسلم إذا حكم عليه فإذا زعم أن الأجنبي إذا شرك الأب والمستأمن إذا شرك المسلم في القتل قتل الذي عليه القود فقد ترك الأصل الذي إليه ذهب فأما ما أدخل على أصحابنا فأكثره لا يدخل عليهم وذلك قوله في الرجل تقطع يده في الحد أو القصاص
، ثم يقطع آخر رجله فيموت هذا لا قصاص فيه لأنه مات من جناية حق وجناية باطل ولأنه لو مات من قطع اليد لم يكن له دية لأن يده قطعت في غير معصية الله عز وجل فلما كان للإباحة فيه موضع لم يجز أن يقتل به من قتله وقتله غير منفرد به ولا شركة فيه بتعد وعليه عقل ولا قود قال، وكذلك لو ضربه السبع فجرحه وضربه آخر لم يكن عليه قود من قبل أن جناية السبع لا عقل فيها ولا قود فأما جناية المجنون والصبي فثابتة عليهما إن لم تكن بقود فبعقل وإذا كانت جنايتهما غير لغو والنفس مقتولة قتل عمد ومن قوله أن تقتل العشرة بواحد إذا قتلوه عمدا ويجعل كل واحد منهم كأنه قاتل على الانفراد حتى لو أزال القود عن بعضهم أخذ القود من الباقين لأن أصل القتل كان عمدا فإذا كان القتل خطأ لم يقتل، فإن قال فقتل الصبي والمعتوه خطأ قيل له هذا محال أن تزعم أنه خطأ وهو عمد ولكن قد كانت فيهما علة يمنع بها القصاص، فإن قال قائل أجعله على العاقلة كما أجعل خطأه قيل وهذا إن رد عليك وجعل في أموالهما لم تجد فيه حجة ولو كانت فيه حجة كانت عليك في الرجل يقتل ابنه
مع الأجنبي وأنت لا تجعل الدية إلا في مال الأب لا على العاقلة وفي المستأمن يقتل المستأمن معه مسلم والله أعلم.
[في عقل المرأة]
(قال الشافعي) قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - في عقل المرأة إن عقل جميع جراحها ونفسها على النصف من عقل الرجل في جميع الأشياء، وكذلك أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علي بن أبي طالب أنه قال عقل المرأة على النصف من عقل الرجل في النفس وفيما دونها وقال أهل المدينة عقلها كعقله إلى ثلث الدية فأصبعها كأصبعه وسنها كسنه وموضحتها كموضحته ومنقلتها كمنقلته فإذا كان الثلث أو أكثر من الثلث كان على النصف قال محمد بن الحسن وقد روى الذي قال أهل المدينة عن زيد بن ثابت قال يستوي الرجل والمرأة في العقل إلى الثلث، ثم النصف فيما بقي
أخبرنا أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن حماد عن إبراهيم عن زيد بن ثابت أنه قال يستوي الرجل والمرأة في العقل إلى الثلث، ثم النصف فيما بقي
وأخبرنا أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن حماد عن إبراهيم أنه قال قول علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - في هذا أحب إلي من قول زيد وأخبرنا محمد بن أبان عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما - أنهما قالا عقل المرأة على النصف من دية الرجل في النفس وفيما دونها فقد اجتمع عمر وعلي على هذا فليس ينبغي أن يؤخذ بغيره ومما يستدل به على صواب قول عمر وعلي أن المرأة إذا قطعت أصبعها خطأ وجب على قاطعها في قول أهل المدينة عشر دية الرجل، فإن قطع أصبعين وجب عليه عشرا الدية، فإن قطع ثلاث أصابع وجب عليه ثلاثة أعشار الدية، فإن قطع أربع أصابع وجب عليه عشرا الدية فإذا عظمت الجراحة قل العقل (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القياس الذي لا يدفعه أحد يعقل ولا يخطئ به أحد فيما نرى أن نفس المرأة إذا كان فيها من الدية نصف دية الرجل وفي يدها نصف ما في يده ينبغي أن يكون ما صغر من جراحها هكذا فلما كان هذا من الأمور التي لا يجوز لأحد أن يخطئ بها من جهة الرأي وكان ابن المسيب يقول في ثلاث أصابع المرأة ثلاثون وفي أربع عشرون ويقال له حين عظم جرحها نقص عقلها فيقول هي السنة وكان يروي عن زيد بن ثابت أن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث دية الرجل، ثم تكون على النصف من عقله لم يجز أن يخطئ أحد هذا الخطأ من جهة الرأي لأن الخطأ إنما يكون من جهة الرأي فيما يمكن مثله فيكون رأي أصح من رأي فأما هذا فلا أحسب أحدا يخطئ بمثله إلا اتباعا لمن لا يجوز خلافه عنده
فلما قال ابن المسيب هي السنة أشبه أن يكون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن عامة من أصحابه ولم يشبه زيد أن يقول هذا من جهة الرأي لأنه لا يحتمله الرأي، فإن قال قائل فقد يروى عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خلافه قيل فلا يثبت عن علي ولا عن عمر ولو ثبت كان يشبه أن يكونا قالاه من جهة الرأي الذي لا ينبغي لأحد أن يقول غيره فلا يكون قلة علم من قبل أن كل أحد يعقل ما قالا إذا كانت النفس على نصف عقل نفسه واليد كان كذلك ما دونهما ولا يكون فيما قال سعيد السنة إذا كانت تخالف القياس والعقل إلا عن علم اتباع فيما نرى والله تعالى أعلم وقد كنا نقول به على هذا المعنى
، ثم وقفت عنه وأسأل الله تعالى الخيرة من قبل أنا قد نجد منهم من يقول السنة
، ثم لا نجد لقوله السنة نفاذا بأنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فالقياس أولى بنا فيها على النصف من عقل الرجل ولا يثبت عن زيد كثبوته عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
والله تعالى أعلم.
[باب في الجنين]
قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - في الرجل يضرب بطن الأمة فتلقي جنينا ميتا إن كان غلاما ففيه نصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كان جارية ففيها عشر قيمتها لو كانت حية وقال أهل المدينة فيه عشر قيمة أمه وقال محمد بن الحسن كيف فرض أهل المدينة في جنين الأمة الذكر والأنثى شيئا واحدا وإنما «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنين الحرة غرة عبدا أو أمة» فقدر ذلك بخمسين دينارا والخمسون من دية الرجل نصف عشر ديته ومن دية المرأة عشر ديتها وينبغي أن يكون ذلك أيضا من قيمة الجنين لو كان حيا ليس من قيمة أمه أرأيتم لو ألقت الجنين حيا فمات كم كان يكون فيه؟ أليس إنما يكون فيه قيمته لا اختلاف بيننا وبينكم في ذلك؟ قالوا بلى قيل لهم فما تقولون إن كانت قيمته عشرين دينارا فغرم قاتله عشرين دينارا ثم ألقت آخر ميتا أليس يغرم في قولكم عشر ثمن أمه وأمه جارية تساوي خمسمائة دينار قالوا بلى يغرم عشر قيمتها وهو خمسون دينارا قيل لهم فيكون القاتل غرم في الذي ألقته حيا أقل من الذي غرم فيه ميتا وإنما ينبغي أن يغرم أكثر في الذي ألقته حيا لأنه يغرم في الجنين الحر إذا ألقته حيا فمات الدية كاملة وإذا ألقته ميتا غرم غرة وإنما ينبغي أن يقاس جنين الأمة على ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنين الحرة فيغرم في الميت أقل مما يغرم في الحي وقد غرمتموه أنتم في جنين الأمة إذا كان حيا فمات (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا ضرب الرجل بطن الأمة فألقت جنينا حيا، ثم مات
ففي الجنين قيمة نفسه فإذا ألقته ميتا ففيه عشر قيمة أمه لأنه ما لم تعرف فيه حياة فإنما حكمه حكم أمه إذا لم يكن حرا في بطنها وهكذا قال ابن المسيب والحسن وإبراهيم النخعي وأكثر من سمعنا منه من مفتي الحجازيين وأهل الآثار فخالفنا محمد بن الحسن وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى في جنين الأمة فقالا فيه إذا خرج فيه حيا كما قلنا وقالا فيه إذا خرج ميتا، فإن كان غلاما ففيه نصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كان جارية ففيها عشر قيمتها لو كانت حية (قال الشافعي) : وكلمني محمد بن الحسن وغيره ممن يذهب مذهبه بما سأحكي إن شاء الله تعالى وإن كنت لعلي لا أفرق بين كلامه وكلام غيره وأكثره كلامه فقال من أين قلت هذا؟ قلت أما نصا فعن سعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم قال ليس يلزمني قول واحد من هؤلاء ولا يلزمك قلت ولكن ربما غالطت بقول الواحد منهم وقلت قلته قياسا على السنة قال إنا لنزعم أن قولنا هو القياس على السنة والمعقول قلت، فإن شئت فأسأل وإن شئت سألتك قال سل فقلت أليس الأصل جنين الحرة؟ قال بلى قلت فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنين الحرة بغرة ولم يذكر عنه أنه سأل عنه أذكر وأنثى فكان الجنين هو الحمل قلنا فلما كان الجنين واحدا فسواء كان ذكرا أو أنثى؟ قال بلى قلت هكذا قلنا فجمعنا بين جنينها فجعلنا في كل واحد منهما خمسا من الإبل وخمسين دينارا إذا لم تكن غرة قلت أفرأيت لو خرجا حيين فماتا قال ففي الغلام مائة من الإبل وفي الجارية خمسون قلنا وسواء كانا ابني أم ولد من سيدها قيمة أمهما عشرون دينارا أو كانا ابني حرة لا يلتفت إلى أمهما قال نعم إنما حكمهما حكم أنفسهما مختلفين في الذكر منهما مائة من الإبل وفي الأنثى خمسون قلت
، ثم سويت بينهما إذا لم يكن فيهما حياة أليس هذا يدل على أن حكمهما حكم غيرهما لا حكم أنفسهما؟ قال فلا أعطيك ذلك ولكن أجعل حكمهما حكم أنفسهما بكل حال قلت فإذا لم تعط هذا فكيف فرقت بين حكمهما إذا عرفت حياتهما ولم تعرف قال اتباعا قلت في الجنينين من الحرة دلالة من خبر بأن حكمهما حكم أنفسهما أم إنما قلت يحتمل أن يكون حكمهما حكم
أنفسهما قال ما فيه خبر ولكنه يحتمل قلنا أفيحتمل أن يكون حكمهما حكم غيرهما إذا لم تعرف حياتهما وحكم نفسهما إذا عرفت حياتهما؟ قال نعم قلنا فإذا كانا يحتملان معا فكيف لم تصر إلى ما قلنا حيث فرقت بين حكمهما ولا تزعم أن أصلهما واحد وأن حكمهما يتفرق وإذا كان يحتمل فزعمت أن كل قولين أبدا احتملا فأولاهما بأهل العلم أن يصيروا إليه أولاهما بالقياس والمعقول فقولنا فيه القياس والمعقول وقولك خلافهما قال وكيف؟ قلنا بما وصفنا من أنا إذا لم نفرق بين أصل حكمهما وهو جنين الحرة لأن الذكر والأنثى فيه سواء لم يجز أن تفرق بين فرعي حكمهما وهو جنين الأمة في الذكر والأنثى ومن قبل أنني وإياك نزعم أن دية الرجل ضعف دية المرأة وأنت في الجنين تزعم أن دية المرأة ضعف دية الرجل وقلت فكيف زعمت أنهما لو سقطا حيين فكانت قيمتهما سواء أو مختلفة كان فيهما قيمتهما ما كانت وإن ميتين كان في الذكر منهما نصف عشر قيمته لو كان حيا وفي الأنثى عشر قيمتها لو كانت حية أليس قد زعمت أن عقل الأنثى من أصل عقلها في الحياة ما أعلمك إلا نكست القياس فقلبته قال فأنت سويت بينهما قلت من أجل أنني زعمت أن أصل حكمهما حكم غيرهما لا حكم أنفسهما كما سويت بين الذكر والأنثى في جنين الحرة فلم أفرق بين قياسهما وجعلت كلا يحكم فيه حكم أمه إذا كان مثل أمه عتيقا بعتقها ورقيقا برقها وأنت قلبت فيه القياس قال فقولنا يحتمل قلنا ما يحتمل إلا النكس والقياس كما وصفنا في الظاهر فمعنا القياس والمعقول ونزعم أن الحجة تثبت بأقل من هذا وقال محمد بن الحسن يدخل عليكم في قولكم أن تكون دية جنين الأمة ميتا أكثر من ديته حيا في بعض الحالات قيل ليس يدخل علينا من هذا شيء من قبل أنا نزعم أن الدية إنما هي بغيره كانت أكثر أو أقل وأنت يدخل عليك في غير هذا أكثر منه مع ما دخل عليك من خلاف القياس مع السنة قال وأين ذلك؟ قلت أرأيت رجلا لو جنى على أطراف رجل فيها عشر ديات في مقام فسيح؟ قال يكون فيه عشر ديات قلنا، فإن جنى هذه الجناية التي فيها عشر ديات
، ثم قتله مكانه قال فدية واحدة قلنا فقد دخل عليك إذا زعمت أنه إذا زاد في الجناية الموت نقصت جنايته منه تسع ديات قال إنما يدخل هذا علي من قبل أنني أجعل البدن كله تبعا للنفس قلنا فكيف تجعله تبعا للنفس وهو متقدم قبلها وقد أصابه وله حكم؟ ، فإن جاز لك هذا رددت أصح منه أنهم زعموا لك أن جنين الأمة لم يكن له حكم قط إنما كان حكمه بأمه (قال الشافعي) : وكيف يكون الحكم لمن لم يخرج حيا قط؟ .
[باب الجروح في الجسد]
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في الشفتين الدية وهما سواء السفلى والعليا وأيهما قطعت كان فيها نصف الدية وقال أهل المدينة فيهما الدية جميعا، فإن قطعت السفلى ففيها ثلثا الدية قال محمد بن الحسن ولم قال أهل المدينة هذا؟ ألأن السفلى أنفع من العليا؟ فقد فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإصبع الخنصر والإبهام فريضة واحدة فجعل في كل واحدة عشر الدية وروي ذلك عن ابن عباس عن «النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الخنصر والإبهام سواء» مع آثار كثيرة معروفة قد جاءت فيها قال محمد بن الحسن أخبرنا مالك قال حدثنا داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن مروان بن الحكم أرسله إلى ابن عباس يسأله ما في الضرس فقال ابن عباس فيه خمس من الإبل فردني مروان إلى ابن عباس فقال أفتجعل مقدم الفم كالأضراس؟ فقال ابن عباس
لولا أنك لا تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء فهذا مما يدلك على أن الشفتين عقلهما سواء وقد جاء في الشفتين سوى هذا آثار (قال الشافعي) : الشفتان سواء والأصابع سواء والدية على الأسماء ليست على قدر المنافع وهكذا بلغني أن مالكا يقول وهو الذي قصد محمد بن الحسن قصد الرواية عنه رواية عن أهل المدينة فلم تكن ينبغي له إذا كان الذي قصد قصده بالرواية أن يروي عنه ما لا يقول ويروي عن غيره من أهل المدينة ما قد تركه مالك عليه إلا أن ينصه فيسمي من قال ذلك فأما أن يغالط به فليس ذلك له أسمعه إذا سمى واحدا من أهل المدينة في كل دهر أهل المدينة وهو يعيب على غيره أدنى من هذا، فإن قال قائل ما الحجة في أن الشفتين والأصابع سواء؟ قلنا له دلالة السنة ثم ما لم أعلم الفقهاء اختلفوا فيه، فإن قال وما ذلك؟ قيل قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأصابع بعشر عشر والأصابع مختلفة الجمال والمنفعة فلما رأيناه إنما قصد قصد الأسماء كان ينبغي في كل ما وقعت عليه الأسماء أن يكون هكذا وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «في العين خمسون وفي اليد خمسون» فلم أعلم الفقهاء اختلفوا في أن في اليسرى من اليدين ما في اليمنى واليمنى أنفع من اليسرى فلو كان إذ قال في اليد خمسون عنى بها اليمنى وكان للناس أن يفضلوا بين اليدين انبغى أن يكون في اليسرى أقل من خمسين ولو كان قصد في اليد التي جعل فيها خمسون قصد اليسرى انبغى أن يكون في اليمنى أكثر من خمسين فلما رأينا مذاهب الفقهاء على التسوية بينهما وأنهم إنما ذهبوا إلى الأسماء والسلامة فإذا جمع العضوان وأكثر الأسماء والسلامة كانا سواء وهكذا هذا في العينين والأسنان سواء والثنية أنفع من الرباعية وهما سواء في العقل.
[باب في الأعور يفقأ عين الصحيح]
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في الأعور يفقأ عين الصحيح وفقء الصحيحة من عينيه إن كان عمدا فللصحيح القود لا شيء له غير ذلك وإن كان خطأ فإن على ما قلته نصف الدية وليس له غير ذلك وقال أهل المدينة في الأعور يفقأ عين الصحيح إن أحب أن يستقيد فله القود وإن أحب فله الدية ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم.
وقال أبو حنيفة في عين الأعور الصحيحة إذا فقئت إن كان عمدا ففيها القود وإن كان خطأ فعلى عاقلة التي فقأها نصف الدية وهي وعين الصحيح سواء وقال أهل المدينة في عين الأعور إذا فقئت الدية كاملة وقال محمد بن الحسن فكيف صارت عين الأعور أفضل من عين الصحيح؟ هذا عقل أوجبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العينين جميعا فجعل في كل عين نصف الدية، فإن فقئت عين رجل فغرم الفاقئ نصف الدية
، ثم إن رجلا آخر عدا على العين الأخرى ففقأها خطأ لم يجب على الفاقئ الثاني الدية كاملة فيكون الرجل قد أخذ في عينيه دية ونصفا وإنما أوجب فيهما دية ففي الأولى نصف الدية، وكذا في الثانية نصف الدية وليس يتحول ذلك بفقء الأولى ولا تزاد إحداهما في عقلها على الذي أوجبه الله عز وجل شيئا يفقأ الأخرى ينبغي لمن قال هذا في العينين أن يقول ذلك في اليدين وأن يقوله في الرجلين ليس هذا بشيء والأمر فيه على الأمر الأول ليس يزداد شيئا لعين فقئت ولا غير ذلك (قال الشافعي) : في الأعور يفقأ عين الصحيح والصحيح يفقأ عين الأعور كلاهما سواء إن كان الفقء عمدا فالمفقوءة عينه بالخيار إن شاء فله القود وإن كان خطأ فله العقل خمسون من الإبل على العاقلة في سنتين ثلثاها في مضي سنة وثلثها في مضي السنة الثانية، فإن قال قائل ما






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #326  
قديم 05-12-2024, 11:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,480
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (326)
صــــــــــ 333 الى صـــــــــــ 339






الحجة في هذا؟ قيل السنة، فإن قال وأين السنة؟ قلنا إذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وفي العين خمسون» ، فإن أصاب الصحيح عين الأعور أصاب عينا أو عينين، فإن قال عينا قلنا فإنما جعل رسول الله في العين خمسين فمن جعل فيها أكثر من الخمسين فقد خالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قال فهل من حجة أكثر من هذا قلنا لا أكثر من السنة هي الغاية وما دونها تبع لها، فإن قال ففيها زيادة؟ قيل نعم موجود في السنة إذا كان في العين خمسون وفي العينين مائة فإذا كانتا إذا فقئتا معا كانت فيهما مائة فما بالهما إذا فقئتا معا يكون في كل واحدة منهما خمسون وإذا فقئت إحداهما بعد ذهاب الأخرى كانت فيها مائة أزاد تفرق الجناية في عقلها أو خالف تفريق الجناية بينهما أورأيت لو أن رجلا أقطع اليد والرجلين قطعت يده الباقية أليس إن جعلنا فيه خمسين فقد جعلناها في جميع ما في بطشه ووافقنا السنة ولم نزد على الجاني غير جنايته وإن جعلنا فيها مائة من الإبل كنا قد جعلنا عليه ما لم يجن وخالفنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليد.
والله سبحانه أعلم.
[باب ما لا يجب فيه أرش معلوم]
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في العين القائمة إذا فقئت وفي اليد الشلاء إذا قطعت وفي كل نافذة في عضو من الأعضاء أنه ليس في شيء من ذلك أرش معلوم وفي ذلك كله حكومة عدل أخبرني أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في العين القائمة واليد الشلاء والرجل العرجاء واللسان الأخرس وذكر الخصي حكومة عدل وقال بعض أهل المدينة بمثل قول أبي حنيفة منهم مالك بن أنس قال نرى في ذلك الاجتهاد وقال بعضهم في العين القائمة إذا فقئت مائة دينار وكل نافذة من عضو من الأعضاء ثلث دية ذلك العضو (قال الشافعي) : وفي ذكر الخصي الدية، وكذلك ذكر الرجل تقطع أنثياه ويبقى ذكره تاما كما هو، فإن قال قائل ما الحجة؟ قيل أرأيت الذكر إذا كانت فيه دية أبخبر لازم هي، فإن قال نعم قيل ففي الخبر اللازم أنه ذكر غير خصي، فإن قال لا قيل فلم خالفتم الخبر؟ ، فإن قال لأنه لا يحبل قيل أفرأيت الصبي يقطع ذكره أو الشيخ الذي قد انقطع عنه أمر النساء أو المخلوق خلقا ضعيفا لا يتحرك، فإن زعم أن في هذه الدية فقد جعلوها فيما لا يحبل ولا يجامع به وذكر الخصي يجامع به أشد ما كان الجماع قط ولا أعلم في الذكر نفسه منفعة إلا مجرى البول والجماع وهما قائمان وجماعه أشد من جماع غير الخصي فأمر الولد شيء ليس من الذكر إنما هو بمني يخرج من الصلب قال الله عز وجل {يخرج من بين الصلب والترائب} [الطارق: 7] ويخرج فيكون ولا يكون ومن أعجب قول أبي حنيفة أنه زعم إن قطع أولا ثم قطعت الأنثيان بعد ففي الذكر الدية وفي الأنثيين الدية وإن قطعت الأنثيان قبل
، ثم قطع الذكر ففي الأنثيين الدية وفي الذكر حكومة عدل، فإن قالوا فإنما أبطلنا الدية في الذكر إذا ذهب الأنثيان لأن أداته التي يحبل بها الأنثيان فهل في الأنثيين منفعة أو جمال غير أنهما أداة للذكر، فإن قالوا لا.
قيل لهم أرأيتم الذكر إذا استؤصل فعلمنا أنه لا يبقى منه شيء يصل إلى فرج امرأة فتحبل به لم زعمتم أن في الأنثيين الدية إذ الأنثيان إذا كانتا أداة الذكر أولى أن لا يكون فيهما دية لأنه لا منفعة فيهما ولا جمال إلا أن تكونا أداة للذكر وقد ذهب الذكر والذكر فيه منفعة بالجماع فأبطلتم فيه الدية وفيه منفعة وهو الذي له الأداة وأثبتموها في الأنثيين اللتين لا منفعة فيهما وإنما هما أداة لغيرهما وقد بطلتا بأن ذهب الشيء الذي هما أداة له والذكر لا يبطل بذهاب أداته لأنه يجامع به وتنال منه، فإن قالوا فإنما جعلناها على الأسماء
والأنثيان قائمتان قيل فهكذا الذكر قائم وهكذا احتججنا نحن وأنتم في التسوية بين الأصابع والشفتين والعينين وكل ما لزمه الاسم ولم نلتفت إلى منافعهما كذا كان ينبغي لكم أن تقفوا في الذكر وهكذا قلنا وأنتم اليد اليمنى الباطشة الكاتبة الرفيقة كاليد اليسرى الضعيفة التي لا تبطش ولا تكتب فأما العين القائمة فإن مالكا أخبرنا عن زيد بن ثابت أنه قضى في العين القائمة بمائة دينار وأصل ما تذهبون إليه زعمتم أن لا تخالفوا الواحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلو قلتم في العين القائمة إذا فقئت مائة دينار كنتم وافقتم زيد بن ثابت إذ لم نعلم أحدا خالفه فإذا قلتم قد يحتمل قول زيد بن ثابت أن يكون اجتهد فيها فرأى الاجتهاد فيها قدر خمسها قيل فقد يحتمل ذلك ويحتمل أن يكون حكم به فأما كل نافذة في عضو فلا أعلم أحدا قال هذا أكثر من سعيد بن المسيب وجراح البدن مخالفة جراح الرأس فيها حكومة، فإن قال قائل فما الحجة في أن جراح البدن مخالفة جراح الرأس؟ قيل قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الموضحة بخمس من الإبل وكان الذي أحفظ عن بعض من أحفظ عنه ممن لقيت أن الموضحة إنما تكون في الوجه والرأس والوجه رأس كله لأنه إذا قطع قطعا معا وإن كان يتفرق في الوضوء وكأن الرأس إذا ذهب ذهب الوجه فلو قست الموضحة في الضلع على الموضحة في الرأس قضيت بنصف عشر بعير لأني أقضي في الضلع إذا كسر ببعير وذلك أني أقضي في الرأس إذا كسر ولم يكن مأموما بعشر من الإبل فيدخل على أحد إن قال هذا القول أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الموضحة بخمس من الإبل، فإن زعم أن الموضحة في البدن داخلة في الموضحة التي قضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الاسم يجمعهما دخل عليه أن يخالف ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قاس الموضحة في الجسد أو يخالف القياس فيقول قولا محالا فيجعل في الموضحة في الضلع خمسا من الإبل والضلع نفسه لو كسر لم يكن فيه إلا بعير وفي اليد الشلاء ولسان الأخرس حكومة (قال الربيع) حفظي عن الشافعي أن في كل ما دون الموضحة من الجراح وفي الضلع والترقوة حكومة.
[باب دية الأضراس]

قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -
في كل ضرس خمس من الإبل مقدم الفم ومؤخره سواء وقال بعض أهل المدينة مثل قول أبي حنيفة منهم مالك بن أنس وقال بعضهم في كل ضرس بعير وروى بعضهم أن سعيدا قال لو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء.
أخبرنا محمد بن أبان بن صالح القرشي عن حماد عن النخعي في الأسنان في كل سن نصف العشر مقدم الفم ومؤخره سواء.
أخبرنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن مروان بن الحكم أرسله إلى ابن عباس يسأله ما في الضرس فقال ابن عباس إن فيه خمسا من الإبل قال فردني مروان إلى ابن عباس فقال أفتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ فقال ابن عباس لولا أنك لا تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء.
أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن شريح قال الأسنان عقلها سواء في كل سن نصف عشر الدية.
وأخبرنا بكير بن عامر عن الشعبي أنه قال الأسنان كلها سواء في كل سن نصف عشر الدية (قال الشافعي) : وفي الأضراس خمس خمس والأضراس أسنان، فإن قال قائل ما الحجة فيما قلت؟ قيل له قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «وفي السن خمس من الإبل» فكانت الضرس سنا في فم لا تخرج من اسم السن، فإن قيل فقد تسمى باسم دون السن قيل، وكذلك الثنيتان يميزان من
الرباعيتين والرباعيتان تميزان من الثنيتين، فإن كنت إنما تفرق بينها بالتمييز فاجعل أي هذا شئت سنا واحكم في غيره أقل أو أكثر منه، فإن قال لا، هي عظام بادية الجمال والمنفعة مجتمعة مخلوقة في الفم قيل وهكذا الأضراس وهكذا الأصابع مجتمعة في كف متباينة الأسماء من إبهام ومسبحة ووسطى وبنصر وخنصر
، ثم استوى بينها من قبل جماع الأصابع مع تباين منفعتها والضرس أنفع في المأكول من الثنيتين، والثنيتان أنفع في إمساك اللسان من الضرس فأما ما ذهب إليه محمد بن الحسن فلو لم تكن فيه حجة غير قول شريح وإبراهيم والشعبي لم يكونوا عنده حجة فأما ما روي عن ابن عباس فلو ذهب غيره إلى أن عمر يخالفه هل كانت عليه حجة بتقليد ابن عباس إلا وعليه له بتقليد عمر حجة.
[باب جراح العبد]
قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - كل شيء يصاب به العبد من يد أو رجل أو عين أو موضحة أو منقلة أو مأمومة أو غير ذلك فهو من قيمته على مقدار ذلك من الحر في كل قليل أو كثير له أرش معلوم من الحر السن والموضحة وما سوى ذلك ففي موضحته أرشها نصف عشر قيمته وفي يده نصف قيمته، وكذلك عينه وفي المأمومة والجائفة ثلث قيمته وفي منقلته عشر ونصف عشر قيمته وقال أهل المدينة في موضحة العبد نصف عشر ثمنه وفي منقلته عشر ونصف العشر من ثمنه ومأمومته وجائفته في كل واحد منهما ثلث ثمنه فوافقوا أبا حنيفة في هذه الخصال الأربع وقالوا فيما سوى ذلك ما نقص من ثمنه قال محمد بن الحسن كيف جاز لأهل المدينة أن يتحكموا في هذا فيختاروا هذه الخصال الأربع من بين الخصال؟ أرأيت لو أن أهل البصرة قالوا فنحن نزيد خصلتين أخريين وقال أهل الشام فإنا نزيد ثلاث خصال أخر ما الذي يرد به عليهم فينبغي أن ينصف الناس ولا يتحكم فيقول قولوا بقولي ما قلت من شيء إلا أن يأتي أهل المدينة فيما قالوا من هذا بأثر فتنقاد له وليس عندهم في هذا أثر يفرقون به بين هذه الأشياء فلو كان عندهم جاءونا به فما سمعنا من آثارهم فإذا لم يكن هذا فينبغي الإنصاف فإما أن يكون هذا على ما قال أبو حنيفة في الأشياء كلها وإما أن تكون الأشياء كلها شيئا واحدا فيكون في ذلك كله من هذه الخصال أو غيرها ما نقص من العبد من قيمته (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه (قال الشافعي) : وبقول ابن المسيب نقول فقال لي بعض من يخالفني فيه نقول يقوم العبد سلعة فما نقصت جراحته من ثمنه كان في جراحته كما نقول ذلك في المتاع أرأيت إذ كنت تزعم أن عقل العبد في ثمنه بالغا ما بلغ فلم لم تقل هكذا في البعير يقتل والمتاع يهلك؟ قلت قلته من قبل ما يلزمك مثله زعمت أن دية المرأة نصف دية الرجل وأن جراحها بقدر ديتها كجراح الرجل في قدر ديته وقلت لغيره ممن يخالفنا من أصحابنا أنت تزعم أن دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة ثم تزعم أن جراحهم في دياتهم كجراح الحر في ديته فلما كنا نحن وأنتم نقول دية العبد ثمنه خبرا لم يكن يجوز أن يقال في جراحه إلا هكذا لأنا لم نبطل الجراح باختلاف الديات.
قال فهل يجامع البعير والمتاع في رقبته بثمنه؟ قلنا نعم ديته ثمنه وهي قيمته وهكذا الحر يجامع البرذون فيكون ثمنه مثل دية الحر ولكنه في البرذون قيمته.
، فإن قال ما فرق بينهما؟ ولم قسته على الحر دون الدابة قلنا بما لا تخالفنا فيه مما يدل عليه كتاب الله قضى الله في النفس تقتل خطأ بدية مسلمة إلى
أهل المقتول وتحرير رقبة وقضى بمثل ذلك في المعاهد فجعلنا نحن وأنت في المسلم والذمي رقبتين والديتان مختلفتان وكل دية.
، وكذلك جعلنا نحن وأنت في المرأة والرجل رقبتين وديتاهما مختلفتان.
، فإن زعمت أن العبد إذا قتل كان على قاتله رقبة مؤمنة يعتقها فإنما جعل الله تعالى الرقبة في القتل حيث ذكر الله الدية وإنما الرقبة في النفس مع القيمة والمتاع قيمة لا رقبة معها أورأيت لو لم يكن عليه من الدلالة ما وصفت وجهلنا هذا أو عمينا عنه فكان يجامع البعير في أن فيه قيمة وفي المتاع قيمة ويجامع الأحرار في أن فيه كفارة وفي أن العبد إذا قتل العبد كان بينهما قصاص وإذا جرحه كان بينهما قصاص عندنا وفي أن عليه ما على الحر في بعض الحدود وأن عليه الفرائض من الصوم والصلاة والكف عن المحارم ألم يكن الواجب على العالمين إذا كان آدميا أن يقيسوه على الآدميين ولا يقيسوه على البهائم ولا على المتاع وأصل ما يذهب إليه أهل العلم بالقياس أن يقولوا لو كان شيء له أصلان وآخر لا أصل فيه فأشبه الذي لا أصل فيه أحد الأصلين في معنيين والآخر في معنى كان الذي أشبهه في معنيين أولى أن يقاس عليه من الذي أشبهه في معنى واحد فهو آدمي مجامع للآدميين فيما وصفت وليس من البهائم ولا المتاع الذي لا فرض عليه بسبيل (قال الشافعي) : وهذه الحجة على أصحابنا وعلى من يخالفنا من أصحاب أبي حنيفة - رحمه الله - في بعض هذا وليس من شيء يدخل عليهم في أصل قولهم إلا الجراح ويلزمهم أكثر منه لأنهم يقصون العبد من الحر في النفس أما من قال من أصحابنا موضحته ومأمومته ومنقلته وجائفته في ثمنه كجراح الحر في ديته فهذا لا معنى لقوله ولقد خرج فيه من جميع أقاويل بني آدم من القياس والمعقول وإنه ليلزمه ما قال محمد وأكثر منه وإنه خالف ما روي عن ابن شهاب عن سعيد بن شهاب عن سعيد بن المسيب فإنه روي عنه ما وصفنا من أن عقل العبد في ثمنه وروي عن غيره ولا نراه أراد إلا المدنيين أنهم قالوا يقوم سلعة فلا هو قومه سلعة ولا هو جعل عقله في ثمنه فخرج من قول المتفقين والمختلفين.
[باب القصاص بين المماليك]
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لا قصاص بين المماليك فيما بينهم إلا في النفس وقال أهل المدينة القصاص بين المماليك كهيئته بين الأحرار نفس الأمة بنفس العبد وجرحها كجرحه.
وقال أبو حنيفة إذا قتل عبد عبدا متعمدا فلمولى العبد المقتول القصاص وليس له غير ذلك إلا أن يعفو، فإن عفا رجع العبد القاتل إلى مولاه ولا سبيل لمولى العبد المقتول عليه.
وقال أهل المدينة مولى العبد المقتول بالخيار، فإن شاء قتل وإن شاء أخذ العقل، فإن أخذ العقل أخذ قيمة عبده وإن شاء رب العبد القاتل أعطى ثمن المقتول وإن شاء أسلم عبده فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك وليس لرب العبد المقتول إذا أخذ العبد القاتل أن يقتله وذلك كله في القصاص بين العبيد في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك بمنزلته في القتل.
قال محمد بن الحسن إذا قتل العبد العبد عمدا وجب عليه القصاص ينبغي لمن قال هذا الوجه أن يقول في الحر يقتل الحر عمدا أن ولي المقتول إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية.
أرأيتم إذا أراد أن يأخذ الدية فقال القاتل اقتل أو دع ليس لك غير ذلك فأبى ولي المقتول أن يقتل أله أن يأخذ الدية؟ أورأيت لو أن رجلا حرا قطع يد رجل حر عمدا فقال المقطوعة يده آخذ دية العبد فقال القاطع اقطع أو دع
أكان يجبر القاطع على أن يعطيه دية اليد ليس هذا بشيء وليس له إلا القصاص إما أن يأخذ وإما أن يعفو قال الله عز وجل في كتابه {أن النفس بالنفس والعين بالعين} [المائدة: 45] .
(قرأ الربيع) إلى {والجروح قصاص} [المائدة: 45] فما أستطيع فيه القصاص فليس فيه إلا القصاص كما قال الله عز وجل وليس فيه دية ولا مال وما كان من خطأ فعليه ما سمى الله في الخطأ من الدية المسلمة إلى أهله فمن حكم بغير هذا فهو مدع فعليه البينة في نفس العبد وغير ذلك فمن وجب له القصاص في عبد أو حر لم يكن له أن يصرفه إلى عقل ومن وجب له عقل فليس له أن يصرفه إلى قود في حر ولا مملوك فمن فرق بين المملوك في هذا وبين الحر فليأت عليه بالبرهان من كتاب الله عز وجل الناطق ومن السنة المعروفة (قال الشافعي) : قال الله تعالى {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] إلى {لعلكم تتقون} [البقرة: 179] وقال الشافعي فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول كان في أهل الإنجيل إذا قتلوا العقل ولم يكن فيهم قصاص وكان في أهل التوراة القصاص ولم يكن فيهم دية فحكم الله عز وجل في هذه الأمة بأن في العمد الدية إن شاء الولي أو القصاص إن شاء فأنزل الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] إلى قوله {لعلكم تتقون} [البقرة: 179] (قال الشافعي) : وذلك والله أعلم بين في التنزيل مستغنى به عن التأويل وقد ذكر عن ابن عباس بعضه ولم أحفظ عنه بعضه فقال والله أعلم في كتاب الله عز وجل إنه أنزل فيما فيه القصاص وكان بينا أن ذلك إلى ولي الدم لأن العفو إنما هو لمن له القود وكان بينا أن قول الله عز وجل {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} [البقرة: 178] أن يعفو ولي الدم القصاص ويأخذ المال لأنه لو كان ولي الدم إذا عفا القصاص لم يبق له غيره لم يكن له إذا ذهب حقه ولم تكن دية يأخذها شيء يتبعه بمعروف ولا يؤدى إليه بإحسان.
وقال الله عز وجل {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} [البقرة: 178] فكان بينا أنه تخفيف القتل بأخذ المال.
وقال {ولكم في القصاص حياة} [البقرة: 179] أن يمتنع بها من القتل فلم يكن المال إذا كان الولي في حال يسقط عنه القود إذا أراد.
قال وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في تفسير هذه الآية شبيها بما وصفت في أحد المعنيين ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل معناه أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا العقل وإن أحبوا فلهم القود» أخبرنا الثقة عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله أو مثل معناه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : الكتاب والسنة معا يدلان دلالة لا إشكال فيها أن لولي الدم أن يقتص أو يعفو القتل ويأخذ المال، أي ذلك شاء أن يفعل فعل ليس إلى القاتل من ذلك شيء وإذا كان هذا في النفس كان فيما دون النفس من الجراح هكذا وكان ذلك للرجل في عبده فإذا قتل عبد رجل فسيده بالخيار بين أن يقتل أو يكون له قيمة عبده المقتول في عنق العبد القاتل، فإن أداها سيد العبد القاتل متطوعا فليس لسيد العبد إلا ذلك إذا عفا القصاص وإن أبى سيد العبد القاتل أن يؤديها لم يجبر عليها وبيع العبد القاتل، فإن كان ثمنه أقل من قيمة العبد المقتول أو ثمنه فليس لسيد العبد المقتول إلا ذلك وإن كان فيه فضل رد على سيد العبد القاتل.
قال وإذا بان الفضل في العبد القاتل خير سيد العبد بين أن يباع بعضه حتى يوفى هذا ثمنه ويبقى هذا على ما بقي من ملكه أو يباع كله فيرد عليه فضله وأحسبه سيختار بيعه كله لأن ذلك أكثر لثمنه.
وكل نفسين أبدا قتلت إحداهما بالأخرى جعلت القصاص بينهما فيما دون النفس لأني إذا جعلت القصاص في النفس التي هي أكثر كان جميع
البدن فأنا مضطر إلى أن أقيد في الأقل من البدن إلا أن يكون فيه خبر يلزم يخالف هذا ولا خبر فيه يلزم يخالف هذا والكتاب يدل على هذا وذلك أن الله عز وجل حين ذكر القصاص جملة قال {النفس بالنفس والعين بالعين} [المائدة: 45] إلى {والجروح قصاص} [المائدة: 45] وقد احتج بهذا محمد بن الحسن على أصحابنا وهو حجة عليه وذلك أنه يقال له إن كان العبد ممن دخل في هذه الآية فلم يفرق الله بين القصاص في الجروح والنفس وإن كان غير داخل في هذه الآية فاجعل العبدين بمنزلة البعيرين لا يقتص أحدهما من الآخر فأما ما أدخل محمد بن الحسن على من أدخل عليه من أصحابنا من أنهم جعلوا لسيد العبد الخيار في أن يقتل أو يأخذ ثمن عبده ولم يجعلوا ذلك في الأحرار ولا فرق بين العبيد والأحرار فكما قال يدخل عليه منه ما أدخل غير أنهم قد أصابوا في العبد الكتاب والسنة وإن كانوا قد غفلوا عنهما في الأحرار وهو غفل عنه فيهما جميعا واحتج محمد بن الحسن بأن الله تبارك وتعالى ذكر في العمد القصاص وفي الخطأ الدية
، ثم زعم أن من جعل في العمد الدية فقد خالف حكم الله، فإن كان هذا كما ذكر كان ممن قد دخل في خلاف حكم الله من قبل أنه إذا كان زعم من حكم الله أن لا يكون في عمد مال فإنما أنزله بمنزلة الحدود التي يقذف بها المرء فلا يكون عليه مال بقذفه إنما يكون عليه عقوبة في بدنه فيلزمه فيما لا يقيد منه من العمد أن يبطله ولا يجعل فيه مالا، فإن قال إنما أجعل فيه المال إذا لم أستطع فيه القود قلنا فمن استثنى لك هذا؟ إن كان أصل حكم الله كما وصفت في العمد والخطأ وقد يكون الدم بين مائة فيعفو أحدهم أو يصالح فيجعل محمد الدية للباقين بقدر حقوقهم منها فقد جعل أيضا في العمد الذي يستطاع فيه القصاص مالا رضيه أولياء الدم أو لم يرضوه، فإن قال فإنما جعلنا فيه مالا حين دخله العفو فكان يلزمه على أصل قوله واحد من قولين أن يجعله كالرجلين قذف أبوهما فأيهما قام بالحد فله الحد ولو عفا الآخر لم يكن له عفو ويزعم أنه إذا كان الأحرار يعفون بشركهم في الدم فحقن الدم بعفو أحدهم لم يكن للآخرين مال لأنه لم يكن لهم مال إنما وجب لهم ضربة سيف فلا تتحول مالا، فإن قال فأنت تقول مثل هذا معي قلت أجل على ما وصفت من حكم الله عز وجل وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - على خلاف ما قلت أنت كله وذلك للآثار.
[باب دية أهل الذمة]
أخبرنا الربيع: قال أخبرنا الشافعي قال: قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - ودية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحر المسلم وعلى من قتله من المسلمين القود وقال أهل المدينة دية اليهودي والنصراني إذا قتل أحدهما نصف دية الحر المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقال أهل المدينة لا يقتل مؤمن بكافر قال محمد بن الحسن: قد روى أهل المدينة أن «رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل مسلما بكافر وقال أنا أحق من أوفى بذمته» قال محمد أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني أن «رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة فرفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أنا أحق من أوفى بذمته، ثم أمر به فقتل» فكان يقول بهذا القول فقيههم ربيعة بن أبي عبد الرحمن وقد قاله أهل المدينة إذا قتله قتل غيلة وفرق بين قتل الغيلة وقتل غير الغيلة وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه أمر أن يقتل رجل من المسلمين بقتل رجل نصراني غيلة من أهل الحيرة فقتله به وقد بلغنا
عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول إذا قتل المسلم النصراني قتل به فأما ما قالوا في الدية فقول الله عز وجل أصدق القول ذكر الله الدية في كتابه فقال {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} [النساء: 92]
، ثم ذكر أهل الميثاق فقال {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} [النساء: 92] فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة ولم يقل في أهل الميثاق نصف الدية كما قال أهل المدينة وأهل الميثاق ليسوا مسلمين فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة إلى أهله والأحاديث في ذلك كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشهورة معروفة أنه جعل دية الكافر مثل دية المسلم وروى ذلك أفقههم وأعلمهم في زمانه وأعلمهم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن شهاب الزهري فذكر أن دية المعاهد في عهد أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - مثل دية الحر المسلم فلما كان معاوية جعلها مثل نصف دية الحر المسلم فإن الزهري كان أعلمهم في زمانه بالأحاديث فكيف رغبوا عما رواه أفقههم إلى قول معاوية.
أخبرنا ابن المبارك عن معمر بن راشد قال حدثني من شهد قتل رجل بذمي بكتاب عمر بن عبد العزيز: أخبرنا قيس بن الربيع عن أبان بن تغلب عن الحسن بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم عن أبي الجنوب الأسدي قال أتى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - برجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة قال فقامت عليه البينة فأمر بقتله فجاء أخوه فقال قد عفوت عنه قال فلعلهم هددوك أو فرقوك؟ قال لا ولكن قتله لا يرد علي أخي وعوضوني فرضيت قال أنت أعلم من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا.
أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال دية المعاهد دية الحر المسلم.
حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن رجلا من بني بكر بن وائل قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب فيه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا فدفع الرجل إلى ولي المقتول إلى رجل يقال له حنين من أهل الحيرة فقتله فكتب عمر بعد ذلك إن كان الرجل لم يقتل فلا تقتلوه فرأوا أن عمر أراد أن يرضيهم من الدية.
أخبرنا محمد بن يزيد قال أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري أن ابن شاس الجذامي قتل رجلا من أنباط الشام فرفع إلى عثمان بن عفان فأمر بقتله فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهوه عن قتله قال فجعل ديته ألف دينار.
أخبرنا محمد بن يزيد قال أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن ابن المسيب قال دية كل معاهد في عهده ألف دينار.
وأخبرنا ابن عبد الله عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء.
أخبرنا خالد عن مطرف عن الشعبي مثله إلا أنه لم يذكر المجوسي (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : لا يقتل مؤمن بكافر ودية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقد خالفنا في هذا غير واحد من بعض الناس وغيرهم وسألني بعضهم وسألته وسأحكي ما حضرني منه إن شاء الله تعالى فقال ما حجتك في أن لا يقتل مؤمن بكافر؟ فقلت ما لا ينبغي لأحد دفعه مما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين.
ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضا، ثم الأخبار عمن بعده فقالوا وأين ما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين من الأحكام؟ فأما الثواب والعقاب فما لا أسأل عنه ولكن أسأل عن أحكام الدنيا فقيل له يحضر المؤمن والكافر قتال الكفار فنعطي نحن وأنت المؤمن السهم ونمنعه الكافر وإن كان أعظم غناء منه ونأخذ ما أخذنا من مسلم بأمر الله صدقة يطهره الله بها ويزكيه ويؤخذ ذلك من الكفار صغارا قال الله تعالى {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة: 29] فوجدت الكفار في حكم الله
، ثم حكم رسوله في موضع العبودية للمسلمين صنفا متى قدر عليهم تعبدوا وتؤخذ منهم أموالهم لا يقبل منهم غير ذلك وصنفا يصنع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #327  
قديم 05-12-2024, 11:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,480
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (327)
صــــــــــ 340 الى صـــــــــــ 347







ذلك بهم إلا أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإعطاء الجزية إذا لزمهم فهو صنف من العبودية فلا يجوز أن يكون من كان خولا للمسلمين في حال أو كان خولا لهم بكل حال إلا أن يؤدي جزية فيكون كالعبد المخارج في بعض حالاته كفؤا للمسلمين.
وقد فرق الله عز وجل بينهما بهذا وبأن أنعم على المسلمين فأحل لهم حرائر نساء أهل الكتاب وحرم المؤمنات على جميع الكافرين مع ما يفترقون فيه سوى هذا قال إن فيما دون هذا لفرقا ولكن ما السنة؟ قلت أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين عن عطاء وطاوس ومجاهد والحسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته عام الفتح «لا يقتل مسلم بكافر» قال هذا مرسل قلت نعم وقد يصله غيرهم من أهل المغازي من حديث عمران بن الحصين وحديث غيره ولكن فيه حديث من أحسن إسنادكم.
أخبرنا ابن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن ابن أبي جحيفة قال سألت عليا - رضي الله تعالى عنه - فقلت هل عندكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء سوى القرآن؟ فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن وما في الصحيفة قلت وما في الصحيفة؟ قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر قال هذا حديث ثابت عندنا معروف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يقتل مؤمن بكافر» غير أنا تأولناه وروى سعيد بن جبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» فذهبنا إلى أنه عنى الكفار من أهل الحرب الذين لا عهد لهم لأن دماءهم حلال فأما من منع دمه العهد فيقول من قتله به فقلنا حديث سعيد مرسل ونحن نجعله لك ثابتا هو عليك مع هذه الأحاديث قال فما معناه؟ قلنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يقتل مسلم بكافر»
، ثم إن كان قال «ولا ذو عهد في عهده» فإنما قال ولا يقتل ذو عهد في عهده تعليما للناس إذ سقط القود بين المؤمن والكافر أنه لا يحل لهم قتل من له عهد من الكافرين قال فيحتمل معنى غير هذا؟ قلنا لو احتمله كان هذا أولى به لأنه الظاهر قال وما يدلك على أنه الظاهر؟ قلنا لأن ذوي العهد من الكافرين كفار قال فهل من سنة تبين هذا؟ قلنا نعم وفيه كفاية قال وأين هي؟ قلت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» فهل زعمت أن هذا على الكافرين غير أهل العهد فتكون قد تأولت فيه مثل ما تأولت في الحديث الآخر؟ قال لا ولكنها على الكافرين من كانوا من أهل العهد وغيرهم لأن اسم الكفر يلزمهم قلنا ولا تجد بدا إذا كان هذا صوابا عندك من أن تقول مثل ذلك في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يقتل مؤمن بكافر» أو يكون ذلك صوابا فترد هذا فتقول يرث الكافر المسلم إذا كان من أهل العهد ولا يرثه إذا كان من أهل الحرب فتبعضه كما بعضت حديث «لا يقتل مؤمن بكافر» قال ما أقوله قلنا لم؟ ألأن الحديث لا يحتمله؟ قال بلى هو يحتمله ولكن ظاهره غيره قلنا فكذلك ظاهر ذلك الحديث على غير ما تأولت وقد زعمت أن معاذا ومعاوية ورثا مسلما من كافر
، ثم تركت الذي رويت نصا عنهما وقلت لا حجة في أحد مع النبي - صلى الله عليه وسلم -
، ثم أردت أن تجعل سعيد بن جبير متأولا حجة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يأتيك بنفسه فلا تقبله منه وتقول رجل من التابعين لا يلزمني قوله قال فليس بهذا وحده قلته قلنا وقد يلزمك في هذا ترك ما ذهبت إليه لأنك إذا لم تقد المسلم من الحربي للعلة التي ذكرت فقد لا تقيده وله عهد قال وأين قلت؟ المستأمن يقتله المسلم لا تقتله به وله عهد هو به حرام الدم والمال فلو لم يلزمك حجة إلا هذا لزمتك قال ويقال لهذا معاهد؟ قلنا نعم
لعهد الأمان وهذا مؤمن قال فيدل على هذا بكتاب أو سنة؟ قلنا نعم قال الله عز وجل {براءة من الله ورسوله} [التوبة: 1] إلى قوله {أنكم غير معجزي الله} [التوبة: 3] فجعل لهم عهدا إلى مدة ولم يكونوا أمناء بجزية كانوا أمناء بعهد ووصفهم باسم العهد «وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا - رضي الله عنه - بأن من كان عنده من النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد فعهده إلى مدته» قال ما كنا نذهب إلا أن العهد عهد الأبد قلنا فقد أوجدناك العهد إلى مدة في كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الله {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} [التوبة: 6]
فجعل له العهد إلى سماع كلام الله وبلوغ مأمنه والعهد الذي وصفت على الأبد إنما هو إلى مدة إلى المعاهد نفسه ما استقام بها كانت له فإذا نزع عنها كان محاربا حلال الدم والمال فأقدت المعاهد الذي العهد فيه إلى المشرك ولم تقد المعاهد الذي عقد له العهد إلى مدة بمسلم
، ثم هما جميعا في الحالين ممنوعا الدم والمال عندك معاهدين أفرأيت لو قال لك قائل أقيد المعاهد إلى مدة من قبل أنه ممنوع الدم والمال وجاهل بأن حكم الإسلام لا يقتل المؤمن به ولا أقيد المعاهد المقيم ببلاد الإسلام لأنه عالم أن لا يقتل مسلم به فقد رضي العهد على ما لم يرضه عليه ذلك ألا يكون أحسن حجة منك؟ قال فإنا قد روينا من حديث ابن البيلماني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل مؤمنا بكافر قلت أفرأيت لو كنا نحن وأنت نثبت المنقطع بحسن الظن بمن رواه فروي حديثان أحدهما منقطع والآخر متصل بخلافه أيهما كان أولى بنا أن نثبته الذي ثبتناه وقد عرفنا من رواه بالصدق أو الذي ثبتناه بالظن؟ قال بل الذي ثبتناه متصلا فقلت فحديثنا متصل وحديث ابن البيلماني منقطع وحديث ابن البيلماني خطأ وإن ما رواه ابن البيلماني فيما بلغنا «أن عمرو بن أمية قتل كافرا كان له عهد إلى مدة وكان المقتول رسولا فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - به» ولو كان ثابتا كنت أنت قد خالفت الحديثين معا حديث ابن البيلماني والذي قتله عمرو بن أمية قبل بني النضير وقبل الفتح بزمان وخطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يقتل مسلم بكافر» عام الفتح قلت فلو كان كما تقول كان منسوخا قال فلم لم تقبل به وتقول هو منسوخ وقلت هو خطأ؟ .
قلت عاش عمرو بن أمية بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دهرا طويلا وأنت إنما تأخذ العلم من بعد ليس لك به مثل معرفة أصحابنا، «وعمرو قتل اثنين وداهما النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يزد النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرا على أن قال قتلت رجلين لهما مني عهد لأدينهما» قال فإنما قلت هذا مع ما ذكرنا بأن عمر كتب في رجل من بني شيبان قتل رجلا من أهل الحيرة وكتب أن اقتلوه، ثم كتب بعد ذلك لا تقتلوه قلنا أفرأيت لو كتب أن اقتلوه وقتل ولم يرجع عنه أكان يكون في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟ قال لا قلنا فأحسن حالك أن تكون احتججت بغير حجة أرأيت لو لم يكن فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء نقيم الحجة عليك به ولم يكن فيه إلا ما قال عمر أكان عمر يحكم بحكم، ثم يرجع عنه إلا عن علم بلغه هو أولى من قوله فهذا عليك أو أن يرى أن الذي رجع إليه أولى به من الذي قال فيكون قوله راجعا أولى أن تصير إليه؟ قال فلعله أراد أن يرضيه بالدية قلنا فلعله أراد أن يخيفه بالقتل ولا يقتله قال ليس هذا في الحديث قلنا وليس ما قلت في الحديث قال فقد رويتم عن عمرو بن دينار أن عمر كتب في مسلم قتل نصرانيا إن كان القاتل قتالا فاقتلوه وإن كان غير قتال فذروه ولا تقتلوه قلنا فقد رويناه، فإن شئت فقل هو ثابت ولا ننازعك فيه قال، فإن قلته؟ قلت فاتبع عمر كما قال فأنت لا تتبعه فيما قال ولا فيما قلنا فنسمعك تحتج بما عليك قال فيثبت عندكم عن عمر في هذا شيء؟ .
قلت لا ولا حرف وهذه أحاديث منقطعات أو ضعاف أو تجمع الانقطاع والضعف جميعا قال فقد روينا فيه أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أمر
بمسلم قتل كافرا أن يقتل فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعوه فوداه بألف دينار ولم يقتله فقلت هذا من حديث من يجهل، فإن كان غير ثابت فدع الاحتجاج به وإن كان ثابتا فعليك فيه حكم ولك فيه آخر فقل به حتى نعلم أنك قد اتبعته على ضعفه قال وما علي فيه؟ قلنا زعمت أنه أراد قتله فمنعه ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع إليهم فهذا عثمان في أناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجتمعين أن لا يقتل مسلم بكافر فكيف خالفتم؟ قال فقد أراد قتله قلنا فقد رجع فالرجوع أولى به قال فقد روينا عن الزهري أن دية المعاهد كانت في عهد أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - دية مسلم تامة حتى جعل معاوية نصف الدية في بيت المال قلنا أفتقبل عن الزهري مرسله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن أبي بكر أو عن عمر أو عن عثمان فنحتج عليك بمرسله؟ قال ما يقبل المرسل من أحد وإن الزهري لقبيح المرسل قلنا وإذا أبيت أن تقبل المرسل فكان هذا مرسلا وكان الزهري قبيح المرسل عندك أليس قد رددته من وجهين قال فهل من شيء يدل على خلاف حديث الزهري فيه؟ قلنا نعم إن كنت صححته عن الزهري ولكنا لا نعرفه عن الزهري كما نقول قال وما هو قلت أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن ثابت الحداد عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قضى في دية اليهودي والنصراني بأربعة آلاف وفي دية المجوسي بثمانمائة درهم
(قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن صدقة بن يسار قال أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن دية المعاهد فقال: قضى فيه عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بأربعة آلاف قال فقلنا فمن قبله؟ قال فحسبنا.
(قال الشافعي) : هم الذين سألوه آخرا قال سعيد بن المسيب عن عمر منقطع قلنا إنه ليزعم أنه قد حفظ عنه
، ثم تزعمونه أنتم أنه خاصة وهو عن عثمان غير منقطع قال فبهذا قلت؟ قلت نعم وبغيره قال فلم قال أصحابك نصف دية المسلم قلت روينا عن عمرو بن شعيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يقتل مسلم بكافر وديته نصف دية المسلم» قال فلم لا تأخذ به أنت؟ قلت لو كان ممن يثبت حديثه لأخذنا به وما كان في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة قلنا فيكون لنا مثل ما لهم قال نعم قال فعندهم فيه رواية غير ذلك قلت له نعم شيء يروونه عن عمر بن عبد العزيز قال هذا أمر ضعيف قلنا فقد تركناه قال فإن من حجتنا فيه أن الله عز وجل قال {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} [النساء: 92] وقال {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} [النساء: 92] فلما سويت وسوينا بين قتل المعاهد والمسلم في الرقبة بحكم الله كان ينبغي لنا أن نسوي بينهما في الدية قلنا الرقبة معروفة فيهما والدية جملة لا دلالة على عددها في تنزيل الوحي فإنما قبلت الدلالة على عددها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر الله عز وجل بطاعته أو عمن بعده إذا لم يكن موجودا عنه قال ما في كتاب الله عدد الدية قلنا ففي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدد دية المسلم مائة من الإبل وعن عمر من الذهب والورق فقبلنا نحن وأنت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الإبل وعن عمر الذهب والورق إذا لم يكن فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء قال نعم قلنا فهكذا قبلنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدد دية المسلم وعن عمر عدد دية غيره ممن خالف الإسلام إذا لم يكن فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء نعرفه أرأيت إذا عشوت إلى أن كلتيهما اسم دية أفي فرض الله من قتل المؤمن الدية والرقبة ومن قتل المؤمنة مثل ذلك لأنها داخلة في ذلك؟ قال نعم فرض الله عز وجل على من قتلها تحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة قلنا فلما ذكر أن المؤمن يكون فيه تحرير رقبة ودية هل سوى بينهما في الدية المسلمة؟ قال لا قلنا وهي أولى بمساواته مع الإسلام
والحرية فإن مؤمنا يحتمل مؤمنا ومؤمنة كما يحتمل المؤمنين الرجال والنساء والكافرين الذين ذكر منفردا فيه أورأيت الرجل يقتل الجنين أليس عليه فيه كفارة بعتق رقبة ودية مسلمة؟ قال بلى قلت لأنه داخل في معنى مؤمن؟ قال نعم قلت فلم زعمت أن ديته خمسون دينارا وهو مساو في الرقبة أو رأيت الرجل يقتل العبد أليس عليه تحرير رقبة لأنه قتل مؤمنا؟ قال بلى قلت ففيه دية أو هي قيمته؟ قال بل هي قيمته وإن كانت عشرة دراهم أو أكثر قلت فترى الديات إذا لزمت وكان عليه أن يؤدي دياتهم إلى أهليهم وأن يعتق رقبة في كل واحد منهم سواء فيه أعلاهم وأدناهم ساويت بين دياتهم قال لا.
قلت فلم أردت أن تسوي بين الكافر والمسلم إذا استويا في الرقبة وأن تلزم قاتلهما أن يؤدي دية ولم تسو بين المسلمين الذين هم أولى أن تسوي بينهم من الكفار (قال الشافعي) : فقال بعض من يذهب مذهب بعض الناس إن مما قتلنا به المؤمن بالكافر والحر بالعبد آيتين قلنا فاذكر إحداهما فقال إحداهما قول الله عز وجل في كتابه {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة: 45] قلت وما أخبرنا الله عز وجل أنه حكم به على أهل التوراة حكم بيننا؟ قال نعم حتى يبين أنه قد نسخه عنا فلما قال {النفس بالنفس} [المائدة: 45] لم يجز أن تكون كل نفس بكل نفس إذا كانت النفس المقتولة محرمة أن تقتل قلنا فلسنا نريد أن نحتج عليك بأكثر من قولك إن هذه الآية عامة فزعمت أن فيها خمسة أحكام مفردة وحكما سادسا جامعا فخالفت جميع الأربعة الأحكام التي بعد الحكم الأول والحكم الخامس والسادس جمعتهما في موضعين في الحر يقتل العبد والرجل يقتل المرأة فزعمت أن عينه ليس بعينها ولا عين العبد ولا أنفه بأنفها ولا أنف العبد ولا أذنه بأذنها ولا أذن العبد ولا سنه بسنها ولا سن العبد ولا جروحه كلها بجروحها ولا جروح العبد وقد بدأت أولا بالذي زعمت أنك أخذت به فخالفته في بعض ووافقته في بعض فزعمت أن الرجل يقتل عبده فلا تقتله به ويقتل ابنه فلا تقتله به ويقتل المستأمن فلا تقتله به وكل هذه نفوس محرمة قال اتبعت في هذا أثرا قلنا فتخالف الأثر الكتاب؟ قال لا قلنا فالكتاب إذا على غير ما تأولت فلم فرقت بين أحكام الله عز وجل على ما تأولت؟ قال بعض من حضره دع هذا فهو يلزمه كله قال والآية الأخرى قال الله عز وجل {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} [الإسراء: 33] فقوله {فلا يسرف في القتل} [الإسراء: 33] دلالة على أن من قتل مظلوما فلوليه أن يقتل قاتله قيل له فيعاد عليك ذلك الكلام بعينه في الابن يقتله أبوه والعبد يقتله سيده والمستأمن يقتله المسلم قال فلي من كل هذا مخرج قلت فاذكر مخرجك قال إن شاء الله تبارك وتعالى لما جعل الدم إلى الولي كان الأب وليا فلم يكن له أن يقتل نفسه قلنا أفرأيت إن كان له ابن بالغ أتخرج الأب من الولاية وتجعل للابن أن يقتله؟ قال لا أفعل قلت فلا تخرجه بالقتل من الولاية؟ قال لا.
قلت فما تقول في ابن عم لرجل قتله وهو وليه ووارثه لو لم يقتله وكان له ابن عم هو أبعد منه أفتجعل للأبعد أن يقتل الأقرب؟ قال نعم قلنا ومن أين وهذا وليه وهو قاتل قال القاتل يخرج بالقتل من الولاية قلنا والقاتل يخرج بالقتل من الولاية قال نعم قلنا فلم لم تخرج الأب من الولاية وأنت تخرجه من الميراث؟ قال اتبعت في الأب الأثر قلنا فالأثر يدلك على خلاف ما قلت قال فاتبعت فيه الإجماع قلنا فالإجماع يدلك على خلاف ما تأولت فيه القرآن قلنا فالعبد يكون له ابن حر فيقتله مولاه أيخرج القاتل من الولاية ويكون لابنه أن يقتل مولاه؟ قال لا بالإجماع قلت فالمستأمن يكون معه ابنه أيكون له أن يقتل المسلم الذي قتله قال لا بالإجماع قلت أفيكون الإجماع على خلاف الكتاب؟ قال لا قلنا فالإجماع إذا يدلك على أنك قد أخطأت في تأويل كتاب الله عز وجل وقلنا له لم يجمع معك أحد على أن لا يقتل الرجل بعبده إلا من مذهبه أن لا يقتل الحر بالعبد ولا يقتل المؤمن
بالكافر فكيف جعلت إجماعهم حجة وقد زعمت أنهم أخطئوا في أصل ما ذهبوا إليه؟ والله أعلم.
[باب العقل على الرجل خاصة]

قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -
تعقل العاقلة من الجنايات الموضحة والسن فما فوق ذلك وما كان دون ذلك فهو في مال الجاني لا تعقله العاقلة وقال أهل المدينة لا تعقل العاقلة شيئا من ذلك حتى يبلغ الثلث فإذا بلغ الثلث عقلته العاقلة وكذلك ما زاد على الثلث فهو على العاقلة، وقال محمد بن الحسن قد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأصبع عشرا من الإبل وفي السن خمسا من الإبل وفي الموضحة خمسا فجعل ذلك في مال الرجل أو على عاقلته وذلك في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم مجتمع في العينين والأنف والمأمومة والجائفة واليد والرجل فلم يفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض ذلك من بعض فكيف افترق ذلك عند أهل المدينة لو كان في هذا افتراق لأوجب على العاقلة ما وجب عليها وأوجب في مال الرجل ما وجب عليه ليس الأمر هكذا ولكن أدنى شيء فرض فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - الموضحة والسن فجعل ذلك على العاقلة وما كان دون ذلك فهو على الجاني في ماله وقد بلغنا «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المرأتين اللتين ضربت إحداهما بطن الأخرى فألقت جنينا ميتا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في ذلك بغرة على العاقلة فقال أولياء المرأة القاتلة من العاقلة كيف ندي من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هذا من إخوان الكهان» فالجنين قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أولياء المرأة ولم يقض به في مالها وإنما حكم في الجنين بغرة فعدل ذلك بخمسين دينارا ليس فيه اختلاف بين أهل العراق وبين أهل الحجاز فهذا أقل من ثلث الدية وقد جعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العاقلة فهذا يبين لك ما قبله مما اختلف القوم فيه، أخبرنا أبو حنيفة - رضي الله عنه - عن حماد عن إبراهيم النخعي قال تعقل العاقلة الخطأ كله إلا ما كان دون الموضحة والسن مما ليس فيه أرش معلوم، أخبرنا محمد بن أبان بن صالح القرشي عن حماد عن إبراهيم قال لا تعقل العاقلة شيئا دون الموضحة وكل شيء كان دون الموضحة ففيه حكومة عدل، أخبرنا محمد بن أبان عن حماد عن إبراهيم «أن امرأة ضربت بطن ضرتها بعمود فسطاط فألقت جنينا ميتا وماتت فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديتها على العاقلة وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة على العاقلة فقالت العاقلة أتكون الدية فيمن لا شرب ولا أكل ولا استهل فدم مثله يطل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجع كسجع الجاهلية أو شعر كشعرهم كما قلت لكم فيه غرة عبد أو أمة» فهذا قد قضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العاقلة بغرة عبد أو أمة وهو أقل من ثلث الدية وهذا حديث مشهور معروف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) :
العقل عقلان فعقل العمد في مال الجاني دون عاقلته قل أو كثر وعقل الخطأ على عاقلة الجاني قل ذلك العقل أو كثر لأن من غرم الأكثر غرم الأقل فإن قال قائل فهل من شيء يدل على ما وصفت؟ قيل له نعم ما وصفت أولا كاف منه إذا كان أصل حكم العمد في مال الجاني فلم يختلف أحد في أنه فيه قل أو كثر ثم كان أصل حكم الخطأ في الأكثر في مال العاقلة فهكذا ينبغي أن يكون في الأقل فإن قال فهل من خبر نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قيل نعم قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العاقلة بالدية ولا يجوز لو لم يكن عنه خبر غير هذا إذ سن
أن دية الخطأ على العاقلة إلا أن يكون كل خطأ عليها أو يتوهم متوهم فيقول كان أصل الجنايات على جانيها فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدية على العاقلة في الخطأ قلنا ما بلغ أن يكون دية فعلى العاقلة وما نقص من الدية فعلى جانيه وأما أن يقول قائل تعقل العاقلة الثلث ولا تعقل دونه أفرأيت إن قال له إنسان تعقل التسعة الأعشار أو الثلثين أو النصف ولا تعقل دونه فما حجته عليه؟ فإن قال قائل فهل من خبر يدل على ما وصفت؟ قيل نعم قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة وقضى به على العاقلة وذلك نصف عشر الدية وحديثه في أنه قضى في الجنين على العاقلة أثبت إسنادا من أنه قضى بالدية على العاقلة، وإذا قضى بالدية على العاقلة حين كانت دية ونصف عشر الدية لأنهما معا من الخطأ فكذلك يقضي بكل خطأ والله تعالى أعلم وإن كان درهما واحدا.
وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه -
يقضي عليهم بنصف عشر الدية ولا يقضي عليهم بما دونه ويلزمه في هذا مثل ما لزم من قال يقضي عليهم بثلث الدية ولا يقضي عليهم بما دونه. فإن قال قائل فإنه قد احتج بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بنصف عشر الدية على العاقلة وأنه لا يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى فيما دون نصف العشر بشيء قيل له فإن كنت إنما اتبعت الخبر فقلت اجعل الجنايات على جانيها إلا ما كان فيه خبر لزمك لأحد إن عارضك أن تقول وإذا جنى جان ما فيه دية أو ما فيه نصف عشر الدية فهي على عاقلته، وإذا جنى ما هو أقل من دية وأكثر من نصف عشر دية ففي ماله حتى تكون امتنعت من القياس عليه ورددت ما ليس فيه خبر نص إلى الأصل من أن تكون الجناية على جانيها وإن رددت القياس عليه فلا بد من واحد من وجهين أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يقض فيما دون الموضحة بشيء أن يكون ذلك هدرا لا عقل فيه ولا قود كما تكون اللطمة واللكزة أو يكون إذا جنى جناية اجتهدت فيها الرأي فقضيت فيها بالعقل قياسا على الذي قضى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجنايات فإذا كان حق أن يقضي في الجنايات فيما دون الموضحة بعقل قياسا فالحق أن يقضي على العاقلة بالجناية الخطأ ما كانت قلت أو كثرت لا يجوز إلا ذلك والله تعالى أعلم.
ولقلما رأيت بعض الناس عاب شيئا إلا شرك في طرف منه إلا أنه قد يحسن أن يتخلص بأكثر مما يتخلص به غيره مما لعل فيه مؤنة على من جهل موضع الحجة فأما من علمها فليست عليها مؤنة فيها إن شاء الله تعالى. وقال بعض من ذهب إلى أن تعقل العاقلة الثلث كأنه إنما جعل عليهم الثلث فصاعدا لأن الثلث يفدح وما دونه لا يفدح قلنا فلم لم تجعل هذا في دم العمد وأنت تزعم أنه لو لزمه مائة دية عمدا لم يكن عليهم أن يعينوه فيها بفلس أو رأيت لو كانت العلة فيه ما وصفت فجنى جانيان أحدهما معسر بدرهم والآخر موسر بألف ألف أما يكون الدرهم للمعسر به أفدح من ألف ألف دينار للموسر بها الذي لا يكون جزءا من ألف من ماله فلو كان الأمر كما وصفت كان ينبغي أن ينظر في حال الجاني فإن كانت جنايته درهما ففدحه جعلته على العاقلة وإن كانت جنايته ألفين ولا تفدحه لم تجعل على العاقلة منها شيئا.
فإن قال لو قلت هذا خرجت من السنة قيل قد خرجت من السنة ولم تقل ذا ولا شيئا له وجه قال بعضهم فإن يحيى بن سعيد قال من الأمر القديم أن تعقل العاقلة الثلث فصاعدا قلنا القديم قد يكون ممن يقتدى به ويلزم قوله ويكون من الولاة الذين لا يقتدى بهم ولا يلزم قولهم فمن أي هذا هو؟ قال أظن أنه أعلاها وأرفعها قلت أفنترك اليقين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بنصف عشر الدية على العاقلة لظن ليس مما أمرنا به لو لم يكن في هذا إلا القياس ما تركنا القياس للظن ولئن أدخلت التهمة على الرواية على الرجال المأمونين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس ذلك لكم لأنها تقوم مقام الشهادة للتهمة على
الذي ألقى كلمة ظن أولى أن تكون مدخلة ولقلما رأيت بعض من ذهب هذا المذهب يذهب إلا إلى ظن يمكن عليه مثل ما أمكن فيستوي هو وغيره في حجته ويكون اليقين أبدا من روايته ورواية أصحابه عليه وكذلك يكون عليه القياس فما حجة من كان عليه الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قطع الله به العذر والقياس والمعقول وقول عوام أهل البلدان من الفقهاء إلا ما وصفت من ظن هو وغيره فيه يستويان.
ولو كان الظن له دون غيره ما كان الظن وحده يقوم مقامها فكيف إذا كان يمكن غيره فيه مثل ما يمكنه وكان يخالف اليقين من الخبر والقياس، فإن قال قائل ما الخبر «بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالجنين على العاقلة» ؟ قيل أخبرنا الثقة وهو يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة.
[باب الحر إذا جنى على العبد]
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - في العبد يقتل خطأ إن على عاقلة القاتل القيمة بالغة ما بلغت إلا أنه لا يجاوز بذلك دية الحر المسلم فينقص من ذلك ما تقطع فيه الكف لأنه لا يكون أحد من العبيد إلا وفي الأحرار من هو خير منه ولا يجاوز بدية الحر وإن كان خيرا فاضلا ما فرض من الديات وقال أهل المدينة لا تحمل عاقلة قاتل العبد من قيمة العبد شيئا وإنما ذلك على القاتل في ماله بالغا ما بلغ إن كانت قيمة العبد الدية أو أكثر من ذلك لأن العبد سلعة من السلع وقال محمد بن الحسن إذا كان العبد سلعة من السلع بمنزلة المتاع والثياب فلا ينبغي أن يكون على عبد قتل عبدا قود لأنه بمنزلة سلعة استهلكها فلا قود فيها. وذكر أهل المدينة أن في العبد قيمته بالغة ما بلغت وإن كانت القيمة أكثر من ذلك فينبغي إن قتل رجل مولى العبد أن تكون فيه الدية وإن قتل العبد كانت فيه ديتان إذا بلغت عشرين ألفا فيكون في العبد من الدية أكثر مما يكون في سيده.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : في العبد يقتل: فيه قيمته بالغة ما بلغت وهذا يروى عن عمر وعن علي ولو لم يرو عن واحد منهما كانت لنا فيه حجة على من خالفنا فيه بأن يزعم أن فيه قيمته بما بينه وبين أن يبلغ دية الحر فينقصه منها عشرة دراهم فإذا كان العبد يقتل وقيمته تسعة آلاف وتسعمائة وتسعون فلا ينقص عن قاتله منها شيء أنهم اجتمعوا على أنهم إنما يؤدون قيمة في بعير قتل أو متاع استهلك ومتى رأوا رجلا يغرم الأكثر ويجني جناية فيبطل عنه بعضها فأما ما ذهب إليه محمد بن الحسن من أن في الأحرار من هو خير من العبيد أفرأيت خير الأحرار المسلمين عنده وشر المجوس عنده كيف سوى بين دياتهم فإن زعم أن الديات ليست على الخير ولا على الشر وأنها مؤقتات فيؤدي في مجوسي سارق فاسق منقطع الأطراف في السرقة ما يؤدي في خير مسلم على ظهر الأرض فإن كانت حجته وفي الأحرار من هو خير من العبيد حجة فهي عليه في المجوسي قد يكون في العبيد من هو خير من الأحرار لأنهم مسلمون معا، والتقوى والخير حيث جعله الله تبارك وتعالى لا يكون كافر أبدا خيرا من مسلم.
فأما قوله: لو قتل رجل مولى العبد فيدخل عليه لو قتل رجل رجلا وبعيره أن عليه أن يؤدي في الحر المسلم المالك للبعير أقل مما يؤدي في البعير.
فإن كان بهذا يصير البعير خيرا من المسلم فلا ينبغي لأحد أن يزعم أن بهيمة خير من مسلم وإن كان هذا ليس من الخير ولا من الشر في شيء، وكانت دية المسلم مؤقتة لا ينقص منها شر الناس ولا يزيد فيها خيرهم وكان من استهلك من شيء من المال ففيه قيمته بالغة ما بلغت فكيف لم يقل هذا في العبيد؟ وكيف إذا
نقص العبيد لم ينقص الإبل وكيف إذا نقص من دية العبد لم ينقص أقل ما يقع عليه اسم النقصان أرأيت لو قال له رجل آخر أنقصه ثلاثة أرباعه فاجعله نصف امرأة لأن حده نصف حدها أو قال له رجل آخر لا بل اجعل ديته مؤقتة كما قد تكون دية الأحرار مؤقتة ألا يكون هؤلاء أقرب أن يكون لقولهم علة تشتبه إذا كان لا شبهة لقوله أنقصه ما تقطع فيه اليد أو رأيت لو قال آخر بل أنقصه ما تجب فيه الزكاة، أو قال آخر بل أنقصه نصف عشر الدية لأن ذلك أقل ما انتهى إليه النبي في الجراح ما الحجة عليه إلا أن هذا كله ليس من طريق القيمة ولا طريق الدية، أو رأيت لو أن رجلا قتل مكاتبا وعبدا للمكاتب وقيمة المكاتب مائة وقيمة عبده تسعة آلاف أليس يجعل في عبد المكاتب أكثر مما يجعل في سيده؟ ولا أعلم أنه احتج بشيء له وجه ولا شيء إلا وهو يخطئ في أكثر منه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إن كانت حجته بأن إبراهيم النخعي قاله فهو يزعم أن إبراهيم وغيره من التابعين ليسوا بحجة على أحد.
[باب ميراث القاتل]

قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -
من قتل رجلا خطأ أو عمدا فإنه لا يرث من الدية ولا من القود ولا من غيره شيئا وورث ذلك أقرب الناس من المقتول بعد القاتل إلا أن يكون القاتل مجنونا أو صبيا فإنه لا يحرم الميراث بقتله إذ القلم مرفوع عنهما وقال أهل المدينة بقول أبي حنيفة في القتل عمدا وقالوا في القتل خطأ لا يرث من الدية ويرث من ماله وقال محمد بن الحسن كيف فرقوا بين ديته وماله ينبغي إن ورث من ماله أن يرث من ديته هل رأيتم وارثا ورث من ميراث رجل ميراثا من بعض دون بعض إما أن يرث هو من ذلك كله وإما أن لا يرث من ذلك شيئا. أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن النخعي قال لا يرث قاتل ممن قتل خطأ أو عمدا ولكن يرثه أولى الناس به بعده. أخبرنا عباد بن العوام قال أخبرنا الحجاج بن أرطاة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قتل أخاه خطأ فلم يورثه وقال لا يرث قاتل شيئا.
(قال الشافعي) : يدخل على محمد بن الحسن من قوله إنه يورث الصبي والمغلوب على عقله إذا قتلا شبيه بما أدخل على أصحابنا لأنه هو لا يفرق بينهما في الموضع الذي فرق بينهما فيه هو يزعم أن على عاقلتهما الدية وعلى عاقلة البالغ الدية وهو يزعم أنه لا مأثم على قاتل خطأ إذا تعمد غير الذي قتل مثل أن يرمي صيدا ولا يرمي إنسانا فيعرض الإنسان فيصيبه السهم وهذا عنده مما رفع عنه القلم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «وضع الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
(قال الشافعي) : وهو يدخل على أصحابنا ما أدخل عليهم من أنهم يورثون قاتل الخطأ من المال دون الدية وهي لو كانت في مال القاتل لم تعد أن تكون دينا عليه.
(قال الشافعي) : فلو أن رجلا كان لأبيه عليه دين فمات أبوه ورثه من ماله وورثه من الدين الذي عليه؛ لأنه مال له، وليس في الفرق بين أن يرث قاتل الخطأ ولا يرث قاتل العمد خبر يتبع إلا خبر رجل فإنه يرفعه ولو كان ثابتا كانت الحجة فيه ولكن لا يجوز أن يثبت له شيء ويرد آخر لا معارض له.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #328  
قديم 05-12-2024, 11:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,480
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (328)
صــــــــــ 348 الى صـــــــــــ 355






[باب القصاص في القتل]
قال أبو حنيفة لا قصاص على قاتل إلا قاتل قتل بسلاح وقال أهل المدينة القود بالسلاح فإذا قتل القاتل بشيء لا يعاش من مثله يقع موقع السلاح أو أشد فهو بمنزلة السلاح، وإذا ضربه فلم يزل يضربه ولم يقلع عنه حتى يجيء من ذلك شيء لا يعيش هو من مثله أو يقع موقع السلاح أو أشد فهذا أيضا فيه القصاص قال محمد بن الحسن من قال القصاص في السوط والعصا فقد ترك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشهور المعروف وخطبته يوم فتح مكة حين خطب «ألا إن قتيل الخطأ العمد مثل السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها» فإذا كان ما تعمد به من عصا أو حجر فقتله به ففيه القصاص بطل هذا الحديث فلم يكن له معنى إلا أن قتيل الخطأ العمد هو ما تعمد ضربه بالسوط أو بالعصا أو نحو ذلك فأتى على نفسه فإن كان الأمر كما قال أهل المدينة فقد بطلت الدية في شبه العمد إذا كان كل شيء تعمدت به النفس من صغير أو كبير فقتلت به كان فيه القصاص فالدية في شبه العمد في أي شيء فرضت إنما هو خطأ في قول أهل المدينة أو عمد فشبه العمد الذي غلظت فيه الدية أي شيء هو في النفس ما ينبغي أن يكون لشبه العمد في النفس معنى في قولهم. أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من قتل في عمية أو رمية تكون بينهم بحجارة أو جلد بالسوط أو ضرب بعصا فهو خطأ عقله عقل الخطأ ومن قتل عمدا فهو قود فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل» .
(قال الشافعي) : القتل ثلاثة وجوه قتل عمد وهو ما عمد المرء بالحديد الذي هو أوحى في الإتلاف وبما الأغلب أنه لا يعاش من مثله بكثرة الضرب وتتابعه أو عظم ما يضرب به مثل فضخ الرأس وما أشبهه فهذا كله عمد والخطأ كلما ضرب الرجل أو رمى يريد شيئا وأصاب غيره فسواء كان ذلك بحديد أو غيره وشبه العمد وهو ما عمد بالضرب الخفيف بغير الحديد مثل الضرب بالسوط أو العصا أو اليد فأتى على يد الضارب فهذا العمد في الفعل الخطأ في القتل وهو الذي تعرفه العامة بشبه العمد وفي هذا الدية مغلظة فيه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها.
(قال الشافعي) أخبرنا عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها» .
(قال الشافعي) :
فاحتج محمد بن الحسن على من احتج عليه من أصحابنا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا وتركه فإن كانت فيه عليهم حجة فهي عليه؛ لأنه يزعم أن دية شبه العمد أرباع خمس وعشرون ابنة مخاض وخمس وعشرون ابنة لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة فأول ما يلزم محمدا في هذا أن زعم «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في دية شبه العمد أربعون خلفة في بطونها أولادها» وهو لا يجعل خلفة واحدة فإن كان هذا ثابتا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد حدد خلافه وإن كان ليس بثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليس ينصف من احتج بشيء إذا احتج عليه بمثله قال هو غير ثابت عنده وروى عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مثل ما قلنا في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة من حديث سلام بن سليم ومن حديث آخر ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة وروى عن عمر بن الخطاب في شبه العمد مثل ما قلنا وخالف ما روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما روى عن علي وعن عمر واحتج عليهم بخلافهم ما قد خالف هو بعضه فإن كانت له عليهم به حجة فهي عليه معهم.
[باب قتل الغيلة وغيرها وعفو الأولياء]
قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -
من قتل رجلا عمدا قتل غيلة أو غير غيلة فذلك إلى أولياء القتيل فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا وقال أهل المدينة إذا قتله قتل غيلة من غير ثائرة ولا عداوة فإنه يقتل وليس لولاة المقتول أن يعفوا عنه وذلك إلى السلطان يقتل فيه القاتل وقال محمد بن الحسن قول الله عز وجل أصدق من غيره قال الله عز وجل {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا} [الإسراء: 33] وقال عز وجل {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد} [البقرة: 178] إلى قوله {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} [البقرة: 178] فلم يسم في ذلك قتل الغيلة ولا غيرها فمن قتل وليه فهو وليه في دمه دون السلطان إن شاء قتل وإن شاء عفا وليس إلى السلطان من ذلك شيء. أخبرنا أبو حنيفة - رحمه الله - عن حماد عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتى برجل قد قتل عمدا فأمر بقتله فعفا بعض الأولياء فأمر بقتله فقال ابن مسعود - رضي الله عنه - كانت لهم النفس فلما عفا هذا أحيا النفس فلا يستطيع أن يأخذ حقه حتى يأخذ غيره قال فما ترى قال أرى أن تجعل الدية عليه في ماله وترفع حصة الذي عفا فقال عمر وأنا أرى ذلك. أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن النخعي قال: من عفا من ذي سهم فعفوه عفو فقد أجاز عمر وابن مسعود العفو من أحد الأولياء ولم يسألوا أقتل غيلة كان ذلك أو غيره.
(قال الشافعي) : كل من قتل في حرابة أو صحراء أو مصر أو مكابرة أو قتل غيلة على مال أو غيره أو قتل نائرة فالقصاص والعفو إلى الأولياء وليس إلى السلطان من ذلك شيء إلا الأدب إذا عفا الولي.
[باب الرجل يمسك الرجل للرجل حتى يقتله]
قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه بسلاح فيموت مكانه إنه لا قود على الممسك والقود على القاتل ولكن الممسك يوجع عقوبة ويستودع في السجن وقال أهل المدينة إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعا وقال محمد بن الحسن كيف يقتل الممسك ولم يقتل وإذا أمسكه وهو يرى أن لا يريد قتله فتقتلون الممسك قالوا لا إنما نقتله إذا ظن أنه يريد قتله قيل لهم فلا نرى القود في قولكم يجب على الممسك إلا بظنه والظن يخطئ ويصيب أرأيتم رجلا دل على رجل فقتله والذي دل يرى أنه سيقتله إن قدر عليه أيقتل الدال والقاتل جميعا وقد دل عليه في موضع لا يقدر على أن يتخلص منه ينبغي في قولكم أن تقتلوا الدال كما تقتلون الممسك أرأيتم رجلا أمر رجلا بقتل رجل فقتله أيقتل القاتل والآمر ينبغي في قولكم أن يقتلا جميعا أرأيتم رجلا حبس امرأة لرجل حتى زنى بها أيحدان جميعا أو يحد الذي فعل الفعل؟ فإن كانا محصنين أيرجمان جميعا؟ ينبغي لمن قال يقتل الممسك أن يقول يقام الحد عليهما جميعا أرأيتم رجلا سقى خمرا أيحدان جميعا حد الخمر أم يحد الشارب خاصة؟ أرأيتم رجلا أمر رجلا أن يفتري على رجل فافترى عليه أيحدان جميعا أم يحد القاذف خاصة؟ ينبغي في قولكم أن يحدا جميعا هذا ليس بشيء، لا يحد إلا الفاعل ولا يقتل إلا القاتل ولكن
على الآخر التعزير والحبس. أخبرنا إسماعيل بن عياش الحمصي قال أخبرنا عبد الملك بن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه آخر فقال يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
حد الله الناس على الفعل نفسه وجعل فيه القود فقال تبارك وتعالى {كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة: 178] وقال {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} [الإسراء: 33] فكان معروفا عند من خوطب بهذه الآية أن السلطان لولي المقتول على القاتل نفسه وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من اعتبط مسلما يقتل فهو قود يده» وقال الله تبارك وتعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] وقال {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: 4] ولم أجد أحدا من خلق الله تعالى يقتدى به حد أحدا قط على غير فعل نفسه أو قوله فلو أن رجلا حبس رجلا لرجل فقتله قتل به القاتل وعوقب الحابس ولا يجوز في حكم الله تعالى إذا قتلت القاتل بالقتل أن أقتل الحابس بالحبس والحبس غير القتل ومن قتل هذا فقد أحال حكم الله عز وجل لأن الله إذا قال {كتب عليكم القصاص في القتلى} [البقرة: 178] فالقصاص أن يفعل بالمرء مثل ما فعل. وقلنا أرأيت الحابس إذا اقتصصنا منه والقصاص هو أن يفعل به مثل ما فعل هل ثم قتل فيقتل به وإنما ثم حبس والحبس معصية وليس فيها قصاص فيعزر عليها وسواء حبسه ليقتله أو لا يقتله ولو كان الحبس يقوم مقام القتل إذا نوى الحابس أن يقتل المحبوس انبغى لو لم يقتل أن يقتله لأنه قد فعل الفعل الذي يقيمه مقام القتل مع النية ولكنه على خلاف ما قال صاحبنا وعلى ما قال محمد بن الحسن في الجملة وعامة ما أدخل محمد على صاحبنا يدخل وأكثر منه ولكن محمد لا يسلم من أن يغفل في موضع آخر فيدخل في أكثر مما عاب على صاحبنا فيكون جميع ما احتج به على صاحبنا في هذا الموضع حجة عليه فإن قال قائل: وما ذلك؟ قيل يزعم أن قوما لو قطعوا الطريق فقتلوا ولهم قوم ردء حيث يسمعون الصوت وإن كانوا لا يرون ما فعل هؤلاء من القتل قتل القاتلون بقتلهم والرادون بأن هؤلاء قتلوا بقوتهم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فقلت لمحمد بن الحسن - رحمه الله - أو رويت في هذا شيئا؟ فلم يذكر رواية فقلت له أرأيت رجلا شديدا أراد رجل ضعيف أن يقتله فقال لرجل شديد لولا ضعفي قتلت فلانا فقال أنا أكتفه لك فكتفه وجلس على صدره ورفع لحيته حتى أبرز مذبحه وأعطى الضعيف سكينا فذبحه فزعمت أنك تقتل الذابح لأنه هو القاتل ولا تلتفت إلى معونة هذا الذي كان سببه لأن السبب غير الفعل وإنما يؤاخذ الله الناس على الفعل أكان هذا أعون على قتل هذا أو الردء على قتل من مر في الطريق؟ ثم تقول في الردء لو كانوا حيث لا يسمعون الصوت وإن كانوا يرون القوم ويعززونهم ويقوونهم لم يكن عليهم شيء إلا التعزير فمن حد لك حيث يسمعون الصوت قال فصاحبكم يقول معي مثل هذا في الردء يقتلون قلت فتقوم لك بهذا حجة على غيرك إن كان قولك لا يكون حجة أفيكون قول صاحبنا الذي تستدرك عليه مثل هذا حجة؟ قال فلا تقله قلت لا ولم أجد أحدا يعقل يقوله ومن قاله خرج من حكم الكتاب والقياس والمعقول ولزمه كثير مما احتججت به فلو كنت إذا احتججت في شيء أو عبته سلمت منه كان.

(قال الشافعي) : وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
أنه قال يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت وهو لا يحبسه حتى يموت فخالف ما احتج به.
[باب القود بين الرجال والنساء]
قال أبو حنيفة لا قود بين الرجال والنساء إلا في النفس. وكذلك أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم وقال أهل المدينة نفس المرأة بنفس الرجل وجرحها بجرحه قال محمد بن الحسن أرأيتم المرأة في العقل أليست على النصف من دية الرجل؟ قالوا بلى: قيل لهم فكيف قطعت يده بيدها ويده ضعف يدها في العقل؟ قالوا أنت تقول مثل هذا أنت تقتله بالمرأة ودية المرأة على النصف من دية الرجل قيل لهم ليست النفس كغيرها ألا ترى أن عشرة لو قتلوا رجلا ضربوه بأسيافهم حتى قتلوا به جميعا. ولو أن عشرة قطعوا يد رجل واحد لم تقطع أيديهم فلذلك اختلفت النفس والجراح. فإن قلتم إنا نقطع يدي رجلين بيد رجل فأخبرونا عن رجلين قطعا يد رجل جميعا جزها أحدهما من أعلاها والآخر من أسفلها حتى التقت الحديدتان في النصف منها أتقطع يد كل واحد منهما وإنما قطع نصف يده؟ ليس هذا مما ينبغي أن يخفى على أحد.

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
إذا قتل الرجل المرأة قتل بها وإذا قطع يدها قطعت يده بيدها فإذا كانت النفس التي هي الأكثر بالنفس فالذي هو أقل أولى أن يكون بما هو أقل وليس القصاص من العقل بسبيل. ألا ترى أن من قتل الرجل بالمرأة فقد يقتله بها وعقلها نصف عقله. قال محمد بن الحسن يقتل الحر بالعبد ودية الحر عنده ألف دينار ولعل دية العبد خمسة دنانير فلو كان تفاوت الدية يمنع القتل لم يقتل رجل بامرأة ولا حر بعبد لأنه لا يكون في العبد عنده إلا أقل من دية حر ولا عبد بعبد إذا كان القاتل أكثر قيمة من المقتول. فإن زعم أن القصاص في النفس ليس من معنى العقل بسبيل فكذلك ينبغي له أن يقول في الجراح لأن الله تبارك وتعالى ذكرها ذكرا واحدا فلم يفرق بينهما في هذا الموضع الذي حكم بها فيه فقال جل ثناؤه {النفس بالنفس} [المائدة: 45] إلى {والجروح قصاص} [المائدة: 45] فلم يوجب في النفس شيئا من القود إلا أوجب فيما سمى مثله. فإذا زعم محمد أن من حجته أن عشرة يقتلون رجلا واحدا فيقتلون به ولو قطعوا يده لم تقطع أيديهم فلو قالوا معه قوله لم تكن عليهم حجة بل كانت عليه بقوله وذلك أنهم يقدرون على أن يقتلوه فإذا جعلت العشرة كل واحد منهم يقتل كأنه قاتل نفس على الكمال فكذلك فاجعل عليهم عشر ديات إذا قتلوا إنسانا فإن قلت معنى القصاص غير معنى الدية قلنا وكذلك في النفس أيضا فإن قلت نعم قالوا لك لا نسمع ما احتججت به إلا عليك مع أنهم يقطعون أو من قطع منهم يدين بيد وإذا يدين بيد فإنما يشبه أن يكونوا قاسوها على النفس فقالوا إذا أفاتا شيئا لا يرجع كإفاتة النفس التي لا ترجع قضينا عليهما باشتراكهما في الإفاتة قضاء كل من فعل فعلا على الانفراد.
[باب القصاص في كسر اليد والرجل]

قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه -
لا قصاص على أحد كسر يدا أو رجلا لأنه عظم ولا قود في عظم إلا السن وقال أهل المدينة من كسر يدا أو رجلا أقيد منه ولا يعقل ولكنه لا يقاد حتى يبرأ جرح صاحبه وقال محمد بن الحسن الآثار في أنه لا قود في عظم أكثر من ذلك. أخبرنا محمد بن أبان القرشي عن حماد عن إبراهيم قال ليس في عظم قصاص إلا السن وقال أبو حنيفة لا قصاص في شيء من ذلك وفي اليد نصف الدية في ماله وفي الكسر حكومة عدل في ماله ولم أكن لأضع الحديد في غير
الموضع الذي وضعها فيه القاطع ولا أقتص من عظم فلذلك جعلت في ذلك الدية قال وقد اجتمعنا نحن وأهل المدينة أنه لا قود في مأمومة فينبغي لمن رأى القود في العظام أن يرى ذلك في المأمومة لأنها عظم كسر فوصل إلى الدماغ ولم يصب الدماغ وينبغي له أيضا أن يجعل في المنقلة القود وإن اقتص من عظم اليد والرجل ولم يقتص من كسر عظم الرأس فقد ترك قوله وليس بينهما افتراق وينبغي له أيضا أن يقتص من الهاشمة وهي الشجة التي هشمت عظم الرأس فإن لم يقتص من هذا فقد ترك قوله في كسر اليد والرجل وقد قال مالك بن أنس - رضي الله عنه - ذات يوم كنا لا نقص من الأصابع حتى قص منها عبد العزيز بن المطلب قاض عليهم فقصصنا منها فليس يعدل أهل المدينة في الأشياء بما عمل به عامل في بلادهم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
معقول في كتاب الله عز وجل في القصاص إذ قال جل وعلا {النفس بالنفس} [المائدة: 45] الآية إنما هو إفاتة شيء بشيء فهذا سواء وفي قوله {والجروح قصاص} [المائدة: 45] إنما هو أن يفعل بالجارح مثل ما فعل بالمجروح فلا نقص من واحد إلا في شيء يفات من الذي أفات مثل عين وسن وأذن ولسان وغير هذا مما يفات فهذا يفات إفاتة النفس أو جرح فيؤخذ من الجارح كما أخذ من المجروح فإذا كان على الابتداء يعلم أنه يقدر على أنه يقص منه فلا يزاد فيه ولا ينقص اقتص منه وإذا كان لا يقدر على ذلك فلا قصاص فيه قال وأولى الأشياء أن لا يقص منه كسر اليد والرجل لمعنيين أحدهما أن دون عظمهما حائلا من جلد وعروق ولحم وعصب ممنوع إلا بما وجب عليه فلو استبقينا أن نكسر عظمه كما كسر عظمه لا نزيد فيه ولا ننقص فعلنا ولكنا لا نصل إلى العظم حتى ننال مما دونه مما وصفت مما لا يعرف قدره مما هو أكثر أو أقل مما نال من غيره والثاني أن لا نقدر على أن يكون كسر ككسر أبدا فهو ممنوع من الوجهين والمأمومة والمنقلة والهاشمة أولى أن يكون فيها قصاص من حيث إن من جناها فقد شق بها اللحم والجلد فنشق اللحم والجلد كما شقه ونهشم العظم أو ننقله أو نؤمه فنخرقه، فإن قال لا يقدر على العظم وهو بارز فهو لم يتعذر دونه فكذلك لا يقدر على العظم دونه غيره.
[كتاب سير الأوزاعي]

(أخبرنا الربيع بن سليمان)
قال أخبرنا الشافعي محمد بن إدريس قال: قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا غنم جند من المسلمين غنيمة في أرض العدو من المشركين فلا يقتسمونها حتى يخرجوها إلى دار الإسلام ويحوزوها وقال الأوزاعي لم يقفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة أصاب فيها مغنما إلا خمسه وقسمه قبل أن يقفل من ذلك غزوة بني المصطلق وهوازن ويوم حنين وخيبر وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر حين افتتحها صفية وقتل كنانة بن الربيع وأعطى أخيه دحية ثم لم يزل المسلمون على ذلك بعده وعليه جيوشهم في أرض الروم في خلافة عمر بن الخطاب وخلافة عثمان - رضي الله عنهما - في البر والبحر ثم هلم جرا وفي أرض الشرك حين هاجت الفتنة وقتل الوليد قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - أما غزوة بني المصطلق فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افتتح بلادهم وظهر عليهم فصارت بلادهم دار الإسلام وبعث الوليد بن عقبة فأخذ صدقاتهم وعلى هذه الحال كانت خيبر حين افتتحها وصارت دار الإسلام وعاملهم على النخل وعلى هذا كانت حنين وهوازن ولم يقسم فيء حنين إلا بعد منصرفه عن الطائف حين سأله الناس وهم بالجعرانة أن يقسمه بينهم.
فإذا ظهر الإمام على دار وأثخن أهلها فيجري حكمه عليها فلا بأس أن يقسم الغنيمة فيها قبل أن يخرج وهذا قول أبي حنيفة أيضا وإن كان
مغيرا فيها لم يظهر عليها ولم يجر حكمه فإنا نكره أن يقسم فيها غنيمة أو فيئا من قبل أنه لم يحرزه ومن قبل أنه لو دخل جيش من جيوش المسلمين مددا لهم شاركوهم في تلك الغنيمة ومن قبل أن المشركين لو استنقذوا ما في أيديهم ثم غنمه جيش آخر من جيوش المسلمين بعد ذلك لم يرد على الأولين منه شيء وأما ما ذكر عن المسلمين أنهم لم يزالوا يقسمون مغانمهم في خلافة عمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهما - في أرض الحرب فإن هذا ليس يقبل إلا عن الرجال الثقات فعمن هذا الحديث وعمن ذكره وشهده وعمن روى؟ ونقول أيضا إذا قسم الإمام في دار الحرب فقسمه جائز فإن لم يكن معه حمولة يحمل عليها المغنم أو احتاج المسلمون إليها أو كانت علة فقسم لها المغنم ورأى أن ذلك أفضل فهو مستقيم جائز غير أن أحب ذلك إلينا وأفضله أن لا يقسم شيئا من ذلك إذا لم يكن به إليه حاجة حتى يخرجه إلى دار الإسلام. قال أبو يوسف عن مجاهد بن سعيد عن الشعبي عن عمر أنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص إني قد أمددتك بقوم فمن أتاك منهم قبل تنفق القتلى فأشركه في الغنيمة.
قال أبو يوسف وهذا يعلم أنهم لم يحرزوا ذلك في أرض الحرب قال محمد بن إسحاق سئل عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أنزلت {يسألونك عن الأنفال} [الأنفال: 1] الآية انتزعه منا حين اختلفنا وساءت أخلاقنا فجعله الله عز وجل إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - يجعله حيث شاء. قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - وذلك عندنا لأنهم لم يحرزوه ويخرجوه إلى دار الإسلام الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقسم غنائم بدر إلا من بعد مقدمه المدينة والدليل على ذلك أنه ضرب لعثمان وطلحة في ذلك بسهم سهم فقالا وأجرنا فقال وأجركما ولم يشهدا وقعة بدر» أشياخنا عن الزهري ومكحول «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يقسم غنيمة في دار الحرب» قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - وأهل الحجاز يقضون بالقضاء فيقال لهم عمن؟ فيقولون بهذا جرت السنة وعسى أن يكون قضى به عامل السوق أو عامل ما من الجهات وقول الأوزاعي على هذا كانت المقاسم في زمان عمر وعثمان - رضي الله عنهما - وهلم جرا غير مقبول عندنا الكلبي من حديث رفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنه بعث عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة فأصاب هنالك عمرو بن الحضرمي وأصاب أسيرا أو اثنين وأصاب ما كان معهم من أدم وزيت وتجارة من تجارة أهل الطائف فقدم بذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقسم ذلك عبد الله بن جحش حتى قدم المدينة وأنزل الله عز وجل في ذلك {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} [البقرة: 217] حتى فرغ من الآية فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغنم وخمسه» محمد بن إسحاق عن مكحول عن الحارث بن معاوية قال قيل لمعاذ بن جبل إن شرحبيل ابن حسنة باع غنما وبقرا أصابها بقنسرين نحلها الناس وقد كان الناس يأكلون ما أصابوا من المغنم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يبيعونه فقال معاذ لم شرحبيل إذا لم يكن المسلمون محتاجين إلى لحومها فقووا على خلتها فليبيعوها فليكن ثمنها في الغنيمة والخمس وإن كان المسلمون محتاجين إلى لحومها فلتقسم عليهم فيأكلونها «فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصاب أموال أهل خيبر وفيها الغنم والبقر فقسمها وأخذ الخمس وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطعم الناس ما أصابوا من الغنم والبقر إذا كانوا محتاجين» .
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول ما قال الأوزاعي وما احتج به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معروف عند أهل المغازي لا
يختلفون في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم غير مغنم في بلاد الحرب فأما ما احتج به أبو يوسف من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهر على بني المصطلق وصارت دارهم دار إسلام فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغار عليهم وهم غارون في نعمهم فقتلهم وسباهم وقسم أموالهم وسبيهم في دارهم سنة خمس وإنما أسلموا بعدها بزمان وإنما بعث إليهم الوليد بن عقبة مصدقا سنة عشر وقد رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهم ودارهم دار حرب وأما خيبر فما علمته كان فيها مسلم واحد وما صالح إلا اليهود وهم على دينهم إن ما حول خيبر كله دار حرب وما علمت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فقلت من موضعها حتى تقسم ما ظهرت عليه ولو كان الأمر كما قال لكان قد أجاز أن يقسم الوالي ببلاد الحرب فدخل فيما عاب وأما حديث مجالد عن الشعبي عن عمر أنه قال من جاءك منهم قبل تنفق القتلى فأسهم له فهو إن لم يكن ثابتا داخل فيما عاب على الأوزاعي فإنه عاب عليه غير الثقات المعروفين ما علمت الأوزاعي قال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا إلا ما هو معروف، ولقد احتج على الأوزاعي بحديث رجال وهو يرغب عن الرواية عنهم فإن كان حديث مجالد ثابتا فهو يخالفه هو يزعم أن المدد إذا جاءه ولما يخرج المسلمون من بلاد الحرب والقتلى نظراؤهم لم ينفقوا ولا ينفقون بعد ذلك بأيام لم يكن لهم سهم مع أهل الغنيمة فلو كانت الغنيمة عنده إنما تكون للأولين دون المدد إذا نفقت القتلى انبغى أن يعطي المدد ما بينهم وبين أن تنفق القتلى قال وبلغني عنه أنه قال وإن قسم ببلاد الحرب كان جائزا وهذا ترك لقوله ودخول فيما عاب على الأوزاعي وبلغني عنه أنه قال وإن قسم ببلاد الحرب ثم جاء المدد قبل تنفق القتلى لم يكن للمدد شيء وهذا يناقض قوله وحجته عليه بحديث عن عمر لا يأخذ به ويدعه من كل وجه وقد بلغني عنه أنه قال وإن نفقت القتلى وهم في بلاد الحرب لم يخرجوا منها ولم يقتسموا شركهم المدد وكل هذا القول خروج مما احتج به.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإنما الغنيمة لمن شهد الوقعة لا للمدد وكذلك روى عن أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - وأما ما احتج به من «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقسم غنائم بدر حتى ورد المدينة» وما ثبت من الحديث بأن قال والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم لعثمان وطلحة - رضي الله تعالى عنهما - ولم يشهدا بدرا فإن كان كما قاله فهو يخالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه لأنه يزعم أن ليس للإمام أن يعطي أحدا لم يشهد الوقعة وليس كما قال غنم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم بدر بسير شعب من شعاب الصحراء قريب من بدر وكانت غنائم بدر كما يروي عبادة بن الصامت غنمها المسلمون قبل أن تنزل الآية في سورة الأنفال فلما تشاحوا عليها انتزعها الله من أيديهم بقوله عز وجل {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1] فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها خالصة وقسمها بينهم وأدخل معهم ثمانية نفر لم يشهدوا الوقعة من المهاجرين والأنصار وهم بالمدينة وإنما أعطاهم من ماله وإنما نزلت {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} [الأنفال: 41] بعد غنيمة بدر ولم يعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لخلق لم يشهدوا الوقعة بعد نزول الآية ومن أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المؤلفة وغيرهم فإنما من ماله أعطاهم لا من شيء من أربعة الأخماس وأما ما احتج به من وقعة عبد الله بن جحش وابن الحضرمي فذلك قبل بدر وقبل نزول الآية وكانت وقعتهم في آخر يوم من الشهر الحرام فوقفوا فيما صنعوا حتى نزلت {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} [البقرة: 217] وليس مما خالفه فيه الأوزاعي بسبيل.
[أخذ السلاح]
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -
لا بأس أن يأخذ الرجل السلاح من الغنيمة إذا احتاج إليه بغير إذن الإمام فيقاتل به حتى يفرغ من الحرب ثم يرده في المغنم وقال الأوزاعي يقاتل ما كان الناس في معمعة القتال ولا ينتظر برده الفراغ من الحرب فيعرضه للهلاك وانكسار سنه من طول مكثه في دار الحرب. وروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إياك إياك الغلول أن تركب الدابة حتى يحسر قبل أن يؤدى إلى المغنم أو تلبس الثوب حتى يخلق قبل أن ترده إلى المغنم» قال أبو يوسف قد بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال الأوزاعي ولحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاني ووجوه تفسير لا يفهمه ولا يبصره إلا من أعانه الله تعالى عليه فهذا الحديث عندنا على من يفعل ذلك وهو عنه غني يبقي بذلك على دابته وعلى ثوبه أو يأخذ ذلك يريد به الحاجة فأما رجل مسلم في دار الحرب ليس معه دابة وليس مع المسلمين فضل يحملونه إلا دواب الغنيمة ولا يستطيع أن يمشي فإذا كان هذا فلا يحل للمسلمين تركه ولا بأس بتركيبه إن شاءوا وإن كرهوا وكذلك هذه الحال في السلاح. والحال في السلاح أبين وأوضح ألا ترى أن قوما من المسلمين لو تكسرت سيوفهم أو ذهبت ولهم غناء في المسلمين أنه لا بأس أن يأخذوا سيوفا من الغنيمة فيقاتلوا بها ما داموا في الحرب أرأيت إن لم يحتاجوا إليها في معمعة القتال واحتاجوا إليها بعد ذلك بيومين وأغار عليهم العدو يقومون هكذا في وجه العدو بغير سلاح؟ أرأيت لو كان المسلمون كلهم على حالهم كيف يصنعون يستأسرون؟ هذا الرأي توهين لمكيدة المسلمين ولجنودهم وكيف يحل هذا ما دام في المعمعة ويحرم بعد ذلك وقد بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثقات حديث مسند عن الرجال المعروفين بالفقه المأمونين عليه أنه كان يغنم الغنيمة فيها الطعام فيأكل أصحابه منها إذا احتاج الرجل شيئا يأخذه وحاجة الناس إلى السلاح في دار الحرب وإلى الدواب وإلى الثياب أشد من حاجتهم إلى الطعام. أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن أبي المجالد «عن ابن أبي أوفى قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر يأتي أحدنا إلى الطعام من الغنيمة فيأخذ حاجته» .
(قال الشافعي) : كان أبو حنيفة إنما جعل السلاح والثياب والدواب قياسا على الطعام من غني يجد ما يشري به طعاما أو فقير لا يجد ما يشري به أحل لهم أكله، وأكله استهلاك له فهو إن أجاز لمن يجد ما يشتري به طعاما أن يأكل الطعام في بلاد العدو فقاس السلاح والدواب عليه جعل له أن يستهلك الطعام ويتفكه بركوب الدواب كما يتفكه بالطعام فيأكل فالوذا ويأكل السمن والعسل وإن اجتزأ بالخبز اليابس بالملح والجبن واللبن وأن يبلغ بالدواب استهلاكها ويأخذ السلاح من بلاد العدو فيتلذذ بالضرب بها غير العدو وكما يتلذذ بالطعام لغير الجوع وكان يلزمه إذا خرج بالدواب والسلاح من بلاد العدو أن يجعله ملكا له في قول من قال يكون ما بقي من الطعام ملكا له ولا أحسب من الناس أحدا يجيز هذا وكان له بيع سلاحه ودوابه وأخذ سلاح ودواب كما تكون له الصدقة بطعامه وهبته وأكل الطعام من بلاد العدو فقد كان كثير من الناس على هذا ويصنعون مثله في دوابهم وسلاحهم وثيابهم. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لو نزعت سهما من جبل من بلاد العدو ما كنت بأحق به من أخيك» وما أعلم ما قال الأوزاعي إلا موافقا للسنة معقولا لأنه يحل في حال الضرورة الشيء، فإذا انقضت الضرورة لم يحل وما علمت قول أبي حنيفة قياسا ولا خبرا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #329  
قديم 05-12-2024, 11:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,480
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (329)
صــــــــــ 356 الى صـــــــــــ 363





[سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل]
قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - يضرب للفارس بسهمين سهم له وسهم لفرسه ويضرب للراجل بسهم وقال الأوزاعي «أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للفرس بسهمين ولصاحبه بسهم واحد» والمسلمون بعد لا يختلفون فيه، وقال أبو حنيفة الفرس والبرذون سواء، وقال الأوزاعي كان أئمة المسلمين فيما سلف حتى هاجت الفتنة لا يسهمون للبراذين قال أبو يوسف - رضي الله تعالى عنه - كان أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يكره أن تفضل بهيمة على رجل مسلم ويجعل سهمها في القسم أكثر من سهمه. فأما البراذين فما كنت أحسب أحدا يجهل هذا ولا يميز بين الفرس والبرذون ومن كلام العرب المعروف الذي لا تختلف فيه العرب أن تقول هذه الخيل ولعلها براذين كلها أو جلها ويكون فيها المقاريف أيضا ومما نعرف نحن في الحرب أن البراذين أوفق لكثير من الفرسان من الخيل في لين عطفها وقودها وجودتها مما لم يبطل الغاية وأما قول الأوزاعي على هذا كانت أئمة المسلمين فيما سلف فهذا كما وصف من أهل الحجاز أو رأي بعض مشايخ الشام ممن لا يحسن الوضوء ولا التشهد ولا أصول الفقه صنع هذا فقال الأوزاعي بهذا مضت السنة وقال أبو يوسف بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن غيره من أصحابه أنه أسهم للفارس بثلاثة أسهم وللراجل بسهم وبهذا أخذ أبو يوسف.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول ما قال الأوزاعي في الفارس أن له ثلاثة أسهم.
(قال الشافعي) وأخبرنا عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب للفارس بثلاثة أسهم وللراجل بسهم» .
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وأما ما حكى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه قال لا أفضل بهيمة على رجل مسلم فلو لم يكن في هذا خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان محجوجا بخلافه لأن قوله لا أفضل بهيمة على مسلم خطأ من وجهين أحدهما أنه كان إذا كان أعطى بسبب الفرس سهمين كان مفضلا على المسلم إذ كان إنما يعطي المسلم سهما انبغى له أن لا يسوي البهيمة بالمسلم ولا يقربها منه وإن هذا كلام عربي وإنما معناه أن يعطي الفارس سهما له وسهمين بسبب فرسه لأن الله عز وجل ندب إلى اتخاذ الخيل فقال جل وعز {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} [الأنفال: 60] فإذا أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما وصفنا فإنما سهما الفرس لراكبه لا للفرس والفرس لا يملك شيئا إنما يملكه فارسه بعنائه والمؤنة عليه فيه وما ملكه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما تفضيل الأوزاعي الفرس على الهجين واسم الخيل يجمعهما فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن الأسود بن قيس عن علي بن الأقمر قال أغارت الخيل بالشام فأدركت الخيل من يومها وأدركت الكوادن ضحى وعلى الخيل المنذر بن أبي حمصة الهمداني ففضل الخيل على الكوادن وقال لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك فبلغ ذلك عمر فقال هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهم يروون في هذا أحاديث كلها أو بعضها أثبت مما احتج به أبو يوسف فإن كان فيما احتج به حجة فهي عليه ولكن هذه منقطعة والذي نذهب إليه من هذا التسوية بين الخيل العراب والبراذين والمقاريف ولو كنا نثبت مثل هذا ما خالفناه. وقال أبو حنيفة إذا كان الرجل في الديوان راجلا ودخل أرض العدو غازيا راجلا ثم ابتاع فرسا يقاتل عليه وأحرزت الغنيمة وهو
فارس أنه لا يضرب له إلا سهم راجل وقال الأوزاعي لم يكن للمسلمين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديوان وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسهم للخيل وتتابع على ذلك أئمة المسلمين وقال أبو يوسف ليس فيما ذكر الأوزاعي حجة ونحن أيضا نسهم للفارس كما قال فهل عنده أثر مسند عن الثقات أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم سهم فارس لرجل غزا معه راجلا ثم استعار أو اشترى فرسا فقاتل عليه عند القتال ويفسرها هكذا وعليه في هذا أشياء أرأيت لو قاتل عليه بعض يوم ثم باعه من آخر فقاتل عليه ساعة أكل هؤلاء يضرب لهم بسهم فرس وإنما هو فرس واحد هذا لا يستقيم وإنما توضع الأمور على ما يدخل عليه الجند فمن دخل فارسا أرض الحرب فهو فارس ومن دخل راجلا فهو راجل على ما عليه الدواوين منذ زمن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - إلى يومك هذا.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
القول ما قال الأوزاعي وقد زعم أبو يوسف أن السنة جرت على ما قال وعاب على الأوزاعي أن يقول قد جرت السنة بغير رواية ثابتة مفسرة ثم ادعاها بغير رواية ثابتة ولا خبر ثابت ثم قال الأمر كما جرى عليه الديوان منذ زمان عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وهو لا يخالف في أن الديوان محدث في زمان عمر وأنه لم يكن ديوان في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبي بكر ولا صدر من خلافة عمر وأن عمر إنما دون الديوان حين كثر المال والسنة إنما تكون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل بسهم فهذا الدليل على ما قال الأوزاعي لأنه لا يسهم عنده ولا عنده إلا لمن حضر القتال فإذا لم يكن حاضر القتال فارسا فكيف يعطى بفرسه ما لا يعطى ببدنه وأما قوله إن قاتل هذا عليه يوما وهذا يوما أيعطى كل واحد سهم فارس فلا يعطى بفرس في موضعين كما لا يعطى لو قاتل في موضعين إلا أن تكون غنيمة فلا يعطى بشيء واحد في موضعين والسهم للفارس المالك لا لمن استعار الفرس يوما ولا يومين إذا حضر المالك فارسا القتال ولو بعضنا بينهم سهم الفرس ما زدناه على سهم فرس واحد كما لو أسهمنا للراجل ومات لم نزد ورثته على سهم واحد، وكذلك لو خرج سهمه إلى بعير اقتسموه فقال بعض من يذهب مذهبه إني إنما أسهمت للفارس إذا دخل بلاد الحرب فارسا للمؤنة التي كانت عليه في بلاد الإسلام قلنا فما تقول إن اشترى فرسا قبل أن يفرض عليه الديوان في أدنى بلاد الحرب بساعة؟ قال يكون فارسا إذا ثبت في الديوان قلنا فما تقول في خراساني أو يماني قاد فرسا من بلاده حتى أتى بلاد العدو فمات فرسه قبل أن تنتهي الدعوة إليه؟ قال فلا يسهم له سهم فرس؟ قلنا فقد أبطلت مؤنة هذين في الفرس وهذان أكثر مؤنة من الذي اشتراه قبل الديوان بساعة
وقال أبو حنيفة في الرجل يموت في دار الحرب أو يقتل أنه لا يضرب له بسهم في الغنيمة وقال الأوزاعي «أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل من المسلمين قتل بخيبر» فاجتمعت أئمة الهدي على الإسهام لمن مات أو قتل. وقال أبو يوسف حدثنا بعض أشياخنا عن الزهري «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يضرب لأحد ممن استشهد معه بسهم في شيء من المغانم قط وأنه لم يضرب لعبيدة بن الحارث في غنيمة بدر ومات بالصفراء قبل أن يدخل المدينة» .
وقال أبو يوسف ما قاله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كما قال ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفيء وغيره حال ليست لغيره وقد «أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - في بدر ولم يشهدها فقال وأجري يا رسول الله؟ قال وأجرك قال وأسهم أيضا لطلحة بن عبيد الله في بدر ولم يشهدها فقال وأجري؟ فقال وأجرك» ولو أن إماما من أئمة المسلمين أشرك قوما لم يغزوا مع الجند لم يتسع ذلك له وكان مسيئا فيه وليس للأئمة في
هذا ما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لأحد من الغنيمة ممن قتل يوم بدر ولا يوم حنين ولا يوم خيبر وقد قتل بها رهط معروفون فما نعلم أنه أسهم لأحد منهم.
وهذا ما لا يختلف فيه فعليك من الحديث بما تعرف العامة وإياك والشاذ منه فإنه حدثنا ابن أبي كريمة عن أبي جعفر «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر فخطب الناس فقال إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني» مسعر بن كدام والحسن بن عمارة عن عمرو بن مرة عن البختري عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه قال "إذا أتاكم الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فظنوا أنه الذي هو أهدى والذي هو أتقى والذي هو أحيا" أشعث بن سوار وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب الأنصاري أنه قال أقبلت في رهط من الأنصار إلى الكوفة فشيعنا عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - يمشي حتى انتهينا إلى مكان قد سماه. ثم قال هل تدرون لم مشيت معكم يا معشر الأنصار؟ قالوا نعم لحقنا قال إن لكم الحق ولكنكم تأتون قوما لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فاقتلوا الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا شريككم فقال قرظة لا أحدث حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبدا كان عمر فيما بلغنا لا يقبل الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بشاهدين ولولا طول الكتاب لأسندت الحديث لك وكان علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - لا يقبل الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرواية تزداد كثرة ويخرج منها ما لا يعرف ولا يعرفه أهل الفقه ولا يوافق الكتاب ولا السنة فإياك وشاذ الحديث وعليك بما عليه الجماعة من الحديث وما يعرفه الفقهاء وما يوافق الكتاب والسنة فقس الأشياء على ذلك فما خالف القرآن فليس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن جاءت به الرواية.
حدثنا الثقة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في مرضه الذي مات فيه «إني لأحرم ما حرم القرآن والله لا يمسكون علي بشيء فاجعل القرآن والسنة المعروفة لك إماما قائدا واتبع ذلك وقس عليه ما يرد عليك مما لم يوضح لك في القرآن والسنة» .
حدثنا الثقة «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قسمة هوازن أن وفد هوازن سألوه فقال أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وأسأل لكم الناس إذا صليت الظهر فقوموا وقولوا إنا نتشفع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين وبالمسلمين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاموا ففعلوا ذلك فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت الأنصار مثل ذلك وقال عباس بن مرداس أما ما كان لي ولبني سليم فلا وقالت بنو سليم أما ما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال الأقرع بن حابس أما ما كان لي ولبني تميم فلا وقال عيينة أما ما كان لي ولبني فزارة فلا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تمسك بحصته من هذا السبي فله بكل رأس ست فرائض من أول فيء نصيبه» فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم فرد الناس ما كان في أيديهم ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا حال لا تشبه حال الناس ولو أن إماما أمر جندا أن يدفعوا ما في أيديهم من السبي إلى أصحاب السبي بست فرائض كل رأس لم يجز ذلك له ولم ينفذ ولم يستقم ولا تشبه الأئمة في هذا والناس النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا قد نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهذا حيوان بعينه بحيوان بغير عينه.

(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أما ما ذكر من أمر بدر وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسهم لعبيدة بن الحارث فهو عليه إن كان كما زعم أن الغنيمة
أحرزت وعاش بعد الغنيمة وهو يزعم في مثل هذا أن له سهما فإن كان كما قال فقد خالفه وليس كما قال قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغنيمة وأعطى عبيدة سهمه وهو حي ولم يمت عبيدة إلا بعد قسم الغنيمة فأما ما ذكر من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لعثمان ولطلحة بن عبيد الله فقد فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسهم لسبعة أو ثمانية من أصحابه لم يشهدوا بدرا وإنما نزل تخميس الغنيمة نفل الأربعة الأسهم بعد الغنيمة.
(قال الشافعي) : وقد قيل أعطاهم من سهمه كسهمان من شهد فأما الرواية المتظاهرة عندنا فكما وصفت قال الله عز وجل {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1] فكانت غنائم بدر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث شاء وإنما نزلت {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى} [الأنفال: 41] بعد بدر على ما وصفت لك يرفع خمسها ويقسم أربعة أخماسها وافرا على من حضر الحرب من المسلمين إلا السلب فإنه سن أنه للقاتل في الإقبال فكان السلب خارجا منه وإلا الصفي فإنه قد اختلف فيه فقيل كان يأخذه من سهمه من الخمس وإلا البالغين من السبي فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سن فيهم سننا فقتل بعضهم وفادى ببعضهم أسرى المسلمين فالإمام في البالغين من السبي مخير فيما حكيت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنه فيهم فإن أخذ من أحد منهم فدية فسبيلها سبيل الغنيمة وإن استرق منهم أحدا فسبيل المرقوق سبيل الغنيمة وإن أقاد بهم بقتل أو فادى بهم أسيرا مسلما فقد خرجوا من الغنيمة وذلك كله كما وصفت وأما قوله في سبي هوازن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوهبهم من المسلمين فكما قال وذلك يدل على أنه يسلم كالمسلمين حقوقهم من ذلك إلا ما طابوا عنه أنفسا وأما قوله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضمن ست فرائض بكل سبي شح به صاحبه فكما قال ولم يكرههم على أن يحتالوا عليه بست فرائض إنما أعطاهم إياها ثمنا عن رضا ممن قبله ولم يرض عيينة فأخذ عجوزا وقال أعير بها هوازن فما أخرجها من يده حتى قال له بعض من خدعه عنها أرغم الله أنفك فوالله لقد أخذتها ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا جدها بماجد فقال حقا ما تقول؟ .
قال إي والله قال فأبعدها الله وأباها ولم يأخذ بها عوضا.
وأما قوله نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فهذا غير ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان عليه أن يبدأ بنفسه فيما أمر به أن لا يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من الثقات وقد أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيع الحيوان نسيئة واستسلف بعيرا وقضى مثله وإذا زعم أن الحيوان لا يجوز نسيئة لأنه لا يكال ولا يوزن ولا يذرع ولا يعلم إلا بصفة وقد تقع الصفة على البعيرين وهما متفاوتان فهو محجوج بقوله لأنه لا يجيز الحيوان نسيئة في الكتابة ومهر النساء والديات وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بها في الديات بصفة إلى ثلاث سنين فقد أجازها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسيئة فكيف زعم أنه لا يجيزها نسيئة وإن زعم أن المسلمين أجازوها في الكتابة ومهور النساء نسيئة فقد رغب عما أجاز المسلمون ودخل بعضهم فيه وأما ما ذكر من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يمسكن الناس علي بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله» فما أحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا قط فيه حكم إلا بما أحله الله به وكذلك ما حرم شيئا قط فيه حكم إلا بما حرم بذلك أمر وكذلك افترض عليه قال الله عز وجل {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم} [الزخرف: 43] ففرض عليه الاستمساك بما أوحي إليه وشهد له أنه على صراط مستقيم وكذلك قال {ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى: 52] فأخبر أنه فرض عليه اتباع ما أنزل الله وشهد له بأنه هاد مهتد.
وكذلك يشهد له
قوله «لا يمسكن الناس علي بشيء» فإن الله أحل له أشياء حظرها على غيره مثل عدد النساء وأن يتهب المرأة بغير مهر وفرض عليه أشياء خففها عن غيره مثل فرضه عليه أن يخير نساءه ولم يفرض هذا على غيره فقال «لا يمسكن الناس علي بشيء» يعني مما خص به دونهم فإن نكاحه أكثر من أربع ولا يحل لهم أن يبلغوه لأنه انتهى بهم إلى الأربع ولا يجب عليهم ما وجب عليه من تخيير نسائه لأنه ليس بفرض عليهم فأما ما ذهب إليه من إبطال الحديث وعرضه على القرآن فلو كان كما ذهب إليه كان محجوجا به وليس يخالف القرآن الحديث ولكن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبين معنى ما أراد الله خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ثم يلزم الناس ما من بفرض الله فمن قبل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن الله عز وجل قبل لأن الله تعالى أبان ذلك في غير موضع من كتابه قال الله عز وجل {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت} [النساء: 65] الآية وقال عز وجل {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63] وبين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرنا سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر قال أخبرني عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «ما أعرفن ما جاء أحدكم الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما هذا ما وجدنا في كتاب الله عز وجل أخذنا به» .
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ولو كان كما قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - دخل من رد الحديث عليه ما احتج به على الأوزاعي فلم يجز له المسح على الخفين ولا تحريم جمع ما بين المرأة وعمتها ولا تحريم كل ذي ناب من السباع وغير ذلك، قال أبو حنيفة - رحمه الله - إذا دخل الجيش أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا بها إلى دار الإسلام مددا لهم ولم يلقوا عدوا حتى خرجوا بها إلى دار الإسلام فهم شركاء فيها، وقال الأوزاعي قد كانت تجتمع الطائفتان من المسلمين بأرض الروم ولا تشارك واحدة منهما صاحبتها في شيء أصابته من الغنيمة لا ينكر ذلك منهم والي جماعة ولا عالم، وقال أبو يوسف حدثنا الكلبي وغيره «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه بعث أبا عامر الأشعري يوم حنين إلى أوطاس فقاتل من بها ممن هرب من حنين وأصاب المسلمون يومئذ سبايا وغنائم فلم يبلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قسم من غنائم أهل حنين أنه فرق بين أهل أوطاس وأهل حنين ولا نعلم إلا أنه جعل ذلك غنيمة واحدة وفيئا واحدا» وحدثنا مجالد عن عامر الشعبي وزياد بن علاقة الثعلبي أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص قد أمددتك بقوم فمن أتاك منهم قبل أن تنفق القتلى فأشركه في الغنيمة. محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - بعث عكرمة بن أبي جهل في خمسمائة من المسلمين مددا لزياد بن لبيد وللمهاجرين أبي أمية فوافقوا الجند قد افتتح البحثر في اليمن فأشركهم زياد بن لبيد وهو ممن شهد بدرا في الغنيمة وقال أبو يوسف فما كنت أحسب أحدا يعرف السنة والسيرة يجهل هذا ألا ترى أنه لو غزا أرض الروم جند فدخل فأقام في بعض بلادهم ثم فرق السرايا وترك الجند ردءا لهم لولا هؤلاء ما اقترب السرايا أن يبلغوا حيث بلغوا وما أظنه كان للمسلمين جند عظيم في طائفة أخطأهم أن يكون مثل هذا فيهم وما سمعنا بأحد منهم قسط الغنائم مفترقة على كل سرية أصابت شيئا ما أصابت.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : احتج أبو يوسف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عامر إلى أوطاس فغنم غنائم فلم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين من كان مع أبي عامر وهذا كما قال وليس مما قال الأوزاعي وخالفه هو فيه بسبيل أبو عامر كان في جيش النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه بحنين فبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في اتباعهم وهذا جيش
واحد كل فرقة منهم ردء للأخرى وإذا كان الجيش هكذا فلو أصاب الجيش شيئا دون السرية أو السرية شيئا دون الجيش كانوا فيه شركاء لأنهم جيش واحد وبعضهم ردء لبعض وإن تفرقوا فساروا أيضا في بلاد العدو فكذلك شركت كل واحدة من الطائفتين الأخرى فيما أصابوا فأما جيشان مفترقان فلا يرد واحد منهما على صاحبه شيئا وليسا بجيش واحد ولا أحدهما ردء لصاحبه مقيم له عليه ولو جاز جاز أن يشرك أهل طرسوس وغذقذونة من دخل بلاد العدو لأنهم قد يعينونهم أو ينفروا إليهم حين ينالون نصرتهم في أدنى بلاد الروم وإنما يشترك الجيش الواحد الداخل واحدا وإن تفرق في ميعاد اجتماع في موضع وأما ما احتج به من حديث مجالد أن عمر كتب فمن أتاك منهم قبل تنفق القتلى فأشركهم في الغنيمة فهذا غير ثابت عن عمر ولو ثبت عنه كنا أسرع إلى قبوله منه وهو إن كان يثبته عنه فهو محجوج به لأنه يخالفه هو يزعم أن الجيش لو قتلوا قتلى وأحرزوا غنائمهم بكرة وأخرجوا الغنائم إلى بلاد الإسلام عشية وجاءهم المدد والقتلى يتشحطون في دمائهم لم يشركوهم ولو قتلوهم فنفقوا وجاءوا والجيش في بلاد العدو قد أحرزوا الغنائم بعد القتل بيوم وقبل مقدم الجيش المدد بأشهر شركوهم فخالف عمر في الأول والآخر واحتج به فأما ما روي عن زياد بن لبيد أنه أشرك عكرمة فإن زيادا كتب فيه إلى أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - فكتب أبو بكر إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة فكلم زياد أصحابه فطابوا نفسا أن أشركوا عكرمة وأصحابه متطوعين عليهم وهذا قولنا وهو يخالفه ويروى عنه خلاف ما رواه عنه أهل العلم بالغزو.
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -
في المرأة تداوي الجرحى وتنفع الناس لا يسهم لها ويرضخ لها وقال الأوزاعي «أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء بخيبر وأخذ المسلمون بذلك بعده» قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - ما كنت أحسب أحدا يعقل الفقه يجهل هذا ما يعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم للنساء في شيء من غزوه وما جاء في هذا من الأحاديث كثير لولا طول ذلك لكتبت لك من ذلك شيئا كثيرا ومحمد بن إسحاق وإسماعيل بن أمية عن ابن هرمز قال كتب نجدة إلى ابن عباس كان النساء يحضرن الحرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكتب إليه ابن عباس «كان النساء يغزون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يرضخ لهن من الغنيمة ولم يكن يضرب لهن بسهم» والحديث في هذا كثير والسنة في هذا معروفة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهذا كما قال أبو حنيفة يرضخ لهن ولا يسهم والحديث في هذا كثير وهذا قول من حفظت عنه من حجازيينا.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز أنه أخبره أن ابن عباس كتب إلى نجدة كتبت تسألني هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء فقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى وذكر كلمة أخرى وكتبت تسألني هل «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب لهن بسهم فلم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة» وإنما ذهب الأوزاعي إلى حديث رجل ثقة وهو منقطع روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا بيهود ونساء من نساء المسلمين وضرب لليهود وللنساء بمثل سهمان الرجال، والحديث المنقطع لا يكون حجة عندنا وإنما اعتمدنا على حديث ابن عباس أنه متصل وقد رأيت أهل العلم بالمغازي قبلنا يوافقون ابن عباس، قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - فيمن يستعين به المسلمون من أهل الذمة فيقاتل معهم العدو لا يسهم لهم، ولكن يرضخ لهم، وقال الأوزاعي أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن غزا معه من يهود وأسهم ولاة المسلمين بعده لمن استعانوا به على عدوهم من أهل الكتاب والمجوس، وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - ما كنت أحب أحدا من أهل الفقه يجهل هذا ولا يشك الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -
أنه قال «استعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهود قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم» والحديث في هذا معروف مشهور والسنة فيه معروفة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
والقول ما قال أبو حنيفة وعذر الأوزاعي فيه ما وصفت قبل هذا وقد رأيت أهل العلم بالمغازي يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رضخ لمن استعان به من المشركين وقد روى فيه حديثا موصولا لا يحضرني ذكره.
[سهمان الخيل]

قال أبو حنيفة - رضي الله عنه -
في الرجل يكون معه فرسان لا يسهم له إلا لواحد وقال الأوزاعي يسهم لفرسين ولا يسهم لأكثر من ذلك وعلى ذلك أهل العلم وبه عملت الأئمة، قال أبو يوسف لم يبلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه أنه أسهم للفرسين إلا حديث واحد وكان الواحد عندنا شاذا لا نأخذ به، وأما قوله بذلك عملت الأئمة وعليه أهل العلم فهذا قول أهل الحجاز وبذلك مضت السنة وليس يقبل هذا ولا يحمل هذا الجهال فمن الإمام الذي عمل بهذا والعالم الذي أخذ به حتى ننظر أهو أهل لأن يحمل عنه مأمون هو على العلم أو لا؟ وكيف يقسم للفرسين ولا يقسم لثلاثة من قبل ماذا؟ وكيف يقسم للفرس المربوط في منزله لم يقاتل عليه وإنما قاتل على غيره؟ فتفهم في الذي ذكرنا وفيما قال الأوزاعي وتدبره.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أحفظ عمن لقيت ممن سمعت منه من أصحابنا أنهم لا يسهمون إلا لفرس واحد وبهذا آخذ، أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد أن عبد الله بن الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنهم - كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهم له وسهمين لفرسه وسهم في ذوي القربى سهم أمه صفية يعني يوم خيبر وكان سفيان بن عيينة يهاب أن يذكر يحيى بن عباد والحفاظ يروونه عن يحيى بن عباد وروى مكحول «أن الزبير حضر خيبر فأسهم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة أسهم سهم له وأربعة أسهم لفرسيه» فذهب الأوزاعي إلى قبول هذا عن مكحول منقطعا وهشام بن عروة أحرص لو أسهم لابن الزبير لفرسين أن يقول به فأشبه إذا خالفه مكحول أن يكون أثبت في حديث أبيه منه بحرصه على زيادته، وإن كان حديثه مقطوعا لا تقوم به حجة فهو كحديث مكحول ولكنا ذهبنا إلى أهل المغازي فقلنا إنهم لم يرووا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم لفرسين ولم يختلفوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حضر خيبر بثلاثة أفراس لنفسه السكب والظرب والمرتجز ولم يأخذ منها إلا لفرس واحد، قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لا يسهم لصبي في الغنيمة، وقال الأوزاعي يسهم لهم وذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم بخيبر لصبي في الغنيمة وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في أرض الحرب وقال أبو يوسف ما سمعنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أسهم لصبي وإن هذا لغير معروف عن أهل العلم ولو كان هذا في شيء من المغازي ما خفي علينا. محمد بن إسحاق وإسماعيل بن أمية عن رجل أن ابن عباس كتب إلى نجدة في جواب كتابه: كتبت تسألني عن الصبي متى يخرج من اليتم ومتى يضرب له بسهم فإنه يخرج من اليتم إذا احتلم ويضرب له بسهم.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - حدثنا عن عبد الله بن عمر أو عبيد الله شك أبو محمد الربيع عن نافع عن «ابن عمر قال عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني» قال نافع فحدثت بذلك عمر بن عبد العزيز

فكتب إلى عماله في المقاتلة فلو كان هذا كما قال الأوزاعي لإجازة النبي - صلى الله عليه وسلم - عام أحد وما أحد من المهاجرين والأنصار ولد له ولد في سفر من أسفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا محمد بن أبي بكر فإن أسماء ولدته بذي الحليفة في حجة الإسلام فثبت من هذه الأحاديث والفتيا والله أعلم أن غزوهم ومقامهم فيه كان أقل مدة من أن يتفرغوا للنساء والأولاد.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : الحجة في هذا مثل الحجة في المسألة قبل في النساء وأهل الذمة يرضخ للغلمان ولا يسهم لهم ولا يسهم للنساء ويرضخ.
قال أبو حنيفة في رجل من المشركين يسلم ثم يلحق بعسكر المسلمين في دار الحرب أنه لا يضرب له بسهم إلا أن يلقى المسلمون قتالا فيقاتل معهم وقال الأوزاعي من أسلم في دار الشرك ثم رجع إلى الله وإلى أهل الإسلام قبل أن يقتسموا غنائمهم فحق على المسلمين إسهامه وقال أبو يوسف فكر في قول الأوزاعي ألا ترى أنه أفتى في جيش من المسلمين دخل في دار الحرب مددا للجيش الذي فيها أنهم لا يشركون في المغانم وقال في هذا أشركه وإنما أسلم بعدما غنموا والجيش المسلمون المدد الذين شددوا ظهورهم وقووا من ضعفهم وكانوا ردءا لهم وعونا لا يشركونهم ويشرك الذي قاتلهم ودفعهم عن الغنيمة بجهده وقوته حتى أعان الله عليه فلما رأى ذلك أسلم فأخذ نصيبه.
سبحان الله ما أشد هذا الحكم والقول وما نعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدا من السلف أنه أسهم لمثل هذا وبلغنا أن رهطا أسلموا من بني قريظة فحقنوا دماءهم وأموالهم ولم يبلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أسهم لأحد منهم في الغنيمة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : معلوم عند غير واحد ممن لقيت من أهل العلم بالغزوات أن أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - قال إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة أخبرنا الثقة من أصحابنا عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة بن الحجاج عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وبهذا نقول وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء يثبت ما روي عن أبي بكر وعمر لا يحضرني حفظه فمن شهد قتالا ثم أسلم فخرج من دار الحرب أو كان مع المسلمين مشركا فأسلم أو عبدا فأعتق وجاء من حيث جاء شرك في الغنيمة ومن لم يأت حتى تنقضي الحرب وإن لم تحرز الغنائم لم يشرك في شيء من الغنيمة لأن الغنيمة إنما كانت لمن حضر القتال ولو جاز أن يشرك في الغنيمة من لم يحضر القتال ويكون ردءا لأهل القتال غازيا معهم جاز أن يسهم لمن قارب بلاد العدو من المسلمين الذين هم مجموعون على الغوث لمن دخل بلاد الحرب من المسلمين.
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -
في التاجر يكون في أرض الحرب وهو مسلم ويكون فيها الرجل من أهل الحرب قد أسلم فيلحقان جميعا بالمسلمين بعدما يصيبون الغنيمة أنه لا يسهم لهما إذ لم يلق المسلمون قتالا بعد لحاقهما وقال الأوزاعي يسهم لهما وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - وكيف يسهم لهذين ولا يسهم للجند الذين هم ردء لهم ومعونة؟ ما أشد اختلاف هذا القول؟ ، وعلم الله أنه لم يبلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من السلف أنه أسهم لهؤلاء وليسوا عندنا ممن يسهم لهم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : في التاجر المسلم والحربي يسلم في بلاد الحرب يلتقيان بالمسلمين لا يسهم لواحد منهما إلا أن يلقيا مع المسلمين قتالا فيشتركان فيما غنم المسلمون وهذا مثل قولنا الأول وكان ينبغي لأبي حنيفة إذا قال هذا أن يقوله في المدد فقد قال في المدد خلافه فزعم أن المدد يشركون الجيش ما لم يخرج بالغنيمة من بلاد الحرب فإن قال على أولئك عناء لم يكن على هذين فقد ينبعثون من أقصى بلاد الإسلام بعد الوقعة بساعة ولا يجعل لهم شيئا فلو جعل لهم ذلك بالعناء جعله ما لم تقسم الغنيمة ولو جعله بشهود
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #330  
قديم 06-12-2024, 05:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,480
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله


كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (330)
صــــــــــ 364 الى صـــــــــــ 371






الوقعة كما جعله في الأولين لم يجعله إلا بشهود الوقعة فهذا قول متناقض.
قال أبو حنيفة في الرجل يقتل الرجل ويأخذ سلبه لا ينبغي للإمام أن ينفله إياه لأنه صار من الغنيمة قال الأوزاعي مضت السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من قتل علجا فله سلبه» وعملت به أئمة المسلمين بعده إلى اليوم وقال أبو يوسف حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال إذا نفل الإمام أصحابه فقال من قتل قتيلا فله سلبه فهو مستقيم جائز وهذا النفل وأما إن لم ينفل الإمام شيئا من هذا فلا ينفل أحد دون أحد والغنيمة كلها بين جميع الجند على ما وقعت عليه المقاسم وهذا أوضح وأبين من أن يشك فيه أحد من أهل العلم.
(قال الشافعي) : القول فيها ما قال الأوزاعي وأقول قوله. أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» .
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهذا حديث ثابت صحيح لا مخالف له علمته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه دلالة على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما قاله بعد تقضي الحرب لأنه وجد سلب قتيل أبي قتادة في يدي رجل فأخرجه من يديه وهذا يدل على خلاف قول أبي حنيفة لأن الحديث يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذا قبل الحرب إنما قاله بعد تقضي الحرب.

(قال الشافعي) : - رحمه الله:
فالسلب لمن قتل مقبلا في الحرب مبارزا أو غير مبارز قاله الإمام أو لم يقله وهذا حكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكم من سنه بعده قد قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بئر معونة وقد قاله من بعده من الأئمة. أخبرنا سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يسمى بشر بن علقمة قال بادرت رجلا يوم القادسية فبلغ سلبه اثني عشر ألفا فنفلنيه سعد.
وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -
في الرجل يأخذ العلف فيفضل معه شيء بعدما يخرج إلى بلاد الإسلام فإن كانت الغنيمة لم تقسم أعاده فيها وإن كانت قد قسمت باعه فتصدق بثمنه وقال الأوزاعي كان المسلمون يخرجون من أرض الحرب بفضل العلف والطعام إلى دار الإسلام ويقدمون به على أهليهم وبالقديد ويهدي بعض إلى بعض لا ينكره إمام ولا يعيبه عالم وإن كان أحد منهم باع شيئا منه قبل أن تقسم الغنائم ألقى ثمنه في الغنيمة وإن باعه بعد القسمة يتصدق به عن ذلك الجيش. وقال أبو يوسف أبا عمرو ما أشد اختلاف قولك تشدد فيما احتاج المسلمون إليه في دار الحرب من السلاح والدواب والثياب إذا كان من الغنيمة وتنهى عن السلاح إلا في معمعة القتال وترخص في أن يخرج بالطعام والعلف من الغنيمة إلى دار الإسلام ثم يهديه إلى صاحبه هذا مختلف فكيف ضاق الأول مع حاجة المسلمين إليه واتسع هذا لهم وهم في بيوتهم والقليل من هذا والكثير مكروه ينهى عنه أشد النهي؟ بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لا يحل لي من فيئكم ولا هذه وأخذ وبرة من سنام بعير إلا الخمس والخمس مردود فيكم فأدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار على أهله يوم القيامة» فقام إليه رجل بكبة من شعر فقال: هب هذا إلي أخيط برذعة بعير لي أدبر فقال أما نصيبي منه فهو لك فقال إذا بلغت هذا فلا حاجة لي فيها. وقد بلغنا نحو من هذا من الآثار والسنة المحفوظة المعروفة وكيف يرخص أبو عمرو في الطعام والعلف ينتفع به.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أما قول أبي يوسف يضيق أبو عمرو في السلاح ويوسع في الطعام فإن أبا عمرو لم يأخذ الفرق بين السلاح والطعام من رأيه فيما نرى والله تعالى أعلم، إنما أخذه من السنة وما لا اختلاف فيه من جواز الطعام في بلاد العدو أن يأكله غنيا كان أو فقيرا وليس لأحد قدر على سلاح وكراع غنى عنه أن يركب ولا يتسلح السلاح وبكل هذين مضت السنة وعليه الإجماع فإن الذي قال
الأوزاعي أن يتصرف بفضل الطعام للقياس إذا كان يأخذ الطعام في بلاد العدو فيكون له دون غيره من الجيش ففضل منه شيء إنما فضل من شيء قد كان له دون غيره والله أعلم. ولو لم يجز له أن يحبس ذلك بعد خروجه من بلاد العدو لم يخرجه منه إلا أداؤه إلى المغنم لأنه للجيش كلهم ولأهل الخمس لا يخرجه منه التصدق به لأنه تصدق بمال غيره فإن قال لا أجد أهل الجيش ووجد أمير الجيش أو الخليفة أداه إلى أيهما شاء.
وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في الرجل يقع على الجارية من الغنيمة أنه يدرأ عنه الحد ويؤخذ منه العقر والجارية وولدها من الغنيمة ولا يثبت نسب الولد. وقال الأوزاعي وكان من سلف من علمائنا يقولون عليه أدنى الحدين مائة جلدة ومهر قيمة عدل ويلحقونها وولدها به لمكانه الذي له فيها من الشرك. قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إن كان له فيها نصيب على ما قال الأوزاعي فلا حد عليه وفيها العقر. بلغنا عن عبد الله بن عمر في جارية بين اثنين وطئها أحدهما أنه قال لا حد عليه وعليه العقر. أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أنه قال «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة فإذا وجدتم لمسلم مخرجا فادرءوا عنه الحد» قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: وبلغنا نحو من ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن كان هذا الرجل زانيا فعليه الرجم إن كان محصنا والجلد إن كان غير محصن ولا يلحق الولد به لما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أن: الولد للفراش وللعاهر الحجر» والعاهر الزاني ولا يثبت نسب الزاني أبدا ولا يكون عليه المهر وهو زان أرأيت رجلا زنى بامرأة وشهدت عليه الشهود بذلك وأمضى عليه الإمام الحد أيكون عليه مهر وهل يثبت نسب الولد منه؟ وقد بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رجم غير واحد وعن أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - والسلف من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم أقاموا الحدود على الزناة ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه قضى مع ذلك بمهر ولا أثبت منه نسب الولد حدثنا أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن حماد عن إبراهيم أنه قال لا يجتمع الحد والصداق، الصداق درء الحد وبلغنا عن عمر وعلي - رضي الله تعالى عنهما - في غير حديث في المرأة يؤتى بها وقد فجرت فتقول جعت فأعطاني وتقول الأخرى عطشت فسقاني كل واحدة منها تقول هذا وإن كان هذا الذي وطئ الجارية له نصيب فيها فذلك أحرى أن يدرأ عنه الحد أرأيت الذي وطئ الجارية له فيها نصيب لو أعتق جميع السبي أكان يجوز عتقه فيهم ولا يكون للمسلمين عليهم سبيل فإن كان عتقه يجوز في جماعتهم فقد أخطأ السنة حيث جعل غنيمة المسلمين مولى لرجل واحد.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وما علمت أن أبا يوسف احتج بحرف من هذا إلا عليه زعم أن الرجل إذا وقع بالجارية من السبي لا يثبت للولد نسب ولا يؤخذ منه مهر لأنه زنا ويدرأ عنه الحد ويحتج بأن ابن عمر قال في رجل وقع على جارية له فيها نصيب يدرأ عنه الحد وعليه العقر فإن زعم أن الواقع على الجارية له فيها شرك فإن ابن عمر قال في الرجل يقع على الجارية بينه وبين آخر عليه العقر ويدرأ عنه الحد ونحن وهو نلحق الولد به فلو قاس أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - الواقع على الجارية من الجيش على الواقع على الجارية بينه وبين آخر لحق النسب وجعل عليه المهر ودرأ عنه الحد، وإن جعله زانيا كما قال لزمه أن يحده إن كان ثيبا حد الزنا بالرجم، وحده حد البكر إن كان بكرا فجعله زانيا غير زان وقياسا على شيء وخالف بينها وبين ما قاسها عليه والأوزاعي ذهب في أدنى الحدين إلى شيء. روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - في مولاة لحاطب زنت فاستهلت بالزنا فرأى أنها تجهله وهي ثيب فضربها مائة وهي ثيب وما احتج به من أن الرجل من الجيش
لو أعتق لم يجز عتقه حجة عليه وهو أيضا لا يقول في عتق الرجل من الجيش قولا مستقيما فزعم أن الجيش إذا أحرزوا الغنيمة فأعتق رجل من الجيش لم يجز عتقه وإن كان له فيهم شرك لأنه استهلاك ويقول فإن قسموا بين أهل كل راية فأعتق رجل من أهل الراية جاز العتق لأنه شريك فجعله مرة شريكا يجوز عتقه وأخرى شريكا لا يجوز عتقه.
[في المرأة تسبى ثم يسبى زوجها]

قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -
في المرأة إذا سبيت ثم سبي زوجها بعدها بيوم وهما في دار الحرب أنهما على النكاح وقال الأوزاعي ما كانا في المقاسم فهما على النكاح وإن اشتراهما رجل فشاء أن يجمع بينهما جمع وإن شاء فرق بينهما وأخذها لنفسه أو زوجها لغيره بعدما يستبرئها بحيضة على ذلك مضى المسلمون ونزل به القرآن وقال أبو يوسف إنما بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أنهم أصابوا سبايا وأزواجهم في دار الحرب وأحرزوهم دون أزواجهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا توطأ الحبالى من الفيء حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة حيضة» وأما المرأة سبيت هي وزوجها وصارا مملوكين قبل أن تخرج الغنيمة إلى دار الإسلام فهما على النكاح وكيف يجمع المولى بينهما إن شاء في قول الأوزاعي على ذلك النكاح فهو إذا كان صحيحا فلا يستطيع أن يزوجها أحدا غيره ولا يطؤها هو وإن كان النكاح قد انتقض فليس يستطيع أن يجمع بينهما إلا بنكاح مستقبل.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: «سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبي أوطاس وبني المصطلق وأسر من رجال هؤلاء وهؤلاء وقسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها ولا هل سبي زوج مع امرأته ولا غيره وقال وإذا استؤمن بعد الحرية فاستبرئت أرحامهن بحيضة» ففي هذا دلالة على أن تصييرهن إماء بعد الحرية قطع للعصمة بينهن وبين أزواجهن وليس العصمة بينهن وبين أزواجهن بأكثر من استئمانهن بعد حريتهن.
(قال الشافعي) : وأبو يوسف قد خالف الخبر والمعقول أرأيت لو قال قائل بل انتظر بالتي سبيت أن يخلو رحمها فإن جاء زوجها مسلما وأسلمت ولم يسب معها كانا على النكاح وإلا حلت ولا أنتظر بالتي سبي معها زوجها إلا الاستبراء ثم أصيبها لأن زوجها قد أرق بعد الحرية فحال حكمه كما حال حكمها أما كان أولى أن يقبل قوله لو جاز أن يفرق بينهما من أبي يوسف. قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - وإن سبي أحدهما فأخرج إلى دار الإسلام ثم أخرج الآخر بعده فلا نكاح بينهما. وقال الأوزاعي إن أدركها زوجها في العدة وقد استردها زوجها وهي في عدتها جمع بينهما فإنه «كان قد قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين نسوة ثم أتبعهن أزواجهن قبل أن تمضي العدة فردهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم» قال أبو يوسف قول الأوزاعي هذا ينقض قول الأول زعم في القول الأول إن شاء ردها إلى زوجها وإن شاء زوجها غيره وإن شاء وطئها وهي في دار الحرب بعد. وزعم أنهم إذا خرجوا إلى دار الإسلام فهي مردودة على زوجها وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل ذلك فكيف استحل أن يخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وقع السباء وأخرج بهن إلى دار الإسلام فقد انقطعت العصمة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس في السبايا أن لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة ولو كان عليهن عدة كان أزواجهن أحق بهن فيها إن جاءوا ولم يأمر بوطئهن في عدة والعدة أكثر من ذلك ولكن ليس عليهن
عدة ولا حق لأزواجهن فيهن إلا أن المسلمين يستبرئونهن كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا بين واضح وليس فيه اختلاف.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهذه داخلة في جواب المسألة قبلها.
وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في العبد المسلم يأبق إلى دار الحرب فأصابه المسلمون فأدركه سيده في الغنيمة بعد القسمة أو قبلها أنه يأخذه بغير قيمة وإن كان المشركون أسروه فأصابه سيده قبل القسمة أخذه بغير شيء وإن أصابه بعد القسمة أخذه بالقيمة وقال الأوزاعي إن كان أبق منهم وهو مسلم استتيب فإن رجع إلى الإسلام رده إلى سيده وإن أبى قتل وإن أبق وهو كافر خرج من سيده ما كان يملكه وأمره إلى الإمام إن شاء قتله وإن شاء صلبه ولو كان أخذ أسيرا لم يحل قتله ورد على صاحبه بالقيمة إن شاء وقال أبو يوسف لم يرجع هذا العبد عن الإسلام في شيء من الوجوه ولم تكن المسألة على ذلك وإنما كان وجه المسألة أن يحوز المشركون العبد إليهم كما يحوزون العبد الذي اشتروه. وأما قوله في الصلب فلم تمض بهذا سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه فيما نعلم ولم يبلغنا ذلك في مثل هذا وإنما الصلب في قطع الطريق إذا قتل وأخذ المال. قال حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عبد وبعير أحرزهما العدو ثم ظفر بهما فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبهما إن أصبتهما قبل القسمة فهما لك» قال عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في عبد أحرزه العدو فظفر به المسلمون فرده على صاحبه. قال وحدثنا الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويعقد عليهم أولهم ويرد عليهم لقطاؤهم» قال أبو يوسف فهذا عندنا على العبد الآبق وشبهه. وقوله ويرد متسريهم على قاعدهم فهذا عندنا في الجيش إذا غنمت السرية رد الجيش على الفقراء القعد فيهم بهذا الحديث وقال أبو يوسف الذي يأسره العدو وقد أحرزوه وملكوه فإذا أصابه المسلمون فالقول فيه ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا أبق إليهم فهذا مما لا يجوز ألا ترى أن عبيد المسلمين لو حاربوا المسلمين وهم على الإسلام لم يلحقوا بالعدو فقاتلوا وهم مقرون بالإسلام فظهر المسلمون عليهم فأخذوهم أنهم يردون إلى مواليهم فأما الصلب فليس يدخل فيما ههنا.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فرق أبو حنيفة بين العبد إن أبق إلى العدو؛ والعبد يحرزه العدو ولا فرق بينهما وهما لسيدهما إذا ظفر بهما وحالهم قبل يقسمان وحالهم بعد القسمة سواء، وإن كان للسيد أن يأخذهما قبل القسم أخذهما بعده وقد قال هذا بعض أهل العلم وإن لم يكن له أخذ أحدهما إلا بثمن لم يكن له أن يأخذ الآخر إلا بثمن قال أبو حنيفة إذا كان السبي رجالا ونساء وأخرجوا إلى دار الإسلام فإني أكره أن يباعوا من أهل الحرب فيتقووا. قال الأوزاعي كان المسلمون لا يرون ببيع السبايا بأسا وكانوا يكرهون بيع الرجال إلا أن يفادى بهم أسارى المسلمين وقال أبو يوسف لا ينبغي أن يباع منهم رجل ولا صبي ولا امرأة لأنهم قد خرجوا إلى دار الإسلام فأكره أن يردوا إلى دار الحرب ألا ترى أنه لو مات من الصبيان صبي ليس معه أبواه ولا أحدهما صليت عليه لأنه في أيدي المسلمين وفي دارهم وأما الرجال والنساء فقد صاروا فيئا للمسلمين فأكره أن يردوا إلى دار الحرب أرأيت تاجرا مسلما أراد أن يدخل دار الحرب برقيق للمسلمين كفار أو رقيق من رقيق أهل الذمة رجالا ونساء أكنت تدعه وذلك؟ ألا ترى أن هذا مما يتكثرون وتعمر بلادهم ألا ترى أني لا أترك تاجرا يدخل إليهم بشيء من السلاح والحديد وشيء من الكراع مما يتقوون به في القتال ألا ترى أن هؤلاء قد صاروا مع المسلمين ولهم في ملكهم ولا ينبغي أن يفتنوا ولا يصنع
بهم ما يقرب إلى الفتنة وأما مفاداة المسلم بهم فلا بأس بذلك.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا سبى المسلمون رجالا ونساء وصبيانهم معهم فلا بأس أن يباعوا من أهل الحرب ولا بأس في الرجال البالغين بأن يمن عليهم أو يفادي بهم ويؤخذ منهم على أن يخلوا والذي قال أبو يوسف من هذا خلاف أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أسارى يوم بدر فقتل بعضهم وأخذ الفدية من بعضهم ومن على بعض ثم أسر بعدهم بدهر ثمامة بن أثال فمن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مشرك ثم أسلم بعد ومن على غير واحد من رجال المشركين ووهب الزبير بن باطا لثابت بن قيس بن شماس ليمن عليه فسأل الزبير أن يقتله وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبي بني قريظة فيهم النساء والولدان فبعث بثلث إلى نجد وثلث إلى تهامة وثلث قبل الشام فبيعوا في كل موضع من المشركين وفدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا برجلين. أخبرنا سفيان بن عيينة وعبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدى رجلا برجلين» .
(قال الشافعي) : فأما الصبيان إذا صاروا إلينا ليس مع واحد منهم أحد والديه فلا نبيعهم منهم ولا يفادى بهم لأن حكمهم حكم آبائهم ما كانوا معهم فإذا تحولوا إلينا ولا والد مع أحد منهم فإن حكمه حكم مالكه وأما قول أبي يوسف يقوى بهم أهل الحرب فقد يمن الله عليهم بالإسلام ويدعون إليه فيمن على غيرهم بهم وهذا مما يحل لنا أرأيت صلة أهل الحرب بالمال وإطعامهم الطعام أليس بأقوى لهم في كثير من الحالات من بيع عبد أو عبدين منهم وقد «أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسماء بنت أبي بكر فقالت إن أمي أتتني وهي راغبة في عهد قريش أفأصلها؟ قال نعم» وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فكسا ذا قرابة له بمكة وقال الله عز وجل {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} [الإنسان: 8] مع ما وصفت من بيع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المشركين سبي بني قريظة فأما الكراع والسلاح فلا أعلم أحدا رخص في بيعهما وهو لا يجيز أن نبيعهما.
وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا أصاب المسلمون أسرى فأخرجوهم إلى دار الإسلام رجالا ونساء وصبيانا وصاروا في الغنيمة فقال رجل من المسلمين أو اثنان قد كنا أمناهم قبل أن يؤخذوا أنهم لا يصدقون على ذلك لأنهم أخبروا عن فعل أنفسهم وقال الأوزاعي هم مصدقون على ذلك وأمانهم جائز على جميع المسلمين لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «يعقد على المسلمين أدناهم» ولم يقل إن جاء على ذلك ببينة وإلا فلا أمان لهم قال أبو يوسف لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معان ووجوه لا يبصرها إلا من أعانه الله تعالى عليها وهذا من ذلك إنما معنى الحديث عندنا يعقد على المسلمين أولهم ويسعى بذمتهم أدناهم القوم يغزون قوما فيلتقون فيؤمن رجل من المسلمين المشركين أو يصالحهم على أن يكونوا ذمة فهذا جائز على المسلمين كما «أمنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجها أبا العاص وأجاز ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» فأما غنيمة أحرزها المسلمون فقال رجل منهم قد كنت أمنتهم قبل الغنيمة فإنه لا يصدق ولا يقبل قوله أرأيت إن كان إذا غزا فاسقا غير مأمون على قوله أرأيت إن كانت امرأة فقالت ذلك تصدق أرأيت إن قال ذلك عبد أوصى أرأيت إن قال ذلك رجل من أهل الذمة استعان به المسلمون في حربهم له فيهم أقرباء أيصدق أو كان مسلما له فيهم قرابات أيصدق فليس يصدق واحد من هؤلاء وهل جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
يعقد لهم أدناهم في مثل هذا مفسرا هكذا قد جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخالفا لهذا عن الثقة «ادعى رجل وهو في أسارى بدر أنه كان مسلما فلم يقبل ذلك منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجرى عليه الفداء وأخذ ما كان معه في الغنيمة ولم يحسب له من الفداء وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الله أعلم بذلك أما ما ظهر من أمرك فكان علينا» .
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : حالهم قبل أن يملكهم المسلمون مخالفة حالهم بعدما يملكونهم فإذا قال رجل مسلم أو امرأة قد أمنتهم قبل أن يصيروا في أيدي المسلمين فإنما هي شهادة تخرجهم من أيدي مالكيهم ولا تقبل شهادة الرجل على فعل نفسه ولكن إن قام شاهدان فشهدا أن رجلا أو امرأة من المسلمين أمنهم قبل أن يصيروا أسرى فهم آمنون أحرار وإذا أبطلنا شهادة الذي أمنهم فحقه منهم باطل لا يكون له أن يملكه وقد زعم أن لا ملك له عليه، والله تعالى أعلم.
[حال المسلمين يقاتلون العدو وفيهم أطفالهم]
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا حصر المسلمون عدوهم فقام العدو على سورهم معهم أطفال المسلمين يتترسون بهم قال يرمونهم بالنبل والمنجنيق يعمدون بذلك أهل الحرب ولا يتعمدون بذلك أطفال المسلمين قال الأوزاعي يكف المسلمون عن رميهم فإن برز أحد منهم رموه فإن الله عز وجل يقول {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} [الفتح: 25] حتى فرغ من الآية فكيف يرمي المسلمون من لا يرونه من المشركين قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - تأول الأوزاعي هذه الآية في غير ولو كان يحرم رمي المشركين وقتالهم إذا كان معهم أطفال المسلمين لحرم ذلك أيضا منهم إذا كان معهم أطفالهم ونساؤهم فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والأطفال والصبيان وقد حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الطائف وأهل خيبر وقريظة والنضير وأجلب المسلمون عليهم فيما بلغنا أشد ما قدروا عليه وبلغنا أنه نصب على أهل الطائف المنجنيق فلو كان يجب على المسلمين الكف عن المشركين إذا كان في ميدانهم الأطفال لنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتلهم لم يقاتلوا لأن مدائنهم وحصونهم لا تخلو من الأطفال والنساء والشيخ الكبير الفاني والصغير والأسير والتاجر وهذا من أمر الطائف وغيرها محفوظ مشهور من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته، ثم لم يزل المسلمون والسلف الصالح من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في حصون الأعاجم قبلنا على ذلك لم يبلغنا عن أحد منهم أنه كف عن حصن برمي ولا غيره من القوة لمكان النساء والصبيان ولمكان من لا يحل قتله لمن ظهر منهم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أما ما احتج به من قتل المشركين وفيهم الأطفال والنساء والرهبان ومن نهى عن قتله فإن «رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغار على بني المصطلق غارين في نعمهم. وسئل عن أهل الدار يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم» يعني - صلى الله عليه وسلم - أن الدار مباحة لأنها دار شرك وقتال المشركين مباح، وإنما يحرم الدم بالإيمان كان المؤمن في دار حرب أو دار إسلام وقد جعل الله تعالى فيه إذا قتل الكفارة وتمنع الدار من الغارة إذا كانت دار إسلام أو دار أمان بعقد يعقد عقده المسلمون لا يكون لأحد أن يغير عليها، وله أن يقصد قصد من حل دمه بغير غارة على الدار فلما كان الأطفال والنساء وإن نهى عن قتلهم لا ممنوعي الدماء بإسلامهم ولا إسلام آبائهم ولا ممنوعي الدماء بأن الدار ممنوعة استدللنا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن قصد قتلهم بأعيانهم إذا
عرف مكانهم فإن قال قائل ما دل على ذلك؟ قيل فإغارته وأمره بالغارة ومن أغار لم يمتنع من أن يصيب وقوله هم منهم يعني أن لا كفارة فيهم أي أنهم لم يحرزوا بالإسلام ولا الدار ولا يختلف المسلمون فيما علمته أن من أصابهم في الغارة فلا كفارة عليه فأما المسلم فحرام الدم حيث كان ومن أصابه أثم بإصابته إن عمده وعليه القود إن عرفه فعمد إلى إصابته والكفارة إن لم يعرفه فأصابه وسبب تحريم دم المسلم غير تحريم دم الكافر الصغير والمرأة لأنهما منعا من القتل بما شاء الله والذي نراه والله تعالى أعلم منعا له أن يتحولا فيصيرا رقيقين أنفع من قتلهما لأنه لا نكاية لهما فيقتلان للنكاية فإرقاقهما أمثل من قتلهما، والذي تأول الأوزاعي يحتمل ما تأوله عليه ويحتمل أن يكون كفه عنهم بما سبق في علمه من أنه أسلم منهم طائفة طائعين والذي قال الأوزاعي أحب إلينا إذا لم يكن بنا ضرورة إلى قتال أهل الحصن وإذا كنا في سعة من أن لا نقاتل أهل حصن غيره وإن لم يكن فيهم مسلمون كان تركهم إذا كان فيهم المسلمون أوسع وأقرب من السلامة من المأثم في إصابة المسلمين فيهم ولكن لو اضطررنا إلى أن نخافهم على أنفسنا إن كففنا عن حربهم قاتلناهم ولم نعمد قتل مسلم فإن أصبناه كفرنا وما لم تكن هذه الضرورة فترك قتالهم أقرب من السلامة وأحب إلي.
[ما جاء في أمان العبد مع مولاه]
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا كان العبد يقاتل مع مولاه جاز أمانه وإلا فأمانه باطل وقال الأوزاعي أمانه جائز أجازه عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - ولم ينظر كان يقاتل أم لا وقال أبو يوسف في العبد: القول ما قال أبو حنيفة ليس لعبد أمان ولا شهادة في قليل ولا كثير ألا ترى أنه لا يملك نفسه ولا يملك أن يشتري شيئا ولا يملك أن يتزوج فكيف يكون له أمان يجوز على جميع المسلمين وفعله لا يجوز على نفسه أرأيت لو كان عبدا كافرا ومولاه مسلم هل يجوز أمانه أرأيت إن كان عبدا لأهل الحرب فخرج إلى دار الإسلام بأمان وأسلم ثم أمن أهل الحرب جميعا هل يجوز ذلك؟ أرأيت إن كان عبدا مسلما ومولاه ذمي فأمن أهل الحرب هل يجوز أمانه ذلك؟ حدثنا عاصم بن سليمان عن الفضل بن يزيد قال كنا محاصري حصن قوم فعمد عبد لبعضهم فرمى بسهم فيه أمان فأجاز ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فهذا عندنا مقاتل على ذلك يقع الحديث وفي النفس من إجازته أمانه إن كان يقاتل ما فيها لولا هذا الأثر ما كان له عندنا أمان قاتل أو لم يقاتل ألا ترى الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم» وهو عندنا في الدية إنما هم سواء ودية العبد ليست دية الحر وربما كانت ديته لا تبلغ مائة درهم فهذا الحديث عندنا إنما هو على الأحرار ولا تتكافأ دماؤهم مع دماء الأحرار ولو أن المسلمين سبوا سبيا فأمن صبي منهم بعدما تكلم بالإسلام وهو في دار الحرب أهل الشرك جاز ذلك على المسلمين فهذا لا يجوز ولا يستقيم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : القول ما قال الأوزاعي وهو معنى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وما قال أبو يوسف لا يثبت إبطال أمان العبد ولا إجازته أرأيت حجته بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «المسلمون يد واحدة على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم» أليس العبد من المؤمنين ومن أدنى المؤمنين أو رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - حين أجاز أمان العبد ولم يسأل يقاتل أو لا يقاتل أليس ذلك دليلا على أنه إنما
أجازه على أنه من المؤمنين أو رأيت حجته بأن دمه لا يكافئ دمه فإن كان إنما عنى أن معنى الحديث أن مكافأة الدم بالدية فالعبد الذي يقاتل هو عنده قد يبلغ هو بديته دية حر إلا عشرة دراهم ويجعله أكثر من دية المرأة فإن كان الأمان يجوز على الحرية والإسلام فالعبد يقاتل خارجا من الحرية وإن كان يجيزه على الإسلام فالعبد لا يقاتل داخلا في الإسلام وإن كان يجيزه على القتال فهو يجيز أمان المرأة وهي لا تقاتل وأمان الرجل المريض والجبان وهو لا يقاتل وما علمته بذلك يحتج إلا للأوزاعي على نفسه وصاحبه حتى سكت وإن كان يجيز الأمان على الديات انبغى أن لا يجيز أمان المرأة لأن ديتها نصف دية الرجل، والعبد لا يقاتل يكون أكثر دية عنده وعندنا من الحرة أضعافا فإن قال هذا للمرأة دية فكذلك ثمن العبد للعبد دية فإن أراد مساواتهما بثمن الحر فالعبد يقاتل يسوى خمسين درهما عنده جائز الأمان والعبد لا يقاتل ثمن عشرة آلاف إلا عشرة غير جائزة وهو أقرب من دية الحر عن المرأة.
[وطء السبايا بالملك]
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا كان الإمام قد قال من أصاب شيئا فهو له فأصاب رجل جارية لا يطؤها ما كان في دار الحرب وقال الأوزاعي: له أن يطأها وهذا حلال من الله عز وجل بأن المسلمين وطئوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصابوا من السبايا في غزاة بني المصطلق قبل أن يقفلوا ولا يصلح للإمام أن ينفل سرية ما أصابت ولا ينفل سوى ذلك إلا بعد الخمس فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث قال أبو يوسف ما أعظم قول الأوزاعي في قوله هذا حلال من الله أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير. حدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم وكان من أفضل التابعين أنه قال إياكم أن يقول الرجل إن الله أحل هذا أو رضيه فيقول الله له لم أحل هذا ولم أرضه، ويقول إن الله حرم هذا فيقول الله كذبت لم أحرم هذا ولم أنه عنه. وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه قالوا هذا مكروه وهذا لا بأس به فأما نقول هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا. قال أبو يوسف وأما ما ذكر الأوزاعي من الوطء فهو مكروه بغير خصلة يكره أن يطأ في دار الحرب ويكره أن يطأ من السبي قبل أن يخرجوه إلى دار الإسلام. أخبرنا بعض أشياخنا عن مكحول عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أنه نهى أن يوطأ السبي من الفيء في دار الحرب. أخبرنا بعض أصحابنا عن الزهري «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفل سعد بن معاذ يوم بني قريظة سيف ابن أبي الحقيق قبل القسمة والخمس» وقال أبو يوسف أرأيت رجلا أغار وحده فأرق جارية أيرخص له في وطئها قبل أن يخرجها إلى دار الإسلام ولم يحرزها؟ فكذلك الباب الأول. وأما النفل الذي ذكر أنه بعد الخمس فقد نقضه بما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث ولم يذكر أن هذا بعد الخمس وصدق وقد بلغنا هذا وليس فيه الخمس فأما النفل قبل الخمس فقد «نفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنيمة بدر فيما بلغنا قبل أن تخمس» .
(قال الشافعي) : وإذا قسم الإمام الفيء في دار الحرب ودفع إلى رجل في سهمه جارية فاستبرأها فلا بأس أن يطأها وبلاد الحرب لا تحرم الحلال من الفروج المنكوحة والمملوكة وقد غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة المريسيع بامرأة أو امرأتين من


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 431.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 425.58 كيلو بايت... تم توفير 5.81 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]