|
|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#171
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (169) سُورَةُ النَّحْلِ(15) صـ 396 إلى صـ 400 قوله تعالى : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه ، بين - جل وعلا - في هذه الآية [ ص: 396 ] الكريمة : أن في الأنعام عبرة دالة على تفرد من خلقها ، وأخلص لبنها من بين فرث ودم ; بأنه هو وحده المستحق لأن يعبد ، ويطاع ولا يعصى . وأوضح هذا المعنى أيضا في غير هذا الموضع ; كقوله : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون [ 23 \ 21 ] ، وقوله : والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون [ 16 \ 5 ] ، وقوله : أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون [ 36 \ 71 - 73 ] ، وقوله : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت [ 88 \ 17 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . وقد دلت الآيات المذكورة على أن الأنعام يصح تذكيرها وتأنيثها ; لأنه ذكرها هنا في قوله : نسقيكم مما في بطونه [ 16 \ 66 ] ، وأنثها في " سورة : قد أفلح المؤمنون " في قوله : نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة [ 23 \ 21 ] ، ومعلوم في العربية : أن أسماء الأجناس يجوز فيها التذكير نظرا إلى اللفظ ، والتأنيث نظرا إلى معنى الجماعة الداخلة تحت اسم الجنس . وقد جاء في القرآن تذكير الأنعام وتأنيثها كما ذكرناه آنفا . وجاء فيه تذكير النخل وتأنيثها ; فالتذكير في قوله : كأنهم أعجاز نخل منقعر [ 54 \ 20 ] ، والتأنيث في قوله : كأنهم أعجاز نخل خاوية [ 69 \ 7 ] ، ونحو ذلك . وجاء في القرآن تذكير السماء وتأنيثها ; فالتذكير في قوله : السماء منفطر به [ 73 \ 18 ] ، والتأنيث في قوله : والسماء بنيناها بأيد الآية [ 51 \ 47 ] ، ونحو ذلك من الآيات . وهذا معروف في العربية ، ومن شواهده قول قيس بن الحصين الحارثي الأسدي وهو صغير في تذكير النعم : في كل عام نعم تحوونه يلقحه قوم وتنتجونه . وقرأ هذا الحرف نافع وابن عامر وشعبة عن عاصم " نسقيكم " ، بفتح النون . والباقون بضمها ، كما تقدم بشواهده " في سورة الحجر " . مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة : المسألة الأولى : استنبط القاضي إسماعيل من تذكير الضمير في قوله : مما في [ ص: 397 ] بطونه [ 16 \ 66 ] : أن لبن الفحل يفيد التحريم . وقال : إنما جيء به مذكرا ; لأنه راجع إلى ذكر النعم ; لأن اللبن للذكر محسوب ، ولذلك قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أن لبن الفحل يحرم " ، حيث أنكرته عائشة في حديث أفلح أخي أبي القعيس ، فللمرأة السقى ، وللرجل اللقاح ; فجرى الاشتراك فيه بينهما . اه . بواسطة نقل القرطبي . قال مقيده - عفا الله عنه - : أما اعتبار لبن الفحل في التحريم فلا شك فيه ، ويدل له الحديث المذكور في قصة عائشة مع أفلح أخي أبي القعيس ; فإنه متفق عليه مشهور . وأما استنباط ذلك من عود الضمير في الآية فلا يخلو عندي من بعد وتعسف . والعلم عند الله تعالى . المسألة الثانية : استنبط النقاش وغيره من هذه الآية الكريمة : أن المني ليس بنجس ، قالوا : كما يخرج اللبن من بين الفرث والدم سائغا خالصا ، كذلك يجوز أن يخرج المني من مخرج البول طاهرا . قال ابن العربي : إن هذا لجهل عظيم ، وأخذ شنيع ، اللبن جاء الخبر عنه مجيء النعمة والمنة الصادرة عن القدرة ، ليكون عبرة ; فاقتضى ذلك كله وصف الخلوص واللذة . وليس المني من هذه الحالة حتى يكون ملحقا به ، أو مقيسا عليه . قال القرطبي بعد أن نقل الكلام المذكور : قلت : قد يعارض هذا بأن يقال : وأي منه أعظم وأرفع من خروج المني الذي يكون عنه الإنسان المكرم ؟ وقد قال تعالى : يخرج من بين الصلب والترائب [ 86 \ 7 ] ، وقال : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة [ 16 \ 72 ] ، وهذا غاية في الامتنان . فإن قيل : إنه يتنجس بخروجه في مجرى البول . قلنا : هو ما أردناه ; فالنجاسة عارضة وأصله طاهر . اه محل الغرض من كلام القرطبي . قال مقيده - عفا الله عنه - : وأخذ حكم طهارة المني من هذه الآية الكريمة لا يخلو عندي من بعد . وسنبين إن - شاء الله - حكم المني : هل هو نجس أو طاهر ، ؟ وأقوال العلماء في ذلك ، مع مناقشة الأدلة . اعلم : أن في مني الإنسان ثلاثة أقوال للعلماء : الأول : أنه طاهر ، وأن حكمه حكم النخامة والمخاط ; وهذا هو مذهب الشافعي ، وأصح الروايتين عن أحمد ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور ، وداود ، [ ص: 398 ] وابن المنذر ، وحكاه العبدري ، وغيره عن سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وعائشة - رضي الله عنهم - . كما نقله النووي في " شرح المهذب " وغيره . القول الثاني : أنه نجس ، ولا بد في طهارته من الماء سواء كان يابسا أو رطبا ; وهذا هو مذهب مالك ، والثوري ، والأوزاعي . القول الثالث : أنه نجس ، ورطبه لا بد له من الماء ، ويابسه لا يحتاج إلى الماء بل يطهر بفركه من الثوب حتى يزول منه ; وهذا هو مذهب أبي حنيفة . واختار الشوكاني في ( نيل الأوطار ) : أنه نجس ، وأن إزالته لا تتوقف على الماء مطلقا . أما حجة من قال إنه طاهر كالمخلط فهي بالنص والقياس معا ، ومعلوم في الأصول : أن القياس الموافق للنص لا مانع منه ; لأنه دليل آخر عاضد للنص ، ولا مانع من تعاضد الأدلة . أما النص فهو ما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يذهب فيصلي فيه " ، أخرجه مسلم في صحيحه ، وأصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد . قالوا : فركها له يابسا ، وصلاته في الثوب من غير ذكر غسل دليل على الطهارة . وفي رواية عند أحمد : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ، ثم يصلي فيه ، ويحته من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه . وفي رواية ، عن عائشة عند الدارقطني : " كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يابسا ، وأغسله إذا كان رطبا " ، وعن إسحاق بن يوسف قال : حدثنا شريك ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المني يصيب الثوب ; فقال : " إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق ، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة " . قال صاحب ( منتقى الأخبار ) بعد أن ساق هذا الحديث كما ذكرنا : رواه الدارقطني ، وقال : لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك . قلت : وهذا لا يضر ; لأن إسحاق إمام مخرج عنه في الصحيحين ، فيقبل رفعه وزيادته . قال مقيده - عفا الله عنه - : ما قاله الإمام المجد - رحمه الله - ( في المنتقى ) من قبول رفع العدل وزيادته ، هو الصحيح عند أهل الأصول وأهل الحديث كما بيناه مرارا ، إلى غير ذلك من الأحاديث في فرك المني وعدم الأمر بغسله . وأما القياس العاضد للنص فهو من وجهين : أحدهما : إلحاق المني بالبيض ; [ ص: 399 ] بجامع أن كلا منهما مائع يتخلق منه حيوان حي طاهر ، والبيض طاهر إجماعا ; فيلزم كون المني طاهرا أيضا . قال مقيده - عفا الله عنه - : هذا النوع من القياس هو المعروف بالقياس الصوري ، وجمهور العلماء لا يقبلونه ، ولم يشتهر بالقول به إلا إسماعيل ابن علية ; كما أشار له في مراقي السعود بقوله : وابن علية يرى للصوري كالقيس للخيل على الحمير وصور القياس الصوري المختلف فيها كثيرة ; كقياس الخيل على الحمير في سقوط الزكاة ، وحرمة الأكل للشبه الصوري . وكقياس المني على البيض لتولد الحيوان الطاهر من كل منهما في طهارته . وكقياس أحد التشهدين على الآخر في الوجوب أو الندب لتشابههما في الصورة . وكقياس الجلسة الأولى على الثانية في الوجوب لتشبهها بها في الصورة . وكإلحاق الهرة الوحشية بالإنسية في التحريم . وكإلحاق خنزير البحر وكلبه بخنزير البر وكلبه ، إلى غير ذلك من صوره الكثيرة المعروفة في الأصول . واستدل من قال بالقياس الصوري : بأن النصوص دلت على اعتبار المشابهة في الصورة في الأحكام ; كقوله : فجزاء مثل ما قتل من النعم [ 5 \ 95 ] ، والمراد المشابهة في الصورة على قول الجمهور . وكبدل القرض فإنه يرد مثله في الصورة . وقد استسلف - صلى الله عليه وسلم - بكرا ورد رباعيا كما هو ثابت في الصحيح . وكسروه - صلى الله عليه وسلم - بقول القائف المدلجي في زيد بن حارثة وابنه أسامة : " هذه الأقدام بعضها من بعض " ; لأن القيافة قياس صوري ; لأن اعتماد القائف على المشابهة في الصورة . الوجه الثاني من وجهي القياس المذكور : إلحاق المني بالطين ، بجامع أن كلا منهما مبتدأ خلق بشر ; كما قال تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة الآية [ 23 \ 12 - 13 ] . فإن قيل : هذا القياس يلزمه طهارة العلقة ، وهي الدم الجامد ; لأنها أيضا مبتدأ خلق بشر ، لقوله تعالى : ثم خلقنا النطفة علقة [ 23 \ 14 ] ، والدم نجس بلا خلاف . فالجواب : أن قياس الدم على الطين في الطهارة فاسد الاعتبار ; لوجود النص بنجاسة الدم . أما قياس المني على الطين فليس بفاسد الاعتبار ; لعدم ورود النص بنجاسة المني . [ ص: 400 ] وأما حجة من قال بأن المني نجس فهو بالنص والقياس أيضا . أما النص فهو ما ثبت عن عائشة - رضي الله عنه - قالت : " كنت أغسل المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء " ، متفق عليه . قالوا : غسلها له دليل على أنه نجس . وفي رواية عند مسلم عن عائشة بلفظ : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل المني ، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه " . قال مقيده - عفا الله عنه - : وهذه الرواية الثابتة في صحيح مسلم تقوي حجة من يقول بالنجاسة ; لأن المقرر في الأصول : أن الفعل المضارع بعد لفظة " كان " يدل على المداومة على ذلك الفعل ، فقول عائشة في رواية مسلم هذه : " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل " ، تدل على كثرة وقوع ذلك منه ، ومداومته عليه ، وذلك يشعر بتحتم الغسل . وفي رواية عن عائشة في صحيح مسلم أيضا : أن رجلا نزل بها فأصبح يغسل ثوبه . فقالت عائشة : إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه . فإن لم تر نضحت حوله . ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركا فيصلي فيه . اه . قالوا : هذه الرواية الثابتة في الصحيح عن عائشة ، صرحت فيها : بأنه إنما يجزئه غسل مكانه . وقد تقرر في الأصول ( في مبحث دليل الخطاب ) وفي المعاني ( في مبحث القصر ) : أن " إنما " من أدوات الحصر ; فعائشة صرحت بحصر الإجزاء في الغسل ; فدل ذلك على أن الفرك لا يجزئ دون الغسل ، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على غسله . وأما القياس : فقياسهم المني على البول والحيض ، قالوا : ولأنه يخرج من مخرج البول ، ولأن المذي جزء من المني ; لأن الشهوة تحلل كل واحد منهما فاشتركا في النجاسة . وأما حجة من قال : إنه نجس ، وإن يابسه يطهر بالفرك ولا يحتاج إلى الغسل فهي ظواهر نصوص تدل على ذلك ، ومن أوضحها في ذلك حديث عائشة عند الدارقطني الذي قدمناه آنفا : " كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يابسا ، وأغسله إذا كان رطبا " . وقال المجد ( في منتقى الأخبار ) بعد أن ساق هذه الرواية ما نصه : قلت : فقد بان من مجموع النصوص جواز الأمرين .
__________________
|
#172
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#173
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#174
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (172) سُورَةُ النَّحْلِ(18) صـ 411 إلى صـ 415 قوله تعالى : والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ، أظهر التفسيرات في هذه الآية الكريمة : أن الله ضرب فيها مثلا للكفار ، بأنه فضل بعض الناس على بعض في الرزق ، ومن ذلك تفضيله المالكين على المملوكين في الرزق ، وأن المالكين لا يرضون لأنفسهم أن يكون المملوكون شركاءهم فيما رزقهم الله من [ ص: 411 ] الأموال والنساء وجميع نعم الله . ومع هذا يجعلون الأصنام شركاء لله في حقه على خلقه ، الذي هو إخلاص العبادة له وحده ، أي : إذا كنتم لا ترضون بإشراك عبيدكم معكم في أموالكم ونسائكم : فكيف تشركون عبيدي معي في سلطانيا ؟ ! . ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم الآية [ 30 \ 28 ] ، ويؤيده أن " ما " في قوله : فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم [ 16 \ 71 ] ، نافية ، أي : ليسوا برادي رزقهم عليهم حتى يسووهم مع أنفسهم . اه . فإذا كانوا يكرهون هذا لأنفسهم : فكيف يشركون الأوثان مع الله في عبادتها مع اعترافهم بأنها ملكه ؟ ! ! كما كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . وهذه الآية الكريمة نص صريح في إبطال مذهب الاشتراكية القائل : بأنه لا يكون أحد أفضل من أحد في الرزق ، ولله في تفضيل بعضهم على بعض في الرزق حكمة ; قال تعالى : نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا الآية [ 43 \ 32 ] ، وقال : الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر [ 13 \ 26 ] ، وقال : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره [ 2 \ 236 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . وفي معنى هذه الآية الكريمة قولان آخران : أحدهما : أن معناها أنه جعلكم متفاوتين في الرزق ; فرزقكم أفضل مما رزق كلمة واحدة ، وهم بشر مثلكم وإخوانكم ; فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم ، حتى تساووا في الملبس والمطعم ; كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه أمر مالكي العبيد أن يطعموهم مما يطعمون ، ويكسوهم مما يلبسون " ، وعلى هذا القول فقوله تعالى : فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم [ 16 \ 71 ] ، لوم لهم ، وتقريع على ذلك . القول الثاني : أن معنى الآية أنه - جل وعلا - هو رازق المالكين والمملوكين جميعا ; فهم في رزقه سواء ، فلا يحسبن المالكون أنهم يردون على مماليكهم شيئا من الرزق ، فإنما ذلك رزق الله يجريه لهم على أيديهم . والقول الأول : هو الأظهر وعليه جمهور العلماء ، [ ص: 412 ] ويدل له القرآن كما بينا . والعلم عند الله تعالى . وقوله أفبنعمة الله يجحدون [ 16 \ 71 ] ، إنكار من الله عليهم جحودهم بنعمته ; لأن الكافر يستعمل نعم الله في معصية الله ، فيستعين بكل ما أنعم به عليه على معصيته ، فإنه يرزقهم ويعافيهم ، وهم يعبدون غيره . وجحد : تتعدى بالباء في اللغة العربية ; كقوله : وجحدوا بها الآية [ 27 \ 14 ] ، وقوله : فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون [ 7 \ 51 ] ، والجحود بالنعمة هو كفرانها . قوله تعالى : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة الآية ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه امتن على بني آدم أعظم منة بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم وشكلهم ، ولو جعل الأزواج من نوع آخر ما حصل الائتلاف والمودة والرحمة . ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورا وإناثا ، وجعل الإناث أزواجا للذكور ، وهذا من أعظم المنن ، كما أنه من أعظم الآيات الدالة على أنه - جل وعلا - هو المستحق أن يعبد وحده . وأوضح في غير هذا الموضع : أن هذه نعمة عظيمة ، وأنها من آياته - جل وعلا - ; كقوله : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون [ 30 \ 21 ] ، وقوله : أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى [ 75 \ 36 - 39 ] ، وقوله تعالى : هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها الآية [ 7 \ 189 ] . واختلف العلماء في المراد بالحفدة في هذه الآية الكريمة ; فقال جماعة من العلماء : الحفدة : أولاد الأولاد ، أي : وجعل لكم من أزواجكم بنين ، ومن البنين حفدة . وقال بعض العلماء : الحفدة الأعوان والخدم مطلقا ; ومنه قول جميل : حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال أي : أسرعت الولائد الخدمة ، والولائد الخدم . الواحدة وليدة ، ومنه قول الأعشى : كلفت مجهولها نوقا يمانية إذا الحداة على أكسائها حفدوا أي : أسرعوا في الخدمة . [ ص: 413 ] ومنه قوله في سورة الحفد التي نسخت : وإليك نسعى ونحفد ، أي : نسرع في طاعتك . وسورة الخلع وسورة الحفد اللتان نسختا يسن عند المالكية القنوت بهما في صلاة الصبح ، كما هو معروف . وقيل : الحفدة الأختان ، وهم أزواج البنات ، ومنه قول الشاعر : فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد مما يعد كثير . ولكنها نفس علي أبية عيوف لأصهار اللئام قذور والقذور : التي تتنزه عن الوقوع فيما لا ينبغي ، تباعدا عن التدنس بقذره . قال مقيده - عفا الله عنه - : الحفدة : جمع حافد ، اسم فاعل من الحفد وهو الإسراع في الخدمة والعمل . وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يكون في نفس الآية قرينة دالة على عدم صحة قول بعض العلماء في الآية . فنبين ذلك . وفي هذه الآية الكريمة قرينة دالة على أن الحفدة أولاد الأولاد ; لأن قوله : وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة [ 16 \ 72 ] ، دليل ظاهر على اشتراك البنين والحفدة في كونهم من أزواجهم ، وذلك دليل على أنهم كلهم من أولاد أزواجهم . ودعوى أن قوله : " وحفدة " معطوف على قوله : " أزواجا " [ 16 \ 72 ] ، غير ظاهرة . كما أن دعوى أنهم الأختان ، وأن الأختان أزواج بناتهم ، وبناتهم من أزواجهم ، وغير ذلك من الأقوال كله غير ظاهر . وظاهر القرآن هو ما ذكر ، وهو اختيار ابن العربي المالكي والقرطبي وغيرهما . ومعلوم : أن أولاد الرجل ، وأولاد أولاده : من خدمه المسرعين في خدمته عادة . والعلم عند الله تعالى . تنبيه . في قوله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا الآية [ 16 \ 72 ] ، رد على العرب التي كانت تعتقد أنها كانت تزوج الجن وتباضعها . حتى روي أن عمرو بن يربوع بن حنظلة بن مالك تزوج سعلاة منهم ، وكان يخبؤها عن سنا البرق لئلا تراه فتنفر . فلما كان في بعض الليالي لمع البرق وعاينته السعلاة ، فقالت : عمرو ! ونفرت . فلم يرها أبدا ; ولذا قال علباء بن أرقم يهجو أولاد عمرو المذكور : ألا لحى الله بني السعلاة عمرو بن يربوع لئام النات . [ ص: 414 ] ليسوا بأعفاف ولا أكيات وقوله : " النات " ، أصله " الناس " أبدلت فيه السين تاء . وكذلك قوله " أكيات " أصله " أكياس " جمع كيس ، أبدلت فيه السين تاء أيضا . وقال المعري يصف مراكب إبل متغربة عن الأوطان : إذا رأت لمعان البرق تشتاق إلى أوطانها . فزعم أنه يستر عنها البرق لئلا يشوقها إلى أوطانها ، كما كان عمرو يستره عن سعلاته : إذا لاح إيماض سترت وجوهها كأني عمرو والمطي سعالي والسعلاة : عجوز الجن . وقد روي من حديث أبي هريرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أحد أبوي بلقيس كان جنيا " . قال صاحب الجامع الصغير : أخرجه أبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه في التفسير ، وابن عساكر : وقال شارحه المناوي : في إسناده سعيد بن بشر قال في الميزان عن ابن معين : ضعيف . وعن ابن مسهر : لم يكن ببلدنا أحفظ منه ، وهو ضعيف منكر الحديث ، ثم ساق من مناكيره هذا الخبر اه . وبشير بن نهيك أورده الذهبي في الضعفاء . وقال أبو حاتم : لا يحتج به . ووثقه النسائي . انتهى . وقال المناوي في شرح حديث " أحد أبوي بلقيس كان جنيا " ، قال قتادة : ولهذا كان مؤخر قدميها كحافر الدابة . وجاء في آثار : أن الجني الأم ، وذلك أن أباها ملك اليمن خرج ليصيد فعطش ، فرفع له خباء فيه شيخ فاستسقاه ، فقال : يا حسنة ، اسقي عمك ; فخرجت كأنها شمس بيدها كأس من ياقوت . فخطبها من أبيها ، فذكر أنه جني ، وزوجها منه بشرط أنه إن سألها عن شيء عملته فهو طلاقها . فأتت منه بولد ذكر ، ولم يذكر قبل ذلك ، فذبحته فكرب لذلك ، وخاف أن يسألها فتبين منه . ثم أتت ببلقيس فأظهرت البشر ; فاغتم فلم يملك أن سألها ، فقالت : هذا جزائي منك ! باشرت قتل ولدي من أجلك ! وذلك أن أبي يسترق السمع فسمع الملائكة تقول : إن الولد إذا بلغ الحلم ذبحك ، ثم استرق السمع في هذه فسمعهم يعظمون شأنها ، ويصفون ملكها ، وهذا فراق بيني وبينك ; فلم يرها بعد . هذا محصول ما رواه ابن عساكر عن يحيى الغساني . اه من شرح المناوي للجامع الصغير . وقال القرطبي في تفسير " سورة النحل " : كان أبو بلقيس وهو : السرح بن الهداهد بن شراحيل ، ملكا عظيم الشأن ، وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفأ لي . وأبى [ ص: 415 ] أن يتزوج منهم ; فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن ; فولدت له بلقمة وهي بلقيس ، ولم يكن له ولد غيرها . وقال أبو هريرة : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كان أحد أبوي بلقيس جنيا " - إلى أن قال : ويقال : إن سبب تزوج أبيها من الجن أنه كان وزيرا لملك عات ، يغتصب نساء الرعية ، وكان الوزير غيورا فلم يتزوج . فصحب مرة في الطريق رجلا لا يعرفه ، فقال : هل لك من زوجة ؟ فقال : لا أتزوج أبدا . فإن ملك بلدنا يغتصب النساء من أزواجهن . فقال : لئن تزوجت ابنتي لا يغتصبها أبدا . قال : بل يغتصبها ! قال : إنا قوم من الجن لا يقدر علينا . فتزوج ابنته فولدت له بلقيس ، إلى غير ذلك من الروايات . وقال القرطبي أيضا : وروى وهيب بن جرير بن حازم ، عن الخليل بن أحمد ، عن عثمان بن حاضر ، قال : كانت أم بلقيس من الجن ، يقال لها : بلعمة بنت شيصان . قال مقيده - عفا الله عنه - : الظاهر أن الحديث الوارد في كون أحد أبوي بلقيس جنيا ضعيف . وكذلك الآثار الواردة في ذلك ليس منها شيء يثبت .
__________________
|
#175
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (173) سُورَةُ النَّحْلِ(19) صـ 416 إلى صـ 420 مسألة . اختلف العلماء في جواز المناكحة بين بني آدم والجن . فمنعها جماعة من أهل العلم ، وأباحها بعضهم . قال المناوي ( في شرح الجامع الصغير ) : ففي الفتاوى السراجية للحنفية : لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء ; لاختلاف الجنس . وفي فتاوى البارزي من الشافعية : لا يجوز التناكح بينهما . ورجح ابن العماد جوازه . اه . وقال الماوردي : وهذا مستنكر للعقول ; لتباين الجنسين ، واختلاف الطبعين ; إذ الآدمي جسماني ، والجني روحاني . وهذا من صلصال كالفخار ، وذلك من مارج من نار ، والامتزاج مع هذا التباين مدفوع ، والتناسل مع هذا الاختلاف ممنوع . اه . وقال ابن العربي المالكي : نكاحهم جائز عقلا ; فإن صح نقلا فبها ونعمت . قال مقيده - عفا الله عنه - : لا أعلم في كتاب الله ولا في سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - نصا يدل على جواز مناكحة الإنس الجن ، بل الذي يستروح من ظواهر الآيات عدم جوازه . فقوله في هذه الآية الكريمة : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا الآية [ 16 \ 72 ] ، ممتنا على [ ص: 416 ] بني آدم بأن أزواجهم من نوعهم وجنسهم ، يفهم منه أنه ما جعل لهم أزواجا تباينهم كمباينة الإنس للجن ، وهو ظاهر . ويؤيده قوله تعالى : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة [ 30 \ 21 ] ، فقوله : أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ، في معرض الامتنان يدل على أنه ما خلق لهم أزواجا من غير أنفسهم ; ويؤيد ذلك ما تقرر في الأصول من أن : " النكرة في سياق الامتنان تعم " ، فقوله : جعل لكم من أنفسكم أزواجا [ 16 \ 72 ] ، جمع منكر في سياق الامتنان فهو يعم ، وإذا عم دل ذلك على حصر الأزواج المخلوقة لنا فيما هو من أنفسنا ، أي : من نوعنا وشكلنا . مع أن قوما من أهل الأصول زعموا " أن الجموع المنكرة في سياق الإثبات من صيغ العموم " ، والتحقيق أنها في سياق الإثبات لا تعم ، وعليه درج في مراقي السعود ; حيث قال في تعداده للمسائل التي عدم العموم فيها أصح : منه منكر الجموع عرفا وكان والذي عليه انعطفا أما في سياق الامتنان فالنكرة تعم . وقد تقرر في الأصول " أن النكرة في سياق الامتنان تعم " ، كقوله : وأنزلنا من السماء ماء طهورا [ 25 \ 48 ] ، أي : فكل ماء نازل من السماء طهور . وكذلك النكرة في سياق النفي أو الشرط أو النهي ; كقوله : ما لكم من إله غيره [ 7 \ 59 ] ، وقوله : وإن أحد من المشركين الآية [ 9 \ 6 ] ، وقوله : ولا تطع منهم آثما الآية [ 76 \ 24 ] ، ويستأنس لهذا بقوله : وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون [ 26 \ 166 ] ، فإنه يدل في الجملة على أن تركهم ما خلق الله لهم من أزواجهم ، وتعديهم إلى غيره يستوجب الملام ، وإن كان أصل التوبيخ والتقريع على فاحشة اللواط ; لأن أول الكلام : أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم [ 26 \ 165 - 166 ] ، فإنه وبخهم على أمرين ، أحدهما : إتيان الذكور . والثاني : ترك ما خلق لهم ربهم من أزواجهم . وقد دلت الآيات المتقدمة على أن ما خلق لهم من أزواجهم ، هو الكائن من أنفسهم ، أي : من نوعهم وشكلهم ; كقوله : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا [ 16 \ 72 ] ، ، وقوله : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا الآية [ 30 \ 21 ] ، فيفيد أنه لم يجعل لهم أزواجا من غير أنفسهم . والعلم عند الله تعالى . [ ص: 417 ] قوله تعالى : ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات بإنزال المطر ، ولا من الأرض بإنبات النبات . وأكد عجز معبوداتهم عن ذلك بأنهم لا يستطيعون ، أي : لا يملكون أن يرزقوا ، والاستطاعة منفية عنهم أصلا ; لأنهم جماد ليس فيه قابلية استطاعة شيء . ويفهم من الآية الكريمة : أنه لا يصح أن يعبد إلا من يرزق الخلق ; لأن أكلهم رزقه ، وعبادتهم غيره كفر ظاهر لكل عاقل . وهذا المعنى المفهوم من هذه الآية الكريمة بينه - جل وعلا - في مواضع أخر ، كقوله : إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون [ 29 \ 17 ] ، وقوله : أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور [ 67 \ 21 ] ، وقوله : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [ 51 \ 56 - 58 ] ، وقوله : قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم وقوله : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى [ 20 \ 132 ] ، وقوله : هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض الآية [ 35 \ 3 ] ، وقوله : قل من يرزقكم من السماء والأرض الآية [ 10 \ 31 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . تنبيه . في قوله : شيئا [ 16 \ 73 ] ، في هذه الآية الكريمة ثلاثة أوجه من الإعراب : الأول : أن قوله : رزقا ، مصدر ، وأن : ، شيئا ، مفعول به لهذا المصدر ; أي : ويعبدون من دون الله ما لا يملك أن يرزقهم شيئا من الرزق . ونظير هذا الإعراب قوله تعالى : أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما الآية [ 90 \ 14 - 15 ] ، فقوله : يتيما مفعول به للمصدر الذي هو إطعام ، أي : أن يطعم يتيما ذا مقربة . ونظيره من كلام العرب قول المرار بن منقذ التميمي : بضرب بالسيوف رءوس قوم أزلنا هامهن عن المقيل فقوله : " رءوس قوم " مفعول به للمصدر المنكر الذي هو قوله " بضرب " ، وإلى هذا أشار في الخلاصة بقوله : [ ص: 418 ] بفعله المصدر الحق في العمل مضافا أو مجردا أو مع ال الوجه الثاني : أن قوله : شيئا ، بدل من قوله رزقا ، بناء على أن المراد بالرزق هو ما يرزقه الله عباده ; لا المعنى المصدري . الوجه الثالث : أن يكون قوله : شيئا ما ناب عن المطلق من قوله : يملك ، أي : لا يملك شيئا من الملك ، بمعنى لا يملك ملكا قليلا أن يرزقهم . قوله تعالى : فلا تضربوا لله الأمثال . نهى الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة خلقه أن يضربوا له الأمثال ، أي : يجعلوا له أشباها ونظراء من خلقه ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ! . وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله : ليس كمثله شيء الآية [ 42 \ 11 ] ، وقوله : ولم يكن له كفوا أحد [ 112 \ 4 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى : وما أمر الساعة إلا كلمح البصر الآية ، أظهر الأقوال فيها : أن المعنى أن الله إذا أراد الإتيان بها فهو قادر على أن يأتي بها في أسرع من لمح البصر ; لأنه يقول للشيء كن فيكون . ويدل لهذا المعنى قوله تعالى : وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر [ 54 \ 50 ] . وقال بعض العلماء : المعنى هي قريب عنده تعالى كلمح البصر وإن كانت بعيدا عندكم ; كما قال تعالى : إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا [ 70 \ 6 ، 7 ] ، وقال : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [ 22 \ 47 ] ، واختار أبو حيان في ( البحر المحيط ) : أن " أو " في قوله " أو هو أقرب " للإبهام على المخاطب ، وتبع في ذلك الزجاج ، قال : ونظيره : وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون [ 37 \ 114 ] ، وقوله : أتاها أمرنا ليلا أو نهارا [ 10 \ 24 ] . قوله تعالى : شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه أخرج بني آدم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ، وجعل لهم الأسماع والأبصار والأفئدة ; لأجل أن يشكروا له نعمه . وقد قدمنا : أن " لعل " للتعليل . ولم يبين هنا هل شكروا أو لم يشكروا ; ولكنه بين في مواضع أخر : أن أكثرهم لم يشكروا ; كما قال تعالى : ولكن أكثر الناس لا يشكرون [ 2 \ 243 ] ، وقال : قل [ ص: 419 ] هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون [ 67 \ 23 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . تنبيه . لم يأت السمع في القرآن مجموعا ، وإنما يأتي فيه بصيغة الإفراد دائما ، مع أنه يجمع ما يذكر معه كالأفئدة والأبصار . وأظهر الأقوال في نكتة إفراده دائما : أن أصله مصدر سمع سمعا ، والمصدر إذا جعل اسما ذكر وأفرد ; كما قال في الخلاصة : ونعتوا بمصدر كثيرا فالتزموا الإفراد والتذكيرا قوله تعالى : ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن تسخيره الطير في جو السماء ما يمسكها إلا هو ، من آياته الدالة على قدرته ، واستحقاقه لأن يعبد وحده . وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله : أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير [ 67 \ 19 ] . تنبيه . لم يذكر علماء العربية الفعل ( بفتح فسكون ) من صيغ جموع التكسير . قال مقيده - عفا الله عنه - : الذي يظهر لي من استقراء اللغة العربية : أن الفعل ( بفتح فسكون ) جمع تكسير لفاعل وصفا لكثرة وروده في اللغة جمعا له ; كقوله هنا : ألم يروا إلى الطير [ 16 \ 79 ] ، فالطير جمع طائر ، وكالصحب فإنه جمع صاحب . قال امرؤ القيس : وقوفا بها صحبي على مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجمل فقوله " صحبي " ، أي : أصحابي . وكالركب فإنه جمع راكب ; قال تعالى : والركب أسفل منكم [ 8 \ 42 ] ، وقال ذو الرمة : أستحدث الركب عن أشياعهم خبرا أم راجع القلب من أطرابه طرب فالركب جمع راكب . وقد رد عليه ضمير الجماعة في قوله : " عن أشياعهم " ، [ ص: 420 ] وكالشرب فإنه جمع شارب . ومنه قول نابغة ذبيان : كأنه خارجا من جنب صفحته سفود شرب نسوه عند مفتأد فإنه رد على الشرب ضمير الجماعة في قوله : " نسوه . . " إلخ ، وكالسفر فإنه جمع سافر ; ومنه حديث : " أتموا فإنا قوم سفر " ، وقول الشنفرى : كأن وغاها حجرتيه وجاله أضاميم من سفر القبائل نزل وكالرجل جمع راجل ; ومنه قراءة الجمهور : وأجلب عليهم بخيلك ورجلك [ 17 \ 64 ] ، بسكون الجيم . وأما على قراءة حفص عن عاصم بكسر الجيم ، فالظاهر أن كسرة الجيم إتباع لكسرة اللام ، فمعناه معنى قراءة الجمهور . ونحو هذا كثير جدا في كلام العرب ، فلا نطيل به الكلام . والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم الآية ، بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة منته على خلقه ; بأنه جعل لهم سرابيل تقيهم الحر ، أي : والبرد ; لأن ما يقي الحر من اللباس يقي البرد . والمراد بهذه السرابيل : القمصان ونحوها من ثياب القطن والكتان والصوف . وقد بين هذه النعمة الكبرى في غير هذا الموضع ; كقوله : يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا الآية [ 7 \ 26 ] ، وقوله : يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد الآية [ 7 \ 31 ] ، أي : وتلك الزينة هي ما خلق الله لهم من اللباس الحسن . وقوله هنا : وسرابيل تقيكم بأسكم [ 16 \ 81 ] ، المراد بها الدروع ونحوها ، مما يقي لابسه وقع السلاح ، ويسلمه من بأسه . . وقد بين أيضا هذه النعمة الكبرى ، واستحقاق من أنعم بها لأن يشكر له في غير هذا الموضع ; كقوله : وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون [ 21 \ 80 ] ، وإطلاق السرابيل على الدروع ونحوها معروف . ومنه قول كعب بن زهير : شم العرانين أبطال لبوسهم من نسج داود في الهيجا سرابيل
__________________
|
#176
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (174) سُورَةُ النَّحْلِ(20) صـ 421 إلى صـ 425 قوله تعالى : يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها الآية ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار يعرفون نعمة الله ; لأنهم يعلمون أنه هو الذي يرزقهم ويعافيهم ، ويدبر شؤونهم ، ثم ينكرون هذه النعمة ; فيعبدون معه غيره ، ويسوونه بما لا ينفع ولا يضر ، ولا يغني شيئا . وقد أوضح - جل وعلا - هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله : قل من يرزقكم من [ ص: 421 ] السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون [ 10 \ 31 ] . فقوله : فسيقولون الله [ 10 \ 31 ] ، دليل على معرفتهم نعمته . وقوله : فقل أفلا تتقون [ 10 \ 31 ] ، دليل على إنكارهم لها . والآيات بمثل هذا كثيرة جدا . وروي عن مجاهد : أن سبب نزول هذه الآية الكريمة : أن أعرابيا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله ، فقرأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والله جعل لكم من بيوتكم سكنا [ 16 \ 80 ] ، فقال الأعرابي : نعم ! قال : وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا الآية [ 16 \ 80 ] ، قال الأعرابي : نعم ! ثم قرأ عليه ، كل ذلك يقول الأعرابي : نعم ! حتى بلغ : كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون [ 16 \ 81 ] ، فولى الأعرابي ; فأنزل الله : يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها [ 16 \ 83 ] ، وعن السدي - رحمه الله - : يعرفون نعمة الله ، أي : نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم ينكرونها ، أي : يكذبونه وينكرون صدقه . وقد بين - جل وعلا - : أن بعثة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيهم من منن الله عليهم . كما قال تعالى : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم الآية [ 3 \ 164 ] ، وبين في موضع آخر : أنهم قابلوا هذه النعمة بالكفران ، وذلك في قوله : ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار [ 14 \ 28 ] ، وقيل : يعرفون نعمة الله في الشدة ، ثم ينكرونها في الرخاء . وقد تقدمت الآيات الدالة على ذلك ، كقوله : فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون [ 29 \ 65 ] ، ونحوها من الآيات إلى غير ذلك من الأقوال في الآية . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وأكثرهم الكافرون [ 16 \ 83 ] ، قال بعض العلماء : معناه أنهم كلهم كافرون . أطلق الأكثر وأراد الكل . قاله القرطبي والشوكاني . وقال الشوكاني : أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم . أو أراد كفر الجحود ، ولم يكن كفر كلهم كذلك ، بل كان كفر بعضهم كفر جهل . قوله تعالى : ثم لا يؤذن للذين كفروا ; لم يبين تعالى في هذه الآية الكريمة متعلق الإذن في قوله : لا يؤذن [ 16 \ 84 ] ، ولكنه بين في ( المرسلات ) أن متعلق الإذن الاعتذار ، أي : لا يؤذن لهم في الاعتذار ، لأنهم ليس لهم عذر يصح قبوله ، وذلك في قوله : هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون [ 77 \ 35 - 36 ] . [ ص: 422 ] فإن قيل : ما وجه الجمع بين نفي اعتذارهم المذكور هنا ، وبين ما جاء في القرآن من اعتذارهم ؟ ; كقوله تعالى عنهم : والله ربنا ما كنا مشركين [ 6 \ 23 ] ، وقوله : ما كنا نعمل من سوء [ 16 \ 28 ] ، وقوله : بل لم نكن ندعو من قبل شيئا [ 40 \ 74 ] ، ونحو ذلك من الآيات . فالجواب من أوجه : منها : أنهم يعتذرون حتى إذا قيل لهم : " اخسئوا فيها ولا تكلمون " [ 23 \ 108 ] ، انقطع نطقهم ولم يبق إلا الزفير والشهيق ; كما قال تعالى : ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون [ 27 \ 85 ] . ومنها : أن نفي اعتذارهم يراد به اعتذار فيه فائدة . أما الاعتذار الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم ، يصدق عليه في لغة العرب : أنه ليس بشيء ، ولذا صرح تعالى بأن المنافقين بكم في قوله : صم بكم [ 2 \ 171 ] ، مع قوله عنهم : وإن يقولوا تسمع لقولهم [ 63 \ 4 ] ، أي : لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم . وقال عنهم أيضا : فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد [ 33 \ 19 ] ، فهذا الذي ذكره - جل وعلا - من فصاحتهم وحدة ألسنتهم ، مع تصريحه بأنهم بكم يدل على أن الكلام الذي لا فائدة فيه كلا شيء ، كما هو واضح . وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي : وإن كلام المرء في غير كنهه لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها . وقد بينا هذا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في مواضع منه . والترتيب بـ " ثم " [ 16 \ 84 ] في قوله في هذه الآية الكريمة : ثم لا يؤذن للذين كفروا [ 16 \ 84 ] ، على قوله : ويوم نبعث من كل أمة شهيدا [ 16 \ 84 ] ، لأجل الدلالة على أن ابتلاءهم بالمنع من الاعتذار المشعر بالإقناط الكلي أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء عليهم بكفرهم . قوله تعالى : ولا هم يستعتبون ، اعلم أولا : أن استعتب تستعمل في اللغة بمعنى طلب العتبى ; أي : الرجوع إلى ما يرضي العاتب ويسره . وتستعمل أيضا في اللغة بمعنى أعتب : إذا أعطى العتبى ، أي : رجع إلى ما يحب العاتب ويرضى ، فإذا علمت ذلك فاعلم أن في قوله : ولا هم يستعتبون [ 16 \ 84 ] ، وجهين من التفسير متقاربي المعنى . [ ص: 423 ] قال بعض أهل العلم : ولا هم يستعتبون ، أي : لا تطلب منهم العتبى ، بمعنى لا يكلفون أن يرضوا ربهم ; لأن الآخرة ليست بدار تكليف ، فلا يردون إلى الدنيا ليتوبوا . وقال بعض العلماء : ولا هم يستعتبون ، أي : يعتبون ، بمعنى يزال عنهم العتب ، ويعطون العتبى وهي الرضا ; لأن الله لا يرضى عن القوم الكافرين . وهذا المعنى كقوله تعالى في قراءة الجمهور : وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين [ 41 \ 24 ] ، أي : وإن يطلبوا العتبى - وهي الرضا عنهم لشدة جزعهم - فما هم من المعتبين ; بصيغة اسم المفعول ، أي : المعطين العتبى وهي الرضا عنهم ; لأن العرب تقول : أعتبه إذا رجع إلى ما يرضيه ويسره ، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي : أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع أي : لا يرجع الدهر إلى مسرة من جزع ، ورضاه . وقول النابغة : فإن كنت مظلوما فعبد ظلمته وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب وأما قول بشر بن أبي خازم : غضبت تميم أن تقتل عامر يوم النسار فأعتبوا بالصيلم يعني : أعتبناهم بالسيف ، أي : أرضيناهم بالقتل ; فهو من قبيل التهكم ، كقول عمرو بن معدي كرب : وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع لأن القتل ليس بإرضاء ، والضرب الوجيع ليس بتحية . وأما على قراءة من قرأ : وإن يستعتبوا [ 41 \ 24 ] ، بالبناء للمفعول فما هم من المعتبين [ 41 \ 24 ] ، بصيغة اسم الفاعل ، فالمعنى : أنهم لو طلبت منهم العتبى وردوا إلى الدنيا ليعملوا بطاعة الله وطاعة رسله ، " فما هم من المعتبين " أي : الراجعين إلى ما يرضي ربهم ، بل يرجعون إلى كفرهم الذي كانوا عليه أولا . وهذه القراءة كقوله تعالى : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون [ 6 \ 28 ] . قوله تعالى : وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الكفار إذا رأوا العذاب لا يخفف عنهم ، ولا ينظرون أي لا يمهلون ، وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر . وبين أنهم يرون النار وأنها [ ص: 424 ] تراهم ، وأنها تكاد تتقطع من شدة الغيظ عليهم ; كقوله تعالى : لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون [ 21 \ 39 - 40 ] ، وقوله : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا [ 18 \ 53 ] ، وقوله : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا [ 25 \ 12 ] ، وقوله : إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ [ 67 \ 7 ، 8 ] ، وقوله : ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا [ 2 \ 165 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى : وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن المشركين يوم القيامة إذا رأوا معبوداتهم التي كانوا يشركونها بالله في عبادته قالوا لربهم : " ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك " [ 16 \ 86 ] وأن معبوداتهم تكذبهم في ذلك ، فيقولون لهم : كذبتم ! ما " كنتم إيانا تعبدون " [ 10 \ 28 ] . وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله : ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين [ 46 \ 5 - 6 ] ، وقوله : واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا [ 19 \ 81 - 82 ] ، وقوله : ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين [ 29 \ 25 ] ، وقوله : وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم [ 28 \ 64 ] ، وقوله : فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون [ 10 \ 28 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . فإن قيل : كيف كذبتهم آلهتهم ونفوا أنهم عبدوهم ، مع أن الواقع خلاف ما قالوا ، وأنهم كانوا يعبدونهم في دار الدنيا من دون الله ! فالجواب : أن تكذيبهم لهم منصب على زعمهم أنهم آلهة ، وأن عبادتهم حق ، وأنها تقربهم إلى الله زلفى . ولا شك أن كل ذلك من أعظم الكذب وأشنع الافتراء . ولذلك هم صادقون فيما ألقوا إليهم من القول ، ونطقوا فيه بأنهم كاذبون . ومراد الكفار بقولهم لربهم : " هؤلاء شركاؤنا " ، قيل ليحملوا شركاءهم تبعة ذنبهم . وقيل : ليكونوا [ ص: 425 ] شركاءهم في العذاب ، كما قال تعالى : ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار [ 7 \ 38 ] ، وقد نص تعالى على أنهم وما يعبدونه من دون الله في النار جميعا في قوله : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم . . . الآية [ 21 \ 98 ] ، وأخرج من ذلك الملائكة وعيسى وعزيرا بقوله : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون . . . الآية [ 21 \ 101 ] ; لأنهم ما عبدوهم برضاهم . بل لو أطاعوهم لأخلصوا العبادة لله وحده - جل وعلا - . قوله تعالى : وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون ، إلقاؤهم إلى الله السلم : هو انقيادهم له ، وخضوعهم ; حيث لا ينفعهم ذلك كما تقدم في قوله : فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء [ 16 \ 28 ] ، والآيات الدالة على ذلك كثيرة ; كقوله : بل هم اليوم مستسلمون [ 37 \ 26 ] ، وقوله : وعنت الوجوه للحي القيوم [ 20 \ 111 ] ، ونحو ذلك من الآيات . وقد قدمنا طرفا من ذلك في الكلام على قوله : فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء [ 16 \ 28 ] . وقوله : وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 16 \ 87 ] ، أي : غاب عنهم واضمحل ما كانوا يفترونه . من أن شركاءهم تشفع لهم وتقربهم إلى الله زلفى ; كما قال تعالى : ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله . . . الآية [ 10 \ 18 ] ، وكقوله : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، وضلال ذلك عنهم مذكور في آيات كثيرة ; كقوله تعالى : وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 10 \ 30 ] ، وقوله : فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 28 \ 75 ] ، وقد قدمنا معاني الضلال في القرآن وفي اللغة بشواهدها .
__________________
|
#177
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (175) سُورَةُ النَّحْلِ(21) صـ 426 إلى صـ 430 قوله تعالى : الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ، اعلم أولا أن " صد " تستعمل في اللغة العربية استعمالين أحدهما : أن تستعمل متعدية إلى المفعول ، كقوله تعالى : هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام . . . الآية [ 48 \ 25 ] ، ومضارع هذه المتعدية " يصد " بالضم على القياس ، ومصدرها " الصد " على القياس أيضا . والثاني : أن تستعمل " صد " لازمة غير متعدية إلى المفعول ، ومصدر هذه " الصدود " على القياس ، وفي مضارعها الكسر على القياس ، والضم على السماع ; وعليهما القراءتان السبعيتان في قوله : إذا قومك منه يصدون [ ص: 426 ] [ 43 \ 57 ] ، بالكسر والضم . فإذا عرفت ذلك : فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وصدوا عن سبيل الله [ 16 \ 88 ] ، محتمل ; لأن تكون " صد " متعدية ، والمفعول محذوف لدلالة المقام عليه ; على حد قوله في الخلاصة : وحذف فضلة أجز إن لم يضر كحذف ما سيق جوابا أو حصر ومحتمل لأن تكون " صد " لازمة غير متعدية إلى المفعول ، ولكن في الآية الكريمة ثلاث قرائن تدل على أن " صد " متعدية ، والمفعول محذوف ، أي : وصدوا الناس عن سبيل الله . الأولى : أنا لو قدرنا " صد " لازمة ، وأن معناها : صدودهم في أنفسهم عن الإسلام ; لكان ذلك تكرارا من غير فائدة مع قوله : الذين كفروا [ 16 \ 88 ] ، بل معنى الآية : كفروا في أنفسهم ، وصدوا غيرهم عن الدين فحملوه على الكفار أيضا . القرينة الثانية : قوله تعالى : زدناهم عذابا فوق العذاب [ 16 \ 88 ] ، فإن هذه الزيادة من العذاب لأجل إضلالهم غيرهم . والعذاب المزيد فوقه : هو عذابهم على كفرهم في أنفسهم ; بدليل قوله في المضلين الذين أضلوا غيرهم : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم . . . الآية [ 16 \ 25 ] ، وقوله : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم . . . الآية [ 29 \ 13 ] ، كما تقدم إيضاحه . القرينة الثالثة ، قوله : بما كانوا يفسدون [ 16 \ 88 ] ، فإنه يدل على أنهم كانوا يفسدون على غيرهم مع ضلالهم في أنفسهم ، وقوله : فوق العذاب [ 16 \ 88 ] ، أي : الذي استحقوه بضلالهم وكفرهم . وعن ابن مسعود : أن هذا العذاب المزيد : عقارب أنيابها كالنخل الطوال ، وحيات مثل أعناق الإبل ، وأفاعي كأنها البخاتي تضربهم . أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها . والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه يوم القيامة يبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم ، يشهد عليهم بما أجابوا به رسولهم ، وأنه يأتي بنبينا - صلى الله عليه وسلم - شاهدا علينا . وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم [ ص: 427 ] الأرض . . . الآية [ 4 \ 41 ، 42 ] ، وكقوله : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم [ 5 \ 109 ] ، وكقوله : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين [ 7 \ 6 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اقرأ علي " ، قال : فقلت يا رسول الله ، أأقرأ عليك وعليك أنزل ؟ ! قال : " نعم ; إني أحب أن أسمعه من غيري " ، فقرأت " سورة النساء " ، حتى أتيت إلى هذه الآية : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا [ 4 \ 41 ] ، فقال : " حسبك الآن " ، فإذا عيناه تذرفان . اه . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ويوم نبعث [ 16 \ 89 ] ، منصوب بـ " اذكر " مقدرا . والشهيد في هذه الآية فعيل بمعنى فاعل ، أي : شاهدا عليهم من أنفسهم . قوله تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء . ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه نزل على رسوله هذا الكتاب العظيم تبيانا لكل شيء . وبين ذلك في غير هذا الموضع ، كقوله : ما فرطنا في الكتاب من شيء [ 6 \ 38 ] ، على القول بأن المراد بالكتاب فيها القرآن . أما على القول بأنه اللوح المحفوظ . فلا بيان بالآية . وعلى كل حال فلا شك أن القرآن فيه بيان كل شيء . والسنة كلها تدخل في آية واحدة منه ; وهي قوله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] . وقال السيوطي في " الإكليل " في استنباط التنزيل ، قال تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ 16 \ 89 ] ، وقال : ما فرطنا في الكتاب من شيء [ 6 \ 38 ] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " ستكون فتن " ، قيل : وما المخرج منها ؟ قال : " كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم " ، أخرجه الترمذي وغيره ، وقال سعيد بن منصور في سننه : حدثنا خديج بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن مرة ، عن ابن مسعود ، قال : من أراد العلم فعليه بالقرآن ; فإن فيه خبر الأولين والآخرين . قال البيهقي : أراد به أصول العلم . وقال الحسن البصري : أنزل الله مائة وأربعة كتب ، أودع علومها أربعة : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان . ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان ، ثم أودع علوم القرآن : المفصل ، ثم أودع علوم المفصل : فاتحة الكتاب ; فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير الكتب المنزلة . أخرجه البيهقي في الشعب . [ ص: 428 ] وقال الإمام الشافعي - رضي الله عنه - : جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة ، وجميع شرح السنة شرح للقرآن . وقال بعض السلف : ما سمعت حديثا إلا التمست له آية من كتاب الله . وقال سعيد بن جبير : ما بلغني حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله . أخرجه ابن أبي حاتم . وقال ابن مسعود : إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله . أخرجه ابن أبي حاتم . وقال ابن مسعود أيضا : أنزل في القرآن كل علم ، وبين لنا فيه كل شيء ، ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن . أخرجه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لو أغفل شيئا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة " . وقال الشافعي أيضا : جميع ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مما فهمه من القرآن . قلت : ويؤيد هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه " ، رواه بهذا اللفظ الطبراني في الأوسط من حديث عائشة . وقال الشافعي أيضا : ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها ، فإن قيل : من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنة ؟ قلنا : ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة ; لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وفرض علينا الأخذ بقوله . وقال الشافعي مرة بمكة : سلوني عما شئتم ، أخبركم عنه من كتاب الله . فقيل له : ما تقول في المحرم يقتل الزنبور ؟ فقال : " بسم الله الرحمن الرحيم " [ 1 \ 1 ] ، قال الله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] ، وحدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر ، وعمر " ، وحدثنا سفيان ، عن مسعر بن كدام ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن عمر بن الخطاب : أنه أمر بقتل المحرم الزنبور . [ ص: 429 ] وروى البخاري ، عن ابن مسعود ، قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيرات لخلق الله ، فقالت له امرأة في ذلك . فقال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله . فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ؟ ! قال : لئن قرأتيه لقد وجدتيها ! أما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] ، ؟ قالت : بلى . قال : فإنه قد نهى عنه . وقال ابن برجان : ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء فهو في القرآن ، أو فيه أصله قرب أو بعد ، فهمه من فهم ، أو عمه عنه من عمه ، وكذا كل ما حكم أو قضى به . وقال غيره : ما من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله تعالى ; حتى إن بعضهم استنبط عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا وستين من قوله " في سورة المنافقين " : ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها [ 63 \ 11 ] ; فإنها رأس ثلاث وستين سورة ، وعقبها " بالتغابن " ، ليظهر التغابن في فقده . وقال المرسي : جمع القرآن علوم الأولين والآخرين ، بحيث لم يحط بها علما حقيقة إلا المتكلم به ، ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، خلا ما استأثر الله به سبحانه ، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم ; مثل الخلفاء الأربعة ، ومثل ابن مسعود ، وابن عباس حتى قال : لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله . ثم ورث عنهم التابعون لهم بإحسان ، ثم تقاصرت الهمم ، وفترت العزائم ، وتضاءل أهل العلم ، وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه ; فنوعوا علومه ، وقامت كل طائفة بفن من فنونه . فاعتنى قوم بضبط لغاته ، وتحرير كلماته ، ومعرفة مخارج حروفه وعددها ، وعد كلماته وآياته ، وسوره وأجزائه ، وأنصافه وأرباعه ، وعدد سجداته ، إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة ، والآيات المتماثلة . من غير تعرض لمعانيه ، ولا تدبر لما أودع فيه . فسموا القراء . واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال ، والحروف العاملة وغيرها . وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها ، وضروب الأفعال ، واللازم والمتعدي ، ورسوم خط الكلمات ، وجميع ما يتعلق به ; حتى إن بعضهم أعرب مشكله . وبعضهم أعربه كلمة كلمة . [ ص: 430 ] واعتنى المفسرون بألفاظه ، فوجدوا منه لفظا يدل على معنى واحد ، ولفظا يدل على معنيين ، ولفظا يدل على أكثر ; فأجروا الأول : على حكمه ، وأوضحوا الخفي منه ، وخاضوا إلى ترجيح أحد محتمالات ذي المعنيين أو المعاني ، وأعمل كل منهم فكره ، وقال بما اقتضاه نظره . واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية ، والشواهد الأصلية والنظرية ; مثل قوله : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ 21 \ 22 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة ; فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده ، وبقائه وقدمه ، وقدرته وعلمه ، وتنزيهه عما لا يليق به ; وسموا هذا العلم بـ " ، أصول الدين " . وتأملت طائفة معاني خطابه ; فرأت منها ما يقتضي العموم ، ومنها ما يقتضي الخصوص ، إلى غير ذلك ; فاستنبطوا منه أحكام اللغة من الحقيقة والمجاز ، وتكلموا في التخصيص والإضمار ، والنص والظاهر ، والمجمل والمحكم والمتشابه ، والأمر والنهي والنسخ ، إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة ، واستصحاب الحال والاستقراء ; وسموا هذا الفن " أصول الفقه " . وأحكمت طائفة صحيح النظر ، وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام ، وسائر الأحكام ، فأسسوا أصوله وفروعه ، وبسطوا القول في ذلك بسطا حسنا ; وسموه ب " علم الفروع " وب " ، الفقه أيضا " . وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السابقة ، والأمم الخالية ، ونقلوا أخبارهم ، ودونوا آثارهم ووقائعهم . حتى ذكروا بدء الدنيا ، وأول الأشياء ; وسموا ذلك ب " التاريخ والقصص " . وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال ، والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال ، وتكاد تدكدك الجبال ; فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد ، والتحذير والتبشير ، وذكر الموت والمعاد ، والنشر والحشر ، والحساب والعقاب ، والجنة والنار ، فصولا من المواعظ ، وأصولا من الزواجر . فسموا بذلك " الخطباء والوعاظ " .
__________________
|
#178
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#179
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#180
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |