سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 8 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28432 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60056 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 827 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #71  
قديم 24-08-2021, 01:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود



تفسير الربع الأول من سورة الأنفال بأسلوب بسيط





الآية 1: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ﴾: أي يسألك أصحابك أيها النبي عن الغنائم - يوم بَدْر - كيف تقسمها بينهم؟ ﴿ قُلِ لهم: ﴿ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾: أي إنَّ أمْرَها إلى الله ورسوله، فالرسولُ يَتولى قِسمتها بأمْر ربه، وقد حَكَمَ اللهُ تعالى فيها بقولِهِ في هذه السورة: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ...) وسيأتي تفسير الآية.




﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ بترْك العداوة والمخاصمة بسبب هذه الأموال، ﴿ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾: أي وأصلِحوا العلاقات التي تربط بعضكم ببعض - من المحبة والأخُوّة -، وصَفُّوا قلوبكم مِن كل حِقدٍ أو غِلّ نشأ بينكم بسبب هذه الغنائم ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.



• الآية 2، والآية 3، والآية 4: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ - أي أصحاب الإيمان الكامل - هم ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أي خافت قلوبهم، خاصةً عند ذِكر وعيدِ اللهِ تعالى ووعده (فإذا ذُكِرَ الوعيد بالعذاب: خافوا أن يُصيبهم العذاب بسبب ذنوبهم وتقصيرهم، وإذا ذُكِرَ الوعد بالجنة: خافوا أن يُحرَموا منها إذا لم تُقبَل توبتهم وأعمالهم)، فعندئذٍ يُقلعون عن المعصية ويُكثِرونَ من الطاعة، ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا بسبب تَدَبُّرِهِم لمعاني الآيات، وبسبب تطبيقها عملياً في حياتهم، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾: أي وعلى اللهِ وحده يعتمدون - هذا مع أخْذِهِم بالأسباب -، ولكنّ قلوبهم تتعلق بمُسَبب الأسباب وحده، المتصرف في كل شيء (فالجوارحُ تعمل والقلوبُ تتوكل)، وهم ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ أي يُداومون على أداءها - في أوقاتها - باطمئنانٍ وخشوع.




واعلم أنّ مِن أصْدَق الحِكَم التي قرأتُها: (إذا لم تكن تعيشُ سعيداً، فأنت لا تصلي جيداً، فهناك فرقٌ بين مَن يُصلي لِيَرتاحَ بها، وبين مَن يُصلي لِيَرتاحَ منها).




﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ - من أنواع الأموال - ﴿ يُنْفِقُونَ ﴾: أي يُخرِجون صَدَقة أموالهم الواجبة والمستحبة (وكذلك يُنفقون مِمَّا رزقهم اللهُ مِن عِلمٍ أو صِحَّةٍ أو سُلطة في خدمة المسلمين، فيُعَلِّمونَ الناس، ويَسعونَ في قضاء حوائجهم، وغير ذلك).




﴿ أُولَئِكَ المُتصفون بهذه الصفات ﴿ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ظاهرًا وباطنًا، ﴿ لَهُمْ دَرَجَاتٌ أي منازل عالية ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ، ﴿ وَمَغْفِرَةٌ لذنوبهم، ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهو الجنة.




الآية 5، والآية 6: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ ﴾: يعني كما أنكم لمَّا اختلفتم في الغنائم: جعلَ اللهُ أمْرَ تقسيمها إليه، كذلك أمَرَكَ ربك - أيها النبي - بالخروج من "المدينةِ" ﴿ بِالْحَقِّ أي بالوحي الذي أتاك به جبريل بالحق، وذلك للقاء قافلة قريش المُحَمَّلة بالخير الكثير (جزاءً للمشركين على إخراجهم للمؤمنين من ديارهم، وعلى أخْذِهِم أموالهم بغير حق)، ﴿ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾: أي وذلك مع كراهة بعض المؤمنين للخروج، عندما علموا بخروج قريش لِقتالهم (دِفاعاً عن القافلة)، وهؤلاء ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ أي في شأن القتال ﴿ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ لهم أن القافلة قد نَجَتْ وأنه لابد من القتال، فتراهم ﴿ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إليه بأعينهم، وذلك مِن شدة كراهيتهم لقتالٍ لم يَستعِدُّوا له.




الآية 7، والآية 8: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ﴾: يعني واذكروا - أيها المجادلون - وَعْدَ اللهِ لكم بالفوز بأحَد الأمرين: القافلة وما تحمله مِن أرزاق، أو قتال الأعداء والانتصار عليهم، ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾: يعني وأنتم تحبون الفوز بالقافلة مِن غير قتال، ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ ﴾: أي ولكنّ اللهَ يريدُ أن يُظهِرَ الحقَّ بنصْر أوليائه وهزيمة أعدائه.




وقولُهُ تعالى: ﴿ بِكَلِمَاتِهِ ﴾: أي بأمْرِهِ لكم بقتال الكفار، وبأمْرِهِ للملائكة بالقتال معكم، ﴿ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴾: أي ويريد سبحانه أن يَستأصل الكافرين بالهلاك، وذلك ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ ﴾: أي لِيَنصر الإسلامَ ويُعِزَّ أهله، ﴿ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ﴾: أي ويُذهِب الشِركَ ويُذلّ أهله، ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾: يعني ولو كَرِهَ المشركون ذلك.




الآية 9: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾: أي اذكروا نعمة الله عليكم يوم بدر، حين طلبتم مِن ربكم - بتضرُّعٍ - أن يَنصركم على عدوكم، ﴿ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ قائلاً ﴿ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ أي مُتتالِين، يَتْبَعُ بعضهم بعضًا.




الآية 10: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ﴾: أي وما جعل اللهُ هذا الإمداد بالملائكة ﴿ إِلَّا بُشْرَى لكم بالنصر ﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ويَذهب منها القلق والاضطراب، وتوقنوا بنصر اللهِ لكم ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يَغلبه أحد ﴿ حَكِيمٌ يَنصرُ مَن يَستحق النصر.




• الآية 11: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ ﴾: أي اذكروا نعمة اللهِ عليكم يوم بدر، حين ألقى عليكم النُعاس ﴿ أَمَنَةً مِنْهُ ﴾: أي أمانًا منه سبحانه، واطمئناناً لكم من الخوف الذي أصابكم لِكثرة عدوكم (فإنّ العبد إذا أصابه النُعاس: هدأ وثبت، فلا يخافُ ولا يَهرب).




ثم ذكَّرَهُم سبحانهُ بنعمةٍ أخرى يوم بدر، وهي أنه أنزل على مُعَسكَرِهِم مطراً غزيراً شربوا منه وتطهروا، وذلك بعد أن كانوا عِطاشاً، مُحدِثين (أي ناقضِينَ لِوضوءهم)، قال تعالى: ﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ، ﴿ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ﴾: يعني ولِيُزِيلَ عنكم وساوس الشيطان، فقد وسوس الشيطان لبعضهم قائلاً: (كيف تُنصَرون وأنتم مُحدِثين؟، وكيف تقاتلون وأنتم عِطاش؟)، ﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ﴾: يعني ولِيُطَمْئِنَ قلوبَكم بوجود الماء، لِكَوْنِكُم لا تخافونَ عطشاً أثناء القتال، ولِتزدادوا ثباتاً ويقيناً بأنّ اللهَ معكم (إذ أنزل المطر لِيُعِينَكم به على عدوكم)، ﴿ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾: أي ويُثبِّتَ بالمطر أقدامكم، لأن المطر جعل الأرض الرملية - التي نزلتم بها - قويَّة متماسكة، حتى لا تغوص فيها الأقدام.




الآية 12: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الذين أمَدَّ اللهُ بهم المسلمين في غزوة "بدر" ﴿ أَنِّي مَعَكُمْ بنَصْري وإعانتي، ﴿ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: أي فقوُّوا عزائم الذين آمنوا، ﴿ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴿ فَاضْرِبُوا المشركين ﴿ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ - وهو المكان الذي تُذبَح منه البَهيمة - ﴿ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ أي واضربوا أطراف أيْديهم وأرجُلِهِم، حتى لا يستطيعوا ضرباً بالسيف، ولا فِراراً بالأرجل.




الآية 13: ﴿ ذَلِكَ الذي حدث للكفار - مِن ضَرْب أعناقهم وأطرافهم؛ ﴿ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: أي بسبب مخالفتهم لأمر الله ورسوله، ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: يعني ومَن يُعادِي اللهَ ورسوله: ينتقم اللهُ منه ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.




• الآية 14: ﴿ ذَلِكُمْ العذاب الذي عجَّلتُهُ لكم أيها الكافرون يوم بدر ﴿ فَذُوقُوهُ في الحياة الدنيا، ﴿ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ جميعاً ﴿ عَذَابَ النَّارِ يوم القيامة.




الآية 15: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا أي زاحفين إليكم لِيُقاتلوكم ﴿ فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾: أي فلا تُعطوهم ظهوركم فِراراً منهم، ولكن اثبُتوا لهم، فإنّ الله معكم وناصركم عليهم.




الآية 16: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ﴾: يعني والذي يَفِرّ منهم وقت المعركة لا يكونُ ﴿ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ ﴾: أي مُصطنِعاً لحيلةٍ وخِداع، ليتمكن مِن محاصرة الكفار وقتالهم، ﴿ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ ﴾: يعني أو كانَ يريدُ بفراره الانضمام إلى جماعةٍ من المؤمنين وهي تقاتل، فيقاتل معها لِيُقوِّيها أو يَقوَى بها، فمَن لم يكن كذلك، وفرَّ من المعركةِ جُبناً من القتال وخوفاً من المشركين ﴿ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أي رجع من المعركة مُستحقاً لغضبٍ من الله، ﴿ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ في الآخرةِ ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.



الآية 17: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ﴾: أي فلم تقتلوا المشركين يوم بدر ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ لأنه هو الذي أمركم بقتالهم وأعانكم على ذلك، ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ﴾: يعني ولستَ أنتَ الذي أصبتَ في رَمْيتِكَ - أيها النبي - حين رميتَ حِفنة التراب على المشركين أثناء المعركة ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾: أي ولكنَّ اللهَ هو الذي أصاب، حيثُ أوصل تلك الرَمْيَة إلى أغلب عيون المشركين، فعَوَّقتْهم عن القتال وتسَبَّبتْ في هزيمتهم، ولو أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم تُرِكَ لِقوَّتِه، لَمَا وصلتْ الرَمْيَة إلى أعْيُن الصف الأول من المشركين المقاتلين.




وقد فعل اللهُ ذلك القتل بالمشركين، وأوصل تلك الرَمْيَة إلى أعينهم، لِيُذِلَّهم ويَكسر شَوكتهم ﴿ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ﴾: يعني ولِيَختبر صِدْق المؤمنين بالقتال، ويُنعِمَ عليهم بنصْرهم رغم قلة عددهم، ويُوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات، ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لدعائكم عندما استغثتم به أثناء المعركة ﴿ عَلِيمٌ بضَعْفِكم يومَها وحاجتكم إليه، فأعانكم ونَصَرَكم.




الآية 18: ﴿ ذَلِكُمْ - أي هزيمة المشركين ونصْر المؤمنين يومَ بدر - كانَ بقدرة اللهِ تعالى، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ أي إنه سبحانهُ سيُضعِفُ مَكْرَ الكافرين - في كل وقت - حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق، أو يَهلكوا على شِركهم.




الآية 19، والآية 20، والآية 21: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ﴾: يعني إنْ تطلبوا - أيها المشركون - مِن اللهِ أن يُوقِعَ عذابه على أهل الباطل - كما طلبتم ذلك يوم بدر: ﴿ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ﴾: أي فقد أجابَ اللهُ طلبكم، حينَ أوقعَ بكم مِن عقابه ما كانَ عبرةً للمتقين، ﴿ وَإِنْ تَنْتَهُوا عن الكُفر بالله ورسوله، وعن قِتال النبي وأصحابه، وتُسلِموا للهِ تعالى: ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ في دُنياكم وأُخراكم، ﴿ وَإِنْ تَعُودُوا إلى قتال المؤمنين، وإلى طلب النَصر لِمَن على الحق في الفريقين: ﴿ نَعُدْ في نَصْر المؤمنين عليكم، ﴿ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ ﴾: أي ولن يَدفع عنكم أعوانكم وأنصاركم شيئًا من العقاب، كما لم يَدفعوهُ عنكم يوم بدر، رغم كثرة عددكم وسلاحكم، ورغم قلة عدد المؤمنين وسلاحهم.




هذا ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ بنصره وتأييده، فلن يتخلى عنهم ما داموا مستقيمين على طاعة الله ورسوله، ولهذا قال بعدها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ ﴾: أي ولا تُعرضوا عن هذا الأمر - وهو طاعة اللّه ورسوله - ﴿ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ما يُتلَى عليكم مِن الحُجَج والبراهين في القرآن.




إذ نَصْرُكُم - أيها المؤمنون في بدر - كانَ ثمرةً لإيمانكم وطاعتكم، فإنْ أعرضتم وعصيتم: لَأصبحتم كغيركم من أهل الإعراض والعِصيان، (ولذلك كانت هزيمة المسلمين في "أُحُد" - بعد أن كان الانتصار لهم في بداية المعركة - عقوبةً مِن اللهِ تعالى لهم بسبب معصيتهم لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم).




﴿ وَلَا تَكُونُوا في مخالفة أوامر الله ورسوله ﴿ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وهم المشركون والمنافون الذين إذا سمعوا كتاب الله يُتلَى عليهم قالوا: سمعنا بآذاننا، وهم في الحقيقة لا يتدبرون ما سَمِعوا، ولا يَتفكَّرون فيه لِيعتبروا، لِذا فهُم في سَماعهم كمن لم يَسمع، إذ العِبرةُ من السَماع: التفكُّر والانتفاع.





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.


واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #72  
قديم 24-08-2021, 01:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود







تفسير الربع الثاني من سورة الأنفال كاملا بأسلوب بسيط




الآية 22، والآية 23: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ﴾: يعني: إنَّ شر ما دَبَّ على الأرض ﴿ عِنْدَ اللَّهِ - مَنزِلةً - هم ﴿ الصُّمُّ الذين امتنعتْ آذانُهم عن سَماع الحق، ﴿ الْبُكْمُ الذين خَرُسَتْ ألسنتهم عن النُطق به، وهؤلاء هم الذين ﴿ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ عن اللهِ حُجَجه وبراهينه، ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ مواعظ القرآن سَماعَ تدبُّرٍ وقبول، ولكنه سبحانه عَلِمَ أنه لا خيرَ فيهم، لأنهم توَغَّلوا في الظلم والفساد والكِبر والعِناد، فحُرِموا بذلك هداية اللهِ تعالى، ﴿ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ سبحانهُ - على سبيل الفرْض - ﴿ لَتَوَلَّوْا ﴾: أي لأعرضوا عن الإيمانِ بالقرآن - كِبراً وعِنادًا - مِن بعد فَهْمِهِم لآياته، (﴿ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾) دائماً عن الحق، فلا يَلتفتون إلاَّ لِما يُناسِبُ أهوائهم.


الآية 24: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بالطاعة والانقياد ﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾: أي إذا دعاكم للحق الذي فيه إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة ﴿ كالجهاد وغيره ﴾، ثم حَذَّرَ سبحانه مِن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ والمراد أنَّ اللهَ تعالى يَملِكُ قلبَ العبد، فإيّاكم أن ترُدُّوا أمْرَ اللّهِ أوَّلَ ما يأتيكم، حتى لا يُضِلَّ قلوبكم (فيجعلكم تكرهون الطاعة وتحبون المعصية، وترونَ الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً).


فلهذا يجب أن يُكثِرَ العبدُ مِن قوْل: (يا مُقَلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينك)، و (يا مُصَرِّفَ القلوب صَرِّف قلبي إلى طاعتك)، لأنّ القلوب بين يَدَي اللهِ تعالى، يُقَلِّبُها ويُصَرِّفها حيث يشاء، ﴿ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ يومَ القيامة، لِيُجازِي كُلاًّ بما يَستحق (فالذي يَعلمُ أنه سيَرجِعُ إلى ربه، لابد أن يُسرعَ في تلبيةِ أمْرِه، حتى لا يُبتَلَى بفتنةٍ تُهلِكُهُ في دنياهُ وآخِرَتِه).


الآية 25: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً ﴾: يعني واحذروا - أيها المؤمنون - عذاباً ومِحنةً ﴿ لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾: أي لا يُخَصُّ بها أهل المعاصي فقط، بل تُصيبُ الصالحين معهم إذا قدروا على إنكار الظلم ولم يُنكِروه، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، فعقابُهُ تعالى لا يُطاق ولا يُحتمَل.


الآية 26: ﴿ وَاذْكُرُوا أيها المؤمنون نِعَمَ اللهِ عليكم ﴿ إِذْ أَنْتُمْ أي حينَ كنتم بمكة ﴿ قَلِيلٌ أي قليلوا العدد (﴿ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾) (﴿ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ﴾): أي تخافون أن يَخطفكم الكفار بسرعةٍ وسهولة (يعني بدون أن تقاوموهم) وذلك لِضَعفكم وقِلَّتِكم، ﴿ فَآَوَاكُمْ ﴾: أي فجعل لكم مَأوى تأوونَ إليه وهو "المدينة"، فكَثَّرَكم فيها وقوَّاكم ﴿ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ يوم بدر، ﴿ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ - التي مِن ضِمنها الغنائم - (﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾) ربكم على ما أنعمَ به عليكم.


الآية 27، والآية 28: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ بترْك ما أوجَبَهُ اللهُ عليكم، وبفِعْل ما نهاكم عنه، ﴿ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ﴾: أي ولا تخونوا أماناتكم التي ائتمنكم الناسُ عليها ﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ عِظَم جريمة الخيانة، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أي اختبارٌ مِن الله لعباده; لِيَعلمَ سبحانه: أيَشكرونه عليها ويُطيعونه فيها، أم يَنشغلونَ بها عنه؟ ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ ﴾: أي واعلموا أن اللهَ ﴿ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ - وهو نعيم الجنة، الذي أعدَّهُ اللهُ لِمَن اتقاه وأطاعه، ونَجَحَ في اختباره.


الآية 29: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ بفِعل أوامره واجتناب نواهيه: ﴿ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا أي عِلماً ونوراً تُفَرِّقونَ بهِ بين الحق والباطل، ﴿ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾: أي ويَمحُ عنكم صغائر ذنوبكم، ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ كبائرَ ذنوبكم، فيسترها عليكم، ولا يؤاخذكم بها ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾.

الآية 30: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: يعني واذكر - أيها الرسول - نعمة ربك، حين كانَ المشركون بمكَّة يُبيّتون لك ما يَضرك، ﴿ لِيُثْبِتُوكَ ﴾: أي لِيَحبسوك ﴿ أَوْ يَقْتُلُوكَ ﴿ أَوْ يُخْرِجُوكَ مِن بَلدك، ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ بهم، حيثُ أخرجك مِن بين أيديهم سالماً، ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(وفي هذا إثباتُ صفةِ المَكْر للهِ تعالى على الوجه الذي يَليقُ بجلاله وكماله، لأنه مَكْرٌ بحق، وفي مقابلة مَكْر الماكرين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (وامكُر لي ولا تمْكُر عليّ)، ومِمَّا يَجب أن يُعلَم أنَّ أفعالَ اللهِ تعالى لا تُشبه أفعال العباد، لأنّ ذاتَهُ سبحانه لا تُشبه ذَواتِهم).


الآية 31: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا ﴾: يعني وإذا تُتلَى على هؤلاء المشركين آيات القرآن الكريم: ﴿ قَالُوا - جهلاً منهم وعِنادًا للحق -: ﴿ قَدْ سَمِعْنَا ما تَقرأ علينا، ﴿ لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا القرآن، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾: يعني ما هذا القرآن الذي تتلوهُ علينا إلا أكاذيبُ الأوَّلين، وقد كذبوا في ذلك، فأين ما يَقُصُّهُ القرآن وما يُوسوسُ به الشيطان؟!


الآية 32، والآية 33: ﴿ وَإِذْ قَالُوا ﴾: يعني واذكر أيها الرسول حين قال المشركون مِن قومك - داعينَ اللهَ تعالى -: ﴿ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَاالقرآن ﴿ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، وهذا دليلٌ على غباء أهل الباطل، إذ كانَ الأوْلَى بهم أن يقولوا: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فاهدِنا إليه وَوَفِّقنا لاتِّباعه)!


ثم أخبر اللهُ رسوله بأنه قادرٌ على إنزال العذاب بهم، ولكنه أخبره أيضاً بأنه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ - أيها الرسول - لِمَكانَتِكَ عند ربك، ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (وفي هذا دليلٌ على أن الاستغفار سببٌ للنجاة من عذاب الله تعالى)، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: (مَن أحَبَّ أنْ تَسُرَّهُ صَحِيفتَهُ: فليُكثِر فيها من الاستغفار) (انظر السلسلة الصحيحة:2299)، وقال أيضاً: (طُوبَى لمن وُجِدَ في صَحِيفتِهِ استغفارٌ كثيرٌ) (انظر صحيح الترغيب والترهيب: جـ 2 رقم 1618)، وطوبَى هي: (شجرة في الجنة، مَسِيرة مائة عام، تخرجُ ثيابُ أهل الجنة من أكمامها) كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثٍ آخر (انظر صحيح الجامع حديث رقم: 3918).


الآية 34: ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ ﴾: يعني وكيف لا يَستحقُّون عذابَ اللهِ ﴿ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾: أي وهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالكعبة والصلاة في المسجد الحرام؟، ﴿ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ﴾: يعني وما كان المشركون أولياءَ للهِ تعالى كما زعموا، ﴿ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾: يعني إنما أولياءُ اللهِ حقاً هم الذين يتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ أي أكثر الكفار ﴿ لَا يَعْلَمُونَ ذلك، فلهذا زعموا لأنفسهم أمرًا غيرهم أوْلَى به.


الآية 35: ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ﴾: يعني وما كان صلاة المشركين عند المسجد الحرام ﴿ إِلَّا مُكَاءً ﴾: أي صَفيرًا بالفم ﴿ وَتَصْدِيَةً ﴾: أي تصفيقًا باليد ﴿ فَذُوقُوا الْعَذَابَ أي عذاب القتل والأسر يوم بدر، جزاءً ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ وبما كنتم تستهزئون بشعائر اللهِ تعالى.


الآية 36، والآية 37: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فيُعطونها لأمثالهم من المشركين وأهل الضلال ﴿ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي لِيمنعوا الناس عن الدخول في الإسلام، ﴿ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ ﴾)عاقبة إنفاقهم لهذه الأموال ﴿ (عَلَيْهِمْ حَسْرَةً لأن أموالهم تذهب هباءً، ولا يفوزون بما يريدون، ﴿ ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾: أي ثم يَهزمهم المؤمنون في آخر الأمر، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وماتوا على كُفرهم ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾.


وقد أُدخِلَ هؤلاء الكفار جهنم ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ وهم أهل الشرك والمعاصي ﴿ مِنَ الطَّيِّبِ وهم أهل التوحيد والصلاح، فيَجعل سبحانه الطيبين يتميزون عن الخبيثين بدخولهم دار النعيم ﴿ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ متراكمًا متراكبًا، ﴿ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا كَوْماً واحداً ﴿ فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ﴾ ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَفي الدنيا والآخرة.


الآية 38: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - ﴿ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِن قومك: ﴿ إِنْ يَنْتَهُوا عن الكُفر وعن قتالك وقتال المؤمنين، ويرجعوا إلى التوحيد الذي فطرهم اللهُ عليه: ﴿ يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَأي يَغفر اللهُ لهم ما سبق من الشرك والذنوب بسبب إسلامهم، ﴿ وَإِنْ يَعُودُوا للجحود بوحدانية الله ورسالتك، وإلى قتالك وقتال المؤمنين: ﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴾:أي فقد سبقتْ طريقة اللهِ في الأولين، وهي إهلاك الظالمين إذا استمروا على تكذيبهم وعِنادهم، كما حدث مع عادٍ وثمود، وكما حدث مع كفار مكة يوم بدر (وفي هذا تهديدٌ عظيمٌ لهم).


الآية 39، والآية 40: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ ﴾: أي وقاتِلوا - أيها المؤمنون - المشركين المحاربين ﴿ حَتَّى لَا تَكُونَ هناك ﴿ فِتْنَةٌ أي صَدٌ للمسلمين عن دينهم (بالتعذيب والاضطهاد)، وحتى لا يكونَ هناك شركٌ باللهِ تعالى، ﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾: أي ويَبقى الدينُ للهِ وحده - خالصًا - لا يُعْبَدُمعه غيرُه، فيرتفع البلاء عن أهل الأرض جميعاً، ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا عن تعذيب المؤمنين وعن الشرك باللهِ تعالى، وصاروا إلى الدين الحق معكم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لا يَخفَى عليه ما يعملون، ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني وإن أعرضوا عن الإسلام، وأصَرُّوا على قتالكم: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ﴾: أي فأيقِنوا أنَّ الله ناصركم عليهم، إذ هو سبحانه ﴿ نِعْمَ الْمَوْلَى أي نِعْمَ المُعين والحافظ ﴿ وَنِعْمَ النَّصِيرُ لكم على أعدائكم.



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #73  
قديم 24-08-2021, 01:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود






تفسير الربع الثالث من سورة الأنفال كاملا بأسلوب بسيط








الآية 41: ﴿ وَاعْلَمُوا أيها المؤمنون ﴿ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾: أي إنكم إذا فزتم بشيءٍ من الغنائم وأنتم تجاهدون في سبيل اللهِ: ﴿ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾: يعني فإنّ خُمس هذه الغنيمة يُقسَّم كالآتي: (الجزء الأول لله وللرسول، فيُجعَل في مصالح المسلمين العامة ويُنفَق منه أيضاً على الكعبة وسائر المساجد، والجزء الثاني لأقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم بنو هاشم وبنو عبد المُطَّلِب (فقد جُعِل لهمذلك الجزء من الغنيمة مكان الصدقة لأن الصدقة لا تَحِلُّ لهم)، والجزء الثالث لليتامى، والرابع للمساكين،والخامس للمسافر المحتاج للنفقة).







وأما الأربعة أخماس الباقين من الغنيمة: فإنها توَزَّع على المقاتلين الذين حضروا المعركة، بحيثُ يُعطَى الفارس (وهو الذي كان يقاتل راكباً على فرسه) ضعف ما يأخذ الراجل (وهو الذي كان يقاتل واقفاً على رجليه)، وذلك لِمَا للفارس مِن تأثير في الحرب، ولأنّ فرسه يحتاج إلى نفقة علف.







فارْضوا بهذه القسمة التي شرعها اللهُ لكم ﴿ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ﴾: يعني إن كنتم مقرِّين بتوحيد الله، مُطيعينَله، مؤمنين بما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والمَدَدوالنصر ﴿ يَوْمَ الْفُرْقَانِ أي يوم بدر (الذي فَرَق اللهُ فيه بين الحق والباطل) ﴿ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ أي جَمْعُ المؤمنينوجَمْعُ المشركين، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌفكما قدَرَ سبحانه على نَصْركم رغمَ قِلَّتِكُم، وعلى هزيمة عدوكم رغمَ كثرتهم، فكذلك هو قادرٌ على كل شيءٍ يريده.







الآية 42: ﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا (هذا تذكيرٌ للمؤمنين بساحة المعركة، التي ظهر فيها لُطف اللهِ تعالى بهم، حيثُ كان المشركون - في بادئ الأمر - يتميزون عنهم بحُسن الموقع، ثم قلَبَ اللهُ تعالى الكِفَّة لتكون في صالح المؤمنين، فقال لهم: اذكروا نعمة اللهِ عليكم حينما كنتم على حافة الوادي الأقرب إلى "المدينة" (وقد كانت أرضاً رملية تغوص فيها الأقدام﴿ وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى ﴾: يعني وكان عدوكم نازلاً بالحافة الأبعد عن "المدينة" (وكانت أرضاً صلبة)، فلمَّا سبقهم جيش المشركين إليها، اغتمَّ المسلمون، فلمَّا أرسل اللهُ المطر: أصبحت الأرض الرملية - التي نزل بها المسلمون - قويَّة متماسكة (فلم تَعُقْ المسلمين عن المَسير)، وأصبحت الأرض الصلبة - التي نزلتْ بهاقريش - زَلقة(فعَطَّلتْهم عن المَسير) فلم يبلغوابئر بدرإلا بعد أن وصل المسلمون إليه، فعندئذٍ اختار المسلمون أحسن موقع، واتخذوا حوضاً يكفيهم من الماء، فكان المسلمون يشربون، ولا يَجد المشركون ماءً.







﴿ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ﴾: أي واذكروا حينما كانت قافلة قريش التجارية - التي خرجتم مِن أجلها - في مكانٍ أسفلَ منكم (ناحية شاطئ "البحر الأحمر") بقيادة أبي سفيان، وبالتالي فقد كنتم مُحاصَرين بجماعتين من المشركين (جيشأبي جهل مِن ناحية،وأبي سفيان ومَن معه مِن ناحيةٍ أخرى)، فلو فَطِنَ العدو لهذا الوضع، لَطَوَّقَ جيشالمسلمين من الناحيتين، ولكنَّ اللهَ صرفهم عن التَفَطُّن لذلك، وكذلك صَرَفَ المسلمين عن محاولة الهجوم على القافلة، حتى لا يقعوا بين جماعتين من العدو، فللهِ الحمدُ والمِنّة.







﴿ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ﴾: يعني ولو حاولتم أيها المسلمون أن تضعوا موعدًا لهذا اللقاء بهذه الصورة لَتأخرتم - بل ولَتخلفتم - عن الميعاد، لأسبابٍ تقتضي ذلك (منها أنكم قِلَّة وهم كَثرة)، ﴿ وَلَكِنْ اللهُ جَمَعَكم في وادٍ واحد على غير ميعادٍ ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا - أي لابد مِن وقوعه - وهو نَصْر أوليائه وخِذْلان أعدائه، وذلك ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ من المشركين ﴿ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾: أي عن حُجَّةٍ ظهرتْ له وقطعتْ عُذره أمامَ الله، إذ اتضَّحَ له - بعدما رأى الآيات يوم بدر - أنّ المشركين على باطلٍ وضلال، ثم رَضِيَ بذلك الباطل واستمر عليه، ﴿ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾: يعني ولِيحيا مَننجا مِن المشركين عن حُجَّةٍ ظهرتْ له، فعَلِمَ ساعتَهَا أن الإسلامَ حق، وأن الرسولَ حق، وذلك بما أرَى اللّهُ الطائفتين من الأدلة والبراهين، ما يَتعظُ به المشركون، ويَزدادُ به الذين آمنوا إيماناً، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ لأقوال الفريقين، ﴿ عَلِيمٌ بأفعالهم.







الآية 43: ﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ﴾: أي اذكر - أيها النبي - حينما أراكَ اللهُ قِلَّة عدد عدوك في منامك، فأخبرتَ المؤمنينبذلك، فقَوِيَتْ قلوبُهم، واجترؤوا على حَرْبهم، ﴿ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ أي لَترددأصحابك في مُلاقاتهم، ولَخافوا مِن لقائهم، ﴿ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾: أي ولاَختلفتم في أمر القتال، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ منالفشل، ونجَّاكم مِن عاقبةِ ذلك، ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ : أي إنه سبحانه عليمٌ بخفايا القلوب وطبائع النفوس.







الآية 44: ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا ﴾: يعني واذكروا أيضًا حينما ظهر أعداؤكم في أرض المعركة، فرأيتموهم قليلين فاجترأتمعليهم، ﴿ وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ﴾:يعني وقلَّلكم ربكم - أيها المؤمنون - في أعين المشركين، ليتركوا الاستعداد لِحَربكم (هذا قبل الالتحام، أما بعد الالتحام فقد رأى المشركونَ المؤمنين مِثلَيْهِم - أي يَزيدون عليهم في العدد زيادة كبيرة تبلغالضِعف -، وذلك حتى تتم هزيمتهم).







وقد كان ذلك التدبير الإلهي ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾: أي ليتحقق وَعْدُ اللهِ لكم بالنصر، فإنه سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون، ﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾: يعني وإلى اللهِ وحده تصير الأمور كلها، فما شاءَ منها كان، وما لم يَشأهُ لم يكن، فليس لأحدٍ فيها تأثير إلا بإذنهِ سبحانه.







الآية 45: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً أي إذا لقيتم جماعةً مِن أهلالكفر قد استعدوا لقتالكم ﴿ فَاثْبُتُوا ولا تفِرُّوا منهم، وكونوا في صمودكم كالجبال الشامخة ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا مُكَبِّرين داعين مُتضَرِّعين لإنزال النصر عليكم؛ ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾: أي لكي تفوزوا بالنصر في الدنيا وبالجنة في الآخرة.







الآية 46: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ والتزموا هذه الطاعة في جميع أحوالكم، ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾: أي ولا تختلفوا - وأنتم في مواجهة العدو - فتتفرق كلمتكموتختلف قلوبكم، وتذهب قوتكم، ﴿ وَاصْبِرُوا عند لقاء العدو ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بِالعَوْن والنصر والتأييد.







الآية 47: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا ﴾: أي ولا تكونوا مِثل المشركين الذين خرجوا ﴿ مِنْ دِيَارِهِمْ أي مِن بلدهم، وقد خرجوا ﴿ بَطَرًا ﴾: أي كِبرًا، مِن أجل العُلُوّ في الأرض، ﴿ وَرِئَاءَ النَّاسِ ﴾: يعني ولِيَراهم الناس ويَفتَخِروا بقوّتهم.







ثم ذكر تعالى مقصودهم الأعظم من هذا الخروج فقال: ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي إنهم خرجوا لإظهار قوتهم أمام الناس لِيُخَوّفوهم من الدخول في دين الله، ولِيُرغِموهم على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويُعذبوا مَن أجابَ دَعْوَته، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ لا يَغيبُ عنه شيءٌ مِن أفعالهم وأقوالهم، وسيُعاقبهم على ذلك أشد العقوبة.







الآية 48: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾: يعني واذكروا حين حَسَّن الشيطانُ للمشركين أمْرَ إنقاذ القافلة وقتال المسلمين، ﴿ وَقَالَ لهم: ﴿ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ﴾: يعني لنيَغلبكم اليوم أَحَد، فإني ناصركم عليهم، (وكان الشيطان في هذه الساعة في صورة رجل من أشراف القوم)، ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ ﴾: أي فلما تقابل الفريقان - المشركون ومعهمالشيطان، والمسلمون ومعهم الملائكة -: ﴿ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾: أي رجع الشيطان إلى الوراءِ هارباً من المعركة، ﴿ وَقَالَ للمشركين: ﴿ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ من الملائكة الذين جاؤوا مَددًا للمسلمين﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ﴾: أي أخافُ أن يُعاجلني بالعقوبة في الدنيا ﴿ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ، فكانَ خِذلانُالشيطان للمشركين: تقديراً من اللهِ تعالى لِيُتِمّ النصرَ للمسلمين.







الآية 49: ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ - وهم ضِعاف الإيمان - عندما رأوا خروجَ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بدر: ﴿ غَرَّ هَؤُلَاء المسلمين ﴿ دِينُهُمْ فعَرَّضهم للمَهالك، وجَرَّأهم على الخروج لقتال قريش وهي تفوقهم عدداً وسلاحاً.







ولم يُدركهؤلاء المنافقون أنه ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ويَثِقْ بنصْره، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لن يَخذله، إنه سبحانه ﴿ عَزِيزٌ لا يَغلبه أحد، ولا يمنعه أحد عن فِعل ما يريد ﴿ حَكِيمٌ يَضع النصر لِمَن يَستحقه.







الآية 50، والآية 51: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ ﴾: يعني ولو أنك - أيها الرسول - أبْصَرتَهؤلاء الكفار يوم بدر - وقتَ انتزاع الملائكةِ لأرواحهم - لَرأيتَ أمرًا فظيعاً، إذ ﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ أي يَضربونهم مِن أمامهم ومِن خلفِهم، ﴿ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾: أي ويقولون لهم: ذوقوا العذاب الشديد المُحرِق.







وقد اختلف المفسرون في المُراد مِن قوْل الملائكة لهم - وهم في السَكَرات -: (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) فمنهم مَن قال: (كان مع الملائكة يوم بدر مقامع من حديد،كلما ضربوا المشركين بها، التهبتْ النار في جراحاتهم فتحرق أجسادهم)، ومنهم مَن قال بأنّ المُراد هو إخبارُهُم بأنهم سيذوقون عذاب الحريق عندما يدخلون جهنم في الآخرة، وهذا كقوله تعالى:﴿ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾، فهو بِشارةٌ لهم من الملائكة بعذابٍ أدهَى وأمَرّ مما هم فيهِ لِيَزدادوا حسرةً، واللهُ أعلم (واعلم أن هذا السِياق، وإن كان قد حدث في غزوة "بدر"، إلاَّ إنه عامٌّ في حق كلِّ كافر وقت السَكَرات).







ثم تقول الملائكة لهم: ﴿ ذَلِكَ أي ذلك التعذيب هو ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾: أي بسبب كُفركم وأعمالكم السيئة في حياتكم الدنيا، وليس بظلمٍ مِن اللهِ لكم، لأنّ اللهَ تعالى هو الحَكَمُ العدل، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِفلايَظلم سبحانه أحدًا مِن خَلْقه مثقال ذرة، قال تعالى في الحديث القدسي - كما في صحيح مسلم -: "يا عبادي إني حرّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُهُ بينكم مُحَرَّماً فلا تَظَالَموا".







الآية 52: ﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ ﴾: يعني:إنّ شأنَ كفار قريش في تكذيبهم وما نزل بهم من العذاب، هي سُنَّة الله في عقاب الطغاة من الأمم السابقة، كما حدث لآل فرعون ﴿ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فقد ﴿ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِالواضحة ﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾: أي فعاجَلهم اللهُ بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعِنادهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.







الآية 53، والآية 54: ﴿ ذَلِكَ العذاب الذي أصابَ الأمم الكافرة الظالمة، ﴿ بِأَنَّ أي بسبب أنّ ﴿ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا أي لم يَكُنْ مِن سُنَّتِهِ تعالى في خَلقه أن يكونَ مُغَيِّراً ﴿ نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ ولا أن يَسلبها منهم ﴿ حَتَّى يُغَيِّرُوا هم ﴿ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ويكونوا هم البادئين بالتكذيب والظلم، أو الفسوق والفجور، ﴿ وَأَنَّ ﴾: أي وذلك العذاب كانَ أيضاً بسبب أنّ ﴿ اللَّهَ سَمِيعٌ لأقوال عباده ﴿ عَلِيمٌ بأفعالهم، فلذلك كان الجزاءُ عادلاً لا ظلمَ فيه.







ثم يُخبرُ تعالى بأنّ شأنَ الظالمين في تغيير نعمة اللهِ عليهم واستحقاقهم للعذاب، هو ﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْفقد ﴿ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ بعدما تيَقنوا أنها من عند الله، وتكَبَّروا عن الانقياد لها ﴿ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ ﴿ وَكُلٌّ مِن المُهلَكين المُعذَّبين ﴿ كَانُوا ظَالِمِينَ لعباد اللهِ تعالى، وظالمينَ لأنفسهم بتعريضها لِغضب اللهِ وعذابه.







الآية 55، والآية 56: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ﴾: يعني إنَّ شر ما دَبَّ على الأرض ﴿ عِنْدَ اللَّهِ - مَنزِلةً - هم ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا والسبب في ذلك: ﴿ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾: أي فهم لا يصَدِّقونرُسُلَ اللهِ تعالى، ولا يُقِرُّون بوحدانيته، بسبب عِنادهم واتِّباعهم لأهوائهم، مِن بعد ما تبين لهم الحق، فبذلك صاروا شرَّ الدوابّ.







ومِن هؤلاء الكفار: اليهود ﴿ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ﴾: أي الذين أخذتَ منهم عهداًبألاَّ يُحاربوك وألاَّيُعينوا عليك أعدائك، ﴿ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ﴿ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ أي لا يَخافون عاقبة نقض المعاهدات والتلاعُب بها.







الآية 57: ﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ ﴾: يعني فإن واجهتَ هؤلاء الناقضين للعهود في المعركة، وتمكنتَ منهم: ﴿ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ﴾: أي فأنزِلْ بهم مِنالعذاب ما يُدْخِلُ الرعب في قلوب الآخرين ويُشتت جُموعهم؛ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾: أي لعلهم يتعظون، فلا يُفَكِّروا في حَربك وقتالك بعد ذلك.







الآية 58: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ ﴾: يعني وإن خِفتَ - أيها الرسول - ﴿ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً ظهرتْ علاماتها واضحةً أمامك: ﴿ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ﴾: أي فاطرح تلك المعاهدة، مُلغِياً لها، مُعلِناً ذلك لهم، لِيَكونالطرفان - أنتم وهم - مُسْتوِيَيْن في العِلم بإلغاء المعاهدة، وذلك حتى لا يتهموك بالغدر والخيانة، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾.









[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #74  
قديم 05-09-2021, 05:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الأخير من سورة الأنفال كاملا بأسلوب بسيط



الآية 59، والآية 60: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا - وهم الذين نَجَوا من القتل في غزوة بدر - أنهم ﴿ سَبَقُوا ﴾: أي نجَوْا مِن عذاب الله، ﴿ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ اللهَ بحال، وإنهم لن يُفْلِتوا مِن عذابِهِ أبداً.


وبعد انتهاء معركة بدر وهزيمة المشركين فيها، عادَ أبو سُفيان ومَن معه إلى مكة وكلهم غيظٌ على المؤمنين، فأخذوا يستعدون للانتقام، ولذلك أمَرَ اللهُ رسوله والمؤمنين بإعداد القوة وبَذل ما في الوسع والطاقة، فقال لهم: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ في العدد والسلاح والتدريب، وغير ذلك مما فيه زيادة للقوة البدنية والعِلمية للمجاهدين، ﴿ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ - هذا أمرٌ مِن اللهِ لهم بأن يَربطوا خيولهم ويَحبسوها أمام بيوتهم، لتكون مُعَدّة للجهاد عليها (ومِن ذلك أيضاً: الاستعداد بكل ما يُركَب أثناء القتال من المُعِدَّات الحديثة (البرية والهوائية))، ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾: أي واعلموا أن هذا الاستعداد تُدْخِلون به الخوف في قلوب أعداء اللهِ وأعدائكم، حتى لا يُفكِّروا في غزو المسلمين وقتالهم، ﴿ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ﴾: أي ولِتخيفوا أيضاً آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن، ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ ويعلم ما يُخفونه لكم في صدورهم.


﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي لتقوية المسلمين على جهاد الكفار: ﴿ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾: أي يُخلِفه اللهُ عليكم في الدنيا، ويَدَّخِر ثوابه لكم إلى يوم القيامة، ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾: يعني وأنتم لا تُنْقَصون مِن أجر ذلك شيئًا.


الآية 61، والآية 62، والآية 63: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ﴾: يعني وإن مالَ أعدائكم إلى ترْك الحرب ورَغِبوا في مُسالَمَتِكم والصُلح معكم: ﴿ فَاجْنَحْ لَهَا ﴾: أي فمِلْ - أيها النبي- إلى تلك المُسالَمة، طالما أنهم رَغِبوا فيها بصِدق، لأنك رسولُ رحمة لا رسول عذاب، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي فَوِّض أمْرَك إليه وثِق به وحده، لِيَكفيك شرَّهم ويَنصرك عليهم ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم ﴿ الْعَلِيمُ بنيَّاتهم.


﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ بإظهار المَيْل إلى السلم - وهم في نِيَّتهم الغدر بك - فامضِ في صُلحِك ولا تَخَف منهم ﴿ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ﴾: يعني فإنّ اللهَ سيَكفيك خِداعهم ومَكرهم؛ إنه ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ أي أنزل عليك نصْره، وقوَّاك بالمؤمنين من المهاجرين والأنصار ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾: أي وجَمَعَ بين قلوب الأنصار بعدما كانت متنافرة يُعادي بعضهم بعضاً، وتقوم بينهم الحروب لأتفه الأسباب، ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾: يعني لو أنفقتَ - أيها النبي- مالَ الدنيا لِتجمع قلوبهم، ما استطعتَ إلى ذلك سبيلاً، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بأنْ جَمَعهم على الإيمان فأصبحوا إخوةً مُتحابين، ﴿ إِنَّهُ سبحانه ﴿ عَزِيزٌ أي غالبٌ على أمره، إذا أراد شيئاً، قال له: (كن فيكون)، ﴿ حَكِيمٌ في فِعله وتدبير أمور خلقه.


الآية 64: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾: يعني إن الله كافيك - وكافي الذين معك من المؤمنين - شرَّ أعدائكم.


الآية 65، والآية 66، والآية 67: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ أي حُثَّ ﴿ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ، وأخبِرْهم بأنه: ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ عند لقاء العدو (لا يَضعُفون ولا يَجبُنون، بل يَثبُتون ويُقاتلون)، فإنهم ﴿ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ منهم، ﴿ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ مجاهدة صابرة: ﴿ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، ذلك ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾: أي لأن الكافرين قومٌ لا عِلْمَ لهم - ولا فَهْم - لِمَا أعدَّهُ اللهُ في الجنةِ للمجاهدين في سبيله، فهم يقاتلون فقط من أجل العُلُوّ في الأرض والفساد فيها، فلذلك هم لا يَصبرون على القتال، لأنهم إذا خافوا على حياتهم: تركوا القتال طلباً للحياة، أما أنتم فتفهمون المقصود من القتال، وهو إعلاء كلمة اللّهِ تعالى وإظهار دينه، وحصول الفوز الأكبر عند اللّه، فلذلك يجب أن تصبروا.


ولَمَّا شَقَّ على المؤمنين ثبات العشرة أمام المائة، والعشرين أمام المائتين، والمائة أمام الألف، خفّف اللهُ عنهم ذلك الحُكم بقوله: ﴿ الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ أيها المؤمنون ﴿ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾: أي وذلك التخفيف بسبب ما يَعلمه سبحانه فيكم مِن الضَعف، ﴿ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من الكافرين، ﴿ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ منهم ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ أي بمعونته، إذ لا نَصْرَ إلاَّ بعَوْنٍ من الله تعالى، ﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بتأييده ونصره.


واعلم أن هذه الآية تحمل وعداً من الله تعالى للمؤمنين بأنهم إذا بلغوا هذا العدد المُحَدَّد في الآية، فإنهم سيَغلبون ذلك العدد المُحَدَّد من الكفار (وهو أن الواحد من المؤمنين يَغلب اثنين من الكفار)، بشرط أن يَصبروا ويَثبُتوا أمام الأعداء، وفي هذا تقويةٌ لقلوب المؤمنين، وبشارةٌ لهم بالنصر، إذا حققوا الشروط الإيمانية والمادية.


ثم عاتبَ اللهُ نبيَّه والمسلمين عندما أخذوا الفِداءمن أسْرَى بدر مقابل إطلاق سَراحهم، فقال لهم: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى مِن أعدائه الكفار ﴿ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾: أي حتى يَقتل جميع الأسْرَى، ولا يُبقِي مُشرِكاً في ساحة المعركة، لِيُدخل بذلك الرعب في قلوب المشركين في أنحاء الأرض، لِيَكُفوا عن شَرِّهم وتَضعُف قوَّتهم.


فما دامَ للمشركين شَرٌّ وقوَّة، فالأوْلَى ألاَّ يُؤسَروا، فإذا بَطُلَ شرُّهم وضَعُفتْ قوَّتهم: جازَ للمسلمين الإبقاء على الأسرى أحياءً، لِيَمُنُّوا عليهم بلا مقابل أو لِيُفادوهم بالمال، ﴿ تُرِيدُونَ يا معشر المسلمين - بأخْذكم الفداء من أسرى "بدر" - ﴿ عَرَضَ الدُّنْيَا أي المال (لأنه عارِض ويزول فلا يَبقى)، ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ﴾: يعني واللهُ يريد لكم النعيم الباقي في الآخرة إذا أظهرتم دينه، ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ يَنصر مَن توكل عليه، ﴿ حَكِيمٌ في شرعه وتدبيره، فاطلبوا أيها المؤمنون رضاهُ بتَرْكَ ما تريده أنفسكم لِمَا يريد هو سبحانه.


واعلم أن هذا العتاب لم يَنَل عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ رضي الله عنهما، لأنهما كانا يريدان قتل الأسرَى وعدم أخْذ الفداء منهم.


الآية 68، والآية 69: ﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ ﴾: يعني لولا ما كَتبه اللهُ وقدَّره بإباحة الغنائم وفِداء الأسرى لهذه الأُمَّة: ﴿ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾: أي لَأصابكم عذابٌ عظيم بسبب أخْذِكم الفداء قبل أن ينزل بشأنِهِ تشريع.


ثم أذِنَ اللهُ تعالى لأهل بدر أن يأكلوا من الغنائم وفداء الأسرى، فقال لهم: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ بالمحافظة على أحكام دينه وتشريعاته ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حيثُ غفر لكم ما وقع منكم، ﴿ رَحِيمٌ بكم، حيثُ أباحَ لكم الغنائم وجعلها حلالاً طيباً، وفي الحديث الصحيح: (لعلَّ اللهَ قد اطَّلعَ على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غُفِرَ لكم).


الآية 70: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى الذين دفعوا المال فِداءً لهم من الأسر: لا تحزنوا على الفداء الذي أُخِذَ منكم، لأنه ﴿ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا أي إيماناً صادقاً وإسلاماً حقيقياً: ﴿ يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من المال، بأن يُيَسِّر لكم من فضله خيرًا كثيرًا ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ لذنوب عباده التائبين، ﴿ رَحِيمٌ بهم حيثُ قَبِلَ توبتهم وأعانهم عليها.


واعلم أنّ هذه الآية قد نزلتْ في العباس - عم رسول الله صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأنه بعد أن وقع في الأسْر، أسلَمَ وأظهَر إسلامه، ثم طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يَرُدَّ عليه ما أُخِذَ منه مِن فدية، فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فأنزل اللهُ هذه الآية وأوْفَى بوعده للعباس رضي الله عنه، ففي صحيح مسلم أنه لَمَّا قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم مالٌ من البحرين، قال له العباس: (إني فادَيْتُ نفسي - أي مِن الأسر - وفادَيْتُ عُقَيْلاً)، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (خُذ)، فبَسَطَ العباس ثوبه وأخذ ما استطاع أن يَحمله، وقال: (هذا خيرٌ مما أُخِذَ مِنِّي، وأنا أرجو أن يَغفر اللهُ لي).


الآية 71: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ ﴾: يعني وإن يُرِدْ هؤلاء - الذين أَطْلَقْتَ سَراحهم - أن يَخونوك، بأن يُظهروا إسلامهم لك، ثم إذا عادوا إلى ديارهم، عادوا إلى كُفرهم، فلا تهتم بهم ولا تخَف مِن كَيدهم ﴿ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أي مِن قبل وقوعهم في الأسر، وذلك بكُفرهم في مكة ومحاربتك ﴿ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ المؤمنين، وجعلهم في قبضتهم، فقتلوهم وأسَرُوهم، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بنِيَّات هؤلاء الأسرى، ﴿ حَكِيمٌ فيما يَحكمُ به عليهم، ألاَ فلْيَتقوه سبحانه، ولْيَصدقوا في إسلامهم، فإنّ ذلك خيرٌ لهم.


الآية 72: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا من دار الكُفر إلى دار الإسلام - أو إلى بلدٍ يتمكنون فيه من عبادة ربهم - ﴿ وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي مِن أجل أن يُعبَدَ اللهُ وحده ولا يُعبَد معه غيره، ﴿ وَالَّذِينَ آَوَوْا ﴾: يعني وكذلك الأنصار الذين أنزلوا الرسول والمهاجرين في ديارهم، وأعطوهم مِن أموالهم، ﴿ وَنَصَرُوا دين الله تعالى ﴿ أُولَئِكَ - أي المهاجرون والأنصار - ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾: أي بعضهم نُصَراءُ بعض.


فهذا هو الصِنف الأول من المؤمنين - وهم المهاجرون والأنصار - أكْمَلُ المؤمنينَ وأعلاهم درجة، وأما الصِنف الثاني من المؤمنين فهو المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أي باللهِ ورسوله والدار الآخرة، ولكنهم رَضُوا بالبقاء بين الكافرين ﴿ وَلَمْ يُهَاجِرُوا من دار الكُفر ويَلتحقوا بالمسلمين في "المدينة"، فهؤلاء ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾: يعني لستم مُكَلَّفين بحمايتهم ونُصرَتهم ﴿ حَتَّى يُهَاجِرُوا، ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾: يعني وإن قوتِلوا وظُلِموا مِن أجل دينهم فطلبوا نُصْرَتكم: ﴿ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ﴾: أي فعليكم نَصْرَهم والقتال معهم (وأما إن قوتِلوا بسبب أمْرٍ من الأمور الدُنيوية، فليس عليكم نَصْرهم طالما أنهم لم يهاجروا).


ثم اشترط تعالى شرطاً لِنُصْرتهم، وهو: ﴿ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ﴾: يعني وإن كان المؤمنون - الذين لم يهاجرو - يقاتلون قوماً بينكم وبينهم مُعاهدة سِلم، ولم يَنقضوا عهدهم معكم، فعليكم أن توفوا بعهدكم ولا تقاتلوهم، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ هذا تحذيرٌ للمسلمين لِئَلاّ يَحملهم العطف على المسلمين على أن يقاتلوا قوماً بينهم وبينهم ميثاق.


الآية 73: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أي بعضهم نُصَراءُ بعض، ﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾: يعني وإن لم تكونوا - أيها المؤمنون - نُصراءَ بعض: ﴿ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ أي صدٌ للمسلمين عن دينهم، ﴿ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ بانتشار الشرك والفساد في الأرض، وتقوية ركائز الكفر.


الآية 74، والآية 75: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا هذا هو الصِنف الأول من المؤمنين، أعادَ اللهُ ذِكْرَهُ لِيَذكُر له جزاءه، فقال: ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم بسِترها وعدم المؤاخذة عليها، ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهو نعيم الجنة، في جوار ربهم سبحانه وتعالى.


ثم ذكَرَ تعالى الصِنف الثالث من أصناف المؤمنين بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ أي مِن بعد الهجرة، ﴿ وَهَاجَرُوا إلى المدينة بعد صُلْح الحُدَيْبِيَة، ﴿ وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ في سبيل الله، ﴿ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ أيها المؤمنون، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم.


فهذه النُصرة الإيمانية كانَ لها شأنٌ عظيم، حتى إنّ النبي صلى الله عليه وسلم آخَى بين المهاجرين والأنصار أُخُوَّةً خاصة - غير الأُخُوّة الإيمانية العامَّة - حتى كانوا يتوارثون بها، فنسَخَ اللّهُ ذلك بقوله: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ أي وأصحابُ القرابة ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ في التوارث مِن عامَّة المسلمين، وذلك ﴿ فِي كِتَابِ اللَّهِ أي في حُكمِ اللهِ تعالى وشَرْعِه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إذ يَعلمُ سبحانه ما يُصلِحُ عبادهُ مِن توريث بعضهم مِن بعض في القرابة والنسب، دونَ التوارث بالحِلف والنُصرة، وغير ذلك مما كان في أول الإسلام.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #75  
قديم 05-09-2021, 05:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الأول من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط





الآية 1، والآية 2: ﴿ بَرَاءَةٌ ﴾: يعني هذه براءةٌ ﴿ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِتُبَلِّغوها - أيها المسلمون - ﴿ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فهي قد نزلتْ للتبرُّؤ من العهود التي كانت بين المسلمين والمشركين.




• ثم أعطى اللهُ المشركين إمهالاً بقوله: ﴿ فَسِيحُوا ﴾: أي فسيروا - أيها المشركون - ﴿ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ تبدأ من يوم الإعلان عن ذلك التبرُّؤ، تذهبون - في هذه الأشهر - حيثُ شئتم آمنين من المؤمنين، فإن أسلمتم فهو خيرٌ لكم، وإن خرجتم من أرض الجزيرة العربية: فإنّ ذلك مُباحٌ لكم، وإن أصْررتم على شِرككم: فسوف تؤخَذون وتُقتَلون حيثما وُجِدتم في أرض الجزيرة العربية، التي أصبحت دارَ إسلامٍ بعد فَتْح مكة، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ أي لن تُفْلِتوا من عذابه أبداً، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴾: أي واعلموا أنَّ الله سوف يُذِلُّ الكافرين ويُهينهم في الدنيا والآخرة.




• واعلم أن هذه الآيات تَخُصّ المشركين أصحاب العهود الأبدية (أي التي ليست مُحَدَّدة بِمُدَّة)، أو مَن كان له عهد مُحَدَّد بِمُدَّة ولكنه نَقَضه، وأما مَن كان له عهد مُحَدَّد بِمُدَّة ولم يَنقضه: فسيأتي حُكمه في الآية الرابعة من هذه السورة.




• واعلم أيضاً أن هذه هي السورة الوحيدة التي لم تبدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، لأنها مُفتَتَحة بآيات عذاب للمشركين، وبالتالي يَتعارض معها ذِكْر الرحمة (وهي مِن آخِر السور التي نزلتْ من القرآن الكريم).




الآية 3، والآية 4: ﴿ وَأَذَانٌ ﴾: يعني وهذا إعلامٌ ﴿ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وإعلانٌ ﴿ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ - وهو يوم النحر (الذي هو أول أيام عيد الأضحى) حين أمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنَهُ - وقتَ اجتماع الناس (مُسلمهم وكافرهم) في الحج - أن يُؤَذِّنَ بـ ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَفليس لهم عنده عهدٌ ومِيثاق، ﴿ وَرَسُولُهُ بريءٌ منهم كذلك، ﴿ فَإِنْ تُبْتُمْ أيها المشركون مِن شِرككم ورجعتم إلى الحق: ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ في الدنيا والآخرة، ﴿ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ ﴾: يعني وإن أعرضتم عن قَبول الحق ورفضتم الدخول في دين اللهِ تعالى: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ أي لن تُفْلِتوا من عذابه أبداً، ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾.



ثم استثنى سبحانه - من الحُكم السابق - المشركين الذين دخلوا مع المسلمين في عهد مُحَدَّد بِمُدَّة، ولم يَنقضوا ذلك العهد، ولم يُعاوِنوا عليهم أحداً من الأعداء، فقال: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا من شروط هذه المُعاهَدة التي بينكم وبينهم ﴿ وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا لا برجال ولا بسلاح ولا حتى بمَشورةٍ ورأي، فهؤلاء لم يَبرأ اللهُ ورسوله مِن عهودهم، ولهذا ﴿ فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ ﴾: أي فعليكم أن تُكمِلوا لهؤلاء المشركين عَهْدهم إلى نهايته المحددة، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ الذين يُوفون بعهودهم، (وفي الآيات دليلٌ على تحريم الغدر والخيانة، ولِذا كان إلغاء المُعاهَدات عَلَنِيَّاً، وكانَ إمدادُ أصحابها بِمُدَّة ثُلث سَنة لِيُفَكِّروا في أمْرهم، ولِيَطلبوا الأصلح لهم).




• وقد اختلف العلماء في السبب من تسمية هذا الحج بـ (الأكبر)، وأحْسن الأقوال في ذلك: (أنه حَجٌّ حَضَره الرسول صلى الله عليه وسلم، وحَضَرَه أكبر عدد من المسلمين في ذلك العام).




الآية 5: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ﴾: يعني فإذا انقضتْ الأشهر الأربعة التي أمَّنتم فيها المشركين، ولم يَرجعوا عن شِركهم: ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾: أي فأعلِنوا الحرب على أعداء اللهِ حيثُ كانوا، وذلك تطهيراً لأرض الجزيرة العربية مِن بقايا الشِرك والمشركين، قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.




﴿ وَخُذُوهُمْ أي أسْرَى، ﴿ وَاحْصُرُوهُمْ ﴾: أي وحاصِروهم في حصونهم، ﴿ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ﴾: أي وسدُّوا عليهم الطرق وارصدوا تحركاتهم حتى يُقَدِّموا لكم أنفسهم مُسلمين أو مُستسلمين، ﴿ فَإِنْ تَابُوا من الشِرك ومِن حَربكم، ودخلوا الإسلام والتزموا شرائعه ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ ﴿ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ أي فاتركوهم، فقد أصبحوا إخوانكم في الإسلام ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لِمَن تاب إليه، ﴿ رَحِيمٌ به.




واعلم أنّ قَتْل المشركين مَخصوص بالمشركين المُحارِبين المعتدين، أما المُسالِمين فلا يُقتَلون؛ لِقوْل الله تعالى: ﴿ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا ﴾، وكما قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾، وكذلك المُشرِك المُعاهَد والمُستأمَن في أوطاننا فلا يُقتَل؛ لِقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن قتلَ مُعاهَداً لم يرحْ رائحة الجنة، وإنَّ رِيحها لَيُوجَد مِن مَسيرة أربعين عاماً) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 6457)، واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نَهَى عن قتل المرأة والصبي والراهب والمريض والشيخ الكبير.




الآية 6: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ يعني أراد الدخول في جوارك (أي في حمايتك) ورَغَبَ في الأمان: ﴿ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾: أي فأجِبْهُ إلى طَلَبِه حتى يَسمع القرآن الكريم ويَطَّلِع على هدايته، ﴿ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾: يعني ثم أَعِدْه مِن حيثُ أتى آمِنًا؛ وذلك لإقامة الحُجَّةِ عليه، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ﴾: أي وقد أمَرَكَ اللهُ بتلك الحماية بسبب أنَّ الكفار ﴿ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ما يَحتوي عليه القرآن من الإرشاد والهُدَى، فربما اختاروا الإسلام إذا زالَ عنهم ذلك الجهل، فإنهم لو عَلِموا حقيقة الإسلام، ما انصرفوا عن التوحيد إلى الشرك (فإذا كان ذلك في حق المشركين، فإنه مِن بابِ أوْلَى: تعليم المسلمين وعُذرهم بِجَهْلهم وعدم تكفيرهم) (وفي الآية دليل على وجوب تأمين مَن طَلَبَ حماية المسلمين، ومِن ذلك تأمين (السُيَّاح) والسُفَراء والمُمَثلين للدول الكافرة).




الآية 7: ﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾: هذا الاستفهام للنفي مع التعجب، أي لا ينبغي أن يكون للمشركين ﴿ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وهم يُخْفُون في أنفسهم نِيَّة الغدر بكم - ﴿ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ في صُلح (الحُدَيْبِيَة) -، ﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ ﴾: يعني فهؤلاء ما داموا مُقيمين على الوفاء بعهدكم: ﴿ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ على عهدهم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ المُوفِّين بالعهود.




الآية 8: ﴿ كَيْفَ يكونُ للمشركين عهدٌ يُوفونَ به لكم وهم - مِن شأنهم - أنهم يَلتزمون بالعهود ما دامت الغَلَبَة لغيرهم، ﴿ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ﴾: يعني وأمَّا إن شَعَروا بالقوةِ عليكم: لا يَرحموكم، و﴿ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا ﴾: يعني لا يُراعوا فيكم القَرابة، ﴿ وَلَا ذِمَّةً ﴾: أي ولا يُراعوا العهد الذي بينكم وبينهم، بل يُذيقونكم أشد العذاب، فلا تخدعكم حُسنُ معاملتهم لكم وقت الخوف منكم، فإنهم ﴿ يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾: أي يقولون لكم كلامًا لَيِّناً بألسنتهم؛ لِترضوا عنهم، ﴿ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ﴾: يعني ولكنّ قلوبهم ترفض الإقرار بذلك الكلام الذي يقولونه لكم بألسنتهم، ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ أي متمردون على الإسلام ناقضون للعهد.




الآية 9، والآية 10: ﴿ اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾: يعني إنَّ هؤلاء المشركون قد استبدلوا بآيات الله متاعَ الدنيا الزائل، فاختاروا الحَظ العاجل الخَسيس على الانقياد لآيات اللّه تعالى ﴿ فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ﴾: أي فلذلك أعرضوا عن الحق، ومنعوا الراغبين في الإسلام عن الدخول فيه، ﴿ إِنَّهُمْ سَاءَ أي قَبُحَ ﴿ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ﴾: أي لا يُراعون في مؤمنٍ قَرابةً ولا عهداً ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴾.



الآية 11: ﴿ فَإِنْ تَابُوا عن عبادة غير الله تعالى، ونطقوا بكلمة التوحيد ﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ أي فقد أصبحوا إخوانكم في الإسلام، ﴿ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ ﴾: أي وكذلك نُبَيِّن الآيات ونُوَضِّحُها ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الحق - لِوُضوحه وظهور علاماته - فيَقبلونه ويَتَّبِعونه، ولا يَتَّبعون أهوائهم.




الآية 12: ﴿ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ ﴾: يعني وإنْ نَقَضَ هؤلاء المشركون العهود التي بينكم وبينهم، ﴿ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ ﴾: أي وأظهروا الطعن في دين الإسلام، فهم إذاً أئِمَّة الكُفر ورؤساء الضلال ﴿ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ولا تُراعوا لهم أَيْماناً حَلَفوها لكم فـ ﴿ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ أي لا عهد لهم -، فقاتلوهم ﴿ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ عن كُفرهم وعداوتهم للإسلام.




الآية 13: ﴿ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا ﴾: يعني لِمَ تترددون في قتال هؤلاء الكفار الذين ﴿ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ أي نقضوا عهودهم معكم، ﴿ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ ﴾: أي وعَملوا على إخراج الرسول من مكة، إذ كانوا هُم السبب في خروجه منها مهاجراً إلى المدينة، ﴿ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾: يعني وهم الذين بدؤوا بإيذائكم أوّل الأمر (عند بداية الدعوة إلى الإسلام)، وهم الذين بدؤوا بنقض العهد معكم، وذلك عندما تقاتلت خُزاعة (وهم حُلفاء النبي صلى الله عليه وسلم) وبنو بكر (وهم حُلفاء قريش)، فأعانت قريش حُلفاءها، فبهذا نقضتْ عَهْدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلِمَ لا تقاتلونهم إذاً؟ ﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ ﴾: يعني أتخافون ملاقاتهم في الحرب؟ إذا كان هذا هو السبب ﴿ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين لأنَّ ما عِندَ اللهِ تعالى من العذاب ليس عند المشركين، فهو سبحانه لا يُعَذِّبُ عذابَهُ أحد.




الآية 14، والآية 15: ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴿ وَيُخْزِهِمْ ﴾: يعني ويُذِلُّهم بالهزيمة ﴿ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ﴾: يعني ويَشفِ - بهزيمتهم - صدوركم التي طالما لَحِقَ بها الحزن والغم مِن كيد هؤلاء المشركين، ﴿ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ من هؤلاء المعاندين - بدخولهم في الإسلام - بسبب انتصاركم عليهم (لأنّ الناس إذا رأوا انتصار أعدائهم عليهم في كل معركة: فإنهم يَميلون إليهم، ويَقبلون دِينهم وما هم عليه مِن صفاتٍ حميدة)، فقِتال المؤمنين للكافرين وانتصارهم عليهم يُتيح الفرصة لكثير من الكافرين أن يُسلموا، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بصِدق توبة التائب، ﴿ حَكِيمٌ في تدبيره وصُنعِه ووَضْع تشريعاته لعباده.




الآية 16: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا أيها المؤمنون دونَ أن تُبْتَلُوا بالتكاليف الشاقة كالجهاد، وقد اختلط المؤمن الصادق منكم بالمنافق الكاذب؟ (وهذا الاستفهام للاستنكار) يعني ولابُدَّ أن تُبتَلوا بذلك ﴿ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ﴾: يعني وذلك حتى يَعلم الله - عِلماً ظاهراً للخلق - الذين جاهدوا منكم في سبيله ﴿ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾: يعني ولم يَتخذوا أولياء - يُطلِعونهم على أسراركم - غير الله ورسوله والمؤمنين، ﴿ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ومُجازيكم على أعمالكم.







[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.


• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #76  
قديم 05-09-2021, 05:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود






تفسير الربع الثاني من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط







الآية 17: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾: يعني ليس مِن شأن المشركين - ولا يَصِحّ منهم - إعمار بيوت الله تعالى ببنائها وصيانتها وتنظيفها، وهم يُعلنون كُفرهم باللهِ ويجعلون له شركاء، (قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: شهادتهم بالكُفر هي سجودهم للأصنام، مع إقرارهم بأنها مخلوقة واللهُ خالقها)، ﴿ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ أي بَطُلَتْ وضاعت يوم القيامة، لِفَقْدِها شَرط الإخلاص للهِ تعالى، ﴿ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾.







واعلم أن سبب نزول هذه الآية أنّ مِن المشركين مَن ادَّعَى أنه يَعمُرُ المسجد الحرام بسِقاية الحَجيج وغير ذلك، فأبْطَلَ اللهُ تعالى هذا الادِّعاء بقوله: ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ .








الآية 18: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ حقاً: ﴿ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴿ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾: يعني وهؤلاء العُمَّار هم المهتدون إلى طريق النجاة من النار والفوز بالجنة (لأنّ كلمة (عسى) إذا جاءت من اللهِ تعالى، فإنها تفيد التأكيد ووجوب الوقوع).








فإذا قال قائل: (قوْلُهُ تعالى: ﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ يَدل على أنّ المؤمن - الكامل الإيمان - لا يَخشى إلا الله، فكيف ذلك والأنبياء كانوا يَخشون أعداءهم وهم أكْمَلُ الناس إيماناً؟)








والجواب الصحيح أنّ الأنبياء والمؤمنين العاملين لا يَخشون إلا اللهَ تعالى، فإذا خافوا عَدُوَّاً، ليس معناه أنهم خافوهُ لِذاته، وإنما خافوا مِن أن يكون اللهُ تعالى قد سَلَطّهُ عليهم، فخَوْفهم في الحقيقة عائدٌ إلى اللهِ تعالى، إذ هو الذي بيده الأمر، وكذلك فإنّ الخوف من العدو هو ما يُسَمّى بالخوف الفِطري (كخوف موسى عليه السلام عندما تحولت العصا إلى ثعبان وغير ذلك).








الآية 19: ﴿ أَجَعَلْتُمْ - أيها المشركون - ﴿ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وهو مكانٌ يُوضَع فيه الماء في المسجد الحرام ويُسقَى منه الحَجيج مجاناً، ﴿ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أي بنائه وصيانته وتطهيره، أجعلتم مَن يَقومُ بذلك ﴿ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ ﴿ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ﴾: أي لا تتساوى حال المؤمنين وحال الكافرين عند الله، لأنّ اللهَ لا يَقبل عملاً بغير إيمان، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ المشركين، فلا يَهديهم إلى طريق كمالهم وسعادتهم وهو الإسلام.








الآية 20، والآية 21، والآية 22: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا من دار الكفر إلى دار الإسلام، ﴿ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ لإعلاء كَلِمَتِهِ سبحانه، أولئك ﴿ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ مِمَّن آمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (هذا اللفظ للمبالغة في عِظَم فوزهم، حتى إنّ فوْزَ غيرهم - من المؤمنين الذين لم يهاجروا - بالنسبة إلى فوزهم يُعَدّ كالمعدوم)، ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ لا سخط بعده أبداً، ﴿ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ لِمَن آمَنَ وعمل صالحاً بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.








الآية 23: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ بالمَحبة والنُصرة وبإفشاء أسرار المسلمين إليهم، وباستشارتهم في أموركم ﴿ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَواختاروه (عَلَى الْإِيمَانِ)، ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الذين يَضعون الشيء في غير مَوضعه، لأن المَحبة والنُصرة لا تكونُ إلا للمؤمنين.








الآية 24: (﴿ قُلْ ﴾) - أيها الرسول - للمؤمنين: ﴿ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ - والعشيرة هم الأقرباء من النَسَب، كالأعمام وأبنائهم - ﴿ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا أي جمعتموها ﴿ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا أي تخافون قلة بَيْعها في الأسواق (وذلك بمقاطعة كثير من التجار المشركين لكم، وبانقطاعكم عن التجارة أيام الجهاد)، ﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا وهي البيوت الفاخرة التي أقمتم فيها، إنْ كانَ ذلك كله ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فتركتم الهجرة والجهاد من أجل تلك الأشياء: فأنتم فاسقونَ ظالمون ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾: أي فانتظروا عقوبة هذه المعصية - إن لم تتوبوا عن ذلك فتهاجروا وتجاهدوا - ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.







وعلى هذا فإذا حصل التعارض بين ما أراده اللهُ تعالى وبين ما تحبه نفس المؤمن: وَجَبَ على المؤمن التخلص منها وإرضاء ربه.








الآية 25، والآية 26، والآية 27: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ أي في مواقع كثيرة عندما أخذتم بالأسباب وتوكلتم على الله، ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ﴾: يعني وخاصةً في غزوة حُنَيْن ﴿ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ (حيثُ كان جيش المسلمين اثني عشر ألفاً، وكان عَدُوُّهم أربعة آلاف فقط)، ﴿ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا ﴾: أي فلم تنفعكم هذه الكثرة، بسبب غروركم واعتمادكم على الأسباب دون الاعتماد على نَصْر ربكم، فظَهَرَ عليكم العدو، وانهزمتم في أول اللقاء، ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾: أي ولم تجدوا مكاناً تهربون إليه في الأرض الواسعة، كأنكم مَحصورون في مكان ضيق، ﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾: يعني ثم فرَرْتم مُنهزمين، ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أي أنزل الطمأنينة والثبات ﴿ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فثَبَتوا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا النبي لا كَذِب، أنا ابن عبد المُطَّلِب، اللهم نَزِّل نَصْرك"، فاستجابَ اللهُ دعائه ﴿ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾: أي وأمَدَّكم بجنودٍ من الملائكة لم تروها، فنَصَرَكم على عدوكم، ﴿ وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بأيديكم وأيدي الملائكة ﴿ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾.







﴿ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ من المشركين الذين بَقوا أحياء بعد الحرب، فيُدخِلهم في الإسلام ويَغفر ذنوبهم، ويَرحمهم بدخول الجنة ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.







الآية 28: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ أي أصحابُ نجاسة معنوية، وذلك لِخُبث أرواحهم بالشِرك، ﴿ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾: أي فلا تُمَكِّنُوهم من الاقتراب من الحَرَم بعد هذا العام (وهو العام التاسع من الهجرة، أو عام حجة الوداع - على خِلافٍ بين المفسرين)، ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾: يعني وإن خِفتم فقرًا لانقطاع تجارتهم عنكم: ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ويُعَوِّضكم عن هذه التجارة ﴿ إِنْ شَاءَ سبحانه ذلك (واعلم أن هذا الاستثناء منه سبحانه حتى تَبقى قلوب المؤمنين متعلقةً بربها، راجيةً فضله، خائفةً مِن زَوال نعمته وتَحَوُّل عافيته، غيرَ غافلةٍ عن طاعته وتقواه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بحالكم، ﴿ حَكِيمٌ في تدبير شؤونكم، فلا يَضع سبحانه شيئاً إلا في مَوضعه (وفي ذلك إرشادٌ لمن أراد فَضْلَ اللهِ تعالى ورحمته: أن يجتهد في أن يكون أهْلاً لذلك بالإيمان والطاعة).








الآية 29: ﴿ قَاتِلُوا الكفار المُحارِبين ﴿ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِإيماناً صحيحاً يَرضاهُ اللهُ تعالى، ويُنجي صاحبه من عذاب الله (كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم) ﴿ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كالخمر والربا وسائر المُحَرَّمات ﴿ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ﴾: أي والذين لا يَلتزمون بأحكام الإسلام ﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ من اليهود والنصارى ﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ﴾: أي حتى يَدفعوا الجِزْيَةَ التي تفرضونها عليهم (واعلم أنّ الجِزْيَة هي قَدْر مالي مُحَدَّد يَدفعه أهل الكتاب لِوُلاة أمور المسلمين في كل سنة مقابل حمايتهم فإنّ الإسلام يُعرَضُ أولاً على أهل الكتاب، فإنْ قَبلوه: فهو خيرٌ لهم في دُنياهم وأُخراهُم، وإن رفضوه: يُطلَبُ منهم الدخول في حماية المسلمين تحت شعار: الجِزْيَة، وهي رَمزٌ دالّ على قبولهم لحماية المسلمين، فإذا دفعوها: حَقَنوا دماءهم، وحَفظوا أموالهم، وأمِنوا في حياتهم وكنائسهم.








وقوله تعالى: ﴿ عَنْ يَدٍ ﴾: أي يُقدمونها بأيديهم، لا يُنِيبون فيها غيرهم ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾: أي وهمخاضعون لِحُكم الإسلام، (وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: (عَنْ يَدٍ) أي بأنْ يكون قادراً على دفع الجزية (لِغِناهُ وعدم فقره)، لأنّ الفقير منهم لا يُطالَب بالجِزْيَة، والله أعلم).








الآية 30: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ - وعُزَيْر: هو الذي أماته اللهُ مائة عامٍ ثم بَعَثه -، ﴿ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ فقد أشْرَكَ مَن قال هذا القول منهم، لأنهم اتخذوا إلهاً يَعبدونه مع الله، وقد كَذَبوا على اللهِ تعالى فيما نسبوه إليه، لأنّ ﴿ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾: يعني لأنّ هذا القول قد اختلقوه من عند أنفسهم وما أنزل اللهُ به من سلطان، وهم بذلك ﴿ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ﴾: أي يُشابهون قول المشركين مِن قبلهم، وهم العرب الذين قالوا: (الملائكة بنات الله)، تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوَّاً كبيراً، و﴿ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾: أي لَعَنَ اللهُ المشركين جميعًا، كيف يَنصرفون عن الحق إلى الباطل، رغم وضوح الحق وقوَّة أدِلَّته؟!








واعلم أن قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ ﴾، المقصود به: بعض اليهود الذين قالوا هذا القول وليس كل اليهود، وهذا كقوله تعالى: (﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ﴾) فهو لفظ عام، والمُراد به بعض الناس.








الآية 31: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ ﴾: أي اتخذ اليهودُ والنصارَى علماءَهم وعُبَّادَهم ﴿ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾: أي آلهةً يُشَرِّعون لهم الأحكام، فيَلتزمون بها ويتركون شرائع اللهِ تعالى، ﴿ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾: أي واتخذ النصارَى المسيح عيسى ابن مريم إلهًا فعَبَدوه، ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا ﴾: أي وقد أمَرَهم اللهُ بعبادته وحده دونَ غيره، فهو الإله الحق الذي ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي لا يَستحق العبادة إلا هو ﴿ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾: أي تَنَزَّه وتَقدَّسَ عَمَّا يَفتريه أهل الشِرك والضَلال.








الآية 32: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾: أي يريد هؤلاء الكفار - بتكذيبهم - أن يُبطِلوا دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ﴾: يعني ولن يَقبلَ اللهُ تعالى إلا بأن يُتِمَّ دينه ويُعلِيَ كلمته ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾.







الآية 33: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم ﴿ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾: أي بالقرآن ودين الإسلام; ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾: أي لِيُعلِيَهُ على الأديان كلها ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾.








وقد حَقَّقَ سبحانه وعده، فالإسلامُ ظاهرٌ في الأرض كلها، سَمِعَ به أهل الشرق والغرب، واعتنقه كثيرٌ منهم، وخَضَعَ له العالم أجْمَع على عهد الصحابة والتابعين، وسيأتي اليوم الذي يَسُودُ فيه الإسلامُ أهلَ الدنيا جميعاً.











[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.


• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #77  
قديم 05-09-2021, 05:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود






تفسير الربع الثالث من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط







الآية 34، والآية 35: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وهم علماء أهلالكتاب ﴿ وَالرُّهْبَانِ وهم عُبَّاد أهلالكتاب: ﴿ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ﴾: أي لَيَأخذون أموال الناس بغير حق (كالرِّشوة وغيرها)، ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي ويَمنعونالناس عن الدخول في الإسلام، وذلك للإبقاء على مَناصبهم الدينية التي يَترَأَّسُونَ بها على العَوَام من اليهود والنصارى، ويأكلون أموالهم باسم الدين.







﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ ﴾: أي والذين يَجمعون ﴿ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وغير ذلك من الأموال ﴿ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: يعني ولا يُؤدون زكاة أموالهم، وكذلك يَبخلون بإخراج الحقوق الواجبة منها: ﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يوم القيامة ﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾: يعني يوم تُوضَع قطع الذهب والفضة في النار، حتى تشتد حرارتها ﴿ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ ﴾: أي فتُحرَق بهاجِبَاه أصحابها ﴿ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ، ويُقالُ لهم توبيخًا وهم يُعَذَّبون: ﴿ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ﴾: أي هذا مالُكم الذي أمسكتموهومنعتم منه حقوقَ اللهِ تعالى ﴿ فَذُوقُوا العذابَ الشديدَ جزاءً بـ ﴿ مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (واعلم أنّ هذا التوبيخ - أثناء العذاب - يكون أشد على النفس من عذاب الجسد).







واعلم أنّ هذا الحُكم (وهو إمساك الأموال وعدم إنفاقها في سبيل الله) هو حُكمٌ عام يشمل الأحبار والرُّهبان وغيرهم، إلا إنه تعالى ذَكَرَ هذا الحُكم بعد أن ذَكَرَ الأحبار والرُّهبان، لأنّ مَن يأكل أموال الناس بالباطل هو أقرب الناس إلى أن يَكنِز الذهب والفضة ولا يُنفقها في سبيل الله.







الآية 36: (﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ ﴾): يعني إنّ عدد الشهور في حُكم اللهِ تعالى: (﴿ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ﴾) وذلك (﴿ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾) أي فيما كَتَبَهُ اللهُ في اللوح المحفوظ (﴿ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾)، ﴿ مِنْهَا أي مِن هذه الأشهر: (﴿ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾) أي حَرَّم اللهُ فيهنَّ القتال، لتكون هُدنة للعرب، يَتمكنون معها من السفر للتجارة والحج ولا يخافون أحداً (وهذه الأشهر هي: ذوالقعدة وذو الحِجَّة والمُحَرَّم ورجب)، ﴿ ذَلِكَ - أي عدد الشهور، وتقسيمها إلى حُرُمٍ وغير ذلك - هو ﴿ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾: أي ذلك هو الشرع المستقيم الذي لا اعوجاجَ فيه، ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ أي فلا تعصوا اللهَ في هذه الأشهر (بسبب حُرْمَتِها عند اللهِ تعالى، ولِكَوْن المعصية في هذه الأشهر أشد منها في غيرها)، ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾: أي وقاتِلوا المشركين جميعًا لا يَتخلف منكم أحد (فكما هم يقاتلونكم مجتمعين: فاجتمِعوا أنتم على قتالهم)، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ الذين اتَقَوا الشِرك والمعاصي، فيَنصرهم سبحانهعلى المشركين العُصاة.







الآية 37: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ وهو ما كانت تفعله العرب في الجاهلية - إذا أرادوا القتال في أحد الأشهر الحُرُم -، فإنهم كانوا يَختارون شهراً آخر من السَنة، فيُحَرِّمون القتالَ فيه، ثم يُقاتلون في الشهر الذي حَرَّمَه الله، إنّ ذلك ﴿ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ﴿ يُضَلُّ بِهِ ﴾: أي يُضِلّ الشيطانُ بِهِ ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴿ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا ﴾: أي يَستحلون الشهر المُحَرَّم عامًا (فيجعلونه حلالًا ليتمكنوا من القتال فيه)،ثم يعودون فيُحَرِّمونه في العام الذي يَليه (فلا يُقاتلون فيه).







واعلم أنهم كانوا إذا أحَلُّوا شهرًا من الأشهر الحُرُم، حَرَّموا شهرًا مكانه من الحلال، لأجل أن يكون عددالأشهر الحُرُم أربعة كما حَرَّمَ الله، وذلك ﴿ لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴾: أي حتى يُوافقوا الأشهر الحُرُم في العدد لا في الحُكم ﴿ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴾: أي فبذلك قد استحَلُّوا القتال في شهرٍ حَرَّمَهُ الله، ﴿ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ﴾: أي زَيَّن لهم الشيطان أعمالهم السيئة، فجعلهم يَظنون أنهم بذلك ما عَصَوا اللهَ تعالى ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ إلى الحق والصواب.







وفي هذا تحذيرٌ لِمَن يأخذ الحرام والحلال بحسب هَوَاه، فيحرم أشياء ويستحل أخرى، كمن يحافظ على الصلوات الأربع (الظهر والعصر والمغرب والعشاء) في أوقاتها، ثم يتعمد أن يصلي الفجر بعد الشروق، فهذا يصلي الفجر قضاءً، لأن وقت الفجر ينتهي بشروق الشمس وليس بأذان الظهر كما يظن البعض.







وكذلك مَن تضعُ (حِجاباً) على رأسها، وفي نفس الوقت ترتدي ملابس غير واسعة، أو تتعطر وتضع زينةً على وجهها.







الآية 38: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي اخرجوا في سبيل الله لقتال أعدائكم: ﴿ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ﴾: أي تكاسلتم ولَزمتم مساكنكم، وتباطأتم كأنكم تحملون أثقالاً؟ (﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ ﴾): يعني هلتفضلون حظوظكم الدنيوية على السعادة الأبدية في الجنة (التي فيها كل نعيم)؟! فما حالكم إلا حال مَن رَضِيَ بالدنيا ولم يعمل للآخرة، ﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾: أي فما تستمتعون به في الدنيا قليلٌزائل، أما نعيم الآخرة - الذي أعَدَّهُ اللهُ للمجاهدين - فكثيرٌ دائم.







الآية 39: ﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا ﴾: يعني إن لم تخرجوا لقتال عدوكم: ﴿ يُعَذِّبْكُمْ سبحانه ﴿ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿ وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ﴾: أي ويأتِ بقومٍآخرين يطيعون اللهَ ورسوله ويجاهدون في سبيله ﴿ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ﴾: يعني ولن تضروا اللهَ شيئًابإعراضكم عن الجهاد، فهو سبحانه الغني عنكم وأنتم الفقراء إليه، وما يريده سبحانهسيكونُ لا مَحالة ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِن نَصْر دينه ونَبِيِّهِ مِن غيركم.







الآية 40: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ ﴾: يعني إن لم تنصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتَخرجوا معه في هذا الظرف الصعب: ﴿ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾: أي فقد أيَّدَهُ اللهُ بنَصْره في ظرفٍ أصعب منه، وذلك ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ ﴾: أي حين أخرجه ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بلده (مكة)، وكانَ ﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ (أي هو وأبو بكر الصِدِّيق رضي الله عنه)،فألجأهما الكفار إلى غار ثَوْر "بمكة"، (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) ماكثين فيه ثلاث ليالٍ، ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ (أبي بكر) - لَمَّا كان خائفاً على رسول الله من اعتداء المشركين -: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا بعَوْنِهِ ونَصْرِه ﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - مِن عَليائه - ﴿ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾: أي أنزل الطمأنينة والثبات على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ﴾: أي وأعانه بجنودٍ لميَرَها أحد من البشر، وهم الملائكة الذين جعلهم اللّهُ حَرَساً له، فبذلك نَجَّاهُ سبحانه من أعداءه ونَصَرَه عليهم، (ويُحتمل أن يكون معنى قوله تعالى: (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا) أي نَصَرَهُ اللهُ على المشركين بالملائكة يوم بدر ويوم الخَندق ويوم حُنَيْن، والله أعلم).







﴿ وَجَعَلَ سبحانه ﴿ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا - وهي الدعوة إلى الشِرك - جَعلها ﴿ السُّفْلَى أي المغلوبة التي لا يُسمَعُ لها صوت، ﴿ وَكَلِمَةُ اللَّهِ - وهي دعوة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" - ﴿ هِيَ الْعُلْيَا أي الغالبة الظاهرة (وذلك بإعلاء اللهِ تعالى لشأن الإسلام)، ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ لا يَغلبه أحد، ﴿ حَكِيمٌ في تدبير شؤون عباده.







الآية 41، والآية 42، والآية 43: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ﴾: أي اخرجوا للجهاد في سبيل الله شبابًا وشيوخًا، في العُسر واليُسر،على أي حالٍ كنتم، ﴿ وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي وأنفِقوا مِن أموالكم في سبيل الله، وقاتِلوا بأيديكم لإعلاء كلمةالله، ﴿ ذَلِكُمْ أي ذلك الجهاد بالنفس والمال هو ﴿ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.







واعلم أن هذه الآيات قد نزلتْ في غزوة "تَبُوك"، حين بَلَغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن هِرَقل (مَلِك الروم) قد جمع جُموعه لحرب الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعلن النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد، وكان الجو حينها شديد الحرارة، وكان في البلاد مَجاعةٌ وجفاف، فاستحثَّ اللهُ تبارك وتعالى المؤمنين بهذه الآيات، لِيَخرجوا مع نبيهم لقتال أعدائه.







ثم وبَّخ اللهُ تعالى جماعةً من المنافقين، استأذنوا رسول الله صلى الله عليهوسلم في التخلف عن غزوة "تَبُوك"، فقال لِنَبِيِّهِ صلى الله عليهوسلم: ﴿ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ ﴾: أي لو كان خروجهم إلى غنيمة قريبةسهلة الحصول: لَخَرجوا معك، ﴿ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ﴾: يعني ولكنْ لَمَّا دُعُوا إلى قتال الروم - في أطراف بلاد الشام - فيوقت الحر: تخاذلوا وتخلفوا، (واعلم أن الشُقَّة هي الطريق الطويل الذي لا يُقطَع إلا بمَشقةٍ وعَناء)، ﴿ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ﴾: يعني وسيعتذرون لِتَخلفهم عن الخروج، حالفينَ لك بأنهم لميستطيعوا ذلك، ﴿ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ حيثُ يَجلِبون لها غضبَ اللهِ وعقابه بسبب نفاقهم وحَلفهم باللهِ كذباً أثناء الاعتذار، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ في كل مايُظهرونه لك من أعذار.







ثم عاتَبَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عندما أَذِنَ لهؤلاء المنافقين بالتخلف عن الجهاد، فقال له: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ فلم يُؤاخذك بما وقع منك مِن إذْنِكَللمنافقين في القعود عن الجهاد، ﴿ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾: يعني لأيِّ سببٍ أَذِنْتَ لهؤلاء بالتخلف عن الغزوة؟، هل أذِنْتَ لهم﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾: أي حتى يَظهر لك الذين صدقوا في اعتذارهم وتعلم الكاذبين منهم في ذلك؟ لقد كان الأوْلَى والأكمل: عدم الإذن لأحد، لأنّ هؤلاء قومٌ منافقون، وكانوا عازمين على عدم الخروج (ولو لم تأذَن لهم بالتخلف)، فإذا قعدوا بعد عدم الإذن: ظَهَرَ للناس حقيقتهم.







واعلم أنَّ الله تعالى قد أخبر نَبِيَّهُ بأنه قد عفا عنه قبل أن يُعاتبه: رحمةً به وإكراماً له، إذ لو قال له أوّلاً (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)، لَطارَ قلبُهُ صلى الله عليه وسلم من الخوف والحُزن.







وهذا من آداب النصيحة: (أن تبدأ باللُّطف مع المنصوح حتى يَستجيبَ لك)، فعلى سبيل المثال: (كانَ يُصَلِّي بجواري رجلٌ قد نَسِيَ أن يُغلِق هاتفه (المحمول) قبل الصلاة، فاتَّصَل عليه أحد الناس، وارتفع صوت الهاتف في المسجد، فأَغلق الرجل على المُتَّصِل، ثم أعاد الآخر الاتصال عليه، وظلاَّ هكذا إلى انتهاء صلاة الجماعة، فقام كثير من الناس يَنهَرون الرجل وهو يعتذر لهم، فانتظرتُ قليلاً حتى هدأ الناس، ثم قلتُ له: (أنا متأكد أنك قد نَسِيتَ أن تُغلِقه قبل الصلاة وأنك لم تتعمد ذلك)، فقال لي: (نعم واللهِ لقد نَسِيت)، فقلتُ له: (ولكنْ كان من الأفضل أن تُغلِقَ الهاتف غَلقاً نهائياً عند أول اتصال جاءَ لك)، فقال لي: (أليس هذا الفِعل يُبطِل الصلاة، لأنني سأقوم بحركاتٍ كثيرة؟)، فقلتُ له: (أليس ما فعلتَهُ أنت - مِن حركات - لِتُغلق عليه في كل مرة أكثر مِمَّا لو أغلقتَهُ غَلقاً نهائياً من أول مرة؟)، فاستجاب الرجل وتَعَلَّم بسبب اللُّطف معه في بداية النصيحة.







الآية 44: ﴿ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ ﴾: يعني ليس مِن شأن المؤمنين ﴿ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أن يستأذنوك - أيها النبي - في ﴿ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ طالما أنك لم تأمرهم بذلك، فهم لا يستأذنونك في الخروج ولا في القعود، وإنما هم مع ما يريده الله ورسوله.







فإذا كانوا لا يستأذنونك في الجهاد إلا إذا أمَرْتَهم بذلك، فمِن باب أوْلَى أنهم لا يستأذنونك في القعود عنه، وذلك بسبب رغبتهم في الجهاد وفي كل ما يُرضِي اللهَ ورسوله، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ الذين يخافونه سبحانه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه.







الآية 45: (﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ﴾) في التخلف عن الجهاد: ﴿ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴿ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾: أي وشَكَّتْ قلوبهم فيما جئتَ به - أيها النبي - من الإسلاموشرائعه، رغم عِلْمِهم بصِدقك، ورغم وضوح الحُجَج والبراهين على صحة رسالتك، ومع ذلك ﴿ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾: أي فَهُم في شَكِّهم يَتحيَّرون.









[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #78  
قديم 05-09-2021, 05:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود



تفسير الربع الرابع من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط



الآية 46: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ ﴾: يعني ولو أراد هؤلاء المنافقون أن يَخرجوا معك - أيها النبي - إلى الجهاد بصِدقٍ: ﴿ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ﴾: أي لاَستعَدُّوا له بالزادوالراحلة وبكل ما يَلزم له، ﴿ وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ﴾: أي ولكنّ اللهَ تعالى كَرِهَ خروجهم معكم (لِمَا فيه من الضرر والخطر عليكم) ﴿ فَثَبَّطَهُمْ ﴾: أي فألقى في نفوسهم الرغبة في التخلف - عقوبةً لهم على عدم صِدقهم في الجهاد - فثَقُلَ عليهم الخروج، ﴿ وَقِيلَ لهم: ﴿ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ مِن المَرضى والنساءوالصِبيان.


الآية 47: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ﴾: يعني لو خرج المنافقون معكم (مُندَسِّينَ بينكم): ﴿ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا ﴾: أي لَنشروا الفساد والاضطراب في صفوفكم ﴿ وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ ﴾: يعني وسَيَسْعَوْنَ في أن يُوقِعوا بينكم العداوة والبغضاء، وذلك لأنهم ﴿ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ﴾: أي يريدون فِتنتكم(وذلك بتفريق جَمْعكم وبترغيبكم في التخلف عن الجهاد)، ﴿ وَفِيكُمْ - أيها المؤمنون - ﴿ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾: أي عيون لهم (يَسمعونأخباركم ويَنقلونها إليهم)، وفيكم أيضاً مَن يُكثِرُ السماعَ لهم ويتأثر بأقوالهم الفاسدة، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ المنافقين، وسَيُجازيهمعلى أفعالهم.

الآية 48: (﴿ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ ﴾): أي لقد أراد المنافقون فتنة المؤمنين عن دينهم والإيقاع بينهم، وذلك ﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾: أي مِن قبل غزوة"تَبُوك" - عندما جاء النبي إلى المدينة مُهاجراً - فكشف اللهُ أمْرهم، ﴿ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ﴾: أي ودبَّروا لك - أيها النبي - المَكائد، وكانوا يتعاونون مع اليهود والمشركين عليك (بقصد القضاء على دَعْوَتِك)، وظلوا على ذلك ﴿ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ ﴾: أي حتى جاء النصر من عندالله، فَفُتِحَتْ مكة ودخل الناس في دين الله أفواجاً ﴿ وَهُمْ كَارِهُونَ لذلك كله، إذاً فلا تحزنوا على عدم خروجهم معكم، فإنّ الله - رحمةً بكم ونصراً لكم - صَرَفهم عن الخروج معكم.


وفي هذا دليلٌ على أن تدبير اللهِ تعالى لأوليائه هو خيرُ تدبير، فلِذا وَجَبَ الرضا بقضاء اللهِ تعالى والتسليم به، حتى وإن لم يُوافق ما تريده النفس، لأنّ النفس لا تعلمُ أين الخير والأصلح لها.

الآية 49: ﴿ وَمِنْهُمْ أي ومِن هؤلاء المنافقين ﴿ مَنْ يَقُولُ لك: ﴿ ائْذَنْ لِي في القعود عن الجهاد (﴿ وَلَا تَفْتِنِّي ﴾): أي ولا تجعلني أُفتَن بنساء جنود الروم (إذا خرجتُ معك)، (﴿ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ﴾): أي لقد سقط هؤلاءالمنافقون في فتنة النفاق الكُبرى، (﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾) إذ يُغَطِّيهم العذاب من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم (نسألُ اللهَ العافية).


الآية 50، والآية 51: ﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ﴾: يعني إن يُصِبْك - أيها النبي - سرورٌ أو غنيمة: يَحزن المنافقون، ﴿ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ ﴾: يعني وإن يُصِبْك مَكروه أو هزيمة: ﴿ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ أي نحن أصحابُ رَأْيِ وتدبير، فقد احتطنا لأنفسنا بتخَلُّفِنا عنمحمد، حتى لا يُصيبنا ذلك المكروه الذي أصابه، ﴿ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ﴾: أي وينصرفوا وهم مسرورون بتخلفهم وبما أصابك من السوء، ﴿ قُلْ لهم: ﴿ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا (وما يَكتبه لنا ربنا لن يكونَ إلا خيراً)، إذ ﴿ هُوَ مَوْلَانَا أي ناصِرُنا ومُتوَلِّي أمْرَنا ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.

الآية 52: ﴿ قُلْ - أيها النبي - لهؤلاء المنافقين: ﴿ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ﴾: يعني هل تنتظرون بنا إلا النصر على أهل الشِرك والنفاق أو الاستشهاد في سبيل الله، ثم النعيم المقيم في جوار رب العالمين، ﴿ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ ﴾: أي ونحن ننتظر بكمأن يُصيبكم اللهُ بعقوبةٍ عاجلةٍ مِن عنده تُهْلِكُكم، ﴿ أَوْ يُعَذبكم ﴿ بِأَيْدِينَا فنقتلكم، ﴿ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ﴾: أي فانتظرواإنا معكم منتظرون، ولن نُشاهد إلا ما يَسُرُّنا ويُحزِنكم.

الآية 53، والآية 54، والآية 55: (﴿ قُلْ ﴾) لهم - أيها النبي -: (﴿ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ﴾): يعني أنفِقوا أموالكم في هذا الخروج إلى "تَبُوك" أو في غيره، وسواءٌ أكانَ ذلك الإنفاق باختياركم أو كنتم مُكرَهين عليه: فإنه ﴿ لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾: أي لن يَقبلَ اللهُ منكم نَفقاتكم; لأنكم قومٌ خارجون عن دين اللهوطاعته، ﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا ﴾: يعني وسبب عدم قَبول نفقاتهم أنهم أخْفوا الكُفرَ ﴿ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ﴿ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى أي مُتثاقِلون، لأنهم يُراءونَ الناس ولا يَطلبون الأجر من الله، ﴿ وَلَا يُنْفِقُونَ الأموال ﴿ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ لأنهم لا يَرجون ثواباً على هذه الفرائض، ولا يَخشون عقابًا على تَرْكِها بسبب كُفرهم، (﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أيها الرسول ﴿ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مهما بَلغتْ في الكثرة والحُسن (﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وذلك بالمَشَقة الشديدة في تحصيلها، وبالمصائب التي تقع فيها(مع عدم صَبْرِهِم على تلك المصائب، فهم لا يَحتسبونَ الأجرَ عند الله).


فأمَّا تعذيبهم في أموالهم فلأنّ ما يُنفقونه من المال - في الزكاة والجهاد - يَعتبرونه ضِدَّهُم وليس في صالحهم، لأنهم لا يريدون نَصْرَ الإسلام ولا ظهوره، فلذلك يَشعرون بألمٍ لا مَثيلَ له وهم يُنفقون، وأما تعذيبهم في أولادهم فلأنهم يُشاهدونهم يَدخلون في الإسلام ولا يستطيعون أن يَرُدُّوهم عن ذلك.

﴿ وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾: أي ويريد سبحانهأن تخرج أرواحهم فيموتوا على كُفرهم، لِيَنتقلوا من عذاب الدنيا إلى عذابٍ أشد (وذلك لأنّ أموالهم وأولادهم قد ألْهَتْهُم عن اللهِ تعالى، فتعلقتْ بها قلوبهم وأصبحتْ هي كل هَمُّهُم، ولم يَبقَ للآخرةِ نصيبٌ في قلوبهم).


الآية 56، والآية 57: ﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ﴾: يعني ويَحلف هؤلاء المنافقون باللهِ لكم أيها المؤمنون - كَذِبًا وباطلا -: ﴿ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ أي على دينكم ﴿ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ ﴿ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ أي يَخافون خوفاً شديداً منكم، فيَحلفون لكم لِيَأمَنوا بأْسَكم.


ومِن شدة خوفهم منكم أنهم ﴿ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أي مَأمَنًاً وحِصْنًاً يَحفظهم (﴿ أَوْ مَغَارَاتٍ ﴾) يعني أو كُهُوفًاً في جبلٍ تُؤويهم ﴿ أَوْ مُدَّخَلًا يعني أونَفقًا في الأرض يُنَجيهم منكم: ﴿ لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ﴾: أي لاَنصرفوا إليه وهم يُسرعون، وذلك مِن شدة جُبنهم.

الآية 58، والآية 59: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾: يعني ومن المنافقين مَن يَعِيبُ عليك - أيها الرسول - في تقسيم الصَدقات، فيَتَّهِمُكَ بأنك لا تَعدِل في القِسمة، وغَرَضُهم الوحيد من هذا الانتقاد هو أن تُعطيهم من الصدقات ﴿ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا عن قِسمة الرسول وسَكَتوا،﴿ وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ أي صاروا غيرَ راضين.


﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ من الصدقات،﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُأي سيَكفينا اللهُ ما أهَمَّنا من أمْر الرزق، و﴿ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴿ وَرَسُولُهُ - أي وسيُعطينا الرسول مِمَّا آتاهُ الله -، ﴿ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَأي طامعونَ راجونَ في أن يُوَسِّعَ علينا، فيُغنِينا عن صدقات الناس، لو أنهم فعلوا ذلكلكان خيرًا لهم وأنفع.

واعلم أنّ إظهار عيوب المنافقين وكَشْف عوراتهم هو مِن مظاهر الرحمة الإلهية، وذلك لِيَتوبَ مَن أكْرَمَهُ اللهُ منهم بالتوبة، حتى يَسعدوا في الدنيا والآخرة.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #79  
قديم 05-09-2021, 05:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الخامس من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط


الآية 60: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ﴾:يعني إنما تُعطَى الزَكَوَات الواجبة ﴿ لِلْفُقَرَاءِ وهم المُحتاجون الذين لا يَملكون شيئًا، ﴿ وَالْمَسَاكِينِ وهم الذين لا يَملكون كفايتهم وكفاية مَن يَعُولونهم، ﴿ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وهم الذين يُرسلهم الحاكم لِجَمْع الزكاة، وكذلك الذين يقومون على حراسة أموال الزكاة، وكذلك الذين يقومون بتقسيمها وتوزيعها على مُستحِقيها، ﴿ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وهم الذين تُؤَلِّفون قلوبهم بالزكاة، مِمَّن يُرْجَى إسلامه أو قوة إيمانه أو نفْعُهُ للمسلمين، أو دفْعُ شَرِّهِ عن المسلمين، ﴿ وَفِي الرِّقَابِ ﴾:أي وتُعطَى الزكاة لِعِتق رقاب العبيد والإماء من الأَسْر.


﴿ وَالْغَارِمِينَ ﴾:أي وتُعطَى الزكاة لمن اقترض في غير معصيةٍ أو تبذير، ثم أثقلَتْه الديون فلم يَستطع سَدادها، (وكذلك تُعطَى الزكاة لمن يُلزِم نفسه بمالٍ معين من أجل الإصلاح بين القبائل والعائلات المتشاجرة، كأنْ يَدفع - مثلاً - مَبلغاً من المال لإرضاء إحداهما مقابل الإصلاح بينهما، أو يَدفع نقوداً مِن أجل إعداد طعام لِجَمْع القبيلتين عليه حتى يَصطلحا، فهؤلاء يُعْطَوْنَ مِن الزكاة - مِن أجل هذا الإصلاح - ولو كانوا أغنياء).


﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾:أي وتُعطَى الزكاة للمجاهدين في سبيل الله، واعلم أنّ بعض العلماء قد ذهبوا إلى أنَّ الحج يَدخل في هذا الباب أيضاً، لأنّ الحج يُعتَبَر نوعٌ من أنواع الجهاد في سبيل الله، كما ثبتَ في الحديث: (أفضلَ الجهاد حَجٌّ مبرور) (البخاري: 1520)، قالَ ابن تَيْمِيَة رحمه الله: (وَمَن لم يَحُجّ حَجَّة الإسلام وهو فقير، أعْطِيَ ما يَحُجّ به)، ﴿ وَاِبْنِ السَّبِيلِ ﴾:أي وتُعطَى للمسافر الذي فَقَدَ ماله - أو نَفَذ ماله - واحتاجَ للنفقة.


وقد كانت هذه القِسمة ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ فرَضَها عليكم، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بمصالح عباده، ﴿ حَكِيمٌ في تدبيره وشرعه.


الآية 61، والآية 62: ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ﴾:يعني ومن المنافقين قومٌ يُؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بالكلام ﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ﴾:أي ويقولون عنه: (إنه يستمع لكل ما يُقالُ له فيُصَدِّقه)، ﴿ قُلْ لهم - أيها النبي -: ﴿ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ﴾:يعني إنَّ محمدًا يَسمعُ مِن كل مَن يقول له، فلا يَتكبر على أحد، ولكن لا يُقِرّ إلا الحق ولا يَقبل إلا الخير والمعروف، وهو ﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ﴿ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾:أي ويُصَدِّقُ المؤمنين فيما يُخبرونه، ويُحسِنُ الظنّ بمَن يُحَدِّثه (ما لم يَصدُر مِن أحدهم خِلافَ ذلك)، فإذا عَلِمَ أنّ مَن يُحَدِّثُه كاذب، فإنه يَسمع منه ولا يُصَدِّقه، ﴿ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ ﴾:أي وهو رحمةٌ لمن اتَّبَعه واهتدى بهُداه، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ - بأي نوع من أنواع الإيذاء - ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.


واعلموا أن هؤلاء المنافقين ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ كَذِباً بأنهم ما طَعَنوا في الرسول ولا قالوا فيه شيئاً، وذلك ﴿ لِيُرْضُوكُمْ أيها المؤمنون، حتى لا تَبْطِشوا بهم انتقاماً لِكَرامة نَبِيِّكم، ﴿ وَاللَّهُ أحق أن يُرضوه بالتوبة إليه والاستغفار، ﴿ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ بطاعته واتِّباعه ﴿ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ حقًاً كما يَزعمون.


الآية 63: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا ﴾:يعني ألم يَعلم هؤلاء المنافقون ﴿ أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ أي مَن يُحارب ﴿ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وذلك بأن يَسُبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أو يَذمّ فيه: ﴿ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ﴿ ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ﴾:أي ذلك المصير هو الذل العظيم.


الآية 64: ﴿ يَحْذَرُ أي يَخاف ﴿ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ أي تُنَزَّلَ في شأنهم ﴿ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا يُخفونه ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ من الكُفر، ﴿ قُلِ لهم - أيها النبي -: ﴿ اسْتَهْزِئُوا ﴾:أي استمِروا على ما أنتم عليه من السخرية والطعن في الإسلام وأهله، فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ أي مُخْرِجُهُ من نفوسكم ومُظهِرُهُ للناس أجمعين (وبالفِعل، فقد أخرج سبحانه ما في قلوبهم وفضحهم في هذه السورة، التي سُمِّيَتْ بـ "الفاضحة").


الآية 65، والآية 66: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ - أيها النبي - عما قالوا في حقك وحق أصحابك: ﴿ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾:يعني إنما كنا نتحدث بكلامٍ لا قصدَ لنا به، ونلعب تقصيراً للوقت ودفعاً للملل.


واعلم أنّ سبب نزول هذه الآية أن بعض المنافقين - في غزوة "تَبُوك" - قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَظن هذا أنه يَفتح قصور الشام وحصونها)، واتهموا أصحابه بالجُبن ومِلْء البطون، فأطْلَعَ اللهُ نَبِيَّهُ عليهم، فدعاهم، فجاءوا واعتذروا له، فأنزل تعالى: ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾؟ ﴿ لَا تَعْتَذِرُوا ﴾: أي لا فائدة مِن اعتذاركم، فـ ﴿ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ بسبب هذه المَقولة التي استهزأتم بها، ﴿ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ طلبتْ العفو وأخلصتْ في توبتها: ﴿ نُعَذِّبْ طَائِفَةً أخرى ﴿ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾: أي بسبب إجرامهم بهذه المقالة الفاجرة وعدم توبتهم من النفاق.


الآية 67: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يعني إنهم صِنفٌ واحد في إظهارهم للإيمان وإخفائهم للكفر، ومتشابهون في قولهم وعملهم، فمِن صفاتهم أنهم ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ﴾: أي يأمرون الناس بالكُفر ومعصية الرسول، ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ﴾: أي ويَنهونهم عن الإيمان والطاعة، ﴿ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ﴾: أي ويُمسكون أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله.


وقوله تعالى: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾: أي تركوا اللهَ فلم يؤمنوا به ولم يؤمنوا برسوله، فتَرَكهم تعالى محرومين من هدايته ورحمته ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.


الآية 68، والآية 69: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ﴿ هِيَ حَسْبُهُمْ ﴾: أي يَكفيهِم عذابُ جهنم، عقابًا لهم على كُفرهم، ﴿ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ أي طردهم مِن رحمته، ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ لا يُفارقهم لحظة.


ثم وَضَّحَ لهم سبحانه بعض الصفات والأفعال التي استحقوا بها هذا العذاب فقال لهم: ﴿ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: يعني إنَّ أفعالكم - أيها المنافقون - هي نفس أفعال المُكَذِّبين من الأمم السابقة (كالاستهزاء والكُفر والاغترار بالمال والأولاد)، فقد ﴿ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فرَضُوا بحياتهم الدنيا عِوَضاً عن الآخرة ﴿ فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ ﴾: أي فتَمتَّعوا بنصيبهم من المَلَذَّات الرخيصة، ﴿ فَاسْتَمْتَعْتُمْ أيها المنافقون ﴿ بِخَلَاقِكُمْ أي بنصيبكم من الشهوات الفانية ﴿ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ ﴾، وتركتم العمل للآخرة، ﴿ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾: أي وخُضتم في الباطل والشر والفساد كَخَوْض تلك الأمم قبلكم، ﴿ أُولَئِكَ المتصفون بهذه الصفات هم الذين ﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ أي ذهبتْ حسناتهم ﴿ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لأنها لم تكن خالصة لِوَجه اللهِ تعالى، ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ بِبَيْعِهم نعيم الآخرة الأبدي مقابل حظوظهم العاجلة.


الآية 70: ﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ﴾: يعني ألم يأت هؤلاء المنافقين خبرُ ﴿ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كـ ﴿ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ - وهم الذين أرسل اللهُ إليهم شعيباً - ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ - وهي قرى قوم لوط ﴿ وهي ثلاث مدن، ومعنى المُؤتَفِكات أي المُنقلِبات، حيثُ صارَ عالِيها سافلها) - فهؤلاء الأمم قد ﴿ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ أي بالآيات الدالَّة على صِدقهم في رسالاتهم فكذَّبوهم، فأنزل اللهُ بهم عذابه; انتقامًا منهم لِسُوء أعمالهم ﴿ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾، (وقد كَذَّبتم أيها المنافقون رَسولنا عندما جاءكم بالبينات - كما كَذَّبَ الذين من قبلكم رُسُلَهم -، فتوبوا حتى لا يُصيبكم ما أصابهم).


الآية 71: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أي بعضهم أنصارُ بعض، ومِن صفاتهم أنهم ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾: أي يأمرون الناس بالإيمان والعمل الصالح، ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾: أي ويَنهونهم عن الكُفر والمعاصي، ﴿ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾: أي يُؤَدُّونها - بشروطها وأركانها - في خشوعٍ واطمئنان ﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ فيُنقِذهم من عذابه ويُدخلهم جنته، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أي غالبٌ على أمْره في تحقيق وَعْده ووعيده ﴿ حَكِيمٌ يَضع كل شيء في مَوضعه اللائق به، فيُعذب المنافقين ويُنَعِّم المؤمنين.


الآية 72: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي تجري الأنهار من خلال قصورها وأشجارها ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ﴾: أي وَوَعَدَهم سبحانه مساكنَ حَسَنَة البناء، طَيِّبة الرائحة (كالقصور والخِيام المصنوعة من اللؤلؤ)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: "إنّ للمؤمن في الجنة لَخَيْمةً مِن لؤلؤة واحدة مُجَوَّفة، طُولها سِتُّونَ مِيلاً، للمؤمن فيها أهْلُون، يطوفُ عليهم المؤمن فلا يَرى بعضهم بعضاً"، ﴿ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾: أي في جنات الخلود، ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ يُحِلُّهُ عليهم: ﴿ أَكْبَرُ - أي أعظم مِمَّا هم فيه من النعيم - ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.


الآية 73: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ المُحارِبين بالقتال، ﴿ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾: أي وجاهِد المنافقين باللسان والحُجَّة، ﴿ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾: أي واشدُد على كِلا الفريقين في القول والفعل، ﴿ وَمَأْوَاهُمْ - أي ومَقرُّهم - ﴿ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.


الآية 74: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ﴾: أي يَحلف المنافقون باللهِ إنهم ما قالوا شيئًا يُسِيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنهم لَكاذبون في ذلك، ﴿ وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ﴾: أي ولقد قالوا كلمةً يَكفُرُ بها مَن قالها، وهي قول أحدهم: (إنْ كانَ ما جاء به محمدٌ حقاً: لَنحن شرّ مِن الحَمير)، ﴿ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ ﴾: أي وارتَدُّوا بهذه الكلمة عن الإسلام، ﴿ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ﴾: أي وحاولوا قتْل الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يُمَكِّنَهم اللهُ من ذلك.


﴿ وَمَا نَقَمُوا ﴾: يعني: وما وجد المنافقون شيئًا يَعيبونه ويَنتقدونه في الإسلام ﴿ إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾: يعني إلا أن كانوا فقراء، فأغناهم اللهُ بما فتح على نَبِيِّهِ من الخير والغنائم! (وهذا على سبيل السُخرية منهم)، وإلاَّ، فهل الغِنَى بعد الفقر مما يَكرهه المَرء؟!، والجواب لا، ولكنّ الكُفر والنفاق يُفسدان العقل والفِطرة.


ورغم كل ما قاموا بهِ من كُفرٍ وفساد، فإنّ الربَّ الرحيم قد فتح لهم باب التوبة، فقال: ﴿ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ﴿ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا ﴾: يعني وإن يُعرضوا عن التوبة ويستمروا على حالهم: ﴿ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴿ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾: أي وليس لهم - في الأرض جميعاً - مِن مُنقذ يُنقذهم، ولا ناصر يَدفع عنهم عذابَ الله.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #80  
قديم 19-09-2021, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود



تفسير الربع السادس من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط


الآية 75، والآية 76، والآية 77: ﴿ وَمِنْهُمْ ﴾: أي ومِن فقراء المنافقين ﴿ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ فقال: ﴿ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ﴾: أي لئن أعطانا اللهُ مالاً كثيراً لَنَتصدَّقنَّ منه ﴿ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾: أي ولَنعمَلنَّ مِثل ما يَعمل الصالحون في أموالهم، ولَنَسيرَنَّ في طريق الصلاح، ﴿ فَلَمَّا آَتَاهُمْ ﴾: أي فلَمَّا أعطاهم اللهُ ﴿ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ أي لم يُؤدوا زكاة هذا المال، وبَخِلوا بإنفاقه في الخير، ﴿ وَتَوَلَّوْا ﴾: أي وأعرضوا عن الإسلام، ﴿ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾: يعني وَهُم دائمًا مُعرضون عن الحق، غير مُلتفتين إلى ما يَنفعهم.

فلَمَّا لم يَفوا بما عاهَدوا اللّهَ عليه، عاقبهم سبحانه ﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ ﴾: أي فجعل عاقبة فِعلهم أَنْ زادهم نفاقًا على نفاقهم، وجعل النفاق مُلازِماً لقلوبهم لا يُفارقها ﴿ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ سبحانه، وذلك ﴿ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾: أي بسبب إخلافهم الوعد الذي قطعوه على أنفسهم، وبسبب نفاقهم وكَذِبهم.


فليَحذر المؤمن من هذه الصفة القبيحة، وهي أن يُعاهد ربه بأنه إن حصل شيئاً يَتمناه: لَيَفعلنَّ كذا وكذا، ثم لا يَفي بذلك (وعلى مَن وقع في ذلك أن يُسارِع إلى التوبة، حتى لا يُعاقِبَهُ اللهُ بالنفاق كما عاقب هؤلاء).


الآية 78، والآية 79، والآية 80: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا ﴾: يعني ألم يَعلم هؤلاء المنافقون ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ أي يَعلم ما يُخفونه في أنفسهم وما يَتحدثون به في مجالسهم من الكيد للمسلمين ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ؟ وأنه سبحانه سوف يُجازيهم على أعمالهم الخبيثة؟


ورغم بُخل المنافقين: فإنّ المُتصدقين لا يَسلَمون مِن أذاهم، ولذلك أخبر سبحانه بأن هؤلاء المنافقين هم ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾: أي يَعيبون على الأغنياء إذا تصدقوا بالمال الكثير ويَتهمونهم بالرياء، ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ﴾: يعني وكذلك إذا تصدق الفقراء بما يَقدرون عليه: سَخِروا منهم، وقالوا: (ماذا تنفع صدقتهم هذه؟)، ﴿ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ أي من هؤلاء المنافقين ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

واعلم أن كلمة (الْمُطَّوِّعِينَ) أصلها: (المُتطوعين)، ولكنْ أُدْغِمَتْ التاء في الطاء لِقُرْب مَخرَجَيْهِما، (والمُتطوعون: هم الذين يفعلون الشيء تبرُّعاً منهم مِن غير أن يَجب عليهم).


ولَمَّا نزلت هذه الآيات الفاضحة للمنافقين، جاء بعضهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يَطلبون منه أن يَستغفر لهم، فاستغفر لهم الرسول رحمةً بهم، فأعْلَمَهُ ربّه أنّ استغفاره لهؤلاء المنافقين لا يَنفعهم، وذلك لإصرارهم على الكُفر والنفاق، فقال تعالى: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴿ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ﴾: يعني مَهما كَثُرَ استغفارك لهم وتَكَرَّر: ﴿ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وهذا السبب كافي في عدم المغفرة لهم، لأنهم كفروا ولم يتوبوا مِن كُفرهم، والكافر مُخَلَّد في النار عِياذاً بالله تعالى، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.

الآية 81، والآية 82: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ الذين تخلفوا عن الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وَسُرّوا ﴿ بِمَقْعَدِهِمْ أي بقعودهم في "المدينة" ﴿ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾: أي فرحوا بمخالفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا معه ﴿ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وذلك في غزوة "تَبُوك" (التي كانت في شدة الحرِّ) ﴿ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ﴾: أي وقال بعضهم لبعض: (لا تخرجوا للجهاد في هذا الحرِّ الشديد)، ﴿ قُلْ لهم - أيها الرسول -: ﴿ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ أي لو كانوا يَفهمون (فإذا كانوا يخافون من الحر، فلماذا لا يَخرجون في سبيل الله حتى يَتَّقوا حر جهنم؟!).


﴿ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا في حياتهم الدنيا بما يَحصل لهم من المَسَرّات، ﴿ وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا في نار جهنم (لِمَا يُصيبهم من العذاب، وتَحَسُّراً على حِرمانهم من النعيم)، وذلك ﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ في الدنيا من الشر والفساد.


واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واللهِ لو تعلمون ما أعلم لضَحِكتم قليلاً ولَبَكَيْتم كثيراً، ولَخَرَجتم إلى الصُّعُدات - أي إلى الطُرُقات - تَجأرون إلى اللهِ تعالى) (أي تتضرعون إليه بالدعاء ليَدفع عنكم العذاب) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 5262 ).


الآية 83: ﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ - أيها الرسول - مِن غَزْوَتِك ﴿ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ﴾: أي إلى جماعةٍ من المنافقين المُصِرّين على نفاقهم ﴿ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك إلى غزوةٍ أخرى بعد غزوة "تَبُوك" ﴿ فَقُلْ لهم: ﴿ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا في غزوةٍ من الغزوات ﴿ وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ﴾ من الأعداء; ﴿ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴿ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ من النساء والأطفال (فهذا القول يُعَظِّم حَسْرتهم، ويَحمل لهم سَبَّاً وعَيباً جزاءَ تَخَلُّفِهم عن الجهاد).


الآية 84، والآية 85: ﴿ وَلَا تُصَلِّ - أيها الرسول - ﴿ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ أي من المنافقين ﴿ مَاتَ أَبَدًا ﴿ وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ لِتَتَوَلَّى دَفْنَهُ وتدعو له بالرحمة والمغفرة وبالتثبيت عند السؤال كما تفعل مع المؤمنين، والسبب في ذلك: ﴿ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ولا تظن أنّ اللهَ قد أعطاهم ذلك كرامةً لهم فيكون ذلك سبباً في أن تُصَلِّي عليهم ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وذلك بالهَمّ في تحصيلها، وبالمصائب التي تقع فيها (مع عدم صَبْرِهِم على تلك المصائب، فهم لا يَحتسبونَ الأجرَ عند الله).


﴿ وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾: أي ويريد سبحانه أن تخرج أرواحهم فيموتوا على كُفرهم، لِيَنتقلوا إلى عذابٍ أبدي لا يخرجون منه، عقوبةً لهم على إصرارهم وعِنادهم مِن بعد ما تَبَيَّنَ لهم الحق.


الآية 86، والآية 87: ﴿ وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ على محمد صلى الله عليه وسلم تأمر الناس بـ ﴿ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وأخلِصوا له العبادة ﴿ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ فإنك تَجِدُ المنافقين وقد ﴿ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ ﴾: أي استأذنك الأغنياء منهم في التخلف عن الجهاد ﴿ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ أي اتركنا مع القاعدين العاجزين عن الخروج، ﴿ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ﴾: أي لقد رَضِيَ هؤلاء الجُبَناء لأنفسهم بالعار، وهو أن يَقعدوا في البيوت مع النساء والصبيان وأصحاب الأعذار، ﴿ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾: أي وختم اللهُ على قلوبهم; بسبب نفاقهم وتخلفهم عن الجهادِ ﴿ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ما فيه رُشدهم وصَلاحهم.


الآية 88، والآية 89: ﴿ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾ ﴿ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ أي لهم النصر والغنيمة في الدنيا، ولهم الجنة في الآخرة، ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون برضا اللهِ تعالى، وقد ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ أي حدائق وبساتين عجيبة المَنظر ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.

الآية 90: ﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ ﴾: أي وجاء جماعة من سُكَّان البادية (وهم البَدْو الذين كانوا يعيشون حول "المدينة") فجاءوا يعتذرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويُبَيِّنونَ له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج للجهاد ﴿ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ في القعود (وقد يكونون معذورين حقاً، وقد لا يكونون كذلك).


﴿ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: أي وقعد قومٌ آخرون بغير عُذرٍ (وهؤلاء هم مُنافقوا الأعراب الذين ادّعَوا الإيمان بالله ورسوله، وما هم بمؤمنين، بل هم كافرون منافقون)، ولذلك قال تعالى فيهم: ﴿ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

واعلم أن لفظ: (المُعَذِّرون) معناه المُعتذرون، فأُدغِمَتْ التاء في الذال فصارت: (المُعَذِّرون)، وهذا اللفظ يَصِحّ أن يكون المُراد به: (المعتذرون لأسبابٍ صحيحة)، ويَصِحّ أن يكون المُراد به: (الذين لا عُذرَ لهم ولكنهم يعتذرون بأعذارٍ كاذبة)، وهذا من بلاغة القرآن الكريم، أنّ اللفظ الواحد منه يَحتمل أكثر مِن معنى.


الآية 91: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الفقراء ﴿ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ ﴾: أي الذين لا يَملكون المال الذي يَتجهزون به للخروج، فليس على هؤلاء ﴿ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: أي ليس عليهم إثم في التخلف إذا صَدَقوا في إيمانهم بالله ورسوله، وأخلَصوا النَيّة للهِ تعالى بأنهم لو قَدَروا لَجَاهَدوا (إذ النُصح: هو إخلاص العمل من الغِش)، وكذلك إذا نصحوا المسلمين القادرين (وذلك بترغيبهم في الجهاد وتشجيعهم عليه).


﴿ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ﴾: أي ليس على المحسنين - الذين مَنَعَهم العذر - مِن طريقٍ إلى مؤاخذتهم وعقابهم، لأنهم صَدَقوا في اعتذارهم، وسَعَوا فيما يُرضِي اللهَ ورسوله وفيما يَنفع المسلمين، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ومِن مَغفرتِهِ سبحانه ورحمته أنه عفا عن العاجزين، وأثابهم بنيّتهم ثواب القادرين الفاعلين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم في غزوة "تَبُوك": (لقد تَرَكتم بالمدينةِ أقواماً ما سِرتم مَسيراً، ولا أنفقتم مِن نفقةٍ، ولا قطعتم مِن وادٍ إلاّ وهُم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟! قال: حَبَسهم العُذر" (انظر صحيح سنن أبي داوود: ج 3 /12).


وفي هذا دليلٌ على ما كان عليه الصحابة مِن الإيمان واليقين والسمع والطاعة والمحبة والولاء ورقة القلوب وصفاء الأرواح، فاللهم إنا نحبهم بِحُبِّكَ لهم، فاجمعنا معهم في جنتك ودار كرامتك.


الآية 92: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ﴾: يعني وكذلك لا إثم على الذين إذا ما جاؤوك يَطلبونَ منك أن تُعِينهم بحَمْلِهم إلى الجهاد ﴿ قُلْتَ لهم: ﴿ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ من الدَوَابِّ، فحِينَها ﴿ تَوَلَّوْا أي انصرفوا إلى بيوتهم ﴿ وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أي تسيل دموعهم أسفًا على ما فاتهم من شرف الجهاد وثوابه; ﴿ أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ أي لأنهم لم يجدوا ما يُنفِقون، ولم يَجدوا ما يَحملهم للخروج في سبيل الله.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" ( بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري ) ( بتصرف )، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: ( مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية )، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه ( بَلاغةً )، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 334.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 328.46 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]