سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 17 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853415 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388565 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214010 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #161  
قديم 19-12-2021, 05:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأخير من سورة العنكبوت







الآية 46: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ - وهُم اليهود والنصارى - فلا تجادلوهم في الدين ﴿ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يعني إلا بأحسن طُرُق المُجادَلة (مِن الرِفق واللِين والقولالجميل، والدعوة إلى الحق بأيسر الطرق الموصلة لذلك، وتَجنُّب الغضب أثناء الجدال) ﴿ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ: يعني إلا الذين أعلَنوا الحرب عليكم، فهؤلاء قاتِلوهم حتى يؤمنوا أو يَدفعوا لكم الجِزْيَةَ التي تفرضونها عليهم، (واعلم أنّ الجِزْيَة هي قَدْر مالي مُحَدَّد يَدفعه أهل الكتاب لِوُلاة أمور المسلمين في كل سنة مقابل حمايتهم)، ﴿ وَقُولُوا لأهل الكتاب: ﴿ آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا (وهو القرآن) ﴿ وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ (وهي التَوراة والإنجيل)، ﴿ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ (وهو اللهُ الواحد الأحد الصمد، الذي لا شريكَ له ولا ولد) ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي خاضعونَ له بالطاعة والانقياد.



الآية 47، والآية 48: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ يعني: وكما أنزلنا الكتب على الرُسُل التي قبلك أيها الرسول، فكذلك أنزلنا إليك هذاالكتاب الموافق للكتب السابقة (فهو مُصدقٌ لما فيها مِن صِحَّة، ومُبيِّنٌ لِما فيها من تحريف)، ﴿ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن بني إسرائيل (كعبد الله بن سَلام وأصحابه) ﴿ يُؤْمِنُونَ بِهِ أي يؤمنون بالقرآن (لأنهم عرفوهحق معرفته)، ﴿ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يعني: ومِن هؤلاء العرب - من قريش وغيرهم - مَن يؤمن بالقرآن، (ويُحتمَل أن يكون المقصود: ومِن هؤلاء المشركين مَن سيُؤمن بالقرآن مُستقبَلاً، وبالفِعل، فقد آمَنَ كثيرٌ منهم)، ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ أي: لايُنكر القرآن وبراهينه الواضحة إلا الجاحدونَ المُعانِدون.



♦ ومِن مُعجزاتك أيها الرسول أنك: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ يعني إنك لم تقرأ كتابًا قبل نزول القرآن عليك، ولم تكن تكتب حروفًا بيمينك(لأنك لا تعرف القراءة ولا الكتابة)، ولو كنتَ قارئًا أو كاتبًا مِن قبل أن يُوحَى إليك ﴿ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ: أي لَشَكَّ هؤلاء المُعانِدونَ (الذين يريدون إبطال نُبُوّتك)، ولَقالوا: تَعَلَّمه مِن الكتب السابقة (ولكنهم يَعلمون أنك نشأتَ بينهم أُمِّيّاً، وكذلك أهل الكتاب يَجدون في كُتُبهم أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم لا يَكتب ولا يَقرأ)، فلذلك لم يَبقَ لهم ما يَحتجّون به، فللهِ الحمدُ والمِنّة.



الآية 49: ﴿ بَلْ هُوَ أي القرآن ﴿ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ - أي واضحات الدِلالة - ﴿ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: أي يَحفظه العلماء في صدورهم، ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (وهم الذين يَعلمون الحق ثم يميلون عنه، لأنه لا يوافق أهوائهم الفاسدة).



♦ ويُحتمَل أن يكون المقصود مِن قوله تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ يعني: بل الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته مذكورة في بعض آيات التوراة والإنجيل، محفوظة في صدور علماء أهل الكتاب، ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا ﴾ التي في التوراة والإنجيل والقرآن ﴿ إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ وهم المادِّيون من اليهود والنصارى، الذين يأكلون ويَترأّسون على حساب الحق والعياذ بالله.



الآية 50: ﴿ وَقَالُوا أي قال المُشركون: ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ: يعني: هَلاَّ جاءته مُعجزات مَحسوسة مِن عند ربه (كَعَصا موسى وناقة صالح)، ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ: يعني إنما هذه المُعجزات مِن عِند اللهتعالى،فهو القادر على المَجيء بها إذا شاء، أما أنا فلا أملك ذلك، ﴿ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ: أي أخوّفكم مِن عذاب اللهِ تعالى إن لم تؤمنوا، ﴿ مُبِينٌ يعني أوضِّح لكم طريق الحق من الباطل.



الآية 51: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ: يعني ألم يَكْفِ هؤلاء المشركين - ليَعلموا صِدقك أيها الرسول - ﴿ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ (ليتفكروا في حُجَجه وأدلته وقوة بيانه وبلاغته؟!) ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ أي في هذا القرآن ﴿ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي رحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة،وذِكرى يتذكرون بما فيه من عِبَر ومَواعظ.



الآية 52: ﴿ قُلْ لهم: ﴿ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا أي شاهداً على صِدق رسالتي، فشهادته تعالى لي بالنُبُوّة هي ماأعطاهُ لي من المُعجِزات الباهرات (كانشقاق القمر وغير ذلك)، وكذلك وَحْيُهُإليَّ بهذا القرآن الذي أُنذِرُكُم به، والذي لا يستطيعُ أن يقوله بَشَر، وأنتمتعلمون ذلك لأنكم أبْلغ البَشَر.



وهو سبحانه ﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (ومِن ذلك عِلْمه سبحانه بتكذيبكم بهذا الحق الواضح الذي أرسَلني به إليكم)، ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ - رغم هذه الأدلة الواضحة على استحقاق الله وحده للعبادة- ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ الذين استبدلوا النعيم المُقيم بالعذاب الأليم.



الآية 53: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ أي يَستعجلك كفار قريش بالعذاب الذي أنذرتَهم به (استهزاءً وتكذيباً)، ﴿ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ يعني: ولولا أنّاللهَ جعل لعذابهم وقتًا معلوماً لا يتقدم ولا يتأخر، لَجاءهم العذاب حينطلبوه ﴿ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً أي فجأة ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ - سواء في الدنيا أو فيالآخرة - فقد جاءهم عذاب بدر فجأة، كما قال تعالى:﴿ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ﴾،وكذلك سيأتيهم عذاب النار فجأة، كما قال تعالى: ﴿ بَلْ تَأْتِيهِمْ ﴾ أي النار ﴿ بَغْتَةً ﴾ أي فجأة ﴿ فَتَبْهَتُهُمْ ﴾ أي يَتحيَّرون عند ذلك ويَخافون ﴿ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ﴾ ﴿ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ﴾ أي لا يُمْهَلون للتوبة والاعتذار.



الآية 54، والآية 55: ﴿ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ - وهو آتيهم لا مَحالة - ﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ إذ تَضِيقُ عليهم ضِيقاً شديداً، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ﴾ (أي: دَعَوا على أنفسهم بالهلاك)، ويُغَطِّيهم عذابها مِن فوق رؤوسهم ومِن تحت أقدامهم، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، وتُفَصَّل لهم ثيابٌ من نار تغطي أجسادهم، كما قال تعالى: ﴿ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَار ﴾، ﴿ وَيَقُولُ اللهُ لهم وهم يُعَذَّبون: ﴿ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ: أي ذوقوا جزاءَ ما كنتمتعملونه من الشِرك والمعاصي، (أَعَاذَنااللهُ وإخواننا المؤمنينَ من جهنم).



الآية 56، والآية 57: ﴿ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (والمَعنى: إن كنتم أيها المؤمنون في ضِيقٍ من إظهار الإيمان وعبادة الله وحده،فهاجِروا إلى أرض الله الواسعة، ولا ترضوا بالبقاء مع الكفار حتى لا يُجبروكم على عبادة غيري).



♦ ولا يَمنعكم الخوف من الموت ألاَّ تهاجروا في سبيلي، فـ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ أي ستذوق مَرارة مُفارقة الروح للجسد (سواء المهاجر أو غيره) ﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ فنُثِيبكم على هِجرتكم وصَبركم، بمختلف أنواع النعيم في الجنة.



الآية 58، والآية 59: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - ﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا يعني: لَنُسكِننَّهممنالجنة غُرَفًا عالية ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي تجري أنهار الماء واللبن والعسل والخمر من تحتها ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا (فحياتهم فيها أبديةٌ، وفرْحَتهم فيها لا توصَف)، ﴿ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ يعني نِعْمَ جزاءُالعاملينَ بطاعة الله: هذه الغرف في جنات النعيم.



♦ ومِن صفات هؤلاء المؤمنين أنهم هم ﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا على أوامر اللهِ تعالى لهم - وإن كانت مُخالِفةً لِهَواهم -﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أي يَعتمدون على ربهم وحده، فبذلك استحقوا هذه المَنزلة العظيمة.



الآية 60: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ يعني: وكثير من الكائنات ﴿ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا أي لا تدَّخر غِذاءها للغد كما يفعل ابن آدم، ومع ذلك فـ ﴿ اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ أي يرزقها سبحانه كما يرزقكم، فيُسَخِّر لها الأسباب، ويُهيئ لها الفرص فتأكل وتشرب كما يأكل الأقوياء القادرين، (إذاً فلا عذر لمن تَرَكَ الهجرة خوفاً من الجوع والفقر)، ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ السَّمِيعُ لأقوالكم (ودعائكم له بتوسعة رزقكم)، ﴿ الْعَلِيمُ بأحوالكم وأفعالكم وخواطر قلوبكم فاحذروه.



الآية 61: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعني: وإنْ سألتَ أيها الرسول هؤلاء المشركين: ﴿ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ على هذاالنظام البديع المُتقَن ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أي ذَلَّلَهما لمنافع العباد: ﴿ لَيَقُولُنَّ: ﴿ اللَّهُ هو الذي فعل ذلك وحده، ﴿ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ يعني: فكيفيُصرَفون عن توحيد الله تعالى - خالق كل شيء ومُدَبِّره - ويعبدون معه غيره؟!



الآية 62: ﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ أي يُوَسِّع الرزق ﴿ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴿ وَيَقْدِرُ لَهُ أي: ويُضَيِّقه سبحانه على مَن يَشاءُ منهم (فالتصرّف كله بيديه سبحانه، وله الحِكمةُ البالغة في تضييق الرزق وتوسعته؛ لأنه سبحانه الأعلمُ بما يُصلِح عباده مِن الفقر والغنى) ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.



♦ واعلم أنّ هذه الآية قد نزلتْ رَدّاً على المشركين الذين قالوا لفقراء المؤمنين: (لو كنتم على الحق لم تكونوا فقراء)، وهذا تمويه منهم، إذ في الكافرين فقراء أيضاً.



♦ واعلم أيضاً أن هذا التضييق يكون في مصلحة المؤمن (لأنه يكون تكفيراً لذنوبه أو رَفعاً لدرجاته)، ولعل هذا هو السبب في أن الله تعالى قال: (وَيَقْدِرُ لَهُ) أي يضيقه له (يعني لمصلحته)، ولم يقل: (وَيَقْدِرُ عليه)، واللهُ أعلم.



الآية 63: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ - أيها الرسول -: ﴿ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴿ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا أي: أخرج به النبات من الأرض (بعد أن كانت يابسة لا خيرَ فيها)؟، ﴿ لَيَقُولُنَّ مُعترفين: ﴿ اللَّهُ هو الذي فعل ذلك وحده، ﴿ قُلِ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أظهر حُجَّته عليهم ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ أي لا يُمَيِّزون بين الحق والباطل، إذ لو عَقَلوا: ما أشركوا مع الله غيره.




الآية 64، والآية 65، والآية 66: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا في غالب أحوالها ﴿ إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ أي تلهو بها القلوب وتلعب بها الأبدان) لِما فيها من الزينة والشهوات)، ثم تزول سريعًا، ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ أي هيالحياة الحقيقية التي لا موتَ فيها ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ يعني: (لو كان الناس يعلمون ذلك، مافَضَّلوا دار الفَناء على دار البقاء).



♦ ثم أعطى سبحانه للمشركين دليلاً على توحيده (بشعورهم الفِطري) عند ركوبهم السفن في البحر قائلاً: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ: يعني إذا ركبوا السفن، وارتفعت الأمواج مِن حولهم وخافوا من الغرق: ﴿ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يعني أخلصوا له في الدعاء حتى يَكشف عنهم شدتهم، ونسوا حينئذٍ شركائهم، ﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ وزالت عنهم الشدة: ﴿ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ أي عادوا إلىشِركهم، فأشرَكوا بربهم المُنْعِم عليهمبالنجاة وعَبَدوا معه غيره (إنهم بذلك يُناقضون أنفسهم، إذ يُوَحّدون اللهَ ساعة الشدة، ويُشركون به ساعةالرخاء) ﴿ لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ أي: لتكون عاقبتهم أن يَجحدوا بما آتاهم اللهُ مِن النعم (ومنها كَشْف البلاء عنهم) فيَستحقوا العذاب، ﴿ وَلِيَتَمَتَّعُوا أي: ليُكملوا تَمَتُّعهم في هذه الدنيا ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة شِركهم وعِصيانهم (وفي هذاتهديدٌ ووعيدٌ لهم).



الآية 67: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا: يعني ألم ير كفار مكة أنّ اللهَ جعل لهم مكة حَرَمًا آمنًا، يأمَن فيه أهلهاعلى أنفسهم وأموالهم ﴿ وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أي يُتَخَطَّفون خارج الحرم (غير آمنينَ على أنفسهم من القتل والأسر والسرقة)،﴿ أَفَبِالْبَاطِلِ - وهو الشِرك - ﴿ يُؤْمِنُونَ؟! ﴿ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ التي خَصَّهم بها - وهي الأمن في الحرم - ﴿ يَكْفُرُونَ فيعبدون غير المُنعم سبحانه؟!



الآية 68: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ يعني: ومَن أشدُّ ظلمًا ﴿ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فزَعَمَ أنّ له شركاء فيالعبادة ﴿ أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ على لسان محمد صلى الله عليه وسلم؟! ﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ: يعني أليسفي النار مَسكنٌ لمن جحدوا توحيد الله تعالى، وكَذَّبوا رسوله محمدًا صلى اللهعليه وسلم؟! (بلى، فإنّ جهنم هي بئس المُستقَرّ لهم).



الآية 69: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا أي جاهَدوا أعداء الله تعالى، وجاهَدوا النفس والهوى والشيطان، وصبروا على الفتنوالإيذاء في سبيل الرحمن: ﴿ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا: أي سوف يَهديهم الله طرق الخير الموصلة إلى جنته، ويُثبّتهم على الطريق المستقيم، وينصرهم على أعدائهم، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (الذين يراقبون ربهم في كل شؤونهم، ويجاهدون أعداءه المشركين، ويجاهدون كل ما يُوَسوِس لهم ويُعَطِّلهم عن الوصول إلى جنته)، فهو سبحانه معهم بالحفظ والعونوالتوفيق والنصر على هؤلاء الأعداء.



♦ واعلم أنّ الإحسانَ قد قال عنهالنبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مُسلِم -: "أن تعبد اللهَ كأنك تراه،فإن لم تكن تراهُ، فإنه يَراك"، فالإحسان يَتناول المَعنَيَيْن: (التقوى وإتقان العمل) لأنّ مَن راقبَ اللهَ تعالى، أتقَنَ عمله وحَسَّنه.



♦ ومِن لطيف ما يُذكَر هنا أنّ أحد السلف كان يقول: (ظللتُ أجاهد شهوتي، حتى أصبحتْ شهوتي: المجاهَدة)، والمعنى أنّ مُجاهَدته غلبتْ شهوته، حتى أصبح يتلذذ بهذه المجاهَدة.





[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.


• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #162  
قديم 19-12-2021, 05:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأول من سورة الروم






الآية 1: ﴿ الم: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أولسورة البقرة، واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (ألِف لام ميم).



من الآية 2 إلى الآية 7: ﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴾ أي: هُزِمَتْ الروم من الفُرس﴿ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ: يعني في أقرب بُقعة من أرض الروم إلى بلاد "فارس"، (وهي أرضٌ يقال لها "الجزيرة" بين نَهرَيْ دِجلة والفُرات)، ﴿ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ﴾ أي مِن بعد هزيمتهم ﴿ سَيَغْلِبُونَ ﴾ أي: سوف يَغلِب الرومُالفُرسَ﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ: أي في مُدّة من الزمن (لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عَشر)، ﴿ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾ يعني: للهِ سبحانهالأمر كله (في انتصار الفُرس أولاً، ثم في انتصار الروم أخيراً)، إذ ما شاءه الله كان وما لم يشأه لم يكن، ﴿ وَيَوْمَئِذٍ ﴾ يعني: يوم يَنتصر الروم على الفرس: ﴿ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾﴿ بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾ للروم (لأنّ الروم كانواأهل كتابٍ وإنْ حَرَّفوه، وأما الفرس فكانوا مشركين يعبدون النار).



﴿ يَنْصُرُ ﴾ سبحانه ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب، الذي لا يَمنعه أحد مِن فِعل ما يريد، القادر على إنجاز وعده، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ الذى وَسِعَتْ رحمته كل شئ، حيث مَكَّنَ للمغلوب أن ينتصر رغم ضَعفه، ﴿ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ أي: وبهذا وَعَدَ اللهُ المؤمنين وعداً حقاً لابد من إتمامه (وهو نَصْر الروم النصارَى، على الفرسالمشركين) (وقد تحققذلك الوعد، ولله الحمدُ والمِنَّة)، ﴿ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمونَ - يَقيناً - أنّ الله لا يخلف الميعاد، وإنما﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي يهتمون بما هو ظاهرٌ من أمور الدنيا (كتدبير مَعاشهم بالتجارة والزراعة وغير ذلك)، ولا يهتمون بحقيقة الدنيا (وهي أنها مَزرعة للآخرة)، ﴿ وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ ﴾ - وما فيها مِن نعيمٍ وجحيم - ﴿ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ (لايُفكّرون في مصيرهم بعد موتهم).

♦ وهنا يَتعجب الإنسانُ: (كيف لِمُحمد صلى الله عليه وسلم أن يَتنبأ بنتيجة معركة حربية سوف تحدث بعد بضع سنوات؟! (على الرغم مِن أنَّ الروم حِينَهَا - كما يقول التاريخ - كانت في أشد حالات الضَعف والانهيار بعد تلك الهزيمة)، وما الذي يَجعله يَخوض في مِثل هذه الأمور الغَيبيَّة، ويُغامِر بقضية الدِين كلها دونَ أن يُطلَب منه ذلك؟!، بل ويؤكّد أنَّ ذلك سوف يَحدُث عندما قال القرآن: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)، وماذا كان سيحدث إذا لم يَصْدُق القرآن في كل حرفٍ قاله؟!، ولكنَّ القائل هو الله، والفاعل هو الله - الذي يستطيع وحده - أن يُحَقِقَ ما يقول، وأن يَفعل ما يريد، في الوقت الذي يريد).



الآية 8: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: يعني ألم يتفكر هؤلاء المُنكِرون للبعث في خَلْق أنفسهم (فإنّ اللهخَلَقهم ولم يكونوا شيئًا ثم جَعَلهم رجالاً)، أليس القادرُ على خَلْقهم وتربيتهم، قادرٌ على بَعْثهم بعد موتهم ليجازيهم بالعدل؟!، بلى قادر، فإنه سبحانه ﴿ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ أي لإقامة العدل والثواب والعقاب، وللدلالة على قدرته على البعث (لأنّ ذلك أهون عليه مِن خلْق السماوات والأرض)، ﴿ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ أي خُلِقَت السماوات والأرض وما بينهما بوقتٍ معلوم تَفنَى عنده(وهو يوم القيامة)، ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ ﴾ يوم القيامة ﴿ لَكَافِرُونَ ﴾ (رغم كثرة الأدلة وقوّتها)، وإنما هو الكِبر والعناد، والانقياد وراء الشهوات.



الآية 9: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا ﴾ - أي هؤلاء المُنكِرون للبعث -، ألم يَمشوا ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ مُتأملينَمُعتبِرين، ﴿ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ من المُكَذِبين وما نَزَلَ بهم من الهلاك؟، وقد ﴿ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ ﴿ وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ﴾ يعني إنهم كانوا أقدر منهم على التمتع بالحياة (حيث قلَبوا الأرض للحرث والزراعة، وبنَوْا القصور وسكنوها)، فعَمَروا دُنياهم أكثر مما عَمَرها أهل مكة، ومع ذلك لم تنفعهم عِمارتهم ولا طول مدتهم، ﴿ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بالحُجَج الواضحة، فكذَّبوهم فأهلكهم الله، ﴿ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ بذلك الإهلاك،﴿ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ بالشِرك والعِصيان.



الآية 10: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا: أي كانَ مصير أهل السُوء من الطغاة والفاسقين: ﴿ السُّوأَى ﴾ أي أسوأ العواقب وأقبحها، وهي: ﴿ أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ أي كانَ مصيرهم: التكذيب والاستهزاء بآيات الله، فاستحقوا بذلك الهلاك والعذاب، (ألاَ فليحذر المُصِرُّونَ على المعاصي أن تَجُرَّهم ذنوبهم إلى أسوأ العواقب، وهي الكفر والعياذ بالله، وليُسارعوا بالتوبة قبل فوات الأوان).

ويُحتمَل أن يكون المعنى: إنّ مصير الذين أشركوا وفعلوا المعاصي هي السُوأَى (وهي أسوأ العقوبات في الدنيا والآخرة) مِن أجل أنهم كذبوا بآيات الله واستهزؤوا بها، واللهُ أعلم.




الآية 11:﴿ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾: أي يُنشئ سبحانه الخلقمنالعدم، ثم يُميتهم، ثم يُعيدهم كهيئتهم قبل أن يُميتهم ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم، فيُجازي المحسن بإحسانه والمُسيء بإساءته.



الآية 12، والآية 13: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ﴾أي يَيئَس المجرمون من النجاة من العذاب،﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ: يعني لم تشفع لهم معبوداتهم الباطلة عند الله تعالى كما كانوا يظنون في الدنيا ﴿ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ أي تبرؤوا من معبوداتهم يوم القيامة، عندما يئسوا من شفاعتهم لهم، خوفاً من زيادة عذابهم.



من الآية 14 إلى الآية 19: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ أي يَفترق أهل الإيمان وأهل الكفر:﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ ﴾ من رياض الجنة (والروضة: هي كل أرضٍ ذات أشجار وماء وزهور)، ﴿ يُحْبَرُونَ ﴾ أي يُسَرُّون ويُنعَّمون (اللهم ارزقنا الجنة يارب)،﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ أي يُحضرهم اللهُ في العذاب المقيم، جزاءً لهم على تكذيبهم.

ولمَّا بَيّنَ سبحانه أن الإيمان والعمل الصالح يُنَجّي صاحبه من النار ويكونُ سبباً في نعيمه الأبدي، أمَرَ سبحانه عباده بإقامة الصلوات الخمس (المشتملة على التسبيح والحمد) في المساء والصباح والظهيرة والعصر، فقال: ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ ﴾ يعني: فيا أيها المؤمنون سَبِّحوا الله ونَزِّهوه عما لا يليق به، وصَلُّوا له ﴿ حِينَ تُمْسُونَ ﴾ أي حين تدخلون في المساء (وهذا يشمل صلاة المغرب وصلاة العشاء) ﴿ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ أي حين تدخلون في الصباح (وهذا يشمل صلاة الصبح)، ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ ﴾ أي له سبحانه الشُكر على نعمه، وله الثناء الجميل ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.

وقوله تعالى: ﴿ وَعَشِيًّا ﴾ معطوف على قوله: (وَحِينَ تُصْبِحُونَ)، أي صَلُّوا له في العَشِيّ، وهو الوقت الذي بعد العصر (وهذا يشمل صلاة العصر)، ﴿ وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ أي حين تدخلون في وقت الظهيرة (وهذا يشمل صلاة الظهر).

ومِن مَظاهر قدرته سبحانه واستحقاقه وحده للعبادة أنه ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾ (كإخراج الزرع من الحَب، والمؤمن من الكافر)، ﴿ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ (كإخراج البيض من الدجاج، والكافر من المؤمن)، ﴿ وَيُحْيِي الْأَرْضَ ﴾ - بإنزال الماء وإخراج النبات - ﴿ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ يعني بعدأن كانت الأرض يابسة لا حياةَ فيها ﴿ وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾يعني: وكما أخرج سبحانه الحيَّ من الميت، وكما أحيا هذه الأرض الميتة، فكذلك تُخرَجون - أيها الناس - من قبوركم أحياءًللحساب والجزاء.



الآية 20: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ ﴾ الدالة على وجوب توحيده وعلى قدرته على البعث ﴿ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ﴾ أي خَلَقَ أباكم آدم من تراب، ﴿ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ ﴾ يعني: ثمجعلكم بَشَراً تتناسلونَ، و﴿ تَنْتَشِرُونَ ﴾ في الأرض لتعمروها، وتسعوا في طلب رِزقكم.



الآية 21: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا: أي خَلَقَ لكم - مِن نفس نوعكم - زوجاتٍ ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا: أي لتستريح نفوسكم معهنّ، ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً: أي جَعَلَ سبحانه بين المرأة وزوجها محبةًوشَفَقة (إلا إذا ظلم أحدهما الآخر، فإنّ تلك المحبةًوالشَفَقة قد تزول حتى يزول الظلم ويرجع العدل والحق، ويتوب الظالم منهما إلى ربه) ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾ تدل على قدرة الله ووحدانيته ورحمته وحكمته ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ أي يتفكرون في آيات الله، ويتدبرون ما ينفعهم في الدنياوالآخرة.



الآية 22: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ ﴾ وارتفاعها بغير عمد، ﴿ وَالْأَرْضِ ﴾ مع اتساعها وامتدادها، ﴿ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ ﴾ أي اختلافُ لُغاتكم أيها الناس ﴿ وَأَلْوَانِكُمْ ﴾﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ أي العالِمينَ بآيات الله وشَرْعه، العارفينَ بحقائق الأمور.



الآية 23: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ: يعني إنه سبحانه جَعَلَ النومَ راحةً لأبدانكم في الليل، وكذلك في النهار (وقت الظهيرة)، ﴿ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ يعني: ومِن آياته طَلَبُكم لأرزاقكم مِن فضل ربكم في الليل والنهار (إذ بعض الناس يعملون بالليل)، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾ تدل على قدرته على البعث والجزاء (لأن النوم كالموت، والانتشار في النهار كالبعث بعد الموت)، وقد جَعَل الله هذه الآيات ﴿ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ: أي يَسمعون المواعظ سماعَتأمُّل وتفكُّر واعتبار (فهؤلاء هم المنتفعون بها).



الآية 24: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ ﴾ - الدالة على كمال قدرته وعظيم حكمته وإحسانه - أنه ﴿ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا ﴾ من الصواعق التي فيه (لتخافوا عذابه وتتقوه)، ﴿ وَطَمَعًا ﴾ في نزولالمطر (لترجوا رحمته وتدعوه)، ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ ﴾ أي يُخرج به النبات من الأرض ﴿ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ يعني بعد أن كانت يابسةً لا حياةَ فيها، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾ على قدرة اللهِ تعالى على البعث ﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ أي يَعقلون البراهين فيَعتبروا بها.



الآية 25: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ ﴾ الدالة على عظمته وكمال قدرته ﴿ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ (والمقصود أنّ السماء والأرض قامَتا واستقرَّتا بأمْره تعالى وقدرته، فلم يَختل نظامهما ولم تسقط السماء على الأرض)، (فالقادرُ على ذلك قادرٌ على بَعْثكم بعد موتكم)، ﴿ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ ﴾ يعني إذا ناداكم يومالقيامة - عن طريق نفخة المَلَك إسرافيل في "البوق" - ليَبعثكم سبحانه من باطن الأرض أحياءً: ﴿ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ مُسرعين من قبوركم، ليحاسبكم على جميع أعمالكم.



الآية 26: ﴿ وَلَهُ ﴾ سبحانه جميع ﴿ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ من الملائكة والإنس والجن والحيوانوالنبات والجماد (مُلكاً وتصرفاً وتدبيراً وإحاطة)، ﴿ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ﴾ أي كل هؤلاء خاضعونَ لتدبيره ومشيئته.



الآية 27: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ﴾ من العدم ﴿ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ حيًا بعد الموت، ﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ يعني: إنَّ إعادة الخَلق أهْوَنُ عليه سبحانه (لأنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة)، ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ يعني: وللهِ تعالى الصفات العُليا (من الكمال والاستغناء عن جميع خَلقه)، فهو سبحانه ليس كمثله شيء، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالَب الذي قهر جميع المخلوقات، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في أقواله وأفعاله وتدبير أمور خلقه.



الآية 28: ﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا ﴾ أي جعل لكم أيها المُشركون مَثَلاَ ﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾ (يوَضِّح لكم فيه فساد الشِرك وبُطلانه)، وهو: ﴿ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾؟ يعني: هل هناك أحدٌ مِن عبيدكم يُشارككم في أموالكم ﴿ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ: أي بحيثُ تصبحون أنتم وإياهم متساوون في المال، و﴿ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ: أي تخافونَ منهم في مُقاسمة أموالكم كما تخافون الشركاءالأحرار؟! إنكم لن ترضوا بذلك أبداً (إذاً فكيف ترضون بذلك لله تعالى وتجعلون له شركاء مِن خَلقه وعبيده؟!)، ﴿ كَذَلِكَ ﴾ يعني بمثل هذه الأمثال ﴿ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ: أي نُبيِّن البراهينوالحُجَج لأصحاب العقول السليمة الذين ينتفعون بها.



الآية 29، والآية 30: ﴿ بَلِ ﴾ يعني: وليس الأمر تقصيراً في ضرب الأمثال الدالة على الحق، ولكنْ: ﴿ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ أي اتّبع المُشركون أهواءهم، فقلَّدوا آبائهم بغير علمٍ أو دليل، ﴿ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ﴾ يعني: فلا أحد يقدر على هداية مَن أضلَّه الله (بسبب إصراره على كُفره وعِناده)، ﴿ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ يُخَلِّصونهم من عذاب الله.

فإذا علمتَ أيها الرسول أحوال المُعرِضين عن الحق بعد ظهور دلائله ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾ أي استقم - أنت ومَن اتّبعك - على الدين الذي شَرَعه الله لك،وهو الإسلام، واتّبع ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (فإنّ اللّهَ تعالى قد فَطَرَ عباده على دين الإسلام الواضح الذي لا عِوَجَ فيه، فخَلَقَ فيهم القابلية للإيمان بربهم وتوحيده، ولكنّ هذه الفِطرة قد تتغيروتتبدل بما يأتي عليها من العقائد الفاسدة، قال صلى الله عليه وسلم - كمافي الصحيحين -: (ما مِن مَوْلودٍ إلا يُولَدُ على الفِطرة، فأبَوَاهُيُهَوِّدانِه - (أي يَجعلانه يهودياً) - أو يُنَصِّرانِه - (أي يَجعلانهنَصرانياً) - أو يُمَجِّسانِه) - (أي يَجعلانه مَجُوسِيّاً)).

﴿ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ أي لا تُبَدِّلوا تلك الفِطرة ولا تغيّروها، بل نَمُّوها بالتربية، حتى ينشأ الطفل على الإيمان والتوحيد، (واعلم أنّ هذه الجملة: (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) قد تضمنتْ الأمر بعدم التبديل وإن لم تُصَرِّح بذلك، فهي كقول الله تعالى: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)؟ أي انتهوا)، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي الإسلام هو ﴿ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ أي الطريق المستقيمالموصل إلى رضا رب العالمين وجنته، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمون أن الذيأمَرْتُكَ به - أيها الرسول - هو الدين الحق الذي لا شك فيه.

واعلم أنّ معنى "حنيفاً" أي: مائلاً، والمقصود: (المَيْل عن أيّ دين باطل، والاستقامة على الدين الحق)، واعلم أيضاً أن الله تعالى خَصَّ الوجه بالاستقامة في قوله:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ)،لأن الوجه هو أكرم الجوارح وأشرفها، وبه يَحصُل التوجُّه إلى كل شيء، فإذا خضعوجه العبد لله: خضعتْ له جميع جوارحِه، فلا يُشرك بعبادته أحدًا.






[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #163  
قديم 06-01-2022, 07:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود



الربع الثاني من سورة الروم




الآية 31، والآية 32: ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾: أي كونوا راجعينَ إلى الله بالتوبة والطاعة ﴿ وَاتَّقُوهُ ﴾ بفعل الأوامرواجتناب النواهي ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ بأركانها وواجباتها وشروطها (في خشوعٍ واطمئنان)، ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الذين يُشرِكون مع الله غيره في العبادة، ولا تكونوا ﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴾ (وهُم أهل الأهواء والبِدَع الذين بدَّلوا دينهم وغيَّروه،فأخذوا بعضه وتركوا بعضه، تَبعًا لأهوائهم) ﴿ وَكَانُوا شِيَعًا ﴾: أي صاروا فِرَقًا وأحزابًا، وأصبح ﴿ كُلُّ حِزْبٍ ﴾ منهم: ﴿ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ أي مسرورونَ بما هم عليه (يَحكمون لأنفسهم بأنهم على الحق، وغيرهم على الباطل).



الآية 33، والآية 34: ﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ ﴾ أي شدة وبلاء: ﴿ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ أي راجعينَ إليه وحده بالدعاء والتوبة، ليكشف عنهم ضُرَّهم، ﴿ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً ﴾ وكَشَفَ عنهم الضر: ﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ يعني إذا جماعة منكم يُشركون بربهم المُنْعِم عليهمبالنجاة، فيَعبدونَ معه غيره،﴿ لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ ﴾: أي لتكون عاقبتهم أن يَجحدوا بما آتاهم اللهُ مِن نِعم (ومنها كَشْف البلاء عنهم) فيَستحقوا العذاب، ﴿ فَتَمَتَّعُوا ﴾: أي استمتِعوا أيها المُشركون بدُنياكم الزائلة ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ عاقبة كُفركم وعِصيانكم.



الآية 35:﴿ أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا ﴾: يعني أم أنزلنا على هؤلاء المشركين كتابًا فيه حُجّة قاطعة ﴿ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ أي يَنطق بصحةشِركهم؟! كلا إننا لم نفعل ذلك، إذاً فلماذا يَفترون على الله الكَذِب بزَعْمهم أنّ له شركاء؟!



الآية 36: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً ﴾ أي نعمةً مُعَيَّنة - مِن صحةٍ أو رزقٍ أو أمْنٍ أو غير ذلك - ﴿ فَرِحُوا بِهَا ﴾ (فرح تكبُّر وليس فرح شُكر)، لأن الله تعالى قال في سورةٍ أخرى: (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ)، ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾ يعني: وإن يُصِبهم مرضٌ وفقرٌ وخوفٌ وضِيق ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ من المعاصي: ﴿ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ أي يَيْئَسون من زوال تلك الشدة، ويَسخطون على قضاء الله تعالى، وهذه هي طبيعة أكثر الناس في الرخاء والشدة (إلا الصابرينَ الشاكرين، الذين استثناهم سبحانه في سورةٍ "هود" بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) أي على ما أصابهم من الضُرّ (احتسابًا للأجرعند اللهِ تعالى) (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) شُكراً للهِ على نِعَمِه (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) في الآخرة.




الآية 37: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ أي يُوَسِّع الرزق على مَن يشاءُ امتحانًا: (هل يَشكر أو يَكفر؟)،﴿ وَيَقْدِرُ ﴾ أي يضيِّقه على من يشاء اختبارًا: (هل يَصبر أو يَسخط؟)، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ العطاء والمنع ﴿ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يؤمنون بالله تعالى ويعرفون حكمته ورحمته.



الآية 38: ﴿ فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾: يعني أعطِ الأقرباء حقوقهم من الصَدَقة والصِلة والبِرّ،وكذلك أعطِ الفقير المُحتاج مِن مالك، وكذلك المسافر الذي فَقَدَ ماله - أو نَفَذ ماله - واحتاجَ للنفقة، ﴿ ذَلِكَ ﴾ الإعطاء ﴿ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ﴾ (وهُم الذين يريدون بعملهم رضا اللهِ تعالى وَجَنَّتِه والنظر إلى وجهه الكريم)﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الفائزونَ بثواب الله تعالى، الناجونَ مِن عقابه.



الآية 39: ﴿ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا ﴾ يعني: وما أعطيتم أحداً قرضًا من المال بقصد الربا (وهو الحصول على زيادة من ذلك الشخص عندما يَرُدّ القرض إليكم)، فمَن فعل ذلك ﴿ لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ ﴾: يعني ليزيد ماله الذي عند الناس: ﴿ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾: أي لا يُبارك الله ماله ولا يُضاعف أجره، بل يَمحق بركته ويُعاقِب عليه صاحبه، ﴿ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ ﴾ يعني: وما أعطيتم مِن زكاةٍ وصدقةٍللمحتاجين ﴿ تُرِيدُونَ ﴾ بها ﴿ وَجْهَ اللَّهِ ﴾ ليَرضى عنكم ويغفر لكم ويرحمكم: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ الذين يُضاعِف الله لهم ثواب أعمالهم.



الآية 40: ﴿ اللَّهُ ﴾ سبحانه هو ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾ (من السماء بإنزال المطر، ومن الأرض بإنبات الزرع وإخراج المعادن)، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ بعد انتهاء آجالكم، ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ من قبوركم للحساب والجزاء، ﴿ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾؟! بل الله سبحانه هو المتفرد بالخلق والرزقوالإحياء والإماتة (فهو الذي أحياكم ابتداءً، وهو الذي يعيدكم بعد موتكم، لأنه الخبير الذي خَلَق أجسادكم وأرواحكم) ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.



الآية 41: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ (والفساد هو كل ما فيه مَفسَدة للناس، وليس لهم فيه منفعة، كقِلَّة الأمطار وكثرة الأمراض والقحط والغلاء)، فكل هذا قد حَدَث ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ أي بسبب المعاصي التي يفعلها البشر، وقد أصابهم الله بهذه المصائب في الدنيا ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾: أي ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التيعملوها ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ إلى الله تعالى، ويتوبوا من المعاصي، فتَصلُحأحوالهم، وتستقيم أمورهم.

واعلم أنّ الله تعالى قال: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) وليس (بكُلّ الذي عملوا)، لأنه لو أصابهم بكل ذنوبهم لأنهَى حياتهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾.



من الآية 42 إلى الآية 45: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المُكَذِبين: ﴿ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ بأجسادكم وقلوبكم ﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي: كيف كانَ مصير المُكَذِبين مِن قبلكم (كعادٍ وثمود وقوم لوط)؟ وما نزل بهم من الهلاك، فقد ﴿ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾ أي كان أكثر الأمم السابقة مشركين مِثلكم يا كفار قريش، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم.

فإذا علمتَ أيها الرسول - أنت وأمتك - سُوء عاقبة الشِرك﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ ﴾: أي وَجِّه وجهك نحو الدين المستقيم، وهو الإسلام (مُنَفِّذًا أوامره،مجتنبًا نَوَاهيه)، واثبُت عليه ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ ﴾ وهو يوم القيامة، الذي ﴿ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ﴾ أي لا يقدر أحد على ردِّه، ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾: أي يتفرقون فِرقتين (كما يَتَصَدّع الجدار فرقتين)، فـ﴿ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾ أي عليه عقوبة كُفره (وهي خلوده في النار)، ﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ﴾ - بعد أن آمَنَ بالله ورُسُله -: ﴿ فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾: أي يُهَيِّئون ويَفرشون لأنفسهممنازل في الجنة (بإيمانهم وكثرة طاعاتهم وإتقان أعمالهم).

وقد فَرَّقَ اللهُ بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بالنعيم المقيم، ويجزي الكافرين بعدله بالعذاب الأليم، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾.





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #164  
قديم 06-01-2022, 07:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود



الربع الأخير من سورة الروم



الآية 46: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ ﴾ الدالة على قدرته سبحانه، وإنعامه على عباده، وأنه الإله الحق الذي يجب أن يُعبَد ولا يُعبَد غيره: ﴿ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ ﴾ ( التي تُحَرِّك السحاب )، لتكونَ ﴿ مُبَشِّرَاتٍ ﴾ أي تُبَشِّر العباد بقُرب نزول المطر ﴿ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ بإنزال المطر الذي تحيا به البلاد والعباد، وتحصل به سعة الرزق والرخاء ﴿ إذ المطر تحيا به مَزارع الناس، فيتوفر لهم غذائهم وتجارتهم ﴾ ﴿ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ ﴾ أي تجري السفن في البحر بواسطة هذه الرياح الطيبة ﴿ بِأَمْرِهِ ﴾ أي بأمر الله ومشيئته ( لأن الرياح قد تكونُ عاصفةً فتُغرِق السُفُن )، ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾ أي: لتطلبوا رِزقَ ربكم بالتجارة في البحر ( عن طريق نقل البضائع على السفن من بلدٍ إلى آخر ) ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ أي: لتشكروا ربكم على هذه النعم العظيمة فتعبدوه وتُطيعوه ولا تُشركوا به.

الآية 47: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ ﴾ ليدعوهمإلى التوحيد، ويُبَشِّروا المُوَحّدين بالجنة، ويُحَذِّروا المشركين من النار ﴿ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ: أي جاؤوا أقوامهم بالمعجزات والبراهين الدالة على صِدقهم، فكَفَرَأكثر القوم وكَثُرَ إجرامهم ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ﴾ بأنواع العذاب والإهلاك - ومنها الهَلاك بالريح ( التي جعلها الله نعمةً لأولياءه ونِقمةً على أعداءه ) - ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ.


الآية 48، والآية 49، والآية 50: ﴿ اللَّهُ ﴾ سبحانه هو ﴿ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ ﴾ أي يُنشئها ثم يَبعثها إلى السحاب ﴿ فَتُثِيرُ سَحَابًا ﴾ أي تُحَرِّك سحاباً مُثقلاً بالماء، ﴿ فَيَبْسُطُهُ ﴾ أي يَنشر سبحانه السحاب ﴿ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ ﴿ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا ﴾ أي يجعله قطعًا متفرقة، ﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ ﴾ أي المطر ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ﴾ أي مِن بين السحاب ليَحصل به الانتفاع، ﴿ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ: يعني إذا ساقَ اللهُ المطر إلى ﴿ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ أي يفرحون بنزول المطر عليهم، ﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ﴾ أي يائسينَ بسبب امتناعه عنهم، ( واعلم أنّ إعادة لفظ: ﴿ مِنْ قَبْلِهِ ﴾ للتأكيد على شدة اليأس الذي استولى عليهم قبل نزول المطر )، ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ: أي انظر متأملاً إلى آثار المطر في النبات والزروعوالشجر ﴿ كَيْفَ يُحْيِي ﴾ به الله ﴿ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ فيُنبتها ويُحييها؟ ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ أي الذي قَدَرعلى إحياء هذه الأرض ﴿ لَمُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ من قبورهم يوم القيامة، ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لا يُعجزه شيء.


الآية 51، والآية 52، والآية 53: ﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا ﴾ على زروعهم ﴿ رِيحًا ﴾ مُفِسدة ﴿ فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا ﴾ أي: فرأوا نباتهم قد فسد بتلكالريح، فصار من بعد خُضرته مُصفَرًا: ﴿ لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ ﴾ - أي من بعد رؤيتهم لهذا النبات الذي فسد - ﴿ يَكْفُرُونَ ﴾ أي يجحدون نعم الله السابقة عليهم ويقولون ألفاظ السخط وعدم الرضا.
♦ فلا تَحزن أيها الرسول على عِنادهم ﴿ فإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ أي لا تَقدر على إسماع مَن طَبَعَ الله على قلوبهم فأماتها ﴿ بسبب تراكُم الشرك والمعاصي عليها، وبسبب حُبِّهم لتقليد آباءهم، رغم وضوح الحُجَج وإقامتها عليهم ﴾، ﴿ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ﴾ يعني إنك لا تَقْدر على إسماع الصُمّ ( الذين فقدوا حاسة السمع )، فكذلك أنت لا تقدر على هداية هؤلاء المشركين - إلا أن يشاءالله هدايتهم - لأنهم كالصُمٌّ، حيثُ لا يسمعونك سماعَ تدبُّر وانتفاع، وخصوصًا ﴿ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ يعني إذا كانوا مُعرِضينَ عنك ﴿ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ ﴾ يعني لن تهدي مَن أعماه الله عن الهدى والرشاد، بسبب الكِبر والعناد، ﴿ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا ﴾ أي لا يُمْكنك أن تُسمِع إلا مَن يُصَدِّق بآياتنا ﴿ فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ أي مُستجيبونَ لِمَادَعَوتَهم إليه، منقادونَ للحق، غير مُتَّبعين لأهوائهم وشهواتهم.

الآية 54: ﴿ اللَّهُ ﴾ سبحانه هو ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ﴾ أي خَلَقكم من ماءٍ ضعيف، وهو النطفة، وكذلك كنتم ضِعافاً حال طفولتكم، ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ﴾ أي جعل من بعد ضعفالطفولة: قوة الشباب ﴿ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ أي جعل من بعد قوة الشباب: ضعف الكبر والشيخوخة، ﴿ يَخْلُقُ ﴾ سبحانه ﴿ مَا يَشَاءُ ﴾ من مراحل الضعف والقوة ﴿ وَهُوَ الْعَلِيمُ ﴾ بأحوال خلقه، ﴿ الْقَدِيرُ ﴾ على إحياءهم بعد موتهم ( إذ القادر على إيجادهم من العدم ثم رَدِّهم إلى حال الشيخوخة بعد قوة الشباب: قادرٌ على بَعْثهم بعد الموت ).

الآية 55: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ﴾ - ويَبعث اللهُ الخلق من قبورهم -: ﴿ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ: أي يُقسِمون أنهم ما مَكَثوا فيالدنيا غير فترة قصيرة من الزمن، ﴿ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ: يعني إنهم كما صُرِفوا عن معرفة مُدّة مُكثهم في الدنيا، فكذلك كانوا يُصرَفون في الدنيا عن الإيمان بالبعث والجزاء ( بسبب عِنادهم وإصرارهم على شِركهم ).

الآية 56: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ ﴾ - وهُم الملائكة والأنبياء والمؤمنون - يقولون لهؤلاء المشركين الذين كذبوا في قَسَمهم: ﴿ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ: يعني لقدمَكَثتم - فيما كتبه الله في اللوح المحفوظ - منذ أن خُلِقتم ﴿ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ﴾ وهو يوم القيامة، ﴿ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ ﴾ ﴿ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ أنّ وَعْدَ الله حق.

الآية 57: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ: أي لا تنفع أعذار الظالمين أمام ربهم ﴿ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ: أي لا يُطلب منهم العُتبَى ( وهو إرضاءربهم بالتوبة والعمل الصالح )،فقد فاتَ أوانُ ذلك، ﴿ فاذكر هذا لقومك أيها الرسول، لعلهم يتوبون فينجوا ﴾.

الآية 58: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا ﴾ أي بَيَّنَّا ﴿ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ﴾ يعني أنواعًا كثيرة من الأمثال والأدلة ﴿ مِن أجل إقامة الحُجّة عليهم وإثباتوحدانية الله تعالى وحقيقة البعث بعد الموت ﴾، ﴿ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ بِآَيَةٍ ﴾ تدل على صِدقك: ﴿ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ﴾ يعني: ما أنتم - يا محمد وأتْباعك - إلا كاذبون، تحاولون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا، وتُبطِلوا عبادتنا لأصنامنا.

الآية 59: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ يعني: وكما ختم الله على قلوب هؤلاء المشركين ( لإصرارهم على الشرك )، فكذلك يطبع سبحانه على قلوب الذين لا يعلمون، ولا يعملون على إزالة جهلهم، بل أحَبّوا البقاء في الجهل والضلال، ( وفي هذا دليلٌ على أهمية طلب العلم ).

الآية 60: ﴿ فَاصْبِرْ ﴾ - أيها الرسول - على تكذيب قومك وإيذائهم لك، فـ ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ بنصرك عليهم ﴿ حَقٌّ ﴾ ( كما حدث في فتح مكة )، ﴿ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ ﴾ أي لا يَستفزَّنَّك ﴿ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ بالبعث والجزاء عن ترْك الحلم والصبر وتبليغ الدعوة.



[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #165  
قديم 06-01-2022, 07:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأول من سورة الأحزاب




الآية 1، والآية 2، والآية 3: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ أي استمِرّ على تقوى الله تعالى (بتنفيذ أوامره واجتناب نَوَاهيه)، وليَقتدِ بك المؤمنون في ذلك؛ لأنهم أحوج إليه منك، ﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ فيما يقترحونه عليك مِن عدم إظهار عيوب آلهتهم، وَالْمُنَافِقِينَ لا تُطِعهم أيضًا فيما يُخَوِّفونك منه (لأنهم جُبناء)، وفيما يَنصحونك به (لأنهم أعداء)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا بخَلقه وبما يفعلونه في السر والعلن، ﴿ حَكِيمًا في أمْره وتدبيره (فلذلك لن يأمرك سبحانه إلا بما فيه الخير لك)، ﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ من القرآن والسُنّة، ولا تترك تبليغ شيءٍ من شريعة ربك، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا أي لا يَخفى عليه شيءٌ من أعمالكم وسيُجازيكم عليها، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي اعتمد على ربك وفَوِّضْ أمورك إليه، وثِق بنصره وحِفظه، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي حافظًا ونصيرًا لمن توكل عليه.




وقد بَلَّغَ الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة ربه كاملة، تقول السيدة عائشة رضي اللهُ عنها: (لو كانَ النبي صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا من الوحي، لَكَتَمَ هذه الآية: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ)).




واعلم أنّ الفعل (كان) إذا جاء مع صفة معينة، فإنه يدل على أنّ هذه الصفة مُلازِمة لصاحبها، كقوله تعالى - واصفًا نفسه بالرحمة والمغفرة -: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) أي كانَ - أزَلًا وأبَدًا - غفورًا رحيمًا.



الآية 4: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ: أي لم يجعل سبحانه لأحدٍ من البَشَر قلبين في صدره (كما ادّعى بعض المشركين)، ﴿ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ (والظِهار هو أن يقول الرجل لامرأته: (أنتِ عليَّ كظَهر أمي)، أي مُحَرَّمة عليّ كحُرمة أمي التي ولدتني، فلا أقرَبُكِ ولا تَحِلِّين لي، (وقد كان هذا القول يُعتبر طلاقًا في الجاهلية، فبيَّنَ اللهُ أن الزوجة لا تصير أُمًّا بحال)، ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ (والأدعياء هم الأولاد الذين تبَنَّيتموهم وادَّعيتم أنهم أبناءكم)، فلم يجعلهم سبحانه ﴿ أَبْنَاءَكُمْ في الحقيقة والنَسَب والشرع كما ادّعيتم، ﴿ ذَلِكُمْ - أي ادّعاؤكم الظِهار والتَبَنّي - هو ﴿ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ أي هو كلامٌ بالفم لا حقيقة له، ولا يؤخَذ به في الشرع، ﴿ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ فاتَّبعوه واعملوا به،﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ يَهْدِي السَّبِيلَ أي يُرشد عباده إلى طريق الحق والرشاد.



الآية 5: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ: أي انسبوا مَن تبنّيتموهم لآبائهم الحقيقيين (الذين كانوا سببًا في إنجابهم)، فـ ﴿ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ: أي هذا أعدل في حُكم الله وشَرْعه ﴿ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ الحقيقيين: ﴿ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ أي فهُم إخوانكم في الإسلام ﴿ وَمَوَالِيكُمْ يعني هم نُصراؤكم وأحِبّاؤكم، وأنتم أيضًا مُكَلَّفون بحمايتهم ونُصرَتهم، ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أي ليس عليكم إثمٌ ﴿ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ أي فيما وقعتم فيه خطأً بغير تعَمُّد، ﴿ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ: يعني إنما يؤاخذكم الله إذا تعمدتم ذلك، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا لمن أخطأ بغير عَمْد، ﴿ رَحِيمًا لمن تاب من ذنبه.



الآية 6: ﴿ النَّبِيُّ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني أقرب وأحَبّ إليهم من أنفسهم، ﴿ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ: يعني إنّ حُرمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على أُمَّته، كحُرمة أمّهاتهم عليهم، فلا يجوز نكاح زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من بعده، (وفي هذا إشارة للمؤمن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحبَّ إليه من نفسه، وأن يُقدِّم ما يريده صلى الله عليه وسلم على ما تريده نفسه، وفي الآية أيضًا وجوب احترام زوجاته صلى الله عليه وسلم، لأنهنّ أمّهات المؤمنين، ومَن سَبَّهن فقد استحق الخُسران المبين).



♦ وقد كان المسلمون في أول الإسلام يتوارثون بالهجرة (يعني كان يَتوارث المهاجرون والأنصار، ولا يَرِث الأقرباء شيئًا)، فنسَخَ اللّهُ ذلك بقوله: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ أي أصحابُ القَرابة، والمقصود: (الأقرباء المسلمون) ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ يعني بعضهم أحق بميراث بعض ﴿ فِي كِتَابِ اللَّهِ أي في حُكمِ اللهِ وشَرْعِه (كما وَضَّحَ سبحانه ذلك في آيات المواريث)، فهُم أوْلى بالتوارث ﴿ مِنَ عامَّة ﴿ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ﴿ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا: يعني إلا أن تُقدِّموا معروفًا لأحدٍ من نُصرائكم وأحِبّائكم المؤمنين (بأن توصوا له بما لا يَتعدى ثلث التَرِكة)، فلا حرج عليكم في ذلك، ﴿ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا: أي كان هذا الحكم المذكور: مُقَدَّرًا مكتوبًا في اللوح المحفوظ، فيجب عليكم العمل به.



الآية 7، والآية 8: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ: أي اذكر أيها النبي حين أخذنا من النبيّين العهد المؤكد بتبليغ الرسالة،﴿ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ: يعني: وكذلك أخذنا هذا العهد - بصفة خاصة - منك ومن نوحٍ ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (وهؤلاء الخمسة هم أولو العَزم من الرُسُل، على المشهور من أقوال العلماء)، ﴿ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا أي عهدًا مؤكدًا بأن يُصَدِّق بعضهم بعضًا، ويُبَشِّر بعضهم ببعض، وقد أخذ الله ذلك العهد من الرُسُل ﴿ لِيَسْأَلَ - يوم القيامة - ﴿ الصَّادِقِينَ وهُم الأنبياء ﴿ عَنْ صِدْقِهِمْ في تبلغيهم رسالة ربهم، ووفائهم بما عَهِدَه إليهم، وعمَّا أجابتهم به أُمَمُهم، فحينئذٍ يَجزي سبحانه المؤمنين منهم بالجنة ﴿ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا في نارجهنم، (ويُحتمَل أن يكون المقصود بالصادقين هنا: مَن آمن بهؤلاء الأنبياء، واللهُ أعلم).



الآية 9: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (أيام غزوة الأحزاب) - وهي غزوة الخَندق - ﴿ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ: أي حين اجتمع عليكم المُشركون (من خارج "المدينة")، واليهود والمنافقون (من داخل "المدينة" وما حولها)، فأحاطوا بكم وحاصَروكم، ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ أي على هؤلاء الكفار ﴿ رِيحًا شديدة (اقتلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وألقتْ آنِيَتهم بما فيها مِن طعامٍ وشراب)، حتى اضطروا إلى الرحيل، ﴿ وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا يعني: وكذلك أرسلنا عليهم ملائكة من السماء لم تروها، فوقع الرعب في قلوبهم، حتى فقدوا رُشدهم وصوابهم، وقرروا العودة إلى بلادهم، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ- مِن حَفْر الخَندق والاستعداد للمعركة - ﴿ بَصِيرًا لا يَخفى عليه شيء من تلك الأحداث، وسيجزي المحسن منكم بالإحسان والمُسيء بالإساءة، (واعلم أنّ المقصود بلفظ "الأحزاب": أي الذين تَحَزَّبوا - أي اجتمعوا - لقتال المسلمين).



الآية 10، والآية 11: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ: أي اذكروا حين جاءكم هؤلاء الكفار مِن فوقكم (أي من أعلى الوادي الذي كنتم فيه، من جهة المَشرق) ﴿ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ أي من أسفل الوادي (من جهة المغرب)، ﴿ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ أي ضَلَّتْ الأبصار عن كل شيءٍ حولها، وصارت لا تنظر إلا لهؤلاء الأعداء من شدة الخوف منهم ﴿ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ أي قاربَتْ قلوبكم أن تصل إلى حَناجركم من شدة الرعب ﴿ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا يعني: وفي هذا الموقف الشديد كنتم تظنون بالله الظنون المختلفة (مِن نَصرٍ وهزيمة، ونجاةٍ وهلاك)، ومنهم مَن ظن أن الله لن ينصر دينه، ولن يُعلي كلمته (وهذا كله من وساوس الشيطان)، ﴿ هُنَالِكَ أي في ذلك الموقف العصيب: ﴿ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ: أي اختُبر إيمان المؤمنين، وعُرف المؤمن من المنافق ﴿ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا أي اضطرب المؤمنون اضطرابًا شديدًا بالخوف والقلق، ليتبيّن إيمانهم ويزداد يقينهم.



♦ واعلم أنّ الألِف - التي في نهاية كلمة ﴿الظُّنُونَا - تُسَمَّى: (ألِف زائدة) لرعاية الفواصل في الوقف، ومِثلها في هذه السورة: (وأطعنا الرسولا)، (وأضلونا السبيلا).



الآية 12: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي في قلوبهم شك (وهم ضِعاف الإيمان)، فهؤلاء قالوا لبعضهم - عندما رأوا هذا البلاء نازلًا بالمؤمنين -: ﴿ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ من النصر والتمكين ﴿ إِلَّا غُرُورًا أي خِداعًا فلا تصدقوه.



الآية 13: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أي اذكر أيها النبي قول طائفة من المنافقين - يوم الأحزاب - وهم ينادونَ المؤمنين من أهل "المدينة": ﴿ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ (وهو الاسم القديم للمدينة المنورة) ﴿ لَا مُقَامَ لَكُمْ: أي لا إقامة لكم في معركة خاسرة، ولا فائدة من البقاء هنا دونَ قتال، ﴿ فَارْجِعُوا إلى منازلكم، (وما قالوا ذلك إلا خوفًا من القتال وهروبًا من المواجهة)، ﴿ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يعني: وهناك فريق آخر من المنافقين يستأذنون النبي في العودة إلى منازلهم، فـ ﴿ يَقُولُونَ له: ﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ أي مكشوفة أمام العدو، ونحن نخاف عليها ﴿ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ يعني: والحَقُّ أنها ليست كذلك، إذ بيوتهم مُحَصَّنة، و﴿ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا: أي ما قصدوا بذلك الاستئذان إلا الفرار من القتال.



الآية 14، والآية 15: ﴿ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا يعني: ولو دَخَلتْ جيوش الأحزاب إلى "المدينةَ" من جوانبها على هؤلاء المنافقين، ﴿ ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ أي: ثم طُلِبَ مِنهم أن يُشركوا بالله ويَرجعوا عن الإسلام: ﴿ لَآَتَوْهَا: أي لأَجابوا تلك الفتنة (وهي الشرك) ﴿ وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا أي ما تمهلوا بالإجابة إلا وقتًا قليلًا، (والمعنى أنهم لم يتفكروا قبل أن يُشركوا، بل سارَعوا إلى الشرك حين طَلَبَ منهم المُشركون ذلك)، وذلك لشدة نفاقهم، ﴿ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أي عاهدوا اللهَ على يد رسوله من قبل هذه الغزوة أنهم ﴿ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ أي لا يَفرُّون إنْ حضروا الحرب، ولا يتأخرون إذا دُعُوا إلى الجهاد، ولكنهم خانوا عهدهم ﴿ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا أي يسأل سبحانه صاحب العهد عن الوفاء بعهده، ويحاسبه عليه.



الآية 16: ﴿ قُلْ - أيها النبي - لهؤلاء المنافقين: ﴿ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ من المعركة ﴿ إِنْ فَرَرْتُمْ خوفًا ﴿ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ (فإنّ ذلك الفرار لن يؤخر آجالكم المكتوبة، وسيأتيكم الموت في المعركة أو في غيرها)، ﴿ وَإِذًا يعني: وإنْ فررتم ﴿ لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا أي لن تتمتعوا في هذه الدنيا إلا قليلًا، ثم تموتون عند نهاية أعماركم، وهو زمن قليل جدًا بالنسبة إلى الآخرة.



الآية 17: ﴿ قُلْ لهم - أيها النبي -: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ ويَمنعكم من عذابه ﴿ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً؟! لا أحد، ﴿ وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا ينفعهم ويتولى أمورهم ﴿ وَلَا نَصِيرًا ينصرهم من عذاب ربهم.





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #166  
قديم 06-01-2022, 07:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الثاني من سورة الأحزاب
















الآية 18، والآية 19، والآية 20: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ﴾: يعني إنَّ الله يعلم المنافقين المُثَبِّطين للمؤمنين عن القتال (والمقصود أنهم يُلقون في نفوسهم الرغبة في القعود عن القتال، ويخوفونهم من العدو) ﴿وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ﴾ المنافقين: ﴿ هَلُمَّ إِلَيْنَا ﴾: أي تعالوا وانضموا إلينا، واتركوا محمدًا وأصحابه يقاتلون وحدهم، فإننا نخاف عليكم الموت، ﴿ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ يعني: وهم مع تخذيلهم هذا لا يأتون القتال إلا نادرًا (إذ يتخلفون في أكثر الغزوات، وإنْ حضروا قتالًا، فإنهم يقاتلونَ دفعًا لتُهمة النفاق عن أنفسهم وخوفًا من الفضيحة).







وترونهم أيها المؤمنون ﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ﴾: أي بُخَلاء عليكم بالمال والنفس والجهد (لِمَا في نفوسهممن العداوة والحقد، وحب الحياة وكراهية الموت)، ﴿ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ ﴾ بسبب هجوم العدو: ﴿ رَأَيْتَهُمْ ﴾ أيها النبي ﴿ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ ﴾ بخوفٍ شديد ﴿ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ ﴾ أي يَنظرون بأعينهم يمينًا وشمالًا(خوفًا من أن يأتيهم العدو من أيِّ جهة) ﴿ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾: يعني كحال مَن تدور عينه إذا حَضَرَه الموت من شدة الخوف (وهو المُحتضِر الذي لا يستطيع الكلام، مِن شدة الآلام التي يَشعر بها، حتى يُصاب بالإغماء)، ﴿ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ ﴾ وانتهت الحرب: ﴿ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ﴾: يعني آذوكم بألسنةٍ حادة كالحديد، وبالَغوا في عِتابكم ولَوْمكم وإسماعكم ما لا يُرضيكم، وَوَصفوا أنفسهم بالشجاعة والنجدة، (واعلم أن السَّلقفي اللغة هو بَسْط العضو للأذى،سواء أكان هذا العضو يدًا أو لسانًا).







وتجدونهم ﴿ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ﴾: أي بُخَلاء على مشاريع الخير وما يُنفَق في سبيل الله (لأنهم لا يؤمنون بالثواب في الآخرة)، ﴿أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ بقلوبهم (فلذلك هم جُبناء عند اللقاء، بُخلاء عند العطاء)، ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي أبطل ثواب أعمالهم (لأنه لم يكن عن إيمان، ولم يكن خالصًا لوجهه)، ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ ﴾ أي إحباط أعمالهم ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾.








وهؤلاء المنافقون ﴿ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ﴾: أي لم يُصَدِّقوا أن الأحزاب قد هَزَمهم الله تعالى وأنهم عادوا إلى بلادهم (وذلك لضعف يقينهم في وعد الله بالنصر)، ﴿ وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ ﴾ مرة أخرى إلى "المدينة" - على سبيل الفرض -: ﴿ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ ﴾: أي سيَتمنَّى أولئك المنافقون أنهم كانوا يعيشون بين أعراب البادية (الصحراء)، حتى لا يقاتلوا الأحزابَ معكم، بل يَكتفونَ بأن ﴿ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ ﴾ أي يسألون الناس عن أخباركم: (هل انهزمتم أو انتصرتم؟)، (وبالطبع يتمنون هزيمتكم)، ﴿ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ ﴾ أي يعيشون معكم في المدينة: ﴿ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ﴾ (وذلك لكثرة جُبنهموضعف يقينهم).







وفي الآيات السابقة إشارة إلى وجوب الوفاء بالعهد، لأنَّ نقض العهد من علامات النفاق، واعلم أيضًا أنَّ كلمة: (قد) المذكورة في قوله تعالى: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ﴾، جاءت هنا للتأكيد والتقرير، إذ هي تأتي أحيانًا للتقليل، وتأتي أحيانًا للتكثير.







الآية 21: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ ﴾ - أيها المؤمنون - ﴿ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ أي قدوة حسنة في أقواله وأفعالهوصبره وثباته، وهذه القدوه الحسنة تكونُ ﴿ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ ﴾ (إذ يَقتدي به صلى الله عليه وسلم ويَتَّبع سُنَّته مَنكان يرجو ثواب ربه، وينتظر مَجيء اليوم الآخر وما فيه مِن نعيمٍ مقيم أو عذابٍ أليم)، ﴿ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ يعني: ويَقتدي به مَن أكثرَ مِن ذِكر الله تعالى واستغفاره وحَمْدِه في كلحال.







الآية 22: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ ﴾ قد حاصروا "المدينة"،تذكَّروا أنَّ موعد النصر قد اقترب، لأن الله تعالى قد وَعَدَهم في القرآن أن النصر يأتي بعد الشدة، وذلك في قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)، كما أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرهم بقدوم الأحزاب عليهم، وأن الله ناصرهم عليهم، فـ ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ من الابتلاءوالمِحنة والنصر ﴿ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ ﴿ وَمَا زَادَهُمْ ﴾ أي: ما زادتهم رؤيتهم للأحزاب ﴿ إِلَّا إِيمَانًا ﴾ أي تصديقًا بوعد الله لهم ﴿ وَتَسْلِيمًا ﴾ لقضائه وأمْره.







الآية 23، والآية 24: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ (وصبروا على البلاء والشدائد): ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ﴾ أي وَفَّى بعهده، فقاتل حتى استُشهِد (والمقصود بهم: الصحابة الذين تخلفوا عن غزوة بدر، فحزنوا لِمَا فاتهم من الأجر، فعاهَدوا اللهَ لئن حضروا قتالًا مع رسوله صلى الله عليه وسلم ليُقاتلُنّ حتى الاستشهاد)، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ﴾ أي ينتظر إحدى الحُسنَيَيْن: (النصر أو الشهادة)، ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾: أي لم يُغيِّروا عهدالله ولم ينقضوه كما فعل المنافقون (الذين عاهدوا الله أنهم لا يُوَلُّونَ الأدبار، ثم عادوا إلى بيوتهم تاركينَ الرسول والمؤمنين في مواجهة الأعداء).







♦ واعلم أنّ كلمة (تَبْدِيلًا) تشير إلى أنهم لم يُبَدِّلوا في مَوقفهم ولو تبديلًا قليلًا، بل إنهم ثَبَتوا على عهدهم وصبروا، حتى وَفَّوا به حق الوفاء، فهَنيئًا لهم الأجر والجزاء.







وقد قَدَّرَ سبحانه حدوث تلك الأحداث - من الوفاء والغدر والصبر واليأس - ﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ ﴾ وهم المؤمنون، إذ يَجزيهم الجَنَّة ﴿ بِصِدْقِهِمْ ﴾ أي بسبب صِدقهم في إيمانهم وصبرهم على البلاء، ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ ﴾ يعني إنْشاءَ تعذيبهم، بألَّا يوفقهم للتوبة النصوح قبل الموت فيموتوا على الكفر، فيدخلوا النار، ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ بأن يوفقهم للتوبة قبل الموت، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا ﴾ لذنوب التائبين، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بهم، حيث جعل التوبة نجاةً لهم.







الآية 25، والآية 26، والآية 27: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ ﴾: أي رَدَّ اللهُ أحزاب الكفر عن "المدينة" خائبينَ خاسرينَ مُغتاظين ﴿ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ﴾ في الدنيا ولا في الآخرة، ﴿ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾ بإرسال الريح والملائكة على الأحزاب، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا ﴾ لا يُقْهَر، ﴿ عَزِيزًا ﴾ في انتقامه من أعدائه.







﴿ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ ﴾ يعني: وأنزل الله يهود بني قُرَيظة مِن حصونهم (عقوبةً لهم لإعانتهم للأحزاب على قتال المسلمين)﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾: أي ألقى في قلوب اليهود الخوف، وبذلك مَكَّنكم أيها المؤمنون منهم، فـ ﴿ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴾ ﴿ وَأَوْرَثَكُمْ ﴾ - أيها المؤمنون - ﴿ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ﴾ ﴿ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُوهَا ﴾ يعني: وأورثكم سبحانهأرضًا لم تتمكنوا مِن دخولها من قبل (لكثرة حصونها وحماية أهلها لها)، وهي أرض خَيبر (وذلك على الراجح من أقوال العلماء)، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ لا يُعجزه شيء.







[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السَّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #167  
قديم 06-01-2022, 07:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود

الربع الثالث من سورة الأحزاب

الآية 28، والآية 29: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ﴾ اللاتي اجتمعنَ عليك، يَطلُبنَ منك زيادة النفقة، ولم يكن عندك ما تُوَسِّع به عليهنَّ: ﴿ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ﴾ - من لذيذ الطعام والشراب، وحُلِيِّ الزينة وغير ذلك -: ﴿ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ﴾ يعني أُعطيكنَّ شيئًا مما عندي منالدنيا (بقدر استطاعتي) ﴿ وَأُسَرِّحْكُنَّ ﴾ يعني: أطلِّقكن ﴿ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ أي أُفارقكُنَّ دونَ إيذاءٍ بالقول أو الفِعل، ﴿ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ: يعني إن كنتنَّ تُرِدْنَ رضا الله ورضا رسوله والجنة: فاصبِرْنَ ولا تنظرنَ إلى ما عند غيركنَّ من النساء ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ - اللاتي يُطِعنَ اللهَ ويُحسنونَ عِشرة رسوله -﴿ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ (وهو المقامات العالية مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة) (وقد اخترنَ اللهَ ورسوله وما أعدَّ اللهُ لهنَّ في الدارالآخرة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم)، ولهذا أكرمهنَّ الله تعالى وأنزل على رسوله: ﴿ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ [الأحزاب: 52].
الآية 30، والآية 31: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ أي بمعصيةٍ ظاهرة (ومِن ذلك عدم طاعة الرسول الله صلى الله عليه وسلم أو سُوء خُلُق يَتأذى به): ﴿ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ أي عذابًا مُضاعَفًا على عذاب غَيركنَّ مِمَّن آذَينَ أزواجهنَّ (وذلك لمكانتكنَّ الرفيعة عند الناس، ولأنكنَّ قدوة لسائر النساء، فإنَّ صاحب العِلم والمنزلة العالية يُستقبَح منه الذنب أكثر من غيره، ويُضاعَف له العذاب عليه)، ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ ﴾ - أي مضاعفة العذاب - ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾، ﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ يعني: ومَن تُطِع منكنَّ اللهَ ورسوله (بفعل الأوامر وتَرْك النَواهي) ﴿ وَتَعْمَلْ صَالِحًا ﴾ من النوافل والخَيرات: ﴿ نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ ﴾ يعني نُعْطها جزاءَ عملها الصالح ضِعف ثواب غيرها من سائر النساء، ﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ وهو الجنة، (وهذه بشارة بالجنة لنساء النبي، أمَّهات المؤمنين، اللاتي نزلتْ هذه الآيات بشأنهنَّ). الآية 32، والآية 33، والآية 34: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ - في الفضل والمنزلة - ولكنْ بشرط: ﴿ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ: يعني إنْعملتنَّ بطاعة الله وابتعدتنَّ عن معاصيه، ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ: أي لا تتحدثنَ مع غير المحارم بصوتٍ رقيق﴿ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ: أي حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض الشهوة الحرام، (وهذا أدب واجب على كل امرأةمؤمنة)، ﴿ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ يعني إذا اضطرتْ المرأة للحديث مع غير المحارم، فعليها أن تتحدث بصوت منخفض، أقرب إلى الغِلظة (ليس فيه رِقَّة)، ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ يعني: والْزَمْنَ بيوتكنَّ (فلا تخرجنَ منها إلا لحاجة)، ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى: أي لا تُظهرنَ مَحاسنكن، كما كانيفعل نساء الجاهلية الأولى في الأزمنة السابقة على الإسلام، (وهذا خطاب للنساءالمؤمنات في كل عصر)، ﴿ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ ﴾ بأركانها وفي أوقاتها،﴿ وَآتِينَ الزَّكَاةَ ﴾ لمُستحِقِّيها، ﴿ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ في كل أمْرٍ ونهي، ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ﴾ بهذه الوصايا التي وصاكنَّ بها ﴿ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ أي ليُبعد عنكنَّ الأذى والسوء والشر يا أهل بيتالنبي (وهم زوجاته عليه الصلاة والسلام وذريته) ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ يعني: وليُطهِّر نفوسكم وقلوبكم غايةالطهارة،﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ: أي اذكُرنَ ما يُقرأ في بيوتكنَّ من القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، واعملنَبه، واقدُرْنه حقَّ قَدْره، فهو من نِعَم الله عليكنَّ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا ﴾ بكُنَّ؛ إذ جعلكنَّ في البيوت التي يُقرأ فيها القرآن والسُنَّة، ﴿ خَبِيرًا ﴾ بكُنَّ،حيثُ اختاركنَّ أزواجًا لرسوله. الآية 35: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ﴾ (وهم المُنقادون والمُنقادات لأوامر ربهم)، ﴿ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ (وهم المُصَدِّقونَ العاملونَ بشرع الله تعالى)، ﴿ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ﴾ (وهم المُطيعون والمُطيعاتلله ورسوله)، ﴿ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ﴾ في أقوالهم وأفعالهم ونيَّاتهم وتوبتهم، ﴿ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ ﴾ عن المعاصيوعلى الطاعات، وعلى ما يُصيبهم مِن مِحَنٍ وبَلاءٍ، لتكفير ذنوبهم أو رفع درجاتهم، ﴿ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ ﴾ (وهم الخائفون والخائفات من عذاب ربهم)،﴿ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ﴾ بإخراج الزكاة المفروضة والصدقات المُستحَبَّة، ﴿ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ ﴾ في الفرض والنَّفْل، ﴿ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ ﴾ ﴿ وَالْحَافِظَاتِ ﴾ لفروجهنَّ (عن الزنى ومُقدِّماته، وعن كشف العورات)، ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ﴾ (بقلوبهم وألسنتهم) في غالب أوقاتهم: ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ أي لهؤلاء - المذكور صفاتهم - ﴿ مَغْفِرَةً ﴾ لذنوبهم ﴿ وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ وهو الجنة.
الآية 36: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ﴾ يعني إذا حَكَمَ الله ورسوله فيهم حُكمًا ﴿ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ أي: ما كانَ لهم أن يُخالفوا أمْرَ ربهم ورسوله (بأنيختاروا غير الذي حُكِمَ فيهم)، (ومِن ذلك قول بعض الفتيات إذا أُمِرْنَ بالحجاب: سوف أرتدي الحجاب عندما أقتنع)!! تقتنعينَ بماذا؟!، تقتنعينَ بأمر الله تعالى؟! ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ أي بَعُدَ عن طريق الصواببُعْدًا ظاهرًا. الآية 37: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ: أي اذكر أيها النبي حين قلتَ للذي أنعم الله عليه بالإسلام - وهو زيد بن حارثة الذي تبنَّاه النبي صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ﴾ أيها النبي بالعِتق، وقلتَ له حين جاءك يشكو إليك زوجته "زينب بنت جحش": ﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ: يعني أَبْقِ زوجكولا تُطلِّقها ﴿ وَاتَّقِ اللَّهَ ﴾ يا زيد، ﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ﴾ يعني: وتُخفي يا محمد في نفسك ما أوحاهالله إليك (مِن أنّ زَيْدًا سيُطلقها وأنَّ الله سيُزَوِّجها لك)، والله تعالى مُظهِرٌ ما أخفيتَه في نفسك،﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ ﴾ أي تخاف أن يقول المنافقون: (تزوج محمد مُطلَّقة مُتبَنَّاه) ﴿ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا ﴾ يعني: فلمَّا قضى زيدٌ حاجته منها بالزواج، ولم يَبق له رغبة فيها، بل صارت كل رغبته أن يُفارقها، ثم طَلَّقها وانتهت عِدَّتها: ﴿ زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ أيها النبي ﴿ لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ: يعني حتى لا يكون على المؤمنينذنبٌ في أن يتزوجوا من زوجات مَن كانوا يتبنَّوْنهم ﴿ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ﴾ (أي بعد طلاقهنَّ وانتهاء عِدَّتهنَّ)، ولتكون أيها الرسول قدوة للمؤمنين في إبطال عادة الجاهلية (التي كانت تُحَرِّم الزواج بزوجة المُتبنَّى بعد طلاقها)، ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ يعني: إنَّ ما قضاه الله تعالى واقعٌ لا مَحالة.♦ واعلم أن أمُّ المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها كانت تقولزَوّجَني اللهُ تعالى من فوق سبع سماوات)، واعلم أيضًا أن زيد بن الحارثة رضي الله عنه هو الصحابي الوحيد المذكور في القرآن، في قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًاولَعَلَّ السبب في ذلك أنه لما تبَنَّاه النبي صلى الله عليه وسلم كان يُدعَى بـ (زيد بن محمد)، ثم عندما أبطل الله التبني أصبح يُدعَى بـ (زيد بن حارثة)، ونُزِعَ منه لقب (زيد بن محمد)، فذَكَرَ الله اسمه في القرآن جَبرًا لخاطره. الآية 38، والآية 39:﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ﴾ (والمقصود هنا: ما أحلَّه الله له منزواج امرأة مُتبنَّاه بعد طلاقها)، فقد كانت هذه ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ﴾ (إذ أباحَ الله ذلك للأنبياء الذين مضوا قبله)، ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ أي قدَرًا مُقدَّرًا لا بد من وقوعه. ثم أثنى سبحانه على هؤلاء الأنبياء الماضين بأنهم: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ ﴾ إلى الناس، ﴿ وَيَخْشَوْنَهُ ﴾ أي يخافون الله تعالى ﴿ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ﴾ (فلا يخافون لومة لائم عند تبليغهم لرسالة ربهم أو فِعل ما أَذِنَ لهم)، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا: أي كفى بهمحاسبًا لأنبياءه على تبليغهم لرسالاته، إذًا فلا يخافوا قول الناس عند تنفيذهم لِما أمَرَهم الله به. الآية 40: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ (لا زيد ولا غيره)، فلذلك لا يَحرُم عليه أن يتزوج مُطلَّقة زيد، لأنه ليس ابنه، ﴿ وَلَكِنْ ﴾ كانَ محمدٌ ﴿ رَسُولَ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ (إذ لا نُبُوَّةبعده إلى يوم القيامة)، فلو كان له ولدٌ ذَكَر: لكانَ من الممكن أن يكون نبيًّا بعده (كما كان أولاد إبراهيم وإسحق ويعقوب وداوود عليهم السلام)، ولكنْ لمَّا أراد الله أن يختم الرسالات برسالته صلى الله عليه وسلم لم يأذن ببقاء أحد من أولاده، بل توفاهم صغارًا، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ (فما أخبر به سبحانه هو الحق، وما حَكَمَ به هو العدل، وما شَرَعه لكم هو الخير، ألَا فسَلِّموا له في قضائه وحُكمه). من الآية 41 إلى الآية 44: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ بقلوبكموألسنتكم ﴿ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ في جميع أحوالكم، ﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا: أي اشغلوا أوقاتكم بذكر الله فيالصباح والمساء، وبعد الصلوات المفروضات، وفي غير ذلك من الأوقات (بالأذكار والأدعية التيصَحَّتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم). واعلم أن الله تعالى قد أمَرَ المؤمنين بذكره ذِكرًا كثيرًا، لأنه قد وصف المنافقين بأنهم ﴿ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾[النساء: 142]، فالذكر الكثير براءةٌ من النفاق، وهو خيرُ مُعِين على إصلاح القلوب وفِعل الطاعات، وكَفِّ اللسان عن الآثام، فإن العَبدَ لا بد له مِن أنْ يتكلم، فإنْ لم يتكلم بذِكر الله تعالى وذِكر أوامره: تكَلَّمَ بالأشياء المُحَرَّمَة (كالغِيبة والنَمِيمة والكَذِب والباطل)، فلا سبيلَ إلى السلامة من هذه المُحَرَّمات إلا بذكر رب الأرض والسماوات، فمَن عَوَّدَ لسانه ذِكرَ الله: صَانَ لسانَهُ عن اللغو والباطل.♦ واعلم أنّ حقيقةُ الذِكر: أنْ تستشعرَ - وأنت تذكر الله - أن العبدَ الفقير يذكرُ الربَّ الغني، وأن العبدَ الذليل يذكرُ الربَّ العزيز، وأن العبدَ الضعيف يذكرُ الربَّ القوي، وأن العبد الذي لا يَملك لنفسِهِ شيئًا يذكرُ الربَّ القدير الذي بيده ملكوتُ كل شيء، فكأنَّ لسانَ حالِكَ يقول: (أسألُكَ بعِزِّك وذُلِّي، وقوتك وضعفي، وقُدرَتِكَ وعَجزي، وفقري إليك وغناك عني أنْ تعفوَ عني وترحمَني).﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ﴾ أي يَغفر لكم أيها المؤمنون، ﴿ وَمَلَائِكَتُهُ ﴾ تدعو لكم وتستغفر لكم ﴿ لِيُخْرِجَكُمْ ﴾ سبحانه ﴿ مِنَ الظُّلُمَاتِ ﴾ أي ظلمات الجهلوالضلال ﴿ إِلَى النُّورِ ﴾ أي نور العلم والإيمان، ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ في الدنيا والآخرة (فلايُعَذِّبهم ما داموا مطيعينَ لأمره مُخلصينَ له)، ﴿ تَحِيَّتُهُمْ ﴾ من الله تعالى ﴿ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ ﴾ (في الجنة) هي قوله لهم: ﴿ سَلَامٌ ﴾ (أي سَلِمْتم من الخوف والحزن والتعب، ومِن كل سُوء)﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ وهو الجنة.من الآية 45 إلى الآية 48: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا ﴾ على أمَّتك بإبلاغهم الرسالة ﴿ وَمُبَشِّرًا ﴾ للمؤمنين بالرحمة والجنة، ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ للعُصاة والمُكَذِبين من النار﴿ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ ﴾ (يعني إلى توحيده وطاعته) ﴿ بِإِذْنِهِ ﴾ أي تفعل ذلك بأمره إياك وتكليفه لك، ﴿ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ إذ تُنير الطريق لمن اتَّبع هَدْيك(لأن الحق الذي جئتَ به ظاهرٌ كالشمس في إشراقها وإضاءتها، لا يَجحده إلامُعانِد)، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ أي ثوابًا عظيمًا (وهو روضاتالجنات)، ﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾ فيما يطلبونه منك ويقترحونه عليك مما يتناقض مع دَعْوتك ورسالتك ﴿ وَدَعْ أَذَاهُمْ: أي اترك أذاهم (فلا تهتم به، ولا تقابله بأذًى مثله)، بل اصبر عليهم حتى يأمرك ربك بما تقوم به نحوهم، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ أي اعتمد على ربك وفَوِّضْ أمورك إليه، وثِق بنصره وحِفظه، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ فإنه يكفيك ما أهمَّك منأمور الدنيا والآخرة. الآية 49: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ يعني إذا عقدتم عليهنَّ ﴿ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ﴾ أي مِن قبل أن تُجامعوهن: ﴿ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ﴾ يعني: فليس هناك عِدَّة تعُدُّونها عليهنَّ بعد هذا الطلاق، (إذ العِدَّة تكونُ للمدخول بها لمعرفة ما في الرَّحِم، وأما غير المدخول بها فمعلومٌ أن رَحِمها خالية)، فلها أن تتزوج بعد هذا الطلاق مباشرةً، (وإذا أراد المُطَلِّق أن يَرجع إليها، فيَلزَمه لذلك عقدٌ جديد)، ﴿ فَمَتِّعُوهُنَّ: أي أعطوهن شيئًا مِن مالكم يَتمتعن به (بحسب غِنَى المُطلِّق وفقره)، ليكون عِوَضًا عمَّا فاتهنَّ من الزواج، ودفعًالوَحشة الطلاق، وإزالةً للأحقاد)، ﴿ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا: أي خلُّوا سبيلهن مع السِتر الجميل (دونَ أن تذكروهنَّ بسوء).
[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرُّف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمَّن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #168  
قديم 06-01-2022, 07:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود



الربع الرابع من سورة الأحزاب


الآية 50: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ﴾ يعني إنَّا أبَحْنا لك الزواج من أزواجك ﴿ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾ أي اللاتي أعطيتهنّ مهورهنّ ﴿ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ يعني: وكذلك أبَحْنا لكما مَلَكَتْ يمينك من الإماء (الجواري) ﴿ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ ﴾ يعني مما أنعم الله به عليك من أَسْرَى الجهاد (كصَفيّة بنت حُيَيّ، وجُوَيرية بنت الحارث) رضي الله عنهما، ﴿ وَبَنَاتِ عَمِّكَ ﴾ يعني: وأبَحْنا لك الزواج منبنات عمك ﴿ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ﴾ (بخِلاف مَن لم تهاجر وبقيتْ في دار الكفر)، ﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً ﴾ يعني: وأبَحْنا لك الزواج منامرأة مؤمنة ﴿ إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﴾ ليتزوجها مِن غير مهر ﴿ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا: يعني إن كنت أيها النبي تريد الزواج منها، فهذا حلالٌ لك ﴿ خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ يعني ليس لغَيرك من المؤمنين أن يتزوج امرأة بالهِبَة (من غير مهر)، ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ يعني: قد عَلِمْنا ما أوجبنا على المؤمنين من أحكامٍ ﴿ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ وهو أنهم لا يزيدون على الأربع (بشرط وجود الشهودوالمهر ووَليِّ المرأة)، وأنهم يتزوجون ما شاؤوا من الإماء (بشرط أن تكون المملوكة مسلمة أو من أهل الكتاب)، قد عَلِمْنا كل هذا، ولكننا رَخَّصنا لك في بعض أمور النكاح - كالزيادة على الأربع والزواج من غير مَهر - ﴿ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ﴾ في نكاح مَن شئتَ مِن هؤلاء المذكورات في الآية، لأن الله هو الذي وَسَّعَ عليك، فلا تهتم بقول أحد من الناس ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ لك حينَ تحَرَّجتَ مِن نكاح "زينب بنت جحش" خوفاً من كلام المنافقين، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بك وبالمؤمنين (حيثُ وَسَّعَ عليكم ما لم يُوَسِّع على غيركم من أهل الشرائع الأخرى).

الآية 51: ﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ ﴾ يعني: إنّ اللهَ قد أذِنَ لك أن تؤخر مَن تشاء مِن نسائك في قسْمتها في المَبيت، ﴿ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾ يعني: وتضم إليك مَن تشاء منهنّ فتَبيت عندها، ﴿ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ ﴾ يعني: ومَن طَلَبْتَ المبيت عندها من نسائكَ ﴿ مِمَّنْ عَزَلْتَ ﴾ يعني ممن كنتَ اعتزلتَ المبيت عندها لأمرٍ ما: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾ أي: فلا إثم عليك في طلبها والمبيت عندها متى شئت، (وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) يعني: ومَن طَلَبْتَها - ممن اعتزلتَ المبيت عندها - فلا إثم عليك في أن ترجع وتَبيت عندها).

﴿ ذَلِكَ ﴾ يعني ذلك التخيير الذي أعطاه الله لك في شأن نسائك هو ﴿ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ: يعني أقربإلى أن تفرح زوجاتك بما تصنعه معهنّ في شأن القسمة والمبيت (لأنه أمْر الله تعالى وهُنّ مؤمنات)، ﴿ وَلَا يَحْزَنَّ ﴾ بل يَقبلنَ ما تفعله برضا نفسٍ وارتياح (بعد أن عَلِمنَ أنّ الله هو الذي أوحى إليك بذلك، وليس اجتهاداً من عند نفسك)، ﴿ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ﴾ يعني: ويَرضَيْنَ كلهنّ بما قسمتَ لهنَّ (مما أنت مُخَيَّر فيه).

ورغم هذا التخيير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَعدل بين نسائه في المبيت، إلا ما كان مِن "سَودة" رضي الله عنها، فإنها وهبتْ ليلتها لعائشة رضي الله عنها، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم هذا قسْمي فيما أملك، فلا تلُمني فيما تملك ولا أملك" (والمقصود أنه كان يحب عائشة رضي الله عنها أكثر من باقي نسائه)، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ أي يعلم ما في قلوبالرجال مِن مَيْلها إلى بعض النساء دونَ بعض، (وإنما خَيَّرَ الله رسوله تيسيراً عليه لعِظَم مَهامّه، التي لا يتحملها أقوى الرجال)، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا ﴾ بما في القلوب ﴿ حَلِيمًا ﴾ لا يُعاجل مَن عَصاه بالعقوبة، ويَقبل التوبة من عباده.

واعلم أن هذه الآيات تحمل تخفيفاً من الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، لِما يلاقيه من إيذاء ومشقة في سبيل الدعوة، وفي الإصلاح والمؤاخاة بين المسلمين، ومِن فرْض قيام الليل عليه بصفة خاصة، وغير ذلك من الأمور الشاقة، فأكرمه سبحانه بهذه الآية، حيثُ أباح له الزواج بأكثر من أربع، وأباح له أن يتزوج الواهبة نفسها بغير مهر ولا وَلِيّ، وخَيَّره في تأخير القسمة بين أزواجه (ولم يُبح تلك الأمور لغيره من المؤمنين).


الآية 52: ﴿ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ﴾ أي لا يجوز لك أن تتزوج بعد نسائك التسع (اللاتي في عِصمتك)، وذلك إكراماً لهن، لأنهنّ اخترنَ اللهَ ورسوله والدار الآخرة، ورَضَينَ بما قَسَمه الله لهنّ، ﴿ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ ﴾ يعني: ولا يَحِلّ لك أن تطلِّقهنّ وتأتي بغيرهنّ بدلاًمنهنّ ﴿ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ﴾ ﴿ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾ يعني: وأمّا ما ملكتْ يمينك من الإماء، فحلالٌ لك مَن شئت منهنّ، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ﴾ لا يغيب عن علمه شيءٌ، ألاَ فخافوه أيها الناس وراقِبوه، فإنكم ستَرجعون إليه بعد موتكم.

وهنا ينبغي أن نَرُدّ على الشُبهة التي تقول: (لماذا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم تِسعاً مع أن الشرع لم يَحِلّ للرجل إلا أربعاً؟)، فدعونا نُجيبهم ابتداءً أنه لا يُعقَل أبداً من شخص يُخبر الناس أنه نبي ثم يأتي بكل بساطة ليأمرهم بفعل شيء ويفعل هو خِلافه، فإنه بذلك يعطي الفرصة لأعدائه أن يأخذوا ذلك حُجَّةً عليه، فتَبَيّنَ مِن ذلك أنه يستحيل أن يَصدر ذلك الأمر إلا من شخص واثق - تمام الثقة - أنه يفعل ذلك بأمر ربه، وليس مِن عند نفسه، كما قال تعالى له: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)، وقال أيضاً: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ)، إلى أن قال تعالى له: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ)، فقوله: (لَا يَحِلُّ لَكَ) يُفهَم منه أن الله هو الذي أحَلّ له الزواج مِن نسائه التسع (بصفةٍ خاصة ولأسبابٍ معلومة)، منها ما تقدم في الآيات السابقة في قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا).

الآية 53: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ ﴾ يعني إلاأن يَأذن لكم النبي لتناول طعامٍ ﴿ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾ يعني غير منتظرين نُضجه وأنتم في بيته تتحدثون، ﴿ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ ﴾ بعد أن يَنضج الطعام ﴿ فَادْخُلُوا ﴾ ﴿ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ﴾ أي انصرفوا ﴿ وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ﴾ يعني: ولا تَمكثوا مستأنسينَ لحديثٍ بينكم في بيت النبي بعد الأكل، ﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ ﴾ أي انتظار نُضج الطعام والحديث بعد الأكل ﴿ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ﴾ أي يستحيي من إخراجكم من بيته مع أنّ له الحق في ذلك، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ أي لا يستحيي سبحانه من بيان الحقوإظهاره.

﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا: يعني إذا طلبتم من نساء النبي حاجةً من أواني البيتونحوها: ﴿ فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ: أي اسألوهنّ من وراء سِتر ﴿ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ من الخواطر التيتَعرض للرجال في أمْر النساء، وللنساء في أمْر الرجال؛ إذ الرؤية هي سبب الفتنة، (فسبحان الله العظيم، إذا كان ذلك في حق الصحابة الأخيار، ونساء النبي الأطهار، فما بالُ مَن يجلسون على الطعامِ نساءً ورجالاً - مِن غير المحارم - يأكلون ويتحدثون؟! هل قلوبهم أطهر مِن أولئك الأبرار؟!).

﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ﴾ بأيّ نوع من أنواع الإيذاء ﴿ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا: أي لا يَحِلّ لكم أن تتزوجوا أزواجه من بعد موته (لأنهنّ أمهاتكم، ولا يَحِلُّ للرجل أن يتزوج أمَّه) ﴿ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ﴾ (وقد امتثلتْ الأمّة لهذا الأمر، فلم يتزوج أحدٌ نساءَ النبي من بعده).

الآية 54: ﴿ إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا: يعني إن تُظْهِروا شيئًا على ألسنتكم - أيها الناس - مما يؤذي رسول الله ﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾ في نفوسكم (كإخفاء الرغبة في الزواج مِن نسائه مِن بعده): ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ أي يَعلم سبحانه ما في قلوبكم وماأظهرتموه، وسيجازيكم عليه أشد الجزاء إن لم تتوبوا.

الآية 55: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ: يعني لا إثم على النساء في عدم الاحتجاب من آبائهنّ ﴿ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ ﴾ ﴿ وَلَا نِسَائِهِنَّ ﴾ أي نساء أُمَّتِهنّ (والمقصود: النساء المُسلمات، أما النساء الكافرات فلا يَرَونَ منهنّ إلا الوجه والكفين، وأما غير ذلك فيكون إظهاره لهنّ للضرورة)، ﴿ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ﴾ يعني أو العبيد المَملوكونَ لهنّ، (فلِلمُسلمة أن تكشف وجهها لخادمها المملوك، لشدة الحاجةإليه في الخدمة)، ﴿ وَاتَّقِينَ اللَّهَ ﴾ أيتها النساء، فلا تُظهِرنَ مِن زينتكنّ ما ليس لكُنَّ أن تُظهِرنَه، ولا تترُكنَ الحجاب أمام مَن يجبعليكنّ الاحتجاب منه) ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ﴾ أي يَشهد سبحانه على أعمالكنّ - ظاهرها وباطنها - وسيَجزيكُنّ عليها فاتقوه.

الآية 56: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ: أي يُثني سبحانه على النبي صلى الله عليه وسلم عند الملائكة المُقرَّبين،وملائكته يُثنون على النبي ويدعون له، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ (وقد ثبت في الصحيحين أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله، قد عَلِمنا كيف نُسَلِّم عليك - يقصدون بذلك قولهم في التشهد: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) - فكيف نصلي عليك؟)، فقال لهم: "قولوا: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد،اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌمجيد)".

وقد ثبت في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، نذكر منها: "مَن صَلَّى عليَّ مِن أُمَّتي صلاةً مُخلِصاً من قلبه: صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكَتَبَ له بها عشر حسنات، ومَحا عنه بها عشر سيئات" (انظر صحيح الترغيب والترهيب ج: 2).

الآية 57: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ﴾ (بالمعاصي، وزَعْم الشريك والولد له سبحانه)، ﴿ وَرَسُولَهُ ﴾ بالأقوالأو الأفعال، أولئك ﴿ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾ أي طَرَدهم الله مِن كل خيرٍ ورحمة ﴿ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ ﴾ فيالآخرة ﴿ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ أي عذاباً يُهينهم ويُذِلّهم.

الآية 58: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ﴾ أي يؤذونهم بقولٍ أو فِعل مِن غير ذنبٍ عملوه: ﴿ فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ أي ارتكبواأفحَش الكذب، وجاءوا بذنبٍ ظاهرَ القُبح، يَستحقون به العذاب في الآخرة.

الآية 59: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ ﴾ يعني يُسدِلنَ على رؤوسهنّ وصدورهنّ ووجوههنّ ﴿ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ أي مِنمَلاحفهنّ (وهو ما يُشبه "الإسدال" و"العباءة" وغير ذلك)، ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ: يعني ذلك أقرب أن يُمَيَّزنَ بالسِتروالصيانة والعِفّة ﴿ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ أي: فلا يَتعَرَّض لهنّ أحد بمكروه أو أذى، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ (حيث غفرلكم ما تقدم منكم بسبب توبتكم، ورَحِمَكم بما أوضح لكم من الحلال والحرام).


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #169  
قديم 06-01-2022, 07:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود

الربع الأخير من سورة الأحزاب













الآية 60، والآية 61، والآية 62: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ ﴾ (الذين يُخفونَ الكُفر، ويُظهرونَ الإيمان) ﴿ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ أي في قلوبهم شك (وهم ضِعاف الإيمان)، ﴿ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ﴾ (وهم الذين يَنشرون الأخبار الكاذبة في "المدينة" لتخويف الناس)، لئن لم يَنتهِ هؤلاء جميعًا عنشرورهم وأفعالهم القبيحة: ﴿ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ﴾ أي: سوف نُسَلِّطك عليهم أيها الرسول بالقتل والإخراج، ﴿ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴾ أي لا يَسكنون معك في "المدينة" إلا زمنًا قليلًا، ثم يَخرجون منها أو يَهلكونَ وهم ﴿ مَلْعُونِينَ ﴾ أي: مطرودين من رحمة الله، ﴿ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا ﴾ يعني: في أيِّ مكانٍ وُجِدوا فيه: أُسِروا ﴿ وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴾ (ماداموا مقيمينَ على النفاق، ونَشْر الأخبار الكاذبة بين المسلمين، بغَرَض الفتنةوالفساد)، وقد كانت هذه ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ أي: هذه هي طريقته سبحانه في مُنافِقي الأمم السابقة؛ أن يؤسَروا ويُقَتَّلوا أينماكانوا، ﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ يعني: لن يستطيع أحد أن يُغيِّر طريقة الله في خَلْقِهِ وكَوْنه.



الآية 63: ﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ﴾ أي: يسألك كفَّار مكة عن الساعة التي تقوم فيها القيامة (استبعادًا لها وتكذيبًا)، ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا ﴾ أي لَعَلَّ زمانها يكون قريبًا، فإنَّ كل آتٍ قريب.



من الآية 64 إلى الآية 68: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ ﴾ أي: طَرَدهم من رحمته في الدنيا والآخرة، ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ سَعِيرًا ﴾ أي: نارًا مُوقدة شديدة الحرارة ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ ﴿ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا ﴾ يَنفعهمويُدافع عنهم، ﴿ وَلَا نَصِيرًا ﴾ يَنصرهم من عذاب ربهم ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾، فـ ﴿ يَقُولُونَ ﴾ نادمين: ﴿ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾ (لنكون مِن أهل الجَنَّة)، ﴿ وَقَالُوا ﴾: ﴿ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا ﴾ يعني: أطَعْنا أئمَّتنا في الضلال، وقادتَنا فيالشرْك ﴿ فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ﴾ أي: أضلونا عن طريق الهُدى والإيمان، ﴿ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ الذي تُعَذِّبنا به، ﴿ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ أي: اطرُدهم مِن رحمتك طردًا شديدًا، (وفي هذا تحذيرٌ من مصاحبة صَديقالسوء، فإنه يؤدِّي بصاحبه إلى النار).



الآية 69: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى ﴾ أي: لا تؤذوا رسولَ الله بقولٍ أوفِعل، حتى لا تكونوا مِثل الذين آذَوا نبيَّ الله موسى، ﴿ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ﴾ من الكذب في حقِّه، ﴿ وَكَانَ ﴾ موسى ﴿ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ أي: كان عظيم القَدْر والجاه عند اللهتعالى.



الآية 70، والآية 71: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي: اعملوا ما يُرضِيه، واجتنِبواما يُغضبه (خوفًا من عذابه) ﴿ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ أي: قولًامستقيمًا موافقًا للصواب، (خاليًا من الكذب والباطل)، فإنكم إنْ تفعلوا ذلك ﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ الدينية والدنيوية، (فيَقْبَل سبحانه أعمالَكم، ويُطَهِّر نفوسَكم، ويُطَمْئِنَ قلوبَكم، ويُيَسِّر أمورَكم) ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ فلا يُعاقبكم عليها؛ (كل ذلك متوقف على التقوى، والصبر على التقوى، والتزام الصدق)، ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ (بدخول الجَنَّة، والنجاة من النار).



الآية 72، والآية 73: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ ﴾ - وهي التكاليف الشرعية كلها - فعَرَضَها سبحانه ﴿ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾(عَرْضَ تخييرٍ لا إلزامَ فيه) ﴿ فَأَبَيْنَ ﴾ أي: رفضْنَ ﴿ أَنْ يَحْمِلْنَهَا ﴾ (لثِقلها وضخامتها)، ﴿ وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ أي: خِفْنَ مِن عاقبة تضييعها، وألَّايَقُمنَ بأدائها على الوجه الأكمل، ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾ بعد أن عُرِضَتْ عليه - والمقصود بالإنسان هنا آدم عليه السلام - فحَمَلها بما فيها من ثواب وعقاب، والتزم بها رغم ضَعفه، ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي: أكثر بني آدم - وهو الصنف الذي ضَيَّع الأمانة، وأسرَف في المعاصي - ﴿ كَانَ ظَلُومًا ﴾ لنفسه؛ (لأنه يُعَرِّضها للمَهالك)، ﴿ جَهُولًا ﴾ بعواقب الأمور.



♦ وقد حَمَلَها الإنسان - قضاءً وقدرًا منه سبحانه - ﴿ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ ﴾ (إنْ أصرُّوا على ما هم فيه من الضلال، ولم يتوبوا من التفريط في الأمانة التي حَمَلوها)، ﴿ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾؛ بستْر ذنوبهم، وتَرْك عقابهم ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ لكل مَن تابَ إليه منعباده، ﴿ رَحِيمًا ﴾ بهم، حيثُ جعل التوبة نجاةً لهم من عذاب جهنم.






[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السَّعدي"، وكذلك من كتاب: "أَيسَر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرُّف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدِّيًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبُّون كثرةَ الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمَّن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #170  
قديم 06-01-2022, 07:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود

الربع الأول من سورة سبأ


الآية 1، والآية 2: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ أي الثناء على اللهِ تعالى بصفاته التي كلّها كمال، والشكر له على نِعَمِهِ الظاهرة والباطنة، فهو سبحانه ﴿ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ مُلكًا وتدبيرًا وتصَرُّفاً وإحاطة، ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ: أي له سبحانه الشكر في الآخرة (على إدخاله المؤمنين جنته)، إذ يَحمده أهل الجنة بقولهم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)، وبقولهم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ)، ﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ ﴾ في فِعله، ﴿ الْخَبِيرُ ﴾ بشؤون خلقه، الذي ﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي يعلم كل ما يدخل في الأرض من الماء والأموات والكنوز وغير ذلك، ﴿ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ﴾ من النبات والمعادنوالمياه، ﴿ وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ من الأمطار والملائكة والكتب، ﴿ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾ يعني: وما يصعد إليها منالملائكة وأعمال الخلق، ﴿ وَهُوَ ﴾سبحانه﴿ الرَّحِيمُ ﴾ الذي لا يعاجل مَن عَصاهُ بالعقوبة، ﴿ الْغَفُورُ ﴾ لذنوب التائبين إليه. الآية 3، والآية 4: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: ﴿ لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ: يعني لن تأتينا القيامة، ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾، وهذا إخبارٌ من اللهِ ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ ﴾أي الذي يعلم ما غاب عن حَوَاسّ الناس، و﴿ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ ﴾ أي لايغيب عن علمه ﴿ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ ﴿ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا ﴾ مُثبَت ﴿ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ أي في كتابٍ واضح، وهو اللوح المحفوظ،وسوف تأتيكم الساعة﴿ لِيَجْزِيَ ﴾ اللهُ ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ أي آمَنوا باللهِ وبرسوله وبكل ما أخبر به رسوله من الغيب ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ (فأدَّوا الفرائض والواجبات، وسارَعوا في النوافل والخيرات)، ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ وهوالجنة. الآية 5: ﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا ﴾ يعني: وأما الذين اجتهدوا في إبعاد الناس عن الإيمان بآياتنا ﴿ مُعَاجِزِينَ ﴾ أي ظانّين أنهم يُعجزوننا، وأننا لن نَقدر على أخْذهم بالعذاب: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ﴾ أي لهم عذابٌ من أسوأ أنواع العذاب وأشَدّه ألمًا. الآية 6: ﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ يعني: ويَعلم العلماء الراسخونَ من أهل الكتاب - كعبد الله ابن سَلام وأصحابه - أنّ ﴿ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي القرآن ﴿ هُوَ الْحَقَّ ﴾ ﴿ وَيَهْدِي ﴾ أي يُرشد الناس ﴿ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ: يعني إلى الإسلام، الذي هوطريقُ اللهِ العزيز (والعزيز هو الغالب الذي لا يَمنعه أحد مِن فِعل ما يريد) ﴿ الْحَمِيدِ ﴾ الذي يَستحق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على مخلوقاته. الآية 7، والآية 8: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فيما بينهم - وهم يتحدثون في استهزاءٍ وسُخرية -: ﴿ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ ﴾ (يقصدون محمدًا صلىالله عليه وسلم) ﴿ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾ يعني يُخبركم أنكم إذا مِتُّم وتفرقتْ أجسامكم كُلَّ تفرُّق ﴿ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ أي ستُحيونوتُبعثون من قبوركم؟! ﴿ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾؟ ﴿ أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ﴾ يعني أم هو مجنون لا يدري ما يقول؟ ﴿ بَلِ ﴾ يعني ليسالأمر كما يقولون، فمحمد أصدق الصادقين، وأعقل أهل الأرض، فقد كانوا يَشهدونَ له بالصدق والأمانة، ورَضوا بحُكمه عندما أرادوا إعادة بناء الكعبة - وذلك قبل بعْثَتِهِ -، ولكنّ ﴿ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ ﴾ الدائم في الآخرة (بسبب عِنادهم واستهزائهم)، ﴿ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ﴾ عن الصواب فيالدنيا. الآية 9: ﴿ أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: يعني ألم يروا أن السماء والأرض مُحيطتان بهم من جميع الجهات، فـ﴿ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ ﴾ كما فَعَلنا بقارون (بسبب تكذيبهم واستهزاءهم برسولنا)، ﴿ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾ أي نُنزل عليهم قطعًا من العذاب(كما فَعَلنا بقوم شعيب)، فقد أمطرتْ السماء عليهم نارًا فأحرقتهم، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الذيذكرناه ﴿ لَآَيَةً ﴾ ظاهرة على قدرتنا عليهم ﴿ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴾ اي راجعٌ إلى ربه بالتوبة، مُقِرٌّ لهبتوحيده، مُخلِصٌ له في عبادته (فهذا هو الذي يَنتفع بآيات ربه). الآية 10، والآية 11: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ﴾ (وهي النُبُوّة والمُلك، وكتاب الزَبور)، وقلنا للجبال: ﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ﴾ أي سَبِّحي معه إذا سبَّح اللهَ تعالى،﴿ وَالطَّيْرَ ﴾ أيضاً أمَرناها أن تُسَبِّح معه،﴿ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ﴾ (فكان كالعجين في يده، يتصرف فيه كيف يشاء)، وهذا تسخيرٌ لا يقدر عليه إلا رب الأرض والسماء، وأوحينا إليه ﴿ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ ﴾ أي اعمل دروعًا طويلة بهذا الحديد (تَستر المقاتل وتحميه من ضربة السيف)، ﴿ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ﴾ أي قدِّر المسامير في حِلَق الدروع (يعني اجعل المسمار على قدر الحلقة)، فلا تجعلالحلقة صغيرة، فتَضْعُف الدروع عن الدفاع، ولا تجعلها كبيرة فتثقُلعلى لابسها، ﴿ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ أي اعمل يا داوود أنت وأهلك بطاعتي ﴿ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ لايخفى عليَّ شيء من أعمالكم، وستجدون جزاءها في جنتي.
الآية 12: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ ﴾ أي سَخَّرنا لسليمان الريحَ، فكانَ ﴿ غُدُوُّهَا شَهْرٌ ﴾ أي جريانها من أول النهار إلى منتصفه مسيرة شهر بالسير المعتاد، ﴿ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ: أي جريانها من منتصفالنهار إلى الليل مسيرة شهر (فبذلك كانت تقطع مسيرة شهرين في يوم واحد) ﴿ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ: أي جعلنا النحاس يسيل في يديه كما يسيلالماء، ليعمل به ما يشاء ﴿ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ أي سَخّرنا له بعض الجن، يعملون أمامه وتحت رقابته، فكانوا يعملون له ما يشاء ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِ ﴾ القادر على تسخير ما يشاء لمن يشاء، ﴿ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا ﴾ يعني: ومَنيَضِلّ من هؤلاء الجن عمّا أمرناه به من طاعة سليمان: ﴿ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ: أي نُذِقه من عذاب النارالمُستعِرة (أي الموقدة). الآية 13: ﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ: أي يعمل الجن لسليمان ما يشاء من مساجد للعبادة ﴿ وَتَمَاثِيلَ ﴾ من نحاس وزجاج (إذ لم تكن مُحَرَّمة في شريعتهم، ولكنها حُرِّمَتْ في شريعتنا سداً لباب الشرك، حتى لا تُعبَد كما عُبِدَت الأصنام)، ﴿ وَجِفَانٍ: أي قِصَاع (جمع قَصعة، وهي الإناء الذي يتسع لعدد من الأشخاص ليأكلوا فيه)، فكانوا يصنعون له قِصاع كبيرة﴿ كَالْجَوَابِ ﴾ يعني بحجم الأحواض الكبيرة التي يُجبَى إليها الماء (أي يَجتمع فيها الماء)، ﴿ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ: أي قدور ثابتات (لا تتحرك من أماكنهالعِظَمهنّ)، (والقدور جمع قِدر، وهو الوعاء الذي يُطبَخُ فيه)، فكانَ يُطبَخ فيها في أماكنها (لضخامة حجمها)، وقلنا لآل داوود: ﴿ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا: أي اعملوا بطاعة ربكم،شُكرًا له على ما أعطاكم من النعم، ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ أي قليلٌ مِن عبادي مَن يَشكرني كثيراً ولا يغفلون عن شُكري (وكان داوود وآله من هذاالقليل). الآية 14: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ﴾ يعني: فلمّا قضينا على سليمان بالموت: ﴿ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ﴾ أي: ما دَلَّ الجنُ على موته إلا "الأرَضَةُ" وهي تأكل عصاهالتي كان متكئًا عليها ﴿ فَلَمَّا خَرَّ ﴾ يعني: فلما سقط جسده الميت على الأرض: ﴿ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ ﴾ أي علمتْ الجن حينئذٍ ﴿ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ: يعني إنهم لو كانوا يعلمون الغيب - كما يكذبون على الناس - لَعَلموا بموت سليمان، و﴿ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ أي ما أقاموا في الأعمال الشاقة في خدمة سليمان؛ ظنامنهم أنه من الأحياء.♦ وفي هذا إبطالٌ لِمَا يعتقده بعض الناس من أن الجن يعلمون الغيب ثم يُخبرون به الساحر ليُخبر به الناس، وهذا خطأ، وإنما الذي يَحدث أن القرين الذي مع الساحر يعرف المعلومات من قرين الشخص الذي أتى إلى الساحر، ثم يخبره بها، فيقول الساحر لهذا الشخص: (إن اسمك كذا، واسم أمك كذا، وقد أتيتَ إليَّ بسبب كذا وكذا). من الآية 15 إلى الآية 19: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ ﴾ بـ "اليمن" ﴿ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ ﴾ عظيمة تدل على قدرة الله تعالى، وإنعامه على عباده، وهي: ﴿ جَنَّتَانِ ﴾ أي بُستانان عظيمان ﴿ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ﴾ يعني: جنة عن يمين الوادي، وأخرى عن شماله (كلها فواكه وخُضَر، تسقى بماء سَدّ "مأرِب")، وقالت لهم رُسُلهم: ﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ ﴾ ﴿ وَاشْكُرُوا لَهُ ﴾ نعمه عليكم، فهذه بلدتكم ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ﴾ أي كريمة التربة،حَسَنة الهواء، بعيدة عن الأوباء ﴿ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ يَغفر ذنوبكم متى تُبتم إليه من ذنوبكم واستغفرتم، ﴿ فَأَعْرَضُوا ﴾ عن أمْر الله وشُكره وكذَّبوا رُسُله ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ﴾ (وهو السيل الجارف الشديدالذي خرَّب السَدّ وأغرق البُستانين) ﴿ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ ﴾ المُثمرتين: ﴿ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ ﴾ يعني صاحبتَي ﴿ أُكُلٍ خَمْطٍ ﴾ (وهو الثمر المُرّ الكريه الطعم)، ﴿ وَأَثْلٍ ﴾ (وهو نوع من الشجر لاثمر له)، ﴿ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ يعني: وقليل من شجر النَّبْق (كثير الشوك)،﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا: يعني ذلك التبديل من الخير إلى الشر بسببكُفرهم، وعدم شكرهم لنِعَم ربهم، ﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ يعني: وهل نُعاقب بهذا العقاب الشديد إلا الجَحودالمُبالِغ في الكفر؟! والجواب: نعم، فإنه يُجازَى بمِثل فِعله.♦ ثم ذَكَرَ سبحانه بعض النعم الأخرى التي أعطاها لأهل سبأ قبل هَدْم السد وتفرقهم في البلاد، فقال: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ أي جعلنا بين قبيلة سبأ وبين قرى الشام: ﴿ قُرًى ظَاهِرَةً ﴾ أي مُدنًا متصلة يَرى بعضها بعضاً من على المرتفعات، ﴿ وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ: أي جعلنا المسافات بين كل مدينة وأخرى متقاربة (بحيث يخرج المسافر بلا ماء أو طعام، فيستريح أثناء سفره في مدينةٍ ما (يأكل فيها ويشرب)، ثم يُكمِل سَفَره، فإذا جاء الليل، فإنه ينام في مدينة أخرى، حتى يصل إلى الشام أو إلى المدينة التي يريدها)، وقلنا لهم: ﴿ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ: يعني سيروا في تلك القرى في أيِّ وقتٍ شئتم مِنليلٍ أو نهار، آمنينَ لا تخافونَ عدوًّا ولا جوعًا ولا عطشًا.♦ ولكنهم طَغَوا، ومَلُّوا من الراحة والأمن وطِيب العيش﴿ فَقَالُوا ﴾: ﴿ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا: أي اجعل قُرانامتباعدة، ليَبعُد سفرنا بينها، فلا نجد قرى عامرة في طريقنا، ﴿ وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ بكفرهم، فأهلكناهم بإرسال السيل وتخريب السد، ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ: أي قصصاً يَحكيها مَن بعدهم لتكون عبرةً لهم، ﴿ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ: أي شَرّدناهم وفَرَّقناهم كلتفريق بعد أن خُرِّبتْ بلادهم، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي فيما حدث لأهل "سبأ" ﴿ لَآَيَاتٍ ﴾ أي عِبَر عظيمة (على إعطاء النعم وسَلْبها)، وقوله تعالى: ﴿ لِكُلِّ صَبَّارٍ ﴾ أي كثير الصبر علىطاعة الله، وعن مَعاصِيه، وعلى أقداره، ﴿ شَكُورٍ ﴾ أي قائم بحقوق الله تعالى، يَشكره علىنِعَمِه حتى لا تُسلَبَ منه، (وقد خَصَّ اللهُ الصابرينَ الشاكرينَ بالذِكر؛ لأنهم هم الذين يَعتبرون بآياته ولا يَغْفُلون عنها). الآية 20، والآية 21: ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ أي صَدَقَ ظن إبليس فيهم أنه يستطيع إضلالهم ﴿ فَاتَّبَعُوهُ ﴾ أي أطاعوه وعصوا ربهم ﴿ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (فإنهم ثَبَتوا على طاعة الله تعالى، واعتصموا بالله منه)،﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ: أي لم يكن لإبليس قهر على هؤلاء الكفار ليكفروا، ﴿ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ ﴾ يعني: لكننا أذنّا له في إضلالهم بالتزيين والوسواس، لنعلم علماً ظاهراً للخلق مَن يؤمن بالآخرة (فيَصبر على الطاعات ويَجتنب الشهوات)، فينجو من النار ويدخل الجنة ﴿ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ﴾ (فيكفر بها رغم قوة الأدلة) ﴿ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ إذ يعلم سبحانه ما تخفيه صدور الخلق من الإيمان والشك، ثم يُجازي كُلاً بما يستحق. الآية 22: ﴿ قُلِ ﴾ أيها الرسول لمُشرِكي قومك: ﴿ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ (من الأصنام والملائكة والبشر)، واقصدوهم في قضاء حوائجكم، فإنهم لن يجيبوكم،لأنهم ﴿ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ (والمقصود أنهم لا يَملكون شيئاً من ذلك ملكاً تاماً دونَ أن يشاركهم فيها أحد)، ﴿ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ ﴾ يعني: ولا يشتركون معه سبحانه في ملك شيء في السماوات والأرض، لأن الكون كله ملكٌ لله وحده، ﴿ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ: يعني ليس هناك مُعِينٌ لله تعالى من معبوداتكم الباطلة على خَلْق شيء (حتى لا يُقال: إنه سبحانه يَحتاج إليهم، فلذلك سيَقبل شفاعتهم لكم)، بل اللهُ سبحانه هو المتفرد بالخلق، فلذلك لا يستحق العبادة غيره. الآية 23: ﴿ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ ﴾: أي لا تنفع شفاعة الشافع عند الله تعالى ﴿ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ في الشفاعة (ولمن ارتضى سبحانه أن يُشفَع له من أهل التوحيد).♦ ثم بيَّنَ سبحانه كيفية الشفاعة يوم القيامة، وهي أن الشافع المأذون له في الشفاعة، عندما يسأل ربه الشفاعة، يُجيبه الله تعالى، فيُصاب الشافع بخوفٍ شديد من عظمة الله وجلاله وسماع كلامه، حتى يصيبه ما يُشبه الإغماء، ﴿ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ: يعني إذا زال الخوف عن قلوبهم، سألوا الملائكة، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ لهم: ﴿ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ﴾ عندما طلبنا منه الشفاعة؟، ﴿ قَالُوا ﴾ أي قالت الملائكة لهم: ﴿ الْحَقَّ ﴾ أي قَبِلَ شفاعتكم، ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ ﴾ بذاته وقهره وعلوِّ قدْره،﴿ الْكَبِيرُ ﴾في ذاته وصفاته (فهو أكبر وأعظم من كلِّ شيء).

[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 285.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 279.01 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]