سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 16 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          دولة الموحدين - ملوك دولة الموحدين عبد المؤمن وابنه يوسف وحفيده يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          عقد مودة ورحمة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #151  
قديم 12-12-2021, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]


رامي حنفي محمود









تفسير الربع الأول من سورة النمل








الآية 1، والآية 2، والآية 3: ﴿ طس ﴾ سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، واعلم أن هذه الحروف تُقرأ هكذا: (طا سين)، ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ﴾؛ يعني: هذه هي آيات القرآن المُنَزَّلة على محمد صلى الله عليه وسلم، وهي آيات الكتاب الواضح في مَعانيهِ وأدلته، وحلاله وحرامه، وقد نزلت هذه الآيات لتكون ﴿ هُدًى ﴾؛ أي: مُرشِدةً إلى الحق، ﴿ وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ بالفلاح في الدنيا والفوز في الآخرة، وهؤلاء المؤمنون هم: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾؛ أي: يُؤَدُّونها في أوقاتها بخشوعٍ واطمئنان، ﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ لِمُستحِقيها، ﴿ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾؛ أي: يُصَدِّقون تصديقاً جازماً بالحياة الآخرة، وما فيها من الحساب والجزاء.







واعلم أنَّ الواو التي بين كلمة ﴿ الْقُرْآَنِ ﴾ وبين كلمة ﴿ كِتَابٍ ﴾، تُسَمَّى: (عَطْف بَيان)؛ يعني: عَطْف توضيح، لِتُبَيِّن أنَّ القرآن هو نفسه الكتاب، وليس معناها أنَّ ﴿ الْكِتَاب ﴾ شيءٌ، وأنَّ ﴿ القرآن ﴾ شيءٌ آخر، فكأنَّ المعنى: (تلك آيات القرآن الذي هو هذا الكتاب المُبين)، (فالقرآن هو الكتاب، وقد جَمَعَ الله له بين الاسمين)، وهذا مِثل قول أحدهم: (هذا هو اللقاء الثالث والأخير)، يعني هذا هو اللقاء الثالث، وهو نفسه اللقاء الأخير.







الآية 4، والآية 5: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ﴾؛ أي: حَسَّنَّا لهم أعمالهم السيئة فَفَعلوها؛ (عقوبةً لهم على تكذيبهم وعِنادهم)؛ ﴿ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴾؛ أي: يتخبَّطون في حيرتهم وضَلالهم؛ (لا يَعرفون مَعروفاً، ولا يُنكرون مُنكَرًا)، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾؛ أي: لهم العذاب السيِّئ في الدنيا: (قتلًا وأَسْرًا وذُلًّا وهزيمةً)، ﴿ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ﴾؛ أي: هم أخْسَرُ الناسِ صَفَقةً؛ لأنهم استبدلوا النعيم المُقيم بالعذاب الأليم.







الآية 6: ﴿ وَإِنَّكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾؛ أي: تتلقَّى القرآن مِن عند الله الحكيم في خلقه وتدبيره، الذي أحاط بكل شيء علمًا.







الآية 7: ﴿ إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ ﴾؛ أي: اذكر أيها الرسول قصة موسى عليه السلام، حين قال لزوجته - ومَن معها مِن خادم أو ولد - أثناء مَسيره ليلًا من "مَدْيَن" إلى "مصر" -: ﴿ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا ﴾؛ أي: أبصَرْتُ نارًا من بعيد (حصل لي بها بعض الأنس)، ﴿ سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ ﴾ يَدُلُّنا على الطريق، (وكانَ قد ضَلَّ الطريق إلى مصر بسبب ظُلمة الليل)، ﴿ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ؛ يعني: أو آتيكم منها بشُعلة نار ﴿ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾؛ أي: لتستدفئوا بها من البرد.







من الآية 8 إلى الآية 14: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ ﴾؛ يعني: فلمَّا وصل موسى إلى النَّار، ناداه الله تعالى، وأخبره: ﴿ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا؛ يعني: أخبره سبحانه أنه قدَّسَ هذا المكان وبارَكَه، وأنه بارَكَ مَن في النار؛ (وهو موسى عليه السلام) إذ كان يقف في البقعة المباركة التي ناداه الله منها، وأنه سبحانه بارَكَ مَن يقف حول النار مِنَ الملائكة، ﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ أي: تنزيهًا لله رب الخلائق عمَّا لا يليق به.







وقال الله له: ﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ ﴾ الذي لا يستحق العبادة غيري، ﴿ الْعَزِيزُ ﴾؛ أي: الغالب في انتقامي من أعدائي، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبير أمور خلقي، ﴿ وَأَلْقِ عَصَاكَ ﴾ - فألقاها موسى - ﴿ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾؛ يعني: فلمَّا رآى عصاه تتحرك في خِفَّة كما تتحرك الحية السريعة المعروفة بالـ (جانِّ) ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾؛ أي: فَرّ هاربًا ولم يَرجع إليها، فطمأنه الله بقوله: ﴿ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ ﴾ من الحية، ولا مِن غيرها؛ ﴿ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ؛ يعني: إني لا يخاف عندي مَن أرسلتهم برسالتي؛ ﴿ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ﴾؛ يعني: لكن مَن تجاوَزَ حدَّه بفِعل ذنبٍ، ﴿ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ﴾؛ أي: ثم تابَ مِن ذنبه (فبدَّل حُسْن التوبة بعد قبح الذنب)، وفَعَل الحسنات لتمحو السيئات؛ ﴿ فَإِنِّي غَفُورٌ ﴾ له ﴿ رَحِيمٌ ﴾ به، فلا ييئس من رحمة الله ومغفرته ﴿ وبهذا طمْأن اللهُ موسى عليه السلام، لأنه كان يشعر بالخوف من الذنب الذي فعله (عندما قتل المصري خطأً)، ﴿ وَأَدْخِلْ ﴾ يا موسى ﴿ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ﴾، ثم أخرِجها: ﴿ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾ - رغم اسمرار لون جسمك - ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾؛ أي: من غير بَرَص ﴿ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ ﴾؛ أي: في جُملة تسع معجزات؛ وهي: (العصا، واليد، والطوفان، والجَراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، ونقص من الثمرات والأنفس)؛ لتأييدك في رسالتك ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ﴾ ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾؛ أي: كانوا قومًا خارجينَ عن أمْر الله، كافرينَ به.







﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً ﴾؛ أي: واضحة - يَستدِل بها أصحاب البصائر على وحدانية اللهِ تعالى، وعلى صِدق نُبُوَّة موسى - ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾؛ أي: هذا سحرٌ واضحٌ، ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا ﴾؛ أي: كذَّبوا بالمعجزات التسع، وأنكروا بألسنتهم أن تكون من عند الله، ﴿ وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ﴾؛ يعني: رغم أن قلوبهم تَيَقَّنتْ أنها من عند الله تعالى، وذلك ﴿ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾؛ أي: اعتداءً على الحق وتكبُّرًا على الاعتراف به، ﴿ فَانْظُرْ ﴾ أيها الرسول ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾؛ أي: كيف كان مصير الذين كفروا بآيات الله، وأفسدوا في الأرض؟ لقد أغرقهم الله في البحر، وجعلهم عِبرةً لمن يَعتبر.







الآية 15: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ﴾؛ يعني: أعطيناهما عِلماً فعَمِلا به، ﴿ وَقَالَا ﴾: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا ﴾ بهذا العلم ﴿ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ (وفي هذا دليل على فضل العلم، وشرف أهله).







الآية 16: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ ﴾ أباهُ ﴿ دَاوُودَ ﴾ في العلم والنُبُوّة والمُلك، ﴿ وَقَالَ ﴾ سليمان لقومه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ﴾؛ أي: عَلَّمَنا اللهُ كلام الطير، ﴿ وَأُوتِينَا ﴾؛ أي: أُعطانا اللهُ تعالى ﴿ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يحتاجه الناس، ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴾؛ أي: هذا هو الفضل الواضح مِن ربنا علينا.







الآية 17، والآية 18، والآية 19: ﴿ وَحُشِرَ ﴾؛ أي: جُمِعَ ﴿ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ ﴾ في مَسيرةٍ لهم، ﴿ فَهُمْ ﴾ - رغم كثرتهم - ﴿ يُوزَعُونَ ﴾؛ أي: يُسَاقونَ بنظام (إذ كان يقف على كل نوعٍ مَن يُنَظِّم صفوفهم)، وظلوا في مَسيرتهم ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ ﴾: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾؛ ﴿ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ ﴾؛ أي: حتى لا يُهلككم ﴿ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ بوجودكم، فسمعها سليمان، وفَهِمَ كلامها؛ ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ﴾؛ لأنّ اللهَ هداها إلى تحذير النمل، واستشعر نعمة الله عليه، ﴿ وَقَالَ ﴾ داعيًا ربه: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي ﴾؛ أي: ألْهِمْني ووفقني ﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ﴾، ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ ﴾ عملًا ﴿ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾ مني، ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾؛ أي: في نعيم جنتك مع عبادك الصالحين.







الآية 20، والآية 21: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ﴾؛ أي: تَفَقّد سليمان حال الطير المُسَخَّرة له، وكان عنده هُدهُد متميز معروف، فلم يجده، ﴿ فَقَالَ ﴾: ﴿ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ﴾؟ أسَتَره ساترٌ عني؟ ﴿ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ﴾ عن حضور مجلسي؟ فلمَّا عَلِم أنه غائب قال: ﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾؛ تأديبًا له على غيابه، ﴿ أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ﴾؛ لأنه خالَفَ ما سُخِّر له، ﴿ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾؛ أي: بحُجّة ظاهرة، يُوَضِّح بها سبب غيابه.







من الآية 22 إلى الآية 26: ﴿ فَمَكَثَ ﴾ الهدهد زمنًا ﴿ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾، ثم حضر، فعاتبه سليمان على غيابه وتخلُّفه، ﴿ فَقَالَ ﴾ له الهدهد: ﴿ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ؛ أي: عَلِمتُ ما لم تَعلمه، ﴿ وَجِئْتُكَ مِنْ ﴾ مدينة ﴿ سَبَإٍ ﴾ بـ "اليمن" ﴿ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾؛ أي: بخبر خطير الشأن، وأنا على يقينٍ منه، ﴿ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ﴾؛ أي: تحكم أهل "سبأ"، ﴿ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من أسباب الدنيا، ﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ تجلس عليه لإدارة مُلكها، ﴿ وَجَدْتُهَا ﴾ هي، ﴿ وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾، ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾؛ أي: حَسَّن لهم أعمالهم السيئة التي كانوا يعملونها؛ ﴿ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾؛ أي: فصَرَفهم بذلك التزيين عن طريق توحيد الله تعالى؛ ﴿ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ إلى الحق.







وقد حَسَّنَ لهم الشيطان ذلك مِن أجل ﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ ﴾؛ أي: حتى لا يسجدوا للهِ ﴿ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ ﴾؛ أي: يُخرج المَخبوء المَستور عن الأنظار ﴿ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾؛ كالمطر الذي في السحاب، وكالنبات والمعادن التي في باطن الأرض، ﴿ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ ﴾ أيها الخلق في صدوركم، ﴿ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾؛ ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾؛ أي: الذي لا يستحق العبادة غيره، ﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ الذي هو أعظم المخلوقات.







[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السَّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #152  
قديم 12-12-2021, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود


الربع الثاني من سورة النمل

الآية 27 إلى الآية 31: ﴿ قَالَ ﴾ سليمان للهدهد: ﴿ سَنَنْظُرُ ﴾؛ أي: سنتأمل فيما جئتَنا به من الخبر عن أهل "سبأ": ﴿ أَصَدَقْتَ ﴾ في ذلك ﴿ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾؟ ثم كَتَبَ سليمانُ خطاباً لملكة سبأ، وقال للهدهد: ﴿ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ﴾؛ يعني: ألقِهِ إلى المَلكة ومَن معها، ﴿ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ؛ أي: تَنَحَّ عنهم قريبًا منهم (بحيث تَسمع كلامهم)، ﴿ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾؛ أي: فتأمَّل ما يَتردد بينهم من الكلام بشأن هذا الكتاب.
♦ فذهب الهدهد، وألقى الكتاب إلى الملكة، فقرأته، وجمعتْ أشراف قومها، و﴿ قَالَتْ ﴾ لهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾؛ يعني: إني وصل إليَّ كتابٌ عظيم القدر مِن شخصٍ عظيم الشأن، ﴿ إِنَّهُ مِنْ ﴾ المَلِك ﴿ سُلَيْمَانَ ﴾، ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ مُفتتَح بـ ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، ومَضمونُ كتابه: ﴿ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ ﴾؛ أي: لا تتكبروا عَمّا دَعَوتكم إليه، ﴿ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾؛ أي: مُنقادينَ لله بالوحدانية والطاعة.
الآية 32: ﴿ قَالَتْ ﴾ الملكة: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ﴾؛ يعني: أشيروا عليَّ في هذا الأمر، فـ﴿ مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾؛ يعني: ما كنتُ لأفصِل في أمْرٍ إلا بحضوركم ومشورتكم.
الآية 33: ﴿ قَالُوا ﴾ لها: ﴿ نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ: يعني: نحن أصحاب قوة في العدد والسلاح، وأصحابُ شجاعة وشدة في الحرب، (وهذا تصريح منهم بأنهم مستعدُّون للدفاع عن مَملكتهم)، وقالوا لها: ﴿ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ ﴾؛ فأنتِ صاحبة القرار، ﴿ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾؛ أي: ماذا تأمريننا به؟ فنحن سامعونَ لكِ، مُطيعونَ لأمرك.
الآية 34، والآية 35: ﴿ قَالَتْ ﴾ - مُحَذِّرةً لهم مِن مواجهة سليمان بالعداوة، ومُبيِّنة لهم سوء عاقبة القتال -: ﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً ﴾ بجيوشهم ﴿ أَفْسَدُوهَا ﴾؛ أي: خَرَّبوها، ﴿ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾؛ (فيَقتلونهم ويأسرونهم، ويُهِينونهم)، ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾؛ يعني: وهذه هي عادتهم حتى يَخافهم الناس، ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ ﴾؛ يعني: إلى سليمان وقومه ﴿ بِهَدِيَّةٍ ﴾ مشتملة على نفائس الأموال، ﴿ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ؛ أي: فمنتظرةٌ ما يَرجع به الرُسُل الذين أرسلتهم إليه، وعلى ضوء ذلك نتصرف، فإنْ أخَذَ سليمان الهدية فهو صاحب دنيا، وإنْ رَفَضَها فهو صاحب دِين، وعندئذٍ نُقَرِّر ما نفعله معه.
الآية 36، والآية 37، والآية 38: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ ﴾ رسولُ الملكة إلى ﴿ سُلَيْمَانَ ﴾ بالهديَّة ﴿ قَالَ ﴾ له - مستنكرًا عليه الهدية، ومتحدثًا بنعم الله عليه -: ﴿ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ﴾ تُرضونني به؟! ﴿ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ ﴾؛ أي: فما أعطاني الله مِن النُبُوّة والمُلك خيرٌ مما أعطاكم، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾؛ يعني: بل أنتم الذين تفرحون بالهدية التي تُهدى إليكم؛ لأنكم أهل مُفاخَرة بالدنيا، وقال له سليمان: ﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ ﴾؛ أي: ارجع إلى قومك ﴿ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ﴾؛ أي: لا طاقة لهم بمقاومتها، ﴿ وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا ﴾؛ أي: مِن أرضهم ﴿ أَذِلَّةً ﴾؛ أي: خاضعين، ﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾؛ أي: مُهانون (إن لم ينقادوا لدين الله وحده، ويتركوا عبادة مَن سواه).
♦ فلمّا ذهب رسول الملكة ﴿ قَالَ ﴾ سليمانُ مخاطبًا أشراف دولته، ومَن سَخَّرهم الله له من الجن والإنس: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا ﴾؛ أي: بعرش الملكة ﴿ قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾؟
الآية 39: ﴿ قَالَ عِفْريتٌ ﴾؛ أي: مارد قويٌّ ﴿ مِنَ الْجِنِّ ﴾: ﴿ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ﴾؛ أي: قبل أن تقوم من مجلسك هذا، ﴿ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ ﴾؛ أي: قويٌّ على حَمْله، ﴿ أَمِينٌ ﴾ على ما فيه من الجواهر وغيرها، (فسبحان الله العظيم، إذا كانت هذه هي قدرة مخلوق، فكيف بقدرة خالقه سبحانه وتعالى؟!).
الآية 40: ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ﴾، (وقد قيل: إنّ هذا الرجل كان يَعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب)، فقال لسليمان عليه السلام: ﴿ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾؛ أي: قبل ارتداد أجفانك إذا تحرَّكَتْ للنظر في شيء، فأذِنَ له سليمان، فدعا اللهَ تعالى فأتى بالعرش، ﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ ﴾ سليمانُ لمن حوله: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ﴾؛ أي: ليختبرني: ﴿ أَأَشْكُرُ ﴾ - اعترافًا بنعمته عليَّ - ﴿ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ بترك الشكر؟ ﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾؛ يعني: فإنَّ ثواب ذلك الشكر يَرجع إليه في الآخرة، ﴿ وَمَنْ كَفَرَ ﴾؛ أي: جَحَدَ النعمة، وتَرَكَ الشكر: ﴿ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ﴾ عن شُكره، ﴿ كَرِيمٌ ﴾؛ إذ يَعُمّ بخيره الشاكر والكافر في الدنيا، ثم يحاسبهم ويجازيهم في الآخرة.
الآية 41: ﴿ قَالَ ﴾ سليمان لمن عنده: ﴿ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا ﴾؛ أي: غيِّروه إلى حالٍ تُنكِره إذا رأته، ﴿ نَنْظُرْ ﴾؛ أي: حتى نرى: ﴿ أَتَهْتَدِي ﴾ إلى معرفة عرشها، ﴿ أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴾؟
الآية 42، والآية 43: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ ﴾ الملكة إلى سليمان ﴿ قِيلَ ﴾ لها: ﴿ أَهَكَذَا عَرْشُكِ ﴾؟ ﴿ قَالَتْ ﴾: ﴿ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾؛ يعني: إنه يُشبهه، (فظهر لسليمان أنها أصابت في جوابها بعد أن علمتْ قدرة الله تعالى، وصِدق نُبُوّة سليمان)، فقال سليمان في نفسه: ﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ ﴾؛ أي: باللهِ تعالى وقدرته ﴿ مِنْ قَبْلِهَا ﴾، ﴿ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾؛ أي: كنا مُنقادينَ لأمر الله، مُتَّبعينَ لدين الاسلام، ﴿ وَصَدَّهَا ﴾؛ أي: مَنَعَها عن عبادة الله وحده ﴿ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾؛ ﴿ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾؛ يعني: إنها كانت كافرة، ونشأتْ بين قوم كافرينَ، واستمرتْ على دينهم، وإلا فإنّ لها من الذكاء ما تعرف به الحق من الباطل، ولكنّ العقائد الباطلة تُذهب بصيرة القلب.
الآية 44: ﴿ قِيلَ لَهَا ﴾: ﴿ ادْخُلِي الصَّرْحَ ﴾؛ أي: ادخلي القصر، (وكانت ساحته مِن زجاجٍ تحته ماء)، ﴿ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ﴾؛ أي: ظنَّتْ أنه ماء ذات أمواج، ﴿ وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ﴾ لتخوض الماء، فـ﴿ قَالَ ﴾ لها سليمان: ﴿ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ﴾؛ يعني: إنه قصرٌ أملس من زجاجٍ صافٍ والماء تحته، فأدركتْ عظمة مُلك سليمان، و﴿ قَالَتْ ﴾: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ بما كنتُ عليه من الشرك، ﴿ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾؛ أي: دخلتُ منقادة - تابعة لسليمان - في دين رب العالمين.
الآية 45، والآية 46: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحده، فلا يوجد مَن يستحق العبادة غيره، فلمّا جاءهم صالحٌ بدعوة التوحيد: ﴿ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ﴾؛ أي: صار قومه فريقين: أحدهما مؤمن بدَعْوته، والآخر كافر بها، وكُلٌّ من الفريقين يَزعم أنه على الحق، فـ﴿ قَالَ ﴾ صالح عليه السلام للفريق الكافر: ﴿ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ﴾؛ يعني: لماذا تُسارعون بالكفر والأعمال السيئة التي تجلب لكم العذاب، وتؤخرون الإيمان والأعمال الحسنة التي تجلب لكم الرحمة؟، (ويُحتمَل أن يكون المعنى: لماذا تطالبونني بإنزال العذاب - الذي أنذرتُكم به - ليكون دليلًا لكم على نُبُوَّتي، بدلًا مِن أن تَطلبوا إنزال الرحمات والبركات وسعة الرزق، مع إنَّ ذلك سيكونُ دليلًا أيضًا على نُبُوَّتي - بعد أن أطلبها لكم مِن اللهِ تعالى - وأفضل لكم مِن طلب العذاب والهلاك؟!) ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾؛ يعني: هَلَّا تَطلبون مغفرة الله تعالى وتتوبون إليه حتى يرحمكم، (وفي هذا دليل على أن الاستغفار سبب من أسباب الرحمة).
الآية 47: ﴿ قَالُوا ﴾؛ أي: قال له الفريق الكافر: ﴿ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ﴾؛ أي: تَشاءَمْنا بك وبمن دخل في دينك، فـ﴿ قَالَ ﴾ لهم صالح: ﴿ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ؛ يعني: إنَّ ما أصابكم مِن خيرٍ أو شر، هو مُقدَّر عليكم من الله تعالى، وليست القضية قضية تشاؤم، ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾؛ أي: تُخْتَبرون بالسَرّاء والضَرّاء والخير والشر.
الآية 48، والآية 49: ﴿ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ ﴾؛ (أي: في مدينة صالح - وهي "الحِجْر" - الواقعة شمال غرب الجزيرة العربية)، فكانَ فيها ﴿ تِسْعَةُ رَهْطٍ ﴾؛ أي: تسعة رجال ﴿ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾؛ أي: جمعوا بين الفساد وترْك الإصلاح، وهم الذين اشتركوا في ذبْح الناقة، فـ﴿ قَالُوا ﴾؛ أي: قال هؤلاء التسعة بعضهم لبعض - في اجتماعٍ خاص -: ﴿ تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ ﴾؛ أي: ليَحلف كل واحد منكم بالله: ﴿ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ﴾؛ أي: لنَأتينَّ صالحًا فجأةً في الليل، فنقتله ونقتل أتْباعه، ﴿ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ﴾؛ أي: لوليِّ الدم مِن أقرباء صالح - وهو الذي يطالب بالثأر له -: ﴿ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ﴾؛ أي: ما حَضَرنا قتْلهم، ﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾، (وقد أرادوا قَتْل صالح وأتْباعه، مُعتقدينَ أنهم بذلك سوف يَمنعون وقوع العذاب الذي وَعَدَهم به بعد ثلاثة أيام مِن ذبْح الناقة).
الآية 50، والآية 51: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا؛ أي: دبَّروا هذه الحيلة الدنيئة؛ (حيثُ جاءوا إلى صالح وهو يصلي ليلًا تحت الجبل ليقتلوه)، ﴿ وَمَكَرْنَا مَكْرًا ﴾؛ أي: دَبَّرنا طريقة لنجاته وإهلاك الظالمين؛ (حيث أسقط اللهُ عليهم صخرة من الجبل فأهلكتْ التسعة كلهم)، وهكذا مَكَرَ اللهُ بهم ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾؛ أي: وهُم لا يتوقعون أنه يُدَبِّر لهم طريقًا لهلاكهم، جزاءً لهم على كَيدهم بنَبيِّهم.
♦ ثم أهلك اللهُ القوم كلهم بالصيحة - وذلك بعد مرور ثلاثة أيام مِن ذبْح الناقة - كما وَعَدهم صالح، فماتوا في ديارهم، ﴿ فَانْظُرْ ﴾ أيها الرسول ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ﴾؛ يعني: كيف كان مصير غَدْر هؤلاء الرجال بنَبيِّهم صالح ﴿ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ.
الآية 52، والآية 53: ﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً ﴾؛ أي: خالية ليس فيها أحد؛ إذ أهلكهم اللهُ ﴿ بِمَا ظَلَمُوا ﴾؛ أي: بسبب ظُلمهم لأنفسهم (بشِركهم وتكذيب نَبِيِّهم)، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾؛ أي: في إهلاك الرجال التسعة، وتدمير أهل ثمود المشركين ﴿ لَآَيَةً ﴾؛ أي: عِبرة ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾؛ أي: يَعلمون أنَّ هذه سُنَّتنا فيمَن يُكَذِّب رُسُلنا، فهؤلاء هم الذين يَعتبرون بآياتنا، ﴿ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾؛ أي: كانوا يتقون عذاب ربهم بالتوحيد والعمل الصالح.
♦ وفي هذه الآيات إثبات صفة المَكْر للهِ تعالى على النحو الذي يَليقُ بجلاله وكماله؛ لأنه مَكْرٌ بحق، وفي مقابلة مَكْر الماكرين، وقد كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: ((وامكُر لي، ولا تمْكُر عَلَيّ))؛ (انظر صحيح الترمذي: 355)، ومِمَّا يَجب أن يُعلَم أنَّ أفعالَ اللهِ تعالى لا تُشبه أفعال العباد، لأنّ ذاتَهُ سبحانه لا تُشبه ذَواتِهم.
الآية 54، والآية 55: ﴿ وَلُوطًا ﴾؛ أي: اذكر أيها الرسول خبر لوط عليه السلام ﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴾: ﴿ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ﴾؛ يعني: أتفعلون هذه الفعلة المُنكَرة التي بَلغتْ نهاية القبح ﴿ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾؛ أي: تُبصرون قُبحها؟! (إذ كانوا يأتونها في أنْدِيَتهم علانيةً بلا سِترٍ أو حجاب)، ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ﴾؛ أي: تنكحون الرجال للشهوة عِوَضًا عن النساء؟! ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾؛ أي: تجهلونَ حقَّ الله عليكم، فلذلك خالفتم أمْره بهذه الفعلة القبيحة التي لم يَسبقكم بها أحد من العالمين.
الآية 56: ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾ - بعد أن أنكر عليهم فِعلهم - ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا ﴾ لبعضهم - سُخريةً واستهزاءً -: ﴿ أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ﴾؛ فـ﴿ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾؛ أي: يتنزهون عن فِعل الفواحش.
الآية 57: ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ - المستجيبين لدعوته - من العذاب الذي سيَقع بقومه؛ ﴿ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾؛ أي: حَكَمنا عليها أن تكون من الباقين في العذاب؛ لأنها كانت عونًا لقومها على أفعالهم القبيحة.
الآية 58: ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا ﴾؛ أي: حجارة صَلبة شديدة الحرارة، نزلتْ عليهم كالمطر من السماء، ﴿ فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾؛ أي: قَبُحَ مطر مَن أنذرهم رسولهم، وقامت عليهم الحُجّة، فلم يستجيبوا له.



* وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #153  
قديم 12-12-2021, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود







تفسير الربع الثالث من سورة النمل








الآية 59: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ أي الثناء على اللهِ تعالى بصفاته الكاملة، والشكر له على نِعَمِهِ الظاهرة والباطنة، ﴿ وَسَلَامٌ ﴾ منه، وأمانٌ ﴿ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ أي الذين اختارهم لرسالته، ثم اسأل مُشرِكي قومك أيها الرسول: ﴿ آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ يعني: هل اللهُ الذي يَملك النفع والضر خيرٌ أم هذه الآلهة الباطلة التي يَعبدونها من دونه، والتي لا تملك لأنفسها ولا لعابدِيها نفعًا ولا ضرًا؟!







الآية 60: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ أي اسألهم: مَن خلق السموات والأرض؟، (وهذا التفسير باعتبار أنّ (مَن) هنا للاستفهام، ويُحتمَل أن تكون (مَن) بمعنى (الذي)، وعلى هذا يكون المعنى: (هل الأصنام التي لا تخلق ولا ترزق ولا تنفع ولا تضر خيرٌ أم الذي خلق السماوات والأرض) ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ ﴿ فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ أي ذات منظر حَسَن يَسُرّ الناظرين، ﴿ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ﴾ لولا أنّ الله أنزل عليكم الماء من السماء، وأخرج لكم الأشجار بقدرته،﴿ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ يعني: هل هناك معبود مع الله فعل هذه الأفعال حتى يُعبَد معه؟! ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ أي يُساوون اللَهَ بغيره في العبادة والتعظيم والمحبة والخوف، (إذ معنى يَعدلون:أي يُساوون، فهي مأخوذة من العدل والمُساواة)، فالذين كفروا يعبدون مع اللهِ أصناماً ومخلوقاتٍ لم يُساووا اللهَ في شيءٍ من الكمال، بل هم فقراء عاجزونَ ناقصونَ مِن كل وجه.



♦ واعلم أنّ الله تعالى قال: ﴿ فَأَنْبَتْنَا ﴾ بضمير الْمُتكَلِّم الْجَمْعِي، بعد أن قال: ﴿ وَأَنْزَلَ لَكُمْ ﴾ بضمير الْواحد الْمُفْرَد - وهو ما يُعرَف في اللغة بأسلوب الالتفات - لِيجعل الأذهان تلتفت إِلَى أهمية ما هو آتٍ، فَتَتَنبَّه إلى أَنّ هذَا الإخراج البديع والصُنع المُتقَن هو مِن فِعل البديع الْخَلاَّق جَلَّ وعَلا، ولَمَّا كان الماءُ واحداً، والنباتُ جَمعاً كثيراً: ناسَبَ ذلك إفراد الفِعل ﴿ أَنْزَلَ ﴾، وجَمْع الفِعل: ﴿ أَنْبَتْنَا ﴾، ومعلومٌ أن الشخص إذا قال: ﴿ فَعَلْنَا ﴾ أَرادَ الإفَادة بتعظيم نَفسِهِ (إذا كانَ مقامُهُ أهلاً لذلك)، كما يقول المَلِك أو الأمير في خطابه: (قرَّرْنا نحن، أو أمَرْنا نحن بكذا وكذا).







الآية 61: ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا ﴾ يعني: مَن الذي جعل لكم الأرض مُستقَرًا لكم ﴿ وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا ﴾ لِشُربكم ومَنافعكم،﴿ وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ﴾ أي جبالاً راسيةً لتثبيت الأرض ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ - العذب والملح - ﴿ حَاجِزًا ﴾ حتى لا يُفسد أحدهما الآخر؟ ﴿ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ يعني: هل هناك معبود مع الله فعل هذه الأفعال حتى يُعبَد معه؟! ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمون قَدْر عظمة الله، وأنّ عبادته سبحانه هي الحق، وعبادة غيره باطلة، فهم يُشركون بربهم تقليدًا لآبائهم من غير علمٍ أو دليل.







الآية 62: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ يعني: مَن الذي يُجيب المكروب إذا دعاه ﴿ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ الذي نزل به، ﴿ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾ أي جَعَلكم تَخلُفون مَن قبلكم؟ ﴿ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ يعني: هل هناك معبود مع الله فعل هذه الأفعال وأنعم عليكم بهذه النعم حتى تعبدوه معه؟! ﴿ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ أي قليلاً ما تتعظون، فلذلك أشركتم بالله غيره في عبادته.







الآية 63: ﴿ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ ﴾ يعني: مَن الذي يُرشدكم إذا ضللتم ﴿ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾؟﴿ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يعني: ومَن الذي يُرسل الرياح الطيبة التي تبشر الخلق بقرب نزولرحمة الله (وهي المطر)، إذ تثيره الرياح بإذن الله تعالى ليَرحم به عباده، فيَسقيهم ويُحيي به أرضهم الميتة؟ ﴿ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ يعني: هل هناك معبود مع الله فعل هذه الأفعال وأنعم عليكم بهذه النعم حتى تعبدوه معه؟! ﴿ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.








الآية 64: ﴿ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ يعني: مَن الذي يُنشئ المخلوقات من العدم، ثم يُميتهم، ثم يُعيدهم كهيئتهم قبل أن يُميتهم؟ (فإذا كنتم تعترفون بأنّ الله هو الذي خلقكم من العدم، إذاً فاعلموا أنّ الذي ابتدأ خَلْقكم بهذه الصورة قادرٌ على إعادتكم بعد الموت، بل إنَّ إعادة الخَلق أهْوَنُ عليه سبحانه (لأنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة)، ﴿ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ بإنزال المطر، ﴿ وَالْأَرْضِ ﴾ بإنبات الزرع وإخراج المعادن؟﴿ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ يعني: هل هناك معبود مع الله فعل هذه الأفعال وأنعم عليكم بهذه النعم حتى تعبدوه معه؟! ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ على استحقاق غيره للعبادة ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.








الآية 65، والآية 66: ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ أي: لا أحد - مِمّن في السماوات الأرض - يَعلم ما انفرد الله بعلمه من الغيب (ومن ذلك موعد قيام الساعة) ﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ: أي لا يعلم أحدٌ من الخلق متى سيَبعثهم الله مِن قبورهم أحياءً للحساب والجزاء؟ ﴿ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ ﴾ أي تكامَلَ عِلمهم في الآخرة، فأيقنوا بها عندما رأوا أهوالها (وذلك حين لا ينفعهم الإيمان والندم)، ﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ﴾ وهُم في الدنيا، ﴿ بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ﴾ يعني: بل عَمِيَتْ عنها بصائرهم، رغم قيام الحُجّة عليهم.







الآية 67، والآية 68: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: ﴿ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴾ أي سنخرج مِن قبورنا أحياءً كهيئتنا هذه، بعد أن تَحَلَّلتْ عظامنا في تراب الأرض؟! ﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ ﴾يعني: لقد قيل هذا الكلام لآبائنا مِن قبل، فلم نَرَهُ حقيقةً، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ أي: ما هذا الذي تتحدثون عنه من البعث والحياة الثانية إلا قصص السابقينَ التي لا حقيقةَ لها.







الآية 69: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لهؤلاء المُنكِرين للبعث: ﴿ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ بأجسادكم وقلوبكم، وتأمَّلوا في الهالكينَ كعادٍ وثمودَ وفي ديارهم﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ أي: كيف كان مصير المُكَذّبين للرسل؟ (فإنكم لن تجدوهم إلا مُعَذَّبين، قد فرَغَتْ ديارهم، وذهب عِزُّهم ومُلْكُهم، وزالَ نعيمهم وفخرهم، أليس في هذا أعظم دليل علىصِدْق ما جاءت به الرُسُل؟).








الآية 70: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ أي لا تحزن يا محمد على إعراض المشركين عنك وتكذيبهم لك، ﴿ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ أي: لا يَضِقْ صدرك مِن كَيدهم لك، ولا تهتم به، فإنّ اللهَ ناصرك عليهم.







الآية 71، والآية 72: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي: متى يحصل هذا العذاب الذي تَعِدُنا به يا محمد، إن كنت صادقاً أنت ومَن اتَّبعك؟، ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ ﴾ أي اقترب لكم ﴿ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ من العذاب، (وأوَّل عذاب نزل بهم: هزيمتهم يوم بدر وقَتْل زعمائهم، ثم القحط سبع سنين، ومَن مات منهم على الشِرك: فسوف يُعَذَّب في نار جهنم خالداً فيها أبداً).







الآية 73، والآية 74: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ﴾ بترك مُعاجلتهم بالعقوبة رغم مَعصيتهم وشِركهم، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ أي لا يَشكرونَ اللهَ على ذلك الإمهال بأن يتوبوا ويَنتهوا عَمّا هم فيه، بل يَزيدهم هذا الإمهال طغياناً ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ﴾ أي يعلم ما تخفيه صدور خلقه من النيات والخواطر، ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ أي: ويعلم سبحانه ما يُظهرونه من الأقوال والأفعال، وسيُجازيهم على ذلك كله.







الآية 75: ﴿ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ ﴾ أي: ما مِن حادثةٍ غائبة (والمقصود: ما مِن شيءٍ غائب عن حَواسّ الخلق) ﴿ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ ﴿ إِلَّا ﴾ مُثبَتٌ ﴿ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ أي في كتابٍ واضح عند الله تعالى، أحاطَ به علمه وكَتَبَه قلمه (وهو اللوح المحفوظ).







الآية 76، والآية 77: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ أي يُخبرهم بالحق في أكثر الأشياء التي اختلفوا فيها، ﴿ وَإِنَّهُ لَهُدًى ﴾ يعني: إنّ هذا القرآن هادٍ من الضلال (إذ هو أعظم دليل على صِدق البعث والتوحيد والنُبُوّة) ﴿ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي نجاةٌ لهم من العذاب (فهو رحمةٌ لمن صدَّق به وعمل بهُداه).







الآية 78، والآية 79: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ ﴾ أي يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل وغيرهم ﴿ بِحُكْمِهِ ﴾ يوم القيامة (فينتقم من الكاذبين المُعاندين، ويُثِيب الصادقين المحسنين) ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب الذي لا يُرَدُّ قضاؤه، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بمن على الحق ومن على الباطل (فلذلك لن يكونَ حُكمه إلا عادلاً)، وبُناءً على عِزّته سبحانه وعِلمه: ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ أي اعتمد عليه في كل أمورك، وثِق بنصره وحِفظه، فـ ﴿ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ أي على الحق الواضح الذي لا شك فيه، والعاقبة الحَسَنة لك ولأتْباعك.








الآية 80، والآية 81: ﴿ إِنَّكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ أي لا تقدر على إسماع مَن طَبَعَ الله على قلوبهم فأماتها (بسبب تراكُم الشرك والمعاصي عليها)، ﴿ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ ﴾ يعني إنك لا تَقْدر على إسماع الصُمّ (الذين فقدوا حاسة السمع)، فكذلك أنت لا تقدر على هداية هؤلاء المشركين - إلا أن يشاء الله هدايتهم - لأنهم كالصمٌّ، حيثُ لا يسمعونك سماع تدبُّر وانتفاع، وخصوصًا ﴿ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ﴾ يعني إذا كانوا مُعرِضينَ عنك، ﴿ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ ﴾ يعني لن تهدي مَن أعماه الله عن الهدى والرشاد، بسبب الكِبر والعناد، ﴿ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا ﴾ أي لا يُمْكنك أن تُسمِع إلا مَن يُصَدِّق بآياتنا ﴿ فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ أي مُستجيبونَ لِمَا دَعَوتَهم إليه، مُنقادونَ للحق، غير مُتَّبعينَ لأهوائهم وشهواتهم.







[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #154  
قديم 12-12-2021, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأخير من سورة النمل


الآية 82: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ﴾ يعني: إذا وَجَبَ العذاب عليهم - لاستمرارهم في المعاصي والطغيان، وإعراضهم عن شرع الله وحُكمه -: ﴿ أَخْرَجْنَا لَهُمْ ﴾ في آخر الزمان علامة من علامات الساعة الكبرى، وهي: ﴿ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ﴾ بكلامٍ يفهمونه، فتُخبرهم ﴿ أَنَّ النَّاسَ ﴾ - أي المُنكرين للبعث منهم - ﴿ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾ أي كانوا لا يُصَدّقون بالقرآن ولا يعملون به (رغم وضوحة وقوة حُجَّته وخلوده إلى قيام الساعة).

الآية 83، والآية 84، والآية 85: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ﴾ أي اذكر أيها الرسول لقومك يوم القيامة، يوم نَجمع مِن كل أُمَّةٍ جماعةً ﴿ مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا ﴾ وأدلتنا الواضحة، ﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ أي يُجمَعون، ثم يُساقون بنظامٍ إلى موقف الحساب ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءُوا ﴾ للعرض على ربهم ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي ﴾ التي أنزلتُها على رُسُلي، وبالآيات الدالة على استحقاقي وحدي للعبادة وعلى قدرتي على البعث ﴿ وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا ﴾ أي لم تحيطوا عِلمًا ببُطلانها حتى تُعرضوا عنها وتُكَذِّبوا بها؟!، ﴿ أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾؟ ﴿ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا ﴾ أي وجب عليهم حُكم الله بعذابهم بسبب ظلمهم وتكذيبهم ﴿ فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ ﴾ أي لا يَنطقون بحُجِّةٍ يَدفعون بها العذاب عن أنفسهم.

الآية 86: ﴿ أَلَمْ يَرَوْا ﴾ أي هؤلاء المُكَذِّبون ﴿ أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ ﴾ أي يَنامون فيه ليستريحوا من التعب في طلب الرزق، ﴿ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾ أي يُبصِرون فيه (للسعي في معاشهم)؟، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي في اختلاف حال الناس في الليل والنهار، وفي عناية الله تعالى بمصالح خلقه ﴿ لَآَيَاتٍ ﴾ تدل على أن الله هو المستحق وحده للعبادة، ثم خَصَّ سبحانه الذين ينتفعون بهذه الآيات بقوله: ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يؤمنون بكمال قدرة الله تعالى ووحدانيَّته وعظيمِ نعمه.

الآية 87: ﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ﴾ أي اذكر أيها الرسول يوم يَنفخ المَلَك في "القرن" (وهو المعروف بـ "البوق") ﴿ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾ فزعًا شديدًا مِن هَوْل النفخة، ﴿ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ أن يحفظه من الفزع، ﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ يعني: وكل مخلوقٍ يأتي إلى ربه طائعاً ذليلاً.

الآية 88: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ﴾ أي تظنها واقفة مستقرة ﴿ وَهِيَ ﴾ في الحقيقة ﴿ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ أي تسير سَيرًا بطيئاً مِثل سَيْر السحاب بسبب دوران الأرض (إذ تدور الجبال مع الأرض أثناء دورانها، والناظر إليها يظنها ثابتة) (فسبحان مَن عَلَّمَ محمداً صلى الله عليه وسلم - النبي الأُمِّيّ - هذه الحقيقة)، انظروا ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ ﴿ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ (فكما أنه سبحانه يَعلم حركة هذه الجبال، وكما أنه أخبركم عن هذه الحركة الخفية ولم تتأكدوا منها إلا بأدق الأجهزة، فكذلك يعلم سبحانه كل فِعلٍ تفعلونه، وكل كلمةٍ تنطقونها، وكل فكرةٍ تخطر ببالكم، فيَنبغي عليكم أن تستشعروا مراقبة الله لكم، لأنه سبحانه سيُحاسبكم على أعمالكم).

الآية 89: ﴿ مَنْ جَاءَ ﴾ يوم القيامة ﴿ بِالْحَسَنَةِ ﴾ أي بتوحيد الله تعالى، وبالأعمال الصالحة (الخالصة لوجهه، والمُوافِقة لشَرعه): ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ﴾ إذ تُضاعَف له أعماله عشرة أضعاف، ﴿ وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ ﴾ أي هُم آمنونَ من الخوف يوم القيامة، إذ تتلقاهم الملائكة لتُبَشّرهم بالجنة.

الآية 90، والآية 91، والآية 92: ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ﴾ أي بالشرك والمعاصي يوم القيامة: ﴿ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾ أي: فجزاؤهم أن يَكُبَّهم الله على وجوههم في النار، ويُقال لهم - توبيخاً - وهم يُعَذّبون: ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾؟
♦ وقل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ ﴾ وهي "مكة"، فهو سبحانه ﴿ الَّذِي حَرَّمَهَا ﴾ أي حَرَّم على خلقه أن يَسفكوا فيها دمًا حرامًا، أو يظلموا فيها أحدًا، أو يصيدوا صيدها، أو يقطعوا شجرها، ﴿ وَلَهُ ﴾ سبحانه ﴿ كُلُّ شَيْءٍ﴾ - خلقاً وملكاً وأمراً - كما قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾، ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ أي المنقادينَ لأمره سبحانه، المُسارعينَ في طاعته، ﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ ﴾ ليَهتدي به الناس، ﴿ فَمَنِ اهْتَدَى ﴾ بما فيه وعَمِلَ به: ﴿ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ﴾ لأنّ ثواب ذلك سيعود عليه وحده، ﴿ وَمَنْ ضَلَّ ﴾ عن الحق بعد وضوحه: ﴿ فَقُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ (الذين يُخَوِّفون قومهم عذاب ربهم)، وأما هداية القلوب فهي إلى الله وحده (إذ يهدي سبحانه مَن طلب الهداية بصِدق وسَعَى في تحصيل أسبابها، ولا يُضِلُّ سبحانه إلا مَن رغب في الضلال وسعى إليه وأحَبَّه).

الآية 93: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ أي الثناء على اللهِ تعالى بصفاته التي كلُّها كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، ﴿ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ ﴾ في أنفسكم وفي السماء والأرض ﴿ فَتَعْرِفُونَهَا ﴾ مَعرفةً تَدُلُّكم على الحق وتبيِّن لكم الباطل ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾، وسيُجازيكم على أعمالكم.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #155  
قديم 19-12-2021, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأول من سورة القصص


الآية 1: ﴿ طسم سبق الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (طا سين ميم).

الآية 2: ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِأي: هذه هي آياتُ الكتاب المُوَضِّح لكل ما يحتاجه العباد في دُنياهم وأُخراهم.

الآية 3: ﴿ نَتْلُوا عَلَيْكَ أيها الرسول - في هذه السورة - ﴿ مِنْ نَبَإِ أي مِن خَبَر ﴿ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ أي بالصدق ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَأي يُصَدِّقون بهذا القرآن ويعملون بهُداه.

الآية 4: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا أي تَكَبَّر وطغى ﴿ فِي الْأَرْضِ أي في أرض مصر ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا أي طوائف متفرقة، يُعادي بعضها بعضاً، وكانَ فرعون ﴿ يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ - وهُم بنو إسرائيل - إذ كان ﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ الذكور (حتى لا يأتي منهم مَن يَستولي على مُلْكه)، ﴿ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ أي يَترك بناتهم أحياءً ذليلات للخِدمة والإهانة ﴿ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ الذين ارتكبوا الجرائم العظيمة، حتى ادَّعى الألوهية من دون الله تعالى.

الآية 5، والآية 6: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ أي نُنعِم ﴿ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ فنُنَجِّيهم من ذلك العذاب والأسْر ﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً أي قادةً في الخير ودُعاةً إليه ﴿ وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ أي يرثون الأرض بعد هلاك فرعون وقومه، ﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ أي نُهَيّئ لهم - من الأسباب الدنيوية - ما يُصبحون به متمكنينَ ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ: أي نجعل فرعون وهامان وجنودهما يرون من هذه الطائفة المُستضعَفة ما كانوا يخافونه مِن ذهاب مُلكهم على يد مولودٍ منهم (وهو موسى عليه السلام).

الآية 7، والآية 8: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أي ألْهمناها حين ولدتْ موسى ﴿ أَنْ أَرْضِعِيهِ وأنتِ مطمئنة، ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ أن يذبحه فرعون - كما يُذَبِّح أبناء بني إسرائيل -: ﴿ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ أي ضعيه في صندوقٍ وألقيه في النيل ﴿ وَلَا تَخَافِي من فرعون وقومه أن يقتلوه، ﴿ وَلَا تَحْزَنِي على فِراقه، فـ ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فوضعته في صندوق وألقته في النيل ﴿ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ أي عثر عليه أعوان فرعون وأخذوه ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ أي: ليصير موسى لهم ﴿ عَدُوًّا وَحَزَنًا لأنّ إهلاكهم سيكون على يده، (واعلم أنّ اللام التي في قوله تعالى: (لِيَكُونَ لَهُمْ) تُسَمَّى لام العاقبة)، ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ أي كانوا ظالمينَ آثمين.

الآية 9: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لفرعون: هذا الطفل ﴿ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ أي سيكون مصدر سرور لي ولك، ﴿ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أي لعلنا نستفيدُ مِن خِدمته، ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا: يعني أو نُقيمه عندنا مقام الولد (وقد قالت ذلك لأنه لم يكن لها ولد)، ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ: أي لا يُدرك فرعون وأعوانه أنّ هلاكهم سيكون على يد هذا الطفل.

الآية 10: ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ﴾ يعني أصبح قلبها خاليًا من كل شيء في الدنيا إلا مِن هَمِّ موسى وذِكره، ﴿ إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي لقد قاربت أن تُظهِر للناس أنها ألقته في النيل (وذلك من شدة الحزن عليه) ﴿ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا يعني لولا أننا ثبتناها فصبرتْ ﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي لتكون من الموقنين بوعد الله لها.

الآية 11: ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ - حين ألقته في النيل -: ﴿ قُصِّيهِ أي تَتَبَّعي أثر الصندوق الذي فيه موسى، فسارت أخته على شاطئ النهر وهي تنظر إلى الصندوق، حتى انتهى إلى قصر فرعون ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أي أبصرتْ موسى عن بُعْد وهو في يد الجنود ﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أي لا يعرفون أنّ هذه البنت التي تنظر إليه من بعيد هي أخته.

الآية 12: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ أي منعناه من قبول جميع المُرضِعات اللاتي أحضرهُنّ له فرعون، وذلك ﴿ مِنْ قَبْلُ أي مِن قبل أن نردَّه إلى أمه ﴿ فَقَالَتْ لهم أخته - وكانت تأتي وتقف قريباً من القصر لتتابع أخباره -: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ أي يُحسنون تربيته وإرضاعه؟ ﴿ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ أي مُشفقون عليه، لا يَمنعون عنه ما ينفعه، فوافقوها على ذلك.


الآية 13: ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ ووَفينا إليها بالوعد ﴿ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا أي حتى تفرح بنجاته من الغرق والقتل ﴿ وَلَا تَحْزَنَ على فراقه ﴿ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ أي أكثر الناس ﴿ لَا يَعْلَمُونَ أن الله لا يخلف الميعاد.

الآية 14: ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ يعني: ولمَّا وَصَلَ موسى إلى مُنتهى قوته في شبابه ﴿ وَاسْتَوَى أي كَمُلَ عقله: ﴿ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا أي عَلَّمناهُ كيف يَحكم بين الناس، وأعطيناه الحِكمة في القول والعمل، ﴿ وَعِلْمًا وهو الفِقه في دين إبراهيم عليه السلام (وهو الإسلام)، ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَيعني: وكما أعطينا موسى هذا العطاء (جزاءً له على إحسانه)، فكذلك نُعطي المحسنين عِلماً نافعاً جزاءً لهم على إحسانهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ أي عِلماً ونوراً تُفرِّقون بهِ بين الحق والباطل والحلال والحرام.

الآية 15: ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ أي دخل موسى مدينة فرعون، (والظاهر أنه كان غائباً عن المدينة لأمرٍ اقتضى ذلك)، فدخلها ﴿ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَاأي دخلها في وقت الظهيرة (الذي كان ينام فيه الناس)، ﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ: ﴿ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ: يعني أحدهما من قوم موسى (من بني إسرائيل)، والآخر (مصري) من قوم فرعون، (وقد كانَ فرعون وقومه أعداءً لبني إسرائيل، لأنهم كانوا يُذيقونهم أشد العذاب) ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ أي طلب الرجل الإسرائيلي أن ينصره موسى على القبطي ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ أي: فضرب موسى القبطي بقبضة يده فمات، فحينئذٍ ﴿ قَالَ موسى: ﴿ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ لأنه هو الذي هيَّج غضبي، حتى ضربتُ الرجل فمات، ﴿ إِنَّهُ أي الشيطان ﴿ عَدُوٌّ لابن آدم، ﴿ مُضِلٌّ عن سبيل الرشاد، ﴿ مُبِينٌ أي عداوته واضحة للإنسان، (وقد حدث ذلك القتل الخطأ قبل أن يكون موسى عليه السلام نبياً).

الآية 16: ﴿ قَالَ موسى - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بقتل النفس التي حَرّمتَ قتْلها ﴿ فَاغْفِرْ لِي ذلك الذنب، ﴿ فَغَفَرَ اللهُ ﴿ لَهُ ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ لذنوب عباده التائبين، ﴿ الرَّحِيمُ بهم، فلا يُعذبهم بذنبٍ تابوا منه.

الآية 17: ﴿ قَالَ موسى: ﴿ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ أي: بسبب إنعامك عليَّ بالتوبة والهداية والعلم: ﴿ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ أي لن أكون مُعينًا لأحد على معصيته وإجرامه بعد ذلك، (ومِن ذلك أيضاً أنه سيَعتزل فرعون وملئه، لأنهم ظالمونَ مجرمون).

الآية 18: ﴿ فَأَصْبَحَ موسى ﴿ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ أي يُراقب الأخبار التي يتحدث بها الناس في أمْره وأمْر قتيله، ﴿ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ أي: فرأى صاحبه بالأمس يُقاتل قبطيًا آخر، ويَستغيثه بأعلى صوته، فـ ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ: يعني إنك ضالٌ واضح الضَلالة (لأنك قاتلتَ بالأمس، واليوم تقاتل أيضاً).

الآية 19: ﴿ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أي موسى ﴿ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا - وهو القبطي - بسبب كثرة استغاثة الإسرائيلي بموسى: ﴿ قَالَ له القبطي: ﴿ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ؟ ﴿ إِنْ تُرِيدُ أي: ما تريد ﴿ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا أي طاغية، تضرب وتقتل كما تشاءُ ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴿ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ الذين يُصلحون بين المتخاصمين.

وقد قال بعض المُفَسِّرين: (إنّ الذي قال هذه الجملة: (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ) هو الإسرائيلي وليس القبطي، لأنه خاف مِن هجمة موسى - ظانّاً أنه يريده هو - وذلك بعد أن قال له: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ﴾، فلمّا سمع القبطي مَقالة الإسرائيلي نَقَلها إلى القصر، لأنه كان من عُمّال القصر)، واللهُ أعلم.

الآية 20، والآية 21: ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ أي مِن آخر المدينة ﴿ يَسْعَى أي يَمشي مُسرِعاً، فـ ﴿ قَالَ: ﴿ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ وهُم أشراف قوم فرعون ﴿ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ أي يَتشاورون في أمْرك، ويُطالب بعضهم بقتلك ﴿ فَاخْرُجْ من هذه المدينة ﴿ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴿ فَخَرَجَ موسى ﴿ مِنْهَا أي من مدينة فرعون ﴿ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ أي ينتظر أن يُدركه جنود فرعون ليأخذوه، فـ ﴿ قَالَ - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (وقد وَصَفهم موسى بالظلم لأنهم مُشركون، ولأنهم أرادوا قتله قِصاصاً عن قتلٍ خطأ، وهذا ظلم).

الآية 22: ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَن يعني: ولمّا قَصَدَ موسى بلاد "مَدْيَن" وخرج مِن مُلك فرعون وسلطانه: ﴿ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ يعني: أرجو ربي أن يرشدني إلى خير طريق إلى بلاد "مَدْيَن" حتى لا أَضِلّ فأهلَك، (فاستجاب اللهُ له، وهَداه الطريق السَوِيّ، الذي أوصله إلى بلاد مَدْيَن سالماً).

الآية 23، والآية 24: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ أي عندما وَصَلَ ﴿ مَاءَ مَدْيَن - وهي بئرٍ يَسقي منها أهل مَدْيَن -﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً أي جماعة ﴿ مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ بهائمهم، ﴿ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ أي وجد امرأتين - منفردتين عن الناس - ﴿ تَذُودَانِ أي تمنعان غنمهما عن الماء لعَجزهما عن مزاحمة الرجال، فلمّا رآهما موسى عليه السلام رَقَّ لهما، و﴿ قَالَ: ﴿ مَا خَطْبُكُمَا يعني: ما شأنكما؟ ﴿ قَالَتَا: ﴿ لَا نَسْقِي مَواشينا ﴿ حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُيعني حتى يَصرف الرُعاة مَواشيَهم عن الماء، ويَبقى الماء لنا وحدنا، ﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ لا يستطيع أن يَسقي ماشِيَته.

﴿ فَسَقَى لَهُمَا ماشِيَتهما، ﴿ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ أي ذهب إلى ظل شجرة ليَستظلَّ بها ﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ: يعني إني مُحتاجٌ إلى الخير الذي اعتدتُ أن تُنزِله إليّ (والمقصود: إنني مُحتاجٌ إلى أيّ خيرٍ تسوقه إليَّ - كالطعام وغيره - وكان قد اشتد به الجوع).

الآية 25: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا أي إحدى المرأتين اللتين سقى لهما، وكانت ﴿ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ أي تسير إليه في حياء، فـ ﴿ قَالَتْ له: ﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ أي حَكى له قصصه مع فرعون وقومه: ﴿ قَالَ له أبوها: ﴿ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَإذ لا سُلطانَ لهم بأرضنا.

الآية 26: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا لأبيها: ﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أي اجعله أجيراً عندك ليَرعى ماشيتك (بالأجرة)، فـ ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّعلى حِفظ ماشِيَتك، ﴿ الْأَمِينُ الذي لا تخافُ خيانته.
وقد قيل إنها وَصَفته بالقوة لأنه رفع صخرةً كانت على البئر - لا يرفعها إلا عدد من الناس - فرفعها موسى وحده، ووَصَفته بالأمانة لأنه كان يغض بصره عن النظر إليها.

الآية 27: ﴿ قَالَ الشيخ لموسى: ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ أي أزوِّجك ﴿ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴿ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ: يعني على أن تكون أجيرًا لي في رَعْي ماشِيَتي ثماني سنين مقابل زواجك لها، ﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ يعني: فإنْ أكملتَ عشر سنين، فهذا إحسانٌ من عندك، ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ بجَعْل الشرط عشر سنين، و﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ في حُسن الصحبة والوفاء بما قلتُ.
واعلم أنّ لفظ "الحِجَج" (المذكور في الآية) مُشتَقّ من "الحج"، لأن الحج يقع كل سنة، فأراد بالثماني حِجَج: ثماني سنوات.

الآية 28: ﴿ قَالَ له موسى: ﴿ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يعني: ذلك الذي قلتَه قائمٌ بيني وبينك (فأنا أوفي بشرطي وأنت توفي بشرطك)، ﴿ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ يعني أيّ المدتين قضيتُها في العمل: ﴿ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ: أي لا أُطالَب بزيادة عليها، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ أي يُراقبنا سبحانه، ويَعلم ما تعاقدنا عليه، وهو خير الشاهدين، (واعلم أنّ الوكيل: هو الذي يُوَكَّل إليه الأمر، وقد أراد موسى هنا أنه وَكَّلَ إليه سبحانه الوفاء بما تعاقدا عليه، حتى إذا أخَلَّ أحدهما بشيءٍ كان اللهُ مؤاخذه).


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #156  
قديم 19-12-2021, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الثاني من سورة القصص







الآية 29: ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ يعني: فلمَّا أكمل موسى المدة المتفق عليها (وهي ثَمان أو عشر سنوات)، ﴿ وَسَارَ بِأَهْلِهِ إلى أرض "مصر" لزيارة والدته وإخوته: ﴿ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا أي رأى نارًا من جانب جبل الطور بسيناء، فـ ﴿ قَالَ لِأَهْلِهِ أي قال لزوجته - ومَن معها مِن خادم أو ولد -: ﴿ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا ﴾: أي انتظروني هنا، فقد أبصرتُ نارًا مُوقدة، وسأذهب لأراها ﴿ لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ يَدُلّنا على الطريق (وكانَ قد ضَلّ الطريق إلى مصر بسبب ظُلمة الليل)، ﴿ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ يعني أو آتيكم منها بشعلة من النار ﴿ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي لتستدفئوا بها.




الآية 30، والآية 31، والآية 32: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يعني: فلمّا وَصَلَ موسى إلى تلك النار، ناداه اللهُ تعالى ﴿ مِنْ شَاطِئِ أي مِن جانب ﴿ الْوَادِ الْأَيْمَنِ أي الوادي الذي عن يمين موسى ﴿ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ أي في قطعة الأرض المباركة (وهي الوادي المقدس "طُوَى")، ﴿ مِنَ الشَّجَرَةِ أي من ناحية الشجرة (وقد كانت الشجرة الوحيدة في هذا المكان)، فناداه سبحانه ﴿ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ يعني: وأمَرَه اللهُ أن يُلقِ عصاه، فألقاها موسى على الأرض، ﴿ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ يعني: فلمّا رأى عصاه تتحرك في خِفّة كما تتحرك الحية السريعة المعروفة بالـ (جانّ): ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ أي فَرّ هاربًا ولم يَرجع إليها، فطمأنه اللهُ بقوله: ﴿ يَا مُوسَى أَقْبِلْ على العصا ﴿ وَلَا تَخَفْ من الحية ولا من غيرها، فـ ﴿ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ من كل مكروه، ﴿ اسْلُكْ يعني أدخِل يا موسى ﴿ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ ثم أخرِجها: ﴿ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ - رغم اسمرار لون جسمك - ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي من غير بَرَص ﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ: أي اضمم إليك يدك - بأن تضعها على صدرك - ليذهب خوفك من الحية، وتعود يدك عادية لا نور فيها، ﴿ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ يعني: فهاتان المعجزتان: (تحوُّل العصا إلى حية، وجَعْلِ يدك بيضاء تلمع من غير بَرَص)، هُما آيتان ﴿ مِنْ رَبِّكَ تَدُلاّن على صِدق رسالتك ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ أي كانوا قومًا خارجينَ عن أمْر الله، كافرينَ به.



الآية 33، والآية 34: ﴿ قَالَ موسى: ﴿ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا - وهو القبطي الذي قتلته خطأً - ﴿ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا يعني أفصح مِنّي نُطقًا، (وقد قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: كانَ في لسانه عُقدة - يعني صعوبة في النطق - تمنعه من كثير من الكلام)، ﴿ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ أي اجعل هارون رسولاً مِثلي، ليكونَ ﴿ رِدْءًا أي عونًا لي على تبليغ الرسالة ﴿ يُصَدِّقُنِي أي يوَضِّح لهم ما أخاطبهم به، فيكون ذلك تصديقاً منه لي، ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ إن لم يُعينني أخي هارون.



الآية 35: ﴿ قَالَ اللهُ لموسى: ﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ أي سنقوِّيك بأخيك هارون، ﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا أي حُجّة قوية على فرعون وقومه ﴿ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بسوء (بسبب رهبتهم من قوة الآيات)، ﴿ بِآَيَاتِنَا أي: بسبب آياتنا، سوف تكونان ﴿ أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ أي المنتصرون على فرعون وقومه بقوة الحُجّة.



الآية 36: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ أي واضحات، تشهد لهم بصِدق ما جاء به موسى مِن عند ربه: ﴿ قَالُوا لموسى: ﴿ مَا هَذَا - الذي جئتنا به - ﴿ إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى أي سِحراً افتريتَه كذبًا وباطلاً ﴿ وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ: أي لم نَسمع قبل ذلك كلاماً مِثل الذي تدعونا إليه، ولم يَقُل به أحدٌ من أجدادنا السابقين.




الآية 37: ﴿ وَقَالَ مُوسَى لفرعون: ﴿ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ يعني: ربي أعلم بمَن على الحق مِنَّا (وهو الذي جاء بالآيات الواضحة من عند ربه)، ﴿ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ أي: ويعلم سبحانه مَن الذي ستكون له العاقبة الحسنة في الدار الآخرة، ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ يعني: إنه لا يفوز برضوان اللهِ وجَنَّتِه مَن تجاوز حَدَّهُ، فأشركَ مع اللهِ غيره.



الآية 38: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ لأشراف قومه: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي، ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ يعني أشْعِل نارًا على الطين حتى يصبح صلباً متماسكاً ﴿ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا أي ابْنِ لي بناء عاليًا ﴿ لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى يعني: لعلي أقف عليه وأنظر إلى معبود موسى الذي يدعونا إلى عبادته ﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ أي أظن أنّ موسى ﴿ مِنَ الْكَاذِبِينَ، (واعلم أنّ هامان هو أحد وزراء فرعون، وقيل إنه رئيس وزرائه، واللهُ أعلم).



الآية 39، والآية 40: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِأي تعاظموا في الأرض التى خلقناها لهم، وتكبروا عن تصديق موسى واتِّباعه ﴿ بِغَيْرِ الْحَقِّ إذ لا حقّ لهم في ذلك الاستكبار (لأنّ أدلة موسى واضحة)، ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ بعد مَوتهم، ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ أي ألقيناهم جميعًا في البحر وأغرقناهم، ﴿ فَانْظُرْ أيها الرسول ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ أي: كيف كان مصير هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بربهم؟



الآية 41، والآية 42: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أي جعلنا فرعون وقومه قادةً إلى النار (إذ يَقتدي بهم أهل الباطل في الكفر والمعاصي المُوجِبة لدخول النار) ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ أي لا يَنصرهم أحد من عذاب ربهم (بسبب كفرهم وتكذيبهم لرسولهم) ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً أي طرداً من رحمتنا (انتهت بِهِم إلى الغرق والخسران)، وأخبارهم القبيحة قد وصلتْ إلى كل جِيل، فيَلعنهمالمؤمنون ويَذمُّونهم، ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ الذين تُستقذَر أفعالهم، المطرودينَ من رحمة ربهم.



الآية 43: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ - وهو التوراة - ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى أي مِن بعد ما أهلكنا فرعون وقومه والأمم التي قبلهم - كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب "مَدْيَن" -، إذ لم يَنزل عذابٌ بأمةٍ بأكملها بعد نزول التوراة، وقد كانت التوراة ﴿ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ أي يُبصِر بها بنو إسرائيل ما ينفعهم وما يضرهم، ﴿ وَهُدًى أي إرشاداً لهم إلى الحق ﴿ وَرَحْمَةً لمن عَمِلَ بها منهم ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي ليتذكروا نِعَم الله عليهم، فيشكروه بالإيمان به وبرُسُله، وبطاعته وطاعة رُسُله.



الآية 44، والآية 45: ﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ أي: ما كنتَ أيها الرسول بجانب الجبل - الذي غَرْب موسى - عندما وقف عند النار ﴿ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ أي حين كلَّفناه بتبليغ الرسالة إلى فرعون وقومه، ﴿ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ أي لم تحضر شيئاً من ذلك حتى تعلمه وتُخبِر الناس به ﴿ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا أي أممًا بعد موسى وعيسى ﴿ فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أي مكثوا زمنًا طويلاً فنسوا عهد ربهم وتركوا أوامره، فلذلك بعثناك للناس رسولاً، وأوحينا إليك خبر موسى وغيره لتُذَكِّرهم به، وتُخَوِّفهم من عذاب ربهم إن لم يؤمنوا، ﴿ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا أي مُقيمًا ﴿ فِي أَهْلِ مَدْيَن حتى تعرف قصة موسي والشيخ الكبير وتخبر بها، ولكنك ﴿ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا أي تخبر أهل مكة بهذه القصة عن طريق الوحى، ﴿ وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ حيثُ جعلناك رسولاً، وأوحينا إليك أخبارهم، لتكون شاهدة على صِدق رسالتك.



الآية 46: ﴿ وَمَا كُنْتَ أيها الرسول ﴿ بِجَانِبِ جبل ﴿ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا أي حين نادينا موسى، حتى تخبر الناس بذلك الأمر ﴿ وَلَكِنْ إرسالك للناس كانَ ﴿ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴿ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ (والمقصود بهم أهل مكة ومَن جاء بعدهم) ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي ليَتعظوا بالقرآن فيؤمنوا به ويهتدوا، ليَنجوا به ويَسعدوا.



الآية 47، والآية 48: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يعني: وإذا نزل بهؤلاء الكفار عذابٌ - قبل بِعثتك إليهم - بسبب شِركهم ومعاصيهم﴿ فَيَقُولُوا أي فسوف يقولون عندئذٍ: ﴿ رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا يعني: هَلاّ أرسلتَ إلينا رسولاً قبل هذا العذاب الذي أصابنا ﴿ فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ المُنزَّلة في كتابك، ﴿ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، (فلولا قولهم هذا لَعاجلناهم بالعذاب وما أرسلناك إليهم رسولاً، إذاً فما لهم لا يؤمنون ويشكرون؟!).

♦ واعلم أنّ حرف (لولا) المذكور في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ يُسَمّى (حرف امتناع)، أي امتنع إنزال العذاب بهم لأنهم سيقولون: ﴿رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.

﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا - وهو محمد صلى الله عليه وسلم وما معه من القرآن - ﴿ قَالُوا: ﴿ لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى يعني: هَلاّ أعطاه الله مِثل ما أعطى موسى من المعجزات الحِسِّيّة، والتوراة التي نزلتْ دُفعة واحدة، فرَدّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ حينَ ﴿ قَالُوا عن التوراة والقرآن: ﴿ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا: يعني إنهما سِحران تعاوَنا في سِحرهما، ﴿ وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ منهما ﴿ كَافِرُونَ (فكيف إذاً يُطالبونك بذلك؟!).



الآية 49: ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أي أكثر هداية من التوراة والقرآن حتى ﴿ أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في زَعْمكم.



الآية 50: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ في الإتيان بهذا الكتاب الذي طلبتَهُ منهم، ولم تَبقَ لهم حُجّة: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ يعني: ومَن أشدّ ضلالاً ﴿ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ يعني بغير وحي أو عقل أو كتاب منير ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لا يوفِّقهم لإصابة الحق.





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #157  
قديم 19-12-2021, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود



الربع الثالث من سورة القصص


الآية 51: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ ﴾ أي فصَّلنا القرآن لقومك أيها الرسول، وبَيَّنّا فيه الأدلة والحُجَج، وواصَلنا نزوله شيئاً فشيئاً بحسب الحاجة إليه ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ أي ليَتعظوا به فيؤمنوا (فيَنجوا من العذاب ويَدخلوا الجنة).
♦ ويُحتمَل أن يكون معنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ) أي وَصَّّلنا لهم القول بأخبار الأولين، وما نزل بهم من عذاب الله لمّا كَذّبوا رُسُله وأنكروا توحيده، (لأن الآيات السابقة كانت تتحدث عن إهلاك فرعون وقومه لمّا كَذّبوا موسى)، واللهُ أعلم.

الآية 52، والآية 53، والآية 54، والآية 55: ﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ﴾ يعني: الذين أعطيناهم التوراة والإنجيل (وهم اليهود والنصارى الذين لم يُبَدِّلوا، ولم يُحَرّفوا كتابهم) ﴿ مِنْ قَبْلِهِ ﴾ أي مِن قبل القرآن ﴿ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يؤمنون بالقرآن وبمحمد عليه الصلاة والسلام، ﴿ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ هذا القرآن ﴿ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ ﴾ ﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا ﴾ ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ أي كنا قبل نزوله مسلمين مُوَحّدين، نعبد الله بما شَرَعَ على لسان موسى وعيسى عليهما السلام (إذ دين الله واحد، وهو الإسلام)، ﴿ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ ﴾ أي يُعطيهم الله ثواب عملهم مرتين: (مرة على الإيمان بكتابهم، ومرة على إيمانهم بالقرآن)، وذلك ﴿ بِمَا صَبَرُوا ﴾أي بسبب صَبْرهم على الإيمان بالقرآن، إذ لم يُزَعزعهم عن ذلك رئاسة ولا دنيا (كما حدث مع غيرهم).

ثم ذَكَرَ سبحانه بعض صفات هؤلاء المؤمنين بقوله: ﴿ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾ أي يَدفعون السيئةَ بالحسنة فتمحوها (والمعنى أنهم يَتوبون من المعاصي، ويَجتهدون في فِعل الطاعات، حتى يَمحو الله بها السيئات، وكذلك يكونون حَلِيمينَ على الجُهَلاء، صابرينَ على مَن يؤذونهم، فيُقابلون إساءتهم بالقول الطيب)، ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ أي يُخرِجون صَدَقة أموالهم الواجبة والمُستحَبة، (وكذلك يُنفقون مِمَّا رزقهم اللهُ مِن عِلمٍ أو صِحَّةٍ أو سُلطة في خدمة المسلمين، فيُعَلِّمونَ الناس، ويَسعونَ في قضاء حوائجهم)، ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ ﴾ يعني إذا سمعوا الباطل من القول: ﴿ أَعْرَضُوا عَنْهُ ﴾ ﴿ وَقَالُوا ﴾ لأهل الباطل: ﴿ لَنَا أَعْمَالُنَا ﴾ أي لنا ثوابها، فلا نتركها أبداً، ﴿ وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ وإثمها عليكم، ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ فنحن لا نُشغِل أنفسنا بالرد عليكم، ولا تسمعون منَّا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمِثل جهلكم; لأننا ﴿ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ أي لا نريد صُحبة الجاهلين ولا نحب طريقهم، (وفي هذا إرشادٌ إلى حُسن الرد على الجهلاء من أهل الباطل).

الآية 56: ﴿ إِنَّكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ (والمقصود بهذه الهداية: هداية التوفيق)، وإنما عليك فقط بيان الطريق المستقيم، كما قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (أي هِداية الإرشاد والبيان) ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾لأنه سبحانه الأعلم بخلقه، ولهذا قال: ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ أي الذين يستحقون الهداية، ويطلبونها من ربهم بصدق فيهديهم.

الآية 57: ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي قال كفار "مكة" للرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ ﴾ يعني إن نتَّبع الحق الذي جئتَنا به، ونتبرأ من الأصنام: ﴿ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ أي بالقتل والأسْر والسرقة، وتتجرأ علينا قبائل العرب، (وقد كان هذا اعتذارٌ اعتذر به بعض رجال قريش فقالوا - ما مختصره -: (نحن نعرف أن ما جئتَ به حق، ولكننا نخشى إن آمنا بك واتّبعناك أن يتجرأ علينا العرب ويتخطفوننا كما هو حاصلٌ لغيرنا، وبذلك تسُوء أحوالنا).
فرَدَّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا: يعني ألم نجعلهم متمكنين في بلدٍ آمِن (حَرَّمنا على الناس سفك الدماء فيه والصيد والسرقة)، و ﴿ يُجْبَى إِلَيْهِ ﴾ أي يُحمَل إليه ﴿ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ مِن مختلف البلاد في موسم الحج، وأثناء رِحلتَي قريش إلى الشام واليمن، وقد كان ذلك ﴿ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا ﴾ أي مِن عندنا، (أليس هذا كافياً في أن يعلموا أن الذي جعل لهم حرماً آمناً قادرٌ على أن يُؤَمِّنهم إذا أسلموا؟!) ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يعلمون قَدْر هذه النعم، فيشكروا اللهَ عليها بتوحيده وطاعته.


الآية 58: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ ﴾ يعني: وكثير من القرى المُكَذِّبة أهلكناها حين ﴿ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴾ أي حين أَلْهَتهم مَعيشتهم عن الإيمان بالرُسُل، فلم يشكروا ربهم، بل كفروا وطَغَوا في المعاصي فأهلكناهم، ﴿ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ ﴾ خالية - كديار عاد وثمود وقوم لوط - ﴿ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ (كالمسافرين الذين ينزلون بها ساعةً ثم يغادرونها)، ﴿ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ أي الوارثين لهذه الديار، فلم نُورثها أحداً بعدهم، وتركناها خالية لم تُسكَن، (ألاَ يَذكر كفار قريش هذا، فيَعلموا قدرتنا، ويَتّقوا عذابنا، ويستقيموا على منهج الحق الذي جاءهم؟).

الآية 59: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى ﴾ - أي القرى الظالمة المُشرِكة - ﴿ حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا ﴾ - أي في أعظم مُدُنها (وهي العاصمة) - ﴿ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا ﴾ ويُعَلّمهم، ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ أي ظالمونَ لأنفسهم بالكفر والمعاصي.

الآية 60: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ - من الأموال والأولاد وغير ذلك - ﴿ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا: يعني فإنما هو متاعٌ تتمتعون به في هذه الحياة الدنيا، وزينةٌ تتزينون بها ثم تزول سريعاً، أو تموتون عنها وتتركونها لغيركم، ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ أي: ما أعَدَّه اللهُ لأهل طاعته من النعيم، هو ﴿ خَيْرٌ ﴾ مِن مُتَع الدنيا الفانية التي تصحبها المُنَغِّصات ﴿ وَأَبْقَى ﴾ منها، حيثُ لا انقطاعَ لها ولا مُنَغِّصات، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ أيها المُغترون بزينة الدنيا، فتقدِّموا ما يَبقى على ما يَفنى؟!
وفي هذا تذكيرٌ لقريش التي فَضَّلتْ الدنيا على الآخرة، فرفضت الدخول في الإسلام خوفاً من أن يُؤَثِّر ذلك على حياتها الاقتصادية والأمنية كما زعمتْ.

الآية 61: ﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ ﴾ على طاعته ﴿ وَعْدًا حَسَنًا ﴾ - وهو الجنة - ﴿ فَهُوَ لَاقِيهِ ﴾ يوم القيامة، فهل يتساوى هذا ﴿ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ (ففَضَّل لذة عاجلة على لذة دائمة) ﴿ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ أي من المُحضَرين للعذاب؟ لا يستويان أبداً، إذاً فليَختر العاقل لنفسه ما هو أوْلى بالاختيار.

الآية 62، والآية 63: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ سبحانه - يوم القيامة - ﴿ فَيَقُولُ ﴾ لهم: ﴿ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ أي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي فعبدتموهم معي؟!، فحينئذٍ تبَيَّنَ لهم أنّ ما عبدوه كان باطلاً، وأَقَرّوا على أنفسهم بالضلال، فـ ﴿ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ أي قال الذين وَجَبَ عليهم العذاب - وهم الشياطين ورؤساء الضلال - مُتبرئينَ مِمّن عَبَدوهم: ﴿ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ ﴾ - وأشاروا إلى أتْباعهم - هم ﴿ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا ﴾ أي الذين أضللناهم،وقد ﴿ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ﴾ يعني دعوناهم إلى الضَلالة التى كنا عليها فأطاعونا، ولم نُكْرِههم على ذلك، ﴿ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ﴾ مِن أن نكون قد أجبرناهم على الضلالة، وتبرَّأنا مِن أن نكون نحن الشركاء المزعومين، وإنما كنا مُضِلِّين فقط، ﴿ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾ (بل كانوا يعبدون أهوائهم وشهواتهم) (إذ لا يقدر أحد من الإنس أو الجن في هذا الموقف أن يقول: (إنّ هذا كان يعبدني)).

الآية 64: ﴿ وَقِيلَ ﴾ للمشركين يوم القيامة: ﴿ ادْعُوا ﴾ أي نادوا ﴿ شُرَكَاءَكُمْ ﴾ الذين كنتم تعبدونهم من دون الله، ليُخَلِّصوكم مما أنتم فيه ﴿ فَدَعَوْهُمْ ﴾ أي نادوهم بالفعل ﴿ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ﴾ لأنّ كل معبود قد تبَرّأ مِمّن عَبَده، ﴿ وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ فاشتدت حسرتهم، ﴿ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ ﴾ يعني: (لو أنهم كانوا مهتدينَ إلى الحق في الدنيا، لَمَا عُذِّبوا في الآخرة).

الآية 65، والآية 66: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ سبحانه ﴿ فَيَقُولُ ﴾ لهم: ﴿ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾؟ هل آمَنتم بهم واتَّبعتموهم أم كَذَّبتموهم وحاربتموهم؟، ﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ: أي خَفِيَتْ عليهم الحُجَج التي يُمكِنهم أن يَحتجُّوا بها ﴿ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ أي لا يسأل بعضهم بعضًا عن إجابةٍ يُجيبون بها على سؤال ربهم.

الآية 67: ﴿ فَأَمَّا مَنْ تَابَ ﴾ مِن شِركه وذنبه، ﴿ وَآَمَنَ ﴾ بالله ورسوله والدار الآخرة، ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ فأخلص العبادة لله وحده، وعمل بما أمَرَ الله ورسوله: ﴿ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ أي الفائزين بجنات النعيم (فهل من تائب؟)، (واعلم أنّ كلمة (عسى) وكلمة (لَعَلّ) إذا جاءت من اللهِ تعالى، فإنها تفيد الوجوب وتأكيد الوقوع).

الآية 68: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ ﴿ وَيَخْتَارُ ﴾ أي يَختار مَن يشاء مِن خَلقه لرسالته، ﴿ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ أي ليس لأحد منهم الاختيار، لأنهم لم يخلقوا شيئاً، ولأنه سبحانه هو الأعلم بمَن يَستحق الاختيار، ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ (وفي الآية رَدٌّ على المشركين الذين اعترضوا على اختيار الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مِن بينهم).

الآية 69: ﴿ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ﴾ أي يعلم سبحانه ما تخفيه صدور خلقه من النيات والخواطر، ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ أي: ويعلم سبحانه ما يُظهرونه من الأقوال والأفعال، وسيُجازيهم عليها.

الآية 70: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي الذي لا معبود بحقٍ إلا هو، ﴿ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ: أي له سبحانه الشكر والثناء الجميل في الدنيا (على نعمه الظاهرة والباطنة)، وفي الآخرة (على إدخاله المؤمنين جنته)، إذ يَحمده أهل الجنة بقولهم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾، وبقولهم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾، ﴿ وَلَهُ ﴾ سبحانه ﴿ الْحُكْمُ ﴾ أي القضاء العادل بين عباده في الدنيا والآخرة، ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم للحساب والجزاء.

الآية 71: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول للناس -: ﴿ أَرَأَيْتُمْ ﴾ يعني أخبروني ﴿ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا ﴾ أي دائمًا ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ﴿ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ ﴾ تستضيئون به لطلب رزقكم؟! لا أحد ٌغير الله تعالى، (إذاً فكيف تشركون به؟!) ﴿ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾ يعني ألاَ تسمعون القرآن سماع تدبر وانتفاع؟!

الآية 72: ﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا ﴾ أي دائمًا ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ ﴿ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ﴾ أي تستقرون فيه وتنامون؟! لا أحدٌ غير الله تعالى، (إذاً فكيف تشركون به؟!)، ﴿ أَفَلَا تُبْصِرُونَ: يعني ألاَ ترون هذه الآيات، وما تحمله من دلالات، على أنه لا معبودَ بحقٍ إلا رب السماوات؟!، (وفي الآيات إشارة علمية إلى أن السماع يكون مع السكون وقلة الضجيج، وأن الإبصار يكون مع الضوء، ولا يتم أبداً مع الظلام).

الآية 73: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ بكم - أيها الناس - أن ﴿ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ أي جعلهما يَخلف أحدهما الآخر لمصالحكم ومنافعكم، فجعل ظلام الليل ﴿ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ﴾ وترتاح أجسادكم من التعب في طلب الرزق بالنهار، ﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾ أي: وجعل لكم ضياء النهار لتطلبوا فيه معايشكم، ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ أي لتشكروه سبحانه على هذه النعم (بالاجتهاد في طاعته ليلاً ونهاراً).

الآية 74، والآية 75: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ سبحانه - يوم القيامة - ﴿ فَيَقُولُ ﴾ لهم: ﴿ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ أي الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي، فعبدتموهم معي؟!، (واعلم أنّ الله تعالى قد أعاد ذِكر هذا الموقف، ليَذكر فيه حالاً لم تُذكَر في الآيات السابقة، وهي: (إشهاد الأنبياء على أُمَمهم)، كما قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا ﴾ أي أخرَجنا ﴿ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ﴾ من الأمم المكذبة ﴿ شَهِيدًا ﴾ - وهو نَبِيُّهم - ليَشهد عليهم، ﴿ فَقُلْنَا ﴾ لهم: ﴿ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ على صحة ما أشركتم به في عبادة ربكم؟، ﴿ فَعَلِمُوا ﴾ حينئذٍ ﴿ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ ﴾ أي تبَيَّنَ لهم أن العبادة الحق لله وحده، وأنه سبحانه له الحُجّة البالغة عليهم، ﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ أي ذهب وغاب عنهم ما كانوا يَزعمونه كَذِباً مِن شفاعة آلِهَتهم لهم عند ربهم.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #158  
قديم 19-12-2021, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأخير من سورة القصص






الآية 76، والآية 77: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ﴾ أي ظَلَمهم وتَكَبَّر عليهم، (ويبدو أنّ فرعون كانَ قد أسند إليه إمارة على بني إسرائيل فأطغته عليهم)، ﴿ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ ﴾ شيئًا عظيمًا، ﴿ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ ﴾ يعني: حتى إنَّ مفاتحه ﴿ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾ أي يَثقل حملها على العدد الكثير من الأقوياء، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ ﴾ أي قال له بعض قومه من بني إسرائيل - وهم يَعِظونه -: ﴿ لَا تَفْرَحْ ﴾ مُتكَبّراً بما أنت فيه من المال ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ أي لا يحب المتكبرينَ مِن خلقه، الذين لا يشكرونه على نعمه، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ ﴾: أي اطلب ثواب الدار الآخرة بما أعطاك الله من المال (وذلك باستخدامه في طاعة الله، وأن تعمل فيه بما ينجيك من عقابه) ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾: أي لا تترك حظك من الدنيا (بأن تتمتع فيها بالحلال الطيب دونَ إسراف)، ﴿ وَأَحْسِنْ ﴾ إلى الناس بالصدقة ﴿ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ بهذه الأموال الكثيرة، ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي لا تكن هِمَّتُك أن تُفسد في الأرض (باستخدام هذه النعم في المعاصي والإساءة إلى الخَلق) ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.




الآية 78: ﴿ قَالَ ﴾ قارون للذين وعظوه: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾: يعني إنما أُعطيتُ هذه الكنوز بما عندي من العلم والقدرة، (أو لعل المقصود: على عِلمٍ عندي بأن الله يعلم أني أستحق ذلك فأعطانيه)، فرَدّ الله على ذلك الادِّعاء بقوله: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ ﴾ أي من الأمم ﴿ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ﴾ للأموال؟!، فما المانع من إهلاك قارون كما أهلكناهم؟!، (ولو كان كثرة المال دليلاً على حب الله لأصحابه ورِضاهُ عنهم، ما أهلك عاداً وثمود وغيرهم، وقد كانوا أشد منه قوة وأكثر مالاً ورجالاً)، ﴿ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ (والمعنى أن العبد إذا أكثر من الإجرام بالشرك والكبائر: وَجَبَ عليه العذاب، فلا يُسأل عن ذنوبه سؤال حساب، وإنما يُسْألُ عنها سؤال توبيخ وتقرير وافتضاح، ثم يَدخل النار بغير حساب).



الآية 79: ﴿ فَخَرَجَ ﴾ قارون ﴿ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾ - ليُظهِرَ لهم عظمته وكثرة أمواله -، فلمّا رأوه: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾: ﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ﴾ من المال والزينة والجاه، ﴿ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ أي ذو نصيب عظيم من الدنيا.



الآية 80: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ (وهم العالِمونَ بشرع الله تعالى، العارفونَ بحقائق الأمور)، قالوا للذين يريدون الدنيا: ﴿ وَيْلَكُمْ ﴾ أي احذروا الهلاك ولا تغتروا بالدنيا، فـ ﴿ ثَوَابُ اللَّهِ ﴾ - وهي الجنة - ﴿ خَيْرٌ ﴾ مِمّا أُعطِيَ قارون، وسيُعطيها سبحانه ﴿ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ ﴿ وَلَا يُلَقَّاهَا ﴾ أي لا يَتَقَبَّل هذه النصيحة، ولا يُوَفَّق للعمل بها ﴿ إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ الذين جاهدوا أنفسهم، وصبروا على طاعة ربهم.




الآية 81: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ انتقاماً مِنّا لظُلمه وكبريائه ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ يعني لم تكن له جماعة يَمنعونه مِن عقاب اللهِ حينَ نَزَلَ به﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ أي: وما كان قارون مُمتنعًا بنفسه وقوّته (لأنّ مَن خَذَله اللهُ فلا ناصرَ له).



الآية 82: ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ ﴾ - نادمينَ مُعتبِرين -: ﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يعني نتعجبُ مِن أنّ الله ﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ﴾ أي يُوَسِّع الرزق ﴿ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ ﴿ وَيَقْدِرُ ﴾ أي يُضَيِّقه على مَن يشاء منهم (بحسب حِكْمته البالغة؛ إذ هو سبحانه الأعلمُ بما يُصلِح عباده مِن الفقر والغنى)، ﴿ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ يعني: لولا أنّ الله أنعم علينا فلم يُعاقبنا بما قلنا ﴿ لَخَسَفَ بِنَا ﴾ كما فعل بقارون، ﴿ وَيْكَأَنَّهُ ﴾ يعني نتعجب مِن أنه ﴿ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ يعني إنهم لا يُفلحون في الدنيا ولا في الآخرة.



الآية 83: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ ﴾ - وهي هنا: الجنة - التي أخبر اللّه بها في كُتُبه، والتي جمعتْ كل نعيم، واندفع عنها كل ما يُفسِد نعيمها أو ينغصه: ﴿ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا ﴾ أي لا يريدون تكبرًا على الناس ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ التي خلقها الله لهم ﴿ وَلَا فَسَادًا ﴾ فيها بالشرك والمعاصي، ﴿ وَالْعَاقِبَةُ ﴾ المحمودة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ الذين اتقوا عذاب الله تعالى، ففعلوا الطاعات، وتركوا المُحَرّمات.

♦ واعلم أنّ الله تعالى قد ابتدأ هذه الآية ابتداءً مُشَوِّقاً، حيثُ ابتدأها بالإشارة إلى شيئٍ غير مذكور في الآيات السابقة - وهو الجنة - ليَنتبه السامع إلى أهمية المُشار إليه وعُلُوّ شأنه.



الآية 84، والآية 85: ﴿ مَنْ جَاءَ ﴾ يوم القيامة ﴿ بِالْحَسَنَةِ ﴾ أي بتوحيد الله تعالى، وبالأعمال الصالحة (الخالصة لوجهه، والموافِقة لشَرعه): ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ﴾ إذ تُضاعَف له أعماله عشرة أضعاف، ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ﴾ أي بالشرك والمعاصي: ﴿ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ يعني لا يُجزَون إلا مِثل أعمالهم، ولا تُضاعَف عليهم (وذلك لعدل الله تعالى ورأفته بعباده).

♦ ثم يقول تعالى - مُبَشِّرَّاً نَبِيَّهُ بالعودة إلى مَكَّة فاتحاً مُنتَصِراً -: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ ﴾: يعني إنّ الذي أنزل عليك القرآن وفَرَضَ عليك تبليغه والتمسُّك به: ﴿ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾: أي سوف يَرُدّك إلى المكان الذي خرجتَ منه، وهو "مكة" (إذ "معاد" هي اسم من أسماء مكة)، (وكانَ هذا الكلامُ يَستحِيلُ أن يَصدُرَ مِن أحدٍ في هذا الوقت بهذا اليَقِين إلا في حالةٍ واحدة: وهي أنْ يكونَ قائلُ القرآن متأكداً مِن أنَّ هذا سوف يَحدث في المستقبل، وكانَ يمتلك القدرة على تحقيق ما قال، فالذي قال هذا الكلام هو القادر، الذي يَعلمُ أنَّ ذلك سوف يَحدث يَقِيناً، وهو اللهُ سبحانه وتعالى).



﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: ﴿ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى ﴾ (وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالحق الواضح من عند ربه)﴿ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ أي: في ضلالٍ واضحٍ (وهم المشركون الذين تركوا عبادة الخالق الرازق المستحق وحده للعبادة، وعبدوا آلهةً باطلة لا تخلق ولا ترزق ولا تنفع ولا تضر).



الآية 86: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ ﴾ يعني: ما كنتَ تنتظر - أيها الرسول - ولا تتوقع نزول القرآن عليك، ﴿ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ يعني: لكنّ الله أنزله عليك رحمةً بك وبالعالمين، ﴿ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ ﴾ أي لا تكن عونًا لأهل الشِرك على باطلهم (بموافقتهم على اقتراحاتهم، وعدم تبليغ ما فيه عيبٌ لآلهتهم)، وذلك لأنهم قالوا له: (لو أتَيْتَنا بكتابٍ ليس فيه سَبُّ آلهتنا لاتَّبعناك).



الآية 87، والآية 88: ﴿ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ ﴾ أي لا تجعل هؤلاء المشركين يَصرفَونك - باقتراحاتهم وأذاهم - عن تبليغ آيات الله ﴿ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ ﴾ أي بعد أن شَرّفك الله بإنزالها عليك.

وقد بَلَّغَ الرسول صلى اللهعليهوسلم رسالة ربه كاملة، تقول السيدة عائشة رضي اللهُ عنها: (لو كانَ النبي صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي، لَكَتَمَ هذه الآية: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾.



﴿ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ﴾ أي ادعُ إلى توحيد ربك وإخلاص العبادة له واتِّباع أمْره ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الذين يعبدونَ مع الله غيره من مخلوقاته، بل تبرّأ منهم، ولا تَرضَ بشِركهم وادعهم إلى توحيد ربهم، ﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ﴾ لأنه ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا معبود بحقٍ إلا الله تعالى، ولا يَستحق العبادة غيره، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ يعني إلا ذاته سبحانه (لأنّ بقاء وجهه سبحانه يَستلزم بقاء ذاته كلها، لأنه سبحانه الحي الذي لا يموت)، ﴿ لَهُ الْحُكْمُ ﴾ أي له القضاء العادل بين عباده في الدنيا والآخرة ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم للحساب والجزاء، (وفي هذهالآية إثباتُ صفة الوجه لله تعالى كما يليق بجلاله وكماله، وفيها أيضاً دليل على فناء كل شيء إلا الله تعالى وما ورد الدليل بعدم فنائه، وهم ثمانية أشياء: (العرش والكرسي، والنار والجنة، واللوح والقلم والأرواح، وعُجب الذَنَب (وهو الجزء الذي يتبقى من الإنسان بعد موته ولا يتحلل).





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #159  
قديم 19-12-2021, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الأول من سورة العنكبوت


الآية 1: ﴿ الم ﴾: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أولسورة البقرة، واعلم أنّ هذه الحروف تُقرأ هكذا: (ألِف لام ميم).

الآية 2: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾؟! يعني: هل ظنوا أن يَتركهم الله بلا ابتلاء ولا اختبار بعد أن قالوا: آمَنّا؟! كلا، لابد لهم من الاختبار حتى يَتميز المؤمن الصادق مِن غيره.

الآية 3: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ أي اختبرناهم بإرسال الرُسُل وأنواع الابتلاءات (كالقتال والشدائد وغير ذلك)،﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ ﴾ بهذه الابتلاءات - عِلمًا ظاهرًا للخَلق -: ﴿ الَّذِينَ صَدَقُوا ﴾ في إيمانهم، والصابرينَ على قضاء ربهم، ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ في ادِّعائهم للإيمان، الساخطينَ على قضاء ربهم (حتى يَتميز كلُّ فريق عن الآخر في الجزاء).

الآية 4: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ - مِن شِركٍ وغيره - ﴿ أَنْ يَسْبِقُونَا ﴾؟! أي يَفوتوا مِنّا ويَهربوا؟! كلا، إنهم لن يُفلتوا من عذابنا أبداً، ﴿ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ أي: قَبُحَ هذا الحُكم الذي يَحكمون به على الأمور (وهو ظَنُّهم أنهم سيَهربون من عذاب ربهم).

الآية 5:﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو ﴾ أي يَنتظر ﴿ لِقَاءَ اللَّهِ ﴾ في الآخرة، ويَطمع في ثوابه: ﴿ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ ﴾ - الذي أجَّله لبَعث خلقه- ﴿ لَآَتٍ ﴾ أي سيأتي لا مَحالة، (ألاَ فليَستعد المؤمن للقاء ربه بالتوبة النصوح، وكثرة الندم والاستغفار، ومجاهدة النفس والشيطان، والإكثار من صالح الأعمال)، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ السَّمِيعُ ﴾ لأقوال عباده، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بأفعالهم ونِيّاتهم.

الآية 6: ﴿ وَمَنْ جَاهَدَ ﴾ أي جاهَدَ في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، وجاهَدَ نفسه (بإلزامها بالطاعة ومُخالفتها في المعصية):﴿ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾ لأنّ ثواب تلك المجاهَدة سيعود عليه وحده، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ يعني إنه سبحانه غَنِيٌّ عنأعمال خَلقه، فلا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، ورغم ذلك فقد تفَضَّلَ الكريم الرحيم على عباده المؤمنين، بقوله - في آخر هذه السورة -: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

الآية 7: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ باللهِ ورسوله، وبكل ما أخبر به رسوله من الغيب، ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - ﴿ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ أي سنمحو عنهم خطيئاتهم،﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ ﴾ على أعمالهم الصالحة ﴿ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ أي بمِثل جزاء أحسن عمل كانوا يعملونه في الدنيا، (واعلم أنّ الجزاء يكون بحسب أحسن عمل عملوه مِن كل نوع، ففي الصلاة يُعطَى جزاء أفضل صلاة صَلاَّها، وفي الصدقات بأفضل صدقة أعطاها وهكذا).

الآية 8: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ يعني وَصّيناه أن يُبِرّهما، وأن يُحسِن إليهما بالقول والعمل، ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ ﴾ أي بَذَلا جهدهما معك أيها الإنسان ﴿ لِتُشْرِكَ بِي ﴾ في عبادتي ﴿ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ أي ما ليس لك به دليل على استحقاقه للعبادة (وليس لأحدٍ علم أو دليل على صحة الشِرك، لأنّ الله تعالى هو الخالق الرازق المستحق وحده للعبادة)، ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ في دَعْوتهما لك إلى الشِرك (وكذلك الحال في سائر المعاصي، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ﴿ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ أيها الآباء والأبناء ﴿ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾وأجازيكم على أعمالكم، (لِذا فأحسِنوا إلى والديكم، ولكنْ قدِّموا طاعتي على طاعتهما).


الآية 9: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴾ أي سوف نُدخلهم في مُدخَل الصالحين وهو الجنة.

الآية 10: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ ﴾ ﴿ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ ﴾: يعني إذا آذاه المشركون مِن أجل دِينه: ﴿ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾: أي جعل تعذيب المشركين له كعذاب الله يوم القيامة (في الشدة والألم)، ولم يَصبر على أذاهم، فارتدَّ عن إيمانه، ووافَقَ المشركين على شِركهم، ﴿ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾ لأهل الإيمان به: ﴿ لَيَقُولُنَّ ﴾ هؤلاء المُرتَدّونَ عنإيمانهم: ﴿ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ﴾ - أيها المؤمنون - نَنصركم على أعدائكم، فرَدّ اللهُ عليهم بقوله: ﴿ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ﴾؟! بلى، إنه سبحانه يَعلم ما في صدور خلقه من الإيمان والنفاق، (إذاً فما يَخدع هؤلاء المنافقون إلا أنفسهم وما يشعرون).

الآية 11: ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ ﴾ بهذه الشدائد - عِلمًا ظاهرًا للخَلق - ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ أي صَدَقوا في إيمانهم وعملوا بشرع ربهم،﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴾ الذين يُظهرونَ للناس الإيمان، ويُخفون الكفر وعداوتهم للمسلمين، ثم يُجازي كل فريق منهم بما يَستحق.

الآية 12، والآية 13: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ مِن قريش ﴿ لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ منهم: ﴿ اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا ﴾ أي اتركوا دين محمد، واتّبعوا ديننا، ﴿ وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ﴾ يعني: وإنْ كان هناك بَعْث وجزاء كما يقول محمد، فنحن مستعدون أن نتحمل عنكم خطاياكم ونُجازَى بها، فأكذبهم اللهُ تعالى بقوله: ﴿ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ أي لن يستطيعوا أن يُنقِصوهم شيئاً من آثامهم يوم القيامة، ﴿ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ فيما قالوا، ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾: أي سوف يَحملَون ذنوبهم، وذنوب الذين كَذَبوا عليهم وأضَلُّوهم عن الإسلام (دونَ أن يَنقص شيئٌ من ذنوب تابعِيهم) ﴿ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾: أي سوف يسألهم الله عما كانوا يختلقونه من الأكاذيب.

الآية 14، والآية 15: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ ﴾ ليَدعوهم إلى التوحيد وترْك الشرك ﴿ فَلَبِثَ فِيهِمْ ﴾ أي مَكَثَ فيهم ﴿ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ﴾ يعني تسعمائة وخمسون سنةً يدعوهم إلى الله تعالى، فلم يَستجب له أكثر قومه ﴿ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ ﴾ أي أغرقهم الله بالطوفان ﴿ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ لأنفسهم بكُفرهم وطغيانهم، ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ﴾: أي أنجينا نوحًا والذين اتَّبعوه (وهُم الذين كانوا معه على السفينة) ﴿ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً ﴾ أي جعلنا حادثة الطوفان عبرة وعِظة - وكذلك تَرَكنا السفينة على جبل الجُودي - لتكون آيةً ﴿ لِلْعَالَمِينَ ﴾ في إنجاء المؤمنين وإهلاك المُكَذّبين.

الآية 16، والآية 17: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ أي اذكر أيها الرسول لقومك خبر إبراهيم عليه السلام وهو يدعو قومه إلى التوحيد وترْك الشرك ﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴾: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحده، فلا يوجد مَن يستحق العبادة غيره، ﴿ وَاتَّقُوهُ ﴾ أي اجعلوا توحيدكم وقايةً لكم من عذاب ربكم، ﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا ﴾ أي أصنامًا من الحجارة لا تنفع ولا تضر، ﴿ وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ﴾ أي تَفترونَ كَذِبًا بتسميتكمإياها آلهة، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا ﴾ ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ ﴾ أي اطلبوا الرزق مِن عند الله، لا مِن عند أصنامكم، ﴿ وَاعْبُدُوهُ ﴾ أي أخلِصوا له العبادة ﴿ وَاشْكُرُوا لَهُ ﴾ نعمته عليكم، ﴿ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم، فيجازيكم على أعمالكم.

الآية 18: ﴿ وَإِنْ تُكَذِّبُوا ﴾ - أيها الناس- رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما دعاكمإليه: ﴿ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ أي كَذَّبوا رسلهم، فنَزَلَ بهم عذاب ربهم، ﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ أي البلاغ الواضح لرسالةربه، وقد فَعَل.

الآية 19: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا ﴾: يعني ألم يعلم هؤلاء المشركون ﴿ كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ أي يُنشئ المخلوقاتمنالعدم، ثم يُميتهم، ثم يُعيدهم كهيئتهم قبل أن يُميتهم؟ (فإذا كانوا يعترفون بأنّ الله هو الذي خلقهم من العدم، إذاً فليعلموا أنّ الذي ابتدأ خَلْقهم بهذه الصورة قادرٌ على إعادتهم بعد الموت) ﴿ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ (لأنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة).

الآية 20: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للذين يُنكِرون البعث: ﴿ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ بأجسادكم وقلوبكم، ﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ﴾ أي انظروا كيف أنشأالله الخلق، ولم يَصعُب عليه إنشاؤه؟ ﴿ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ ﴾: أي فكذلك لا يَصعُب عليه إعادةإنشائه النشأة الآخرة يوم القيامة ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.


الآية 21: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ - مِمّن أصَرّ على المعاصي ولم يَتُب منها، ﴿ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ - مِمّن تاب وآمن وعمل صالحًا ﴿ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ يعني: وإليه ترجعون بعد موتكم، فيُجازي كُلاً بعمله.

الآية 22: ﴿ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ يعني: ولنتُعجِزوا ربكم أيها العُصاة، إذا ظننتم أنكم ستهربون من عذابه ﴿ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ (فأينما تكونوا يأتِ بكم سبحانه) ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ﴾ يَنفعكم ويَتولى أموركم، ﴿ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ يَنصركم من عذاب ربكم.

الآية 23، والآية 24: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ ﴾ أي كفروا بالقرآن - رغم وضوحه وقوة حُجَّته - وكفروا كذلك بالبعث والجزاء ﴿ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي ﴾ أي لن يَطمعوا في رحمتي عندما يَرون عذابي ﴿ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
♦ واعلم أنّ هذه الآيات السابقة كانت مُعترضة أثناء قصة إبراهيم مع قومه، وفي هذا دليل على جَواز الاعتراض أثناء الكلام إذا حَسُنَ مَوقعه (كإقامة حُجَّة، أو إبطال باطل، أو التنبيه على أمْرٍ مُهِمّ).
♦ ثم يُكمِل سبحانه قصة إبراهيم وقومه قائلاً: ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾ - بعد أن أنكَرَ عليهم شِركهم - ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا ﴾ لبعضهم -: ﴿ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ ﴾ - فألقوه في نارٍ عظيمة - ﴿ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ﴾ وجَعَلها بردًا وسلامًا عليه، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ أي فيإنجاء إبراهيم من النار ﴿ لَآَيَاتٍ ﴾ تدل على قدرة الله تعالى وعنايته بأوليائه الموحدين، وخذلانه للكفرة المشركين، ثم خَصَّ سبحانه الذين يَنتفعون بهذه الآيات بقوله: ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يؤمنون بآيات الله ويعملون بشرعه.

الآية 25: ﴿ وَقَالَ ﴾ إبراهيمُ لقومه: ﴿ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا ﴾ أي عبدتم من دون الله آلهة باطلة، تعلمون أنها أحجارٌ صنعتموها بأيديكم، فلم تعبدوها عن اقتناع، وإنما جعلتموها ﴿ مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي أحببتم بعضكم من أجل الاجتماع على عبادتها، وإقامة الأفراح حولها ﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ أي يتبرأ بعضكم من بعض ﴿ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ ﴿ وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ ﴾ أي مصيركم جميعًا إلى النار ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ يَمنعونكم من دخولها، ويُنقذونكم مِن حَرّها وعذابها.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #160  
قديم 19-12-2021, 04:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟*

رامي حنفي محمود




الربع الثاني من سورة العنكبوت




الآية 26: ﴿ فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾ أي صَدَّق لوطٌ إبراهيمَ واتَّبع دِينه (وذلك قبل أن يُوحَى إلى لوط بالنُبُوّة)، ﴿ وَقَالَ ﴾ إبراهيم: ﴿ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي: يعني إني تاركٌ أرض قومي بالعراق، وذاهبٌ إلى الأرضالمباركة - وهي "الشام" - حيث أعبد ربي فلا أُفتَن في ديني، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ هُوَ الْعَزِيزُ ﴾ أي الغالب الذي لا يمنعه شيئٌ مما يريد، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ فيتدبيره وصُنعه، (ومَن كان عزيزاً (غالباً)، حكيماً (لا يأمر عباده إلا بما فيه الخير لهم): إذاً فهو لن يُضَيِّعني).




الآية 27: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ﴾ ولدًا، ﴿ وَيَعْقُوبَ ﴾ حفيدًا، ﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ: أي جعلنا في ذريتهالأنبياء والكتب (إذ كل الأنبياء الذين جاءوا من بعده كانوا من ذريته، وكل الكتب التي نزلتْ بعده نزلتْ على ذريته)، ﴿ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ ﴾ - على إيذائه في سبيل دَعْوتنا - ﴿ فِي الدُّنْيَا ﴾ (كالولدالصالح، والثناء عليه من أهل الشرائع السماوية واقتداءهم به، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا)، ﴿ وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ الذين لهم أعلى الدرجات في الجنة.



الآية 28، والآية 29، والآية 30: ﴿ وَلُوطًا ﴾ أي اذكر أيها الرسول خبر لوط عليه السلام ﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴾: ﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ أي تفعلون هذه الفعلةالمُنكَرة التي بَلغتْ نهاية القُبح، والتي ﴿ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ أي ما فعلها أحدٌ قبلكم من المخلوقين!﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ (تاركينَما أحَلَّه اللهُ لكم مِن نسائكم)،﴿ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ﴾ أي تقطعونطريق المسافرين (فتَعتدون عليهم بعمل الفاحشة معهم، وسَلْب أموالهم) ﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ﴾ أي تأتون الأفعال المُنكَرةفي مَجلسكم (كالسخرية من الناس، وقذف المارّة بالحَصى، وإيذائهم بما لا يليق من الأقوال والأفعال)؟!

﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾ - بعد أن أنكر عليهم أفعالهم - ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا ﴾ له: ﴿ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ الذي تعِدنا به ﴿ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ فـ ﴿ قَالَ ﴾ لوطٌ - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾ (بإنزال عذابك عليهم، لإصرارهم على الكفر والفواحش).



الآية 31: ﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ﴾ أي جاءت له الملائكة على صورة بَشَر (ليُبَشِّروه بإنجاب ولده إسحاق، وبحفيده يعقوب من إسحاق)، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له: ﴿ إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ﴾ وهيقرية قوم لوط، ﴿ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ أي ظلموا أنفسهم بكفرهم ومعصيتهم لله.



الآية 32: ﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم للملائكة: ﴿ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ﴾ (وهو ليس مِن الظالمين مِثلهم)، فـ ﴿ قَالُوا ﴾ له:﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا ﴾﴿ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ ﴾ - المُستجيبين لدَعْوته - من العذاب الذي سيقع بقومه ﴿ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ أي حَكَمَ اللهُ عليها أن تكون منالباقين في العذاب; لأنها كانت عونًا لقومها علىأفعالهم القبيحة.



الآية 33، والآية 34، والآية 35: ﴿ وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا ﴾ لإخباره بإهلاك قومه: إذا بِهِ قد ﴿ سِيءَ بِهِمْ ﴾ أي أصابه الغَمّ لمَجيئهم ﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ﴾ أي عَجَزَ عن تدبير خَلاصهم (لأنهم جاءوا له في صورة شباب في غاية الجمال، فخاف عليهم مِن قومه أن يُريدوا بهم الفاحشة، ولم يكن يعلمأنهم ملائكة)، ﴿ وَقَالُوا ﴾ له: ﴿ لَا تَخَفْ ﴾ علينا، فإنّ قومك لن يصلوا إلينا،﴿ وَلَا تَحْزَنْ ﴾ على مَن سيَهلك مِن أهلك مع القوم الظالمين، فـ ﴿ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ ﴾ المستجيبين لدَعْوتك ﴿ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ أي حَكَمَ اللهُ عليها أن تكون منالباقين في العذاب، ﴿ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا ﴾ أي عذابًا ﴿ مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ أي بسبب معصيتهم لله وارتكابهمللفواحش، ثم قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً ﴾ يعني أبقينا مِن ديار قوم لوط آثارًا واضحة تدل على قدرتنا على إهلاك الفاسقين، وقد كانت هذه العبرة والعظة ﴿ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ أي يَعقلون العِبَر، فيَنتفعوا بها، فيُوَحِّدوا اللهَ ويطيعوه.



الآية 36، والآية 37: ﴿ وَإِلَى مَدْيَن أَخَاهُمْ شُعَيْبًا يعني: ولقد أرسلنا إلىقبيلة"مَدْيَن" أخاهم شُعيباً، ﴿ فَقَالَ لهم: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَوحده، فلا يوجد مَن يَستحق العبادة غيره، ﴿ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ ﴾ أي آمِنوا بيوم القيامة، وتوقعوا مجيئه، وخافوا مما فيه مِن أهوالٍ وأحوال، فإنّ ذلك يساعدكم على التقوى، ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ أي لا تَسعوا في الأرض بأنواع الفساد (كالشرك والمعاصيوأكْلُكُم أموال الناس بالباطل)،﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ فيما جاءهم به ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾ أي الزلزلةالشديدة، (وقد كانت هذه الزلازل مصحوبة بصيحة شديدة خلعتْ قلوبهم، لأن الله تعالى قال في سورة هود: (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ))، ﴿ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ أي باركينَ على رُكَبهم، مَيّتينَ لا حِراكَ لهم.




الآية 38: ﴿ وَعَادًا وَثَمُودَ ﴾ أهلكناهم لمّا كَذّبوا رُسُلهم، ﴿ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ ﴾ خَلاؤها منهم، وحلول عذابنا بهم، ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي: وقد حَسَّن لهم الشيطان أعمالهم القبيحة التي كانوا يعملونها ﴿ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ أي صَرَفهم بذلك عن طريق توحيد الله تعالى والإيمان برُسُله، ﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾ أي كان عندهم بصائر بمعرفة الحق من والباطل والخير من الشر - لأنّ رُسُلهم قد عَلَّمَتهم - ولكنهم فَضّلوا أهواءهم على عقولهم فهَلَكوا.

واعلم أنّ كلمة "مُستبصِرين" أصْلها "مُبصِرين"، والسِين والتاء هنا للتأكيد، مِثل كلمة "استكبر" بمعنى تَكَبَّر، و"استَحَبّ" بمعنى أَحَبّ، و"استجاب" بمعنى أجاب، (على العكس من السين والتاء التي تدل على الطلب)، مِثل كلمة "استغفر" بمعنى طَلَبَ المغفرة، و"استطعَمَه" بمعنى منه طلب الطعام.



الآية 39: ﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ﴾ أهلكناهم لمَّا كَذَّبوا موسى، ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بالأدلة الواضحة على صِدق رسالته، (فأمَّا ما جاءَ به موسى من الآيات إلى فرعون وهامان: فهي المعجزات التسع التي تحداهم بها، وأمّا ما جاء به موسى لقارون فهو نَهْيه عن الظلم والتكبر على الناس)، (واعلم أنّ قَارون مِن بني إسرائيل، ولكنه كَذَّبَ موسى)، ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ أي تعاظَم قارون وفرعون وهامان في أرض مصر، وتكَبَّروا عن تصديق موسى واتِّباعه، ﴿ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ﴾ أي: ما كانوا ليفوتوا مِنّا ويَهربوا، بل كنا قادرينَعليهم فأهلكناهم.



الآية 40: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ﴾يعني أخذنا كل واحد من المذكورين بعذابنا (بسبب شِركهم وذنوبهم)، ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا ﴾ أي حجارة صَلبة شديدة الحرارة (وهم قوم لوط)، (ويُحتمَل أن يكون المقصود بالحاصب هنا: الريح الشديدةالتي تحمل الحَصباء - وهي الحَصا الصغار - وعلى هذا يكون المقصود هنا قوم عاد وليس قوم لوط، باعتبار أن قوم لوط قد ذُكِرَ عذابها تفصيلاً في الآيات السابقة، واللهُ أعلم)، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ﴾ كثمود وقومشعيب، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ ﴾ كقارون، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ﴾ كقوم نوحوقوم فرعون، ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ ويُهلكهم بغير ذنب، ﴿ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ بكفرهم ومَعاصيهم، وتَنَعُّمهم بنِعَم ربهموعبادتهم غيره (فبذلك استحقوا العذاب).



الآية 41: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ﴾ يعني: مَثَلُ الذين اتّخذوا آلهةً باطلة، يَرجونَ نَصرها مِن دون الله تعالى ﴿ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ﴾ يعني كمثل أنثى العنكبوت التيصنعتْ لنفسها بيتًا ليَحفظها، فلم يَنفعها عند حاجتها إليه، (فكذلكالمشركون، يَعبدون أصنامهم، راجينَ نفعها وشفاعتها لهم عند ربهم، فلم تنفعهم حين نزل بهم العذاب)، ﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ ﴾ يعني أضعف البيوت وأحقرها شأناً ﴿ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ أي: لو كانوا يعلمون أنّ آلهتهم الباطلة لا تنفعهم بشيء - كما لم ينفع العنكبوت بيتها بشيء - ما اتّخذوهم أولياء من دون الله، الذي بيده كل شيء.

ومِن لطيف ما يُذكَر أنّ العِلم قد اكتشف حديثاً أنّ التي تَبني بيت العنكبوت هي أنثى العنكبوت وليس الذَكَر، وهذا ما صَرَّحَ به القرآن في لفظ: (اتَّخَذَتْ بَيْتًا)، إذ التاء المذكورة هي تاء التأنيث.



الآية 42: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ يعني إنّ الله سبحانه يَعلم ما يُشركون به من الآلهة المزعومة، التي ليست بشيءٍ في الحقيقة، بل هيمجرد أسماء سَمَّوها آلهة، لا تنفعهم ولا تضرهم، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ في انتقامه مِمّن أشرك به، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبيره وصُنعه.



الآية 43: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ ﴾ - كمَثَل الآلهة الباطلة وبيت العنكبوت - ﴿ نَضْرِبُهَا ﴾ أي نجعلها ﴿ لِلنَّاسِ ﴾ ليَنتفعوا بها ويتعلموا منها، ﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ يعني: وما يَعقل الحكمة من هذه الأمثال إلاالعالِمونَ بآيات الله وشَرْعه.



الآية 44: ﴿ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾ أي خَلَقهم سبحانه ليُذكَرَ فيهما ويُشكَر، وليَستدِل بهم العباد على عَظَمة خالقهم، وعلى قدرته على إحياء الموتى(لأنّ ذلك أهْوَنُ عليه مِن خَلْق السماوات والأرض)، وبأنهالخالق القادر المستحق وحده للعبادة،﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ.




الآية 45: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ: أي اقرأ أيها الرسول ما أوحاه اللهُ إليك من القرآن (تَعَبُّداً به، وتعليماً للمؤمنين، ودعوةً للناس إلى ربهم)، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ يعني أَدِّها بشروطها وأركانها، في خشوعٍ واطمئنان ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ يعني: إنّالصلاة الخاشعة تَنهى صاحبها عن الوقوع في المعاصي; لأنّالمُحافِظ الصلاة الخاشعة يَستنير قلبه، ويزداد إيمانه، وتَقوىرغبته في الخير، وتنعدم رغبته في الشر، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ: يعني إنّ ذِكر الله تعالى - في الصلاة وغيرها -أعظم وأفضل من كل شيء، ((ويُحتمَل أيضاً أن يكون المعنى: أنّ ذِكر الله تعالى، بالقلب واللسان في كل الأحيان، أكبر (في النهي عن الفحشاء والمنكر) من الصلاة، واللهُ أعلم)، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ وسيُجازيكمعلى أعمالكم.

فإذا قال قائل: (إنّ صلاتي لا تَنهاني عن الفحشاء والمُنكَر، فما السبب؟).

السبب أنك لم تُصَلِّ الصلاة التي يُحبها ربُنا ويَرضاها حتى تنهاك عن الفحشاء والمنكر.

هذا، وقد ذكَرَ العلماء بعض المعاني الإيمانية التي تعينك على أداء صلاة خاشعة بإذن الله تعالى، فمِن هذه المعاني: حضور القلب (وذلك بأن تجعل هَيْبَةَ اللهِ ومَحبته تقهر جميع المَحَابّ والمَهَامّ التي في قلبك)، ومِنها: الحَيَاء (وذلك بأن تستشعر أنك مملوءٌ بالنعم، وفي نفس الوقت مملوءٌ بالذنوب)، ونَضرب على ذلك مثالاً: (فقد اكتشف الطب حديثاً - بالمِجهَر الإلكتروني - أنَّ العين تحتوي على (500 مليون خلية) حتى تستطيع الإبصار، ثم تأخذُ أنت هذه الـ (500 مليون خلية)، وتنظر بها إلى ما حَرَّمَهُ اللهُ) (يعني تعصَاه بنعمته).

ومِنها: الحب (وذلك بأن تستشعر نِعَم الله تعالى عليك، وإمهاله لك، وتوفيقك لطاعته، رغم كثرة ذنوبك)، ومِنها: الافتقار إلى الله تعالى (بمعنى أن تتبرأ من حَولِك وقوتك إلى حَول الله وقوته)، ومنها: التعظيم (وذلك بأن تستشعر قول الله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ﴿وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾، وكذلك تستشعر قوله تعالى: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ) أي نقتلعها مِن أماكنها، ثم نجعلها هباءً منثوراً، (فحينئذٍ تستشعر أنّ جنايتك عظيمة، لأنك عصيتَ عظيماً، وهو عليك قادر).

فعليك أخي الحبيب - حتى تنهاك صلاتك عن المعاصي - أن تصلي لربك بحُبٍّ ورجاء، وذُلٍّ وتعظيم، وخوفٍ وحياء.





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 295.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 289.43 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]