فـــــــــقــــــــــــــــــه الاســــــــــــــرة المســــــــــلمة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4416 - عددالزوار : 852320 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3947 - عددالزوار : 387659 )           »          هل لليهود تراث عريق في القدس وفلسطين؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 1050 )           »          أوليــاء اللــه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          المشكلات النفسية عند الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          هل المديرون بحاجة للحب؟هل تحب وظيفتك ومكان عملك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          وأنت راكع وساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          لماذا تصاب المرأة بالقولون العصبي بــعد الــزواج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          لطائف تأخير إجابة الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-12-2021, 05:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي فـــــــــقــــــــــــــــــه الاســــــــــــــرة المســــــــــلمة

فقه الاسرة
الحلقة الاولى


الزواج في القرآن الكريم



الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي




الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على النبيِّ الأمين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ الله تعالى خلَق هذا الكَوْن وجعل فيه سُنَنًا متنوعة، ومن هذه السنن سنَّة الزوجيَّة والتي لا تقتصرُ على نوعٍ دُون آخَر، بل تشملُ كلَّ الكائنات، وقد بيَّن الله تعالى هذه السُّنَّة في العديد من الآيات، منها ما يتعلَّق بالحيوان؛ كقوله تعالى: ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأنعام: 143]، ومنها ما يتعلَّق بالنَّبات، كما في قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد: 3]، وقوله تعالى: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ﴾ [طه: 53]، وقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ [الشعراء: 7]، بل نَصَّ - عزَّ وجلَّ - على أنَّ الزوجيَّة سُنَّةٌ في المخلوقات؛ قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يس: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]، قال الإمام ابن كثير - رحمه الله تعالى -: "أي: جميع المخلوقات أزواج: سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضِياء وظَلام، وإيمان وكُفر، وموت وحياة، وشَقاء وسَعادة، وجنَّة ونار، حتى الحيوانات والنَّباتات، ولهذا قال: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]؛ أي: لتعلموا أنَّ الخالق واحدٌ لا شريك له".

ومن ذلك الإنسان؛ فقد خلقه الله أيضًا من زوجين كما في قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء: 1]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ [النجم: 45].

ومن لوازم الزوجيَّة اجتماع الزوجين لتحقيق مُقتَضى الزوجيَّة ولازمها وتحصيل المراد من الزواج، وذلك يحصل بعقد الزواج، الذي يجتمع بموجبه ذكرٌ وأنثى، ويرتبطان ارتباطًا وثيقًا له ثمراتُه وآثارُه، وقد رغَّب القُرآن الكريم في الزواج في آياتٍ شتَّى؛ فتارةً يردُ ذلك بصيغة الأمر؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32]، وتارَةً يَصِفُ الزوجة بالسَّكن؛ كما في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189]، وذكر سبحانه أنَّه جعَل بين الزَّوجين مودَّة ورحمة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، وفي هذا المعنى يقولُ سبحانه: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، ولهذا قيل: "لا ألفة بين رُوحَيْن أعظم ممَّا بين الزوجين".

وتارَةً يذكُر القُرآن الكريم أنبياء الله تعالى - صلوات الله وسلامه عليهم - بأنَّه جعَل لهم أزواجًا وذريَّة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾ [الرعد: 38]، فالزوجيَّة آيةٌ من آيات الله سبحانه كما بيَّن في كتابه الكريم؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وهي حَرِيَّةٌ بالتفكُّر فيها، وتدبُّر عظيم حكمة المولى سبحانه؛ إذ المرأة بعد عقد نكاحها تترُك أبويها وإخوانها وسائر أهلها، وتنتقلُ إلى صُحبةِ رجلٍ غريب عنها، تفضي إليه ويفضي إليها، تقاسمه السراء والضراء وتكون زوجةً له، ويكون زوجًا لها تسكُن إليه ويسكُن إليها، ويكون بينهما من المودَّة والرحمة أقوى من كلِّ ما يكون بين ذوي القُربَى، فسبحان الحكيم العليم!

ولما لهذه العلاقة الزوجيَّة من أهميَّةٍ وأثَر لم يترُك الشارع الحكيم هذه العلاقة دُون توجيه وبَيان لما يجبُ على كلِّ طرفٍ نحو الآخَر، وإيضاح ما يُملِيه هذا الاقتران من حُقوق؛ كي يسعد الزوجان ويَهْنَأا في حَياتهما، بل ورَد في الشريعة الإسلاميَّة بيانُ هذه الحقوق والواجبات المتبادلة بين الطرفين؛ كيلا تنحرف الأسرة عن المسار الصحيح، ولا ريب أنَّه بانحِراف الأسرة عن جادَّتها السويَّة ينحرفُ جزء من المجتمع، وما المجتمع إلا مجموعة أُسَر، فالأسرة هي النواة للمجتمع، وهي التي تُشكِّل سداه ولحمته وبصَلاح الأسرة يصلح المجتمع، وبفَسادها يفسدُ.

وللمركز المهمِّ الذي تحتلُّه العلاقة الزوجيَّة جاء في الشريعة الإسلاميَّة بيانُ الأحكام المنظِّمة للأسرة وأفرادها[1]، وإنَّ المتأمِّل في آيات القُرآن الكريم يجدُ أنَّ القُرآن الكريم قد اعتنى بالعلاقات الزوجيَّة وأحكامها أيما عِناية، ولم تخلُ مرحلةٌ من مراحل تكوُّن الأسرة من توجيهٍ رباني وهدي قُرآني، ولو استعرَضْنا ما ورد في القُرآن الكريم من التَّشريعات والأحكام المنظِّمة للأسرة وأمورها لطالَ بنا المقام، ولكنْ أكتفِي في هذه العُجالة باستِعراض جُزْءٍ يسير ممَّا ورَد في كتاب الله تعالى في أحكام الأُسرة، ففي الخِطبة - وهي سابقةٌ للزواج - يردُ حُكمٌ قُرآني؛ يقول تعالى: ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ... ﴾ [البقرة: 235] الآية.

وبيَّن القُرآن الكريم المحرَّمات من النساء اللاتي يحرم نكاحهن؛ يقول تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ... ﴾ [النساء: 22، 23] الآية، وتحدَّث القُرآن الكريم عن عدد الزوجات اللاتي يحلُّ للرجل جمعهن في ذمَّته؛ يقول تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3].

وأكَّد القُرآن الكريم متانةَ عقد النكاح ومَكانته السامية؛ يقول تعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]، فقد وصَف القُرآن الكريم عقدَ النكاح بالمِيثاق الغَليظ لقوَّته وعظمته، كما بيَّن القُرآن الكريم ما يترتَّب على هذا العقد من حُقوق وواجبات لكلِّ واحدٍ من الزوجين وهما طرفا هذا العقد العظيم؛ يقول تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228]، وهذه قاعدةٌ عظيمة في بَيان طبيعة الواجبات والحُقوق بين الزوجين.

والقُرآن الكريم يحثُّ الأزواج على إحسان العِشرة مع الزوجات، حتى لو لم يكن هناك ودٌّ كامل ومحبَّة خالصة؛ قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وألزم الله تعالى الزوج بأنْ يُمسِك زوجته بمعروفٍ أو يُسرِّحها بإحسانٍ؛ قال الله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]، وبيَّن القُرآن الكريم جملةً من الواجبات على الزوج، ومن ذلك حقُّ الزوجة في النَّفقة والسُّكنَى؛ قال تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق: 6]، وقال سبحانه: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ﴾ [الطلاق: 7]، ونهى عن مضارَّة الزوجة في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ [الطلاق: 6]، وقوله سبحانه: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 34]، وبيَّن القُرآن الكريم مشروعيَّة الصُّلح والتنازُل عن بعض الحقوق؛ رغبةً في لَمِّ الشَّمل ومنْع الفراق؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 128].

وإذا ضاقَ حالُ الزَّوجَيْن وخِيفَ الشِّقاق بينهما، دعا القُرآن الكريم إلى بعْث حكَمَيْن حكيمين قريبين من الزوجين يسعيان في الإصلاح ولَمِّ الشَّمْل؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35]، ومتى استَحال عيشُ الزوجين سويًّا وعزم الزوج على الفراق، فإنَّ القُرآن الكريم بيَّن أحكام الطلاق المهمَّة، وألزَمَ بها وحذَّر من التَّعدِّي فيها؛ قال تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 229-230]، كما بيَّن القُرآن الكريم أحكام ما قد يقعُ بين الزوجين من إيلاء أو ظهار أو لِعان، وذكَر القُرآن الكريم حُقوق الأولاد صِغارًا وكِبارًا، من الرضاع والإنفاق والرعاية؛ قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾[البقرة: 233]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

وبالجملة فإنَّ القُرآن الكريم اعتَنَى بالأسرة، وبيَّن أهمَّ أحكامها وآدابها، وفي السُّنَّة النبويَّة المطهَّرة أضعاف ما في القُرآن الكريم من البَيان والتفصيل في هذا الشأن؛ ممَّا يُشعِرنا بعناية الإسلام بالأسرة وإعلاء شأنها، فما أحْرانا أخي المستمِع الكريم وأختي المستمعة الكريمة أنْ نعي ذلك، وأنْ نستشعِرَه، وأنْ نتفقَّه في أحكام دِيننا وشريعتنا؛ كي نتعبَّد لله تعالى بعلمٍ، ونُؤدِّي للعِباد حُقوقهم، أسألُ الله تعالى بمنِّه وكرمه أنْ يُفقِّهنا في الدِّين وأنْ يُعلِّمنا ما ينفَعُنا، إنَّه سميعٌ مجيبٌ.

والحمد لله ربِّ العالمين، والسَّلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته.


[1] ما مضى منقولٌ بتصرف يسير من كتاب "محرمات العلاقة الزوجية في القرآن الكريم"؛ لفهد عبدالله محمد الحبيشي، من المكتبة الشاملة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-12-2021, 05:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فـــــــــقــــــــــــــــــه الاســــــــــــــرة المســــــــــلمة

فقه الأسرة


الحلقة الثانية

الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي


(حكم الزواج وأهميته)


الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على النبيِّ الأمين، نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصَحْبِه أجمعين.

أمَّا بعد:
فإنَّ من الأحكام المهمَّة التي اعتنَتْ بها الشريعة الإسلاميَّة ما يتعلَّق بالزواج؛ إذ هو من سنن المرسلين، وجاءت النُّصوص الكثيرة في القُرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة مُبيِّنة لمكانة هذا العقد وأهميَّته، وأجمعت الشَّرائع السماويَّة على مشروعيَّته، وفي هذه الحلقة أعرضُ لك أخي المستمع وأختي المستمعة نبذةً حول حُكم الزواج والتفصيل في ذلك، مستعينًا بالله تعالى، مستأنسًا بما ذكَرَه العُلَماء في مُصنَّفاتهم، وقبل ذلك أُورِدُ تعريفَ العلماء لعقد النِّكاح، فقد تنوَّعت تعريفاتهم في هذا الأمر واختلفت، لكنَّها من باب اختلاف التنوُّع، ولا تناقُض بينها، فمن تعريفاتهم أنَّ النكاح: "عقدٌ شَرعيٌّ يقتضي حلَّ استمتاع كلٍّ من الزوجين بالآخَر".

ومن تلك التعريفات ما أورَدَه الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - من تعريفٍ جميل بيَّن فيه حقيقة عقد النِّكاح والهدف منه؛ قال - رحمه الله تعالى -: النِّكاح في الشَّرع: "عقد بين رجل وامرأة يقصد به استِمتاع كلٍّ منهما بالآخَر، وتكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم".

ثم قال - رحمه الله تعالى -: "ومن هنا نأخُذ أنَّه لا يُقصَد بعقد النكاح مجرَّد الاستمتاع، بل يقصد به مع ذلك معنى آخَر هو تكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم، وقد يغلب أحد القَصدين على الآخَر لاعتباراتٍ مُعيَّنة بحسَب أحوال الشخص.

والمتأمِّل في القُرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة وما ذكَرَه أهلُ العِلم في الأحكام المتعلِّقة بعقد النكاح يظهَرُ له بوضوحٍ اهتمامُ الشريعة بعقد النكاح وتربيةِ الزوجين على مُراعاة هذا العقد واستشعار أهميَّته ومكانته، كما جاءت الأحكام الشرعيَّة المنظِّمة لهذا العقد ضَمانةً له وحماية لِجَنابه من العَوارِض التي قد تعترضُ في سبيله.

فمن ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، ووجه الاستدلال بهذه الآية أنَّ الله تعالى امتَنَّ على عِباده بنعمة الزواج وما يتضمَّنه من السكينة والمودَّة والرحمة، ووصَف الله تعالى عقد النكاح بأنَّه مِيثاق غليظٌ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20، 21].

قال المفسِّرون: أي: أخذنَ منكم عهدًا وثيقًا وهو حقُّ الصُّحبة والمعاشرة، أو ما أوثق الله تعالى عليهم في شأنهنَّ بقوله - تعالى -: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]، أو ما أشار إليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((اتَّقوا الله في النِّساء؛ فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتُم فرُوجهنَّ بكلمة الله تعالى))؛ رواه مسلم.

أمَّا عن حُكم النكاح من حيث الوجوبُ وغيرُه، فيُقال: إنَّ حُكم التزوُّج يختلفُ باختِلاف حال الشخص وقُدرته الجسميَّة والماليَّة واستعداده لتحمُّل مسؤوليَّته، وقد ذكَر العلماء أنَّ الحُكم الشرعي للنِّكاح على خمسة أقسام: فتارةً يكون واجبًا، وتارةً يكونُ مستحبًّا، وتارةً يكون حَرامًا، وتارةً يكون مكروهًا، وتارةً يكون مُباحًا.

ففي القسم الأوَّل: يكونُ النِّكاح واجبًا في حقِّ مَن يخافُ على نفسِه الوُقوع في محظورٍ إنْ ترك النكاح، فهذا يجبُ عليه النكاح في قول عامَّة الفقهاء؛ لأنَّه يلزمه إعفاف نفسِه، وصونها عن الحرام، وذلك واجبٌ على المسلم، وطريقه النِّكاح، وذكَر بعض أهل العلم أنَّه لا فرقَ في هذه الحالة بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه؛ لأنَّ الله وعَد بالغنى مَن تزوَّج؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32]، وزوَّج النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً لم يقدرْ على خاتمٍ من حديد!

ويكون النكاح مستحبًّا في حال وُجود الشهوةٍ مع عدم الخوف من الوقوع في المحرَّم؛ فمَن كانت هذه حاله استحبَّ له النكاح؛ لاشتماله على مصالح كثيرة، بل ذكَر العلماء أنَّ الاشتِغال بالنكاح وتحصيلِه أَوْلَى من التخلِّي لنوافل العبادة، وهو ظاهرُ قول الصحابة - رضِي الله عنهم - وفِعلهم، وبه قال جمهورُ أهل العلم، قال ابن مسعود - رضِي الله عنه -: لو لم يبقَ من أجَلِي إلا عشرة أيَّام، وأعلمُ أنِّي أموتُ في آخِرها، ولي طول النِّكاح فيهنَّ - لتزوَّجت مخافةَ الفتنة.


وقال عمر - رضي الله عنه - لأبي الزوائد: ما يمنعك عن النِّكاح إلا عجزٌ أو فجورٌ.

وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى -: ليست العزبة من أمر الإسلام في شيءٍ.

ويكون النِّكاح مُباحًا في حال عدَم الشَّهوة والميل إليه؛ كالعِنِّين والكبير ونحوهما، وقد يكونُ مكروهًا في هذه الحالة؛ لأنَّه يُفوِّت على المرأة غَرَضًا صحيحًا من أغراض النِّكاح، وهو إعفافها، وربما أضَرَّ بها، ولكن تنتفي الكَراهة في حال رضاها؛ لأنَّ أغراض النكاح ومقاصده كثيرةٌ من تحصيل الأُنس والمودَّة والسُّكنى والنَّفقة ونحو ذلك، وليس الغرَض من النِّكاح قضاء الوطَر فقط.

وذكَر أهل العلم أنَّ النِّكاح يكونُ مُحرَّمًا في حقِّ المسلم إذا كان في دار كفَّار حربيِّين؛ لأنَّ فيه تعريضًا لذريَّته للخطَر واستيلاء الكفَّار عليهم، ولأنَّه لا يأمن على زوجته منهم.

ومن الصور التي ذكَر العلماء أنَّ النِّكاح فيها يكونُ مكروهًا: إذا خافَ الجور ومَنْعَ الزوجة حُقوقها، أو كان لا شهوةَ له ويعوقه النكاح عن العبادة المستحبَّة، ونحو ذلك.

وقد يردُ سؤالٌ: هل هذا التفصيل في حُكم النكاح خاصٌّ بالرجل فقط، أو أنَّه يشمل المرأة كذلك؟
والجواب عن هذا: أنَّ جمهور العلماء من المالكيَّة والشافعيَّة والحَنابلة صرَّحوا بأنَّ المرأة مساويةٌ للرجل في هذه الأحكام، فمتى ما خُطِبَتْ فإنَّه يرد في حقِّها التفصيل السابق في حُكم الزواج من وُجوبٍ وحُرمةٍ واستحبابٍ وكراهةٍ وإباحةٍ.

نخلص من هذا أيها المستمعون إلى أنَّ الشريعة الإسلاميَّة حَفَلَتْ بعقد النِّكاح، واعتنَتْ به، ودعَتْ إليه، وبيَّنت حُكمه وأحكامه؛ لما في ذلك من تحقيق المصالح ودرء المفاسد وعِمارة الكون، وما أحوَجَ المسلم إلى التفقُّه في أحكام دِينه ومعرفة حُقوق عِباد الله، ولا سيَّما حُقوق الأقربين من الزوجة والأولاد.

نسأل الله - تعالى - أنْ يُعلِّمنا ما ينفَعُنا، وأنْ يُوفِّقنا لصالح القول والعمل، والحمدُ لله ربِّ العالمين، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أهم المراجع:
1- "الزواج"؛ للشيخ محمد بن صالح العُثيمين، كتب ورسائل للعثيمين - (4 / 5) المكتبة الشاملة.
2- "المغني".
3- "الملخص الفقهي".
4- "رسالة الدكتوراه (الضوابط الفقهية في العلاقات الزوجية) لمعد البرنامج".
5-"الموسوعة الكويتية".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-12-2021, 01:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فـــــــــقــــــــــــــــــه الاســــــــــــــرة المســــــــــلمة

فقه الأسرة


الحلقة الثالثة

الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي


(حكم الزواج وأهميته)


الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على النبيِّ الأمين، نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصَحْبِه أجمعين.

أمَّا بعد:
فإنَّ من الأحكام المهمَّة التي اعتنَتْ بها الشريعة الإسلاميَّة ما يتعلَّق بالزواج؛ إذ هو من سنن المرسلين، وجاءت النُّصوص الكثيرة في القُرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة مُبيِّنة لمكانة هذا العقد وأهميَّته، وأجمعت الشَّرائع السماويَّة على مشروعيَّته، وفي هذه الحلقة أعرضُ لك أخي المستمع وأختي المستمعة نبذةً حول حُكم الزواج والتفصيل في ذلك، مستعينًا بالله تعالى، مستأنسًا بما ذكَرَه العُلَماء في مُصنَّفاتهم، وقبل ذلك أُورِدُ تعريفَ العلماء لعقد النِّكاح، فقد تنوَّعت تعريفاتهم في هذا الأمر واختلفت، لكنَّها من باب اختلاف التنوُّع، ولا تناقُض بينها، فمن تعريفاتهم أنَّ النكاح: "عقدٌ شَرعيٌّ يقتضي حلَّ استمتاع كلٍّ من الزوجين بالآخَر".

ومن تلك التعريفات ما أورَدَه الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله تعالى - من تعريفٍ جميل بيَّن فيه حقيقة عقد النِّكاح والهدف منه؛ قال - رحمه الله تعالى -: النِّكاح في الشَّرع: "عقد بين رجل وامرأة يقصد به استِمتاع كلٍّ منهما بالآخَر، وتكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم".

ثم قال - رحمه الله تعالى -: "ومن هنا نأخُذ أنَّه لا يُقصَد بعقد النكاح مجرَّد الاستمتاع، بل يقصد به مع ذلك معنى آخَر هو تكوين أسرة صالحة ومجتمع سليم، وقد يغلب أحد القَصدين على الآخَر لاعتباراتٍ مُعيَّنة بحسَب أحوال الشخص.

والمتأمِّل في القُرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة وما ذكَرَه أهلُ العِلم في الأحكام المتعلِّقة بعقد النكاح يظهَرُ له بوضوحٍ اهتمامُ الشريعة بعقد النكاح وتربيةِ الزوجين على مُراعاة هذا العقد واستشعار أهميَّته ومكانته، كما جاءت الأحكام الشرعيَّة المنظِّمة لهذا العقد ضَمانةً له وحماية لِجَنابه من العَوارِض التي قد تعترضُ في سبيله.

فمن ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، ووجه الاستدلال بهذه الآية أنَّ الله تعالى امتَنَّ على عِباده بنعمة الزواج وما يتضمَّنه من السكينة والمودَّة والرحمة، ووصَف الله تعالى عقد النكاح بأنَّه مِيثاق غليظٌ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20، 21].

قال المفسِّرون: أي: أخذنَ منكم عهدًا وثيقًا وهو حقُّ الصُّحبة والمعاشرة، أو ما أوثق الله تعالى عليهم في شأنهنَّ بقوله - تعالى -: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]، أو ما أشار إليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((اتَّقوا الله في النِّساء؛ فإنَّكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتُم فرُوجهنَّ بكلمة الله تعالى))؛ رواه مسلم.

أمَّا عن حُكم النكاح من حيث الوجوبُ وغيرُه، فيُقال: إنَّ حُكم التزوُّج يختلفُ باختِلاف حال الشخص وقُدرته الجسميَّة والماليَّة واستعداده لتحمُّل مسؤوليَّته، وقد ذكَر العلماء أنَّ الحُكم الشرعي للنِّكاح على خمسة أقسام: فتارةً يكون واجبًا، وتارةً يكونُ مستحبًّا، وتارةً يكون حَرامًا، وتارةً يكون مكروهًا، وتارةً يكون مُباحًا.

ففي القسم الأوَّل: يكونُ النِّكاح واجبًا في حقِّ مَن يخافُ على نفسِه الوُقوع في محظورٍ إنْ ترك النكاح، فهذا يجبُ عليه النكاح في قول عامَّة الفقهاء؛ لأنَّه يلزمه إعفاف نفسِه، وصونها عن الحرام، وذلك واجبٌ على المسلم، وطريقه النِّكاح، وذكَر بعض أهل العلم أنَّه لا فرقَ في هذه الحالة بين القادر على الإنفاق والعاجز عنه؛ لأنَّ الله وعَد بالغنى مَن تزوَّج؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32]، وزوَّج النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً لم يقدرْ على خاتمٍ من حديد!

ويكون النكاح مستحبًّا في حال وُجود الشهوةٍ مع عدم الخوف من الوقوع في المحرَّم؛ فمَن كانت هذه حاله استحبَّ له النكاح؛ لاشتماله على مصالح كثيرة، بل ذكَر العلماء أنَّ الاشتِغال بالنكاح وتحصيلِه أَوْلَى من التخلِّي لنوافل العبادة، وهو ظاهرُ قول الصحابة - رضِي الله عنهم - وفِعلهم، وبه قال جمهورُ أهل العلم، قال ابن مسعود - رضِي الله عنه -: لو لم يبقَ من أجَلِي إلا عشرة أيَّام، وأعلمُ أنِّي أموتُ في آخِرها، ولي طول النِّكاح فيهنَّ - لتزوَّجت مخافةَ الفتنة.


وقال عمر - رضي الله عنه - لأبي الزوائد: ما يمنعك عن النِّكاح إلا عجزٌ أو فجورٌ.

وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى -: ليست العزبة من أمر الإسلام في شيءٍ.

ويكون النِّكاح مُباحًا في حال عدَم الشَّهوة والميل إليه؛ كالعِنِّين والكبير ونحوهما، وقد يكونُ مكروهًا في هذه الحالة؛ لأنَّه يُفوِّت على المرأة غَرَضًا صحيحًا من أغراض النِّكاح، وهو إعفافها، وربما أضَرَّ بها، ولكن تنتفي الكَراهة في حال رضاها؛ لأنَّ أغراض النكاح ومقاصده كثيرةٌ من تحصيل الأُنس والمودَّة والسُّكنى والنَّفقة ونحو ذلك، وليس الغرَض من النِّكاح قضاء الوطَر فقط.

وذكَر أهل العلم أنَّ النِّكاح يكونُ مُحرَّمًا في حقِّ المسلم إذا كان في دار كفَّار حربيِّين؛ لأنَّ فيه تعريضًا لذريَّته للخطَر واستيلاء الكفَّار عليهم، ولأنَّه لا يأمن على زوجته منهم.

ومن الصور التي ذكَر العلماء أنَّ النِّكاح فيها يكونُ مكروهًا: إذا خافَ الجور ومَنْعَ الزوجة حُقوقها، أو كان لا شهوةَ له ويعوقه النكاح عن العبادة المستحبَّة، ونحو ذلك.

وقد يردُ سؤالٌ: هل هذا التفصيل في حُكم النكاح خاصٌّ بالرجل فقط، أو أنَّه يشمل المرأة كذلك؟
والجواب عن هذا: أنَّ جمهور العلماء من المالكيَّة والشافعيَّة والحَنابلة صرَّحوا بأنَّ المرأة مساويةٌ للرجل في هذه الأحكام، فمتى ما خُطِبَتْ فإنَّه يرد في حقِّها التفصيل السابق في حُكم الزواج من وُجوبٍ وحُرمةٍ واستحبابٍ وكراهةٍ وإباحةٍ.

نخلص من هذا أيها المستمعون إلى أنَّ الشريعة الإسلاميَّة حَفَلَتْ بعقد النِّكاح، واعتنَتْ به، ودعَتْ إليه، وبيَّنت حُكمه وأحكامه؛ لما في ذلك من تحقيق المصالح ودرء المفاسد وعِمارة الكون، وما أحوَجَ المسلم إلى التفقُّه في أحكام دِينه ومعرفة حُقوق عِباد الله، ولا سيَّما حُقوق الأقربين من الزوجة والأولاد.

نسأل الله - تعالى - أنْ يُعلِّمنا ما ينفَعُنا، وأنْ يُوفِّقنا لصالح القول والعمل، والحمدُ لله ربِّ العالمين، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أهم المراجع:
1- "الزواج"؛ للشيخ محمد بن صالح العُثيمين، كتب ورسائل للعثيمين - (4 / 5) المكتبة الشاملة.
2- "المغني".
3- "الملخص الفقهي".
4- "رسالة الدكتوراه (الضوابط الفقهية في العلاقات الزوجية) لمعد البرنامج".
5-"الموسوعة الكويتية".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-12-2021, 01:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فـــــــــقــــــــــــــــــه الاســــــــــــــرة المســــــــــلمة

فقه الأسرة

الشيخ الدكتور عبدالمجيد بن عبدالعزيز الدهيشي




الحلقة الرابعة

(أركان عقد النكاح وشروطه)



الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعدُ:
فمرحبًا بكم مستمعيَّ الكرام في حلقةٍ جديدة من حلقات فقه الأسرة، فقد مَرَّ معنا في الحلقات الماضية: الإشارة إلى أهميَّة التفقُّه في الدِّين عُمومًا، وفي أحكام الأسرة خُصوصًا، وأشرت إلى فَضائل النكاح وفوائدِه، ثم عرجنا على حُكم النِّكاح بالنسبة للمُكلِّفين، وأنَّه يردُ عليه الأحكام الخمسة: الوجوب، والتحريم، والاستحباب، والكراهة، والإباحة، وذلك بحسب حال الإنسان وظُروفه.

واليوم نستعرضُ مستمعيَّ الكرام أركانَ عقد النكاح التي يقومُ عليها، وأشيرُ قبل ذلك إلى ما درج عليه الفُقَهاء في مُصنَّفاتهم من تقسيم المسائل في أبواب الفقه إلى: أركان، وشروط، وواجبات، ومستحبَّات، ونحو ذلك من التقاسيم، ومُراد العلماء بذلك تقريبُ العلم إلى الأذهان، باستعمال أسلوب التقسيم والحصْر، فيقولون: هذه شروطٌ، وهذه أركانٌ، وهذه واجباتٌ، وهذه مستحبَّاتٌ، ونحو ذلك.

أمَّا الأركان فهي جمعُ ركن، والرُّكن في اللغة: الجانب الأقوى من الشيء، ولهذا تسمى الزاوية: رُكنًا؛ لأنَّ أقوى ما في الجدار زاويته؛ لأنَّها مدعومة من الجانبين.

أمَّا في الاصطلاح، فإنَّ الرُّكن: ما لا يتمُّ تركيب الماهيَّة إلا به، فأركان الصلاة مثلاً: قيام وقعود وركوع وسجود؛ لأنَّ الصلاة لا تقومُ إلا بهذا، وأركان النكاح هي ما لا يقوم النكاح إلا بها.

وأركان عقد النكاح ثلاثة:
الرُّكن الأول: وجود الزوجين الخاليَيْن من الموانع التي تمنَعُ صحَّة النكاح; بألا تكون المرأة مثلاً من اللواتي يحرمن على هذا الرجل بنسبٍ؛ كأخته وعمَّته، أو برضاع أو عدَّة، فالمرأة المعتدَّة لا يجوزُ عقد النكاح عليها، ومن الموانع أيضًا: أنْ يكون الرجل مثلاً كافرًا والمرأة مسلمة، ونحو ذلك من الموانع الشرعيَّة التي سنُبيِّنها لاحقًا - بإذن الله تعالى.

أمَّا الرُّكن الثاني لعقد النكاح: فهو حُصول الإيجاب، وهو اللفظ الصادر من الوليِّ، أو مَن يقومُ مقامه; فيقول الولي - مثلاً - كالأب والأخ وما أشبه ذلك: زَوَّجْتُكَ ابنتي أو أختي فلانة، وسُمِّي إيجابًا؛ لأنَّه أوجب به العقد، والذي يقومُ مقام الولي هو الوكيل والوَصِيُّ، فالوكيل هو الذي أُذِنَ له بالتصرُّف في حال الحياة؛ مثل أنْ يقول: وكلتك أنْ تُزوِّج ابنتي، والوَصِيُّ هو الذي أُذِنَ له بالتصرُّف بعد الموت، وهو يقوم مقام الولي عند بعض العلماء، ويرى جمهورُ العلماء أنَّ ولاية النِّكاح لا تنتقل بالوصيَّة، وأنَّه ليس للولي أنْ يُوصِي أحدًا بتزويج موليته بعد وفاته؛ لأنها ولاية تنتقلُ إلى غيره شرعًا، فلم يجزْ أنْ يوصي بها كالحضانة.

وأمَّا الرُّكن الثالث من أركان عقد النكاح: فهو حصول القبول، وهو اللفظ الصادر من الزوج أو مَن يقوم مقامه; بأنْ يقول: قَبِلتُ هذا النكاح أو هذا التزويج.

واشترط بعضُ العلماء أنْ يكون الإيجاب لمن يحسن العربيَّة بلفظ: زوَّجتك أو أنكَحتك، دُون ما سواهما من الألفاظ؛ لأنهما اللفظان اللذان ورد بهما القُرآن; كقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ [الأحزاب: 37]، وكقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 22]، وذهب جمهورُ العلماء إلى عدَم اشتراط أحد هذين اللفظين في التزويج، بل ينعقدُ النكاح بالإيجاب والقبول بأيِّ لفظ يدلُّ عليهما، وأجابوا عن أدلَّة الموجبين بأنَّه لا دلالةَ في الآيتين على حصْر عقد النكاح على لفظتي الإنكاح والتزويج، كما استدلُّوا بأدلَّةٍ؛ منها قوله تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 3]، فلم يَقُلْ: فانكِحوا ما طاب لكم من النِّساء بلفظ الإنكاح أو التَّزويج، وقوله تعالى: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ [النساء: 25]، فلم يشترط لفظ الإنكاح أو التزويج، فلمَّا أطلق العقد رجعنا في ذلك إلى العُرف، فكلُّ ما دلَّ على عقد النكاح في عُرف الناس ولغاتهم، فهو كافٍ في ذلك، كما أنَّ جميع العقود تنعقدُ بما دلَّ عليها، والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]، فما عدَّه الناس عقدًا فهو عقدٌ، والله تعالى أعلم.

أمَّا لو كان الوليُّ أو الزوج أخرسَ لا يتكلَّم، فإنَّ النكاح ينعقدُ منه بكتابة أو إشارة مفهومة؛ لأنَّ إشارة الأخرس وكتابته تقوم مقام لفظه، ويشترط أن تكون إشارته مفهومة لَدَى العاقد والشاهدين.

وإذا حصل الإيجابُ والقبولُ وانتفت الموانع انعقَدَ النكاح، حتى ولو كان المتلفِّظ هازلاً لم يقصد معناه حقيقةً; فعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ثلاثٌ جدُّهن جدٌّ، وهزلهنَّ جدٌّ: النكاح، والطلاق، والرَّجعة))؛ أخرجه أبو داود والنسائي، والترمذي وحسَّنه، وابن ماجه والحاكم، وغيرهم؛ ولذا يجبُ الحذر من الهزل بعِبارات التزويج والطلاق، فالأمر جدٌّ لا هزلَ فيه، وذلك من عناية الشارع الحكيم بعقْد الزواج والاحتياط في أمرِه.


وبعد استِعراض أركان عقْد النكاح، ننتقلُ مستمعيَّ الكرام إلى بَيان شُروط عقد النكاح التي لا يصحُّ دُون وُجودها وتحققها.

والشرط لغة: العلامة لأنها علامة للمشروط، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ [محمد: 18]؛ أي: علاماتها، والشرط في عرف أهل الشَّرع: ما يلزمُ من عدَمِه العدم، ولا يلزمُ من وُجوده وجودٌ ولا عدم لذاته، ففي باب النكاح يلزمُ من فقدان أحدِ الشروط عدم صحَّة النكاح.

ولو سأل سائلٌ فقال:وما الحكمة في وضع الشروط في العقود؟ فيُجاب عنه بأنَّ من حكمة الشريعة أنَّ جميع العبادات والمعاملات لا بُدَّ فيها من شروطٍ؛ لأجل أنْ تنضبط الأمور وتتَّضح، ولولا هذه الشُّروط لكانت الأمور فوضى، فكلٌّ يتزوَّج أو يبيع على ما شاء، وكلٌّ يُصلِّي كيف شاء، لكنَّ هذه الشروط التي جعَلَها الله تعالى في العبادات وفي المعاملات هي من الحِكمة العظيمة البالغة؛ لأجل ضبْط العقود، والتوقِّي من اختِلال شيءٍ لازم فيها؛ ولذا فإنَّ من القواعد المشهورة: أنَّ الشيء لا يتمُّ إلا بوجود شُروطه وانتِفاء موانعه.

وممَّا ينبغي أنْ يُعلَم أنَّ هناك فَرْقًا بين شروط النكاح، والشروط في النِّكاح، ويمكن إجماله في أمرين:
الأول: أنَّ شروط النكاح قُيودٌ وضَعَها الشرع، ولا يمكن إبطالها، أمَّا الشروط في النكاح فهي شروطٌ يضعها العاقدان أو أحدهما، ويمكن إبطالها.

الثاني: أنَّ شُروط النِّكاح يتوقَّف عليها صحَّته، أمَّا الشُّروط في النِّكاح، فإنَّ النكاح يصحُّ دُونها ولا يتوقَّف عليها لُزومه، مع أنَّه يجب الوفاء بالشروط التي يضعها العاقدان أو أحدهما؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]، ولكنَّ ذلك زائد عن صحَّة عقد النكاح ولُزومه.

وشُروط عقد النكاح أربعة:
الأول: تعيين الزوجين، والشرط الثاني: رضا كلٍّ من الزوجين بالآخَر، والشرط الثالث: أنْ يعقد على المرأة وليها، والشرط الرابع: الشهادة على عقد النكاح.

وفي الحلقة القادمة - بإذن الله تعالى - أعرضُ لكم مستمعيَّ الكرام هذه الشروط، أسألُ الله تعالى لي ولكم الفقهَ في الدِّين والعلمَ النافع والعملَ الصالح، والله تعالى أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد.

أهم المراجع:
"المغني".

"الملخص الفقهي".

"الشرح الممتع".
"الموسوعة الكويتية".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 109.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 105.89 كيلو بايت... تم توفير 3.31 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]