الشخصية الإسلامية بين الثبات في المواقف والانهزامية - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858681 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393093 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215552 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 28-07-2021, 04:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي الشخصية الإسلامية بين الثبات في المواقف والانهزامية

الشخصية الإسلامية بين الثبات في المواقف والانهزامية
أيمن الشعبان


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله العزيز القدير، والصلاة والسلام على نبينا السراج المنير، وعلى آله وصحابته أجمعين، أصحاب المواقف والجبال الرواسخ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
كثير من الأمم والشعوب والمجتمعات بل والدول، التي تطمح للسيادة والعلو والتمكين والغلبة، تضع استراتيجيات وتسلك طرقا مختلفة مادية ومعنوية، كل بحسب آيديولوجياته وما يمتلكه من وسائل القوة وآليات التقدم والتطور والوصول للهدف المنشود.

إن الصراع بين الحق والباطل .. التوحيد والشرك .. الخير والشر، منذ أن أوجد الله الخليقة، قائم على سنة التدافع والمقدمات التي تسلكها كل فئة وما تؤول إليه من نتائج، وهنالك عنصر هام جدا في هذا النزال وتلك المعركة يبدأ من مستوى الفرد صعودا إلى الأمة أجمع، ألا وهو الثبات على الموقف .. والاستقامة على الحق .. والاستمرار على المبدأ، وعدم التراجع والتنصل والتلون والتقهقر.

وقد حثنا الله سبحانه وتعالى في أحلك الظروف وأصعب المواقف على الثبات إذ يقول جل وعلا ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون )، يقول العلامة السعدي رحمه الله ( فاثبتوا: لقتالها، واستعملوا الصبر وحبس النفس على هذه الطاعة الكبيرة، التي عاقبتها العز والنصر)، ويقول العلامة الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان ( أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة بالثبات عند لقاء العدو، وذكر الله كثيراً مشيراً إلى أن ذلك سبب للفلاح. والأمر بالشيء نهي عن ضده، أو مستلزم للنهي عن ضده، كما علم في الأصول، فتدل الآية الكريمة على النهي عن عدم الثبات . أمام الكفار).

الأمة الإسلامية في عصورها الذهبية ملكت هذه الدنيا، وضربت أروع الأمثلة في نشر العدل والأمان والعيش الرغيد للمسلمين ولكل من عاش في كنف تلك الدولة القوية، وما ذلك إلا لثباتهم وتمسكهم بعوامل النصر والغلبة والتمكين، من الاستقامة على تعاليم الدين والحرص على الصدع بالحق دون مداهنة أو مجاملة أو محاباة.

إن الأمة الإسلامية هذه الأيام بأمس الحاجة لمواقف راسخة ثابتة قوية، ولشخصيات واضحة مستقيمة قادرة على تحمل أعباء المرحلة الحرجة والمسؤوليات المتزايدة نتيجة الغثائية التي نمر بها، والضعف والوهن والتراجع، مع كثرة التلون والانهزامية، حتى أصبح بعض الرموز أو الشخصيات المعروفة بتنوع المجتمعات عالة على الأمة، بما لديهم من سلبية وبُعد عن ملامسة جراح الأمة والمؤامرات التي تحاك ضدنا بمختلف الأصعدة.

ما دعاني لطرق هذا الموضوع وكتابة هذه السطور عسى الله أن ينفعنا بها جميعا؛ كثرة المتهاوين المنهزمين المتخلين عن مناهجهم ومعتقداتهم ومبادئهم بل وسلوكهم هذه الأيام، وإغراقهم بهذه الحياة التي طغت عليها الماديات، بل والأدهى من ذلك تبرير العديد منهم هذا التقاعس والنكوص والرضا بالدون، بمبررات أوهى من بيت العنكبوت والله المستعان.

إن هذا الدين العظيم نُقل إلينا على أكتاف رجال عِظام اختارهم الله لهذا الحمل الثقيل ( صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) ولم يتوانوا أو يستكينوا، وكان لرباطة جأشهم وثباتهم في الملمات وبذلهم الغالي والرخيص وتضحياتهم الأثر الكبير في ذلك، حتى توارثت الأجيال من بعدهم هذه القصص والعبر والصور المشرقة المضيئة، بل واقتدوا بهم بصمودهم بصبرهم بمواقفهم وصاروا مثلا يحتذى بهم.

والله إني لأقف مذهولا كلما تأملت موقف تلك النملة الثابتة التي تحملت مسؤوليتها فأنقذ الله بسببها أمة كاملة، (نملة نكرة - يا أخي الكريم- أنقذت أمة، نملة حملت هم أمة فأنقذتها، وهى نكرة لا شأن لها، وأنقذ الله -جل وعلا- هذا الوادي على يديها.

إذًا يا أخي الكريم والله من السهل جدا أن تحمل غيرك المسئولية فيما يحاق بالأمة، ولكن كن صريحا، وكن جريئا أنت ماذا تفعل؟ أنت ماذا قدمت؟ أنت ماذا فعلت؟ نملة نكرة، وأنت ألا تستطيع يا أخي الكريم أن تفعل مع أمتك ما فعلته هذه النملة مع بني قومها).من كلام الشيخ ناصر العمر في كتاب النملة ص 7.

وحتى تتجلى الصورة وتتضح أكثر، سنذكر مواقف من روائع الثبات، والصبر والعزيمة عند الملمات، حتى ارتقوا إلى رموز وقدوات، يحتذى بهم في كل الفترات، ونأخذ العبر والمواعظ من قصصهم والعَبَرات، فتأمل تلك الصور المشرقات:


ثبات النبي عليه الصلاة والسلام في دعوته:

قام عليه الصلاة والسلام بأمره لوحده والوحدة بحد ذاتها أمر موحش ومضعفة للهمم لكنه سار في الطريق وكأنه معه جيش عرمرم، أوصاه الله عز وجل فقال ( فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) وسيرة النبي عليه الصلاة والسلام وجهاده وثباته وصبره لأكبر شاهد على العزيمة والاستقامة والمواصلة.
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف فقال ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ) صحيح الترمذي، ومع ذلك فسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مليئة بالمواقف الشجاعة وحسن الثبات ورباطة الجأش.
ومما كان يدعو عليه الصلاة والسلام ( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ) فضد العجز هو الثبات، والعجز هو الضعف هو الهوان .. الخور .. الاستسلام .. الخنوع والرضى بالواقع بعجره وبجره من غير أن يكون للمسلم المؤمن صاحب المبدأ موقف وكلمة.
وكما في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام( المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل الخير ) استعن بالله ولا تعجز .

موسى عليه السلام والسحرة:

وقد قص الله سبحانه علينا في غير ما موضع قصة موسى عليه السلام، حتى يقول أهل التفسير والسير فجاء السحرة في ثمانين ألفا ولم يكن مع موسى إلا هارون، ومع ذلك حينما ألقى السحرة سحرهم سحروا عين موسى نفسه مشهد عجيب ( فأوجس في نفسه خيفة موسى )، فماذا قال الله له هل قال ارجع الآن حتى تعد نفسك واعتزل الناس وانصرف عنهم؟! لا..( قلنا لا تخف ) اثبت ولو قفز قلبك من محجره، لماذا؟ ( إنك أنت الأعلى )، فيجب أن تكون ثقتك بالله عز وجل كبيرة لا كما يشاع ويعرف وينتشر ( الثقة بالنفس ) فالنفس تتقلب وتتغير وتتأثر، فالثبات من الله عز وجل أولا وآخرا مع أخذك بالأسباب.

أبو بكر الصديق وجيش أسامة رضي الله عنهم:

بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ومبايعة المسلمون الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه، بدأت محنة جديدة وامتحان صعب، إذ ظهر مدعي النبوة، وارتد من ارتد من جزيرة العرب، وظهور مانعي الزكاة، وكان عليه الصلاة والسلام قد جهز جيش بقيادة أسامة رضي الله عنه لغزو الروم، حيث اقترح بعض الصحابة بأن يبقى الجيش في المدينة لخوفهم من القضاء عليه وبالتالي تستباح المدينة إلا أن أبا بكر خالف ذلك وأمر بإمضاء بعث أسامة، وقال: لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر صاحب كتاب العواصم من القواصم ( أن أبا بكر رضي الله عنه قال لأسامة: انفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : كيف ترسل هذا الجيش والعرب قد اضطربت عليك ! ؟ فقال : لو لعبت الكلاب بخلاخيل نساء المدينة ، ما رددت جيش أنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
فكان لهذا الموقف الراسخ الثابت الأثر الطيب والفتوحات بعد ذلك، مع أن غالبية الصحابة رأوا خلاف هذا، فتأمل.

أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ومروان في صلاة العيد

خرج في العيد مروان بن الحكم والي المدينة آنذاك، وأراد تقديم الخطبة على الصلاة ومخالفة السنة بذلك لتأويل ما، فجذبه أبو سعيد رضي الله عنه من ثوبه منكرا عليه هذا الفعل والتصرف، حيث أخرج الإمام البخاري في صحيحه ( قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله، فقال أبا سعيد: قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة.
الصحابي الجليل سعد بن مالك رضي الله عنه لم يداهن أو يجامل، فقال قولته ونهى عن منكر.

أسماء ذات النطاقين رضي الله عنها والحجاج

امرأة قد تجاوزت المائة عام من عمرها، وبلغها نبأ صلب ولدها عبد الله بن الزبير من قبل الحجاج الذي طلبها ليشفى بها، فأبت أن تأتيه فأعاد إليها الرسول: لتأتينني أو لأبعثن إليك من يسحبك من قرونك. فأبت وقالت: والله لا آتيه حتى يبعث إلي من يسحبني بقروني، فما كان من الحجاج إلا أن رضخ لصلابتها، وانطلق حتى دخل عليها، فقال: أرأيت كيف نصر الله الحق وأظهره؟ قالت: ربما أُديل الباطل على الحق وأهاه.
قال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله.
قالت: أراك أفسدت على ابني دنياه، وأفسد عليك آخرتك.
قال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وقد قال الله ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )،
وقد أذاقه الله ذاك العذاب الأليم.
قالت: كذبت. كان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة، وسر به رسول الله وحنَّكه بيده، وكبَّر المسلمون يومئذ حتى ارتجت المدينة فرحاً به، وكان برًّا بأبويه صواماً قواماً بكتاب الله، معظماً لحرم الله، مبغضاً لمن يعصي الله – أما إن رسول الله حدثني أن في ثقيف كذَّاباً ومبيراً، فأما الكذاب فقد رأيناه ( تعني المختار بن عبيد الثقفي )، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه..
فخرج الحجاج من عندها منكسراً يتمنى لو لم يكن لقيها، بعد أن دخل عليها مزهواً يريد أن يتشفَّى.
هذه أسماء العجوز في سن المائة، وهذا هو الحجاج الجبار في أوج انتصاره وعنفوان طغيانه.
إن الإيمان في قلبها جعله في عينها يتضاءل ويتضاءل حتى صار شيئاً صغيراً كالهباء، وجعلها في عينه تمتد وتستطيل حتى صارت شيئاً كبيراً كالمارد العملاق.
وبلغ عبد الملك بن مروان ما صنع الحجاج مع أسماء فكتب إليه يستنكر فعله، ويقول ما لك وابنة الرجل الصالح؟ وأوصاه بها خيراً، ودخل عليها الحجاج فقال: يا أماه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟
قالت: لست لك بأم، إنما أنا أم المصلوب على الثنية، وما لي من حاجة.
( شبكة الدفاع عن السنة ).

الصحابي الجليل حبيب بن زيد ومسيلمة الكذاب

الصحابي الجليل حبيب بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما، من السبعين الذين حضروا بيعة العقبة الثانية، وأمه نسيبة بنت كعب ( أم عمارة ) إحدى المرأتين اللتين بايعتا رسول الله في هذه البيعة، ولم يكن حبيب يتخلف عن غزوة ولا وقعة مع رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وعندما ظهر مسيلمة الكذاب في اليمن وادعى النبوة، بعث عليه الصلاة والسلام برسالة إليه وكان الاختيار على حبيب بن زيد بحملها وعندما قرأ مسيلمة الكتاب ازداد في ضلاله وتكبره وغروره، فقام بتعذيب مبعوث رسول الله في يوم مشهود وآثار التعذيب واضحة فقال مسيلمة لحبيب: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال حبيب: نعم أشهد أن محمدا رسول الله، وعلا وجه مسيلمة الخزي والصفرة، وعاد يسأله: وتشهد أني رسول الله؟ فأجاب حبيب باستهزاء: أني لا أسمع شيئا!! فما كان من مسيلمة إلا أن نادى جلاده ثم راح يقطع جسد حبيب رضي الله عنه قطعة قطعة وعضوا عضوا وحبيب لا يزيد عن ترديد ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ).
ثم أقسمت أمه رضي الله عنهم جميعا أن تثأر لولدها، ففي يوم اليمامة خرجت أم عمارة مع ولدها عبد الله تحت أمرة خالد بن الوليد، وبيدها سيف وبالأخرى رمح، وقطعت يدها وجرحت اثني عشر جرحا وقتل عدو الله مسيلمة.
كان بالإمكان لحبيب المراوغة مع مسيلمة وإظهار شيء آخر، لكن الثبات واليقين والأخذ بالعزيمة، يفعل بأصحابه الأعاجيب!!

سلطان العلماء العز بن عبد السلام وقوته في إنكار المنكر

شيخ الإسلام والمسلمين وأحدُ الأئمة الأعلام سلطان العلماء، إمامُ عصره بلا مدافعة القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه، المطَّلِع على حقائق الشريعة وغوامضها العارف بمقاصدها، لم يرَ مثل نفسه ولا رأى من رآه مثله علما وورعا وقياما في الحق وشجاعة وقوة جَنان وسلاطة لسان. ( طبقات الشافعية، السبكي، 8/103).
( طلع شيخنا عز الدين مرة إلى السلطان في يوم عيدٍ إلى القلعة فشاهد العساكر مصطفين بين يديه ومجلس المملكة وما السلطانُ فيه يوم العيد من الأبَّهة وقد خرج على قومه في زينته على عادة سلاطين الديار المصرية وأخذت الأمراء تقبِّلُ الأرض بين يدي السلطان فالتفت الشيخ إلى السلطان وناداه يا أيوبُ ما حُجَّتُك عند الله إذا قال لك ألم أبوئ لك ملكَ مصر ثم تبيح الخمور فقال هل جرى هذا فقال نعم الحانة الفُلانية يباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون فقال يا سيدي هذا أنا ما عملته هذا من زمان أبي فقال أنت من الذين يقولون ( إنَّا وَجَدنا آباءَنا على أمَّة ) فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة). ( طبقات الشافعية ، السبكي، 8/106 ).

المحدث أحمد محمد شاكر وخطيب مسجد عبدان

موقف يذكره المحدث أحمد محمد شاكر في كتابه ( الكلمة الحق ص149وما بعدها ) عن والده الشيخ محمد شاكر حيث يقول( إن السلطان فؤاد كان يصلي الجمعة في العابدين، فاستحضروا الشيخ محمد المهدي خطيب مسجد عبدان؛ لأنه كان خطيباً مفوهاً، وكان السلطان يحب أن يصلي وراءه دائماً، دعته الأوقاف ونقلته إلى مسجد آخر حتى يخطب الجمعة، وصادف في هذه الفترة أن طه حسين عميد الأدب العربي، أتى بالدكتوراه في اللغة العربية من فرنسا، فشل في أن يأخذها في بلاد العرب فأخذها في بلاد الأعاجم. فأراد الخطيب محمد المهدي أن يثني على الملك فؤاد بمناسبة أنه قادم يصلي الجمعة، فقال يمتدح الملك فؤاد: ما عبس وما تولى لما جاءه الأعمى. الأعمى: هو طه حسين ، ما عبس فيه ولا تولى، بل هش له وبش، وأرسله إلى فرنسا يحضر الدكتوراه. وبعد أن صلوا الجمعة قام الشيخ محمد شاكر والد الشيخ أحمد شاكر-وكان وكيل الجامع الأزهر- وقف وقال: أيها الناس! صلاتكم باطلة والخطيب كافر، فأعيدوا الصلاة؛ حدث هرج ومرج والسلطان واقف، وهو يقول: أيها الناس! صلاتكم باطلة وخطيبكم كافر. وبعد ذلك إمام مسجد عابدين رفع إلى السلطان الفتوى يأمره بصلاة الظهر، وكان هذا الرجل -محمد المهدي - له ظهر وله مستشارون، فأقنعوه أن يرفع شكوى ضد الشيخ محمد شاكر. الشيخ محمد شاكرأفتى بهذا لأن في قول الخطيب تعريض بمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أي: أن الملك فؤاد صنع أفضل مما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لما جاء ابن أم مكتوم عبس وتولى، ولما جاء طه حسين إلى الملك فؤاد ما عبس ولا تولى، قال: هذا تعريض في مقام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز وإن كان الخطيب يعتقد ذلك فهو كافر. وأرسل الشيخ محمد شاكر إلى مستشرقين أجانب ممن لهم خبرة بدلالات الألفاظ على المعاني، وأراد أن يستقدمهم ليقول لهم: هل استخدام الخطيب لهذه العبارة فيها تعريض بالمقام النبوي أم لا؟ ولم يرجع لشيخ من شيوخ الأزهر حتى لا يقال: انحازوا له. فلما علم أن القضية في النهاية ستحدث فتنة وخسراناً فيها محمد المهدي وقد أذله الله، قال الشيخ أحمد شاكر: وأقسم بالله لقد رأيت هذا بعينيّ، طال الزمان بالرجل محمد المهدي -والذي كان من أشهر خطباء مصر، حتى إن الملك فؤاد كان يحرص على الصلاة عنده- فلقد رأيته خانعاً ذليلاً فراشاً لأحد المساجد يتلقى نعال المصلين، فتواريت عنه وهو يعرفني وأنا أعرفه؛ حتى لا يراني، فلست مشفقاً عليه فلم يكن يوماً موضعاً للشفقة).

لقد جاءنا هذا الدين على أشلاء أناس فتأملوا آثارهم وقصصهم ومواقفهم وثباتهم، ولم يأت هذا الدين إلينا لولا هذه المواقف والبطولات الرائعة، فهذه نماذج منيرة وصور مشرقة، أضاءت لنا طريق الاستقامة، ونورت لنا سبيل الحق والثبات، علنا ننتفع بها وأمثالها كثير وقد تركنا العديد منها خشية الإطالة، وكما قيل ( العبد يقرع بالعصى والحر تكفيه الإشارة ).

تشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
ولله در القائل:
إذا بلغتك صفات امرء فكنه *** يكن فيك ما يعجبك
فليس على الجود والمكرمـات *** إذا جئتها حاجب يحجبك

إن المتأمل بواقع الأمة الإسلامية هذه الأيام وما تعرضت له من انتكاسات، نتيجة الضعف والهوان والغثائية، يجد تراجعا كبيرا وانحدارا خطيرا وفتورا شديدا وسباتا عميقا، لا سيما بين العديد من الأوساط الواعية والمثقفة والمحصّنة والملتزمة، من نوعيات ورموز وشخصيات لها حضور في مجتمعاتها وإن صغرت، وحدث ولا حرج عن تهاوي وتساقط الكميات، والله المستعان.
من أبرز الأسباب والعوامل والمقدمات، التي أوصلتنا لهذه المرحلة وتلكم النتائج، عدم الاستقامة والثبات على العقيدة والمنهج والسلوك الصحيح، والتلون والتأرجح بين أمواج متلاطمة من الأفكار الدخيلة المنحرفة، والعقائد المضطربة، وسلوكيات ضبابية غير واضحة تتأثر بما يدور حولها من أحداث، وفي كثير من الأحيان تقدم المصالح الفردية أو الحزبية والفئوية أو العنصرية أو بعض الأحيان العائلية والعشائرية بل والتجارية، إذا تعارضت مع المصالح الشرعية العامة والقواعد الكلية.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 105.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 103.39 كيلو بايت... تم توفير 1.70 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]