الوصف في القصة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حديث: «جئتكم بالذبح» بين تشنيع الملاحدة واستغلال المتطرفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          القائد قدوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          وظائف عبادية في رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          المصلى المدرسي وأثره في حياة الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الأجيال المتعاقبة صراع وعقوق، أم حوار وتعاون؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          الجيل المثالي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          زوّجوني وإلا سأنفجر!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          مكانة المرأة ، ودورها في المجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          لا تغضب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12670 - عددالزوار : 222557 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-10-2022, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,473
الدولة : Egypt
افتراضي الوصف في القصة

الوصف في القصة
د. إبراهيم عوض



خصائص الوصف والتصوير عند محمود طاهر لاشين



أُولى هذه الخصائص أنه في وصفه أحيانًا ما يجعله كالسلسلة مكونًا من حلقات رابطًا بين كل حلقتين بكلمة تتكرر في نهاية الحلقة السابقة وبداية الحلقة اللاحقة؛ مثل: "وإذا ما اجتزنا الصالة الصغيرة وتجاوزنا عن الكنبة والمائدة اللتين بها كنا داخل غرفة أم بخاطرها، وفيها بلاط، ومن فوق البلاط تراب، ومن فوق التراب حصير، ومن فوق الحصير مرتبة، ومن فوق المرتبة أم بخاطرها، ثم لا أكثر"[1]، لقد وصف طاهر لاشين في سطرين ما كان يمكن أن يوصف في جملة واحدة، وقد لجأ إلى هذه اللفة الطويلة وكأنه يريد أن يطلعنا على شيء غريب خارق، أو يحب أن يثير فينا تطلعنا، أو لعله يخاف أن يفجأنا بالأمر الهائل دفعة واحدة، غير أننا في النهاية نجد ماذا؟ نجد أم بخاطرها لا أكثر، ومن هنا الفكاهة! إنها ناشئة من أننا انتهينا بعد فترة طويلة من توقُّع شيء خطير إلى لا شيء، ومثل: "ثم إن مزاج السيدة حرم عباس أفندي أصبح في حالة توعُّك مستمر منذ سكنت هذه الدار، فهي تشكو كل يوم داءً جديدًا: تارة في المفاصل، وأخرى في الرأس، ثم ما تلبث هذه أن تتنازل عن أوجاعها لسلسلة الظهر، ويَعِزُّ على الثانية أن تستأثر بآلامها دون "عصفورة القلب"، شيء يؤسف له!"[2]، ومثل: "ثم صمَت الجميع حتى جاء المنتظر يتقدمه الرسول وفي يده فانوس، والفانوس فيه مصباح، والمصباح فيه بصيص من النور"[3]، ومثل: "هو مشروع تمثال؛ لأن بشرته في لونها وخشونتها تُغْري المرءَ بأن يعتقد أنه مصنوع من الطين الإبليز، لا سيما وجهه، ولا سيما من وجهه أنفه، ولا سيما مِن أنفه أرنبته؛ فقد نُقِشَتْ فيها آثار الجدري في وضوح وجلاء"[4]، إن هذه السلاسل إنما تلائم مواقف السخريَّة والمداعبة، غير أن الكاتب لم يكن يقتصر في إيرادها على هذه المواقف، بل كان يوردها أيضًا في مواقف الغضب والتوتر، ولعله كان يقصِد بها إلى تلطيف حدة الجو، والمثال الآتي يوضح ذلك، وهو مأخوذ عن أقصوصة "الانفجار"[5]؛ إذ توتر الموقف بين الأب وابنه الذي يطالبه بالمصروفات المدرسية، وثمن بنطلون وحذاء جديدين وخلافه، وهو يماطله، فتتدخل الأم، و"عند ذلك بانت على الفور بوادر العاصفة، فذعر لها أهل البيت! فقد صعِد الدم فجأة إلى رقبة صالح أفندي القصير، ثم شيئًا فشيئًا إلى أُذنيه، ومن أذنيه إلى عارضيه، ثم عم وجهَه فصبغه، فحل عقدة "كرافاته"، وفك زرار رقبته كأنما خاف أن يختنق"، لقد كان يمكنه أن يقول مثلًا: "عند ذلك بانت على الفور بوادر العاصفة فذعر لها أهل البيت؛ فقد احمر وجه صالح أفندي من الضيق والغضب؛ فحل رباط رقبته"، لكنه لو فعل ذلك لأعدانا بذعر أهل البيت، وهو ما لا يريده، أو ما تأباه عليه طبيعته الفكهة، التي لا يَعِزُّ عليها أن تستنبط من أشد المواقف حرجًا أسباب المرح، وقد ذكر عنه ذلك صديقُه د. حسين فوزي؛ إذ كتب في مقدمة "النقاب الطائر": ولم أرَ كاتبًا أقدَرَ بسليقته على القصص من طاهر لاشين، ولا أعرَفَ بمواقع النكتة ولا أبصَرَ بالناحية المضحكة لأحداث الحياة حُلْوها ومُرِّها، يرسل نفسه في قصصه إرسالًا، أو هو يجري قصصه على لسان شخص يحدث آخر، وهذه طريقته الغالبة، وفرَس رهانه، ضرورة له يتلمسها لرفع الكلفة، وتمكين المودة بينه وبين قرائه، وبذلك يخلق جوًّا شبيهًا بجو حياته حين يحيط به الخلان يستمعون إلى أحاديثه يمزج فيها الجِد بالهزل، والمواساة بالدعابة، وهو إذا ناقش فسلاحُه منطقٌ سليم، وفهم واسع لما يدلي به مناظروه، فإذا ضيقوا عليه مسالك الحوار، وحمِيَ فيهم وطيس الأخذ والرد، أطلق في جو المناقشة صواريخ نكته البارعة، فلا بحث ولا مجادلة، وقد استحال المجلس مجموعة كرنفالية تضحك من نفسها ولنفسها"[6]، على أننا لا نحب أن نمضيَ في استقصاء جوانب فكاهته وألوانها، والأسس التي تقوم عليها، فلذلك فصل آخر.

وهو يلجأ كثيرًا إلى شرح ما لا يحتاج إلى شرح؛ مثل قوله: "ولما كانت "أبو درش" كنية ودية لاسم مصطفى، وكانت "حرمًا" اختصارًا مألوفًا لقول القائل لمن هو ماضٍ في الصلاة أو فرغ منها: "أُسعدت بالصلاة في الحرم الشريف" كنا في غير حاجةٍ إلى غير الذكاء العادي لنعلم أن الحاج إمام وجد صديقه مصطفى يصلي فجلس ينتظر فراغه"[7]، ونحن بدورنا نقول: "ولا حتى إلى الذكاء العادي، ولا داعي لكل هذا الشرح الطويل"، ومن ذلك أيضًا ذِكره في بعض الأحيان كثيرًا من التفصيلات التي يمكن الاستغناء عنها؛ مثل قوله: "طرق عامل البريد الباب، ودخل، وأسلَمه خطابًا، وانصرف في غير ما زمن"[8]، لقد كان يكفي جدًّا أن يقول: "وصله خطاب" وينتهي الأمر.
وهو كثيرًا ما يستقصي الوصف ولا يكتفي بالهام المميز؛ مثل قوله: "ورشاد إلى جانبها.. ويريق في أذنيها حديثًا مريئًا عن الحب وبهجة الحياة، ويبرهن على ما يقول بتجارِبه ومغامراته في باريس..."[9]، ماذا بقي إذًا لخيال القارئ؟ إن هذه عمليةُ تطويقٍ للواقع وللقارئ معًا، إن لمسة واحدة قد تثير أمام القارئ ما لا تكشفه الجُمل الطوال.
ويتصل بذلك حبه للإطناب؛ كقوله: "واستلقى الفتى على سريره، وحاول التفكير في أمره، ولكن هياج أعصابه لم يمكنه لا من الاستلقاء ولا من التفكير"[10]، إن هذه الفضفضة الأسلوبية لا تحتملها لغة الأقصوصة، وخاصة الأقصوصة الواقعية، لقد كان يكفي أن يقول: "ولكن هياج أعصابه لم يمكنه من ذلك"، بدلًا من تكرير "الاستلقاء والتفكير" مرة أخرى.

وهو لا يفوته بين الحين والآخر أن يستعرض ثقافته، سواءٌ كانت ثقافة قديمة أو عصرية، مثل تعليقه على وصف عم وهدان بطل أقصوصة "سخريَّة الناي" بقوله: "يا لها من أعجوبة! وأين يوجد ابن العنقاء هذا؟ أم تراه من بحارة السندباد، أو من رفاق نور الدين؟"[11]، ومثل وصفه التالي لعم سرور البواب: "أي أعجوبة! أؤكد أنه لولا عمامته الأسطوانية الحمراء ما عرَفته! بل الحقيقة أنني عرفته بإحساسي أكثر من أي شيء آخر، لقد تغير صديقنا القديم تغيرًا يقلق بال "الدارونيزم"، أفلا تتزعزع النظرية لو أن إنسانًا اسمه عم سرور تغير فصار شمبانزي؟"[12]، غير أننا نراه في أحيان أخرى يستغل هذه الثقافة استغلالًا فنيًّا، مثل قوله عن مبروك أفندي وهو يفكر في خطبته: "كان إلى حد كبير يفكر للمرة الأولى بعُمْق واهتمام في شأن من شؤون هذا العالم الفاني، وكانت "أكائن أم غير كائن؟" التي تزعج أوراده وتسابيحه في رأسه: "أيصير غنيًّا أم لا يصير؟"، تلك هي المشكلة حقًّا، إن الرزق بالله، وإرادته الذاتية تتلاشى في وحدانية الإرادة القدسية، وإن جلال ما يستحقه العبد هو نقطة على حرف من حروف أم الكتاب الأبدية، ولكنه جلَّ وعلا يسبب الأسباب... إلخ"[13]، فهو هنا يتهكم بمبروك أفندي الذي يحلِّق به تفكيره في سموات القضاء والقدر والأسباب والإرادة الصمدانية وحروف أم الكتاب الأبدية، بينما قد عمي بصره عن رؤية مواقع خطاه على أرض الواقع.

أما الصورُ الخيالية عند أديبنا فإن بعضَها من الشائع التقليدي، وبعضها الآخر مستمد من واقع العصر؛ أي إن القديم والحديث هنا يتجاوران، وإن له أحيانًا لتوفيقاتٍ بارعة في إيراد الصورة الخيالية الدالة على رهافة الملاحظة والاستقلالية في الربط بين الأشياء التي بينها تشارُكٌ، فمن صوره التقليدية "عقدت الألسن"[14]، و"هذا الازدياد هو موضوع حديث الكثيرين من أهل الحي، يلوكونه كلما مر بهم"[15]، و"أحسَّت باصطدام عواطفها الرقيقة بجَلْمد فؤاد ذلك الزوج المتنطع"[16]، ومِن صوره المستوحاة من عصرنا وصفُه لفك الشاويش بغدادي وقد نام وهو واقفٌ في وسط ميدان باب الخلق أثناء عمله على النحو التالي: "وفكّه المستند إلى صدره كأنه جزء آلة قد انحلت روابطه"[17] و"بالغ في تخفيض صوته حتى صار الإصغاء إليه كالإصغاء إلى تليفون خرب"، ومن صوره المبتكرة البارعة قوله عن معلِّم حساب كان يدرِّس له وهو طفل بالمدرسة، وكان قاسي القلب، كثير الإيذاء، رتيب الشرح: "كانت بيداجوجيه هذا المعلم لا تتغير؛ فهو في كل يوم يبتلينا بعشر مسائل، يمليها بصوت كصراخ البفتة حين تمزق"[18]، كذلك يلاحظ عليه في صوره لجوؤُه الكثير إلى التشخيص والتجسيم؛ كقوله: "ثم يزحف الأصيل حولها هادئًا مترفقًا"[19]، ومثل: "نور مريض"، و"ضوء القمر المبعثر على السلم وحوائطه"[20].

وهو في وصفه لا يغفُلُ عن الحركة أو الصوت أو اللون، ولا عن تحديد كل ذلك، وهذه فقرة تبين التفاتَه إلى عنصر الحركة وتحديده: "والتفتت بعض الوجوه إلينا برَّاقة الأعين إعجابًا بفصاحة الخطيب، وانثنى بعضهم في جلستهم حتى كادت تلمس الأرض، وراح الباقون يتبادلون النظرات، ويطردون الناموس عن أنوفهم، وعندئذ لمَّ الشيخ أطراف جبَّته، وحرك عمامته، وأنشب أصابعه في لحيته"[21]، أما الفقرة التالية فتدل على التفاته لعنصر الصوت: "ومد يده إلى جرة كروية من الفخار، فيها ماء، وأخذ يرشف منها، ويُحدِث أعلى شرشرة تتيحها هذه العملية... وبعد أن تجشأ واستغفر الله مسح فمه وهو يتمتم بحمد الله... إلخ"[22]، أما الألوان فمثل: "وإذا بالحلاق قد أقبل عليَّ يتهادى في قفطانه الأبيض الناصع، منسجمًا على قامته المديدة، وطربوشه الأحمر الزاهي مائلًا فوق حاجبيه الكثيفين"[23]، ومثل: "تتردد عليه الشابة التالعة الجِيد، الفضية الأذرع"[24]، ومثل: "اللفت الوردي، والخيار الزمردي، والليمون الكهرماني"[25].
وهو في وصفه أحيانًا ما يصف بالسَّلب؛ كقوله: "وكان يشعر بفرحة لا محدودة ولا واضحة"[26]، وقوله: "على أن تفكيره آنئذ لم يكن بذي مرَحٍ أو بهجة"[27].

ونحب الآن أن نقف لنرى مدى ملاءمة هذا الأسلوب بسماته تلك للفن القصصي، إن الواقعيةَ التي دعت إليها المدرسة الحديثة والتي حاول طاهر لاشين أن يحققها في قصصه لا يناسبها الأسلوب الجزل بفخامته وإيقاعه العالي، إننا ما دمنا نتحدث عن أم سيد ابنة المرحوم يونس السقا وأرملة المرحوم الأسطى إبراهيم الشباشي ووالدة المرحوم سيد المجهول الصناعة، وما دمنا نصف ميدان العتبة والمقاهي التي تحف بهذا الميدان، فلا بد أن نصطنع لغة سهلة فيها أُلفة وبساطة، قد تكون اللغة الفخمة مناسبة للقصص التاريخية، وبخاصة تلك التي تتحدث عن الأمجاد الماضية؛ فللماضي وأمجاده تهاويلُ تستدعي أسلوبًا فخمًا جليلًا، تقتضينا الواقعية أن نطرح مثل العبارة التالية: "عند ذلك اقتادتها أم سيد إلى بيت الحاجة، ثم ألْفَتْ أترابًا لها ولِدَاتٍ ضاحكات فرحات يَمِسْنَ في غالي الثياب، ويتنافسن في العبث بالألباب"[28]، ونقول: "وجدت" بدل "ألفت"، و"نسوة مثلها" بدل "لِدَات"، ولا داعي لهذا السجع والتناظر في قوله: "يمسن في غالي الثياب، ويتنافسن في العبث بالألباب"... وهكذا.
ولكن يمكن التماس العذر للكاتب؛ فهو من رواد الواقعية في القصة المصرية، وليس من المعقول أن يتخلص أسلوبه مما لا يلائم المنحى الواقعي من الفخامة والإيقاع العالي والخطابية جملة واحدة، وبخاصة أن ذوق العصر كان يفضل هذا الأسلوب، وأن أغلب الكتَّاب الذين عاصروا لاشين أو تقدموا عليه كانوا حريصين على جودة أساليبهم، وإخراجها ناصعة؛ كسعيد عبده ومحمد حسين هيكل ومحمود تيمور، والأستاذ يحيى حقي في نصه الذي نقلته في أول الفصل يشير إلى ذلك؛ إذ يقول عن المرحوم لاشين: إنه "أخفق في الإفلات من أسلوب المويلحي والمنفلوطي".

ويمكن أن يضاف إلى هذا السبب أنه لم يكن منقطعًا عن التراث والأدب القديم؛ فالأستاذ يحيى حقي في مقدمة "سخريَّة الناي"[29] يذكر في كلامه عن داره أنها كانت تضم "مندرة فيها داير ما يدور خزائن كتب عربية وإنجليزية"، إلى جانب أن الاقتباسات والتضمينات التي تكثر في كتابات لاشين تدل على قوة اتصاله بالأدب القديم، وقد ذكر ذلك الأستاذ تيمور صراحة؛ إذ قال: "كان اطلاعه على أدبنا العربي قويًّا، ومحفوظه من فِقَره البليغة وجُمله المَكينة وافرًا، ومقدرته على الإفصاح والإبانة تَعِزُّ على ناشئة الجيل الحديث"[30].
أما بالنسبة لإيراده للألفاظ والعبارات العامية بكثرة نسبية في كتاباته، فقد سبق أن قلتُ: إنني أرى أنه ينبغي على الكاتب أن يحصر استخدامه للعامية في أضيق نطاق، وحيث تعطي ما لا تعطيه الكلمة الفصيحة، ولا شك أن وجهةَ نظرِ مَن ينادون بمراعاة عروبتنا، وأننا إذا كتبنا فإننا لا نكتب للمصريين وحدهم، وإنما نكتب لكل العرب في جيلنا والأجيال التي ستليه، فضلًا عن أننا لا نريد أن نقطع صلتنا بتراثنا الفكري والأدبي، وهو تراث مكتوب بالعربية الفصحى - لا شك أن وجهةَ النظر هذه ينبغي أن يكون لها اعتبارها عند الكتَّاب والأدباء[31].
وقد أخذتُ على أسلوب لاشين أنه لا يخلو مِن الأخطاء اللغوية بين الحين والحين، وقد تحدث الأستاذ يحيى حقي عن ذلك قائلًا عن نفسه هو وزملائه: "الأسلوب في يدِنا مادة خام، والألفاظ شيوعية، وقواعد اللغة سليقة قد تخطئُ لا بَصَرٌ عليم"[32]، وعلى أية حال، فهناك بين قصاصينا المعاصرين مَن لا يستطيعون أن يقيموا بناء جملة واحدة سليمة، وهذا بالطبع ليس اعتذارًا عن ضعف طاهر لاشين؛ فالخطأُ لا يبرر الخطأ، ولكن ينبغي ألا ننسى أنه كان مهندسًا، وأنه لم يتخذ الأدب حِرفة، وإنما ظل إلى أواخر حياته الفنية هاويًا.

ورغم هذه المآخذ، فإن أسلوبَه في مواطنَ كثيرةٍ جدًّا، وبخاصة بعد أن استحصد فنه وقوِيَت قبضته على قلمه، أسلوبٌ متدفِّق فيه سلالة، ويحسُّ القارئ كأنه يتوجه إليه وحده مؤنسًا ملاطفًا، والنص التالي يبين ذلك: "وكانت بيداجوجية هذا المعلم لا تتغير؛ فهو في كل يوم يبتلينا بعَشْر مسائل، يمليها بصوت كصراخ البفتة حين تمزق، عشر مسائل عن حقول تزرع، ومحاصيل تقلع، وقطارات تسير، وأخرى تقف، وعن أحواض في أعلاها حنفيات، وفي أسفلها بالوعات: هذه تفتح وتلك تقفل، أو أنها تعمل جميعًا في وقت واحد، ثم يبدأ الشرح بأسلوب فياض متدفق، يرِد فيه ذِكر آبائنا وأمهاتنا جملة وتفصيلًا، بنعوت تتفق وما نبديه أو ما يتوهم أننا أبديناه من تقصير أو إهمال في الإصغاء إليه، وإنه أثناء تلك العملية يجوس خلال الصفوف، ويؤدي ما يقوله بأنسبِ ما يتراءى له مِن الحركات، فيجري في مكانه هازًّا ذراعيه مَثْنيَّتينِ إلى صدره، وذلك تمثيل للقطار، ويقلد خرير الماء بالصفير المستطيل، ويكبس طربوش أقرب الضحايا إليه دلالة على الزرع، ويطيح فينا أجمعين بخيزرانته الطويلة أداءً لعملية الحصاد"[33].
فهذه السلالة، وتلك الحيوية التي تشيع في الوصف مبعثُها سرعة نبض الأسلوب؛ لابتعاده عن الحشو والطنطنة، علاوة على براعته في الإتيان بالصور الموحية الفكهة، ثم هناك عبارة "يطيح فينا"، وهي عبارة عامية، ولكني إخال أن أية لفظة فصيحة من التي نستخدمها الآن لا تستطيع أن تؤدي هذا المعنى بإيحاءاته كما تؤديه هذه اللفظة.


[1] بيت الطاعة (سخريَّة الناي).

[2] منزل للإيجار (سخريَّة الناي).

[3] حديث القرية (يحكى أن).

[4] الفخ (يحكى أن).

[5] من مجموعة (سخريَّة الناي).

[6] ص 11.

[7] حواء بلا آدم/ 18.

[8] المرجع السابق/ 113.

[9] يحكى أن (مجموعة "يحكى أن").

[10] الانفجار (سخريَّة الناي).

[11] سخريَّة الناي (مجموعة "سخريَّة الناي").

[12] منزل للإيجار (سخريَّة الناي).

[13] يحكى أن (مجموعة "يحكى أن").

[14] في قرار الهاوية (سخريَّة الناي).

[15] بيت الطاعة (سخريَّة الناي).

[16] المرجع السابق.

[17] الشاويش بغدادي (يحكى أن).

[18] أحرج ساعة (النقاب الطائر)/ 187.

[19] بيت الطاعة (سخريَّة الناي).

[20] الشبح المائل في المرآة (يحكى أن).

[21] حديث القرية (يحكى أن).

[22] جولة خاسرة (سخريَّة الناي).

[23] المرجع السابق.

[24] مفستوفوليس (سخريَّة الناي).

[25] سخريَّة الناي (مجموعة "سخريَّة الناي").

[26] لون الخجل (يحكى أن).

[27] المرجع السابق.

[28] في قرار الهاوية (سخريَّة الناي).


[29] ص (س).

[30] مقدمة "يحكى أن"/ ج.

[31] انظر مقالًا للدكتور عبدالقادر القط بعنوان: "مشكلتان في القصة القصيرة" بعدد يناير 1956م من "حولية كلية آداب عين شمس"، وفصل "الدعوة إلى العامية" من كتاب "الصراع الأدبي" لعلي العماري.

[32] يحيى حقي/ خطوات في النقد/ 196.

[33] أحرج ساعة (النقاب الطائر).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.77 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]