فن الحكي والقص - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-03-2021, 04:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي فن الحكي والقص

فن الحكي والقص (1)
محمد صادق عبدالعال



من قديمٍ والحكي والقصُّ وسيلتان لتفريغ دواخل النفس، والتعبير عن مكنون الصدور، وما يَخْتلِجُ بها من آلام ومسرَّات، وساعات عسر، ولحظات نشوى، وذهب لذلك أناسٌ وكُتَّاب كثيرون رغمَ طغيانِ الشعر، وفرضه فرضًا لما كانت عليه طبقةُ الشعراء من مكانة؛ إذ منهم جلساءُ وندماء للملوكِ والسَّاسَة، وتأتي بمدائحهم المنافعُ، وتُيسَّر الأمور.

ولقد أنكر البعض ثبوتَ بدر القصة والحكي بأنواعه في البيئة العربية قديمًا؛ مُعلِّلاً أن الشعرَ أسبقُ وأبقى، لكن من مقالة لها أدلة ومراجع للدكتور/ إبراهيم عوض، والمنشورة بشبكة الألوكة في صفحتها: حضارة الكلمة / دراسات ومقالات نقدية، في مقال له بعنوان "متى عرف العرب فن القصة؟" المنشور بتاريخ الإضافة 18/ 11/ 2013 ميلاديًّا/ 14/ 1/ 1435 هجريًّا - يؤكد فيه أن فنَّ الحكي قديمٌ جدًّا، ودلَّل بأمثلة كثيرة، وهي على سبيل الذكر لا الحصر: "إن بعض الدارسين يَميلون إلى القول بأن القصة أحدُ الفنون الأدبية الطارئة على الأدب العربي، استمدَّها من الآداب الغربية في هذا العصر، والحقُّ - وخصوصًا بعد أن قرأنا ما قرأناه في المواد الثلاث الماضيات - أن هذا الرأي رأي فطير مُتسرِّع، ففي التراث الأدبي الذي خلَّفه لنا أسلافُنا قَصص كثير؛ منه الدينيُّ، ومنه السياسيُّ، ومنه الاجتماعيُّ، ومنه الفلسفيُّ، ومنه الوعظيُّ، ومنه الأدبيُّ، ومنه ما وضع للتسلية ليس إلا، ومنه الواقعي، ومنه الرمزيُّ، ومنه المسجوعُ المُجنَّس، ومنه المسترسلُ، ومنه المُحتفَى بلغته، والبسيطُ المنساب، ومنه الطويلُ؛ مثل: "رسالة النمر والثعلب"؛ لسهل بن هارون (ت 215هـ)، و"رسالة التوابع والزوابع"؛ لابن شهيد (382 - 426هـ)، و"رسالة الغفران"، و"رسالة الصاهل والشاحج"؛ للمعري (363 - 449هـ)، و"سلامان وأبسال" و"رسالة الطير"؛ لابن سينا (370 - 427هـ)، و"رسالة حي بن يقظان"؛ لكلٍّ من ابن سينا وابن الطفيل (ت 581هـ)، والسهروردي (549 - 587هـ)، وقصص "ألف ليلة وليلة"، و"سيرة عنترة"، و"سيرة سيف بن ذي يزن"، ومنه القصيرُ؛ كالحكايات التي تغصُّ بها كتب الأدب والتاريخ المختلفة، وجمع طائفة كبيرة منها: محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، ومحمد أحمد جاد المولى في أربعةِ مُجلَّدات كبارٍ، و"كليلة ودمنة"؛ لابن المقفَّع (ت146هـ)، و"البخلاء"؛ للجاحظ (163 - 255هـ)، و"الفرج بعد الشدة"، و"نشوار المحاضرة"؛ للقاضي التنوخي (327 - 384هـ)، و"المقامات"، و"عرائس المجالس"؛ للثَّعَالبي (350 - 429هـ)، و"مصارع العشاق"؛ للسراج القاري (417 - 500هـ)، و"سلوان المطاع في عدوان الأتباع"؛ لابن ظفر الصقلي (ت 565هـ)، و"المكافأة"؛ لابن الداية (ت 340هـ)، و"غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة"؛ للوطواط (632 - 719هـ)، و"المستطرف من كل فن مستظرف"؛ للأبشيهي (790 - 852هـ)، و"عجائب المقدور في أخبار تيمور"، و"فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء"؛ لابن عربشاه (791 - 854هـ)، وبعض قصصِ "ألف ليلة وليلة" أيضًا، وما ذكره ابن النَّديم في "الفهرست" من كتب الأسمار الخرافية التي تُرجمت عن الفارسية والهندية واليونانية، أو رُوِيت عن ملوك بابل، أو أُلِّفت بالعربية، فكانت حوالي مائة وأربعين كتابًا، المؤلف منها بلسان العرب فقط نحو ثمانين كتابًا، كلها في أخبار العُشاق في الجاهلية والإسلام، ودعنا مما أُلِّف بعد ذلك...، ومنه النثري كالأمثلة السابقة، والشعري كشعر الشَّنْفَرَى عن لقائه بالغول، وقصيدة الحُطَيْئة: "وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل"، وكثير من قصائد عمر بن أبي ربيعة، وأبيات الفرزدق عن الذئب، ورائية بشار، ومغامرات أبي نواس الخمرية، وقصيدة المتنبي عن مصارعة بدر بن عمار للأسد...، وهَلُمَّ جرًّا[1].

وردًّا له عن اتهام ثانٍ للعرب بأنهم تَنقُصُهم العاطفةُ والخيال العميق في سرد قصة، وصف ذلك على أنه سخفٌ واستخفاف.

وسوف أتولى الردَّ من باب الغيرة على عربيَّتي، ولغتي السامية العالية، التي خطَّ المولى بها أعظمَ الكتب السماوية على الإطلاق، وصدر لنا خير القصص؛ إن العرب لديهم من الحسِّ المُرْهَفِ الذي يُؤهِّلهم ككُتَّاب وصنَّاع قصةٍ ورواية، أو أي جنس أدبي يُسايرُ فنَّ القصِّ أن يُبدعوا، ويتألَّقُوا، وتكونَ لهم الغَلَبة في فنِّهم هذا؛ الذي ادَّعى كُتَّاب الغرب أنهم مَن صدَّروه إلينا.

وتعزيزًا لما أكتب أذكر قولاً من نفس المقال؛ للأستاذ الدكتور إبراهيم عوض أحد روَّاد شبكة الألوكة الكرام:
" فللأدب العربي قصص ذو صبغة خاصة به وإطار مرسوم له، وهو يصور نفسية المجتمع العربي وخلاله، فلا يقصر في التصوير، وإننا لنشهدُ فيه ملامحنا وسِماتنا وضَّاحة، وكأننا لم نفقد في مجتمعنا العربي حتى اليوم ما يكشف عنه ذلك القصص من ملامح وسمات، على الرغم من تعاقُب العصور وتطاول الآماد، وهو في جوهره وثيق الصلة بالوشائجِ الإنسانيَّة التي هي جوهر القصص الفني، وإن تبايَنت الصياغةُ واختلف الإطار"[2].

وأنا لا أثبتُ ذلك لنفي تهمةٍ، ولكن لإثبات كَذِبة من كذبات بعض كتَّاب الأدب الغربي؛ إذ يرون أن كلَّ فن مَردُّه إليهم، والحقيقةُ أن العرب صُنَّاع البيان؛ ولو لم يكونوا كذلك لَمَا أنزل الله معجزةَ الدهر الخالدة في أمة تُبدِعُ في العربية والبيان!

وخروجًا من تلك الجزئية المنصفة، حتى ولو تَقوَّلُوا علينا بعضَ الأقاويل، سوف أرجع إلى ما جعلني أكتب مقالي بعون الله تعالى وتوفيقه:
فلو تطرقنا لجنسَيْنِ أدبيَّيْنِ من أجناس فنِّ القصة، وهما: (القصة القصيرة، والرواية) لوجدنا أن كلا الجنسَيْنِ أبدَع فيهما الكُتَّاب العرب، وعلا بكتاباتهم البيانُ، وزَخَرت المكتباتُ العربية بأمَّهات القصص والروايات، التي تَشهَدُ بمواكبة العرب لكلِّ فنٍّ وكلِّ جنس مُستحدَثٍ في سماء الفكر الإنساني.

وما قاله كاتبُنا السالفُ ذكره؛ د. إبراهيم عوض بشبكة الألوكة، بشأن القصة - عزَّز مكانةَ العرب وحضورَهم حتى في مجال الرواية؛ حيث قال نصًّا: " ينبغي أن نقرأ ما أكَّده فاروق خورشيد في كتابه: "في الرواية العربية"، من أن "العلماء مُجْمعون على أن العرب في الجاهلية كانت لهم قصص كثيرة ومتعددة؛ فقد كانوا مشغوفين بالتاريخ والحكايات التي تدور حول أجدادهم، وملوكهم، وفرسانهم، وشعرائهم، وكتاب "الأغاني"؛ لأبي الفرج الأصفهاني يكاد يكون ذخيرةً كاملةً من القصص الذي تتناقَله الناس عن شعرائهم ومجالسهم وملوكهم...، وليس كتاب "الأغاني" هو المرجع الوحيد في هذا، بل إن المكتبة العربية غنية بأمثال "الأمالي"، و"صُبح الأعشى"، و"العقد الفريد"، و"الشعر والشعراء"، وكتب التراجِم والطبقات، بما لا يدع مجالاً للشك في أن الفن القصصي قد تناول الحياة الجاهلية في كل مظاهرها، إلا أن الدارسين المُحْدَثين رفضوا بكل بساطة أن يَعتبروا هذه القصص فنًّا نثريًّا مميزًا، له أصوله الجاهلية، واعتمدوا في هذا على أن كل هذه الكتب إنما دُوِّنت في العصر العباسي الذي يبعد بعدًا زمنيًّا كبيرًا عن العصر الجاهلي"، ويمضي فاروق خورشيد مبيِّنًا أن الذين قاموا بتدوين أخبار الجاهليِّين في العصر العباسي، قد اعتمدوا - إلى جانب الرواية والحفظ - على ما خلَّفته الجاهلية من كتابات ومُدوَّنات؛ إذ كان التدوين والكتاب معروفين عند الجاهليين، "فقد يكون من المعقول" كما يقول "أن ينقل الراوي قصيدة شعر، أما أحداث تاريخ وحكاية حياة، فهذه تحتاج إلى تدوين في نقلها"، بل إنه ليرى أن "الفن الجاهلي الأول، كان هو القصة والرواية، أما ما عدا هذا من صور؛ كالخطابة والسجع، فلا تعدو أن تكون استجابةً لحاجة مؤقتة من حاجات الحياة، ودرْسها أقرب إلى درس اللغة منه إلى درْس الأدب"، ومن كلام خورشيد هذا نخرج بأن عرب الجاهلية لم يكونوا يعتمدون في حِفظ قَصصهم على الذاكرة فقط، بل على الكتابة في المقام الأول"[3].

وما أسردُه ليس من أمِّ رأسي قدرَ ما هو من اطِّلاع وتذكير، فلو عقدنا مقارنةً قصيرة بين القصة والرواية لوجدنا أن:
القصة - قصيرة، أو قصيرة جدًّا، أو ومضة، التي لا تتعدَّى الكلمات المعدودات - تتسم بالآتي:
1- تتناول قطاعًا عرضيًّا، وتتوغل في النفس البشرية؛ إذ هي دفقة واحدة، مثلها مثلُ القصيدة الشعرية، وفيها تخصيص، ووصف حالة.

2- الكاتب فيها غيرُ مُطالَبٍ، ولا مفروضٍ عليه ذكرُ الزمن والمكان، حيث يشغل القارئ بجلِّ الأمر فيها وهو الحالة النفسية للعمل أكثر.

3- الشخوص في القصة بمثابة ملكيَّة خاصةٍ للقاصِّ، يمكن له تطويعُها حسب هواه ومبتغاه؛ لإخراج العمل بالحالة النفسية التي يرضى عنها، أو يُشبِعُ بها رغبتَه وقناعته بأنها تصديرُ حالةٍ ما على الورق.

4- الإسقاط في القصة القصيرة من عوامل ومُقوِّمات الإبداع لدى القاصِّ، شريطةَ ألا يقحم القارئَ في الإسقاط الغامض؛ فيقع العملُ تحتَ طائلة المُبْهم غيرِ المفهوم.

5- أما العنوانُ في القصة القصيرة فمن خصوصيَّات الكاتب والقاصِّ، بشرط ألا يكون مُبْهمًا هو الآخر، أو مُنفِّرًا، أو خارجًا عن إطار العمل المقصوص.

وننتقل للعمل الروائيِّ، الذي عليه التعويلُ، فلدينا من الكلام ما يستدعِي حضورَ مَن يُفكِّر في كتابة الرواية بنفسه دون الإنابة.

فما زلنا بميزان المقارنة الأدبيَّة بين كلا الجنسَيْنِ الأدبيَّيْنِ: القصة بأنواعها، والرواية؛ فنقول بعد الحمد لله والثناء على معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم:
1- تَتناوَلُ الروايةُ قطاعًا طوليًّا؛ أي: تغوصُ في أعماق الزمن والحقب مرورًا ومسايرةً، وفيها تعميم؛ أي: لا تتوقَّفُ على حالة الروائي النفسيَّة ولا مشاعره، بل هو مُطالَبٌ بسَرْدِ الأحداث بواقعيَّة الحدث، ومن هنا يُقالُ: إن فيها تعميمًا وشمولاً.

2- الزمان والمكان من أركان وركائز العملِ الروائيِّ، وأيضًا هما بمثابةِ الخريطة التوضيحيَّة لما يتناولُه أو يتحدَّث فيه، بل نقول: إنه مُجْبر جبرًا على تحديد الأزمنة والأمكنة قدرَ المستطاع؛ لأن القارئ كمَن يتبعك، ويدخل معك، ويتوغَّل معك، فمتى ضَللتَ به ضلَّ عنك.

3- الأشخاص في الرواية من ركائز وأعمدة ومُقوِّمات القصِّ الجيد، وعدم التخبط والعشوائية؛ فهم كثرة، وربما أفردهم القاصُّ الروائي في فهرس خاص في مقدمة العمل، أو في نهايته؛ ليكونوا لمَن بعده منارةً لفهم العمل.

4- وأيضًا الأشخاص في العمل الروائي ليسوا على هوى الكاتبِ؛ إذ هو مُرتَبِط بزمن وحقَبٍ متتابعة تتغيَّر فيها النفوس، وتتبدَّلُ الأحوال، فما على الروائي من حرج في أن يعزِّز العمق النفسي للشُّخوصِ، لكن يراعي عمليات التحوُّل النفسي والاجتماعي، وما شابه.

5- بالنسبة للسَّرْدِ والحوار في كلا الجنسَيْنِ - أعني: القصةَ، والروايةَ - مطلوب، وربما طلب أكثر في العمل الروائي؛ نظرًا لعملية التطويل، والإسهاب، وتمدُّد الأحداث، وتعاقب الأشخاص.

وبعد تلك المقارنة البسيطة التي نقلناها لعزيزي كاتبِ الرواية والقصة، وشرائط الاختيار الجيد، تبقى لنا كلمةٌ ليست بالطويلة لفنِّ الرواية وصنوفها.

بالنسبة لكاتب الرواية التاريخية بالذات لا بد أن يكون قارئًا جيدًا، بل ومتمكِّنًا من الحقبة أو الفترة الزمنية التي سوف يغشاها؛ فإن ألسنةَ النقد اللاَّذِعة سوف تسومُه مقرعة التأديب، إذا هو أخلَّ أو تجاهل فترة زمنية مؤثرة في أحداث الرواية؛ عندئذٍ سوف يتأفَّف منه القارئ، مُتَّهِمًا إياه بالانحياز مثلاً، أو تجاهل ما هو مهم بالضرورة؛ مثال: الثورات العربية من القرن الماضي، وبنهاية العقد الماضي من القرن الحالي بمصر، وعديد من بلاد العرب - أثَّر بالضرورة على سلوكيَّات وأخلاق الناس.

في رواية معاصرة تم تحويلها إلى مسرحية - وهي (ذئاب بني مروان)؛ لكاتبها (أ. محمد خليل) - نجد أن الكاتب في تلك القصة ذكَر أكثر من ثلاثين شخصيةً داخل عمل لا تزيد صفحاته عن مائة صفحة من القَطْع المتوسط؛ فمطالبٌ هو أن يُقحِمَ كلَّ شخصية من تلك الشخصيات في المكان والزمان المناسبين لها؛ لتخرجَ القصة الروائيَّة بحبكة جيدة، غير مُنتقِصةٍ، ولا مفتعلة؛ فالحَدَث التاريخي يتطلَّب الأمانة، وكذلك الموضوعيَّة وعدم التحيُّز لطائفةٍ بتمجيدها، والتجنِّي على طائفة بتقبيحها - إلا إذا ثبَت بالأدلة قبلَ وقوع إحداهما في الخطأ الكبير - وبرغم ذلك عليه أن يعرَض ما حدث بمرآة أدبيَّة صادقة.

6- وكاتبُ الرواية بشكل عامٍّ (مثقفٌ)؛ فإنه وإن كان من الضرورة الإلمامُ في الرواية التاريخية بالحدث والوقائع، فإنه - أيضًا - يجبُ أن يكون كذلك في تناول حقبَةِ بعينها، لا بد وأن يحيط بأحداثِها علمًا واستيعابًا.

فلو قلنا: إن كاتب القصة القصيرة نوعان: نوع هاوٍ، وآخرُ دارسٌ، وكم من أمثلة كثيرة لهذين الصِّنْفَيْنِ، فرب كاتبِ قصة لم يَدْرُسْ، ولا يدري إشكالياتِ القصِّ، والآخر يعي، ويكتب عن دراسة؛ فضلاً عن موهبة.

7- المفردات اللُّغوية: إن عُثِر على أن كاتبَ العمل الروائي عوَّل في غالبية صفحاته على قاموس محدد من الألفاظ والمعاني، فسوف يُنعَتُ وقتَها بالفقير المُفْلسِ، فعليه بتجديدِ حصيلتِه اللُّغويَّة؛ فهو أمام حقلٍ يطول درسُه، ويتطلب العمل فيه تنويعًا.

8- وكاتب الرواية ليس بالضرورة أن يكون (مُخَضرمًا)، لكن الثقافةَ والاطلاع والعلم هم من مُقوِّمات الدفاع النفسي له حالَ مبادرة النُّقَّاد بسهام النقد والقنص لأخطائه، والأمثلة كثيرة.

9- كُتَّاب الرواية أصنافٌ وأنواع في فن القصِّ، فمنهم: المُثْبِتُ حضورَه في كل جملة ولفظة، والمُسْتعرِضُ حِكمتَه في كل فقرة؛ فارضٌ نفسَه على القارئ فرضًا.

ومنهم: المُغيِّبُ نفسَه، الهارب من إبداء أي رأي في العمل؛ خشيةَ أن يُتَّهَمَ بالانحياز أو الخنوع، وهنا يَنظُرُ للفارضِ نفسه نظرتَيْنِ، أولهما: يحتاجُ بعض القرَّاء لمرشدٍ داخلَ العمل؛ يبين لهم مناحي الصواب والخطأ، ويتجلَّى ذلك واضحًا في ذوي الثقافة المحدودة.

ثانيهما: بعض القرَّاء - وبخاصة النقاد منهم وذوو الخبرة في فن القصِّ - يرى أن ذلك تسلُّطٌ من قِبَل الكاتب، وفرضُ رأي، في حين أنه مُطالَبٌ بالموضوعية والسرد، أو أنه يَظنُّ بقرائه أنهم سطحيُّو الفكر.

9- في الروايات الرمزيَّة - وبخاصة ذات الإسقاط المتعمد لظروف يضطر لها الكاتب من باب النجاة - يتوجب عليه أن يكون الإسقاطُ غيرَ مُعقَّد؛ حتى لا تتداخل على القارئ الأفكارُ، وكما أسلفنا فبَينَ الإبهامِ والرمزية شعرةٌ رقيقة.

10 - من الكتَّاب الروائيِّين مَن يستهلُّ ويبتدر الرواية بالبيان والتبيين، وإبراز بلاغتِه وفصاحته، وتُسمَّى أحيانًا (بالرواية المقامة)، ومنهم من يُقحِمُك في العمل إقحامًا من أول وَهْلة، ومنهم من يعتدل.

وسوف نختم بعون الله تعالى بمثالين لذلك، وهما:
أولاً:في رواية "نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال"؛ لعائشة التيمورية - نجد أن الكاتبةَ قد اعتمدت في مقدمتها على حُسْن الاستهلالِ والاستعراض البيانيِّ؛ لروعة الكلمات العربية، مزركشة ذلك بجِناسٍ تامٍّ وناقص، ومُحسِّنات بديعية، تضفي على الرواية شكلَ المقامة، ومما اقتبست منها قولُها في مقدمة العمل: "سبحان مَن أنار لأولي البصيرة مصباحَ الفلاح والهدى، وجعل ذاك السَّنا سراجًا وهَّاجًا في سبل النجاح لمن اهتدى، وأفعَم زجاجة الفكر من صافي عطر التأمُّل والاستبصار، حتى غدت بلوامعِ المعرفة كأنها كوكبٌ دري يكاد زيتُها يضيء ولو لم تمسَسْه نار، فنحمد من زين صحائف أصدق الحديث بأحاسن محاسن البيان، وأشرق في مطالعِ كل عارف جوهر ختام ففهمناها سليمان"[4].

ما هذا البيانَ! وما تلك الروعةَ التي لا يحسُّها ولا يتذوقها إلا من كان له قلب أو أطرق لكلام رب العالمين! حيث أحسَّ، وتذوَّق جمال التناص، والتحوير، والتضمين من القرآن الكريم.

إنها لغة عربية نَفتقِدُها في تلك الأيام، وبرغم ذلك فقد رأَت مقدمةُ العمل في بدايته أن عائشة التيمورية أسهبت كثيرًا، ونقلت القارئ إلى (مقامة أو بديع) لا لعملٍ روائي بَحْتٍ، وفي حين يُحمَدُ لها أنها أولُ تجربةٍ نسائية عربية في جنس القصِّ الروائي.

وأصالةً عن نفسي، ونيابةً عن سواد كثير ممن يوافقونني الرأي أقول: إن عائشة التيمورية لما أطالت وأسهبت في سرد قصتها وكان ذلك من زخم حصيلة لغوية عالية، وثروة بيانية راقية، أرادت أن تُطبِّق قولَ ربنا: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11].

ولكن يُؤخَذُ على عائشة التيموريَّة في روايتها تلك - وهو رأيي، ورأي أ. عفاف عبدالمعطي -:
(و"رواية نتائج الأحوال" على الرغم مما فيها من عيوب الإسهاب والسرد الذي يُبنَى على السرد والسَّجْعِ، لكنها تُعدُّ التجربة الأولى فيما يختص بالأدب النسائي؛ إذ لم نعثر على رواية كاملةٍ كتَبَتْها امرأة قبل عائشة التيمورية)[5].

إنها أسهبَت في السَّرد، ولقد رأيتُ ذلك بنفسي في التطويل للعبارات، وإبراز حكمتِها وخبرتها داخل الأحداث، واستباقها الأفعال، فتقطع على القارئ متعة الاشتياق في متابعة القراءة، واكتشاف الوقائع.

ولعلَّ مقدمتَها للعمل من عوامل ضياع لذة وحلاوة الاكتشاف؛ إذ بَيَّنَت المقدمة، والوسط، والنهاية، فما أصبح على القارئ إلا التأكد من مطابقة الحدث بما صدرته في بداية روايتها.


ثانيًا:
وعلى العكس تمامًا في رواية (الوتد) للروائي أ. خيري شلبي، حين فاجأ القارئَ من أول سطر بالمعايشة لدار (الحاجة تعلبة) تلك الأم التي قامت مَقام القَيِّمِ على أبنائها الذكور وبناتها، وكانت ذات كلمة مسموعة، وشخصية قوية، لم يُمهِّد لذلك، بل بدأ كالتالي: "كثيرًا ما تمنَّى أبناء الدار موتَ الحاجة "تعلبة"، مع ذلك ما تَكادُ تلمُّ بها وعكة صغيرة حتى تنقلِبَ الدارُ كأنما القيامة على وشك أن تقوم"[6].

ولهذا الأسلوب، وتلك الطريقة مريدون كُثُر، بل قل: إن الغالب - الآن - هو ذلك اللون المُختصر للحدث، المُتجنِّب الإسهاب؛ مخافةَ الوقوع في تشعُّبات الحدث، واتِّقاء الزلاَّت اللُّغوية، وبالطبع لم أقصد كاتبَنا الكريم، لكني أتكلَّمُ بشكل عام.

ولهذا الأسلوب محبُّوه ونُقَّاده، وما سلم أسلوبٌ من عيب، ولا منع ميزة؛ فكلُّ كلام غير الكتاب والسنة المطهَّرة محلُّ نقاش، ومحطُّ نظر.

وبقيت لنا جزئيَّة أخيرة، وربما كانت الأخطرَ، ليست في فكر الأديب الروائي فحسب، بل كل كُتَّاب القصة أو الشعر، أو أي فنٍّ من فنون الأدب، وكان بالأحرى أن تتصدر المقال، ألا وهي (مشروعية العمل الروائي)؛ أي: عدم المخالفة في الكتابة لأصول وقواعد الدين الحنيف؛ بغيةَ الظهور والتألق، ومثال رديء ما كنت أودُّ أن أختم به مقالي، لكن الضرورة تستوجب التذكير.

في مجلة التوحيد السنة التاسعة والعشرين العدد الثالث ص: 25، أصدر الأزهر (مجمع البحوث الإسلامية) بيانَه بشأن رواية "وليمة لأعشاب البحر"؛ لكاتبها (حيدر حيدر)، التي تعرَّض فيها بالإساءة لأنبياء الله، وعلى رأسهم أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، وكذلك التطاوُلُ على الذات العَليَّة، بنعتِه بالفنان الفاشل، صرح بذلك في روايته في ص: 219، وأن الله قد نسي بعضَ مخلوقاته من تراكم مشاغله، وسبحان القوي الذي لا يَشغلُه خلقٌ عن خلق، ولكن الكاذبين بآيات الله يجحدون.

وأيضًا: الطعن في عفَّة النبي الكريم ووصفه بالمزواج، وأنه كان يتزوَّج عذارى القبائل لنشر التوحيد، والكثير والكثير من الافتراءات والأكاذيب التي يبتغي بها شهرةً، ومكانة، وأن يُشار إليه بالبنان[7].

وما نريد بالسَّرد ولا الإسهاب في ذلك الكفر والإلحاد، والله يعصمُنا ويعصمُ أدباءَنا من الوقوع في ذلك الشرك والخطأ الجسيم.

وأمثال ذلك الكاتب المَقيتِ يَنتقيه الغربُ ويختاره وكل كارهٍ للإسلام والمسلمين، والله مُتمُّ نورِه ولو كره الكافرون.

وختامًا: ندعو اللهَ أن نكون قد وُفِّقنا في عرض وجهة نظرٍ ودراسة متواضعة لأمثلة قليلة، وفوق كل ذي علم عليم، والحمد لله رب العالمين.


[1] "متى عرف الأدب العربي فن القصة؟"؛ لكاتبه د. إبراهيم عوض؛ موقع حضارة الكلمة شبكة الألوكة، تاريخ الإضافة:18/ 11/ 2013 ميلاديًّا - 14/ 1/ 1435 هجريًّا.

[2] "متى عرف الأدب العربيفن القصة؟"؛ لكاتبه د. إبراهيم عوض؛ موقع حضارة الكلمة شبكة الألوكة، تاريخ الإضافة: 18/ 11/ 2013 ميلاديًّا - 14/ 1/ 1435 هجريًّا.

[3] "متى عرف الأدب العربيفن القصة"؛ لكاتبه د. إبراهيم عوض؛ موقع حضارة الكلمة، شبكة الألوكة، تاريخ الإضافة: 18/ 11/ 2013 ميلاديًّا - 14/ 1/ 1435 هجريًّا.

[4] رواية نتائج الأحوال، ص: 8، الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، الطبعة الثانية - 2002 م.

[5] رواية نتائج الأحوال، ص: 5، الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، الطبعة الثانية - 2002 م.

[6] رواية الوتد، الصادرة عن مكتبة الأسرة ( الأعمال الإبداعية)؛ لكاتبها خيري شلبيص: 7.

[7] مجلة التوحيد، السنة التاسعة والعشرون، العدد الثالث، ص: 25، البيان الصادر عن الأزهر الشريف (مجمع البحوث الإسلامية)، بشأن رواية "وليمة لأعشاب البحر"؛ لكاتبها (حيدر حيدر).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.20 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]