رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله - الصفحة 20 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #191  
قديم 24-02-2022, 04:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد


بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ

الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ


(11)


رَمَضَانْ شَهَر القِوَة



الحمد لله القوي العزيز الجبار، والصلاة والسلام على النبي الكريم المصطفى المختار، وعلى آله وصحبه الأخيار الكرام الأطهار، ومن اتبعهم واقتفى أثرهم ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد:

فإن الإسلامَ دينُ القوة؛

فالمؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف،

والله-عز وجل-أمرنا بإعداد القوة،

وجاء الثناء في القرآن الكريم على القوي الأمين.


وإن من أسرار الصيام، وآثار شهره الكريم أنه يبعث القوة في نفوس الصائمين،

وهذا ما سيتبين في ثنايا هذا الحديث إن شاء الله.
.


.


أيها الصائمون الكرام:
هذه الحياةُ ميدانٌ لا يفوز فيها إلا الأقوياءُ، ونحن في عصر يكاد يكون شعاره:


"إن لم تكن آكلاً فأنت مأكولٌ، وكن قوياً تُحترم".
ثم إن القوةَ ضَربان: قوةٌ ماديةٌ، وقوة ٌمعنويةٌ،

ومن مبادئ الإسلام أن القوة المادية قد تنتصر، ولكن انتصارها لا يكون طويلاً، ولن يكون مفيداً.



ولقد قص القرآن الكريم علينا فيما قص:
أن أمماً كانت قويةً في مظاهر الحياةِ الماديةِ؛ فعاثت في الأرض فساداً، وحاربت أنبياء الله ورسله وأولياءه؛ فكانت عاقبة أمرها خسراً.
وما خبرُ عادٍ وثمودَ وغيرهما من الأمم بغريب على من يقرأ القرآن، (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)
تلك هي نهايةُ الأمم التي أخذت من القوة المادية بأعلى نصيب،

ولكنها خِلْوٌ من القوة الروحية والمعنوية.



وأما القوةُ المعنويةُ وحدها دون سند من القوة المادية -فيقرر الإسلام:

أنه لا سبيلَ لها إلى النصر، ولا شأنَ لها في توجيهِ الحياة؛

فسنُنُ اللهِ ماضيةٌ، لا تحابي أحداً كائناً من كان.

لا خيرَ في حقٍّ إذا لم تَحْمِه *** حِلقُ الحديدِ وألسنُ النيرانِِ

وقد رأينا أمماً وشعوباً عاشت في التاريخ هضيمةَ الحقِّ، كسيرةَ الجناح، تُسام في ديارها الخسفَ والهوانَ؛ لأنها لم تَسْلُكْ سبلَ القوة؛ فانهزمت أمام الأقوياء.
.



.
والسبيلُ الصحيحُ إلى حياة كريمةٍ سعيدةٍ أن تتضافرَ المادةُ مع الروح،

على تقويم الإنسان، وبناء معيشته،
وأن تُمْسِك الأمَّةُ بجناحين من قوةِ المادة، وقوةِ الروح،

لا يطغى أحدهما على الآخر.
ومما أدبنا القرآن به أن أمرنا أن نقول:

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

وكما أوجب علينا القرآن أن نُصَحِّحَ العقيدة، ونهذِّب النفوس، ونسموَ بالروح -أمرنا بأن نُعِدّ القوة إلى أقصى ما نستطيع (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ).

وكما أمرنا بأن نقيمَ الصلاة، ونؤتيَ الزكاة-وهما من أبرزِ دعائم القوةِ الروحيةِ المعنوية-أمرنا أن نضربَ في الأرض،ونمشي في مناكبها،وألا ننسى نصيبنا من الدنيا.

ومما يقرره الإسلام:

أن القوةَ المعنوية مع قليلٍ من القوةِ المادية تغلب القوةَ الماديةَ إذا هي فقدت الوازعَ النفسيَّ، والباعثَ المعنوي، قال الله-عز وجل-:

(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).


.


.
وفي معركة بدر أروعُ مثالٍ شاهدٍ على ذلك؛فالمسلون الثلاثُمائة الذين انتصروا في بدر كانوا عرباً ككفار قريش الذين بلغ عددُهم في بدر ألفاً، وأولئك أقرباء هؤلاء، ومن بلد واحد، وميزاتٍ واحدة، والسلاحُ الذي في يد الألف أكثرُ وأضر.

ولكن المسلمين كانوا يملكون من قوة العقيدة، وقوةِ الخُلُق، وقوةِ الروح ما لا يملكه أولئك الكفرة؛ فانهزم الكفرةُ، هزيمةً سجلها القرآن كمثلٍ رائع يدل على ما تستطيع القوة المعنوية أن تحرزه من نصر على القوة المادية؛ إذا هي أخذت من قوة السلاح بالمستطاع، ولو كان أدنى نصيب؛ لأنها بذلك تستحق النصر والمدد الإلهي.

وكما ضربَ القرآنُ المثلَ بالأمة التي تجمع بين القوتين؛ فكذلك ضرب مثلاً للفرد الذي يجمع بين القوتين؛ فَيُفْلِحُ وينجح بموسى-عليه السلام-حين سقى للفتاتين الماء بقوة عضل وجسم، ومشى معهما إلى أبيهما، لا يرتفع طرفُه إليهما عن حياء وتكرم، وخلق نبيل (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ).

وضرب القرآن المثل بالأمة، التي تجمع بين القوتين، فتسعد وتنتصر بأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-

قال-تعالى-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ)،

وهذا عنوان القوة المادية (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)

وهذا عنوان القوة المعنوية، (تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)،

وهذا ثمرةُ الجمعِ بين القوتين، وأبرزُ عناصر السعادة للأمة التي تجمع بينهما.
.


.
والصيامُ الذي فرضه الله على المسلمين؛ يجمع بين القوتين جمعاً رائعاً متلائماً، يؤتي أحسنَ الثمار؛

فهو من الناحية الصحية قوةٌ للجسم، يدفع عنه كثيراً من الأمراض، ويشفيه من كثيرٍ من العلل.

وهو من الناحية المعنوية يعطي المسلم قوىً معنويةً متنوعةً، لها أكبرُ الأثرِ في سعادة الأفراد والجماعات، فيعطيه: قوةَ الصبرِ، وقوةَ النظام، وقوةَ الطاعة، وقوةَ التحملِ، وقوةَ الإيمانِ.
أترون أمةً من الأمم تتحلى بهذه القوى المعنوية، ثم تجد سبيلها إلى الانهيار؟!

أترون جيشاً يتحلى أفراده بهذه الأخلاق القوية يجد نفسه على عتبة الهزيمة؟!

أترون مجتمعاً تسود فيه هذه الأخلاق، يتطرق الفساد إلى قواعده وأُسُسِه؟!

أترون المسلمين يومَ بدرٍ وقد كانت في السابع عشر من رمضان أترونهم استطاعوا أن يحرزوا هذا النصر لولا أن الله قيَّض لهم هذا الصيام الذي بث فيهم القوة الروحية الكاملة، فجعلهم يخوضون المعركة أقوياء أحراراً؟!

أترون معاركَنا التي انتصرنا فيها في اليرموك، والقادسية، وجلولاءَ، وحطينَ وغيرها، هل كانت تتم بهذه الروعةِ المُعجزةِ، التي لا تـزال تذهل كبار الباحثين، في أسرارها لولا أن أهلَها كانوا يتخلَّقون بخلق الصائمين من عفة،وسموٍّ، وتضحية، وتحمّلٍ للشدائد، وخضوعٍ لله، واستعلاءٍ على كل ما سواه؟!!



هل تُراهم يثبتون هذا الثباتَ، لو أنهم خاضوا المعارك بنفوس المنهزمين، الذين تغلبهم شهواتُهم،وتستحوذُ عليهم شياطينُهم، فلا يستطيعون مقاومةَ الجوع والعطش ساعات معدودة؟!


كلا ثم كلا!!
.


.
أيها المسلم الصائم:

لا تنس وأنت تصوم رمضان، أنهُ يراد منك أن تكون مثالَ القويِّ الأمين؛ فحذارِ أن ينسلخ عنك رمضان وأنت الضعيفُ الخائن.

وأيها المسلمون الصائمون:

لا تنسوا وأنتم تصومون رمضان، أن الله يريد أن تكونوا بالصيام أشداءَ على الكفار رحماءَ بينكم؛ فاحذروا أن ينسلخ الشهر عنكم وأنتم ممن ينطبق عليه قوله-تعالى-: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).



اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، وانصر عِبادك الموحدين يارب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #192  
قديم 24-02-2022, 04:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نظرات على صيام الصالحين

نظرات على صيام الصالحين

سادات الصائمين
(1 - 12)
الشيخ سيد حسين العفاني



(11) صوم عبدالله بن رواحة:
الأمير السعيد الشهيد البدري النقيب، أبو عمرو الأنصاري الخزرجي شاعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره في يوم حارٍّ، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن رواحة"[51].

وعند الذهبي في "السيَر": "إن كنا لنكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر في اليوم الحار، ما في القوم أحد صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة"[52].

عن ابن أبي ليلة: تزوج رجل امرأة ابن رواحة، فقال لها: تدرين لم تزوجتك؟ لتخبريني عن صنيع عبدالله في بيته، فذكرت له شيئًا لا أحفظه غير أنها قالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته، صلى ركعتين، وإذا دخل صلى ركعتين، لا يدع ذلك أبدًا"[53].

(12) صوم الصحابي الجليل حمزة بن عمرو الأسلمي:

كان - رضي الله عنه - يسرد الصوم.

روى الإمام أحمد عن عائشة - رضي الله عنها - أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم فأصوم في السفر، قال: ((صم إن شئت وأفطر إن شئت)).

قال النووي: "فيه دلالة لمذهب الشافعي، وموافقته أن صوم الدهر وسرده غري مكروه لمن لا يخاف منه ضررًا، ولا يفوت به حقًّا بشرط فطر يومي العيدين والتشريق؛ لأنه أخبر بسرده، ولم ينكر عليه، بل أقره عليه، وأذن له فيه في السفر، ففي الحضر أولى".

وهذا محمول على أن حمزة بن عمرو كان يطيق السرد بلا ضرر ولا تفويت حق، كما في الرواية التي بعدها: (أجد بي قوة على الصيام في السفر)، وأما إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على ابن عمرو بن العاص صوم الدهر؛ فلأنه علم - صلى الله عليه وسلم - أنه سيضعف عنه، وهكذا جرى بأنه ضعف في آخر عمره، وكان يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب العمل الدائم، وإن قل ويحثهم عليه[54].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] جزء من حديث صحيح.
[2] "الاعتصام" (1/404).
[3] قال في "الاعتصام" (1/405): "ويكون عمل ابن الزبير وابن عمر وغيرهما في الوصال جاريًا على أنهم مما أعطيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا بناء على أصل مذكور في كتاب "الموافقات" والحمد لله.
[4] قال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم.
[5] "الاعتصام" (1/400 – 401).
[6] بتصرُّف من "إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة"، للكنوي (من 147 – 153)، ط مكتب المطبوعات الإسلامية.
[7] متفق على صحته.
[8] "صفة الصفوة"، لابن الجوزي (1/286)، والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/121)، والبيهقي في "سننه" (4/301)، وابن حزم في "المحلى" (7/14).
[9] "صفة الصفوة" (1/292).
[10] "الحلية" (1/55).
[11] "الحلية" (1/56)، و"صفة الصفوة" (1/302).
[12] صحيح: رواه الحاكم في "المستدرك" عن جابر، ورواه ابن عساكر، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (5081).
[13] "المعجم الكبير" للطبراني (5/91)، وأشار الشيخ حمدي عبدالمجيد السلفي إلى صحته.
[14] "سير أعلام النبلاء" (1/27).
[15] "تاريخ دمشق"، لأبي زرعة (562).
[16] "سير أعلام النبلاء" (1/29).
[17] "المستدرك" (3/353)، وقال: على شرط مسلم.
[18] "حلية الأولياء" (3/43).
[19] "سير أعلام النبلاء" (1/187)، ورجاله ثقات، أخرجه ابن سعد (8/68).
[20] أخرجه ابن سعد (8/75).
[21] "السمط الثمين" (ص9)، و"صفة الصفوة" (2/31). والمعنى: أنها كانت تصوم غير الأيام المنهي عنها: كالعيدين، وأيام التشريق والحيض.
[22] أبو نعيم في "الحلية" (2/47)، والحاكم (4/13).
[23] ابن سعد (8/46)، و"الحلية" (2/47)، ورجاله ثقات.
[24] "الحلية" (2/50).
[25] حسَن: أخرجه الحاكم في "المستدرك" عن أنس وقيس بن زيد.
[26] "الحيلة" (1/28).
[27] "الحلية" (1/29).
[28] ابن سعد (7/391)، قال الهيثمي (9/367): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
[29] ابن عساكر (2/13/371).
[30] "سير أعلام النبلاء" (2/346).
[31] أي: لابسة ثياب البذلة، وهي المهنة.
[32] البخاري، والترمذي.
[33] "سير أعلام النبلاء" (3/80).
[34] رواه البخاري في كتاب: "فضائل القرآن" باب: "في كم يقرأ القرآن" (8/712، 713).
[35] رواه النسائي.
[36] أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[37] رجاله ثقات.
[38] إسناده حسن، رواه أحمد في "مسنده" (2/200).
[39] "سير أعلام النبلاء" (3/204).
[40] صحيح: رواه البخاري، ومسلم، وأحمد.
[41] صحيح: رواه البخاري، ومسلم وابن ماجة.
[42] "سير أعلام النبلاء" (3/215).
[43] إسناده صحيح: أخرجه ابن سعد (4/185)، والذهبي في "السير" (3/232).
[44] إسناده صحيح على شرط مسلم، أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، وابن أبي شيبة، والنسائي، والطبراني، وعبدالرزاق.
[45] "سير أعلام النبلاء" (3/360).
[46] "سير أعلام النبلاء" (3/362).
[47] "حلية الأولياء" (1/335)، و"سير أعلام النبلاء" (3/367).
[48] رواه الحاكم (3/549)، أليثنا، أي: كأنه ليث.
[49] "سير أعلام النبلاء" (3/368).
[50] رواه مسلم في "صحيحه".
[51] خ، م، د، هـ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود، وابن ماجة.
[52] "سير أعلام النبلاء" (1/232 – 233).
[53] إسناده صحيح: نسبة الحفاظ في "الإصابة" (6/78 – 179)، ابن المبارك في "الزهد" وصحح سنده، ورواه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (1/33)، ورجاله ثقات.
[54] صحيح: مسلم بشرح النووي.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #193  
قديم 26-02-2022, 05:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ


(12)


آثارُ الصَومْ وأسْرَارُه


الحمدُ للهِ المُوفِقِ المُعِينِ، إياهُ نعبدُ وإياهُ نستعينُ، منجزِ الوعدِ بالنصرِ لعبادهِ المؤمنين، منزلِ السكينةِ على الصابرين المخلصين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لآثارهم في نُصْرَة الدين إلى يوم الدين، أما بعد:




فإن لكل عبادة في الإسلام حِكمة ً أو حِكَماً يظهر بعضها بالنص عليه، أو بأدنى عملٍ عقلي، وقد يخفي بعضُها إلا على المتأملين المتعمقين في التفكر والتدبر، والموفقين في الاستجلاء، والاستنباط.

والحكمةُ الجامعةُ في العباداتِ كلِّها هي تزكيةُ النفوسِ، وتطهيرُها من النقائص، وتصفيتُها من الكُدُراتِ وإعدادُها للكمال الإنساني، وتقريبُها للملأ الأعلى، وتلطيفُ كثافَتِها الحيوانيةِ اللازمةِ لها من أصل الجِبِلَّة، وتغذيتُها بالمعاني السماوية الطاهرة؛ فالإسلام ينظر للإنسان على أنه كائنٌ وسطٌ ذو قابليةٍ للصفاء الملكي، والكدرِ الحيواني، وذو تركيبٍ يَجْمَعُ حَمَأ الأرضِ، وإشراقَ السماء، وقد أوتي العقل والإرادة والتمييز؛ ليسعد في الحياتين المنظورة والمذخورة، أو يشقى بهما.

ولكل عبادة في الإسلام تُؤدَّى على وجهِها المشروعِ، أو بمعناها الحقيقي آثارٌ في النفوس، تختلف باختلاف العابدين في صدق التوجه، واستجماع الخواطر، واستحضار العلاقة بالمعبود.

والعباداتُ إذا لم تعطِ آثارَها في أعمالِ الإنسان الظاهرة فهي عبادة مدخولة أو جسم بلا روح.
.


.
وما قست قلوبُ المسلمين،ولا تقاعسوا عن أداء واجبهم، فكانوا عرضة لغزو أعدائهم في شتى الميادين - إلا بسبب بعدهم عن هِدَاية دينهم، وقلةِ تأثرهم بما يكررون قَوْلَه وفِعْلَه من أركان الإسلام، وشعائره، مما جعلها عند كثير منهم بمثابة العادات.

ولو أنهم تأثروا بما يقولون ويفعلون تأثراً صحيحاً لتغير وجه الأرض، ولملأوها بجمال الحق بدلاً من شغب الباطل.

هذا وإن للصوم حكماً باهرة وأسراراً بديعة، وآثاراً عظيمة على الفرد والجماعة.

وقد كان يكفي في الحث على الصيام، والدعوة إليه أن يقال للمسلم: إن الله يأمرك بالصيام دون ذكرٍ لفوائد الصيام، وآثاره، وحكمه، وأسراره؛ ذلك أن الصومَ تشريعٌ ربانيٌّ إلهيٌّ، صادرٌ عن الرب بمقتضى ربوبيته، وألوهيته، فله-عز وجل-أن يكلِّفَ عباده بما شاء، وعليهم طاعةُ أمرِه، واجتنابُ نهيِه.

وَلَكنَّ الحاجةَ تدعو إلى بيان بعض الأسرار، والحِكَم، والفوائد و الآثار التي ينطوي عليها شهر الصوم؛ذلك أن الله-عز وجل-علمنا في آيات كثيرة من كتابه المبين أسرارَ تشريعه،وفوائدَه؛شحذاً للأذهان أن تفكر وتعمل، وإيماءاً إلى أن هذا التشريعَ الإلهيَّ الخالدَ لم يقم إلا على ما يحقق للناس مصلحة، أو يدفع عنهم ضرراً، وليزداد إقبال النفوس على الدين قوة إلى قوة.
.


.
انظروا إلى قوله - تعالى - حين يعلمنا آداب الاستئذان في البيوت كيف يختم ذلك بقوله:(هُوَ أَزْكَى لَكُمْ).

بل إن الله - تعالى - حين أمرنا بالصيام ذَكَرَ حكمتَهُ وفائدتَه الجامعةَ بكلمة واحدة من كلامه المعجز، فقال-عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة 183.

فالتقوىهي الحكمة الجامعة من تشريع الصيام.

بل انظروا إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عن آداب الصائم: "إنما الصوم جنة - أي وقاية - فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، ولا يجهل"الحديث متفق عليه.

فقد قدم الحكمة من الصيام ثم بين آدابه؛ ليكون أوقع في النفس، وأعمق أثراً.

وما دام الإسلام لا يتنكَّر للعقل، ولا يخاطب الناس إلا بما يتفق مع التفكير السليم، والمنطق القويم ولا يأمر من التشريع بشيء إلا إذا كانت المصلحة تحتِّم العمل به أو تركه-لم يكن علينا من حرجٍ حين ننظرُ في أسرار التشريع وبيان فوائده.
.


.
وما برح الناسُ في كل عصر يرون من فوائد التشريع ما يتفق مع تفكيرهم، ومصالحهم.
وهذا دليل على أن وراء هذا التشريع رباً حكيماً، أحسن كل شيء خَلْقَهُ ثم هدى.
فإذا وفَّقَ الله في مثل هذه الأحاديث أن تُشرح صدور المؤمنين لفريضة الصيام،
ويُبَيَّن لهم شيء من حكم الصيام وأسراره وآثاره
كان ذلك سبباً كبيراً لأن يُؤتَى بالصيام على وجهه الأكمل.
.


.
معاشر الصائمين

ينفرد الصوم من بين العبادات بأنه قمعٌ للغرائز عن الاسترسال في الشهوات، التي هي أصل البلاء على الروح والبدن، وفطمٌ لأمهات الجوارح عن أمهات الملذات.




ولا مؤدِّبَ للإنسان كالكبح لضراوة الغرائز فيه، والحدِّ من سلطان الشهوات عليه.

بل هو في الحقيقة نصرٌ له على هذه العوامل التي تُدَسِّي نفسه، وتبعده عن الكمال.

وكما يحسن في عُرْف التربية أن يؤخذ الصغيرُ بالشدة في بعض الأحيان، وأن يعاقب بالحرمان من بعض ما تمليه إليه نفسه-فإنه يجب في التربية الدينية للكبار المكلفين أن يؤخذوا بالشدة في أحيان متقاربة كمواقيت الصلاة (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ).



أو متباعدة كشهر رمضان، فإنه لا يأتي إلا بعد أحد عشر شهراً كلها انطلاق في الشهوات، وإمعانُ فيها، واسترسال مع دواعيها.

وإن شهراً في التقييد الجزئي بعد أحد عشر شهراً من الانطلاق الكلي لقليل، وإن جزءاً من اثني عشر جزءاً في حكم المقارنات النسبيبة - ليسير.


ولكنه يسر الإسلام الذي ليس بعده يسر، وسماحته التي ما بعدها سماحة.
إن في الصوم جوعاً للبطن، وشبعاً للروح، وإضواءاً للجسم، وتقوية للقلب، وهبوطاً باللذة، وسمواً بالنَّفْس.
في الصوم يجِدُ المؤمنُ فراغاً لمناجاة ربه، والاتصال به، والإقبال عليه، والأنس بذكره، وتلاوة كتابه.

هذه بعضُ أسرارِ الصومِ وآثارِه،

وهذا هو ماكان يفهمه السلفُ الصالحُ من معاني الصوم،

وبذلك كانوا معجزة الإسلام في الثبات على الحق، والدعوة إليه، والتخلق به،

فلم تر الإنسانية من يضاهيهم بسمو أنفسهم، ونبل غاياتهم،

وبعد هممهم، وإشراقةِ أرواحهم، وهدايةِ قلوبهم، وحسنِ أخلاقهم.


.


.
.
أفليست الإنسانية اليوم بأمسِّ الحاجة إلى مثل ذلك الجيل أو ما يقاربه؟

بل أليست مجتمعات المسلمين بحاجة إلى مثل تلك النفوس؟
بلى ثم بلى ثم بلى.
اللهم أفِضْ علينا من جودك وكرمك،

ولا تحرمنا بركاتِ هذا الشهرِ الكريم،

واجعل لنا منه أوفر الحظ والنصيب،

واجعلنا ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #194  
قديم 26-02-2022, 05:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نظرات على صيام الصالحين

نظرات على صيام الصالحين

سادات الصائمين
(13 - 39)
الشيخ سيد حسين العفاني

(13) صوم أبي مسلم الخولاني:

"المستلي بالأوراد والنوب، الخولاني عبدالله بن ثوب، حكيم الأمة وممثلها، ومديم الخدمة ومحررها"[1].

عن عطية بن قيس، قال: دخل ناس من أهل دمشق على أبي مسلم، وهو غاز في أرض الروم، وقد احتفر جورة في فسطاطه[2]، وجعل فيها نطعًا وأفرغ فيه الماء، وهو يتصلَّق[3] فيه، فقالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر؟ قال: لو حضر قتال لأفطرت ولتهيأت له وتقوَّيت، إن الخيل لا تجري الغايات وهو بدن، إنما تجري وهن ضمر؛ ألا وإن أيِّمَنا باقية جائية"[4]، وفي الحلية: "بين أيدينا أيام لها نعمل"[5].

(14) صوم عامر بن عبد قيس:


القدوة، الولي، الزاهد، راهب هذه الأمة.

كان يقول: "لذات الدنيا أربعة: المال، والسناء، والنوم، والطعام، فأما المال والنساء فلا حاجة لي فيهما، وأما النوم والطعام فلابد لي منهما، فوالله لأضرن بهما جهدي"، ولقد كان يبيت قائمًا، ويظل صائمًا[6].

وعن علقمة بن مرثد قال: "انتهى الزهد إلى ثمانية، عامر بن عبدالله بن عبد قيس، وأويس القرني، هرم بن حيان، والربيع بن خيثم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبو مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن"[7].

وكان يقول: "ما أبكي على دنياكم رغبة فيها، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء"[8].

وعن قتادة: "لما احتضر عامر بكى، فقيل ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعًا من الموت، ولا حرصًا على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل"[9]."

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #195  
قديم 28-02-2022, 04:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ
(13)






أََسْرَارِ الصِيَام




الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأكرمنا بأن كتب علينا فريضة الصيام، والصلاة والسلام على خير الأنام، نبينا محمد وعلى آله وصحبه السادة الكرام، أما بعد:



فإن الإسلامَ دينُ تربيةٍ للملكات، والفضائل والكمالات، فهو يَعُد المسلم تلميذاً ملازماً في مدرسة الحياة دائماً فيها، دائباً عليها، يتلقى فيها ما تقتضيه طبيعتُه من نقصٍ وكمال، وما تقضيه طبيعتُها من خيرٍ وشر.



ومن ثَمَّ فهو يأخذهُ أخذَ المربي في مزيج من الرفق والعنف بامتحانات دورية متكررة، لا يخرج من امتحان إلا ليدخل في امتحان آخر، وفي هذه الامتحانات من الفوائد للمسلم ما لا يوجد عشرُه، ولا مِعْشاره في الامتحانات المدرسية المعروفة.

وامتحاناتُ الإسلام تتجلى في هذه الشعائر المفروضةِ على المسلم، تلك الشعائر التي شرعت للتربية، والتزكية، والتعليم، لا ليضيَّق بها على المسلم، ولا لِيُجْعل عليه في الدين من حرج، ولكنَّ الإسلامَ يريد ليطهرَه بها، وينميَ ملكاتِ الخيرِ والرحمةِ فيه، وليقويَ إرادتَه وعزيمتَه في الإقدام على الخير، والإقلاع عن الشر، ويروضَه على الفضائل الشاقة كالصبر والثبات،والحزم، والعزم، والنظام، وليحرِرَه من تعبِّد الشهوات له، ومَلكِ-ها لعنانه.
.


.
وفي كل فريضةٍ من فرائض الإسلام امتحانٌ لإيمان المسلم، وعقله، وإرادته، غيرَ أن الصيامَ أعسرُها امتحاناً؛ لأنه مقاومة عنيفة لسلطان الشهوات الجسمية، فعليه تروَّض النفوس المطمئنة، وبه تروض النفوس الجامحة، فمدتُه شهرٌ قمريٌّ متتابعُ، وصورتُهُ الكاملةُ فطمٌ عن شهوات البطن، والفرج، واللسان، و الأذن، والعين.



وكلَّ ما نقص من أجزاء ذلك الفطام فهو نقصٌ في حقيقة الصيام، كما جاءت بذلك الآثار عن صاحب الشريعة، وكما تقتضيه الحكمةُ الجامعةُ من معنى الصوم.



قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: "الصوم جنة " .

أي وقاية، ففي الصومِ وقايةٌ من المأثم، ووقايةٌ من الوقوع في عذاب الآخرة، ووقاية من العلل والأدواء الناشئة عن الإفراط في تناول الملذات.



إذا المرء لم يتركْ طعاماً يُحِبُّهُ *** ولم يَنْهَ قلباً غاوياً حيث يمما

فيوشك أن تلقى له الدهرَ سُبَّةً *** إذا ذُكِرَتْ أمثالهُا تملأ الفمـا
.


.
فلا يتوهمِ المسلمُ أن حقيقةَ الصومِ إمساكٌ عن بعض الشهوات في النهار ثم يعقبه انهماكٌ في جميع الشهوات في الليل؛ فإن الذي نشاهده من آثار هذا الصوم إجاعةُ البطنِ،وإظماءُ الكبدِ، وفتورُ الأعضاءِ وانقباضُ الأساريرِ،وبذاءة ُ اللسانِ، وسرعةُ الانفعالِ، واتخاذُ الصومِ شفيعاً فيما لا يُحَبُّ من الجهر بالسيئ من القول، وعذراً فيما تَبْدُرُ به البوادرُ من اللِّجاج والخصام، والأيمان الفاجرة.

كَلا إن الصومَ لا يَكْمُل، ولا تَتِمُ حقيقتُه، ولا تظهر حِكَمُهُ، ولا آثاره - إلا بالفطام عن جميع الشهوات الموزعةِ على الجوارح؛ فللأذن شهواتٌ في الاستماع، وللعين شهوات من مدِّ النظر وتسريحه، وللِّسان شهواتٌ في الغيبة والنميمة ولذاتٌ في الكذب، واللغو.

وإن شهواتِ اللسانِ لَتربو على شهوات الجوارح كلها، وإن له لضراوةً بتلك الشهوات لا يستطيع حَبْسَهُ عنها إلا الموفقون من أهل العزائم القوية.
.


.
أيها الصائمون الكرام:

صومُ رمضان محكٌّ للإرادات النفسية، وقمعٌ للشهوات الجسمية،ورمزٌ للتعبد من صورته العليا، ورياضةٌ شاقةٌ على هجر اللذائذ والطيبات، وتدريبٌ منظمٌ على حملِ المكروه من جوع وعطش،ونطقٍ بحقٍّ،وسكوتٍ عن باطل.

والصومُ درسٌ مفيدٌ في سياسة المرء لنفسه، وَتَحكُّمِهُ في أهوائه، وضبطِه بالجد لنوازع الهزل، واللغو، والعبث.

وهو تربيةٌ عمليةٌ لخلُقِ الرحمةِ بالعاجز المعدم؛ فلولا الصيامُ لما ذاق الأغنياء الواجدون ألمَ الجوع، ولما تصوروا ما يفعله الجوعُ بالجائعين.

وفي الإدراكاتِ النفسيةِ جوانبُ لا يغني فيها السماعُ عن الوَجَدان؛ فلو أن جائعاً ظل وبات على الطَّوى خمس ليال، ووقف خمساً أخرى يصور للأغنياء البِطَانِ ما فعله الجوعُ بأمعائه وأعصابه، وكان حالُه أبلغَ في التعبير من مقاله-لما بلغ في التأثير فيهم ما تبلغه جوعةٌ واحدة ٌ في نفس غنيٍّ مترف.

ولذلك كان نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- أجودَ الناس،وكان أجودَ ما يكون في رمضان،حين يدارسه جبريل القرآن،فلرسولُ الله أجودُ بالخير من الريح المرسلة.
.


.
أيها الصائمون الكرام:
رمضان نفحاتٌ إلهيةٌ تَهُبُّّّ على العالم الأرضي في كل عام قمريٍّ مرةً، وصفحةٌ سماويةٌ تتجلى على أهل الأرض فتجلو لهم من صفات الله عطفَه وبرَّه، ومن لطائف الإسلام حِكمتَه وسرَّه؛ فلينظرِ المسلمون أين حظهم من تلك النفحة، وأين مكانُهم من تلك الصفحة.

ورمضانُ مستشفى زمانيِّ يجد فيه كل مريض دواءَ دائه، حيث يستشفي فيه مرضى البخلِ بالإحسان، ومرضى البِطْنةِ بالجوع والعطش، ومرضى الخصاصةِ والجوع بالكفاية والشِّبَع.

شهرُ رمضانَ عند الأَيْقاظ المُتَذَكِّرين شهرُ التجلياتِ الرحمانية على القلوب المؤمنة، ينضحها بالرحمة، ويفيض عليها بالرَّوح، ويأخذها بالمواعظ، فإذا هي كأعواد الربيع جِدَّةً ونُضْرَةً، وطراوة ًوخُضْرةً.

ولحكمةٍ ما كان شهراً قمرياً لا شمسياً، ليكون ربيعاً للنفوس، متنقلاً على الفصول، فيروِّض النفوس على الشدة في الاعتدال، وعلى الاعتدال في الشدة.

ثم إن رمضانَ يحرك النفوسَ إلى الخير، ويسكِّنها عن الشر، فتكون أجود بالخير من الريح المرسلة، وأبعد عن الشر من الطفولة البريئة.



ورمضانُ يطلق النفوسَ من أسر العادات، ويحررُها من رق الشهوات، ويجتث منها فسادَ الطباع، ورعونةَ الغرائز، ويطوفُ عليها في أيامه بمحكمات الصبر، وَمُثبِّتات العزيمة، وفي لياليه بأسباب الاتصال بالله، والقرب منه.

ثم إن الصومَ ينمِّي في النفوس رعايةَ الأمانة، والإخلاصَ في العمل، وألا يراعى فيه غيرُ وجهِ الله-تعالى-.

وهذه فضيلةٌ عظمى تقضي على رذائل المداهنة والرياء والنفاق.
.


.
والصومُ من أكبر الحوافز لتحقيق التقوى، وأحسنِ الطرق الموصلة إليها؛ ولهذا السر خُتِمتْ آياتُ الصومِ بقوله -تعالى-: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .



شهرُ الصيام يربي في النفوس مكارمَ الأخلاقِ، ومحاسنَ الأعمالِ، فيبعثها إلى بر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الأهل والجيران.

ومن أثر الصيام على النفوس حصولُ الصحة العامة بجميع معانيها، ففيه صحةٌ بدنيةٌ حسيةٌ، وفيه صحةٌ روحيةٌ معنويةٌ، وفيه صحةٌ فكريةٌ ذهنية.

فالصحة البدنية تأتي من كون الصيام يقضي على المواد المترسبة في البدن، ولا سيما أبدان أولي النَّعمة والنَّهْمة والتُّخمة وقليلي العمل والحركة؛ فقد قال الأطباء: إن الصيام يحفظ الرطوباتِ الطارئةَ، ويطهر الأمعاءَ من فساد السموم التي تحدثها البِطْنة، ويحول دون كثرةِ الشحوم التي لها خطرها على القلب، فهو كتضمير الخيل الذي يزيدها قوةً على الكر والفر.

وأما الصحةُ المعنويةُ فكما تقدم من أن الصوم من أعظم ما تصح به القلوب، وتزكو به الأرواح.



وأما الصحة الفكرية فتأتي من أثر الصيام الصحيح، حيث يحصل به حسنُ التفكير، وسلامةُ النظرةِ، والتدبرُ في أمر الله ونهيه وحكمته.

وبذلك يصح للصائم تفكيرُه،ويستنير بنور ربه، ويستجيب لنداءاته، ويحقق طاعته، فيخرج من صيامه بنفس جديدة، وفكر نيِّر،يسلم به من وصف البهيمية، ويصعد في مراتب السعادة والسيادة درجات.
.


.
أيها الصائمون الكرام:
هذه بعض أسرار الصوم في النفوس؛ فجدير بالصائم أن يستحضر هذه المعاني، وأن يكون له من صيامه أوفر الحظ والنصيب، وألا يفعل بعد إفطاره، أو نهاية شهره ما يُخِلُّ بهذه القوة أو يوهِنُها، فَيهدِم في ليله ما بناه في نهاره، وفي نهاية شهره ما بناه في شهره؛ فما أسعد الصائم، وما أحزمه لو اغتنم شهر الصيام، وجعله مدرسةً يتدرب فيها على هجر مألوفاته التي اعتاد عليها.



وإنْ هو عكس الأمرَ، فصار يتأفف على ما حَرَمَهُ منه الصيامُ، ويتلهف لساعة الإفطار؛ ليسارع إلى تناول مألوفاته، المضرَّةِ به، فقد ضيع الحزمَ والعزمَ، وبرهن على خوره، وضعف نفسه، وقلةِ فائدته من صيامه.

هذه صورة عامة مجملة،وإشارات سريعة عابرة لبعض الحكم والآثار والأسرار التي ينطوي عليها شهر الصيام.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #196  
قديم 28-02-2022, 04:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ

الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ

(14)

رَمَضَانْ وحُقُوقْ الجِيرَانْ




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،أما بعد:

فإن رمضانَ شهرُ الترابط، وشهرُ التواصي، وشهرُ التقارب، وشهر المودّات.
والحديث اليوم سيدور حول معنى من هذه المعاني، ألا وهو حق الجار؛ فلقد أوصى الإسلام بالجار، وأعلى من قدره؛ حيث قرن الله حق الجار بعبادته _عز وجل_ وبالإحسان إلى الوالدين، واليتامى، والأرحام.
قال الله_عز وجل_: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ )(النساء: من الآية36).

أما السنَّةُ النبويةُ فقد استفاضت نصوصُها في بيان رعاية حقوقِ الجارِ، والوصايةِ به، وصيانةِ عرضه، والحفاظ على شرفه، وستر عورته، وسدّ خلَّته، وغضِّ البصر عن محارمه، والبعد عن كل ما يريبه، ويسيء إليه.

ومن أجلِّ تلك النصوص وأعظمها ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة وابن عمر_رضي الله عنهم_أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مازال جبريل يوصني بالجار حتى ظننت أنه سيوَرِّثه).

أي: ظننت أنه سَيبْلُغني عن الله الأمرُ بتوريث الجارِ الجارَ.
.


.
أيها الصائم الكريم:
الجار في الاصطلاح الشرعي هو من جاورك جواراً شرعياً، سواء كان مسلماً أو كافراً، براً أو فاجراً، صديقاً أو عدواً، محسناً أو مسيئاً، نافعاً أو ضاراً، قريباً أو أجنبياً، غريباً أو بلدياً.

وله مراتب بعضها أعلى من بعض، تزيد وتنقص بحسب قربه وقرابته، ودينه وتقواه، ونحو ذلك؛ فيعطى بحسب حاله وما يستحق.

أما حدّ الجوار؛ فقد اختلفت عباراتُ أهل العلم في حدِّ الجوار المعتبر شرعاً، والأقـرب _والله أعلم_ أن حدَّ الجوار يُرجع فيه إلى عُرْفِ الناس؛ فما عُلِمَ عُرْفاً أنه جارٌ فهو جار.

ولا ريب أن الجوارَ في المسكن هو أجل صور الجوار وأوضحُها، ولكنَّ مفهومَّ الجار والجوار لا يقتصر على ذلك فحسب، بل هو أعمُّ من ذلك وأشمل؛ فالجار معتبرٌ في المتجر، والسوق، والمزرعة، والمكتب، ومقعد الدرس.

ومفهومُ الجارِ يشمل الرفيقَ في السفر؛ فإنه مجاورٌ لصاحبه مكاناً وبدناً، والزوجةُ كذلك تسمى جارةً، وكذلك مفهومُ الجوارِ يشمل الجوارَ بين المدن، والدول، والممالك، فلكل منهما حق على الآخر.
.


.
أيها الصائمون الكرام:
حقوق الجار على وجه التفصيل كثيرة جداً،

أما أصولها فتكاد ترجع إلى أربعـة حقوق.


أولها:
كف الأذى:
فالأذى على كل أحد بغير حق محرم، وأذية الجار أشد تحريما ً.

جاء في صحيح البخاري عن أبي شريح رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمـن جاره بوائقـه).

وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه).

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره).

وفي مسند الإمام أحمد، والأدب المفرد للبخاري، وعند الحاكم وصحَّحه، ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله إن فلانةً تصلي الليل، وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها سليطة، قال:

(لا خير فيها هي في النار).

وقيل له: إن فلانةً تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدق بالأثوار(وهي القطع الكبيرة من الأقط وهو اللبن الجامد المستحجر) وليس لها شيء غيره، ولا تؤذي جيرانـها، قال:

(هي في الجنة).

ولفظ الإمام أحمد:(لا تؤذي بلسانها جيرانـها).

بل لقد جاء الخبر بلعن من يؤذي جاره، ففي حديث أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له:

(اطرح متاعك في الطريق).

قال: فجعل الناس يمرون به فيلعنونه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فقال: يا رسول الله، ما لقيتُ من الناس؟ قال: وما لقيتَ منهم،

قال: يلعنوني، قال: فقد لعنك الله قبل الناس قال: يا رسول الله فإني لا أعود).

أخرجه البخاري في الأدب المفرد،والبزار، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي.

قال علي بن أبي طالب للعباس _رضي الله عنهما_:

(ما بقي من كرمِ إخوانك؟ قال الإفضالُ إلى الإخوان، وتركُ أذى الجيران).

فانظر كيفَ عدَّ العباسُ رضي الله عنه تركَ أذى الجيران من الكرم.

ولقد كان العرب يتمدحون بكف الأذى عن الجار، قال هُدْبَةُ بنُ الخَشْرم:

ولا نَخْذِلُ المولى ولا نرفع العصا *** عليه ولا نزجي إلى الجار عقربا

وقال لبيد:

وإن هوانَ الجارِ للجار مؤلمٌ *** وفاقرةٌ تأوي إليها الفواقر
.


.
الثاني من حقوق الجار:
حماية الجار:
فمما ينبه لشرف همّة الرجل نهوضُه لإنقاذ جاره من بلاءٍ يُنال به في عرضه، أو بدنه أو ماله، أو نحو ذلك.

ولقد كانت حمايةُ الجار من أشهر مفاخر العرب التي ملأت أشعارهم، قال عنترة:

وإني لأحمي الجارَ من كل ذلّة *** وأفرحُ بالضيف المقيم وأَبْهَجُ

وقالت الخنساءُ تمدح أخاها بحمايته جارَه:

وجارُكَ مَحْفُوظٌ منيعٌ بنجوة *** من الضيم لا يُؤذى ولا يتذللُ

بل لقد غالى العرب، وبالغوا في المحاماة عن الجار؛ إذ لم تتوقَّف محاماتُهم عن الجار الإنسان، بل لقد تعدّوا ذلك؛ فأجاروا ما ليس بإنسان إذا نـزل حول بيوتهم حتى ولو كان لا يعقل ولا يستجير؛ مبالغةً في الكرامة والعزَّة، وتحدياً لأن يَخْفِرُ الجوارَ أحدٌ، مثل ما فعل مدلجُ بنُ سويدٍ الطائيُّ،الذي نـزل الجرادُ حول خبائه؛ فمنع أن يصيدَه أحدٌ حتى طار وبَعُدَ عنه.

وكان كليبٌ يجير الصيدَ، فلا يَعْرِضُ له أحدٌ.
.


.
الثالثُ من حقوق الجار:
الإحسانُ إليه؛
فذلك دليل الفضل، وبرهان الإيمان، وعنوان الصدق.

جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) الحديث، ولمسلم_أيضاً_: (فليحسن إلى جاره).

ومن ضروب الإحسان إلى الجار تعزيته عند المصيبة،وتهنئته عند الفرح، وعيادته عند المرض، وبداءته بالسلام، وطلاقة الوجه عند لقائه، وإرشاده إلى ما ينفعه في دينه ودنياه، ومواصلته بالمستطاع من ضروب الإحسان.
.


.
الرابع:
من حقوق الجار احتمال أذاه:
وذلك بأن يغضيَ عن هفواته، ويتلقى بالصفح كثيراً من زلاته، ولا سيِّما إساءةً صدرت من غير قصد، أو إساءةً ندم عليها، وجاء معتذراً منها؛ فاحتمالُ أذى الجارِ ومقابلةُ إساءتِه بالإحسان من أرفع الأخلاق، وأعلى الشيم.

ولقد فقه السلف هذا المعنى، وعملوا به،

روى المرّوذي عن الحسن:

ليس حسنُ الجوارِ كفَّ الأذى، حسنُ الجوارِ الصبرُ على الأذى.

هذه هي الأصولُ الأربعةُ
التي عليها مدارُ حقوقِ الجارِ، ومع عظم ذلك الحقِّ إلا أن هناك تقصيراً كبيراً في حقِّ الجار من كثيرٍ من ا لناس.

فمن صورِ ذلك التقصير

مضايقةُ الجارِ، وحسدُه، واحتقارُه، وكشفُ أسراره، وتتبعُ عثراته، والفرحُ بزلاته.

ومن ذلك:

إيذاؤه بالجلبة، ورفعُ الأصوات، وتأجيرُ مَنْ لا يرغب الجيران في إسكانه.



ومن صور التقصير في حق الجار:

خيانتُه، والغدرُ به، وقلةُ الإحسان إليه، وتركُ النهوضِ لحمايته، وقلةُ الحرص على التعرُّف على الجيران، وقلةُ التفقُّد لأحوالهم.

ومن ذلك:

قلّةُ التهادي بين الجيران، والتكبُّرُ عن قبول هداياهم، ومنعُهم ما يحتاجون إليه من الأدوات اليسيرة، وقلةُ الاهتمام بإعادة المعار من الجيران إليهم.

ومن صور التقصير في حق الجيران:

تركُ الإجابةِ لدعوتهم، وقلَّةُ المبالاة بدعوتهم إلى الولائم والمناسبات،وقلَّةُ المناصحة لهم، وقلةُ التعاون معهم على البر والتقوى.

ومن ذلك:

كثرةُ الخصومةِ معهم، والتهاجرُ، والتدابرُ عند أدنى سبب، وقلةُ الحرص على إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الجيران.



ومن صور التقصير في حق الجار:

تركُ الإحسان إلى الجار الغريب، وقلّةُ العناية باختيار الجار الصالح، والتفريطُ به، وقلّةُ الوفاء للجيران بعد الرحيل عنهم.

وخلاصة القول: إن انتظام رابطة الجوار أكبر شاهد على رقي المجتمع، وسمو آدابه، والعكس بالعكس، وبإصلاح تلك الرابطة تطوى عند المحاكم قضايا كثيرة لا منشأ لها إلا عدم رعاية حق الجار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #197  
قديم 28-02-2022, 04:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نظرات على صيام الصالحين

نظرات على صيام الصالحين

سادات الصائمين
(13 - 39)
الشيخ سيد حسين العفاني



15) صوم الأسد بن يزيد النخعي:

الإمام القدوة، القارئ القوام، الساري الصوام، الفقيه الأثير، الفقير الأسير، "هو نظير مسروق في الجلالة والعلم والثقة والسن يضرب بعبادتهما المثل"[10].

سئل الشعبي عن الأسود فقال: "كان صوَّامًا قوامًا حجاجًا"[11].

وعن علقمة بن مرثد، قال: "انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم الأسود ابن يزيد كان مجتهدًا في العبادة يصوم حتى يخضر جسده ويصفرَّ، وكان علقمة ابن قيس يقول له: ويحك؛ لِمَ تعذب هذا الجسد؟ قال: راحةَ هذا الجسد أريد، "إن الأمر جد، إن الأمر جد"[12]، فلما احتضر بكى فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع، ومن أحق بذل مني، والله، لو أتيت بالمغفرة من الله - عز وجل - لهمَّنِي الحياء منه مما قد صنعته، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه، فلا زال مستحيًا منه"[13].

وروى شعبة عن الحكم أن الأسود كان يصوم الدهر[14].

وروى حماد عن إبراهيم، كان الأسوَدُ يصوم حتى يسوَدَّ لسانه من الحر[15].

وعن عبدالله بن بشر أن علقمة والأسود بن يزيد حجا، وكان الأسود صاحب عبادة، وصام يومًا فكان الناس بالهجير، وقد تربد وجهه، فأتاه علقمة فضرب على فخذه، فقال: ألا تتَّقِ الله، يا أبا عمرو، في هذا الجسد؟ علام تعذب هذا الجسد؟ فقال الأسود: يا أبا شبل، الجد الجد[16].

قال حنس بن حارث: رأيت الأسود، وقد ذهبت إحدى عينيه من الصوم[17]، لا ضير إن كان الجنة فسيبدل الله بعين أصح منها.

ما ضرهم ما أصابهم جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة.

(16) صوم مسروق بن عبدالرحمن:

"في العلم معروق، وبالضمان موثوق، ولعباد الله معشوق، أبو عائشة مسروق"[18].

عن الشعبي قال: "غشي على مسروق في يوم صائف، وكانت عائشة قد تبنته فسمَّى بِنتَه عائشة، وكان لا يعصي ابنته شيئًا، قال: فنزلت إليه، فقالت: يا أبتاه، أفطر واشرب، قال: ما أردت بي يا بنية؟ قالت: الرِّفق، قال: يا بنية، إنما طلبت الرِّفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"[19]، وفي رواية: "إنما طلبت الرفق لتعبِي"[20].

قالت له عائشة الصديقة: "يا مسروق، إنك من ولدي، وإنك لَمِن أحبهم إلي"[21].

وكان لا يأخذ على القضاء أجرًا، وكان يقول: "لأن أفتي يومًا بعدل وحق أحبُّ إليَّ من أن أغزو سنة"[22].

قال الأصمعي: كان مسروق يتمثل:

وَيَكْفِيكَ مِمَّا أُغْلِقَ البَابُ دُونَهُ وَأَرْخَى عَلَيْهِ السِّتْرَ مِلْحٌ وَجَرْدَق
وَمَاءٌ فُرَاتٌ بَارِدٌ ثم تَغْتَدِي تُعَارِضُ أصْحَابَ الثَّرِيدِ الْمُلَبَّق
تَجَشَّأ إذَا مَا هُمْ تَجَشًَّؤوا كَأنَّمَا غُذِّيتَ بِألْوَانِ الطَّعَامِ الْمُفَ
تَّق
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #198  
قديم 28-02-2022, 04:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نظرات على صيام الصالحين

نظرات على صيام الصالحين

سادات الصائمين
(13 - 39)
الشيخ سيد حسين العفاني

(17) صوم العلاء بن زياد:
"المبشر المحزون، المستتر المخزون، تجرد من الثلاد، وتشمر للمهاد، وقدم العتاد للمعاد، العلاء بن زياد"[23].

كان ربانيًّا تقيًّا قانتًا لله، بكاء من خشية الله.

قال قتادة: كان العلاء بن زياد قد بكى حتى غشي بصره، وكان إذا أراد أن يقرأ أو يتكلم، جهشه البكاء، وكان أبوه قد بكى حتى عمي.

قال الحسن لعلاء بن زياد، وقد سله الحزن: كيف أنت يا علاء؟ فقال: واحزناه على الحزن.

قال الحسن: "قوموا فإلى هذا والله انتهى استقلال الحزن"[24].

وعن هشام بن حسان أن العلاء بن زياد كان قوت نفسه رغيفًا كل يوم، وكان يصوم حتى يخضر، أو يصلي حتى يسقط فدخل عليه أنس بن مالك والحسن فقالا: إن الله تعالى لم يأمرك بهذا كله، فقال: إنما أنا عبد مملوك لا أدع من الاستكانة شيئًا إلا جئته به"[25].

قال له رجل: رأيت كأنك في الجنة فقال له: ويحك، أما وجد الشيطان أحدًا يسخر به غيري وغيرك[26].

وكان يقول: "لينزل أحدكم نفسه أن قد حضره الموت فاستقال ربه تعالى نفسه، فأقاله فليعمل باعة الله عز وجل"[27].

قال سلمة بن سعيد رئي العلاء بن زياد أنه من أهل الجنة، فمكث ثلاثًا لا ترقأ له دمعة، ولا يكتحل بنوم ولا يتذوق طعامًا فأتاه الحسن فقال: أي أخي، أتقتل نفسك أن بشرت بالجنة، فازداد بكاءً"، فمل يفارقه حتى أمسى، وكان صائمًا فطعم شيئًا[28].

عن هشام بن زياد العدوي قال: تجهَّز، رجل من أهل الشام، وهو يريد الحج، فأتاه آتٍ في منامه فقال: ائت العراق، ثم ائت البصرة، ثم ائت بني عدي، فائت بها العلاء ابن زياد؛ فإنه رجل أقصم الثنية، بسام، فبشره بالجنة، قال: فقال: رؤيا ليست بشيء حتى إذا كانت الليلة الثانية، رقد فأتاه آت، فقال: ألا تأتي العرق فذكر مل ذلك حتى إذا كانت الليلية الثالثة جاءه بوعيد فقال: ألا تأتي العراق ثم تأتي البصرة ثم تأتي بني عدي فتلقى العلاء بن زياد، رجل ربعة، أقصم الثنية، بسام، فبشره بالجنة، قال فأصبح، وأخذ جهازه إلى العراق، فلما خرج من البيوت إذا الذي أتاه في منامه يسير بين يديه ما سار حتى قدم البصرة، فأتى بني عدي فدخل دار العلاء ابن زياد، فوقف الرجل على باب العلاء فسلم، قال هشام: فخرجت إليه، فقال لي: أنت العلاء بن زياد؟ قلت: هو في المسجد، قال: وكان العلاء يجلس في المسجد، ويدعو بدعوات، ويحدث قال هشام: فأتيت العلاء فخفف من حديثه وصلى ركعتين، ثم جاء فلما رآه العلاء تبسَّم فبَدَت ثنيته، فقال: هذا، والله، صاحبي قال: فقال العلاء: انزل، رحِمَك الله، قال: فقال الرجل: أدخلني قال، فدخل العلاء منزله، وقال: يا أسماء، تحولي إلى البيت الآخر، قال: فتحولت، ودخل الرجل، وبشره برؤياه، ثم خرج فرَكب، قال: وقام العلاء، فأغلق بابه، وبكى ثلاثة أيام، وقال: سبعة أيام لا يذوق فيهما طعامًا، ولا شرابًا ولا يفتح بابه، قال هشام فسمعته، يقول في خلال بكائه: أنا أنا، قال: فكنا نهابه أن نفتح بابه، وخشيت أن يموت، فأتيت الحسن، فذكرت له ذلك، وقلت: لا أراه إلا ميتًا لا يأكل ولا يشرب باكيًا، قال: فجاء الحسن حتى ضرب عليه بابَه، وقال: افتح، يا أخي، فلما سمع كلام الحسن قام ففتح بابه، وبه من الضر شيءٌ الله به عليم، فكلَّمه الحسن، ثم قال: رحمك الله، ومن أهل الجنة، إن شاء الله، أفقاتل نفسك أنت، قال هشام: حدثنا العلاء لي وللحسن بالرؤيا، وقال: لا تحدثوا بها ما كنت حيًّا"[29].

لك الله، يا علاء، أئن بشرت بالجنة صمت، وبكيت حتى أشرفت على الموت، لك الله، يا إمام، ولك من اسمك أوفر نصيب.

(18) صوم سعيد بن المسيب سيد التابعين:

عالم العلماء كما قال مكحول فقيه الفقهاء.

حدث يزيد بن أبي حازم أن سعيد بن المسيب كان يسرد الصوم وقال ابن المسيب، ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلاَّ وأنا في المسجد[30].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #199  
قديم 03-03-2022, 10:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ




الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ


(15)



رَمَضَانْ و غَضْ البَصَر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله صحبه ومن والاه، أما بعد:






فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).







قال ابن حجر في شرح الحديث:(الوجاء: رضُّ الخصيتين، وقيل: رضُّ عُروقِهما، ومن يُفعَل به ذلك تنقطع شهوته، ومقتضاه أن الصومَ قامعٌ للشهوة).انتهى كلامه.
معاشر الصائمين:


في هذا الحديث إشارة إلى فائدة كبرى من فوائد الصوم،



ألا وهي غض البصر، وإحصان الفرج.



فالصائم ينال هذه الفضيلة، ويسلم من معاطب إطلاق البصر وآفاته؛



فالعين مرآةُ القلب، وإذا أطلق الإنسان بصرَه أطلق القلبُ شهوتَه، ومن أطلق بصرَه دامت حسرتُه؛



فأضرُّ شيٍء على القلب إرسالُ البصر؛ فإنه يريد ما يشتدُ إليه طلبُه، ولا صبر له عنه،



ولا سبيل إلى الوصول إليه، وذلك غايةُ ألمه وعذابه.






ثم إن النظرةَ سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس _كما جاء في الحديث_ وشأنُ السهمِ أن يسريَ في القلب؛



فيعملَ فيه عملَ السمِّ الذي يُسقاه المسموم، فإن بادر، واستفرغه وإلا قتله ولابد.







وكذلك النظرةُ؛ فإنها تفعل في القلب ما يفعله السهمُ في الرَّميَّة، فإن لم تقتله جرحته.



والنظرةُبمنزلة الشرارة تُرمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقْه كلَّه أحرقت بعضه كما قيل:

كلُّ الحوادثِ مبداها من النظر *** ومعظمُ النارِ من مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ



كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها *** فتكَ السهام بلا قوسٍ ولا وتر


والمرءُ مادام ذا عينٍ يقلبها *** في أعين الغيد موقوفٌ على الخطر


يسرُّ مُقْلَتَهُ ما ضرَّ مهجتَه *** لا مرحباً بسرور عاد بالضرر









والناظر يرمي من نظره بسهامٍ غَرضُها قلبه وهو لا يشعر، قال المتنبي:






وأنا الذي اجتلب المنيةَ طرفُهُ *** فَمَنِ المطالبُ والقتيلُ القاتلُ
قال ابن القيم رحمه الله: (ولما كان النظرُ أقربَ الوسائلِ إلى المحرم اقتضت الشريعةُ تحريمَه، وأباحتْه في موضع الحاجة.



وهذا شأن كلِّ ما حُرِّم تحريم الوسائل؛ فإنه يباح للمصلحة الراجحة).






قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرفَ بصري).






قال ابن القيم رحمه الله: (ونظرُ الفجأةِ هي النظرة الأولى، التي تقع بغير قصد؛ فما لم يتعمدْه القلبُ لا يعاقب عليه، فإذا نظر الثانيةَ تَعَمُّداً أثِم؛ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم عند نظرة الفجأة أن يصرفَ بصرَه، ولا يستديم النظر، فإنَّ استدامته كتكريره).

معاشر الصائمين:


ما أحوجنا إلى غضِّ البصر،وإلى ما يذكرنا به،



خصوصاً في هذه الأزمنة، التي كثرت فيها الفتن، وتنوعت؛



حيث التبرجُ والسفورُ، والمجلاتُ الهابطةُ،والأفلام الخليعة،



والقنوات الفضائية التي تغري بالرذيلة، وتزري بالفضيلة.







فغض البصر _بإذن الله_ أمانٌ من الفتنة، وسبيلٌ إلى الراحة والسلامة؛



فإذا غض العبدُ بصره غضَّ القلب شهوتَه وإرادته.







قال_تعالى_:(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)(النور: من الآية30).







قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فجعل _سبحانه_ غضَّ البصر، وحفظَ الفرج هو أقوى تزكيةٍ للنفوس.



وزكاةُ النفوسِ تتضمن زوالَ جميعِ الشرورِ من الفواحش، والظلم، والشرك، والكذب، وغير ذلك).







وقال ابن الجو زي رحمه الله: (والو اجب على من وقع بصرُه على مُسْتَحسنٍ، فوجد لذةَ تلك النظرةِ في قلبه أن يصرفَ بصرَه؛ فمتى ما تَثَّبَت في تلك النظرة أو عاود وقع في اللوم شرعاً وعقلاً.


فإن قيل:


فإن وقع العشقُ بأول نظرةٍ فأي لومٍ على الناظر؟



فالجواب:


أنه إذا كانت النظرةُ لمحةً لم تَكَدْ توجبُ عِشقاً،إنما يوجبه جمودُ العين على المنظور بقدر ما تَثْبُتُ فيه، وذلك ممنوع منه.



ولو قَدَّرنا وجودَه باللمحة، فأثَّر محبةً سَهُلَ قمْعُ ما حصل).










إلى أن قال رحمه الله:


فإن قيل:



فما علاج العشق إذا وقع بأول لمحة؟



قيل:



علاجهُ الإعراضُ عن النظر؛ فإن النظرةَ مثلُ الحبةِ تُلْقَى في الأرض؛ فإذا لم يُلتَفَتْ إليها يَبَستْ، وإن سقيت نَبَتَتْ؛ فكذلك النظرةُ إذا أُلحقت بمثلها).










وقال:



(فإن جرى تفريطٌ باتْباعِ نظرةٍ لنظرةٍ فإن الثانية هي التي تُخاف وتُحذر؛ فلا ينبغي أن تُحْقَر هذه النظرةُ؛ فربما أورثت صبابةً، صبَّت دمَ الصبِّ).






وقال ابن القيم : (فعلى العاقلِ ألا يُحَكِّم على نفسه عشقَ الصور؛ لئلا يؤدِّيَه ذلك إلى هذه المفاسد، أو أكثرِها، أو بعضِها؛ فمن فعل ذلك فهو المفرِّط بنفسه، المُضِرُّ بها؛ فإذا هلكت فهو الذي أهلكها؛ فلولا تكرارُه النظرَ إلى وجه معشوقه، وطمُعه في وصاله لم يتمكَّنْ عِشْقُه من قلبه) ا_هـ













اللهم إنَّا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، وللحديث صلة _إن شاء الله_ وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #200  
قديم 03-03-2022, 10:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ

(16)

فإنَه أغَضُّ للبَصَر



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:



فقد كان الحديث بالأمس يدور حول أثرِ الصيام في غضِّ البصر، وذلك انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
وقد جاء في الحديث الماضي ذكرٌ لأضرار إطلاق البصر، والحديث ههنا إكمال لما مضى، وبيان لفوائد غض ّالبصر.
معاشرَ الصائمين
قد يقول بعض الناس:

إذا نظرتُ نظرةً، فاشتدَّ تعلقي بمن نظرتُ إليه؛

فهل لي أن أكررَ النظرَ، لعلي أراه دون ما في نفسي، فَأَسْلوَ عنه؟

والجواب:

أن ذلك من تلبيس الشيطان،

ولا يجوز فعلُه لأوجهٍ عديدةٍ ذكرها ابن الجوزي، وابن القيم _رحمهما الله_

ومن تلك الأوجه ما يلي:

أولاً:
أن الله _سبحانه_ أمر بغضِّ البصر، ولم يجعلْ شفاءَ القلبِ فيما حرَّمه على العبد.
الثاني:

أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن نظر الفجأة،ِ وقد علم أنَّه قد يؤثر في القلب، فـأمر بمداواته بصرف البصر، لا بتكرار النظر.
الثالث:
أنه صرح بأن الأولى له،وليست له الثانية،ومحالٌ أن يكون داؤه مما هو له، ودواؤه فيما ليس له.

الرابع:
أن الظاهرَ أن الأمرَ كما رآه في أول مرة؛ فلا تحَسُنُ المخاطرةُ بالإعادة.


الخامس:

أنه ربما رأى ما هو فوق الذي في نفسه؛ فزاد عذابُه.

السادس:
أن إبليس عند قصده للنظرة الثانية، يقوم في ركائبه، فيزيِّن له ما ليس بحسن؛ لتتمَّ البلية.



السابع:
أنه لا يعان على مطلوبه، إذا أعرض عن امتثال أمر الشرع، وتداوى بما حرمه عليه، بل هو جديرٌ أن تتخلَّف عنه المعونة.

الثامن:
أن النظرةَ الأولى سهمٌ مسمومٌ من سهامِ إبليس،ومعلومٌ أن الثانية أشدُّ سُمَّاً؛ فكيف يتداوى من السم بالسم؟!

التاسع:
أن صاحبَ هذا المقام في مقام معاملة الحق _عز وجل_ في ترك محبوب _كما زعم_ وهو يريد بالنظرة الثانية أن يتبينَ حالَ المنظور إليه؛ فإن لم يكن مرضياً تَرَكَهُ؛ فإذاً يكون تَرْكُهُ لأنه لا يلائم غرضه، لا لله _تعالى_ فأين معاملة الله _تعالى_ بترك المحبوب لأجله؟



وبهذه الأوجه وغيرها مما لم يذكر يتبينُ لنا خطورةُ إطلاقِ البصر، وإتْبَاعُ النظرةِ النظرة.


معاشر الصائمين:

لغضِّ البصر فوائدُ عظيمةٌ،

لو استحضرها العاقل لقادته إلى غض البصر، ولمنعته من الاسترسال فيه،

ومن تلك الفوائد ما يلي:

الفائدة الأولى:

تخليص القلب من ألم الحسرة.

الفائدة الثانية:

أنه يورثُ القلبَ نوراً وإشراقاً، يَظْهرُ في العين، وفي الوجه، وفي الجوارح.

الفائدة الثالثة:
أن غضَّ البصر يورثُ صحةَ الفِرَاسَة؛ فإنها من النور، وثمراته، وإذا استنار القلبُ صحَّت الفِراسةُ؛لأنه يصير بمنزلة المرآةِ المجلوَّةِ تظهر فيها المعلوماتُ كما هي، والنظرُ بمنزلة التنفُّس فيها؛ فإذا أطلق العبد نظره تنفَّست نفسُه الصُّعَداءُ في مرآة قلبه، فطمست نورها كما قيل:

مرآةُ قلبِكَ لا تُريكَ صلاحَهُ *** والنَّفسُ فيها دائماً تتنفسُ
والله _عز وجل_ يجازي العبدَ على عمله بما هو من جنسه، فمن غضَّ بصرَه عن المحارم عوَّضه الله إطلاقَ بصيرتِه؛ فلما حبس بصرَه لله أطلق اللهُ نور بصيرتِه، ومن أطلق بصره في المحارم حبس الله عنه بصيرتَه.

الفائدة الرابعة من فوائد غض البصر:

أنه يفتحُ للعبد طرقَ العلمِ ويسهلُ عليه أسبابَه، وذلك بسب نور القلب؛ فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائقُ المعلومات، وانكشفتْ له بسرعة، ونفذَ من بعضها إلى بعض.
ومن أرسلَ بصَره تكدَّر عليه قلبه، وأظلم، وانسدَّ عليه بابُ العلم وطرقُه.



الفائدة الخامسة:

أن غضَّ البصر يورث القلبَ سروراً، وفرحاً، وانشراحاً، أعظم من اللذة والسرور الحاصلِ بالنظر؛ وذلك لقهره عدوَّه بمخالفته، ومخالفة نفسه، وهواه.

ثم إنه لما كفَّ لذَّتَهُ، وحبسَ شهوتَه لله وفيها مسرةُ نفسه الأمارةِ بالسوء أعاضه الله مَسَرَّةً، ولذةً أكملَ منها، كما قال بعضهم: والله لَلَذَّةُ العفةِ أعظمُ من لذة الذنب.

ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحاً، وسروراً، ولذّةً أكملَ من لذّة الهوى بما لا نسبة بينهما، وههنا يمتاز العقل من الهوى.

الفائدة السادسة:
أن غضَّ البصر يُخَلِّص القلب من أسر الشهوة؛ فإن الأسير هو أسيرُ شهوته وهواه.
الفائدة السابعة:

أن غضَّ البصر يسد عنه باباً من أبواب جهنم؛ فإن النظرة باب الشهوة الحاملة على مواقعة الإثم.

الفائدة الثامنة:

أن غضَّ البصر يقوي العقلَ، ويزيده ويثبِّته؛ فإن إطلاق البصر وإرسالَه لا يحصل إلا من خِفة العقل، وطيشِه، وعدمِ ملاحظته للعواقب.

الفائدة التاسعة:

أنه يُخَلِّصُ القلب من سُكْرِ الشهوة، ورقدةِ الغفلة.

وبالجملة ففوائدُ غضِّ البصر، وآفاتُ إرسالِه أضعافُ أضعاف ما ذكر؛ فعلى من يريد السلامة لنفسه أن يغضَّ طرفَه عما تشتهيه نفسُه من الحرام، وليكن له في ذلك الغض نيةٌ يحتسب بها الأجرَ، ويكتسب الفضلَ، ويدخل في جملة مَنْ نهى النفسَ عن الهوى.

.
وهكذا معاشر الصائمين:

يتبيَّن لنا أثرُ الصيامِ في غضِّ البصر، ويتّضح لنا آثار إرسالِ البصر، وثمراتُ غَضِّه.
وإذا استفاد الصائم هذا الدرس من صيامه بعثه ذلك إلى غضِّ بصره،واستحضار مشاهدة الرب _عز وجل_ له؛ فينال بذلك فوائدَ غضِّ البصر، ويدخل في زمرة المحسنين الذين يعبدون الله كـأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم.

اللهم اجعلنا ممن خافك، واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 34 ( الأعضاء 0 والزوار 34)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 229.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 223.38 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]