رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله - الصفحة 19 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #181  
قديم 12-02-2022, 01:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي نظرات على صيام الصالحين

نظرات على صيام الصالحين

سادات الصائمين
(1 - 12)



الشيخ سيد حسين العفاني





وردت آثار كثيرة عن السابقين في علوِّ هِمَمهم وأخذِهم بالعزائم في العبادات، وهُم جبال في الاقتداء والتأسِّي برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ويقول الشاطبِيُّ في "الاعتصام" (1/ 404): "نحن نحمل ما داوم عليه الأولون من الأعمال على أنه لم يكن شاقًّا عليهم، وإن كان ما هو أقل منه شاقًّا علينا، فليس عمل مثلهم بما عملوا به حجة لنا أن ندخل فيما دخلوا فيه، إلا بشرط أن يمتد مَناطُ المسألة فيما بيننا وبينهم، وهو أن يكون ذلك العمل لا يشق الدوام على مثله.

وليس كلامنا هذا لمشاهدة الجميع، فإن التوسُّط والأخذ بالرفق هو الأولى والأحرى للجميع، وهو الذي دلَّت عليه الأدلَّة دون الإيغال الذي لا يَسهُل مثله على جميع الخلق ولا أكثرهم؛ إلاَّ على القليل النادِر منهم، والشاهد لصحة هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لست كهيئتكم، إني أبيت عند ربي، يُطعِمُني ويسقيني))[1]، يريد - عليه الصلاة والسلام - أنه لا يشق عليه الوصال، ولا يَمنعه عن قضاء حق الله وحقوقِ الخلق.

فعلى هذا: من رُزِقَ أنموذجًا مما أعطيه - عليه الصلاة والسلام - فصار يوغل في العمل - مع قوته ونشاطه وخفة العمل عليه - فلا حرج"[2].

يقول الشاطبي: كم من رجل صلَّى الصبح بوضوء العشاء كذا وكذا سنة، وسرد الصيام كذا وكذا سنة، وكانوا هم العارفين بالسنة، لا يميلون عنها لحظة، وروي عن ابن عمر وابن الزبير: أنهما كانا يواصلان الصيام[3]، وأجاز مالك – وهو إمام في الاقتداء[4] - صيام الدهر؛ يعني إذا أفطر أيَّام العيد، والآثار في هذا المعنى كثيرة عن الأولين، وهي تدل على الأخذ بما هو شاقٌّ على الدوام، ولم يعدهم أحد بذلك مخالفين للسنة، بل عدوهم من السابقين- جعَلَنَا الله منهم – وأيضًا فإن النهي ليس عن العبادة المطلوبة بل هو عن الغلوِّ فيها غلوًّا يُدخِل المشقة على العامل، فإذا فرضنا من فُقِدَت في حقِّه تلك العِلَّة فلا ينهض النهي في حقِّه؛ كما إذا قال الشارع: لا يقضي القاضي وهو غضبان، وكانت علة النهي تشويش الفكر عن استيفاء الحجج؛ اطرد النهي مع كل مشوش، وانتهى عند انتفائه حتى أنه مع وجود الغضب اليسير الذي لا يمنع من استِيفاء الحجج، وهذا صحيح جارٍ على الأصول.

وحال من فُقِدَت في حقه العلة حالُ من يعمل بحكم من غلبة الشوق أو غلبة الرجاء أو المحبة؛ فإن الخوف شرٌّ سائق، والرجاء حادٍ قائد، والمحبَّة سبيل حامل، فالخائف إن وجد المشقَّة؛ فالخوف مما هو أشق يحمله على الصَّبر على ما هو أهون، وإن كان العمل شاقًّا، والراجي يعمل وإن وَجَد المشقة؛ لأن راء الراحةِ التامة يَحمله على الصبر على بعض التعب، والحب يعمل ببذل المجهود؛ شوقًا إلى المحبوب، فيَسهُل عليه الصعب، ويَقرُب عليه البعيد، فيوهن القُوَى، ولا يَرَى أنه أوفى بعهد المحبة ولا قام بشكر النعمة، ويعصر الأنفاس، ولا يرى أنه قضى نَهَمَتَه.

وَإذا كان كذلك صَحَّ بين الأدلة، وجاز الدخول في العمل التزامًا مع الإيغال فيه! إمَّا مطلقًا وإما مع ظن انتفاء العلَّة، وإن دخَلَت المشقَّة فيما بعد؛ إذا صح من العامل الدوام على العمل، ويكون ذلك جاريًا على مقتضى الأدلة وعملِ السلف الصالح"[5].

فالحاصل: جواز الاجتهاد في العبادة بشروط:


الأول: أن لا يحصل له مَلَل يُفقِده لذَّة العبادة بدليل: ((ليصل أحدكم نشاطه)).

الثانِي: أن يكثر حسَب طاقته، ودليله: ((عليكم من الأعمال ما تطيقون)).

الثالث: لا يفوت من الأعمال ما هو أهم، ويدلُّ عليه قول عمر: "لأن أشهد الصبح في جماعة أحبُّ إليَّ من أن أقوم ليلة".

الرَّابع: أن لا يضيع حقًّا شرعيًّا، كما حصل لابن عمرو وأبي الدرداء.

الخامس: أن لا يبطل رخصة شرعيَّة، كما ظن الرهط الذين تقالُّوا عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته.

السادس: أن لا يوجب ما ليس بواجب شرعيٍّ، كما أوجب ابن مظعون على نفسِه.

السابع: أن ياتي بالعبادة المجتهد فيها بتمامها، بدليل: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)).

الثامن: أن يُداوم على ما يختاره من العبادة، بدليل: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها)).

التاسع: أن لا يجتهد بحيث يورث الملل لغيره، أخذًا بحديث ((إذا صلى أحدكم فليخفف)).العاشر: أن لا يعتقد أنه أفضل عملاً مما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من تقليل العمل[6].

(1) صوم الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -

المفارق للتنعُّم والتَّرفيه، المعانق لما كُلِّف من التَّشمُّر والتوجُّه.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لم أر عبقريًّا يفري فرية))[7].

عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ما مات عمر حتى سرد الصوم[8].

فَمَنْ يَسْعَ أو يَرْكَبْ جَنَاحَي نَعَامَةٍ لِيُدْرِكَ مَا قَدَّمْت بِالأمْسِ يَسْبِقُ[9]


(2) صوم ذي النورين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
أمير البررة وقتيل الفجرة.
حَبِيبُ مُحَمَّدٍ وَوَزِيرُ صِدْقٍ وَرَابِعُ خَيْرِ مَنْ وَطِئَ التُّرَابَا


قال أبو نعيم عنه: "حفظه من النهار الجود والصيام، ومن الليل السجود والقيام، مبشر بالبلوى، ومنعم بالنجوَى"[10].

وعن الزبير بن عبدالله، عن جدة له يقال لها هَيْمَة قالت: "كان عثمان يصوم الدهر، ويقوم الليل إلا هجعة من أوله"، رضي الله عنه، قتلوه وقد كان صائمًا [11].

وروى ابن كثير في "البداية والنهاية" (7/207): "صلى صلاة الصبح ذات يوم، فلما رفغ أقبل على الناس فقال: إني رأيت أبابكر وعمر أتياني الليلة، فقالا لي: صم يا عثمان؛ فإنك تفطر عندنا، وإني أشهدكم أني وقد أصبحت صائمًا، وإني أعزم على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخرج من الدار سالمًا مسلومًا منه، ثم دعا بالمصحف فأكب عليه - رضي الله عنه - ما طوى المصحف.. وقتلوه وهو يقرؤه".
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #182  
قديم 14-02-2022, 07:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نظرات على صيام الصالحين

نظرات على صيام الصالحين

سادات الصائمين
(1 - 12)



الشيخ سيد حسين العفاني




(3) صوم أبي طلحة الأنصاري زيد بن سهل:

أحد أعيان البدريين، وأحد النقباء الاثنَى عشر ليلة العقبة، قال عنه - صلى الله عليه وسلم -: ((لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل))[12].

عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل الغزو، فلمَّا قُبِض النبي - صلى الله عليه وسلم - لم أره يفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر[13].

وقال الذهبي: "كان قد سرد الصوم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -"[14].

قال أبو زرعة الدمشقي: إن أبا طلحة عاش بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة يسرد الصوم[15].

قال الذهبي: "قلت بل عاش بعده نيفًا وعشرين سنة"[16].

وعن أنس: "أن أبا طلحة صام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين سنة لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى"[17].

(4) صوم عائشة زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"الصديقة بنت الصديق، العتيقة بنت العتيق، حبيبة الحبيب، وأليفة القريب، سيد المرسلين محمد الخطيب، المبرأة من العيوب، المعراة من ارتياب القلوب لرؤيتها جبريل رسول علام الغيوب"[18].

عن عبدالرحمن بن القاسم أن عائشة كانت تصوم الدهر[19]، وأخرجه ابن سعد عن القاسم بلفظ: إن عائشة كانت تسرد الصوم[20].

عن عروة: أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تسرد الصوم، وعن القاسم أنها كانت تصوم الدهر، لا تُفطِر إلا يوم أضحى أو يوم فطر[21]، قال عروة: بعث معاوية مرة إلى عائشة بمائة ألف درهم، فقسمتها؛ لم تترك منها شيئًا، فقالت بريرة: أنت صائمة، فهلا ابتعت لنا منها بدرهم لحمًا؟ قالت: "لو ذكَّرتِنِي لفعلتُ"[22].

وعن محمد بن المنكدر عن أم ذرة، وكانت تغشى عائشة - رضي الله عنه - قالت: بعث إليها الزبير بمال في غرارتين، قالت: أراه ثمانين ومائة ألف، فدعت بطبق، وهي صائمة يومئذ، فلما أسمت قالت: "يا جارية، هلمِّي فطوري" فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحمًا نفطر عليه؟ فقالت: "لا تعنفيني، لو كنت ذكَّرتِنِي لفعلت"[23].




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #183  
قديم 14-02-2022, 07:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ

خواطر رمضانية
محمد إبراهيم الحمد

(6)


رمضان شهر البر
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن رمضانَ شهرُ البرِّ، وموسمُ الخير ، وميدان التنافس.

وإن من أعظم البرِّ، وأجل القربات، برَّ الوالدين ، ذلكم أن حقَّ الوالدين عظيم، ومنزلتهما عالية في الدين؛ فَبِرُّهما قرينُ التوحيد، وهو من أعظم أسباب دخول الجنة، وهو مما أقرته الفطر السوية، واتفقت عليه الشرائع السماوية.

وهو خلق الأنبياء،ودأب الصالحين،وهو سبب في زيادة العمر، وسعة الرزق، وتفريج الكربات، وإجابة الدعوات، وانشراح الصدر، وطيب الحياة.

وهو _أيضاً_ دليل صدق الإيمان،وعلامة حسن الوفاء،وسبب البر من الأبناء.

وفي مقابل ذلك فإن عقوق الوالدين ذنب عظيم، وكبيرة من الكبائر، فهو قرين للشرك،وموجب للعقوبة في الدنيا، وسبب لرد العمل، ودخول النار في الأخرى.

وهو جحودٌ للفضل، ونكرانٌ للجميل، ودليلٌ على الحمق والجهل، وعنوانٌ على الخسة، والدناءة، وأمارةٌ على حقارة الشأن وصَغرِ النفس.

ولعظم حق الوالدين تظاهرت نصوص الشرع آمرةً ببرهما والإحسان إليهما، ناهيةً عن عقوقهما والتقصير في حقهما، قارنة حقوقهما بحق الله_تعالى_.

قال الله_عز وجل_: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)(النساء: من الآية36).



وقال:(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)(الأنعام: من الآية151).

وقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)(الإسراء: 23-24)

الوفي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: سألت رسول الله " أي العمل أحب إلى الله_تعالى_؟ قال:=صلاة على وقتها + قلت ثمَّ أي؟ قال:بر الوالدين

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنهما_ عن النبي " قال: =الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس رواه البخاري.

ومع عظم تلك المكانة للوالدين إلا أننا نرى عقوقهما قد تفشّى، وأخذ صوراً عديدةً، ومظاهر شتى؛ فمن ذلك إبكاؤهما وتحزينُهما،ونهرُهما وزجرُهما، والتأففُ والتضجر من أوامرهما، والعبوسُ وتقطيبُ الجبينِ أمامهما.

..
.
ومن صور العقوق

احتقارُ الوالدين، والنظر إليهما شزراً، والإشاحةُ بالوجه عنهما إذا تحدثا، وقلةُ الاعتداد برأيهما، وإثارةُ المشكلات أمامهما.

ومن ذلك _عياذاً بالله_

شتمُ الوالدين، وذمُّهما عند الناس، والتخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر، والتبرؤُ منهما، والحياءُ من ذكرهما والنسبة إليهما.

ومن صور العقوق

الإثقالُ على الوالدين بكثرة الطلبات، والمكثُ طويلاً خارجَ المنزل إلى ساعات متأخرة من الليل، أو النوم خارج المنزل دون علم الوالدين بمكان الولد، خصوصاً إذا كان صغيراً.

ومن صور العقوق

المتناهية بالقبح لعنُ الوالدين، والتعدي عليهما بالضرب، وإيداعُهما دورَ الملاحظة.

ومن صور العقوق

هجرُ الوالدين، والبخلُ عليهما، وتركُ نصحهما، والسرقةُ من أموالهما، والأنينُ وإظهارُ التوجُّع أمامهما.

ومن أقبح صور العقوق

-إن لم تكن أقبحها- تمني زوالِهما، وقَتْلُهما، والتخلصُ منهما، رغبةً في الميراث، أو رغبة في التحرُّر من أوامر الوالدين؛ فيا لشؤم هذا، ويا لِسوادِ وجهه، ويا لِسوءِ سوء مصيره إن لم يتداركه الله برحمته.

هذه بعض صور العقوق، وتلك بعض مظاهره؛ فما أبعد الخير عن عاق والديه، وما أقرب العقوبة منه، وما أسرع الشر إليه.

وهذا أمر مشاهد محسوس يعرفه كثير من الناس، ويرون بأم أعينهم، ويسمعون قصصاً متواترة لأناس خذلوا وعوقبوا بسبب عقوقهم لوالديهم.

قال الأصمعي: أخبرني بعض العرب أن رجلاً كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشابُّ عاقاً بأبيه، وكان يقال للشاب منازل فقال الأب الشيخ الكبير:
جَزَتْ رحمٌ بيني وبينَ منازلٍ *** جزاءً كما يستنجزُ الدَينَ طالبُه

تَرَبَّت حتى صار جعداً شمردلاً *** إذا قام ساوى غاربَ الفحلِ غاربُه
تظلَّمني مالي كذا ولوى يدي *** لوى يدَه اللهُ الذي لا يغالبُه

وإني لداعٍ دعوةً لو دعوتُها *** على جبل الريان لانْهَدَّّ جانِبُه
فبلغ ذلك أميراً كان عليهم، فأرسل إلى الفتى؛ ليأخذه، فقال له أبوه الشيخ: اُخْرُجْ من خلف البيت، فسبق رُسَلَ الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقَّه في آخر حياته، واسم الولد خليج فقال منازل فيه:


تظلمني مالي خليجٌ وعقني *** على حين كانت كالحَنيِّ عظامي

تخيَّرتُه وازددته ليزيدني *** وما بعضُ ما يزدادُ غيرُ عرامِ
لعمري لقد ربَّيته فرحاً به *** فلا يفرحنْ بعدي امرؤٌ بغلام
فأراد الوالي ضرب الابن، فقال للوالي: لا تعجل هذا أبي منازل بن فرعان الذي يقول فيه أبوه:

جزت رحمٌ بيني وبينَ منازلٍ *** جزاءً كما يستنجز الدَّينَ طالبُه

فقال الوالي: يا هذا عَقَقْتَ وعُقِقْتَ

وقال الأصمعي:حدثني رجلُ من الأعراب، وقال: خرجت أطلب أعقَّ الناس؛ فكنت أطوف بالأحياء،حتى انتهيت إلى شيخٍ في عنقه حبلٌ يستقي بدلو لا تطيقه الإبلُ في الهاجرة، والحرِّ الشديد، وخلفه شابٌّ في يده رُشاءٌ _أي حبل_ من قِدٍّ ملوي (والقِدُّ هو السوط) وهو يضرب الشيخ الكبير بالقدِّ، وقد شقَّ ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله بهذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه مِنْ مَدِّ هذا الحبل حتى تضربه؟.

قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيراً.
قال: اسكت؛ فهكذا كان يصنع بأبيه، وكذا كان أبوه يصنع بجده، فقلت: هذا أعقُّ الناس.

ثم جُلت حتى انتهيت إلى شاب وفي عنقه زبيلٌ فيه شيخٌ كأنه فَرْخٌ، فكان يضعه بين يديه في كل ساعة،فيطعمه كما يُطعَمُ الفرخ، فقلت من هذا؟ قال: أبي وقد خرف وأنا أكفله، قلت: هذا أبر الناس.
..


.
الحمد لله مُعِزِّ من أطاعه، ومُذِلِّ من عصاه، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد عَلِمنا في الحديث الماضي عِظَم حق الوالدين، والترغيبَ في برهما، والترهيبَ من عقوقهما.

ومر شيءٌ من مظاهر العقوق وصورِه؛ فإذا كان الأمر كذلك فما أحرى بذي اللب أن يبر والديه،وأن يتجنَّب عقوقهما؛ لينال الخيرَ والبركةَ في العاجل،وليحظى بالثواب الجزيل والعطاءِ غيرِ المجذوذ في الآجل.

أيها الصائمون:

هناك آداب ينبغي لنا مراعاتها، ويجدر بنا مع الوالدين سلوكها؛ لعلنا نرد لهما بعض الدين، ونقوم ببعض ما أوجب الله علينا نحوهما؛ لنرضيَ بذلك ربنا، وتنشرحَ صدورنا، وتطيبَ حياتنا، وَتُيَسَّرَ أمورُنا، ويبارك لنا في أعمارنا، ويبسَط لنا في أرزاقنا.
فمما يجدر بنا سلوكه مع الوالدين طاعتُهما، واجتنابُ معصيتهما في غير مخالفة لأمر الله.

ومن ذلك الإحسانُ إليهما،وخفضُ الجناح لهما،والبعدُ عن زجرهما.

ومن صور البرِّ

الإصغَاءُ إلى الوالدين، وذلك بالإقبال عليهما إذا تحدثا، وتركِ مقاطعتهما أو منازعتهما الحديث أو تكذيبهما.

ومن الآداب مع الوالدين التلطُّلفُ بهما، والفرحُ بأوامرهما، والحذر من التأفف والتضجر منهما.

ومن ذلك_أيضاً_التودّدُ لهما، والتحبُّب إليهما، والجلوس أمامهما بأدب واحترام، وتجنُّبُ المنَّة في الخدمة أو العطية.
ومن صور البر

مساعدةُ الوالدين في الأعمال، والبعدُ عن إزعاجهما وقتَ راحتهما، أو تكديرِ صفوهما بالجلبة، ورفعِ الصوت، أو بالأخبارِ المحزنة.

ومن ذلك تجنُّبُ الشجارِ، وإثارةِ الجدل أمامهما، وذلك بالحرص على حل جميع المشكلات مع الإخوة أو الزوجةِ أو أهل البيت عموماً، بعيداً عن أعين الوالدين إلا إذا اقتضت الحكمةُ والمصلحةُ إشراكَهما في الأمر.

ومن صور البر
تلبيةُ نداءِ الوالدين بسرعة، والاستئذان عليهما حال الدخول عليهما وإصلاحُ ذات البين إذا فسدت بين الوالدين، والحرصُ على التوفيق بينهما وبين الزوجة، وتعويد الأولاد على برهما.

ومن صور البر تذكيرُ الوالدين بالله، ونصحُهما بالتي هي أحسن.
ومن برهما _أيضاً_

الاستئذانُ منهما، والاستنارةُ برأيهما، والمحافظةُ على سمعتهما، والبعدُ عن لومهما وتقريعهما.

ومن ذلك فهمُ طبيعة الوالدين، ومعاملتهما بمقتضى ذلك.

ومن البر بهما

كثرةُ الدعاءِ والاستغفار لهما، وصلةُ الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإنفاذ عهدهما، والتصدُّق عنهما.

ومما يعين على بر الوالدين

أن يستعينَ الإنسانُ بالله،وأن يستحضر فضائلَ البر، وعواقبَ العقوق، وأن يستحضر فضل الوالدين، وأن يضع نفسه موضعهما، وأن يقرأ سير البارين بوالديهم.

..

أيها الصائمون:
هاهو بر الوالدين، وهذه هي الآداب التي يجدر بنا مراعاتها معهما،وتلك أسباب تعين على البر،فما أحرانا بمراعاة تلك الأمور، وما أجدرنا، بالأخذ بها، وإليكم معاشر الصائمين بعضَ النماذجِ من قصص البر:

هذا إسماعيل بن إبراهيم _عليهما السلام_ يضرب أروع أمثلة البر في تاريخ البشرية، وذلك عندما قال له أبوه: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ).

فما كان من ذلك الولد الصالح إلا أن قال: ( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(الصافات: من الآية102).

وقد ورد أن إبراهيم _عليه السلام_ لما تيقَّن مما رأى في منامه قال لابنه: يا بني خُذِ الحبلَ والمُديةَ، وانطلق بنا إلى هذا الشعب نحتطب، فلما خلا بهِ في شعب ثبير أخبره بما أمره الله به، فلما أراد ذبحه قال له: يا أبت اشدد رباطي؛ حتى لا أضطرب، واكْفُفْ ثيابك؛ حتى لا يصيبَها الدَّمُ فتراه أمي، واشحذ شفرتك، وأسرع في السكينِ على حلقي؛ ليكون أهونَ علي، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني.

قال إبراهيم:نعم العونُ أنت يا بني، ثم أقبل عليه، وهما يبكيان، ثم وضع السكينَ على حلقه، فلم تحزَّ، فشحذها مرتين أو ثلاثاً بالحجر فلم تقطع.

فقال الابن عند ذلك:يا أبتِ كُبَّني على وجهي؛ فإنك إن نظرت إلى وجهي رحمتني، وأدركتك رِقَّةٌ تحول بينك وبين أمر الله _تعالى_ وأنا لا أنظر إلى الشفرة؛ فأجزع.

ففعل إبراهيم ذلك، ووضع السكين على قفاه،فانقلب السكين، وسلبت منها خاصيتها، ونودي ( أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا )(الصافات: الآية 104).
..

.
وإليكم أيها الصائمون صوراً مشرقة في البر من سير السلف الصالح،

تدل على شدة اهتمامهم ببر الوالدين.

فهذا أبو هريرة رضي الله عنه كان يستخلفه مروان، وكان يكون بذي الحليفة، فكانت أمه في بيت وهو في بيت آخر، فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها وقال:السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فتقول:وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمكِ الله كما ربيتني صغيراً، وتقول:ورحمك الله كما بررتني كبيراً.

وهذا ابنُ عمرَ _رضي الله عنهما_ لقيه رجل من الأعراب بطريق مكة، فسلَّم عليه عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه.

قال ابنُ دينارٍ:فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير.

فقال عبدُ اللهِ بنُ عمرَ:إن أبا هذا كان وُدَّاً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمعت رسول الله يقول: إن أبرَّ البرِّ صلةُ الولدٍ أهلَ ودِّ أبيه.رواه مسلم وأبو داود.

وهذا أبو الحسن عليُّ بنُ الحسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالب -وهو المسمى بزين العابدين وكان من سادات التابعين_ كان كثير البر بأمه، حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولا نراك تؤاكل أُمَّك؛ فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه، فأكون قد عققتها.

وقال هشام بنُ حسان: حدثتني حفصةُ بنتُ سيرين قالت، كانت والدة محمد بن سيرين حجازية، وكان يعجبها الصِّبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوباً اشترى ألين ما يجد، فإذا كان عيدٌ صَبَغَ لها ثياباً، وما رأيته رافعاً صوته عليها، وكان إذا كلمها كالمصغي.
وعن بعض آل سيرين قال:ما رأيت محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع.

وعن ابن عون أن محمداً كان إذا كان عند أمه لو رآه رجل ظن أن به مرضاً من خفض كلامه عندها.
وعن ابن عون قال: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد؟ أيشتكي شيئاً قالوا: لا، ولكن هكذا يكون عند أمه.

وروى جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر أنه كان يضع خدَّه على الأرض ثم يقول لأمه: قومي ضعي قَدَمَكِ على خدي.
وعن ابن عون المزني أن أمه نادته،فأجابها، فعلا صوتُه صوتَها؛ فأعتق رقبتين.

وقيل لعمرَ بن ذرٍّ:كيف كان بر ابنك بك؟ قال ما مشيت نهاراً قط إلا مشى خلفي، ولا ليلاً إلا مشى أمامي، ولا رقى سطحاً وأنا تحته.

وهذا بُندارُ المحدثُ قال عنه الذهبي: جمع حديث البصرة، ولم يرحل؛ براً بأمه.

وقال عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزي: سمعت بنداراً يقول:أردت الخروج _يعني الرحلة لطلب العلم_ فمنعتني أمي، فأطعتها، فبورك لي فيه.

وكان طلق بن حبيب من العلماء العباد، وكان يقبل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيت وهي تحته؛ إجلالاً لها.

وقال عامر بن عبد الله بن الزبير:مات أبي، فما سألت الله حولاً كاملاً إلا العفو عنه.

اللهم اجعلنا من الأتقياء الأبرار، ومن المصطفين الأخيار إنك أنت الرحيم الكريم الغفّار.



وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #184  
قديم 16-02-2022, 05:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ



خواطر رمضانية
محمد إبراهيم الحمد



(7)


رمضان فرصة لترك التدخين




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن التدخينَ وباءٌ خطير، وشرٌ مستطيرٌ، وبلاءُ مدمرٌ.

وقد وقع في شَرَكِه فِئامٌ من الناس، وكثيرٌ مِنْ أولئك يملكون قلوباً حية، وعواطفَ للإسلامِ قوية، إلا أنهم بلوا بالتدخين.
وأكثرُ هؤلاءِ لا يكابرونَ في ضررِ التدخين، ولا يشكُّون في أثرهِ وحرمتهِ، بل تراهم يؤمِّلونَ في تركهِ، ويسعونَ للخلاصِ منهُ؛ فلهؤلاءِ حقٌّ على إخوانهم أن يعينوهم، ويأخذوا بأيديهم خصوصاً في هذا الشهر الكريم.
.
معاشر الصائمين:

لو توجَّهنا بالسؤال إلى كلِّ مدخنٍ وقلنا له: " لماذا تدخن؟ "

لأجابوا إجاباتٍ مختلفةً؛ فَمِنْ قائلٍ: أدخن إذا ضاق صدري؛ كي أروِّح عن نفسي، ومِنْ قائلٍ: أدخن كي أتسلى في غربتي، وبُعدي عن أهلي، إلى قائلٍ: أدخن إذا سامرت زملائي؛ ليكتمل فرحي وأنسي، إلى قائل: أدخنُ؛ لأتخلصَ من القلقِ، والتوترِ، والغضبِ، إلى قائل: أدخنُ مجاملةً للرفاقِ، إلى قائلٍ: أدخنُ لفرطٍ إعجابي بفلانٍ من الناسِ، فهو يدخنُ وأنا أتابعةُ، واعملُ على شاكلتهِ، إلى مسكينٍ يقولُ: تعلقتُ بهِ منذُ الصِّغرِ فعزَّ عليَّ تركهُ، إلى مكابرٍ عنيدٍ يقول: أدخن لقناعتي بجدوى التدخين؛ فلا ضررَ فيه، ولا عيبَ، ولا حرمة.

هذه - تقريباً - هي الأسبابُ الحاملةُ على التدخين؛ فإذا كانَ الأمرُ كذلك، فاسمح أيها الأخُ المدخن بالحوار معكَ مدة ًيسيرةً؛ عسى أن نصل إلى نتيجة مُرْضِيَةٍ.
.


.
أخي الحبيب:

ألستَ مقتنعاً من حُرْمِةِ التدخين، ومن أثرهِ البالغ؟ ألا تفكر جاداً في تركهِ إلى غيرِ رجعة؟ ستقول: بلى، ولكن آملُ أن أزدادَ قناعةً بضررِ التدخين، وإمكانيةِ تركه، ويقالُ لكَ: إليكَ ما تريد، فأعِر سَمْعَك قليلاً، وأَصْغِِ فؤادك لما يقال:


أولاً:أيها الحبيب: تذكر قبلَ كل شيء أنك عبدٌ لله، وأكْرِم بها من عبودية، فعبوديتُكَ لله تحررُكَ من كلِّ شيء حتى من نفسِكَ التي بين جَنْبَيك، فتصبحُ حراً طليقاً عبداً لربٍّ واحدٍ لا لأربابٍ متفرقين.




وإن مقتضى عبوديتك لله أن تُطيعَه فلا تعصيَه، وذلك عنوان فلاحك وسعادتك، إذا تقررَ هذا عندك، فتذكر أن الدخانَ خبيثٌ، وأنه تبذيرٌ وإسرافٌ، وأنه قتلٌ للنفس، وإلقاءٌ باليد إلى التهلكة، وأنه إيذاء للمسلمين؛ فهل هذه الأمور من طاعةِ الله، أو من معصيتِه؟

ثانياً: التدخين يبعث على النفور منك، ومن مجالستك، بل والسلام عليك؛ لأن رائحتك لا تشجع على شيء من ذلك.

ثالثاً: التدخين قد يتسبب في حرمانك من نعمة الذرية؛ فهو يضعف النسل، ويضعف القدرة الجنسية، بل وربما قاد إلى العقم.



رابعاً: وإذا رزقت بأولاد فربما تعرضوا للتشويه، ونقص النمو، وزيادة العيوب الخلقية؛ فللتدخين أثرٌ بالغٌ على صحة أولاد المدخن.

خامساً: وإذا رزقت أولاداً فلا شك أنك ترغب في صلاحهم واستقامتهم ورجولتهم، وإذا كنت مدخناً ربما كانت النتيجةُ عكسَ ذلك؛ فربما تسببت في إغوائهم، وانحرافهم؛ لأنهم مُوْلَعُون بمحاكاتك وتقليدك.

سادساً: التدخين قد يَصْرِفُك عن برِّ والديك، وصلةِ أرحامك؛ لأنك تخشى عِلْمَهم بأنك تدخن؛ فلهذا تتحاشى قُربَهم، وتألفُ البعدَ عنهم؛فأي خير يرجى من عمل يتسبب في عقوق والديك وقطيعة أرحامك؟



سابعاً: بالتدخين تساهم في خذلان أمتك،ودعم أعدائها الذين يحاربونها ليل نهار.




وبفضل جهدك قد غدوت لصانعي تلك السموم السود خَيْرَ معين

تَحْبوهم المال الذي لولاه لم يجدوا السبيل لكيد هذا الدين
ثامناً: بالتدخين تُقصِّر عمرك، وتهدد حياتَك بالفناء؛ فمعظم وفيات العالم الصناعي إنما هي بسبب التدخين؛ حيث يموت سنوياً في العالم بسبب التدخين وحده مليونان وخمسمائة ألف شخص؛ فالدخان يجلب لك الموت العاجل، فضلاً عن أن سنواتِ العمرِ الأخيرةَ تكون معاناةً من الأثر السييء للدخان.

وقد أجمعت البحوث العلمية على أن السجائر هي من كبرى المهلكات التي تصيب الإنسان بالعجز، وتهدده بالفناء.

تاسعاً: الدخان يحرمك السعادة الحقة، ويوهمك بالسعادة المزيفة؛ و إلا كيف يَسْعَدُ الإنسان وحياتُه مليئةٌ بالأسقام مهددةٌ بالأخطار.

عاشراً: التدخين يؤثر على عقلك، ويضعف تفكيرَك، ويورثك البَلادَة، وهذا مشاهد في الطلاب وغيرهم، ولقد أجريت تجارب لاختبار الذكاء بين طلاب المدارس فتبين بشكل واضح أن المدخنين أقل ذكاءًا ومقدرةً على الفهمِ من غيرهم ممن لا يدخنون.


الحادي عشر: من أضرار التدخين: التدخين يعرضك للجلطة، وتصلُّب الشرايين، وموت الفجأة.



الثاني عشر: التدخين يؤذي عينيك أيما أذى، فهو يزيد من احتمال إصابتها بالماء الأزرق، ومرض إعتام العيون، كما أنه يؤدي إلى التهاب الجفون، وتَحسُّسِها،بل ويؤدي إلى التهاب عَصَب الأبصار والعَمى.


الثالث عشر: التدخين يثلم مروءتَك، ويُنْقِص من قدرك، ويدل على ضعف إرادتك.

الرابع عشر: التدخينُ يثقِلُ عليك العبادةَ، ويدعوك لمخالطة الأشرار والأراذل، ويزهِّدك بالأكابر، والأخيار، والأفاضل.

الخامس عشر: التدخين يوهن قواك، ويضعف قدرتَك، ويورثك الخمول والكسل.

السادس عشر: لا يكاد عضوٌ من أعضاء المدخن يسلم من أضرار التدخين.

السابع عشر: التدخين سببٌ رئيسٌ للسرطان بأنواعه المتعددة؛ فهو سبب لسرطان الرئة، والحنجرة، والشفة، والبلعوم، والمريء، والبنكرياس، والمثانة، والكُلى.
الثامن عشر: التدخين يتسبب في تسوس الأسنان، واصفرارها، واسودادها، ويتسبب في التهاب اللِّثَةِ، وتقرُّحات الفمِ واللسانِ، وتشويهِ الشفاه، ووسخ الأسنان.

التاسع عشر: التدخين يسبب الربوَ، وضيقَ النَّفسَ، والسعالَ، والبصاقَ، وضَعفَ كفاءةِ الرئة،وسوءَ الهضم، وتليّفَ الكبدِ، والسكتةَ الدماغيةَ، والذبحةَ الصدريةَ، وإصابةَ شرايينِ المخِّ بالتصلّب، ويسبب الغثيانَ، والإمساكَ المزمنَ، والصداعَ، والأرقَ، والفشلَ الكُلويَّ،وضعفَ السمعِ، وفقدانَ حاسةِ الشم أو إضعافَها، وضعفَ الجهاز المناعي، والاستعدادَ للإصابة بأمراض خطيرة، وزيادةَ أمراض الحساسية، والتهاباتِ الجلدِ، وقُرْحَة المعدة، والاثني عشرَ.

العشرون: أن المدخنين -كغيرهم- عُرضَة لسائر الأمراض، ولكنها تزداد لديهم، وتتضاعف بسبب التدخين.


.




.
أيها الحبيب:

ألم تقتنع بعد؟
أليس فيما مضى ذكره عِبْرةٌ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؟ ستقول -كعادتك- بلى، ويقال لك: متى ستقلع عن التدخين إذاً؟ ستقول: غداً، أو بعد غدٍ، أو بعد ذلك سأحاول الإقلاع عن التدخين.

إذاً لعلك لم تقتنع بما قيل سابقاً، بل ستستمر على التدخين، ولن تقلع عنه؟ ستقول: لا، عفواً، إنني مقتنعٌ تمامَ الاقتناع بما مضى ولكن يصعب عليّ ترك التدخين، وأخشى ألا أستمر على تركه.
إذاً ما الحل أيها الحبيب، هل نقف معك أمام طريق مسدود؟ ونرضى منك أن تواصل التدخين حتى يهوي بك في مكان سحيق؟ ستقول: لا يا أخي لم يصل الأمر إلى هذا الحد.

إذاً ما العمل؟ ربما تقول: لعلي أسلك طريقاً آخر؛ كي أنجو من أضرار التدخين؛ حيث سأتحول عن التدخين إلى الغليون أو الشيشة، فلعلها أقل ضرراً أو أهون خطراً.

ويقال لك: ما أنت - والحالة هذه - إلا كالمستجير من الرمضاء بالنار.

أما علمت أن ما مضى ذكرُه من أضرار التدخين ينطبق على الشيشة والغليون ونحوها.

ربما تقول: إذاً سأنتقل إلى نوع خفيف من السجائر ذاتِ المحتوى المنخفض من النيكوتين والقطران؛ فحنانيك بعض الشر أهون من بعض.



ويقال لك: إن هذه خُدعةٌ كبرى قد ثبت ضررها وعدم جدواها وذلك لما يلي:



- أن ذلك سببٌ لتدخينِ أكبرِ عددٍ من السجائر.

- وأن المدخنين في هذه الحالة يسحبون عدداً أكبر من الأنفاس من السيجارة الواحدة.

وأنهم يستنشقون الدخان بعمق، ويحتفظون به أطول فترة ممكنة، ليعوضوا نسبة النيكوتين التي فقدوها.
-وكل ذلك يؤدي إلى امتصاص المزيد من النيكوتين والقطران، ويحدث هذا بطريقة لا إرادية ودون أن يشعر بها المدخن؛ فكيف تلجأ إلى هذا الحل إذا؟
.


.
كان الحديث الماضي يدور حول أضرار التدخين، والحديث ههنا سيكون حول السبل المعينة على تركه، فيا أيها المدخن: ربما تقول بعد ذلك: لقد أعيتني الحيل، وضاقت بي السبل، ولم أستطع ترك التدخين.

ويقال لك:لا ما أعيتك الحيل،ولا ضاقت بك السبل، فلكل داءٍ دواءٌ، ولكل مُعْضِلةٍ حلٌ، وما من قُفْلٍ بلا مفتاح وإلا فما هو بقفل.

تقول ما
هو الحل؟


ويقال لك:

أن تقلع عن التدخين فوراً، وان تهجره بلا رجعة.

ستقول بزفرة، ولهفة، وأمل، وشوق، كيف الوصول إلى ذلك السبيل، وكيف النجاة من هذا الداء الوبيل؟ وما العلاج الناجع، والدواء النافع، من هذا السم الزعاف الناقع؟



يقال لك حينئذٍ:

أيها الحبيب، كلّ ما تريده ستجده طالما بحثت عنه، وسعيت له سعيه، وطرقت أبوابه،وأخذت بأسبابه، فأعِرْ سمعك، وافتح قلبك، فستجد -إن شاء الله- ما يشفي عِلَّتك، ويروي غُلَّتك، فمِمَّا يعينك على ترك التدخين ما يلي:
أولاً: استحضار أضرار التدخين، واستحضار حرمته في الدين.

ثانياً: التوبة النصوح؛ فتب إلى ربك،وعد إلى رشدك،قبل أن يُتْلِف التدخين جسدك، وقبل أن يفجأك الموتُ على غِرَّةٍ منك، فأقدم غير هيَّاب، ولا وَجِل، ولا متردد، وإياك والتأجيلَ؛ فإن التأجيل ذنبٌ يجب أن تتوب منه.


ثالثاً: استعن بالله وفوّض أمرك إليه، والتمس إعانته ولطفه، وتضرع إليه بالدعاء، واسأله بصدق وإخلاص وإلحاح أن يعينك على ترك التدخين.





رابعاً: أقبل على الله بالمحافظة على الصلاة؛ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأقبل على الله بالصيام؛ فإنه علاج نبوي يهذّب النفس، ويسمو بالخلق، ويقوي الإرادة، ويعين على محاربة الهوى، وأقبل على كتاب ربك؛ ففيه الهداية للتي هي أقوم، وأكثر من ذكر الله -عز وجل- ففيه الطمأنينة والسكينة، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فإن الشيطان هو الذي يزيِّن لك المعصية؛ فإذا استعذت بالله من الشيطان بصدق، أعاذك الله منه.
خامساً: استحضر الثمرات الحاصلة بترك التدخين.

سادساً: تذكّر أن مَنْ ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه، وأن العِوَضَ أنواع مختلفة، وأجل ما تعوَّض به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلبِ بذكره.



سابعاً: تذكّر الأجرَ المترتبَ على ترك التدخين؛ فكما أن ثوابَ الطاعةِ الشاقة أعظمُ مما لا مشقة فيه، فكذلك ثوابُ تركِ المعصية إذا شقَّ وعَظُمَ.



ثامناً: وتذكّر أنك بترك التدخين تنقذ نفسك من ضرر محقق.

تاسعاً: تذكّر لذة الانتصار على النفس،ومخالفة الهوى؛فإن تلك اللذةَ أعظمُ من لذة كاذبة عابرة.



عاشراً: قارن بين لذة التدخين -إذا كان فيه من لذة- بالضرر البالغ الذي يحصل من جرَّائه،حينئذٍ يتبين لك الغبن،فكيف-إذاً-تُقْدِمُ على لَذَّةٍ وهميةٍ سريعةِ الزوال يكون بعدها هلاكك وعطبك؟1

الحاديَ عشر: مما يعين على ترك التدخين: العزيمةُ الصادقةُ، والإرادة القوية، التي هي عنوان عظماء الرجال.




الثانيَ عشر: الصبر؛ فالذي يريد ترك التدخين قد يجد مشقة كبرى خصوصاً في بداية الأمر؛ فالإقلاع عن التدخين ثقيل على النفس،ولكنه ليس متعذِّراً ولا مستحيلاً، والصعوبةُ في تركهِ تَكْمُنُ في ضغط العادة، ولأن كثيراً من المدخنين -وخصوصاً المُفَرِطين منهم- يشعرون بالكآبة في الأسابيع التالية لإقلاعهم عن التدخين، إلى جانب معاناة الرغبة الشديدة في التدخين؛ ذلك أن نتائجَ تركِ التدخين ربما تتضمن الخمولَ،وشدة َالتوترِ، وسرعةَ الغضبِ، والقلقَ، والنومَ المتقطعَ، وصعوبةَ التركيزِ الذهنيِّ، وأعراضاً أخرى في المعدة والأمعاء، مع انخفاض في الدم، ومعدل النبض العام.
ومع هذا فبعض تلك النتائج قد يكون نفسياً فقط،وقد لا تظهر تلك الأعراض إذا كانت العزيمةُ صادقةً، والإرادةُ قويةً.

ثم إن تلك المشقة لا تزال تَهُوْنُ شيئاً فشيئاً إلى أن يألف المدخن ترك التدخين.

قال ابن القيم -رحمه الله- : " إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد مَنْ تركها لغير الله، أما من تركها مخلصاً من قلبه لله، فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة، ليُمْتَحن أصادق هو في تركها أم كاذب؛ فإن صبر على ترك المشقة قليلاً استحالت لذة"اهـ-.

فيا أيها الحبيب تجرَّع مرارةَ الصبر، وغُصَصَ الحرمان في البداية؛ لتذوق الحلاوة، وتحصل على اللذة الحقيقية في النهاية.





والصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقَتُه لكنْ عواقِبُهُ أحلى من العسل
واعلم أن الصَّابرَ معان من الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: "ومن يتصَبَّرْ يُصَبِّره الله ".
واستحضر أن الصبرَ عن التدخين أسهلُ بكثيرٍ مما يوجبه التدخين، فإنه يورث ألماً، وعقوبةً، وهمًّا، وغمًّا، وندامةً، وذلاً، وضررًا - كما مرَّ-.

الثالت عشر: من الأمور المعينة على ترك التدخين:الحذرُ من اليأس،فقد تحاول تركَ التدخين مرةً أو أكثر فلا تفلح، وقد تتركه فترةً ثم ترجع إليه مرةً أخرى؛ فربما قادك ذلك إلى اليأس، وربما ألقى الشيطانُ في قلبك أنْ لا سبيل إلى ترك التدخين، وأنَّ كلَّ محاولةٍ منك ستبوء بالإخفاق؛ فإياك أن يَدِبَّ هذا الشعورُ إليك، أو أن يجد منفذاً إلى قلبكَ، بل حاول مرةً بعد أخرى، ولا تيأسنَّ مهما حاولت وأخفقت، فلعلك إن أخفقت مراتٍ نجحت في آخر المطاف، بل من الناس من ينجح في أول محاولة جادة.


الرابعَ عشرَ: البعد عن رفقة السوء، وعن كل ما يذكر بالتدخين،من فراغٍ، ورؤية مدخنين، أو شم دخان.

الخامسَ عشَر: لا تلتف إلى هؤلاء؛ فقد تبتلى بأناس يخذِّلونك إذا رأوك همَمَتَ بترك التدخين، فربما عوَّقوك، ووضعوا العراقيلَ والصعوباتِ في طريقك، فلا تلتفت إلى هؤلاء، بل أدِرْ ظهرَك لهم، وتوكل على ربك، واستشعر روح التحدي والإصرار، وستصل إلى غايتك بإذن الله.

السادس عشرَ: وإذا ضَعفتْ نفسك عن ترك التدخين فوراً، و لم تستطع أن تهجره مباشرة بلا رجعه -فلا أقل من أن تتدرج، وتمضي في طريقك لِتركه، فتقلل من شربه، إلى أن تتركه بالكلية، ومما يعينك على ذلك أن تدع المجاهرة في شربه؛ لأن المجاهرة تقودك إلى شربه في كل مكان.

ومن ذلك أن تمكث في أماكن تعينك على ترك التدخين كأن تجالس الأخيار والصالحين، وأن تتردد على الوالدين، وعلى من تستحيي من التدخين أمامهم؛ فذلك يبعدك، ويسليك عن التدخين إلى أن تعتاد تركه والسلوَّ عنه.

السابع عشر: عرض الحال على من يعين، سواءً كان طبيباً ناصحاً، أو من تتوسم فيه الخير والصلاح، والنصح، فستجد عنده ما يعينك على الخروج من مأزقك.



وأخيراً نسأل الله أن يعينك، وأن يهديك لأرشد أمرك، وأن يحبب إليك الإيمان، ويزينه في قلبك، وأن يكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلك من الراشدين.

وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #185  
قديم 18-02-2022, 03:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نظرات على صيام الصالحين

نظرات على صيام الصالحين

سادات الصائمين
(1 - 12)



الشيخ سيد حسين العفاني





(5) صوم أم المؤمنين حفصة بنت عمر:


القوامة الصوامة، حفصة بنت عمر بن الخطاب، وارثة الصحيفة، الجامعة للكتاب[24].

عن قيس بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة بنت عمر فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت، وقالت: والله، ما طلقني عن شبع، وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فتجلْبَبَت، قال: فقال لي جبريل - عليه السلام -: راجع حفصة؛ فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة[25]، أيُّ شهادة أعظم من شهادة الله وجبريل لحفصة - رضي الله عنها - وأنعِم بها من عبادةٍ كانت سببًا لرجوع أم المؤمنين حفصة إلى رسولنا - صلى الله عليه وسلم - لتبقى له زوجة في الجنة.

وعن نافع قال: "ماتت حفصة حتى ما تفطر".

(6) صوم أبي الدرداء، حكيم الأمة، وسيد القراء:

وامَقَ العبادةَ، فارَق التجارةَ، داوَم على العمل استباقًا، وأحب اللقاء اشتياقًا، تفرغ من الهموم ففتحت له الفهوم، صاحب الحكم والعلوم[26].

قال أبو الدرداء: "كنت تاجرًا قبل أن يبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما بعث محمد زاولت العبادة والتجارة، فلم يجتمعا، فأخذت في العبادة، وتركت التجارة"[27].

وفي رواية: "كنت تاجرًا قبل المبعث، فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا، فتركت التجارة، ولزمت العبادة"[28].

قال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعُنا للعلم والعمل أبو الدرداء[29].

وعن يزيد بن معاوية أن أبا الدرداء كان من العلماء الفقهاء الذين يشفون من الداء[30].

عن أبي جحيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخى بين سلمان وأبي الدرداء، فجاءه سلمان يزوره، فإذا أم الدرداء متبذلة[31]، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا، يقوم الليل ويصوم النهار، فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرَّب إليه طعامًا، فقال له سلمان: كل، قال: إني صائم، قال: أقسَمْت عليك لتُفطِرن، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان من الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان وقال: إن لجسدك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، صم، وأفطر، وصل، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت؛ فقاما، فتوضأا، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي أمره سلمان، فقال له: ((يا أبا الدرداء، إن لجسدك عليك حقًّا، مثل ما قال لك سلمان))[32]


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #186  
قديم 18-02-2022, 03:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد


بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ

(8)


رَمَضَانْ شَهَر التَوْبَة

الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الكريم الوهاب، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله والأصحاب، أما بعد:
فإن التوبةَ وظيفةُ العمرِ، وبدايةُ العبدِ ونهايتُه، وأولُ منازلِ العبودية، وأوسطها، وآخرها.
وإنَّ حاجتَنا إلى التوبة ماسّةٌ، بل إنَّ ضرورتنا إليها مُلِحَّة، فنحن نذنب كثيراً، ونفرّط في جنب الله ليلاً ونهاراً؛ فنحتاج إلى ما يصقل القلوبَ، وينقّيها من رَيْن المعاصي والذنوب.
.



.
أيها الصائمون الكرام:

التوبة هي: تركُ الذنبِ علماً بقبحه،وندماً على فعله، وعزماً على ألا يعود التائبُ إليه إذا قدر، وتداركاً لما يمكن تداركُه من الأعمال، وأداءً لما ضيع من الفرائض؛ إخلاصاً لله، ورجاءً لثوابه، وخوفاً من عقابه، وأن يكون ذلك قبل الغرغرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها.

أيها الصائمون الكرام:لقد فتح الله _بمنِّه وكرمه_ بابَ التوبة؛ حيث أمر بها، ووعد بقبولها مهما عظُمت الذنوب.

قال_تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)(الزمر:54).

وقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى:25) .

وقال: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:110) .



وقال في شأن النصارى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة:73) .

ثم قال_جلّت قدرته_محرضاً لهم على التوبة: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(المائدة:74) .

وقال في حق أصحاب الأخدود الذين حفروا الحُفَر لتعذيب المؤمنين وتحريقهم بالنار: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) (البروج:10) .

.



.
قال الحسن البصري رحمه الله:(انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه، وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة). ا هـ.

بل إنه_عز وجل_حذّر من القنوط من رحمته فقال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(الزمر:53) .

قال ابن عباس_رضي الله عنهما_: (من أيّس عبادَ الله من التوبة بعد هذا؛ فقد جحد كتاب الله_عز وجل_).
.



.
أما فضائلُ التوبةِ وأسرارُها، وبركاتُها فمتعددةٌ،متنوعةٌ،متشعبةٌ؛ فالتوبة سبب الفلاح، وطريق السعادة، وبالتوبة تكفّر السيئات، وإذا حسُنت بدّل الله سيئاتِ صاحِبها حسنات.

وعبوديةُ التوبةِ من أحبِّ العبوديات إلى الله، والله_تبارك وتعالى_يفرح بتوبة التائبين قال النبي صلى الله عليه وسلم: (للهُ أفرحُ بتوبة العبد من رجل نـزل منـزلاً، وبه مهلكة، ومعه راحلتُه عليها طعامُه وشرابُه، فوضع رأسَهُ، فنام نومةً، ثم رفع رأسَهُ، فاستيقظ وقد ذهبت راحلتُه؛ حتى اشتد عليه الحرُّ والعطشُ، أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع، فنام نومةً، ثم رفع رأسه؛ فإذا راحلتُه عنده) رواه البخاري ومسلم.

ولم يجيء هذا الفرحُ في شيء من الطاعات سوى التوبة، ومعلوم أن لهذا الفرح تأثيراً عظيماً في حال التائب وقلبِه، ومزيدُ هذا الفرح لا يعبر عنه.
.



.
ومن فضائل التوبة: أنها توجب للتائب آثاراً عجيبة من مقامات العبودية التي لا تحصل بدون التوبة؛ فتوجب له المحبةَ، والرقّةَ، واللطفَ، وشكرَ اللهِ، وحمدَه، والرضا عنه، فَرُتِّب له على ذلك أنواعٌ من النعم لا يهتدي العبد إلى تفاصيلها، بل لا يـزال يتقلب في بركتها وآثارها ما لم ينقضْها أو يفسدْها.
ومن تلك الآثار: حصولُ الذلِ،والانكسارِ،والخضوعِ لله، وهذا أحب إلى الله من كثير من الأعمال الظاهرة _وإن زادت في القدر والكمية على عبودية التوبة_ فالذلُّ، والانكسارُ روحُ العبوديةِ، ولبُّها، ولأجل هذا كان الله_عز وجل_عند المنكسرةِ قلوبُهم،وكان أقربَ ما يكون من العبد وهو ساجد؛لأنه مقامُ ذلِّ وانكسار، ولعل هذا هو السِّرُ في استجابةِ دعوة المظلوم والمسافر والصائم؛ للكسرة في قلب كل واحد منهم؛ فإن لوعةَ المظلومِ تُحْدِثُ عنده كسرةً في قلبه،وكذلك المسافر يجد في غربته كسرةً في قلبه، وكذلك الصوم، فإنه يكسر سَوْرةَ النَّفْسِ السَّبُعية الحيوانية كما قرر ذلك ابن القيم رحمه الله.
.



.
أيها الصائمون الكرام:

ومع عظم شأن التوبة وعظيم بركاتها إلا أن هناك أخطاءً يقع فيها كثير من الناس في باب التوبة؛ وذلك ناتج عن الجهل، أو التفريط، وقلة المبالاة.

وإليكم نبذةً مختصرةً عن تلك الأخطاء على سبيل الإجمال؛ إذ المقام لا يسمح بالإطالة، وذكرِ الأدلة، والتفصيل في الأقوال.

فمن تلك الأخطاء ما يلي:

أولاً: تأجيل التوبة:
فيجب على العبد_والحالة هذه_ أن يتوب من ذنبه، وأن يتوب من تأجيل التوبة.

ثانياً: الغفلة عن التوبة مما لا يعلمه العبد من ذنوبه:

فهناك ذنوبٌ خفيةٌ، وهناك ذنوبٌ يجهل العبد أنها ذنوبٌ، ولا ينجي من ذلك إلا توبةٌ عامةٌ مما يعلمه من ذنوبه ومما لا يعلمه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل فقال أبو بكر: فكيف الخلاص منه يا رسول الله؟ قال: أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) رواه البخاري في الأدب المفرد.

ثالثاً: ترك التوبة مخافةَ الرجوع للذنب

أو خوفاً من لمز الناس، أو مخافة سقوط المنـزلة، وذهاب الجاه والشهرة: وهذا خطأ يجب تلافيه؛ فعلى العبد أن يعزم على التوبة، وإذا رجع إلى الذنب فليجدد التوبة مرة أخرى وهكذا، وعليه أن يدرك أنه إذا تاب عوّضه الله خيراً مما ترك.



رابعاً: التمادي في الذنوب اعتماداً على سعة رحمة رب العالمين:

وهذا خطأ عظيم، فكما أن الله غفور رحيم فإنه شديد العقاب،( وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام: من الآية147).

خامساً: توبة الكذابين:
الذين يهجرون الذنوب هجراً مؤقتاً لمرض،أو عارض، أو مناسبة أو خوف،أو رجاء جاه، أو خوف سقوطه، أو عدم تمكُّن، فإذا أتتهم الفرصة رجعوا إلى ذنوبهم؛ فهذه توبة الكذابين، وليست بتوبة في الحقيقة.

ولا يدخل في ذلك من تاب، فحدثته نفسه بالمعصية، أو أغواه الشيطان بفعلها ثم فعلها، فندم وتاب؛ فهذه توبة صادقة، كما لا يدخل في ذلك الخطَرَاتُ ما لم تكن فعلاً متحققاً.





سادساً: الاغترار بإمهال الله للمسيئين:
وهذا من الجهل، ومما يصد عن التوبة، قال صلى الله عليه وسلم:( إذا رأيت الله_عز وجل_يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب؛ فإنما هو استدراج)ثم تلا قوله_عز وجل:(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(الأنعام:44-45) . أخرجه أحمد ورجاله ثقات.

قال ابن الجوزي رحمه الله:( فكـلُ ظالمٍ معاقبٌ في العاجل على ظلمه قبل الآجل، وكذلك كلُّ مذنبٍ ذنباً، وهو معنى قوله_تعالى_: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ)(النساء: من الآية123). وربما رأى العاصي سلامة بدنه، فظن أنْ لا عقوبة، وغفلته عما عوقب به عقوبة).

وقال:(الواجبُ على العاقل أن يحذرَ مغبةَ المعاصي؛ فإن نارها تحت الرماد، وربما تأخرت العقوبةُ، وربما جاءت مستعجلة).

وقال: (قد تبغت العقوبات، وقد يؤخرها الحلمُ، والعاقلُ من إذا فعل خطيئةً بادرها بالتوبة، فكم مغرور بإمهال العصاة لم يُمهل).


سابعاً: من الأخطاء في التوبة، اليأس من رحمة الله، واليأس من التوبة:

فبعض الناس إذا تمادى في الذنوب، أو تاب مرة أو أكثر ثم رجع إلى الذنب مرة أخرى_ أيس من رحمة الله، وهذا خطأ عظيم؛ لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

اللهم إنا نسألك التوبة النصوح، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #187  
قديم 20-02-2022, 06:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ




خواطر رمضانية
محمد إبراهيم الحمد


(9)




رَمَضَانْ شَهَر الصِلَة


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:


فإن رمضان شهر البر والصلة، وشهر التعاطف والمرحمة، فالقلوب تلين لذكر الله، والنفوس تستجيب لداعي الله، فلا ترى من جَرَّاء ذلك إلا أعمالاً زاكيات، وقرباً من ربّ الأرض والسماوات.

ولعل الحديث ههنا يدور حول صلة الرحم، وفضلها، والأمور المعينة عليها، لعل نفوسنا تنبعث إلى الصلة، وإلى مزيد منها، وتُقْصِر عن القطيعة، وتنأى عن أسبابها.
.



.
أيها الصائمون الكرام:

لقد تظاهرت نصوص الشرع في عظم شأن الصلة، وفضلها، والتحذير من قطيعتها، قال _تبارك وتعالى_:(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)(النساء: من الآية1) .

وقال_عز وجل_:(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد: 22-23) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع) رواه البخاري ومسلم، وقال سفيان في روايته: (يعني: قاطع رحم).

وقال صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى: قال فذلكِ لكِ)رواه البخاري ومسلم.

.


.
وهكذا يتبين لنا عظمُ شأن الصلة، وأنها شعار الإيمان بالله واليوم الآخر، وأنها سبب في بسط الرزق وطول العمر، وأنها تجلب صلةَ الله للواصل.

ثم إنها من أعظم أسباب دخول الجنة،وهي من أسباب تيسير الحساب،وتكفير الذنوب، وتعمير الديار، ودفعِ ميتة السوء.

وهي مما اتفقت عليه الشرائعُ السماوية، وأقرته الفطرُ السوية، كما أنها دليل على كرم النفس، وسعة الأفق، وطيب المنبت، وحسن الوفاء.

وصلة الرحم مدعاةٌ لرفعةِ الواصل، وسببٌ للذكر الجميل، وموجبةٌ لشيوع المحبة، وعزة المتواصلين.
.


.
أيها الصائمون:

صلةُ الأرحامِ ضدُّ القطيعة، وهي كنايةٌ عن الإحسان للأقربين من ذوي النسب، والأصهارِ.

وتكون بزيارتهم،وتَفَقُّدِ أحوالهم،والسؤالِ عنهم،والإهداءِ إليهم، والتصدُّق على فقيرهم، والتلطفِ مع وجيههم وغنيهم، وتوقيرِ كبيرهم، ورحمةِ صغيرهم.

وتكون باستضافتهم، وحسن استقبالهم، وإعزازهم،ومشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أتراحهم.
وتكون الصلة بالدعاء للأرحام، وسلامة الصدر لهم، والحرص على نصحهم، ودعوتهم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وإصلاح ذات البين إذا فسدت.

وهذه الصلة تستمر إذا كانت الرحم صالحةً مستقيمةً أو مستورةً.
أما إذا كانت الرحمُ كافرةً أو فاسقةً فتكون بالعِظَةِ والتذكير، وبذلِ الجهد في ذلك.
فإذا أعيته الحيلة في هدايتهم كأن يرى منهم عناداً، أو استكباراً، أو أن يخاف على نفسه أن يتردى معهم، ويهوي في حضيضهم _فَلْينأَ عنهم، وليهجرْهُمُ الهجرَ الجميل الذي لا أذى فيه بوجه من الوجوه، وليكثرْ من الدعاء لهم بالهداية.

وإن صادف منهم غرة، أو سنحت له لدعوتهم فرصةٌ فليُقْدِمْ، وليُعِدْ الكرَّة بعد الكرة.
.



.
أيها الصائمون:

ومع عظم شأن الصلة، إلا أن كثيراً من الناس مضيعون لهذا الحق، مفرِّطون فيه؛ فمن الناس من لا يعرف قرابَته بصِلة لا بالمال، ولا بالجاه، ولا بالخلق، تمضي الشهور، وربما الأعوام وهو ما قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بصلة أو هدية، ولا دفع عنهم حاجة أو ضرورة أو أذية، بل ربما أساء إليهم، وأغلظ في القول لهم.
ومن الناس من لا يشارك أقاربَه في أفراحهم، ولا يواسيهم في أتراحهم، ولا يتصدَّق على فقرائهم، بل تجده يقدم عليهم الأباعدَ في الصِّلات والصدقات.

ومِنَ الناس مَنْ يصل أقارِبَهُ إن وصلوه، ويقطعهم إن قطعوه، وهذا _في الحقيقة_ ليس بواصل، وإنما هو مكافئٌ للمعروف بمثله، وهو حاصل للقريب وغيره، والواصلُ _حقيقة_ هو الذي يتقي الله في أقاربه، فيصلهم لله سواء وصلوه أو قطعوه.
ومن مظاهر القطيعة: أن تجد بعض الناس _ممن آتاه الله علماً ودعوة_ يحرص على دعوة الأبعدين، ويغفل أو يتغافل عن دعوة الأقربين، وهذا لا ينبغي؛ فالأقربون أولى بالمعروف، قال الله _عز وجل_:(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214).



.


.
وإذا أمعنا النظر في أسباب قطيعة الأرحام وجدنا أنها تحدث لأسباب عديدة تحمل على القطيعة.

فمن تلك الأسباب: الجهلُ بعواقب القطيعة، والجهل بفضائل الصلة.

ومنها ضعفُ التقوى،والكبرُ،فبعضُ الناس إذا نال منصباً رفيعاً،أو حاز مكانة عالية، أو كان تاجراً،أو مشهوراً تكبر على أقاربه، وأَنِفَ من زيارتهم، والتودد إليهم.

ومن أسباب القطيعة:الانقطاعُ الطويلُ الذي يقود إلى الوحشة، واعتياد القطيعة.

ومنها: العتابُ الشديدُ، فبعضُ الناس إذا زاره أحدٌ من أقاربه؛ أمطر عليه وابلاً من التقريع والعتاب على تقصيره في حقه، وإبطائه في المجيء إليه؛ ومن هنا تحصل النفرة من ذلك الشخص، وتُوجَد الهيبةُ من المجيء إليه.

ومن أسباب القطيعة: التكلفُ الزائدُ، فهناك مِنَ الناس مَنْ إذا زاره أقاربه تكلَّف لهم أكثر من اللازم، وخسر الأموالَ الطائلةَ، وقد يكون _مع ذلك_ قليلَ ذاتِ اليد.

ومن هنا تجد أن أقاربه يُقْصِرُون عن المجيء إليه، خوفاً من إيقاعه في الحرج.
وفي مقابل ذلك تجدُ مَنْ إذا زاره أقاربهُ لم يهتمَّ بهم، ولم يصغ لحديثهم، وتراه لا يفرح بمقدمهم، ولا يستقبلهم إلا بكل تثاقل وبرود؛ مما يقلل رغبتهم في زيارته.

ومن الأسبابِ الحاملةِ على القطيعةِ: الشحُّ والبخلُ، فمن الناس من إذا رزقه الله مالاً أو جاهاً بَعُد من أقاربه، حتى لا يرهقوه بطلباتهم المتنوعة.

و من أعظم أسباب القطيعة: تأخيرُ قِسْمَةِ الميراث؛ فقد يكون بين الأقارب ميراثٌ لم يقسم، إما تكاسلاً منهم، أو قلةَ وفاقٍ فيما بينهم، وكلما تأخر قسم الميراث شاعت العداوة، وكثرت المشكلات، وزاد سوءُ الظن، وحلَّت القطيعة.

ومن أسباب القطيعة: الشركة بين الأقارب؛فكثيراً ما يشترك الإخوة أو غيرهم من الأقارب في مشروع أو شركة ما، دون أن يتفقوا على أسس ثابتة، ودون أن تقوم الشركة على الوضوح والصراحة،بل تقوم على المجاملة، والحياء، وإحسان الظن.

فإذا زاد الإنتاج، واتَّسعت دائرة العمل؛ دبّ الخلافُ، وساد البغي، ونـزغ الشيطان، وحدث سوءُ الظن، خصوصاً إذا كانوا من قليلي التقوى والإيثار، أو كان بعضهم مستبداً برأيه، أو كان أحد الأطراف أكثرَ جدية من صاحبه.
ومن هنا تسوء العلاقة، وتحل الفرقة، وربما وصلت بهم الحال إلى الخصومات في المحاكم؛ فيصبحون سُبَّةً لغيرهم: (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ)(صّ: من الآية24).

ومن أسباب القطيعة: الاشتغالُ بالدنيا، والطلاقُ بين الأقارب إذا لم يكن بإحسان، وبعدُ المسافة، والتكاسلُ عن الزيارة.


وقد يكون التقاربُ في المساكن بين الأقارب مسبباً للقطيعة بسبب ما يكون من التزاحم على الحقوق، وبسبب ما يحدث بين الأولاد من مشكلات قد تنتقل إلى الوالدين.

ومن الأسبابِ الحاملةِ على القطيعة: قلةُ التحمُّل، وقلةُ الصبرِ على الأقارب، ونسيانُهم في الولائم والمناسبات، فقد يُفَسَّر هذا النسيانُ بأنه تجاهلٌ واحتقار، فيقود ذلك الظن إلى الصرم والهجر.
.



.
أيها الصائمون:

فقد مرّ بنا _سالفاً_ حديث عن صلة الرحم وفضلها، وعن قطيعة الرحم، وصورها، والأسباب الحاملة عليها.
والحديث ههنا إكمال لما مضى، حيث سيدور حول
الأسباب المعينة على صلة الرحم؛

فهناك آداب يجدر بنا سلوكها مع الأقارب، وهناك أمور تعين على الصلة.

فمن ذلك: التفكرُ في الآثار المترتبة على الصلة؛ فإن معرفَة ثمراتِ الأشياء، واستحضارَ حُسْنِ عواقبها من أكبر الدواعي إلى فعلها، وتَمثُّلها، والسعي إليها.

وكذلك النظرُ في عواقب القطيعة، وتأمُلُ ما تجلبه من همٍّ، وغمٍّ، وحسرةٍ، وندامة، ونحوِ ذلك، فهذا مما يعين على اجتنابها، والبعد عنها.

ومما يعين على الصلة: الاستعانةُ بالله، وسؤالُه التوفيقَ، والإعانةَ على صلة الأرحام.

ومما يحسن سلوكه مع الأقارب: مقابلةُ إساءتهم بالإحسان، فهذا مما يبقي على الود، ويحفظ ما بين الأقارب من العهد، ويهون على الإنسان ما يلقاه من شراسة الأقارب؛ وقد أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصِلُهم ويقطعونني، وأُحْسِنُ إليهم ويسيئون إليّ، وأَحْلُم عنهم ويجهلون عليّ.

قال: (لئن كنت كما قلت؛ فكأنما تسفهم الملّ) رواه مسلم.

قال الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث: (وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكلَ الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن، بل ينالهم الإثمُ العظيمُ في قطيعتهِ، وإدخالِهم الأذى عليه.


وقيل معناه: إنك بالإحسان إليهم تخزيهم، وتحقِّرهم في أنفسهم؛ لكثرة إحسانك، وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف الملّ.

وقيل:ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم؛ والله أعلم) أ_هـ.

فهذا الحديث عزاءُ لكثير من الناس ممن ابتلوا بأقارب شرسين، يقابلون الإحسانَ بالإساءة، وفيه تشجيعٌ للمحسنين على أن يستمروا على طريقتهم المثلى؛ فإن الله معهم، وهو مؤيدهم، وناصرهم، ومثيبهم.
ومن جميل ما قيل في هذا المعنى قولُ المقنّعِ الكنديِّ يصف حالَه مع قرابته:
وإن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني عمِّي لَمُختلفٌ جِدّا

إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بزندهم *** قدحت لهم في كلِّ مكرمةٍ زندا
وإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومَهُمْ *** وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا

ولا أَحْمِل الحقدَ القديمَ عليهمُ *** وليس رئيسُ القومِ مَنْ يَحْمِلُ الحقدا
وأعطيهمُ مالي إذا كنت واجداً *** وإن قلّ مالي لم أكَلّفْهمُ رِفْدا
ومما يحسن فعله مع الأقارب:أن يقبل الإنسانُ أعذارَهم إذا أخطأوا واعتذروا.

ومن جميل ما يذكر في ذلك ما جرى بين يوسف _عليه السلام_ وإخوته، فلقد فعلوا به ما فعلوا، وعندما اعتذروا قَبِلَ عُذْرَهُم، وصَفَحَ عنهم الصفحَ الجميلَ، فلم يقرِّعْهم، ولم يوبِّخْهم، بل دعا لهم، وسأل الله المغفرة لهم.
بل يحسن بالإنسان أن يصفح عن أقاربه، وينسى معايبهم ولو لم يعتذروا، فهذا دليل سمو النفس، وعلو الهمة.

ومن جميل ما يذكر في ذلك قول القائل:

وحَسْبُكَ من ذلٍّ وسوءِ صنيعةٍ *** مناواةُ ذي القربى وإن قيل: قاطعُ

ولكنْ أواسيه وأنسى عيوبَه *** لِتُرْجِعَهُ يوماً إليَّ الرواجعُ
ولا يستوي في الحكِم عبدانِ: *** واصلٌ وعبدٌ لأرحامِ القرابةِ قاطعُ



ومما يحبب الإنسان لقرابته، ويدنيه منهم تواضُعُه ولينُ جانبه
مَنْ كان يَحْلُم أن يسودَ عشيرةً *** فعليه بالتقوى ولينِ الجانب

ويغضَّ طرفاً عن مساوي من أسـا *** منهم ويحلم عند جهل الصاحب
ومما يجمل فِعْلُه مع الأقارب: بذلُ المستطاعِ لهم من الخدمة بالنفس، أو الجاه، أو المال، وأن يدعَ المنةَ عليهم، ومطالبتَهم بالمثل،فالواصل ليس بالمكافئ،والعاقلُ الكريمُ يوطِّن نفسَه على الرضا بالقليل من الأقارب؛ فلا يستوفي حقه كاملاً، بل يقنع بالعفو وباليسير، حتى يستميلَ بذلك قلوب أقاربه، ويُبْقي على مودتهم.
إذا أنت لم تستبق ودّ صحابةٍ *** على دَخَنِ أكثرتَ بثَّ المعايبِ

ثم إن الأقارب يختلفون في أحوالهم،وطباعهم، ومنازلهم؛ فمنهم من يرضى بالقليل؛ فتكفيه الزيارةُ السنوية، والمكالمةُ الهاتفية، ومنهم من يرضى بطلاقة الوجه، والصلة بالقول، ومنهم من يعفو عن حقه كاملاً، ويلتمس المعاذير لأرحامه، ومنهم من لا يرضى إلا بالزيارة المستمرة، وبالملاحظة الدائمة؛ فمعاملتهم بهذا المقتضى تعين على الصلة، واستبقاء المودة.

ومما يغري بالصلة تركُ التكلف مع الأقارب،ورفعُ الحرج عنهم،وتجنبُ الشدة في عتابهم، فإذا علموا بذلك عن شخص قريب لهم انبعثوا إلى زيارته، وصلته.
.


.
ومن أجملِ الآدابِ التي ينبغي سلوكُها مع الأقارب تَحَمُّلُ عتابِهم، وحَمْلُه على أحسن المحامل، فهذا أدب الفضلاء، ودأب النبلاء ممن تمت مروءتهم، وكملت أخلاقهم، وتناهى سؤددهم، ممن وسِعوا الناس بحلمهم، وحسن تربيتهم، وسعة أفقهم؛ فإذا عاتبهم أحدٌ من الأقارب، وأغلظ عليهم؛ لتقصيرهم في حقه _لم يثرّبوا عليه، ولم يُجاروه في عتابه، بل يتلطّفون به، ويحملون عتابه على المحمل الحسن؛ فيرون أن هذا المعاتبَ محبٌ لهم،حريصٌ على مجيئهم،ويشعرونه بذلك، ويشكرونه، ويعتذرون إليه، حتى تَخِفَّ حِدَّتُه، وتهدأ ثورته؛ فبعضُ الناس يُقَدِّر ويحب، ولكنه لا يستطيعُ التعبيرَ عن ذلك إلا بكثرة اللوم والعتاب.
والكرامُ يحسنون التعامل مع هؤلاء،ولسانُ حالهم يقول: لو أخطأت في حُسْنِ أسلوبك ما أخطأتَ في حسن نيتك.

ومما يَحسن سلوكُه مع الأقارب: أن يعتدل الإنسانُ في مزاحه مع أقاربه، وأن يتجنَّب الخصامَ، وكثرةَ الملاحاةِ والجدالَ العقيمَ معهم؛ ذلك أن مجالسَ الأقاربِ كثيرةٌ، واجتماعاتِهم عديدةٌ متكررةٌ، واللائق بالعاقل أن يداريَهم، وأن يبتعدَ عن كلِّ ما مِنْ شأنهِ أن يكدرَ صفو الودادِ معهم.

وإذا اشَعُرَ بأن واحداً من الأقارب قد حَمَل في نفسه مُوْجِدَةً أو موقفاً _فليبادر إلى الهدية؛ فالهدية تجلب المودة، وتكذِّب سوء الظن، وتستل سخائمَ القلوب.
ومما يعين على الصلة: أن يستحضر الإنسانُ أن أقاربَه لُحْمَةٌ مِنْه؛ فلا بد له منهم، ولا فِكَاكَ لـه عنهم، فعزُّهم عزٌّ له، وذُلُّهم ذلٌّ له، والرابح في معاداة أقاربه خاسر، والمنتصر مهزوم.



ومما يحسن بالإنسان أن يحرص عليه كلَّ الحرص تَذَكُّرُ قراباته في المناسبات والولائم.
ومن الطرق المجدية: أن يسجِّل أسماء أقارِبِه، وأرقامَ هواتِفهم، ثم يحفظها عنده؛ حتى يستحضرهم جميعاً، ويتصلَ بهم إما مباشرة،أو عبر الهاتف، أو غير ذلك.

ثم إذا نسي أحداً منهم فليذهبْ إليه، وليعتذرْ منه، ولْيَسْعَ في تطييب قلبه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

ومما يحسن بالأقارب:أن يَسْعوا إلى إصلاح ذات البين،إذا فسدت بين بعضهم، وأن تكونَ لهم اجتماعاتٌ دوريةٌ سنويةً كانت أو شهريةً، أو نحو ذلك، وأن يكون هناك دليل خاص،يحتوي على أرقام هواتف القرابة، يقوم بعض الأفراد بإعداده، وطبعه وتوزيعه؛ فهذا الصنيع يعين على الصلة، ويذكر المرء بأقاربه، إذا أراد السلام عليهم، أو دعوتهم.

ومما يحسن فعلُه في هذا الصدد، أن يكون للقرابة صندوقٌ تُجْمَع فيه تبرعاتُ الأقارب واشتراكاتهم، ويشْرِفُ عليه بعض الأفراد، فإذا ما احتاج أحدٌ من الأسرة مالاً لزواج، أو نازلة أو غير ذلك _قاموا بدراسة حاله، ورفدوه بما يستحق؛ فهذا مما يولد المحبة بين الأقارب.

ومما يحسن بالأقارب إذا كان بينهم ميراثٌ أن يعجِّلوا قِسْمَتَهُ؛ حتى يأخذ كلُّ واحدٍ نصيبَه، لئلا تكثر المطالباتُ والخصومات، ولأجل أن تكون العلاقةُ بين الأقارب خالصةً صافيةً من المكدارت.

وإذا كان بين بعض الأقارب شَرِكة في أمر ما؛ فليحرصوا كلَّ الحرص على الوئام التام، والاتفاق في كل الأمور، وأن تسودَ بينهم روحُ المودةِ، والإيثارِ، والشورى، والرحمةِ، والصدقِ، وأن يحبَّ كلُّ واحدٍ منهم لأخيه ما يحبه لنفسه، وأن يعرف كلُّ طرفٍ ما له وما عليه.
كما يحسن بهم أن يناقشوا المشكلاتِ بمنتهى الوضوح، والصراحة بعيداً عن المجاملة والمراوغة،والمواربة، وأن يحرصوا على الإخلاص في العمل، وأن يتغاضى كلٌّ منهم عن صاحبه.

ويجمل بهم أن يكتبوا ما يتفقون عليه، فإذا كانت هذه حَالَهم أيسَ الشيطان منهم، وسادت بينهم المودة، ونـزلت عليهم الرحمة، وحلَّت عليهم بركات الشركة.
وأخيراً: يراعى في صلة الأرحام أن تكون الصلةُ قربةً لله، خالصة لوجهه الكريم، وأن تكون تعاوناً على البر والتقوى، لا يقصد بها حمية الجاهلية.

اللهم اجعلنا من الواصلين، وأعذنا من القطيعة يا رب العالمين.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #188  
قديم 20-02-2022, 06:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نظرات على صيام الصالحين

نظرات على صيام الصالحين

سادات الصائمين
(1 - 12)



(7) صوم عبدالله بن عمرو بن العاص:
صاحب الصيام والقيام، "الإمام الحبر العادل"، "له مناقب وفضائل ومقام راسخ في العلم والعمل"[33].

عن عبدالله بن عمرو قال: "أنكحني أبي امرأةً ذاتَ حسب، فكان يتعاهد كَنَّتَه، فيسألها عن بعلها، فتقول: نِعمَ الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشًا، ولم يفتش لنا كنفًا مذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((القَنِي به))، فلقيته بعدُ، فقال: ((كيف تصوم؟)) قلت: كل يوم، قال: ((وكيف تختم؟)) قلت: كل ليلة، قال: ((صم في كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر))، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: ((صم ثلاثة أيام في الجمعة))، قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: ((أفطر يومين، وصم يومًا))، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: ((صم أفضل الصوم صومَ داود، صيام يوم وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة))، فليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذاك أني كبرت، وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه يعرضه من النهار ليكون أخف عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أيامًا، وأحصى وصام أيامًا مثلهن كراهية أن يترك شيئًا، فارق النبي - صلى الله عليه وسلم عليه -[34].

وعند النسائي قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: ((اقرأه في عشرين))، قلت: دعني أستمتع؛ قال: ((اقرأه في سبع ليالي))، قلت: دعني، يا رسول الله، أستمتع، قال: فأبى[35].

وصحَّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نازله إلى ثلاث ليال ونهاه أن يقرأ في أقل من ثلاث[36].

وعند أحمد عن عبدالله بن عمرو: "زوجني أبي امرأة من قريش، فلما دخلت علي جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة، فجاء أبي إلى كنفه، فقال: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير رجل من رجل لم يتفش لنا كنفًا، ولم يقرب لنا فراشًا، قال: فأقبل علي، وعضني بلسانه، ثم قال: أنكحتك امرأة ذات حسب، فعضلتها وفعلت، ثم انطلق، فشكاني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فطلبني فأتيته، فقال لي: ((أتصوم النهار وتقوم الليل؟)) قلت: نعم، قال: ((لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))[37].

عن عبدالله بن عمرو قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيتي هذا، فقال: ((يا عبدالله، ألم أخبر أنك تكلفت قيام الليل وصيام النهار؟)) قلت: إني لأفعل، فقال: ((إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام؛ فالحسنة بعشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله))، قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة، وإني أحب أن تزيدني، فقال: ((فخمسة أيام))، قلت: إني أجد قوة، قال: ((سبعة أيام))، فجعل يستزيده، ويسزيده حتى بلغ النصف، وأن يصوم نصف الدهر، ((إن لأهلك عليك حقًّا، وإن لعبدك عليك حقًّا، وإن لضيفك عليك حقًّا))، وكان بعدما كبر وسن يقول: ألا كنت قبلت رخصة النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي من أهلي ومالي[38].

قال الذهبي: هذا السيد العابد الصاحب كان يقول – لما شاخ -: ليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرضي الله عن صاحب الصيام والقيام الذي زم نفسه في تعبُّده وورده بالسنة النبوية.

(8) صوم عبدالله بن عمر:

"الإمام القدوة شيخ الإسلام"[39]، المتعبد المتهجِّد، يكفيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل))[40]، وقوله: ((إن عبدالله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل))[41].

قال عنه نافع: "كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر"[42].عن سعيد بن جبير قال: لما احتضر ابن عمر، قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا، يعني الحجاج[43].


يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #189  
قديم 22-02-2022, 05:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر رمضانية__الشيخ / محمد إبراهيم الحمد

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ


(10)



رَمَضَانْ شَهَر السَخَاءِ والجُوُد


الحمد لله الكريم الوهاب، والصلاة والسلام على من أنـزل إليه خير كتاب، أما بعد:




فإن رمضانَ شهرُ الجود، وشهر السخاء؛ فالنفوس في هذا الشهر تقترب من مولاها، وتنبعث إلى ما يزكيها ويطهرها من شحها،( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر: من الآية9).

ولقد جاء في الصحيحين عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل في كل ليلة، فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة).
هكذا وصف حال النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا ينبغي للمسلم أن يكون(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب: من الآية21).
.



.
أيها الصائمون الكرام:
للصدقة والسخاء فضائلُ، لا تُحصى كثرة؛ فالصدقة تطفئ غضبَ الرب، وتدفعُ ميتةَ السوء، وتدل على الإيمان بالله، والثقة به، وإحسان الظن به _عز وجل_.

والصدقة دليل على الرحمة، والشعور بالآخرين، كما أنها سبب لتيسير الأمور، وتفريج الكربات، وإعانة الرب _جل وعلا_ فالله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه.
والصدقة مدعاة لزيادة المال، ونـزول الخيرات، وحلول البركات، وهي سبب للاستظلال في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، كما أن لها تأثيراً في دفع البلايا.

قال ابن القيم رحمه الله: (وللصدقة تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر، أو ظالم، بل من كافر، وهذا أمر معلوم عند الناس، وأهل الأرض مُقِرُّون بذلك)ا_هـ.

والصدقة تشرح الصدر، وتفرح النفس.

قال ابن القيم رحمه الله: (المتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح لهـا صدره، وقوي فرحه، وعظم سروره.

ولو لم يكن في الصدقة إلا هـذه الفائدة لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها، والمبادرة إليها).

.



.
أيها الصائمون الكرام:

ومن فضائل الصدقة: أنها سبب للخلف من الله _ عز وجل_قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما من يوم يصبح فيه العباد، إلا وملكان ينـزلان فيقول أحدهما:اللهم أعط منفقاً خلفاً،ويقول الآخر:اللهم أعط ممسكاً تلفاً) متفق عليه.

ثم إن للسخاء أثراً في صيانة الأعراض، ونباهة الذكر، وائتلاف القلوب، وتأكيد رابطة الإخاء.
وللسخاء أثرٌ في القضاء على كثير من الأخلاق المرذولة، كالحسد من الفقراء للأغنياء، وكالكبر من الأغنياء على الفقراء.

وللسخاء أثرٌ في ستر العيوب، قال الشافعي رحمه الله:



وإنْ كثرت عيوبُكَ في البرايا *** وَسرَّك أن يكون لها غطاءُ

تَسَتَّرْ بالسخـاء فكلُّ عيبٍ *** يُغَطِّيه كما قيل السخـاءُ
.



.

ثم إن السخيَّ قريبٌ من الله، ومن خلق الله، ومن الجنةِ، والبخيلُ بعكس ذلك.

والسخاءُ مُتَّصِل بفضائلَ أخرى؛ فالسخيُّ في أغلب أحواله يأخـذ بالعفو، ويتحلّى بالحلم، ويجري في معاملاته على الإنصاف، ويؤدي حقوقَ الناسِ من تلقاء نفسه.
ولتجدنّ السخيَّ بحق متواضعاً، لا يطيش به كبر، ولا تستخفه خيلاء، ولتجدنَّه أقربَ الناس إلى الشجاعة وعزة النفس؛ وإنما يخسر الإنسانُ الشجاعةَ والعزةَ بشدَّة حرصه على متاع الحياة الدنيا.

ولقد جَرَتْ سُنةُ اللهِ بأن السخيَّ بحقٍّ يفوز بالحياة الطيبة، ولا تكون عاقبتُه إلا الرعايةَ من الله والكرامة؛فلما كان رحيماً بالفقراء،والمساكين،والمحتاجين،حريصاً على إسعادهم، وإدخال السرور والبهجة على نفوسهم_ كان جزاؤه من جنس عمله.

هذا، وإن السخاء ليس مقتصراً على بذل المال فحسب، بل إن مفهومَه أوسعُ، وصورَهُ أعمُّ وأشمل.
.



.
فمن صور السخاء: أن يكونَ للإنسان دَيْنٌ على آخر؛ فيطرحَه عنه، و يُخْلِيَ ذمته منه، وهو يستطيع الوصول إليه، دون عناء ولا تعب.

كان قيسُ بنُ سعدِ بنِ عبادة _رضي الله عنهما- من الأجواد المعروفين، حتى إنه مرض مرة، فاستبطأ إخوانه في العيادة، فسأل عنهم فقيل له: إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي: من كان لقيس عليه مالٌ فهو منه في حِل؛ فما أمسى حتى كُسِرتْ عتبةُ بابِه من كثرة من عاده.

ويدخل في قبيل الأسخياء مَنْ يستحق على عمل أجراً؛ فيترك الأجر من تلقاء نفسه.

ويدخل في قبيلهم مَنْ يسعى في قضاء حوائج الناس، وتفريج كرباتهـم، فعـن الحسن رحمه الله قال: (لأنْ أقضيَ حاجةَ أخٍ لي أحبُّ إلي من أن أعتكفَ سنة).

وقيل لابن المنكدر رحمه الله:(أي الأعمال أحب إليك؟ قال: إدخال السرور على المؤمن، وقيل: أي الدنيا أحب إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان).

وقال الشافعي رحمه الله:

وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورى رجلٌ *** تُقضى على يدهِ للناسِ حاجاتُ


.



.
ويدخل في السخاء سخاوة الإنسان بجاهه؛ بحيث يبذله في سبيل الخير، والشفاعات الحسنة: من إحقاق حق، ونُصْرِة مظلوم، وإعانة ضعيف، ومَشْيٍ مع الرجل إلى ذي سلطان، قال_تعالى_: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا)(النساء: من الآية85).

وقال صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا)رواه البخاري ومسلم.

ومن السخاءِ سخاءُ الإنسان برياسته؛ فيحمله سخاؤه على امتهانها، والإيثار في قضاء حاجات الملتمس.

ومن السخاءِ سخاءُ الإنسانِ براحته، ووقته، ونصحه؛ في سبيل نفع الناس.

ومن أعلى مراتبِ السخاء سخاءُ الإنسان بالعلم؛ فذلك أشرف من السخاء بالمال.

ومن السخاءِ سخاءُ الإنسانِ بِعرِضه؛ بحيث يعفو ويصفح عمن ناله بسوء.. مر الشعبيُّ رحمه الله بقوم يذكرونه بسوء، فتمثَّل بقول كُثَيِّر عزةَ:

هنيئاً مريئاً غيرَ داءٍ مخامرٍ *** لِعَزَّةَ من أعراضنا ما استحلتِ

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةً *** لدينا ولا مقليةً إن تقلَّتِ
.



.
وفي هذا السخاءِ من سلامة الصدر،وراحة القلب،والتخلُّص من معاداة الخلق ما فيه.

ومن السخاءِ السخاءُ بالصبر، والاحتمال، والإغضاء، وهي مرتبةٌ شريفةٌ لا يقدر عليها إلا النفوسُ الكبار.

ومن السخاءِ السخاءُ بالخلق، والبشر، والتبسم، والبشاشة، والبسطة، ومقابلة الناس بالطلاقة؛ فذلك فوق السخاء بالصبر، والاحتمال، والعفو، وهذا هو الذي بلغ بصاحبه درجةَ الصائم القائم، وهو أثقلُ ما يوضع في الميزان، وفيه من أنواع المسارّ والمنافع والمصالح ما فيه.

يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:

وإني لأكسو الخلَّ حُلَّةَ سُندسٍ *** إذا ما كساني من ثياب مداده

ويدخل في السخاء حَضُّ الناس على الخير، ودِلالتهم على وجوهه، وشُكْرُ الأسخياءِ، والدعاءُ لهم.

ومن صور السخاء الخفية المحمودة سخاء النفس بترفُّعها عن الحسد، وحبِّ الاستئثار بخصال الحمد، وذلك بأن يحب المرء لإخوانه ما يحبه لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، فيفتح لهم المجالات، ويعطيهم فرصة للإبداع، والحديث، والمشاركة، ونحو ذلك؛ فيفرح لنجاحهم، ويحزن لإخفاقهم؛ فهذه من الصور الخفية للسخاء، وقلَّ من يتفطَّن لها، ويأخذ نفسه بها.
ومن جميل السخاءِ سخاءُ المرء عما في أيدي الناس، فلا يلتفت إليه، ولا يستشرف له بقلبه، ولا يتعرَّض له بحاله ولسانه.
وأروع ما في السخاء، سخاء المرء بنفسه، وأروع ما في ذلك ما كان في سبيل الله _عز وجل_.
.



.
أيها الصائمون الكرام:
يتفاضل الناس بالسخاء، على قدر هممهم، وشرف نفوسهم.

فيتفاضلون من جهة الإنفاق؛ فالذي ينفق في السر أكمل من الذي لا ينفق إلا في العلانية.
ويتفاضلون من جهة استصغارِ ما يُنْفَق واستعظامِه؛ فالذي ينفق في الخير، وينسى أو يتناسى أنه أنفق، هو أسخى ممن ينفق ثم لا يزال يذكر ما أنفق، ولا سيما إذا كان في معرض الامتنان.
ويتفاضل الناس في السخاء من جهة السرعة إلى البذل، والتباطؤ فيه؛ فمن يبذل المال لذوي الحاجة لمجرد شعوره بحاجتهم، يَفْضُل مَنْ لا يبذل إلا بعد أن يسألوه.

ومن يقصد بالبذل موضع الحاجة _عرفه أو لم يعرفه_ يكون أسخى ممن يَخُصُّ بالنوال من يعرفهم ويعرفونه.

ومن يعطي عن ارتياحٍ، وتلذُّذٍ بالعطاء يعد أسخى ممن يحسن وفي نفسه حرجٌ.

ومن علامات الرسوخ في السخاء ملاقاةُ السائلين بأدب وحفاوة؛ حتى يحفظ عليهم عزتهم.

وأبلغ ما يدل على أصالة الرجل، ورسوخ قدمه في فضيلة السخاء _أن يرقَّ عطفُه، حتى يبسط إحسانه إلى ذي الحاجة، وإن كان من أعدائه؛ فذلك من كِبَر النفس، وضروب العزة، والترفع عن العداوات.

ومن علامات الرسوخ في السخاء أن يتألمَ المرءُ، وأن يتأسف أشد الأسف إذا سئل شيئاً وهو غيرُ واجدٍ له، قال الشافعي رحمه الله:

إن اعتذاري لمن قد جاء يسألني *** ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات



ومن الأسخياء من تَسْمُو به الحال، فيرى أن الفضل والمنَّة إنما هي لمن جاء يستجديه ويسأله؛ حيث أحسن الظنَّ به، وتكرَّم عليه؛ فهذا من غرائب السخاء.

ينسب لابن عباس _رضي الله عنهما_ أنه قال:

إذا طارِقَاتُ الهمِّ ضَاجعت الفتى *** وأعْمل فكرَ الليلِ والليلُ عاكرُ

وباكرني في حاجة لم يجدْ بها *** سواي ولا مِنْ نكبة الدهرِ ناصرُ
فَرَجتُ بمالي همَّهُ من مقامه *** وزايله همٌّ طروقٌ مسامرُ
وكان له فضل عليَّ بظنه *** بي الخير إني للذي ظنَّ شاكرُ
وأرفع درجات السخاء أن يكون الإنسان في حاجة ملحَّة إلى ما عنده؛ فيدع حاجته، ويصرف ما عنده في وجوه الخير؛ وذلك ما يسمى بالإيثار.



اللهم قنا شح أنفسنا، واجعلنا من المفلحين، وصلِّ اللهم وسلم على خاتم المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #190  
قديم 22-02-2022, 05:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نظرات على صيام الصالحين

نظرات على صيام الصالحين

سادات الصائمين
(1 - 12)
الشيخ سيد حسين العفاني




(9) صوم أبي أمامة الباهلي:


صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة: "أنشأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشًا فأتيته، فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، قال: ((اللهم، سلِّمْهم وغنمهم))، فغزونا، فسلِمْنا وغنمنا، حتى ذكر ذلك ثلاث مرات، قال: ثم أتيته، فقلت: يا رسول الله، إني أتيتك تترى ثلاث مرات، أسألك أن تدعو لي بالشهادة، فقلت: ((اللهم سلمهم وغنمهم))، فسلِمْنا وغنمنا، يا رسول الله، فمرني بعمل أدخل به الجنة، فقال: ((عليك بالصوم؛ فإنه لا مثل له))، قال: فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهارًا إلا إذا نزل بهم ضيف، فإذا رأوا الدخان نهارًا عرفوا أن قد اعتراهم ضيف"[44].

وعن أمامة: فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يلفون إلا صيامًا[45].

قال الذهبي: ولأبي أمامة كرامة باهرة جزع هو منها، وهي في كرامات الدَّاكالي وأنه تصدق بثلاثة دنانير، فلقي تحت كراجته ثلاث مئة دينار[46].

وفي "تاريخ الذهبي" (3/315) عن مولاة لأبي أمامة، قالت: "كان أبو أمامة يحب الصدقة، ولا يقف به سائل إلا أعطاه، فأصبحنا يومًا وليس عنده إلا ثلاثة دنانير، فوقف به سائل، فأعطاه دينارًا ثم آخر فكذلك، ثم آخر فكذلك، قلت: لم يبق لنا شيء، ثم راح إلى مسجده صائمًا، فرققت له واقترضت له ثمن عشاء، وأصلحت فراشه، فإذا تحت المرفقة ثلاثمائة دينار، فلما دخل ورأى ما هيأت له، حمد الله وابتَسَم، وقال: هذا خير من غيره، ثم تعشَّى، فقلت: يغفر الله لك جئت بما جئت به، ثم تركته بموضع مضيعة، قال: و ما ذاك؟ قلت: الذهب، ورفعت المرفقة، ففزع لما رأى تحتها، وقال: ما هذا ويحك؟ قلت: لا علم لي، فكثر فزعه".

(10) صوم عبدالله بن الزبير:


أمير المؤمنين ابن الحواري عائذ ببَيْت الله، المشاهد في القيام، المواصِل للصيام.

قال الذهبي: عدُّوه في صغار الصحابة، وإن كان كبيرًا في العلم والشرف والجهاد والعبادة.

قالت عنه أسماء بنت أبي بكر: إنه قوَّام الليل، صوَّام النهار، وكان يُسمَّى حمامة المسجد[47].

عن ابن أبي مليكة قال: "كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ويصبح في اليوم السابع وهو ألْيَثُنَا"[48].

لقد كان ابن الزبير مع ملكه صنفًا في العبادة[49].

وقال ابن عمر، وقد رآه مصلوبًا: "السَّلاَمُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ، إِنْ كُنْتَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولاً لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ لأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لأُمَّةٌ خَيْرٌ"[50].

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 240.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 234.58 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]