|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 61 الى صـ 66 الحلقة (11) [ ص: 61 ] وَقَالَ فِي صِفَتِهِمْ "فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ" لِأَنَّهُمْ قَدْ رَأَوْا فِي ضَوْءِ النَّارِ ، وَأَبْصَرُوا الْهُدَى ، فَلَمَّا طَفِئَتْ عَنْهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا إِلَى مَا رَأَوْا وَأَبْصَرُوا . وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ" وَلَمْ يَقُلْ : ذَهَبَ نُورُهُمْ ، وَفِيهِ سِرٌّ بَدِيعٌ : وَهُوَ انْقِطَاعُ سِرِّ تِلْكَ الْمَعِيَّةِ الْخَاصَّةِ - الَّتِي هِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ - مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَ : إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ فَذَهَابُ اللَّهِ بِذَلِكَ النُّورِ : انْقِطَاعُ الْمَعِيَّةِ -الَّتِي خَصَّ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ- فَقَطَعَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ -بَعْدَ ذَهَابِ نُورِهِمْ- ، وَلَا مَعَهُمْ ، فَلَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ : لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [ ص: 62 ] وَلَا مِنْ : كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى : أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ كَيْفَ جَعَلَ ضَوْءَهَا خَارِجًا عَنْهُ ، مُنْفَصِلًا ، وَلَوِ اتَّصَلَ ضَوْؤُهَا بِهِ ، وَلَابَسَهُ ، لَمْ يَذْهَبْ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ ضَوْءَ مُجَاوَرَةٍ لَا مُلَابَسَةٍ وَمُخَالَطَةٍ ، وَكَانَ الضَّوْءُ عَارِضًا وَالظُّلْمَةُ أَصْلِيَّةً ، فَرَجَعَ الضَّوْءُ إِلَى مَعْدِنِهِ ، وَبَقِيَتِ الظُّلْمَةُ فِي مَعْدِنِهَا ، فَرَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى أَصْلِهِ اللَّائِقِ بِهِ : حُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ قَائِمَةٌ ، وَحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ، تَعَرَّفَ بِهَا إِلَى أُولِي الْأَلْبَابِ مِنْ عِبَادِهِ . وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى : ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ بِنَارِهِمْ ، لِيُطَابِقَ أَوَّلَ الْآيَةِ ، فَإِنَّ النَّارَ فِيهَا إِشْرَاقٌ وَإِحْرَاقٌ : فَذَهَبَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْإِشْرَاقِ -وَهُوَ النُّورُ- وَأَبْقَى عَلَيْهِمْ مَا فِيهَا مِنَ الْإِحْرَاقِ -وَهُوَ النَّارِيَّةُ- وَتَأَمَّلْ كَيْفَ قَالَ "بِنُورِهِمْ" وَلَمْ يَقُلْ : بِضَوْئِهِمْ مَعَ قَوْلِهِ "فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ"- لِأَنَّ الضَّوْءَ هِيَ زِيَادَةٌ فِي النُّورِ ؛ فَلَوْ قِيلَ : ذَهَبَ اللَّهُ بِضَوْئِهِمْ ، لَأَوْهَمَ الذَّهَابَ بِالزِّيَادَةِ فَقَطْ دُونَ الْأَصْلِ ؛ فَلَمَّا كَانَ النُّورُ أَصْلَ الضَّوْءِ ، كَانَ الذَّهَابُ بِهِ ذَهَابًا بِالشَّيْءِ وَزِيَادَتِهِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّفْيِ عَنْهُمْ ، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الظُّلُمَاتِ الَّذِينَ لَا نُورَ لَهُمْ ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى كِتَابَهُ (نُورًا) ، وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نُورًا) ، وَدِينَهُ (نُورًا) ، وَهُدَاهُ (نُورًا) ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ (النُّورُ) ، وَالصَّلَاةُ (نُورٌ) ؛ فَذَهَابُهُ سُبْحَانَهُ بِهِمْ : ذَهَابٌ بِهَذَا كُلِّهِ ، وَتَأَمَّلْ مُطَابَقَةَ هَذِهِ الْمُثُلِ - لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ : أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ كَيْفَ [ ص: 63 ] طَابَقَ هَذِهِ التِّجَارَةَ الْخَاسِرَةَ ، الَّتِي تَضَمَّنَتْ هَوْلَ الضَّلَالَةِ وَالرِّضَاءَ بِهَا ، وَبَدَّلَ الْهُدَى فِي مُقَابَلَتِهَا ، وَهَوْلَ الظُّلُمَاتِ - الَّتِي هِيَ الضَّلَالَةُ وَالرِّضَاءُ بِهَا - بَدَلًا عَنِ النُّورِ - الَّذِي هُوَ الْهُدَى وَالنُّورُ - فَبَدَّلُوا الْهُدَى وَالنُّورَ ، وَتَعَوَّضُوا عَنْهُ بِالظُّلْمَةِ وَالضَّلَالَةِ ، فَيَا لَهَا مِنْ تِجَارَةٍ مَا أَخْسَرَهَا ، وَصَفْقَةٍ مَا أَشَدَّ غَبْنَهَا . وَتَأَمَّلْ كَيْفَ قَالَ تَعَالَى : ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ فَوَحَّدَهُ ثُمَّ قَالَ : وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ فَجَمَعَهَا . فَإِنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ : هُوَ صِرَاطُ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمُ - الَّذِي لَا صِرَاطَ يُوَصِّلُ إِلَيْهِ سِوَاهُ - وَهُوَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، بِمَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا بِالْأَهْوَاءِ ، وَالْبِدَعِ ، وَطُرُقِ الْخَارِجِينَ عَنْ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ - ، بِخِلَافِ طُرُقِ الْبَاطِلِ ; فَإِنَّهَا مُتَعَدِّدَةٌ مُتَشَعِّبَةٌ . وَلِهَذَا ، يُفْرِدُ ، سُبْحَانَهُ ، الْحَقَّ ، وَيَجْمَعُ الْبَاطِلَ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ وَقَالَ تَعَالَى : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ فَجَمَعَ سُبُلَ الْبَاطِلِ ، وَوَحَّدَ سَبِيلَ الْحَقِّ ، وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا قَوْلَهُ : يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ فَإِنَّ تِلْكَ هِيَ طُرُقُ مَرْضَاتِهِ الَّتِي يَجْمَعُهَا سَبِيلُهُ الْوَاحِدُ ، وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ ، فَإِنَّ طُرُقَ مَرْضَاتِهِ كُلَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صِرَاطٍ وَاحِدٍ ، وَسَبِيلٍ وَاحِدٍ ، وَهِيَ سَبِيلُهُ الَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْهَا . وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَّ خَطًّا مُسْتَقِيمًا ، وَقَالَ : « هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ » . [ ص: 64 ] ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ، وَقَالَ : « هَذِهِ سُبُلٌ ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ » ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذَا مَثَلٌ لِلْمُنَافِقِين َ ، وَمَا يُوقِدُونَهُ مِنْ نَارِ الْفِتْنَةِ الَّتِي يُوقِعُونَهَا بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى "ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ" مُطَابِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى "أَطْفَأَهَا اللَّهُ" وَيَكُونُ تَخْيِيبُهُمْ ، وَإِبْطَالُ مَا رَامُوهُ ، هُوَ : تَرْكَهُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْحَيْرَةِ ، لَا يَهْتَدُونَ إِلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا وَقَعُوا فِيهِ ، وَلَا يُبْصِرُونَ سَبِيلًا ؛ بَلْ هُمْ "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ" . وَهَذَا التَّقْدِيرُ - وَإِنْ كَانَ حَقًّا - فَفِي كَوْنِهِ مُرَادًا بِالْآيَةِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ السِّيَاقَ إِنَّمَا قُصِدَ لِغَيْرِهِ ، وَيَأْبَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى "فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ" وَمَوْقِدُ نَارِ الْحَرْبِ لَا يُضِيءُ مَا حَوْلَهُ أَبَدًا ، وَيَأْبَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَمَوْقِدُ نَارِ الْحَرْبِ لَا نُورَ لَهُ ، وَيَأْبَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمُ انْتَقَلُوا مِنْ نُورِ الْمَعْرِفَةِ وَالْبَصِيرَةِ ، إِلَى ظُلْمَةِ الشَّكِّ وَالْكُفْرِ . [ ص: 65 ] قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ : هُوَ الْمُنَافِقُ أَبْصَرَ ثُمَّ عَمِيَ ، وَعَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ . وَلِهَذَا قَالَ : فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ أَيْ : لَا يَرْجِعُونَ إِلَى النُّورِ الَّذِي فَارَقُوهُ . وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ : صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ فَسَلَبَ الْعَقْلَ عَنِ الْكُفَّارِ - إِذْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبَصِيرَةِ وَالْإِيمَانِ -وَسَلَبَ الرُّجُوعَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ -لِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا -فَلَمْ يَرْجِعُوا إِلَى الْإِيمَانِ . فَصْلٌ ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ ، سُبْحَانَهُ ، لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ مَائِيًّا ، فَقَالَ تَعَالَى : أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ فَشَبَّهَ نَصِيبِهِمْ - مِمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ النُّورِ وَالْحَيَاةِ بِنَصِيبِ الْمُسْتَوْقِدِ النَّارِ الَّتِي طَفِئَتْ عَنْهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا ، وَذَهَبَ نُورُهُ ، وَبَقِيَ فِي الظُّلُمَاتِ حَائِرًا ، تَائِهًا ، لَا يَهْتَدِي سَبِيلًا ، وَلَا يَعْرِفُ طَرِيقًا ؛ وَبِنَصِيبِ أَصْحَابِ الصَّيِّبِ -وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يُصَوَّبُ ; (أَيْ يَنْزِلُ) مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ - فَشَبَّهَ الْهُدَى - الَّذِي هَدَى بِهِ عِبَادَهُ - بِالصَّيِّبِ ، لِأَنَّ الْقُلُوبَ تَحْيَى بِهِ حَيَاةَ الْأَرْضِ بِالْمَطَرِ ، وَنَصِيبُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ هَذَا الْهُدَى ، بِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ نَصِيبٌ مِنَ الصَّيِّبِ إِلَّا ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ. وَلَا نَصِيبَ لَهُ - فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ - مِمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصَّيِّبِ - مِنْ حَيَاةِ الْبِلَادِ ، وَالْعِبَادِ ، وَالشَّجَرِ ، وَالدَّوَابِّ ؛ وَأَنَّ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ الَّتِي فِيهِ ، وَذَلِكَ الرَّعْدَ ، وَالْبَرْقَ ، مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى كَمَالِ الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ الصَّيِّبِ . فَالْجَاهِلُ - لِفَرْطِ جَهْلِهِ - يَقْتَصِرُ عَلَى الْإِحْسَاسِ بِمَا فِي الصَّيِّبِ مِنْ ظُلْمَةٍ وَرَعْدٍ وَبَرْقٍ وَلَوَازِمِ ذَلِكَ مِنْ بَرْدٍ شَدِيدٍ ، وَتَعْطِيلِ الْمُسَافِرِ عَنْ سَفَرِهِ ، وَصَانِعٍ عَنْ صَنْعَتِهِ وَلَا بَصِيرَةَ لَهُ تَنْفُذُ إِلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُ ذَلِكَ الصَّيِّبِ مِنَ الْحَيَاةِ وَالنَّفْعِ الْعَامِّ . وَهَكَذَا شَأْنُ كُلِّ قَاصِرِ النَّظَرِ ، ضَعِيفِ الْعَقْلِ ، لَا يُجَاوِزُ نَظَرُهُ الْأَمْرَ الْمَكْرُوهَ الظَّاهِرَ إِلَى مَا وَرَاءَهُ مِنْ كُلِّ مَحْبُوبٍ ، وَهَذِهِ حَالُ أَكْثَرِ الْخَلْقِ ، إِلَّا مَنْ صَحَّتْ بَصِيرَتُهُ – [ ص: 66 ] فَإِذَا رَأَى ضَعِيفَ الْبَصِيرَةِ مَا فِي الْجِهَادِ مِنَ التَّعَبِ ، وَالْمَشَاقِّ ، وَالتَّعَرُّضِ لِإِتْلَافِ الْمُهْجَةِ ، وَالْجِرَاحَاتِ الشَّدِيدَةِ ، وَمَلَامَةِ اللُّوَّامِ ، وَمُعَادَاةِ مَنْ يَخَافُ مُعَادَاتَهُ - لَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ مِنَ الْعَوَاقِبِ الْحَمِيدَةِ ، وَالْغَايَاتِ الَّتِي إِلَيْهَا تَسَابَقَ الْمُتَسَابِقُو نَ ، وَفِيهَا تَنَافَسَ الْمُتَنَافِسُو نَ . وَكَذَلِكَ مَنْ عَزَمَ عَلَى سَفَرِ الْحَجِّ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، فَلَمْ يَعْلَمْ - مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ - إِلَّا مَشَقَّةَ السَّفَرِ ، وَمُفَارَقَةَ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ ، وَمُقَاسَاةَ الشَّدَائِدِ ، وَفِرَاقَ الْمَأْلُوفَاتِ ، وَلَا يُجَاوِزُ نَظَرُهُ وَبَصِيرَتُهُ آخِرَ هَذَا السَّفَرِ ، وَمَآلَهُ ، وَعَاقِبَتَهُ - فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيْهِ ، وَلَا يَعْزِمُ عَلَيْهِ . وَحَالُ هَؤُلَاءِ ، حَالُ الضَّعِيفِ الْبَصِيرَةِ وَالْإِيمَانِ ، الَّذِي يَرَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ . وَالزَّوَاجِرِ وَالنَّوَاهِي ، وَالْأَوَامِرِ الشَّاقَّةِ عَلَى النُّفُوسِ الَّتِي تَفْطِمُهَا عَنْ رِضَاعِهَا مِنْ ثَدْيِ الْمَأْلُوفَاتِ وَالشَّهَوَاتِ -وَالْفِطَامُ عَلَى الصَّبِيِّ أَصْعَبُ شَيْءٍ ، وَأَشَقُّهُ- وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ صِبْيَانُ الْعُقُولِ ، إِلَّا مَنْ بَلَغَ مَبَالِغَ الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ الْأَلِبَّاءِ ، وَأَدْرَكَ الْحَقَّ عِلْمًا ، وَعَمَلًا ، وَمَعْرِفَةً ، فَهُوَ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى مَا وَرَاءِ الصَّيِّبِ ، وَمَا فِيهِ - مِنَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالصَّوَاعِقِ - وَيَعْلَمُ أَنَّهُ حَيَاةُ الْوُجُودِ . التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: قَالَ الْقَاشَانِيُّ : "إِنَّمَا بُولِغَ فِي ذِكْرِ فَرِيقِ الْمُنَافِقِينَ ، وَذَمِّهِمْ ، وَتَعْيِيرِهِمْ ، وَتَقْبِيحِ صُورَةِ حَالِهِمْ ، وَتَهْدِيدِهِمْ ، وَإِبْعَادِهِمْ ، وَتَهْجِينِ سِيَرِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ : لِإِمْكَانِ قَبُولِهِمْ لِلْهِدَايَةِ ، وَزَوَالِ مَرَضِهِمُ الْعَارِضِ . عَسَى التَّقْرِيعُ يَكْسِرُ أَعْوَادَ شَكَائِمِهِمْ ، وَالتَّوْبِيخُ يُقْلِعُ أُصُولَ رَذَائِلِهِمْ ، فَتَتَزَكَّى بَوَاطِنُهُمْ ، وَتَتَنَوَّرُ قُلُوبُهُمْ ، فَيَسْلُكُوا طَرِيقَ الْحَقِّ ، وَلَعَلَّ مُوَادَعَةَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمُلَاطَفَتَهُ مْ إِيَّاهُمْ ، وَمُجَالَسَتَهُ مْ مَعَهُمْ - تَسْتَمِيلُ طِبَاعَهُمْ ، فَتُهَيِّجُ فِيهِمْ مَحَبَّةً مَا ، وَشَوْقًا تَلِينُ بِهِ قُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، وَتَنْقَادُ بِهِ نُفُوسُهُمْ لِأَمْرِ اللَّهِ ، فَيَتُوبُوا وَيُصْلِحُوا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |